في منتصف ستينيات القرن العشرين – وفي بداية حقبة التفرغ والتبلور للمشروع الفكري” – الذي جعلته رسالة حياتي” – كان العكوف على السمع والتحقيق والدراسة والنشر السلسلة الأعمال الكاملة لأعلام اليقظة الإسلامية الحديثة، وأئمة التجديد لحياتنا الفكرية، ومشروعنا النهضوي، كان هذا المشروع وأحدا من المهام الفكرية التي توفرت على إنجازها.
ذلك أني وجدت أن حياتنا الفكرية المعاصرة قد سلطت وتسلط كل الأضواء إما على فكر “الجمود والتقليد”، أو “الشعوذة والخرافة”، أو على الفكر “العلماني والتغريبي”، الذي يمثل امتداداً سرطانياً للحضارة الغربية الغازية الوطن العروبة وعالم الإسلام، ولذلك ساد في واقعنا الفكري ذلك الاستقطاب الحاد بين تراث والتقليد والخرافة وبين الوافد الضار للعلمانية والتغريب والاستلاب الحضاري، وغابت التأثيرات الفاعلة المدرسة الإحياء والتجديد والوسطية عن الساحة الفكرية المعاصرة إلى حد كبير.
وحتى يعود هذا التيار الإحيائي والتجديدي إلى الفعل والفاعلية في واقعنا الفكري من جديد، كانت اهتماماتي – في “مشروعي الفكري” بالجمع والتحقيق والدراسة والنشر لسلسلة الأعمال الكاملة لأعلام هذا التيار.
ولقد يسر الله – سبحانه وتعالى – إنجاز هذا المقصد الفكري بالنسبة الأعمال : رفاعة رافع الطهطاوي [1216- 1290هـ / 1801 – 1873هـ]، وجمال الدين الأفغاني [1254- 1314هـ / 1838هـ – 1897هـ]، وعبد الرحمن الكواكبي [1270-1320هـ / 1854- 1902هـ]، وعلى مبارك [1239- 1311هـ/ 1823-1893م]، وقاسم أمين [1280-1326هـ / 1863-1908م].
ولقد كان ترتيب الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده – في إخراج هذا المشروع – الحلقة الثانية – والتالية – الأعمال الأفغاني، وذلك إيمانا مني بأن الأفغاني كان الرائد لليقظة الإسلامية الحديثة، وأن محمد عبده كان المهندس الأكبر للتجديد الإسلامي في عصرنا الحديث.
وحتى يعلم الباحث والقارئ الضرورة الفكرية” التي كانت تلح على عقلي ووجداني لإنجاز هذا المشروع،، يكفي أن أشير هنا – بالنسبة لأعمال الإمام محمد عبده – إلى الحالة المعيبة والبائسة التي كانت عليها الآثار الفكرية لهذا الإمام العظيم، فلم يكن متداولا ومعروفا بين المثقفين والباحثين من هذه الآثار الفكرية سوى:
- تفسيره لسورة الفاتحة.
- وتفسيره لجزء عم.
- ورسالة التوحيد.
- وكتاب الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية.
- والجزء الثاني من تاريخ الأستاذ الإمام – الذي كتبه تلميذه العظيم الشيخ محمد رشيد رضا [1282-1354هـ/ 1865-1935م] – جزء [المنشآت] – والذي ضمنه الشيخ رشيد طائفة من مقالات الأستاذ الإمام، وهو جزء لم يكن معروفا إلا للخاصة، الذين يطلعون عليه في المكتبات العامة فقط لا غير.
ولم تكن القضية بالنسبة لهذه الآثار الفكرية مجرد غيبة حضورها في المكتبات، ولا مجرد تبعثر المطبوع منها، ولا ندرة هذه الطبعات، ولا حتى غيبة الدراسات الجامعة التي تلقى عليها وعلى صاحبها الأضواء العصرية الواعية، وإنما كان هناك – فوق ذلك كله – ما هو أكبر وأخطر وأسوأ، كان هناك “التزييف، المتعمد” الذي لعبت أصابعه الآثمة بهذه الآثار والأعمال !!
ذلك أن فكرة جميع الأعمال الفكرية للأستاذ الإمام كانت واردة ومطروحة منذ وفاته [1323هـ / 1905م] ” وكانت موضوع اهتمامات كوكبة من تلاميذه وأركان تياره الفكري – بجناحيه الديني والمدني – ولكنها – مع شديد الأسف – كانت موجودة لا بهدف تقديم هذه الأعمال الفكرية كاملة للباحثين والمفكرين والقراء، وإنما بهدف تقديم الأعمال والصفحات التي لا تغضب السلطات الحاكمة في مصر يومئذ:
- سلطة الاحتلال الإنجليزي لمصر – بقيادة اللورد “كرومر” [1841 – أما ۱۹1۷م].
- وسلطة الخديوي عباس حلمي الثاني [1291- 1363هـ / 1874-1944].
- فلقد وقف هذا الهدف وتلك الغاية من خلف تلك اللجنة التي دعا إلى قيامها، وأقامها سعد زغلول باشا [1273- 1346هـ / 1857-1927م] بحكم علاقته الوثيقة بالأستاذ الإمام، وبصفته “عميد حزبه المدني، وأقوى أركانه”، وذلك عندما علم هذا “الحزب” وذلك التيار الفكري أن الشيخ محمد رشيد رضا يفكر في كتابة تاريخ للأستاذ الإمام، فخشوا أن تقدم من صفحات هذا التاريخ حقائق تخرج مركزهم وعلاقتهم بالسلطة الإنجليزية والخديوي عباس حلمي الثاني.
ولقد انتهى الأمر باشتراكهم مع الشيخ رشيد رضا في التأريخ للإمام، وفي تقديم الصفحات التي لا تغضب الإنجليز ولا الخديوي من أعماله وأفكاره، أي أن هذا التحريف والتزييف قد انسحب على “التاريخ” كما انسحب على “الأعمال” !.
ولقد حكي الشيخ رشيد رضا بنفسه وقائع هذا الذي حدث لتاريخ الأستاذ الإمام وأعماله الفكرية فقال: إنه بعد وفاة الأستاذ الإمام، أعلنت عزمي على كتابة تاريخه، فجاءني رسول من قبل الشيخ عبد الكريم سلمان [1265- 1336هـ / 1849- 1918م] وقال لي: ” إن أصدقاءه – أصدقاء الإمام] – قرروا تأليف تاريخه بالتعاون بينهم، وهم به أولى، فقلت للمبلغ: إن تأليف تاريخين لهذا الإمام الكبير ليس بكثير ولا كبير، فليكتبوا ما عندهم، وأنا أكتب ما عندي، ثم أرسل إلي عميد حزبه المدني، وأقوى أركانه : سعد باشا زغلول [1273- 1346هـ/ 1857-1927] فجئته، فبلغني أنه هو وإخوانه من مربدي الإمام وأصدقائه يرون أن أتولى كتابة تاريخه، وأن يساعدوني بما لديهم من المواد والمعلومات، ثم يساعدوني على طبعه ونشره بالمال، بشرط أن أطلعهم على عملي، وأستشيرهم فيه، فإن كثيرا من سيرته، رحمه الله، كانوا يعدون متكافلين معه فيه، ويعدون من بعده مسؤولين عنه.
فأجبته: إني لست إلا واحداً منكم، بل أنا أصغركم، ولا أستغني عن مساعدتكم ومشاورتكم، ولا أحب الخروج عما ترونه من مصلحتكم.
وفي إثر ذلك اجتمع – بدعوة منه – [أي بدعوة من سعد زغلول باشا] – الشيخ عبد الكريم سلمان، وحسن باشا عاصم، ومحمد بك راسم، وقاسم بك أمين، والشيخ عبد الرحيم الدمرداش وقرروا ندب أحدهم : فتحي زغلول ليكون نائباً عنهم في التعاون والتشاور جماعتهم بسمو الخديوي، ومحيطا بسياسته وسياسة الإنجليز في الأمور علما وهما الجانبان اللذان يحسب لرضاهما وسخطهما كل حساب، وبلغوا حمودة بك عبده ذلك، وأنه يرضيهم أن يعطيني ما عنده من مواد هذا التاريخ”([i]). هكذا يعترف الشيخ رشيد رضا – كاتب [تاريخ الأستاذ الإمام] – أن هذا التاريخ قد روعي في كتابته عدم إغضاب سلطات الاحتلال الإنجليزي، وسلطان الخديوي عباس حلمي الثاني. وعندما تعلق الأمر بالأعمال الفكرية للأستاذ الإمام، تمخض الجهد عن عمل هزيل ومشوه ومعيب، تمثل في الجزء الثاني من تاريخه – وهو الذي سمي بجزء المنشآت) أما أنه هزيل؛ فلأنه لا يضم من أعمال الرجل الفكرية، إلا النذر اليسير، إذ أن ما فيه، مما هو حقا للإمام، لا يكاد يبلغ سدس حجم أعماله الفكرية ! وأما أنه مشوه؛ فلأن السياسة، كما قدمنا، قد لعبت لعبتها في المواد التي وضعت فيه، ونحن نقرأ للشيخ رشيد رضا – وهو الذي وضع اسمه على هذا الجزء، باعتباره الجامع له – أن فتحي زغلول باشا قد اقترح أن تحذف من مواده – خصوصا مقالات العروة الوثقي – ما يغضب الإنجليز، فيقول:
“فأما ما كان منها خاصاً بالسياسة، ومسألة مصر والسودان، وتهييج العالم الإسلامي والهند على الدولة الإنكليزية فقد وافقته – [أي وافق الشيخ رشيد فتحي زغلول – على تركه، وعدم نشر شي نود منه في منشآته؛ لأن الحرية في مصر لا تتسع لنشرها، وأما المقالات الإصلاحية العامة التي بث الحكيمان – الأفغاني والإمام] – فيها الدعوة إلى جميع كلمة المسلمين، فقد اتفقنا على نشر أكثرها، وترك ما تعده إنكلترة تحريضا عليها منها، ولكنه – أي فتحي زغلول باشا) – أشار أيضا بحذف جمل من بعض المقالات ما وافقته عليها إلا كارها([ii]) !!
فإذا علمنا أن الذي قدم إلى الشيخ رشيد رضا مقالات الأستاذ الإمام في [الوقائع المصرية] هو فتح باشا زغلول، إذ هو الذي “نسخ مقالات الإمام الإصلاحية من جريدة الوقائع الرسمية، إذ كان يقتني مجموعتها”([iii]) ۔ كما يقول الشيخ رشيد – أدركنا ما لحقها هي الأخرى من تشويه بفعل الحذف” و”الاختيار” الذي توخي عدم إغضاب س لطات الاحتلال والخديوي عباس في ذلك الحين.
وأما أن هذا العمل محيب؛ فلأنه لم يقوم على أس التحقيق العلمي للنصوص، فنسبت محتوياته إلى الأستاذ الإمام، على حين أن الكثير منها ليس له، وليس من الإنسان ولا من الأمانة العلمية أن ينسب إليه دون أصحابه الحقيقيين، وهذه قضية على جانب كبير من الأهمية، ولم تنطبق فقط على جزء المنشآت] هذا، بل انسحبت على الكثير من آثار الأستاذ الإمام، ومن هنا تأتي أهمية جهد “التحقيق” الذي بذلناه في إنتاج هذه الأعمال، بعد جهد “المع” لها من عدد كبير جدا من المصادر والمراجع والمظان، وهو رابط مح” الذي استعنا فيه أيضا بقواعد التحقيق العلمي للنصوص، لتمييز ما هو للإمام مما هو لغيره من المفكرين والكتاب.
إن سبع سنوات قد احتاجها انحاز هذا العمل، قد وفرت تحديد العديد من المعايير – الأسلوبية، والفكرية – التي أعانت على “تحقيق” نسبة النصوص – التي نشرت دون توقيع – إلى أصحابها الحقيقيين، وهي – في هذا المقام – قد قاربت الثمانين نصا، فيها المقالات، والرسائل، بل والكتب أيضاً.
ونحن إذا شئنا ضرب الأمثلة على ذلك الخلط الذي وقع فيه من تعرض النشر نصوص الأستاذ الإمام من قبل، وخاصة الشيخ رشيد رضا – مع علمه وفضله وإمامته في الفقه والتفسير والإصلاح – وجدنا من الأمثلة الكثير والكثير، ولكننا نكتفي هنا بتقديم إشارات إلى عدد من النصوص التي ميزنا – “بالتحقيق” – نسبتها الحقيقية إلى أصحابها الحقيقيين، وذلك مثل:
- [رسالة الواردات في س ر التجليات] – التي نسبت للأستاذ الإمام، وحققنا نسبتها إلى جمال الدين الأفغاني.
- [رسالة المدير الإنساني والمدبر العقلي الروحاني] – التي نسبت للأستاذ الإمام، وحققنا أنها من مترجمات على مبارك باشا، وأن دور الإمام فيها كان دور الصياغة البلاغية لأسلوبها.
- [التعليقات على شرح الدواني للعقائد العضدية] الذي نسب – وهو كتاب كبير – إلى الأستاذ الإمام، وحققنا نسبته إلى جمال الدين الأفغاني.
- كتاب [مصر وإسماعيل باشا] – الذي نشر في صحيفة [الطائف] لصاحبها ومحررها عبد الله النديم [1261-1314هـ – 1845-1896م]، وحققنا نسبته إلى الأستاذ الإمام.
- مقالات [الوقائع المصرية] – التي كانت تنشر دون توقيع، والتي حققنا نسبتها إلى أصحابها – الأستاذ الإمام – رئيس التحرير – أوس عد زغلول، أوعبد الكريم سلمان، أوسيد وفا، أوإبراهيم الهلباوي، أوغيرهم من الكتاب.
- مقالات [العروة الوثقي] – والتي حققنا نسبتها إلى صاحب سياسة المجلة جمال الدين الأفغاني، وليس إلى “محرر” المجلة الأستاذ الإمام.
- الفصول التي مثلت رأي الشرع والفقه في قضايا تحرير المرأة – الزواج، والطلاق، والتعدد، وعلاقة الرجل بالمرأة – والتي تضمنها كتاب [تحرير المرأة] لقاسم أمين [1280-1326هـ/ 1863-1908] ولقد حققنا نسبتها للأستاذ الإمام.
- وتفسير الأستاذ الإمام لما فسر من القرآن : والذي ميزناه – بالتحقيق – عن تفسير الشيخ رشيد رضا، في [تفسير المنار].
الخ، الخ، الخ، النصوص التي ميزناها- بالتحقيق – فنسبناها إلى أصحابها الحقيقيين، وكتبنا الأدلة التي استندنا إليها في هذا التحقيق والتمييز، وهي الأدلة التي استغرقت في التقديم الأعمال الإمام نحوا من سبعين صفحة !!، قامت دليلا على الجهد الذي بذلناه في هذا التحقيق ([iv]).
ولون انتصر من ألوان الخلط والتزييف المتعمد، والمتكرر – حتي اشتهرت طبعاته شهرة الأكاذيب الشائعة ! – اقترفه العلمانيون المتغربون إزاء واحد من أهم كتب الأستاذ الإمام – وهو كتاب الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية] – فلقد قاموا بتزوير” عنوان الكتاب الذي كتبه الأستاذ الإمام، في الأصل، مقالات رد بها على فرح أنطون [1874-1922م] دعواه أن النصرانية أكثر تسامحاً مع العلم والعلماء من الإسلام، وبعد أن نشرت هذه المقالات في مجلة المنار] جمعها الشيخ محمد رشيد رضا، وطبعها في كتاب مستقل عنوانه : والإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية – ولقد استأذن رشيد رضا الأستاذ الإمام في اختيار هذا العنوان، فوافق عليه، وبنص عبارة رشيد رضا- في تأريخه للأستاذ الإمام – : “[الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية] : وهو مقالات كتبها والأستاذ الإمام لمجلة المنار، ثم جردناها منها وطبعناها على حدتها، وسميناها بهذا الاسم بإذنه، فجاءت كتابا مستقلا، أعيد طبعه مرارا”([v]).
ولقد أعيد طبع هذا الكتاب، بنفس العنوان، مرتين في حياة الأستاذ الإمام، الأولى في السنة الخامسة من تاريخ صدور [المنار] والثانية ۱۲۲۳ هـ 1905م – سنة وفاة الأستاذ الإمام – ثم تكررت طباعته بذات العنوان.
وإذا كان الأستاذ الإمام قد كتب هذا الكتاب ردا على قول فرح أنطون: ” إن العلم والفلسفة قد تمكنا إلى الآن من التغلب على الاضطهاد المسيحي، ولذلك نما غرسهما في تربة أوربا وأينع، وأثمر التمدن الحديث، ولكنهما لم يمكنا من التغلب على الاضطهاد الإسلامي.
وفي هذا دليل واقعي على أن النصرانية كانت أكثر تسامحاً”([vi]).
فإن التزوير العلماني لعنوان الكتاب وجعله : [الإسلام بين العلم والمدنية] – بحذف كلمة “النصرانية” – يتجاوز تزوير “العنوان” إلى تزوير “رسالة الكتاب”!.
- ولقد حدث ذلك بالفعل، فقام العلمانيون المتغربون – بعد تزوير “العنوان” – بتزوير “المحتوى”، وذلك عندما حذفوا كل ما كتبه الأستاذ الإمام عن النصرانية، في معرض مقارنته بين أصولها وبين أصول الإسلام، وتأثير ذلك على موقف الدينين من العلم والمدنية !، لقد حذفوا أكثر من ثلاثين صفحة ([vii]). فيها هذه العناوين وما كتبه تحتها :
“الجواب الإجمالي للأستاذ الإمام على دعوي فرح أنطون”.
“جواب تفصيلي”، وفيه : “نفي القتال بين المسلمين لأجل الاعتقاد”.
و”تساهل المسلمين مع أهل العلم والنظر من كل ملة”.
و”طائفة من الحكماء والعلماء الذين حظوا عند الخلفاء”.
- وهي مباحث أساسية في موضوع الكتاب.
بل وحذفوا ما كتبه الإمام عن أصول النصرانية – وهومن أنفس ما كتبه في مقارنة النصرانية بالإسلام، وأعمق ما كتب في هذا الباب – ومنها الأصول الستة للنصرانية، والتي قدم لها ببحث عن:
“طبيعة الدين المسيحي”
و”تمهيد” لهذه الأصول الستة، ثم توالت عناوينها :
“الأصل الأول للنصرانية : الخوارق”
و”الأصل الثاني للنصرانية : سلطة الرؤساء”.
و”الأصل الثالث للنصرانية : ترك الدنيا”.
و”الأصل الرابع للنصرانية: الإيمان بغير المعقول”.
و”الأصل الخامس للنصرانية: أن الكتب المقدسة حاوية لكل ما يحتاج إليه البشر في المعاش والمعاد”.
و”الأصل السادس للنصرانية : التفريق بين المسيحيين وغيرهم حتى الأقربين”.
ثم حذف العلمانيون المتغربون المباحث التي استخلص فيها الأستاذ الإمام دلالات هذه الأصولي على موقف النصرانية من العلم والمدنية، وهي المباحث التي ذكرها تحت عناوين :
“نتائج هذه الأصول وآثارها”،
و”مقاومة النصرانية للعلم”.
و”مراقبة المطبوعات ومحكمة التفتيش”.
و”اضطهاد المسيحية للمسلمين واليهود والعلماء عامة”.
و”مقاومة السلطة المدنية وحدية الاعتقاد.
و”مقاومة الجمعيات العلمية والكتب”.
و”البروتستانت والإصلاح”.
و”الفصل بين الس لطتين في المسيحية”.
واعتقاد المسلمين في المسيح والمسيحية”.
كل هذه المباحث قد حذفتها الطبعات العلمانية المزورة من كتاب الأستاذ الإمام، توسلا إلى إدراج الأستاذ الإمام ضمن العلمانيين و”التنويريين – بالمعنى الغربي والوضعي واللاديني – فسارتكبوا بذلك “مذبحة فكرية” قل نظير ما في ميدان تزوير الكتب ومسخ المؤلفات! ([viii]).
- وبعد هذا “التزوير” بالحذف والبتر، اقترفت هذه الطبعة “تزويراً” آخر بالحشووالإضافة، فأدخلت في هذا الكتاب ما لا علاقة له به!.
لقد حشروا في هذه الطبعة المزورة مباحث لا علاقة لها بموضوع الكتاب.
وذلك مثل :
بحث: “الإنسان عالم صناعي” وهومن مقالات مجلة [العروة الوثقي]، كتبه جمال الدين الأفغاني، وليس للأستاذ الإمام، ونشر في [العروة الوثقي] سنة ۱۸۸۳م، أي قبل تأليف كتاب الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية] بعشرين عاما!، ولا علاقة له بموضوع المعركة الفكرية التي كتب لنا وفيها هذا الكتاب!.
أبحاث: “المسألة الإسلامية بين هانوتو والإمام” – وهي ست مقالات كتبها الأستاذ الإمام ردا على الكاتب والسياسي الفرنسي “جابرييل هانوتو” [۱۸5۳- 1944م]، وليس على فرح أنطون، وكتبها في سنة ۱۹۰۰م، أي قبل سنوات من كتابة مباحث الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية]، ونشرها الإمام في صحيفة المؤيد] وليس في مجلة [المنار] – التي رد فيها على فرح أنطون!، الأمر الذي لا يترك عذرا يبرر هذا الخلط الكبير والكثير والغريب، الذي بلغ قمة “التزوير” !.
لذلك، كان الجمع والتحقيق والدراسة للأعمال الكاملة للأستاذ الإمام أكبر من مجرد إنجاز فكري تحتاجه حياتنا الفكرية حاجة ماسة وشديدة، لقد كان – بالإضافة إلى ذلك – رفقا “لجريمة تزييف كبرى ” ارتكبت في حق هذا الصرح من صروح الفكر المحدد لهذا الإمام العظيم.
وإذا كان الجمع والتحقيق لهذه الأعمال الكاملة قد اقتضي واستوجب ما هوأكثر من التحقيق العلمي” الذي ميز بين هذه النصوص والمقالات والكتب التي اختلطت وشاعت بين الأستاذ الإمام وبين أعلام مدرسته الفكرية، كما اقتضي مراجعة دوريات قرن كامل، تناثرت فيها مقالات وآثار فكرية للأستاذ الإمام، فإن إنجاز هذا العمل قد اقتضى – أيضا، فض مغاليق سجلات فتاوى الأستاذ الإمام بدار الإفتاء – التابعة لوزارة العدل – حاليا ۔ نظارة الحقانية” – سابقا، ولهذه الصفحة من صفحات والأعمال الكاملة] “قصة” جسدت جهدا يستحق الإشارة والتنويه.
فلقد ذهبت – يومئذ ۱۹۷۳م – إلى فضيلة المفتي – المرحوم الشيخ محمد خاطر وأهديت إليه الأجزاء الثلاثة التي كانت قد صدرت من هذه الأعمال الكاملة] – طبعة المؤسسة العربية – بيروت ۱۹۷۲م – وطلبت منه أن يتيح لي الاطلاع على سجلات الفتاوى في الحقبة التي تولى فيها الأستاذ الإمام منصب الإفتاء، لأضمن أعماله الفكرية الفتاوي المتميزة والتي تقدم صفحات من الاجتهاد والتجديد الذي تميز به فقه الأستاذ الإمام.
ولقد تحمس الشيخ خاطر للمشروع، بل وتمنى تكرار هذا الجهد مع غير الأستاذ الإمام من الأعلام الذين تولوا منصب الإفتاء، لكنه أخبرني بأنه لا يستطيع أن يضع بين يدي سجلات الفتاوى إلا بعد استئذان وزير العدل، فلما ذهبت إليه مرة ثانية، كان الخبر المخيب للآمال، ذلك أن وزير العدل – سامحه الله – قد نظر إلى الموضوع نظرة العرضحالي” وكاتب “الأرشيف، فطلب أن أسدد – رسما – مبلا كبيرا من المال – لا أذكر الآن قدره – لقاء كل صفحة من صفحات الفتاوى في السجلات!!، ولم يكن هذا الوزير يدري أني طالب علم، ورامب، في محراب الفكر، وأن دخلي الثابت – وأنا رب أسرة – لا يبلغ – يومئذ – الثلاثين جنيها !!، وأن ناشر [الأعمال الكاملة] كان يدفع لي عن كل بلد “مبلغا قطعا” قدره مٹتا جنيه فقط لاغير – وهومبلغ لم يكن يغلى ثمن المراجع وأجدور المواصلات إلى دور الكتب والمحفوظات !!، لم يكن الوزير باري شيئا عن “الحالة” ولا عن “المقاصا” العلمية، وإنما تعامل مع الموضوع تعامل موظفي “الأرشيف” !.
لكني لم أيأس، فلقد كنت عازما على أن لا تخلوهذه [الأعمال الكاملة] من تقديم المعالم البارزة والمتميزة لأنظم من تولوا منصب الإفتاء بمصر والشرق في العصر الحديث، “فتحايلت” على الأمر، وساعدني الشيخ محمد خاطر – يرحمه الله – على تحقيق بعض ما أريد، فأتاح لي “الاطلاع على الفتاوي، دون التصوير” لها، فعكفت الأيام الطوال على الاطلاع” – وأيضا على النسخه باليد – لما رأيته هاما ومتميزا من فتاوي الأستاذ الإمام، بل – وهذا “سر” أبوح به للمرة الأولى – لقد عزمت ملي تصوير بعض الفتاوي التي أصدرها الأستاذ الإمام – والتي لا تزال موضوعاتها تشير الجدل الفكري والفقهي حتى الآن – مثل فتاوى التأمين على الحياة – “ففككت ” خيوط “السجل” ونزلت إلى مكتب التصوير – ميدان العباسية، حيث كانت دار الافتاء يومئذ – وصورت الفتاوى، ثم أعدت الأوراق ثانية إلى “السجل” من جديد، وذلك لتصدر هذه الفتاوي “مصورة” فتكون – مع نظائرها من فتاواه في أرباح وعائدات صناديق التوفير – “وثيقة” في أيدي الذين لا يزالون مختلفين حول موقف الفقه الإسلامي من هذا الموضوع، وحول موقف الأستاذ الإمام على وجه الخصوص.
وحتى يدرك الباحثون والقراء أهمية هذا المصدر – سجلات الفتاوي بنظارة الحقانية – في اكتمال قسمات [الأعمال الفكرية للأستاذ الإمام، يكفي أن نقول:
أولاً : أن هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها الستار عن هذه الصفحة من صفحات فكر وفقه الأستاذ الإمام، والمرة الأولى التي تتكشف فيها للباحثين والقراء أبعاد الجهد الفكري والفقهي الذي أنجزه الرجل بوصفه مفتيا للديار المصرية ومرجعاً للعالم الإسلامي في شؤونه الدينية.
فحتى الشيخ رشيد رضا – الذي كان أوثق علماء ذلك العصر صلة بالأستاذ الإمام – لم تتح له فرصة الاطلاع على فتاوى الأستاذ الإمام في دار الإفتاء، ولم يشر إليها في كل ما كتب عنه، بل لقد ألمح إلى أنه لم يطلع عليها([ix]).
وإذا كانت بعض الفتاوى التي تضمنتها “مضبطة” دار الإفتاء للأستاذ الإمام قد نشرت في صحافة ذلك العصر، فإنها لا تمثل إلا صفحات لا تذكر إذا ما قيست بحجم الفتاوى التي ظلت حبيسة سجلات دار الإفتاء حتى قيامنا بهذا الجهد الذي أنجزناه.
وعلى وجه التحديد، فإن ما نشرمنها لا يتعدى:
- الفتوى الهندية: التي تتحدث عنالتعامل بين المسلمين وغير المسلمين،وهي التي جاءت في ص 44 – 47 منالسجل الثالث من سجلات دار الإفتاء.
- فتوي طوفان نوح: وهي التيجاءت في ص 44 من السجل الثاني منسجلات دار الإفتاء.
- الفتوى الترنسفالية: وهي التي جاءت في ص ۳۱ من السجل الثالث منسجلات دار الإفتاء.
- الفتوى التي كتبها الأستاذ الإمامفي صورة مشروع قانون لتنظيم الإنفاقعلى الزوجة والتطليق على الزوج: وهيالتي جاءت في ص۲۱ من السجل الثالثمن سجلات دار الإفتاء.
أما غير هذه الفتاوى الأربعة فلقد ظلبعيداً عن متناول القراء والدارسينوالباحثين، فإذا علمنا أن مجموع الفتاويالتي أصدرها الأستاذ الإمام، والتي دونتفي “مضبطة” دار الإفتاء، قد بلغ عددها944 فتوي، استغرقت السجل الثاني من سجلات “مضبطة” دار الإفتاء بأكمله – وصفحاته ۱۹۸ صفحة – كما استغرقت 159 صفحة من صفحات السجل الثالث – [وعدد أسطر الصفحة ۳۰ سطرا، ومتوسط عدد كلمات السطر ۳۰ كلمة) – أدركنا إلى أي حد قد فتح التحقيق هذه الأعمال، وفك مغاليق مجالات دار الإفتاء، بابا جديدا أفضي بنا إلى عالم بكر وصفة هامة من صفحات فقه الأستاذ الإمام الذي خلالنا بعيدين عنه، وبحاملين به طوال تلك السنوات.
ثانيا : إن الأستاذ الإمام قد استمر اين مهمة الإفتاء ست سنوات كاملة (من 3 يونيو۱۸۹۹م – ۲4 محرم ۱۳۱۷هـ حتى وفاته في ۱۱ يوليو1905م – 7 جمادى الأولى ۱۳۲۳ق)، وأول فتوى أصدرها كان تاريخها ۲ صفر ۱۳۱۷هـ – أي بعد أسبوع من توليه هذا المنصب – وفيها رد محكم محكمة الاستئناف الأهلية بمصر، التي تمت فيه بالإعدام على متهم بالقتل، فوضع الأستاذ الإمام بهذه الفتوى تقليدا جديدا غير مسبوق، عندما قرر سلطاناً فقهياً لم يعهد من قبل الصاحب هذا المنصب، وذلك بناء على دراسته القانونية والفقهية لقضايا القصاص وتشريعاتها والفقه المتعلق بها، وذلك بعد أن كان الشيخ حسونة النواوي [1255-1343هـ / 1839-1924م] يكتب في مثل هذه الحالات – غالبا – التعليق التقليدي الذي يقول فيه :
“والذي يقتضيه الحكم الشرعي في ذلك أنه متي ثبت القتل عمدا بالطريق الشرعي، فلولي الجناية القصاص شراء والله أعلم”([x]).
أما آخر فتاوى الأستاذ فتارينها 4 ربيع الثاني ۱۳۲۳هـ – أي قبل وفاته – في 7 جمادى الأولى ۱۳۲۳ هـ – بشهر وثلاثة أيام، وهي مدة اشتداد مرضه الذي مات فيه – رحمه الله – وكان موضوع هذه الفتوى عن “الحلوان”.
ثالثاً : إن هذه الفتاوى، التي يقرب عددا من الألف، تعتبر وثيقة هامة، بل من أهم وثائق العصر، لمن يريد دراسة حياة المجتمع في ذلك الحين، فهي مرآة تعكس مشاكل الحياة وهموم الناس، وتحكي عن الثغرات التي كانت قد اتسمت، يومئذ في النظام الاجتماعي والاقتصادي، وحالة الأسرة المصرية والشرقية وأمراضها الاجتماعية، ومن ثم فإنها وثيقة أجتماعية لا يمكن دراسة واقع العصر بدون تحليل مضامينها.
رابعاً: كما ستضع هذه الفتاوي يدنا على صفحة من صفحات الوحدة الوطنية لهذه الأمة، نعتقد أن تأملها سيبلور أمامنا نموذجا وقدوة نحتاجهما اليوم وغدا وعلى مر الأيام والمصور.
فنحن نلمس – من خلال هذه الفتاوى – أن الأستاذ الإمام لم يكن مفتيا لمسلمي مصر فقط، وإنما كان مفتيا ومرجئا لكل الشعب المصري، مختلف طوائفه وأديانه، فالأقباط يسألونه في مشاكلهم المادية والأسرية، فيفتيهم، وأبناء الجاليات الأوربية يستفتونه فيفتيهم، و”بطر كخانة” الروم تصنع نفس الشيء، بل وحاخامات اليهود، لا في مصر فقط بل وفي “نكا” مثلا!، وعلى يدي هذا الإمام كانت الشريعة الإسلامية تشريع أمة وتراث شعب وحضارة، وليست فكرا خاصا بدين دون دين، فبالإسلام وسماحته أفتي بأن للأم المسيحية حضانة أولادها من زوجها الذي اعتنق الإسلام، وبكثير من الفتاوى التي جعلت غير المسلمين يبحثون عن الحلول المشكلاتهم في الإسلام وشريعته السمحاء.
خامساً : ونحن سنجد في هذه الفتاوي الفقه الذي أجتهد ليفتح أمام المجتمع المصري والشرقي – يومئذ – أبواب النموالصناعي والتجاري في الاقتصاد، وذلك من خلال الفتاوى التي أصدرها الإمام في جواز التأمين على الحياة، وأرباح شركات التأمين – بالإضافة إلى مراجعته لنظام صندوق التوفير وإفتائه بجواز أخذ الأرباح العائدة للمودعين والمدخرين فيه، وهو نفسه كان يفتتح الطريق أمام إنشاء الشركات المساهمة، وتشغيل الأموال في السوق الرأسمالية، وتقاضي أرباح الأسهم في هذه الشركات، ومن ثم يدفع الحياة الاقتصادية إلى نمط من التنمية والإنتاج تنافس به الزحف الرأسمالي الأجنبي القادم في ركاب الاستعمار.
سادساً : كما ستضع هذه الفتاوي يدنا على حقيقة أن محمد عبده لم يكن فقط مفتيا للديار المصرية، وإنما كان مفتيا الدار الإسلام”، فكانت دار الإفتاء مرجعية للأمة كلها، وكان هذا الإمام العظيم إمام هذه الأمة طوال سنوات تربعه على كرسي دار الإفتاء.
هكذا أضاف الجهد العلمي – الذي أعان الله عليه – صفحة غنية وهامة ومتميزة من صفحات هذه الأعمال الكاملة للأستاذ الإمام.
وكم كانت سعادتي غامرة وبالغة عندما أصبحت الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده حاضرة – مجلداتها الخمسة – التي تقترب صفحاتها من 4000 (أربعة آلاف صفحة).
- يضم الجزء الأول – ۸۳۹ صفحة – مع الدراسة التي تناولت حياة الإمام وفكره – الكتابات السياسية، مرتبة ترتيبا موضوعيا وتاريخياً.
- ويضم الجزء الثاني – ۷۱۱ صفحة – كتاباته الاجتماعية، والفتاوي الممثلة الأبرز معالم إنجازاته التجديدية في هذا الميدان.
- ويضم الجزء الثالث – 575 صفحة – كتاباته في التجديد الديني لعلم الكلام، والإلهيات، والتربية والتعليم، وإصلاح الأزهر والمؤسسات التي تصنع العقل المسلم.
- ويضم الجزء الرابع – 744 صفحة – والجزء الخامس – ۷۱۹ صفحة – تفسير الأستاذ الإمام لما فسر من سور القرآن الكريم وآياته، مع الفهارس الجامعية لما في هذه [الأعمال الكاملة] من “موضوعات”، و”أعلام”، و”بلدان”، و”فرق ومذاهب وأحزاب وجمعيات”.
وإذا كانت السعادة الكبرى بأي عمل من الأعمال إنما تشرق شمسها عندما يرى الإنسان الآثار والثمرات لهذا العمل، فلقد كانت سعادتي الغامرة تتجلي وتتجدد وأنا أرى هذه الأعمال الكاملة للأستاذ الإمام وقد غدت محاضرة في مصادر الرسائل الجامعية، والكتب والمؤلفات، والدراسات والمقالات، والأبحاث التي تعقد حولها الندوات والمؤتمرات.
لقد حضر إلى الساحة الثقافية أبرز المشروعات الفكرية التي ميزت ما بين:
- التجديد، والحداثة، والتقليد.
- وحددت الفروق الدقيقة بين الدولة الإسلامية المدنية، وبين كل من الدولة الدينية الكهنوتية، والدولة العلمانية اللادينية.
- وجمعت – بالوسطية الإسلامية – بين العقل والنقل والتجربة والوجدان.
- وميزت الحدود الفاصلة بين “المعجزة”، و”الكرامة”، و”الخرافة”.
حتى لكأنها- هذه [الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده] – الديوان الفكري الذي عاش أبرز مشكلات العصر الحديث!.
لقد رأيت ولمست المقصد الذي سايت إليه وتوجهت إلى تحقيقه عندما كان هذا المشروع بشرد “فكرة ” و”أمل”، رأيت هذه الأعمال الفكرية — التي بذلت سبع سنوات من الجهد المضني في جمعها وتحقيقها ودراستها – رأيتها تعود إلى حياتنا الفكرية، لتعمل عملها في تزكية منهاج الوسطية الإسلامية، وإعلاء رايات الاجتهاد والتجديد، رأيتها تحقق الكثير من آمالي في أن يزاحم التجديد ويغالب تياري “الجمود والتقليد والشعوذة والخرافة”، و”العلمانية والتغريب والاستلاب الحضاري” جميا، فكانت فرحة المؤمن بنصر الله، وكان الحمد لله والشكر له – سبحانه وتعالى – على ما وفقي في خدمة العلم والفقه والفكر الذي أبدعه هذا العقل الذي مثل المهندس لأكبر المدرسة الإحياء والتجديد لفكرنا الإسلامي الحديث: الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده – عليه رحمة الله.
([i]) رشيد رضا [تاريخ الأستاذ الإمام] ج۱ ص۲، القاهرة، ۱۹۳۱م.
([iv]) انظر الجزء الأول من [الأعمال الكاملة للإمام محمد] ص205-275، دراسة وتحقيق: د. محمد عمارة، القاهرة: دار الشروق، ۱۹۹۳م.
([v]) تاريخ الأستاذ الإمام، ج1 ص787.
([vi]) الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده، ج۳ ص 248.
([vii]) أنظرها في المصدر السابق، ج3 ص247-278.
([viii]) ولقد بدأت سلسلة هذه الطبعات المزورة لهذا الكتاب بطبعة دار الهلال – في ستينيات القرن العشرين – واستمرت حتي طبعة الهيئة العامة للكتاب – ضمن ما سمي “المواجهة بالتنوير” – ۱۹۹۳م.
([ix]) أنظر [المنار] مج 19 ج9 ص 527-529 ع 30 ربيع الآخر 1335هـ – 22 فبراير 1917م.
([x]) انظر السجل الأول من سجلات دار الإفتاء ص۱۳۸، فتوي ر265، وص۲۷۸، وص ۸ فتوى رقم 14.