أبحاث

تاريخ تقنين الشريعة الإسلامية

العدد 11

يقصد بالتقنين Codification تجميع الأحكام القانونية المبعثرة بين مختلف القوانين والأحكام القضائية والعرف، وإصدارها في مجموعة واحدة لكل فرع من فروع القانون كالمدني والتجاري والجزائي وهكذا، وترتب الأحكام في كل مجموعة ترتيبا موضوعيا وفق تصنيف واضح تقسم فيه الأبواب والفصول وتوضع المواد القانونية في مكانها من هذا التصنيف بعد صياغتها صياغة محكمة توضح مقصود الشارع دون شرح أو تطويل.

وتتولى اللجان حصر واستظهار ما يناقض الأحكام القطعية والقواعد الأساسية للشريعة الإسلامية والعمل على إزالة هذا التناقض بإعداد تشريعات بديلة أخذا من مختلف المذاهب مع تخير أيسر الحلول حسبما تقتضيه المصلحة العامة ومع مراعاة ما جرى عليه العرف في البلاد مما له أصل في مذهب الإمام مالك.

هذا هو الشأن في التقنين بمفهومه الحديث.

تاريخ:

على أن التقنين ليس من مستحدثات الحضارة الحديثة، بل عرفته الإنسانية منذ أقدم العصور:

كشريعة (أورنمو السومرية) بالعراق التي وضعت سنة 2300 ق.م

وشريعة (أسنوتا البابلية) التي وضعت سنة 2200 ق.م

وشريعة (لبت عشتار البابلية) التي وضعت سنة 2150 ق.م

ومجموعة (حمورابي البابلية) التي تحتوي على 282 مادة بأسلوب علمي كالقوانين الحديثة مقسمة إلى فقرات ومواد والتي وضعت سنة 2000 ق.م.

و (تشريع حور محب المصري) الذي صدر سنة 1330 ق.م.

و (شريعة مانو الهندية) ذات الصباغة الشعرية المكونة من 2685 بيتا والتي وضعت على أرجح الآراء في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.

ثم (دستور جوجونج) الذي صدر بين سنتي 1115، 1079 ق.م

ثم (قوانين لببكرجوس) باسبرطة. اليونان الصادرة سنة 630 ق.م

ثم (قانون دراكون) في أثينا الصادر سنة 620 ق.م

ثم (قانون صولون) في أثينا الذي وضع سنة 594 ق.م

ثم جاء (القانون الروماني) المسمى بالألواح الاثنى عشر أو قانون الرجال العشرة والصادر سنة 449 ق.م بأسلوب شعري.

وتلا ذلك (ألواح جورتبن) في جزيرة كريت.

ثم تلت ذلك مجموعات قانونية (كمجموعة جريجوار) سنة 296 م، و (مجموعة هرموجين) سنة 265 م، و (مجموعة تيودور) سنة 438 م. ثم (مجموعات جوستنيان) سنة 528 إلى 533م.

التقنين في تاريخ الشريعة الإسلامية:

رغم أهمية الجانب القانوني في الإسلام واشتمال القرآن الكريم والسنة المطهرة على الكثير من الأحكام، إلا أن فكرة التقنين لم تكن واردة في قرون الإسلام الأولى، فجمع القرآن وترتيبه لم ينظر فيه إلى الترتيب الموضوعي وجمع آيات الأحكام على حدة وضم ما يتعلق منها بحكم معين في سورة واحدة مثلا، بل جمعت آياته وسوره على نسق يحقق الوحدة النفسية وكان ذلك توفيقيا قام به الرسول صلى الله عليه وسلم بتعليم من جبريل عليه السلام والتزم به المسلمون من بعد.

أما السنة النبوية:

وقد اعتبر العلماء المجموعة الفقهية المروية عن الصحابة من السنة. ولما اتجه الحكام إلى وضع قانون يطبق على جماهير المسلمين في بقاع الأرض الإسلامية كلها، اتجهوا إلى جمع السنن بما فيها فتاوى الصحابة. أمر بذلك عمر بن عبد العزيز فكتبت في دفاتر، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا.

وقد اتجه هذا الاتجاه أبو جعفر المنصور، فطلب إلى الإمام مالك رضي الله عنه أن يجمع له أحاديث الرسول وفتاوى الصحابة لتكون مرجع القضاة في كل الأراضي الإسلامية يحكمون بمقتضاه.

وقد أشار بذلك على أبي جعفر عبد الله بن المقفع في رسالة قيمة من أقوم ما كتب في هذا المقام سميت رسالة الصحابة. واسمها ينبئ عن مقصدها أو مرماها وهو جمع أقضية الصحابة وفتاويهم لتكون مرجع القضاء.

وموطأ مالك أول مجموعة جامعة للسنة، وكانت المجموعات قبله متناثرة غير مجمعة تجميعا تأليفيا ولا مرتبة.

وأكثر ما كتب في الحديث كتب على أبواب الفقه، كالصحاح الستة غيرها.

وقد دون الفقه أول مادون مختلطا بالسنة وآثار الصحابة والتابعين، كما صنع ابن شهاب الزهري في كتبه، وأبو يوسف في كتاب (الآثار)، ومحمد ابن الحسن في كتاب (الآثار)، ومالك في (الموطأ) وسفيان الثوري في (الجامع الكبير) والشافعي في كتاب (اختلاف الحديث)، والطحاوي في (معاني الآثار) وفي (مشكل الآثار).

وقد وجد بجانب ذلك، تدوين الفقه مجردا عن ذلك لا على أنه حديث أو أثر ولا على أنه حجة ودليل، كالكتب الستة المروية عن محمد بن الحسن، والمدونة التي رواها سحنون عن ابن القاسم ومختصرات الطحاوي والمازني وأمثالهما.

كما وجد بجانب ذلك نوع ثالث هو تدوين مسائل الفقه مع أدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وسائر وجوه المعاني، كما تجد في كتاب المبسوط (الأم) الذي رواه الربيع المؤذن عن الشافعي.

وقد وجدت هذه الأنواع الثلاثة من البداية، ثم انفصل كل من علم الحديث والفقه فعنيت مؤلفات الأول بالصحيح من الحديث وروايته بأسانيده المختلفة، وما فيها من زيادة ونقص، أو اختلاف عبارة، أكثر من عنايتها بما يدل عليه الحديث من الأحكام، أما الأخرى، فإن عنايتها متجهة إلى الأحكام، وإنما يذكر الحديث للاستدلال.

ومع نشأة المذاهب الفقهية وتطورها وجدت قواعد تحكم آراء كل مذهب، ويترجح بناء عليها: ما يعتبر رأيا رسميا للمذهب دون غيره من الآراء المخالفة داخل المذهب نفسه، ووضعت في ذلك كتب للمتأخرين بينت الرأي الراجح في كل مذهب كما هو الشأن في (حاشية ابن عابدين) مثلا بالنسبة إلى المذهب الحنفي.

وواضح أن هذه التطورات قد قربت المادة الفقهية من فكرة التقنين، خاصة بعد أن اختار العلماء رأيا واحدا للمذهب في كل مسألة، وبعد أن ألفت كتب مختصرة تقتصر على بيان الحكم دون دليله الشرعي، ومع ذلك كان لا بد من نقلة أخرى حتى تأخذ المادة الفقهية صورة التقنين المعروفة.

وقد حدث ذلك بعد أن وضع نابليون (القانون المدني الفرنسي) وانتقلت فكرة التقنين من الغرب إلى الشرق كما سنرى.

حركة التقنين في القرن التاسع عشر:

لقد شهد القرن التاسع عشر اتجاها نشيطا نحو التقنين حتى يمكن تسميته: عصر المجموعات القانونية في مقابلة عصور قوانين العادات غير المعروفة. وقد بدأ ذلك بقانون نابليون سنة 1804 ثم تلاه (القانون المدني النمساوي سنة 1811).

واحتدمت المناقشات بين أنصار القانون المكتوب والقانون العرفي في ألمانيا خاصة بين الأستاذين تيبو (جامعة هيدلبرج) والعلامة (سافين) الذي كان يؤيد سيادة أفضيلة العادة على القانون، وينكر تقنين القوانين بما يثبتها بعكس العادة التي تظل خاضعة للتطور بصورة طبيعية.

وقد ظل (سافين) مخلصا لنظريته عندما أصبح وزيرا للعدل في مملكة بروسيا فلم يصدر خلال عهده أي قانون وأدى موقفه إلى تأخر ألمانيا في التقنين ثلاثة أرباع القرن.

وقد ثبت خطأ رأي سافين لأن التقنين يفضل العادة في أنه محدد ويسهل معرفته.

ومع ذلك لم تشمل حركة التقنين كل أوربا، فالقانون المدني الأسباني الصادر في سنة 1889 لا يطبق إلا على 39 مقاطعة من أصل 49.

وكذلك بلغاريا واليونان تعد من الدول المتأخرة في التقنين. هذا فضلا عن القوانين الأنجلوسكسونية حيث لا يتدخل المشرع إلا في نواحي جزئية ونادرا ما يتجه إلى تجميع هذه القوانين الجزئية في مجاميع قانونية كما حدث في قانون الشركات سنة 1906.

المرحلة الحديثة في التقنين الإسلامي:

انتقلت إذن فكرة التقنين من الغرب إلى الشرق، فوضعت الدولة العثمانية مجلة الأحكام العدلية على نمط القوانين الحديثة مستمدا من المذهب الحنفي في المعاملات من مدني وتجاري، ومرافعات، وهي مكونة من ستة عشر كتابا في 1851 مادة، وكان بدء العمل بها سنة 1876م الموافق 1293هـ.

وفي مصر –حيث أخذ بالقانون المدني الفرنسي- قامت محاولات خاصة لتقنين الشريعة الإسلامية من المذهب الحنفي كذلك تتمثل في ثلاث مجموعات وضعها وكيل وزارة الحقانية (العدل) حينذاك العلامة محمد قدري باشا وهي كتاب مرشد الحيران (في القانون المدني والتجاري كمجلة الأحكام العدلية)، وكتاب الأحوال الشخصية، وكتاب العدل والأنصاف في أحكام الأوقاف.

كما وضع محمد بن عامر المحامي في بنغازي (ليبيا) سنة 1937 كتاب (ملحق الأحكام الشرعية على المعتمد من مذهب المالكية) وهو مقسم إلى أربعة أقسام في القضاء الشرعي ومتعلقاته، وفي الحقوق العائلية والأحوال الشخصية، وفي المعاملات والتبرعات، وفي المواريث وتقع جميعا في 928 مادة.

أما على الصعيد الرسمي في مصر فقد وضع مشروع قانون للأحوال الشخصية من المذاهب الأربعة، في العشرة الثانية من هذا القرن، ولكنه لم ير النور، للمعارضة العصيفة التي لقيها، ثم ظهر جزء منه في القانون رقم 25 لسنة 1920.

ثم وضع مشروع آخر من كل المذاهب الإسلامية، ولقي معارضة كذلك ثم ووفق على جزء منه بعد ذلك فكان القانون رقم 25 لسنة 1929.

كما صدرت لائحة ترتيب بمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931، ثم كان من بعد ذلك قانون الميراث رقم 77 لسنة 1943 ثم قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946، ثم قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946، ثم إلغاء الوقف الأهلي بالقانون رقم 180 لسنة 1952، وأخيرا: إلغاء المحاكم الشرعية القانونية لرقم 462 سنة 1955.

وفي الوقت الذي كانت تجري فيه هذه التطورات في تجميع مسائل الفقه في قوانين في مصر، كانت تصدر قوانين فقهية في بلاد أخرى كذلك.

فقد صدر قانون حقوق العائلة التركية سنة 1917، والذي ألغى بعد ذلك في تركيا، ولكنه ظل مطبقا في سوريا ولبنان وفلسطين وشرق الأردن، ومازال مطبقا حتى الآن على المسلمين في لبنان وإسرائيل.

كما صدر في لبنان سنة 1947 قانون للوقف مأخوذ عن القانون المصري الصادر سنة 1946.

وصدر في سوريا سنة 1949 قانون إلغاء الوقف الأهلي، سابق على القانون المصري المماثل الصادر سنة 1952.

وفي سنة 1953 صدر في سوريا قانون رقم 59 بتاريخ 17/9/1953 اشترط أن يثبت الزوج قدرته على إعالة زوجة أخرى حتى يصرح له بالزواج الثاني.

وفي العراق صدر قانون سنة 1959 اشترط بالإضافة إلى ما اشترطه القانون السوري: وجود مصلحة مشروعة للتعدد.

وفي سنة 1947 أعد مشروع قانون عراقي اشتمل أحكاما لكل من السنة والشيعة، ولكنه لم يصدر، وصدر في سنة 1959 قانون موحد للأحوال الشخصية يطبق على الطائفتين نفس الأحكام، وأهمها: نظام الأراضي الحكومية، ثم ألغى النظام الثوري سنة 1963 هذا الحكم، وطبق على الطائفتين النظام الشيعي للميراث.

وعلى مستوى الوحدة العربية تم إعداد مشروع قانون موحد بين (سوريا ومصر أثناء الوحدة بينهما) للأحوال الشخصية مكون من 452 مادة، تغطي أقسام الزواج وما إليه، والأهلية والنيابة الشرعية، والوصايا والمواريث، وأحكاما متعلقة بسماع دعاوى الزوجية وما إليها، وأحكاما خاصة بالمسيحيين واليهود.

ولم ير هذا المشروع النور، وأعيد تشكيل لجنة إعداده بعد انفصال سوريا عن الوحدة، وما زالت اللجان تتوالى وتتناقل الصحف أخبار ما تعده من مشروعات، دون أن تخرج إلى النور نصوص هذه المشروعات.

وفي غير مجال الأحوال الشخصية كان قد تقدم بعض العلماء بنموذج لمشروع قانوني مدني مستمد من الشريعة الإسلامية في مسائل نظرية العقد، وذلك بمناسبة إصدار القانون المدني المصري الجديد سنة 1948.

ولم تقف حركة تقنين الشريعة الإسلامية في هذا العهد عند حد الدول الإسلامية المستقلة (تركيا المجلة 1868 ومصر قانون الأحوال الشخصية والمواريث 1875) بل اهتمت الدول المستعمرة للبلاد الإسلامية –ولنفس الأسباب تقريبا- وأهمها صعوبة الرجوع إلى كتب الفقه القديمة وعدم وضوح وعلانية القاعدة الشرعية في كل مسألة، بتقنين الشريعة الإسلامية في البلاد الخاضعة لسلطانها.

ففي الجزائر صدر قرار من الحاكم الفرنسي العام للجزائر جونار في 22 مارس 1905 بتشكيل لجنة لدراسة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية المطبقة على المواطنين المسلمين بالجزائر، وكان هذا القرار استجابة لطلب من الوفود المالية الجزائرية بناء على اقتراح (بوشي) المستشار بمحكمة الاستئناف.

وكان (ميسوناس) قد نشر في سنة 1898 تقنينا مدنيا إسلاميا على نمط التقنين المدني الفرنسي، ووفقا لمذهب مالك. كما بدأ (نورس) في سنة 1903 نشر محاولة تقنين إسلامي جزائري في المجلة الجزائرية التونسية للتشريع والقضاء. كما وضع (مارتينيو) المترجم العسكري في العريشة مجموعة نصوص مأخوذة من مختصر خليل وشروحه في شكل مواد مرتبة بصورة منهجية، وقد وضع هذا العمل تحت تصرف لجنة 1905.

وكان عمل اللجنة منحصرا في تقنين الفقه السني (مالكي وحنفي) دون نظر إلى وجود فئتين أخريين هما: القبيل، والأباضية.

كما انحصر عمل اللجنة في تقنين أحكام الفقه المطبقة على المسلمين الجزائريين دون باقي الأحكام التي أوقف تطبيقها بالمرسوم الصادر في 17 أبريل 1889 والذي حددت المادتان 1، 3 منه الأحكام التي استمر تطبيق الشريعة فيها بالأحوال الشخصية والمواريث والحبوس وبعض المسائل العقارية والإثبات في الالتزامات.

كما تحدد عمل اللجنة: بأنه ليس تجديدا للفقه، أو اجتهادا جديدا، وإنما مجرد تقنين الفقه القديم وإن كان ذلك يستتبع الاختيار في حالة اختلاف آراء الفقهاء بما يتناسب والحالة الاجتماعية والمصالح الاقتصادية للمواطنين وبما يتفق مع الأخلاق والعدالة، مما أعطى اللجنة حرية في تفضيل بعض آراء المذهب الحنفي على المالكي، وبعض آراء المالكية على فقهاء مالكيين آخرين أثقل وزنا داخل المذهب نفسه.

ومن ناحية طريقة العمل فقد اعتمدت اللجنة أن يقوم أحد أفرادها بتقديم مشروع تناقشه اللجنة واللجان الفرعية وتعتمده أو تعدله. وقد اختير لذلك مارسيل موران مقرر اللجنة.

وقد حلت اللجنة في 16 مايو 1914 بعد أن أنجزت تقنين 781 مادة تشمل الأقسام الأربعة: موضوع عملها.

وقد أثير بمناسبة عمل اللجنة مبررات وموانع فكرة التقنين.

فمما قيل لتبريرها!

نفس مزايا وأفضلية القانون المدون على القانون العرفي. (عدم معرفة القضاة الفرنسيين للعربية- صعوبة كتب الفقه- اختلاف آراء الفقهاء).

ومما قيل ضد فكرة التقنين:

–       إن التقنين إذا أخذ اتجاه الميل إلى تقليد القانون الغربي فسيؤدي ذلك إلى تشويه الشريعة.

–   وإن هذا العمل لا يؤدي إلى الغاية المقصودة منه، لأنه سيجمد العادات التي يحاول تعديلها ويؤخر بذلك تطورها الطبيعي.

–   وإن هذا العمل جديد، بدعة ينطبق عليه الحديث: “اجتنبوا المحدثات فكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار”.

–   وإن الاحتجاج بما حدث في تركيا ومصر: احتجاج مع الفاروق لأن القوانين المستحدثة في هذين البلدين تطبقهما محاكم دينية، أما التقنين بواسطة غير المسلمين، فسيكون محل اشتباه.

–   وأن طاعة المسلمين لقانون مستمد من مختلف المذاهب، ومتفق مع مفهوم القانون الحديث، يعني: أن السلطات الفرنسية كان بإمكانها أن تستبدل بالشريعة الإسلامية قانونا آخر.

ورد على هذه الاعتراضات بأنه: إذا كان بعض القائمين بالتقنين يحاولون بحجة التقنين تشويه الشريعة، فهذا ممكن ولكنه اعتراض على الأشخاص وليس على فكرة التقنين نفسها.

ثم لماذا نعتبر التقنين مانعا من التطور في هذه الحالة ولا نعتبره كذلك في حالة تقنين القانون المدني الفرنسي نفسه؟.

هذا وقد بدأ القضاة المسلمون بتطبيق أحكام مشروع القانون قبل أن تقره اللجنة.

ولم تعترف المحاكم العليا لهذا المشروع بأية سلطة قانونية بسبب عدم إصداره، وكانت ترى فيه مجرد مشروع ليس له أولوية على قواعد الفقه الإسلامي. ومع ذلك بقى المشروع (الذي أطلق عليه لجنة موران) مرجعا للقانونيين، ودليلا يرجعون إليه.

واستمر التطور رغم صدور هذا المشروع بأخذ مجراه من خلال أحكام القضاء في العديد من المسائل، حتى صدر قانون الأحوال الشخصية في 4 فبراير 1959 الذي قرر عدة أوضاع منها تحديد الحد الأدنى السن الزواج بـ 18 للرجل وبـ 15 للمرأة، واستلزم تمام الزواج أمام جهة رسمية (مكتب الزواج أو القاضي)، وحصر إثبات الزواج في تسجيله بالدفاتر الخاصة بالحالة المدنية، كما استلزم موافقة البنت على زواجها موفقة صريحة، أما الطلاق فلم يعد ممكنا إلا بأمر القاضي (الأمر الذي أدى على غير رغبة المشرع إلى زيادة تعدد الزوجات) وكفل النفقة الزوجية في حالة صدور حكم بالطلاق لمحض صالحها، مع إمكان الحكم لها بتعويض. ويساهم الأب والأم في نفقة الأولاد بنسبة إمكاناتهما.

وفي 1907 كلفت وزارة المستعمرات البريطانية م. سهروردي بوضع تقنين إسلامي لمحاكم أفريقيا الغربية البريطانية.

وفي سنة 1909 أصدرت الحكومة الروسية مشروع تقنين إسلامي حنفي لمسلمي التركستان التروسية، خاصا بمسائل قانون الأسرة والمواريث، قامت بإعداده لجنة من القضاة الروس والقضاة المسلمين.

وفي السنوات القليلة الماضية:

خطا موضوع تقنين الشريعة الإسلامية خطوة جديدة عملية على الصعيدين الرسمي والعلمي في أكثر من بلد إسلامي.

ففي الجمهورية العربية اليمنية صدر دستورها الدائم في 28/12/1970 المنشور بالجريدة الرسمية العدد 7 الصادر في 30/12/1970 (السنة الخامسة). وقد نصت المادة 3 منه على أن “الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا”.

كما نصت المادة 152 منه على أنه: “يجب تقنين أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمعاملات بما لا يخالف نصا ولا إجماعا ويعين القانون هيئة شرعية فنية تتولى ذلك”.

ونصت المادة 153 على أن: “تطبق المحاكم بشأن القضايا التي تنظر فيها أحكام هذا الدستور وقوانين الدولة وإذا لم يوجد فيهما حكم تصدر المحاكم حكمها في القضية المنظور فيها وفقا للمبادئ العامة للشريعة الإسلامية”.

ولم يصدر حسب علمنا –حتى كتابة هذا- القانون المنشئ للهيئة الشرعية الفنية التي تتولى تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، وللكاتب مشروع تقدم به في هذا الصدد تجده مع مذكرته التفسيرية كملحق لهذا البحث.

وفي الجمهورية العربية الليبية: صدر قرار من مجلس قيادة الثورة في 28/10/1971 بتشكيل لجان لمراجعة التشريعات وتعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية.

وقد نصت المادة الأولى من هذا القرار على: “تؤكد الجمهورية العربية الليبية على القيم الروحية وتتخذ الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع”.

ويجب مراعاة التزام المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية في كل ما يصدر من قوانين وتشريعات أخرى.

كما نصت المادة 2 على أن: “تشكل لجان لمراجعة القوانين المعمول بها واقتراح تعديلها بما يتفق مع المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية باعتبارها مصدرا رئيسيا للتشريع وذلك على النحو المبين في المواد التالية”.

كما نصت باقي المواد على تشكيلات اللجنة العليا واللجان الفرعية والأمانة الفنية وغير ذلك من الترتيبات.

وقد صدر في نفس اليوم (28/10/1971) القانون رقم 89 لسنة 1971 بشأن الزكاة.

كما صدر قرار مجلس الوزراء في 15/2/1972 باللائحة التنفيذية لقانون الزكاة.

وتوالى بعد ذلك صدور القوانين الآتية المنبثقة عن أعمال اللجنة العليا واللجان الفرعية:

1- قانون ربا النسيئة رقم 74 لسنة 1392هـ- 1972م المنشور بالجريدة الرسمية العدد 37 السنة العاشرة بتاريخ 5/8/1972.

2- قانون الغرر رقم 86 لسنة 1392هـ- 1972م المنشور بالجريدة الرسمية العدد 40 السنة العاشرة بتاريخ 16/8/1972.

3- قانون الوقف رقم 124 لسنة 1392هـ- 1972م المنشور بالجريدة الرسمية العدد 58 السنة العاشرة بتاريخ 11/12/1972.

4- قانون إقامة حد السرقة والحرابة رقم 148 لسنة 1392هـ- 1972م المنشور بالجريدة الرسمية العدد 60 السنة العاشرة بتاريخ 23/12/1972.

5- قانون كفالة بعض حقوق المرأة رقم 176 لسنة 1392هـ- 1972م المنشور بالجريدة الرسمية العدد 61 السنة العاشرة بتاريخ 23/12/1972.

6- قانون التلقيح الصناعي رقم 177 لسنة 1392هـ- 1972م المنشور بالجريدة الرسمية العدد 61 السنة العاشرة بتاريخ 23/12/1972.

هذا إلى جانب مشروعات القوانين الآتية التي تم إعدادها من قبل اللجان الفرعية واللجنة العليا وهي معروضة على مجلس قيادة الثورة تمهيدا لإصدارها.

1-   قانون الأحوال الشخصية.

2-   قانون تعديل بعض مواد قانون العقوبات بما يتفق وأحكام الأحوال الشخصية.

3-   قانون إقامة حد شرب الخمر.

4-   قانون إقامة حد الزنا.

5-   قانون المرافعات المدنية والتجارية.

6-   قانون لحماية الآداب العامة.

7-   قانون القصاص في جرائم القتل العمد والقتل شبه العمد والقتل الخطأ وأحكام الدية والعاقلة.

وما زالت اللجنة بصدد إعداد مشروعات القوانين الآتية:

1-   قانون القصاص في الجراح.

2-   قانون إقامة حد الردة.

3-   قانون الأعمال المصرفية والتأمين.

أما على الصعيد العلمي: فقد قرر مجلس مجمع البحوث الإسلامية في مصر في جلسته رقم 27 في 8/3/1967 أن من مهمة المجمع العمل على إيجاد مشروع قانون شامل للأحوال المدنية والجنائية وغيرا إذا ما تقرر في الدستور اتخاذ الشريعة الإسلامية أساسا للتقنين.

ثم أوصى المؤتمر الرابع للمجمع المنعقد في 27/9/1968 بما يأتي:

يوصى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بتأليف لجنة من رجال الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، لتضطلع بوضع الدراسات ومشروعات القوانين التي تيسر على المسئولين في البلاد الإسلامية الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية في قوانين بلادها كقوانين العقوبات والقانون التجاري والقانون البحري وغيرها.

كما وافق مجلس المجمع بجلسته رقم 62 في 7/1/1970 على الخطة المرحلية لأعمال لجان المجمع ومن بينها “تقنين الشريعة الإسلامية” رقم 20 بتاريخ 11/10/1969.

وقد عقدت لجنة البحوث الفقهية عدة اجتماعات وضعت فيها خطة العمل في مشروع التقنين.

وقد استقر الرأي على السير في هذا المشروع على النحو التالي:

1- تقنن المذاهب الفقهية التي يعمل بها في البلاد الإسلامية ويبدأ في المرحلة الحالية بتقنين المذاهب الأربعة: الحنفية- الشافعية- المالكية- الحنابلة. ويقنن كل مذهب على حدة وتصاغ أحكامه في مواد على أن يصاغ من كل مذهب الرأي الراجح فيه وعلى أن تلحق كل مادة بمذكرة تفسيرية تذكر فيها الآراء الأخرى. كما يذكر فيها الرأي الذي يرى أنه الأنسب للتطبيق في العصر الحاضر.

2- بعد الفراغ من تقنين كل مذهب على حدة، يبدأ العمل في وضع قانون مختار من بين المذاهب جميعا، وبذلك يمكن للمجمع أن يقدم لكل بيئة من البيئات الإسلامية التي ترتبط بمذهب معين قانونا إسلاميا يصور ذلك المذهب في أمانة كما يمكنه أن يقدم قانونا إسلاميا مختارا من بين المذاهب المعمول بها يفي باحتياجات البيئات التي تطلبه.

والمجمع في المرحلة الراهنة بصدد استكمال خطوات هذا المشروع، ووضع القانون الموحد من بين أحكام المذاهب، وقد ألفت اللجنة المسئولة عن ذلك وباشرت مهمتها.

وقد صدرت الطبعة التمهيدية لمشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام مالك سنة 1972 وهو من 117 مادة منها 17 مادة في الأصول التشريعية التي بنيت على أحكام المعاملات وباقي المواد عن البيوع والسلم.

كما صدرت سنة 1972 الطبعة التمهيدية لمشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهو من 154 مادة تضم البيع والربا والصرف والسلم.

هذا وقد اتجه كاتب هذا البحث –حين كان أمينا عاما لموسوعة الفقه الإسلامي بالكويت- إلى صياغة الأحكام الأساسية في كل موضوع فقهي تصدره الموسوعة في صورة مواد تقنينية، وقد وضع بالفعل مشروع مواد للحوالة من 23 مادة نشرت -مع مقدمة تشرح الفكرة والمبادئ المتبعة في الصياغة- في الطبعة التمهيدية لموضوع الحوالة. (ملحق 2).

ملحق 1

مشروع قانون بإنشاء

هيئة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية

(مشروع مقدم إلى الجمهورية العربية اليمنية في ظل دستور 4 ذي القعدة 1390- 30/12/1970)

المجلس الجمهوري.

بعد الاطلاع على المواد 3، 152 من الدستور. وبعد موافقة مجلس الشورى بأغلبية ثلثي الأعضاء أصدرنا القانون الآتي ذا الصفة الدستورية وصدقناه:

أولا: التشكيل والاختصاص والإجراءات:

مادة 1- تنشأ هيئة مستقلة باسم “هيئة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية، وتربط ميزانيتها بقانون خاص”.

مادة 2- تؤلف الهيئة من:

1-   الرئيس ويعين بمرسوم جمهوري بعد موافقة مجلس الشورى.

2-   ثلاثة أعضاء يختارهم مجلس الشورى من العلماء ذوي الكفاءات العالية من داخل المجلس أو خارجه.

3-   ثلاثة من الخبراء القانونيين ذوي الدراسات والممارسة الشرعية يعينون بقرار من مجلس الشورى.

4-   عميد كلية الشريعة والقانون بصفته.

5-   الخبير القانوني لمجلس الشورى بصفته.

6-   رئيس المكتب القانوني بالمجلس الجمهوري بصفته.

7-   رئيس المحكمة الدستورية العليا بصفته.

8-   رئيس محكمة الاستئناف العليا بصفته.

9-   رئيس المجلس الأعلى للتخطيط بصفته.

ومدة الرئيس والأعضاء المبينة في البندين 2، 3 خمس سنوات قابلة للتجديد.

أما الأعضاء الباقون فمدتهم غير محددة بحكم وظائفهم.

مادة 3- تستعين الهيئة بمن ترى الاستعانة به من العلماء والخبراء في كافة الفروع، ومن أساتذة كلية الشريعة والقانون، ومن المساعدين العلميين والإداريين.

مادة 4- للهيئة تشكيل اللجان الفرعية ووضع الأنظمة اللازمة لأداء مهمتها.

مادة 5- تتخذ القرارات في هيئة التقنين بأغلبية الثلثين.

مادة 6- مهمة الهيئة الأساسية تقنين أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمعاملات، وعليها وضع المخطط اللازم لإنجاز هذا العمل التاريخي الجليل.

كما تقدم الهيئة الرأي فيما يطلب إليها من قبل إدارة الفتوى والتشريع (المكتب القانوني بالمجلس الجمهوري) ومن قبل مجلس الشورى خاصا بمشروعات القوانين التي هي تحت الإعداد.

مادة 7- لا يجوز تقديم مشروع قانون من جهة الحكومة أو أحد أعضاء مجلس الشورى للتصويت عليه في مجلس الشورى –إذا كان متعلقا بحكم شرعي- قبل أخذ رأي هيئة التقنين عليه. وعند حدوث شك في تعلق المشروع بحكم شرعي يؤخذ رأي هيئة التقنين في هذه المسألة المبدئية.

وإذا كانت المسألة الشرعية فرعية بالنسبة لمشروع القانون اقتصر اختصاص هيئة التقنين على المسألة الشرعية الفرعية وحدها.

مادة 8- تتم عملية التقنين في صورة مجمعات منفصلة لكل فرع من فروع القانون، ويحال ما يتم إنجازه من هذه المجموعات أولا بأول إلى المجلس الشورى لمناقشته والتصويت عليه ليصدر ضمن قوانين الدولة.

مادة 9- تندب هيئة التقنين واحدا أو أكثر من بين أعضائها يتولون عرض مشروع القانون وتدارسه مع اللجنة التشريعية لمجلس الشورى قبل إحالته للمجلس لمناقشته والتصويت عليه.

ولمجلس الشورى في حالة اختلاف الرأي بينه وبين هيئة التقنين مراجعتها ومناقشتها كتابة أو بحضور بعض أعضاء الهيئة اجتماع مجلس الشورى، فإذا استمر الخلاف بين وجهتي النظر أعادت هيئة التقنين نظر الموضوع؛ وفي حالة إصرارها على رأيها وعدم موافقة المجلس عليه يرفع المجلس الأمر إلى المجلس الشوري الذي يرجح أحد الرأيين أو يقرر رأيا ثالثا وتعتبر المسألة منتهية بهذا الإجراء.

ثانيا: الأسس والمبادئ والاتجاهات:

مادة 10- يقتصر التقنين على أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمعاملات دون تلك المتعلقة بالعبادات المحضة، وعند الخلاف في تعلق مسألة معينة بالعبادات أو المعاملات تقرر الهيئة نوعية المسألة.

وتبدأ الهيئة على وجه الخصوص بتقنين المسائل الآتية:

1-   المحكمة الدستورية العليا.

2-   تنظيم القضاء.

3-   القضاء الإداري.

4-   الزكاة.

5-   التربية والتعليم.

6-   المصارف (القروض والائتمان والتأمينات).

7-   الأسرة.

8-   الحريات والحقوق الإنسانية.

9-   الضمان الاجتماعي (والخدمات الاجتماعية).

10- الجزاء وإجراءاته.

11- الدفاع الوطني.

12- الأوقاف.

13- الإجراءات.

14- المدني (تشمل الجمعيات والنقابات والتعاونيات والعمل).

15- التجاري والشركات.

16- أملاك الدولة والاحتكارات والامتيازات.

17- الثقافة والإعلام (تشمل المطبوعات والإذاعة).

18- التخطيط (يشمل الاجتماعي والاقتصادي).

19- البحث العلمي.

20- الدولي الخاص.

21- الدولي العام.

22- المبادئ العامة للشريعة.

مادة 11- لا تتقيد الهيئة باتباع رأي مذهب أو فقيه إسلامي بعينه.

مادة 12- تشمل مهمة التقنين العمليات التالية:

1-   استظهار الأحكام الوارد بها نصوص قطعية من الكتاب والسنة والإجماع إذ لا مسوغ للاجتهاد في مورد النص القطعي.

2- أما ما ورد فيه نص غير قطعي، فمهمة الهيئة بحث سند روايته، فإذا اطمأنت إليه، بحثت في استنباط الحكم منه وفقا للقواعد الأصولية اللغوية والتشريعية، وفي مقدمتها تحقيق مقاصد الشارع ومبادئ الشريعة العامة.

3-   الاجتهاد المطلق فيما ليس فيه نص بالمرة.

4-   وفي كل الأحوال صياغة هذه الأحكام وتصنيفها وترتيبها بصورة فنية حديثة.

مادة 13- المقصود بنصوص الكتاب في المادة 12 آيات القرآن الكريم القطعية الدلالة.

مادة 14- المقصود بنصوص السنة في المادة 12 كل قول أو عمل أو إقرار للرسول صلى الله عليه وسلم توافرت فيه الشروط الآتية:

1-   أن يكون قطعيا في وروده.

2-   أن يكون قطعيا في دلالته.

3-   أن يكون صادرا عنه صلى الله عليه وسلم بوصفه رسولا، ومقصودا به التشريع العام والاقتداء.

مادة 15- المقصود بالإجماع في المادة 12 اتفاق جميع المجتهدين من المسلمين في عصر على حكم شرعي.

مادة 16- إذا تعارض النصان ظاهرا وجب البحث والاجتهاد في الجمع والتوفيق بينهما بطريق صحيح من طرق الجمع والتوفيق. فإن لم يكن وجب البحث والاجتهاد في ترجيح أحدهما بطريق من طرق الترجيح. فإن لم يكن هذا ولا ذاك –وعلم تاريخ ورودهما- كان اللاحق منهما ناسخا للسابق. وإن لم يعلم تاريخ ورودهما توقف عن العمل بهما. وإذا تعارض قياسان أو دليلان من غير النصوص –ولم يمكن ترجيح أحدهما- عدل عن الاستدلال بهما.

مادة 17- تتحرى الهيئة في اجتهادها تحقيق مقاصد الشارع وهي المصالح بأنواعها الثلاثة من الضروريات (حفظ الدين، والنفس، والعرض، والمال والعقل). ومن حاجيات، ومن تحسينات، ولا يراعى تحسيني إذا كان في مراعاته إخلال بحاجي، ولا يراعى حاجي ولا تحسيني إذا كان في مراعاة أحدهما إخلال بضروري.

وشروط المصلحة التي يبنى عليها التشريع:

1-   أن يثبت بالبحث وإنعام النظر والاستقراء: أنها مصلحة حقيقية لا وهمية.

2- أن تكون هذه المصلحة الحقيقية عامة لا خاصة (أي أن بناء الحكم عليها يجلب نفعا لأكثر الناس أو يدفع ضررا عن أكثرهم).

3-   ألا يعارض التشريع لهذه المصلحة –الحقيقة العامة- نصا قطعيا ولا إجماعا.

مادة 18- دفع الضرر ورفع الحرج مقصدان شرعيان.

مادة 19- استثناء من حكم المادتين 12، 17 ترجح المصلحة على النص أو الإجماع عند التعارض بشروط ثلاثة:

1-   أن تكون هذه المصلحة ضرورية، لا حاجية ولا تحسينية.

2-   أن تكون مصلحة قطعية لا ظنية.

3-   أن تكون مصلحة كلية.

مادة 20- تتقيد الهيئة في اختيارها بين الآراء الفقهية وفي اجتهادها المطلق بما وقع اختياره بالفعل من اتجاهات تشريعية عامة نص عليها الدستور.

مادة 21- يراعى العرف الصحيح، وهو ما تعارفه الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك ولا يخالف دليلا شرعيا ولا يحل محرما، ولا يبطل واجبا.

 

مذكرة تفسيرية لمشروع قانون إنشاء هيئة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية

نصت المادة 3 من الدستور على أن “الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميعا”، كما نصت المادة 152 على أنه يجب تقنين أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمعاملات بما لا يخالف نصا ولا إجماعا، ويعين القانون هيئة شرعية فنية تتولى ذلك.

لذلك أعد مشروع القانون الحالي لتنظيم تشكيل هذه الهيئة وبيان اختصاصها والإجراءات والمبادئ التي تتبعها.

ونظرا لأن هذا القانون يتعلق بكيفية إصدار القوانين ذات الصفة الشرعية فهو يلي مرتبة من القوانين العادية، كما أنه من جهة أخرى يفسر ويقيد بعض نصوص الدستور المتعلقة بالسلطة التشريعية، فلهذين السببين ينبغي إعطاؤه الصفة الدستورية بما يستتبع ذلك من استلزام أغلبية الثلثين للموافقة عليه.

ولعله من الواضح أن مهمة الهيئة كما نص عليها الدستور تعني توزيع السلطة التشريعية بمفهومها العام بين مجلس الشورى وهيئة التقنين بحيث تختص هيئة التقنين بما له صلة بأحكام الشريعة الإسلامية كما ينفرد مجلس الشورى بما عدا ذلك من القوانين التنظيمية، فضلا عن سلطاته الأساسية في الرقابة على السلطة التنفيذية، لذلك اقتضى الأمر أن يتضمن مشروع قانون إنشاء هيئة التقنين تنظيم العلاقة بين الجهتين ووضع الضوابط والإجراءات التي تكفل حسن قيام الهيئة بواجبها، وقد تولت المواد 6 إلى 9 بيان هذه الأمور، كما اشترطت المادة 5 أغلبية الثلثين لضمان سلامة ما يصدر عن الهيئة من قرارات لها المنزلة التي أوضحناها.

وقد عددت المادة 10 بعض القوانين التي تبدأ الهيئة بتقنين أحكام الشريعة المتعلقة بها، ولعله من نافلة القول الإشارة إلى أن الشريعة الإسلامية لها في كل هذه المجالات أحكام واتجاهات وإن لم تأخذ في كتب الفقه هذه الأسماء والعناوين الحديثة.

نصت المادة 152 من الدستور على أن التقنين يكون بما لا يخالف نصا ولا إجماعا، ومعنى ذلك: استبعاد التقيد برأي مذهب إسلامي بعينه أو بالراجح في مذهب بعينه، لذلك رؤى النص على ذلك صراحة في المادة 11 من مشروع قانون الهيئة.

ولا يعني عدم التقيد بمذهب معين إطلاق الحرية للهيئة في التقنين لأنها مقيدة بطبيعة الحال أن تقنن الشريعة الإسلامية لا أن تقرر رأيها المطلق، لذلك لزم أن يتضمن مشروع القانون (المواد من 12 إلى 21) الأسس والمبادئ التي تتبع في التقنين وهي أسس ومبادئ مستمدة من علم أصول الفقه الإسلامي.

ويلاحظ اشتراط كون سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مقصودا بها التشريع العام والاقتداء يعني استبعاد ما صدر عنه صلى الله عليه وسلم بمقتضى طبيعته البشرية أو خبرته الإنسانية أو ما دل الدليل الشرعي على أنه خاص به أو كان تشريعا زمنيا خاصا ببيئته.

كما أن الإجماع بالشروط التي حددتها المادة 15 يشك بعض الأصوليين في وقوعه بالفعل فيما مضى.

نصت المادة 18 على أن دفع الضرر ورفع الحرج مقصدان شرعيان وأصل المبدأ الأول الحديث النبوي الشريف “لا ضرر ولا ضرار” ويتفرع عنه المبادئ الآتية:

الضرر يزال شرعا– الضرر يدفع بقدر الإمكان- الضرر لا يزال بالضرر- يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام- يرتكب أخف الضررين لاتقاء أشدهما- دفع المضار يقدم على جلب المنافع- الضرورات تبيح المحظورات- الإضرار لا يبطل حق الغير- الضرورات تقدر بقدرها- ما جاز لعذر بطل بزواله- إذا زال المانع عاد الممنوع.

أما أصل المبدأ الثاني (رفع الحرج) فالآية القرآنية الكريمة: ما جعل عليكم في الدين من حرج.

ويتفرع عنه المبادئ الآتية:

المشقة تجلب التيسير- الأمر إذا ضاق أتسع- الحرج شرعا مرفوع- الحاجات تنزل منزلة الضرورات في إباحة المحظورات.

اعتمدت المادة 17 المصلحة كأساس للتشريع، ولكنها لم تذهب إلى الحد الذي ذهب إليه الطوفي في ترجيح المصلحة على النص وإنما ضبطت المصلحة التي يبنى عليها التشريع بشروط معينة مستمدة من مذهبي المالكية والحنابلة.

وأباحت المادة 19 ترجيح المصلحة على النص في حالات استثنائية بشروط مستمدة من الإمام الغزالي.

كما نصت المادة 20 على ضرورة تقييد الهيئة بما تم اختياره بالفعل من اتجاهات تشريعية عامة نص عليها الدستور كحرية النشاط الاقتصادي الخاص (المادة 11 من الدستور) وصيانة الملكيات الخاصة (المادة 12 من الدستور) وملكية الدولة للثروات الطبيعية (المادة 13 من الدستور) ومبدأ ألا جريمة ولا عقوبة إلا بنص (المادة 21 من الدستور) وغير ذلك من المبادئ والاتجاهات.

وأخيرا نصت المادة 21 على مراعاة العرف الصحيح، ويتفرع عن ذلك المبادئ الآتية:

العادة محكمة- استعمال النسا حجة يجب العمل بها- الحقيقة تدرك بدلالة العادة- إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت- العبرة للغالب الشائع لا للنادر- لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان.

ولا يفوتنا أن نشير إلى وجود رقابة قضائية لاحقة تضمن عدم مخالفة القوانين للشريعة الإسلامية وسيتكفل بتنظيمها وتوضيح ضوابطها قانون إنشاء المحكمة الدستورية العليا.

كما لا يفوتنا أن ننوه بأن هذا المسلك الواعي المخطط في رسم أصول السياسة التشريعية أمر لم تسبق إليه دولة أخرى، وهو جدير بالفخر والاعتزاز ودليل على الوعي وبعد النظر والله ولي التوفيق.

ونظرا لأن مهمة الهيئة كما أوضحتها المادة 12 ليست مجرد صياغة أحكام محددة من قبل، وإنما هي أولا:

اختيار الأحكام التي ستصاغ، أي أنها مهمة اجتهادية تتطلب توافر مستوى معين من أعضائها، كما تتطلب تنوع اختصاصاتهم ووظائفهم بما يكفل ضبط العمل ودقته وإتقانه، كما يقتضي الأمر استقلال هذه الهيئة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية بحكم تشكيلها ووظيفتها، لذلك نصت المادة الأولى على استقلال الهيئة وأن ميزانيتها تربط بقانون خاص، كما نصت المادة الثانية على كيفية تشكيلها وروعي في ذلك أن تضم إلى جانب العلماء الشرعيين علماء قانونيين لهم صلة دراسة وممارسة شرعية كما تضم أشخاصا هم بحكم وظائفهم وثيقي الصلة بالقانون والشريعة سواء عن طريق التدريس أو التشريع، أو التطبيق، كما تضم رئيس مجلس التخطيط الذي تتجمع عنده خيوط البيانات والتقارير والإحصاءات- والمشروعات مما يضع الهيئة في مجال الاحتكاك المباشر بواقع المجتمع ومشاكله واحتياجاته.

ملحق 2

صياغة أحكام الحوالة في مواد مقننة

(نشر كملحق ثالث لموضوع الحوالة من موسوعة الفقه الإسلامي بالكويت)

أولا: فكرة هذا الملحق والداعي إليه:

391- كانت مجلة الأحكام العدلية أول محاولة من نوعها في تقنين الشريعة الإسلامية في مواد منضبطة، تطرح الخلافات باختيار رأي محدد، على غرار القوانين الحديثة.

وقد اتبع في صياغتها اختيار للراجح من المذهب الحنفي عدا مسائل اختير فيها خلاف الراجح لمصلحة رآها واضعو المجلة، وبتخصيص الإمام العمل بهذا الرأي المختار رعاية للمصلحة من بين الآراء المختلفة تعين وتوجب العمل به، وصار راجحا بعد أن كان مرجوحا، على ما هو الأصل في المذهب الحنفي نفسه.

ثم كانت محاولة محمد قدري باشا في تقنين مذهب أبي حنيفة النعمان كذلك في مسائل المدنية تحت عنوان “مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان”، وفي مسائل الوقف، ومسائل الأحوال الشخصية.

ثم تلت ذلك محاولات جزئية عند وضع مشروعات قوانين الوقف والأحوال الشخصية في مختلف البلاد الإسلامية، وبقيت مسائل المعاملات دون محاولات جديدة، عدا المحاولة الجزئية التي قام بها بعض الفقهاء الشرعيين والقانونيين عند إعداد مشروع القانون المدني المصري الجديد.

وكان مما انتقد على طريقة التقنين التي سارت عليها المجلة، ومرشد الحيران فضلا عن التزامهما بالمذهب الحنفي دون باقي المذاهب، ضرب الأمثلة التوضيحية في كل مادة للمقصود المراد من حكمهما العام، مما يتنافى مع المعتاد في طريقة التقنين الحديثة.

ولما كانت المجلة –كشأن أي قانون آخر قابلة للتعديل والتطوير، مع ما يستجد من حاجات المجتمع وأساليبه- كان من الضروري أن تتناولها يد التجديد والتطوير. لكن ذلك لم يحدث مع الأسف الشديد، بل أبقيت على حالها حتى بدت مختلفة عن التطور، فامتدت إليها يد الإلغاء الجزئي أو الكلي، لتحل محلها القوانين الحديثة، العديمة الصلة بمنابع الشريعة الإسلامية.

392- لذلك كان من الواجب –ونحن بصدد بعث هذه الثروة الفقهية الغنية بآرائها واجتهاداتها المتعددة، وبحلولها المتنوعة في مختلف مسائل الحياة- أن نجدد محاولة الصياغة التقنينية لأحكام الفقه الإسلامي الذي تعرضه الموسوعة الفقهية في المذاهب الثمانية.

وكان لزاما على من يريد صياغة حكم مسألة معينة أن يختار –عند اختلاف الآراء- رأيا معينا يقوم بصياغة النص التقنيني على أساسه.

393- هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى كتب بعض الفضلاء إلى إدارة الموسوعة عقب صدور موضوع (الأشربة) من الطبعة التمهيدية، مقترحا أن تقتصر الموسوعة على عرض ما يترجح لديها من رأي في كل مسألة دون عرض خلافاتها. حتى لا يتشوش فكر القارئ ويتوزع بين الآراء المختلفة وأدلتها ومناقشاتها.

كما اقترح بعضهم إبقاء الرأي الراجح في صلب المتن، وإنزال الخلافات إلى الحاشية. ومع تقديرنا لدوافع هذين الاقتراحين، نرى: أن ما تهدف الموسوعة إلى تحقيقه من نشر ثروة الفقه الإسلامي على مختلف مذاهبه بصورة حديثة مرتبة بالترتيب الألف بائي، وبأسلوب مبسط، وعلى أساس مقارن، كل ذلك يحتم الخطة التي اتبعتها إدارة الموسوعة، ويجعل العدول عنها إلى أحد الاقتراحين المشار إليهما مفقدا لقيمتها العلمية. ولا سيما أنه قد يستجد في الزمن من المصالح ما يقتضي جعل المرجوح راجحا كما حصل في صياغة المجلة.

وهنا تأتي فكرة الملحق الحالي لتتجاوب بصورة ما، مع هذين الاقتراحين إذ يجد فيه القارئ عرضا تركيزيا للموضوع، مقتصرا على ما ترجح لدى إدارة الموسوعة من رأي في المسائل الأساسية. وصياغة هذه المسائل في مواد تقنينية.

394- إن هذا الاختيار أو الترجيح قد تم وفقا لمبادئ معينة سنعرضها الآن. فهو لا يعني الحكم بخطأ الآراء التي تركت، أو عدم ملاءمتها، وإنما هي ضرورة الاقتصار على رأي واحد إن أريد ضبط الحكم في المسألة.

ثانيا: المبادئ المتبعة في صياغة هذه المواد المقننة:

395- (أ) من ناحية المصطلحات:

راعينا بقدر الإمكان التوفيق بين اعتبارين (أولهما) المحافظة على المصطلحات الفقهية، (وثانيهما) تبسيط العبارة وتقريبها إلى المصطلح الحديث بما لا يخرج بها عن معناها الفقهي الاصطلاحي.

ولذلك لجأنا في أول البداية إلى ضبط المصطلحات الرئيسية بتحديد مفاهيمها في صور تعاريف.

396- (ب) من حيث المضمون:

حرصنا على الاقتصار على المبادئ الأساسية والمسائل الرئيسية دون الفرعيات الصغيرة. وانصب اهتمامنا على ضبط مقومات العقد وآثاره وانتهائه تاركين التفاصيل الفرعية التي لا تتعرض لها التقنيات الحديثة، بل تترك عادة لشراح الفقه واجتهادات القضاء.

وقد راعينا، في ترك هذه التفصيلات الفرعية والخلافية، أن تكون مما بعد –بضم العين- الاستدلال فيه عن الأدلة الأصلية لعدم وجود نص فيه أو قاعدة، ودخل بذلك في مجال الإباحة التي هل أصل في المعاملات، ولا تدعو المصلحة الظاهرة إلى ترجيح المنع أو التخصيص أو التقييد فيه. فلم ننص عليه في هذه المواد المقننة.

397- (ج) من حيث الاختيار والترجيح:

حين يتفق الرأي بين المذاهب المختلفة على حكم مسألة معينة فلا إشكال، ويتجه اهتمامنا إلى صياغة الرأي المتفق عليه.

أما عند الخلاف، فالأصل هو اختيار الراجح بين المذاهب (وهو ما كانت قوة دليله أوضح، أو كان هو رأي الجمهور) ما لم تقم في وجهه اعتبارات أخرى تقتضي العدول عنه.

فأحيانا يقع اختيارنا على الرأي الذي يتفق مع العرف الحالي، أو يحقق المصالح المستحدثة، كما في أخذنا بالحوالة المطلقة (م/ 3)، وكما في عدم اشتراط رضا المحال عليه في الحوالة المقيدة إلا في بعض حالاتها (م/ 6) وفي جواز السفتجة (م/ 23)، وفي إثبات الخيار وجواز التقابل (م/ 13) وفي اختصاص المحال بالمال المحال عليه عند موت المحيل (م/ 20).

وأحيانا أخرى يقع اختيارنا على الرأي الذي فيه التيسير واجتناب التضييق، كما في جواز الحوالة على العين (م/ 8) وفي جواز رجوع المحال عليه في الحوالة الباطلة على المحال القابض (م/ 10) وفي الرجوع بالتوى (م/ 22).

وقد أوضحنا في الحاشية المذاهب، أو الفقهاء الذين أخذنا برأيهم في كل مسألة خلافية حتى نعين القارئ في مراجعة تفاصيل الرأي وأدلته من بحوث الموضوع نفسه.

وقد وقع اختيارنا –في بعض المسائل- على آراء رجح كاتب الموضوع خلافها، نظرا لاختلاف الاعتبارات التي راعاها الكاتب عند بحث الموضوع علميا عن الاعتبارات التي راعيناها عند الصياغة التقنينية، والتي شرحنا بعضها فيما سبق.

(مثال ذلك: حق الرجوع بالتوى: فقد اخترنا رأي الحنفية بينما يرى الكاتب رجحان رأي المالكية) ولزم لذلك هذا التنبيه حتى لا يكون مظنة تناقض أو اضطراب.

ثالثا: صياغة الأحكام الأساسية المختارة في صورة مواد تقنينية:

398- نقدم فيما يلي الصياغة المشار إليها للأحكام الأساسية في الحوالة في صورة مواد تقنينية مستمدة من مذاهب الفقه الإسلامي.

المادة- 1

الحوالة نقل الدين من ذمة إلى أخرى.

المادة- 2

(أ) الحوالة تكون مطلقة، أو مقيدة.

(ب) فالحوالة المقيدة هي التي تقيد بأدائها من الدين الذي للمحيل في ذمة المحال عليه، أو من العين التي له عنده أمانة أو مضمونة.

(ج) والحوالة المطلقة هي التي لم تقيد بشيء من ذلك، ولو كان موجودا.

المادة- 3

(أ) تنعقد الحوالي بالتراضي.

(ب) لا تتقيد صيغة الحوالة بألفاظ معينة، وكما تحصل شفاها تحصل بالكتابة والإشارة.

المادة- 4

(أ) يجب لانعقاد الحوالة المطلقة رضا المحال والمحال عليه.

(ب) رضا المحيل شريطة للرجوع عليه من قبل المحال عليه بعد الأداء.

المادة- 5

(أ) يجب لانعقاد الحوالة المقيدة رضا المحيل والمحال.

(ب) على أنه يشترط رضا المحال عليه إذا نص على ذلك القانون أو اتفاق سابق بين المحيل والمحال عليه، أو إذا اقتضت ذلك طبيعة الدين الذي للمحيل في ذمة المحال عليه (أو العين التي له عنده).

المادة- 6

(أ) يجب لانعقاد الحوالة وجود محل صالح لها.

(ب) والمحل الصالح في الحوالة المطلقة دين للمحال في ذمة المحيل مستوف للشرائط الآتية في المادة/ 8. وإذا كانت الحوالة مقيدة يجب أيضا وجود مال محال عليه مستوف للشرائط الآتية في المادة المذكورة.

المادة- 7

يشترط لانعقاد الحوالة ما يأتي:

1-   أن تكون منجزة غير معلقة لا على شرط ملائم أو متعارف، ولا مضافا فيها العقد نفسه إلى المستقبل.

2-   أن لا يكون الأداء فيها مؤجلا إلى أجل مجهول جهالة فاحشة.

3-   أن لا تكون مؤقتة بموعد مطلقا ولو معلوما.

4-   أن يكون المحيل والمحال عاقلين.

5- أن يكون المحال عليه عاقلا بالغا. وإذا كانت الحوالة لدين شخص قاصر يشترط أيضا في المحال عليه أن يكون أكثرة ملاءة من المحيل.

6-   أن يكون المال المحال به دينا معلوما يصح الاعتياض عنه.

7-   أن يكون المال المحال عليه في الحوالة المقيدة. دينا أو عينا مما يصح الاعتبار عنه.

8-   أن يكون كلا المالين –المحال به والمحال عليه- متساويين جنسا وقدرا وصفة.

9-   أن يكون إرفاقا محضا فلا يكون فيها جعل لأحد أطرافها بصورة مشروطة أو ملحوظة. أما الجعل الملحق بعد عقدها فلا تتأثر به الحوالة السابقة، ولا يستحق.

المادة – 8

(أ) تعتبر الحوالة باطلة إذا انتفى بعض شرائط انعقادها، كما تبطل الحوالة المقيدة بارتفاع الدين المحال عليه من أصله، أو باستحقاق العين المحال عليها.

(ب) لا يؤثر فوات ما للمحيل لدى المحال عليه في بقاء الحوالة المطلقة، ولا تبطل الحوالة المقيدة إذا ارتفع الدين أو العين المضمونة المحال عليهما ارتفاعا عرضيا بعد انعقاد الحوالة.

المادة – 9

يترتب على بطلان الحوالة أن يعود الدين على المحيل. وإذا كان المحال عليه قد دفع إلى المحال قبل تبين البطلان يكون الدافع مخيرا بين الرجوع على المحيل أو على المحال القابض.

المادة – 10

يشترط لنفاذ الحوالة ما يلي:

1- أن يكون المحيل والمحال بالغين، فحوالة القاصر المميز موقوفة على إجازة وليه أو وصيه. ويشترط في هذه الإجازة أن يكون المحال عليه أكثر ملاءة من المحيل.

2-   أن تكون للمحال ولاية على المال المحال به.

3-   علم المحال عليه بالحوالة إذا كانت مقيدة.

المادة – 11

الحوالة –بوجه عام- تنتفي بإنكار المحيل إذا لم يثبت كذبه.

المادة – 12

الحوالة عقد لازم إلا إذا شرط أحد أطرافه لنفسه الخيار، وهي قابلة للتقابل بتراضي أطرافها.

المادة – 13

(أ) بمجرد انعقاد الحوالة يبرأ المحيل من دين المحال براءة مقيدة بسلامة هذا الدين، وتشغل به ذمة المحال عليه.

(ب) ويثبت للمحال ولاية مطالبة المحال عليه وحق ملازمته.

(ج) وإذا كانت الحوالة مطلقة ولازم المحال عليه بالفعل، كان لهذا أن يلازم المحيل إذا كانت الحوالة بإذنه.

المادة – 14

(أ) لا تنتقل مع الحق الضمانات التي كانت لمصلحة المحال في مواجهة المحيل. أما الدفوع التي لمصلحة المحيل في مواجهة المحال فإنها تنتقل مع الدين إلى المحال عليه.

(ب) لا يستفيد المحال شيئا من الضمانات التي كانت للمحيل في مواجهة المحال عليه. أما الدفوع التي للمحال عليه في مواجهة المحيل فإنها تبقى له في مواجهة المحال.

المادة – 15

في الحوالة المطلقة إذا كان المحال عليه مدينا للمحيل، أو عنده له عين، ولكن لم تتقيد بشيء منهما، يبقى للمحيل حق مطالبة المحال عليه بما له عنده من دين أو عين، ولا يكون للمحال عليه حق حبسهما حتى يؤدي إلى المحال.

المادة – 16

بانعقاد الحوالة المقيدة مستوفية شرائطها يسقط حق المحيل في مطالبة المحال عليه بما له عنده، ويمتنع على هذا الأخير أن يدفعه إليه، فإن دفعه إليه بقى ملتزما تجاه المحال.

المادة – 17

في الحوالة الصحيحة –مطلة كانت أو مقيدة- يجوز للمحال عليه أن يمتنع عن الدفع إلى المحال ولو استوفى المحيل من المحال عليه دينه، أو استرد العين التي كانت عنده.

المادة – 18

(أ) إذا كانت الحوالة برضا المحيل، وأدى المحال عليه إلى المحال أداء فعليا أو حكميا ولم يكن المحال عليه مدينا للمحيل بمثابة دنيه، استحق المحال عليه الرجوع على المحيل.

(ب) ويكون الرجوع بالأقل من المحال به أو المؤدي.

المادة – 19

(أ) لا تنفسخ الحوالة المطلقة بموت المحيل.

(ب) وفي الحوالة المقيدة، إذا مات المحيل قبل استيفاء دينها، يختص الحال بالمال المحال عليه.

(ج) أما الأجل فيبقى إذا مات المحيل، ويسقط بموت المحال عليه فيحل الدين سواء أكانت الحوالة مطلقة أم مقيدة في الحالين.

المادة – 20

تنتهي الحوالة بأداء المحال عليه مبلغهما إلى المحال أداء حقيقيا أو حكميا.

المادة – 21

مع مراعاة أحكام المواد 7 و 8 و 9 و 11 يكون للمحال حق الرجوع على المحيل في الأحوال الآتية:

1-   إذا فسخت الحوالة باتفاق أطرافها.

2-   إذا جحد المحال عليه الحوالة ولم يكن ثمة بينة بها، وحلف على نفيها.

3-   إذا مات المحال عليه مفلسا قبل أداء الدين.

4-   إذا حكم القاضي بإفلاسه قبل الأداء.

5-   إذا ارتفعت العين التي قيدت بها الحوالة ارتفاعا عرضيا وكانت غير مضمونة.

المادة – 22

(أ) السفتجة جائزة ويجب وفاؤها في المكان المشروط.

(ب) إذا توافرت في السفتجة مقومات الحوالة كانت حوالة، وطبقت فيها الأحكام المتقدمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر