يطول بنا الحديث ويتشعب لو حاولنا أن نسجل تاريخ الحوار بين العرب كأمة ذات حضارة وعقيدة ومنهج في الحياة . . وبين العالم من حولهم بأممه وحضارته وعقائده . . وحسبنا في هذا المقام أن نسجل الموقف النفسي الدفاعي الذي اتخذه العرب ازاء العالم من حولهم منذ افاقوا من سلطان الاحتلال العثماني واثاره ليواجهوا – في الجانب السياسي استعمارا غربياً سافرا يفرض إرادته على إرادتهم ، ويحتل بعسا كره وقوته المادية أرضهم . . وليواجهوا – على الصعيد الحضاري – فجوة هائلة بين ما انتهي اليه حالهم من جمود . . . وما انطلقت اليه حضارة الغرب من سيطرة – بالعلم والعقل – على الحياة ، وهي فجوة اصابت العقل العربي بنوع من الذهول الممزوج باليأس من اللحاق بها ولا نجد في التعبير عنها خيرا من كلمة الجبرتي وهو يقف مذهولا في دار الصنائع التي انشأها بونابرت في القاهرة ، يصف بدهشة واعجاب لا حدود لهما ما رآه فيها من الآلات والمصنوعات ثم يخم وصفه قائلا : وغير ذلك من الأمور الغربية ، والشواهد العجيبة مما لا تطيقه عقول أمثالنا !
وقد دفعت هاتان الصدمتان . . صدمة الاستعمار ، وصدمة التخلف العلمي والعمراني بالعرب إلي نوع من العزلة الدفاعية . . تقطعت بسببها الصلات بينهم وبين العالم وانهارت جسور كثيرة من جسور التواصل الحضاري والفكري بين العرب وسائر الشعوب ، وانكفأ الفكر العربي على ذاته يجبر امجاده القديمة ، عازفاً عن التفكير في المستقبل ومشاكله وضرورة الاعداد للقائه.
فلما جاء أوان اليقظة والتحرر واكتشاف الذات . . بتصفية الاستعمار ورحليه من الأغلبية الساحقة من الدول العربية . . . بدأت مع هذا الرحيل حركة تحرير الثقافة العربية من اثار الاستعمار الثقافي . . ومع تعاظم قيمة العرب سياسياً وعسكرياً واقتصادياً بدأت الاسباب النفسية للعزلة في الزوال .
وأحس العرب كما أحس غيرهم بالحاجة إلي الحوار مع العالم . . تعرفا عليه وتعريفا بالنفس . . ومدا للجسور التي تتحرك عليها روابط الود وتبادل المصالح تمثل ذلك سياسياً في سعي العالم لاكتشاف حقيقة العرب التي طمستها في عقولهم سنوات العزلة ، وسنوات التشويه المعتمد ، وتبادل عقد النقص والاستعلاء . ، واتخذ هذا السعي اشكالا عديدة شهدت السنوات الثلاث الاخيرة نماذج جديدة منها . . فبالإضافة إلي التواصل السياسي الرسمي والحزبي والشعبي . . عقدت الأوربي كما اتصل حوار عربي مع العالم الاشتراكي وطويت إلي حد بعيد سر الحجاب المصطنع بين جزئي القارة الافريقية شمالي الصحراء وجنوبيها . . على أن من المفارقات المذهلة والمؤسفة معا . . انه في الوقت الذي فتحت فيه ابواب الحوار بين العرب والعالم على هذا النحو . . بدأت تغلق – بغير وعي – ابواب الحوار بين العرب والعرب . . وبدأت الامة العربية مسيرتها في حوارها مع العالم منطلقة من وهم وحدة الرؤية الحضارية والسياسية للأمة العربية الواحدة – من المحيط إلي الخليج – غير مكترثة لذلك بتحديد هذه الرؤية المفترضة بالنسبة للقضايا والمواقف الرئيسية التي لا يمكن بغير الاتفاق عليها الحديث عن – استراتيجية عربية – أو – رؤية عربية واحدة – . ولو أن علاقة العرب بالعالم كانت علاقة حوار فحسب لهان الأمر ، ولاستطاع العرب أن يعرضوا إلي أنفسهم للحوار الداخلي من جديد كلما اكتشفوا مواضع الخلاف بينهم على طريق هذا الحوار . . وانما كان اتصال العرب بالعالم اتصالا متعدد الجوانب ، اتخذوا معه مواقف وارتبطوا به في ميادين عدة . . فقامت احلاف وابرمت معاهدات ورسمت سياسات ، وتحركت رؤوس اموال . . واستعيرت انظمة واشكال حضارية ومعاشية . . وواجه العرب خلال هذه الحركة قضايا تتعلق بكيانهم كله . .
واتخذ أولو الأمر فيهم مواقف من هذه القضايا ، كل بحسب اجتهاده . . وفي ضوء ما اتيح له من النظر والتقدير . . وعلى اساس من تصوره لنفسه ولأمته من ناحية وللعالم من حوله من ناحية أخري فلما تفجرت التناقضات بين هذه المواقف . . وتم اكتشاف المسافات البعيدة التي تفصل بين الاجتهادات والرؤي والحسابات . . اتضح للكثيرين ان شعار – المحيط والخليج – عن واقع وحدوي استكمل مقومات الرؤية الحضارية ووحدة الموقف الاستراتيجي . . لما تحقق ذلك كله كان الوقت قد تأخر على الحوار . . واستيسر كثيرون أن يمضي كل منهم في طريقته . . ويرسم الاستراتيجية العربية على صورته . . ويدافع باستشهاد واصرار عن مواقفه الذاتية . . ويعتبرها – وحدها – المواقف العربية السليمة الصادرة عن التزام بالاستراتيجية العربية ! التي لم تناقش ابدا . . واستمرت حركة العرب ولم تتوقف . . وهذه ايضاً سنة الحياة . . واستمرت المفارقات في الظهور . . وهذه أيضاً سنة الحياة . . في غيبة الاتفاق المسبق علي الأهداف واستمر باب الحوار مغلقاً . . يحول دون فتحه نقص الاحساس بضرورته عند البعض . . والخوف من عواقب فتحه عند البعض الأخر . .
المبارزات الكلامية :
وكان لابد من بديل :
فظهر على الساحة العربية ما يمكن أن نسميه . . – المبارزات الكلامية – وهو والنظر يشبه الحوار في ظاهره . .
ولكنه يفتقر إلي عناصره الاساسية .
فالحوار تبادل – بالكملة – لفكر والنظر حول موضوع يعرف الاطراف مقدماً أنه يحتمل تفاوت الفكر والنظر . .
ويقدرون مقدما أن هناك حاجة إلي تبادل الفكر حوله ويطلبون من ذلك كله أن يصلوا – في موضوع الحوار – إلي الحد الأقصى من استخدام الفكر الجماعي والمتبادل لخدمة هذه – الموضوع – .
وهم من اجل ذلك يستعدون – مقدما – لا عادة النظر في مواقفهم في ضوء نتيجة الحوار..
أما المبارزة الكلامية فليس لها من الحوار الا شكله وهو استخدام الكلمة في علاقة بين اطراف ..
ولكن اطرافه لا يتبادلون الفكر والنظر . .
وانما يتبادلون اللوم والاتهام . . . حول موضوع يدعي كل منهم انه حسمه ووصل فيه إلي اليقين الذي لا موضع بعده لفكر أو اجتهاد وهم لا يطلبون – بالمبارزة الكلامية – أن يصلوا إلي شئ وإنما يطلب كل منهم ازالة خصمه وتثبيت ذاته . . خدمة لتلك الذات على حساب موضوع الحوار.
والمبارزة الكلامية – بسبب ذلك كله . . لا تقرب مواقف الاطراف مهما طالت وامتدت وانما تزيدها بعدا وتزيدهم تفورا . . وتسد بذلك الطريق على فرص – الحوار الحقيقي – . .
والمتأمل في احوال الساحة العربية ، ببعديها القائمين في الزمان وبما تموج به هذه الساحة من أفكار ونظريات وتصورات يتعلق كثير منها بالقضايا الاساسية النظرية والعلمية التي تواجه الأمة العربية يصل – على الفور – إلي الاقتناع بثلاثة امور :
أولا :
اننا – نحن العرب – تحتاج ، وبغير تردد ولا ابطاء ، إلي فتح أبواب الحوار مع أنفسنا . .
حوار عربي عربي . . قبل ان تفتح حواراً عربياً أوروبياً أو عربياً أي شئ أخر . .
ثانيا :
اننا نحتاج إلي اتفاق حول ادب الحوار ومنهجه . . حتي لا يتدهور إلي ان يصبر – مبارزة كلامية – او حملة تجريح من النوع الذي وضعنا – والذي تذخر الساحة العربية – مع الحزن والاسف – بنماذج منه بالغة السوء ، بالغة الهبوط . . تقطع المؤدات وتذهب بالمروءات فضلاً عن إضرارها الهائل – موضوعياً – بالمصالح العربية التي تحتاج رعايتها إلي الحوار . .
ثالثاً :
اننا نحتاج – بعد اتفاقنا على المنهج أن نحدد عدداً من القضايا الاساسية التي ينبغي ان يتناولها هذا الحوار ، حتي لا ينصرف الحوار إلي قضايا جانبية كثيرة ، وحتي لا تتحول الساحة العربية إلي – عكاظ –او – هايد بارك – تنوه معها القضايا الاساسية وسط زحام من الجدل العقيم.
واذا كانت الحاجة إلي الحوار العربي قد اصبحت غنية عن الكلام المعاد فقد بقي ان نتناول ادب الحوار ، وموضوع الحوار .
أدب الحوار . . .
من الغريب ان امتنا العربية قد فطنت في مرحلة مبكرة من تاريخها الحضاري إلي أهمية ارساء منهج واضح وآداب يلتزم بها اطراف الحوار ، وتناول علماء العرب هذا المنهج في كتاباتهم تحت عنوان : آداب المناظرة مشيرين به إلي استخدام الكلمة في مواجهة صاحب الرأي الأخر . . وقواعد موضوعية تعين على تنظيم حركة الفكر وهو يبحث عن الحقيقة في موضوع الحوار .
والنوع الأول من –الآداب– يقصد به حماية أطراف الحوار . . وحفظ الود بينهم . . تأميناً في النهاية لاستمرار الحوار ، أما النوع الثاني فيقصد به خدمة . . موضوع . . الحوار ، ويدور اكثره حول ما يسمي عادة – منهج البحث – بصفة عامة ، ولكنه هنا بحث من نوع خاص لأنه بحث جماعي يتم على طريقة التبادل . . تبادل – الكلمة والفكرة – . .
- فمن النوع الأول على سبيل المثال إن يتناول الكاتب او المتحدث الفكرة أو الموقف دون ان يتجاوزها إلي صاحبها او لا يجوز ان يشغل بمحدثه عن حديثه . . مما يخرج الحوار إلي دائرة المبارزة مرة أخري . . ومن هنا لم يكن –التخريج– أسلوبا من أساليب الحوار . . . لأنه يفتح الباب أمام احتمالين لا ثالث لهما .
أولهما . . ان يقابل بمثله فيتدهور الحوار ويضيع – موضوعه – في سوق السباب . . او ان يضيق به الطرف الأخر فيؤثر الصمت حفاظاً على كرامته ، مترفعاً عن التدني واتقاء لشر من لا يستحي فهو يصنع ما يشاء . . وفي الحالتين ينتهي الحوار . . وفي الحالة الاولي يتحول إلي معركة سباب . وفي الأخرى يتوقف حيث كان ينبغي ان يستمر . .
لهذا نهي الإسلام – بكل حزم وشدة عن التنابز بالألقاب وعن سخرية البعض من البعض – عسي ان يكونوا خيراً منهم – .
وأمر ان نأخذ المتحدث بحديثه والا ننشغل بنواياه ، فالله وحده –يتولي السرائر – وقال النبي صلي الله عليه وسلم – لمن فعل غير ذلك . . أأنت شققت عن قلبه – . .
. . ولهذا اخذ بعض العلماء على الفقيه الكبير ابن حزم الظاهري انه مع غزارة علمه وفرط ادبه – كان يشتد احياناً في المجادلة . . ولا يمتنع عن وصف مجادله بالجهل والضلال او انه – لا شيء – . . وعللوا ذلك بأن تكريم صاحب الرأي الأخر ادني إلي استمرار الحوار . .
ب-ومن هذه الآداب أيضاً . . الافساح للرأي الأخر ،وعدم تخطئته مقدماً ، وهو إفساح مصدره رسوخ القدم في العلم ، وادراك تعدد وجوه الحقيقة وتعدد الطرق اليها . . ومصدره كذلك تواضع النفس والعقل . . والتسليم بأن كل صاحب رأي بشر يخطئ ويصيب . . ومصدره فوق ذلك – الحرص على الحقيقة – والامانة في السعي اليها . . والاستعداد للرجوع – بنفس راضية – اليها حتي حين تعلن على لسان الخصم ومن خلال حجته . . وهذا الافساح للرأي الأخر هو ما يعبر عنه الامام الاكبر ابو حنيفة حين يقول :- علمنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه ، فمن جاءنا بخير منه قبلناه .
وحين يقول في عبارة تصلح ان تكون دليلاً لكل حوار :
رأينا صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب .
جـ- ومن القواعد والآداب التي تخدم – موضوع الحوار – و – اطرافه – على السواء قاعدة – احترام الحقيقة – والامانة في عرضها . . بنصها وبإطارها الزمني والموضوعي . . ومن الاخلال الخطير بهذه القاعدة ان يعرض – جزء – من الكلام وأن يسقط الجزء الأخر ، او ان نقتطع عبارة من سياقها ، او تعزل عن مناسبتها . . مع ان ذلك كله شرط لفهم الكلام وتحديد مدلوله والحكم على المواقف التي تبني عليه .
والاخلال بهذه القاعدة خطأ جسيم حين يتم عن جهل او فساد منهج أما حين يتم عمداً وعلى سبيل استخدام – كل الاسلحة الممكنة – في المبارزة فانه يعتبر جريمة وسوء خلق . . . ويتحول الحوار إلي سفسطة فارغة ولغو لا يليق ، كلغو القائل : – ما قال ربك ويل للألي مكروا . . بل قال ربك ويل للمصلين . . ومن الاخلال بهذه القاعدة كذلك نقل الآراء والمواقف بغير التثبت منها ، أو أخذها ممن لا يجوز الاطمئنان إلي امانته او علمه ، وهو اخلال حذرنا منه قوله تعاني – ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا – ، وقوله تعالي : يا ايها الذين أمنوا اذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا – ونهي عنه الحديث الشريف – اذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع – . . فإين هذا كله مما تجري به اليوم من حولنا السنة واقلام . .
د- ومن القواعد الموضوعية اللازمة لكل حوار ، ان يحدد موضوعه ، وان تحدد مواضع الاتفاق ، ومواضع الاختلاف حول ذلك الموضوع . . . فكم من حوار بدأه اطرافه ، واستمروا فيه أشواطاً ليكتشفوا بعد ذلك ان الخلاف بينهم محصور في أمر أو امرين ، وانهم متفقون فيما عداهما . . لهذا عني علماؤنا ببحث ما يسمونه – تحرير الخلاف – اي تحديد مواضعه تحديداً دقيقاً منضبطاً لينحصر الحوار حولها . . وليتيسر تعاون الاطراف فيما هم متفقون عليه . . لهذا ومن هذا المنطلق المنطقي لا يمكن – على سبيل المثال – ان يستقيم بناء العلاقة بين بلدين عربيين على اساس قاعدة – الوحدة الكاملة او الصدام و المواجهة –كأنما على الناس أن يختاروا بين الاتفاق على كل شئ أو الاختلاف على كل شئ . . ذلك ادني إلي شعارات المبارزة بالكلام منه إلي أصول البحث والحوار . .
هـ- ومن القواعد الموضوعية اللازمة للحوار ايضاً ان يتبادل أطرافه البيانات والمعلومات قبل ان يتخذوا المواقف . . وقبل ان يخطئ بعضهم بعضاً في شأنها ذلك أن الخلاف كثيراً ما يرجع إلي توافر بعض البيانات الكاشفة عن الحقيقة عند طرف دون أخر . . ولو اتيح لهم جميعاً ان يحيطوا بها لكان لهم موقف واحد او موقف متشابهة او لضاقت – على الاقل – مسافة الخلاف بينهم . .
وقد فطن علماؤنا إلي هذه الحقيقة وسجلها الامام ابن تيمة في دراسة عن اسباب اختلاف الائمة ، وهي الرسالة المسماة ، – رفع الملام عن الائمة الاعلام – ، ذاكراً ان من بين اسباب الاختلاف أن يكون الحديث قد بلغ مجتهداً ولم يبلغ الأخر .
ويطول الحديث لو اردنا ان نتعقب المزيد من الآداب والقواعد الضابطة للحوار ، ويبقي ان نقول ان الحوار هو الاداة الوحيدة المتاحة أمام الباحثين عن الحقيقة وعن تحري مصالح الناس . والساعين لتحقيق الترابط والوحدة بين الأفراد والشعوب . . ولكنه لا يكون أداة صالحة لشئ من ذلك إلا إذا أحيط بهذه الآداب والضمانات . . أما حين تسقط عنه ، فانه لا يوصل إلي شئ ، بل يفتح الباب لقول القائلين ان حرية الكلمة لم تكن في تاريخ البشرية مدخلاً للوصول إلي الحقيقة ، وانما كانت على زعمهم سبيلاً للمزيد من الخلاف ولإصرار كل صاحب رأي على رأيه . . وهو قول لا تخفي أثاره السياسية المدمرة – انظر مناقشة لهذا الرأي في كتابات الأستاذ زكاريما تشافي وهو عالم سياسي كاثوليكي امريكي جمع أهم أرائه في مؤلفه المشهور : – نعم الحرية –The Blessings Liberty والعرب اليوم احوج ما يكونون إلي التزام هذه الآداب قبل أن يفتحوا حواراً لا منهج له ولا حدود . . يفرق ولا يجمع ، ويقطع ما بقي من المودات ، ويفصم ما توثق من عري الأخوة وحسن الصلات . . وتضيع معه – بعد ذلك كله – فرص الاهتداء إلي الحقيقة ، وتوحيد الخطي على طريق يعلم الله وحده كم هو صعب وكم هو محفوف بالأهوال .
موضوع الحوار . . .
اذا كان ما يرجو به العالم العربي من تجربة وحركة ومشاكل يصلح ان يكون موضوعاً للحوار . . فان طبيعة المرحلة التي يعيشها العرب والتي يعيشها العالم من حولهم تفرض – بغير ارجاء – ان يبدأ الحوار حول عدد من القضايا الاساسية . .
وما دام العرب لا يزالون مختلفين في كثير من الامور – سنة الله – فان تنوع ظروف البلدان العربية المختلفة ، وتعدد مسارات نشاطها داخل حدودها وخارج تلك الحدود ، ويجعل من الطبيعي أن تكون بعض قضايا الحوار متعلقة بالعالم العربي كله من المحيط إلي الخليج ، وان يكون بعضها متعلقاً بأجزاء منه دون أجزاء ، وبنظم من نظمه دون غيرها . . وهذه بدورها حقيقة موضوعية تحتاج إلي – الوعي بها قبل الدخول في الحوار – . .
- وفي مقدمة القضايا التي تحتاج اليوم إلي حوار تحديد ما يمكن ان يكون قدراً ادني مشتركاً من المصالح العربية تجاه العالم – . . لأنه حين تحدد هذه المصالح وحين يتم الاتفاق عليها فإنه يكون من الممكن ان يدخل الحفاظ عليها ضمن أهداف العمل العربي الموحد . . حتي اذا بقيت وراءها مصالح اخري ذات طابع اقليمي يحافظ اصحابها عليها في نطاق استراتيجيتهم الاقليمية المحدودة .
ومن هذه القضايا رصد وتسجيل المصالح والاطماع غير العربية في المنطقة العربية ، اذ عن طريق هذا الرصد والتسجيل يمكن تصور موقف القوي العالمية من المنطقة ، ويمكن بالتالي تحديد سلوك وسياسة العرب تجاه هذه القوي . ولا يخفي أن الخطأ في الحساب والتقدير لن تقتصر اثاره الخطيرة على من اخطأ الحساب أو أساء التقدير . . ومن هنا تزداد الحاجة إلي التشاور والتقدير الجماعي وضوحاً واهمية . وهو تشاور يحتاج إلي أن تسبقه دراسات علمية واسعة ينقطع لها أهل الخبرة والاختصاص في العالم العربي كله (1) .