بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
تعتبر الضروريات من الكليات التي ادعي وجودها في كل ملة، وما ذلك إلا لأهميتها وضروريتها، لكن رغم هذا الاتفاق المدعى اختُلف حولها، والخلاف حول حصر المقاصد الضرورية قديم بين الأصوليين، وقد استجد هذا الخلاف مع الصحوة المقاصدية الجديدة، فتم التطرق للعديد من المباحث المقاصدية بالبحث والاستشكال، مما جعلها تحتاج إلى زيادة تحرير ومزيد تنقير.
وقد عنت الكثير من الدراسات بدراسة الخلاف حول حصر الضروريات في عدد معين، نحو ما ضمنه د. عبد النور بزا كتابه القيم “مصالح الإنسان: مقاربة مقاصدية”(1)، ود. سعيد حليم في كتابه “المقاصد العليا للشريعة الإسلامية: من مقاصد الوجود إلى مقاصد الشهود”؛ وهذا الكتاب متأخر عن الأول لأننا نلاحظ أنه يستفيد منه وينتقده ويرد عليه في عدد من المواطن، نظرا للاختلاف الجذري بينهما في النظر إلى حصر الضروريات، فالأول يقرر عدم إمكانية الزيادة على ما هو موجود، والثاني يقول بوجوبها، فكان لهذا الخلاف أثره في التعميق الإيجابي للإشكال.
وليس الغرض تكرار ما ضمن هذين الكتابين، وإنما ذكر موارد الاعتراض، وإضافة ما استجد، ثم ربط هذه الضروريات بما يعيشه العالم العربي اليوم؛
ذلكم أن المدخل المقاصدي يعتبر ضروريا لفهم دوافع وأسباب قيام الثورات، مما يجعل من اللازم أن يتجه الفكر المقاصدي صوب هذه الناحية لتحليلها وتفكيكها بغية التجديد المقاصدي المنشود والمرغوب، وكذا النظر إلى القضايا الواقعية من منظور مقاصدي.
لذلك فإننا عمدنا إلى رصد عدد من إضافات المتقدمين والمتأخرين مع نقدها ثم إضافة ما ارتأيناه خادما للضروري في الباب.
فمتى ظهر هذا التقسيم؟ وما الفرق بين المتقدمين والمتأخرين في هذا الاستشكال؟ وما محل النـزاع؟
1- تاريخ ظهور التقسيم:
يذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى أن أبا الحسن العامري (381هـ) من الأوائل الذين أشاروا إلى الضروريات الشرعية(2)، حين قال: “وأما المزاجر فمدارها أيضا عند ذوي الأديان الستة لن يكون إلا على أركان خمسة، وهي: مزجرة قتل النفس كالقود والدية، ومزجرة أخذ المال كالقطع والصلب، ومزجرة هتك الستر كالجلد والرجم، ومزجرة ثلب العرض، كالجلد مع التفسيق، ومزجرة خلع البيضة، كالقتل عن الردة”(3)، لكن الذي يلاحظ أن الاستدلال بهذا النص للتأصيل لتأريخ الضروريات استدلال بعيد، لأنه يخرج النص من سياقه الذي ورد فيه، ومعلوم أن السياق مفسر ومخصص، فإذا علمنا أن الشيخ أبا الحسن العامري لم يكن بصدد الحديث عن الضروريات أو الكليات، وإنما كان بصدد تقرير المشترك بين الأديان، إن على مستوى الاعتقادات أو العبادات أو المعاملات أو المزاجر، علمنا أن الحدود جيء بها على سبيل التمثيل فقط للمزاجر المشتركة بين الأديان، فالاستدلال بهذا النص إذن استدلال قاصر، خصوصا أن الحدود ما هي إلا جانب من جوانب حفظ الضروريات من جانب العدم كما جاء عند المتأخرين وليست هي الأصل..وإن كان هذا الكلام منه، رحمه الله، سيفيد في تقرير أمر آخر، وهو عند الاستدلال على حصر الضروريات في خمس من باب أنها تندرج في باب المشترك بين الأديان. باعتبار أنه إحدى أدلة القائلين بأن الضروريات تنحصر في خمسة كونها مشتركة بين الأديان، وإن كانت دعوى الاتفاق ستخرق مع القول بإباحة الخمر في الشرائع المتقدمة، خصوصًا مع الإمام الشوكاني الذي قال: “وقد تأملت التوراة والإنجيل فلم أجد من السكر وإباحة ذلك فلم يتم دعوى اتفاق الملل على التحريم وهكذا تأملت كتب أنبياء بني إسرائيل فلم أجد فيها ما يدل على التقييد أصلا”(4).
أما الجويني فإنه أشار إلى مصطلح “الضرورة” في البرهان وإن لم يفصل، حيث قال في الباب الثالث: في تقاسيم العلل والأصول: “هذا الذي ذكره هؤلاء أصول الشريعة، ونحن نقسمها خمسة أقسام: أحدها: ما يعقل معناه وهو أصل، ويؤول المعنى المعقول منه إلى أمر ضروري لا بد منه مع تقرير غاية الإيالة الكلية والسياسية العامية. وهذا بمنـزلة قضاء الشرع بوجوب القصاص في أوانه؛ فهو معلل بتحقق العصمة في الدماء المحقونة، والزجر عن التهجم عليها…والضرب الثاني: ما يتعلق بالحاجة العامة، ولا ينتهي إلى حد الضرورة”(5).
فها هنا الإمام الجويني أشار إلى مراتب المصالح ودرجاتها، وتعتبر الضروريات في أعلى السلم المقاصدي، إلا أن الإمام لم يفصل ها هنا. ولم يأت على ذكر الضروريات الخمس.
ليأتي الإمام الغزالي بعد ذلك ويعمق النظر في الضروريات، ويطلق عليها مقصود الشرع إذ يقول: “ومقصود الشرع من الخلق خمسة: وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم…وهذه الأصول الخمسة: حفظها واقع في رتبة الضروريات، فهي أقوى المراتب في المصالح”(6).
فإذا كانت هذه الضروريات أو الكليات الخمس متفقًا عليها بين الملل أو الشرائع، وهي مقصود الشرع، فما هي درجة إضافة ضروريات أخرى؟ وما محل الخلاف؟
2- محاولة في التحرير:
لتحرير محل النـزاع كان من اللازم تحديد المفاهيم والمصطلحات، ويعتبر مفهوم “الضروري” المفهوم المركز في البحث، لأن الخلاف ليس حول أهمية المقاصد المضافة وإنما حول درجتها وقوتها ورقيها إلى مستوى الضروري. فما معنى المقاصد الضرورية؟ وهل هو مفهوم ثابت بالمعايير المحدثة؟ بصيغة أخرى، هل حافظ المحدثون على نفس الدلالات المفهومية أم أنهم جددوا وأضافوا؟
وبذلك فإن المدخل المفهوم يعتبر الأول لتحرير محل النـزاع، ذلك أنه إذا اختلف المفهوم اختلفت معه توابعه ومستلزماته.
أ- مفهوم الضروري:
بعد أن بحثنا في تاريخ تشكل هذا المفهوم وجدنا الإمام الجويني من السابقين لإطلاق مفهوم الضرورة وذلك حين قال: في أول أقسام العلل والأصول: ما يعقل معناه وهو أصل، ويؤول المعنى المعقول منه إلى أمر ضروري لا بد منه مع تقرير غاية الإيالة الكلية والسياسية العامية”(7). ويعتبر هذا القسم محل الضرورة لأنه فسره بعد ذلك بالضرورة حين قال: “فأما الضرب الأول: فهو ما يستند إلى الضرورة”(8).
لكن يعتبر تعريف الإمام الشاطبي أنضج التعاريف وأكثرها استيعابًا، وقد عرف الضروريات بأنها: “التي لا بُدَّ منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فُقِدَتْ لمْ تَجْرِ مصالحُ الدنيا على استقامةٍ بلْ على فسادٍ وتهارُجٍ وفَوْتِ حياةٍ، وفي الأخرى فوتُ النجاة والنعيم والرجوعُ بالخسران المبين”(9).
وبذلك فإن هذا التعريف للإمام الشاطبي يتحدد بالتهارج وفوت الحياة في الدنيا، والخسران في الآخرة، فلا عيش ممكن دونها.
وعليه فإنه بالالتزام بهذا التعريف لمفهوم “الضروري” نفهم ما يلتحق بالضروريات وما يخرج منها. فهناك معايير محددة للإضافة، فما هي؟
ب- معايير المقاصد الضرورية:
إضافة مقصد وتعيينه يحتاج إلى التثبت والتؤدة والنظر في رتبته ودرجته، يقول الشيخ ابن عاشور: “على الباحث في مقاصد الشريعة أن يطيل التأمل، ويجيد التثبت في إثبات مقصد شرعي، وإياه والتساهل والتسرع في ذلك؛ لأن تعيين مقصد شرعي -كلي أو جزئي- أمر تتفرع عنه أدلة وأحكام كثيرة في الاستنباط، ففي الخطأ فيه خطر عظيم. فعليه أن لا يعين مقصداً شرعياً إلا بعد استقراء تصرفات الشريعة في النوع الذي يريد انتزاع المقصد التشريعي منه، وبعد اقتفاء آثار أئمة الفقه ليستضيء بأفهامهم، وما حصل لهم من ممارسة قواعد الشرع. فإن هو فعل ذلك اكتسب قوة استنباط يفهم بها مقصود الشرع”(10).
ولما كان الحكم على الشيء فرعا عن تصوره، فلابد من بيان المعايير التي على أساسها نستطيع أن نقول: إن هذه المقاصد الشرعية ضرورية، وتلك غير ضرورية، فما هي هذه المعايير؟
يقول د. عبد النور بزا مجيبًا عن هذا الإشكال: “إذا استقرأنا الفكر المقاصدي وجدنا أن المقاصد الشرعية الضرورية هي التي اجتمعت فيها الأوصاف الآتية، وهي أن تكون: ضرورية، وكلية، وقطعية، ومطلقة، وعامة، ودائمة، وثابتة، وظاهرة، ومنضبطة، ومُطَّرِدَة. ومتى فُقِدَتْ هذه القيود العشرة أو بعضها لم تعتبر من المقاصد الضرورية. والمراد بالضرورية: أنها لابد منها، بحيث تتوقف عليها كلُّ مصالح الدنيا والآخرة وجوداً وعدماً، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
وبالكلية: أن تعم فائدتها جميع الناس، لا بعضهم دون بعض، أو في حالة مخصوصة دون حالة.
وبالقطعية: أن تكون مقصودة للشرع لا بدليل واحد، بل بأدلة خارجة عن الحصر.
وبالإطلاق: أنها غير مقيدة بزمان ولا بمكان ولا بأشخاص ولا بظروف وأحوال معينة.
وبالعموم: أنها عامة في جميع المكلفين، وليست خاصة ببعضهم دون بعض.
وبالدوام: أنها مستمرة باقية لا تزول لو قُدِّرَ بقاء العالم إلى ما لا نهاية.
وبالثبات: أنها لا تتغير في حقيقتها، ولا تتبدل في جوهرها منذ وجودها إلى نهايتها.
وبالظهور: أنها واضحة بينة، بحيث لا يختلف العقلاء في تشخيصها.
وبالانضباط: أنها لا تزيد ولا تنقص عن عدد معين مضبوط.
وبالاطراد: أنها لا تختلف باختلاف الأزمان والأماكن والأشخاص والظروف والأحوال. وبالجملة، متى اجتمعت هذه المعايير العشرة في مقصد ما حصل اليقين بأنه مقصد ضروريّ لا بد منه لقيام مصالح الدنيا والآخرة، بحيث لو فُقِدَ فُقِدَ كلُّ ما سواه(11).
لكن هذه المعايير التي ذكرها الأستاذ تظل اجتهادية، وتتطرق إليها جملة من الانتقادات، أهمها التَّكرار الجلي الواضح كالقول بالإطلاق والاطراد، وعدم الالتفات إلى اللوازم، حيث يلزم من قوله الإطلاق الثبات.
كما أن القول بمعيار الانضباط، أي الحصر في عدد معين، تعوزه الأدلة، لأن العبرة في الضروريات أن تكون ثابتة بأدلة قطعية ومطلقة وظاهرة.
بالإضافة إلى جعله الضرورية معيارًا من معايير ضرورية المقصد!
لذلك فإن هذا الكلام لا يستحسنه بعض الباحثين، كالدكتور سعيد حليم الذي قال معقبا: “يلاحظ على هذه الشروط ما يلي:
أ- أنها شروط جمعت بين رأي المؤالف والمخالف من القدماء والمحدثين وهذا صنيع لا يقبل بالشروط العلمية؛… فهذه الشروط لم يقل بها أحد من القدماء مجتمعة.
ب- لما كان جمع هذه الشروط على سبيل التلفيق والتركيب وقع في بعضها تكرار خصوصا بين مفهوم (الإطلاق) ومفهوم (الاطراد)(12).
لذلك وجب إعادة النظر في هذه المعايير وملاءمتها، وإن كان يظهر لي – والله أعلم- أن استخراج المعايير من كلام الإمام الشاطبي انضباطًا لمقتضيات المفهوم سيكون أجدى وأسلم عن المعارضة.
فالمعايير المقترحة هي أن تكون هذه الضروريات التي إذا فقدت لم تجر الحياة على استقامة وفي الآخرة الخسران المبين، قطعية من حيث مستندها، وعامة من حيث خطابها، وكلية من حيث متعلقها.
لذلك فإن هذه الشروط لاحقة للركن الأساس.
3- إضافة بعض الضروريات عند المتقدمين والمتأخرين:
أ- رصد بعض إضافات المتقدمين:
يمكن القول أن النظر النقدي(13) للمتقدمين إلى الضروريات الخمس أو الكليات الخمس، لا يخرج عن أمرين:
* إما نقد الحصر إطلاقا دون إضافة مقصد جديد.
* أو إضافة بعض الضروريات، نحو إضافة مقصد العرض.
وقد عمد الكثير من المعاصرين إلى إدماج كل من اعترض على “المصالح” بمفهومها العام ضمن المعترضين على “الضروريات” بمفهومها الخاص.
المستوى النقدي:
ذهب الكثير من الباحثين المعاصرين إلى اعتبار ابن تيمية(14) (ت728هـ)؛ الذي لم يعرف له مؤلف خاص في الأصول فكانت أقواله بذلك مبثوثة في ثنايا كتبه وفتاويه، منتقدًا لمبدأ حصر الضروريات، بناء على آرائه وأقواله في هذا الصدد، ومن ذلك قوله: “وقوم من الخائضين في أصول الفقه وتعليل الأحكام الشرعية بالأوصاف المناسبة إذا تكلموا في المناسبة، وأن ترتيب الشارع للأحكام على الأوصاف المناسبة يتضمن تحصيل مصالح العباد ودفع مضارهم، ورأوا أن المصلحة نوعان أخروية، ودنيوية: جعلوا الأخروية ما في سياسة النفس وتهذيب الأخلاق من الحكم، وجعلوا الدنيوية ما تضمن حفظ الدماء والأموال والفروج والعقول والدين الظاهر، وأعرضوا عما في العبادات الباطنة والظاهرة من أنواع المعارف بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وأحوال القلوب وأعمالها: كمحبة الله، وخشيته، وإخلاص الدين له، والتوكل عليه، والرجا لرحمته، ودعائه، وغير ذلك من أنواع المصالح في الدنيا والآخرة، وكذلك فيما شرعه الشارع من الوفاء بالعهود، وصلة الأرحام، وحقوق المماليك، والجيران، وحقوق المسلمين بعضهم على بعض وغير ذلك من أنواع ما أمر به ونهى عنه، حفظا للأحوال السنية، وتهذيب الأخلاق، ويتبين أن هذا جزء من أجزاء ما جاءت به الشريعة من المصالح”(15)، وقال أيضًا:”فمن قصر المصالح على العقوبات التي فيها دفع الفساد عن تلك الأحوال ليحفظ الجسم فقد قصر”(16).
فنلحظ من خلال هذا النص أن ابن تيمية لا يعترض على حصر الضروريات وإنما على قصر المصالح في جانب دون آخر، وإن كان هذا النقد من أساسه يحتاج إلى مزيد نظر، لأننا إذا نظرنا في المؤلفات التي تحدثت عن المصالح وجدناها لا تغفل الجوانب التي ذكرها الإمام، بل تحث وتؤكد عليها، كما أنها لا تقتصر على الجانب الزجري في التأسيس للمقاصد.
لكن السؤال المفسر لما سبق: هل يقصد ابن تيمية ما اصطلح عليه الأصوليون بالكليات الخمس، أو الضروريات الخمس، أم أن قصده مطلق المصالح؟
ولتحقيق ذلك يقول د. يوسف البدوي، بأن ابن تيمية غير حريص على تقسيم المقاصد إلى ضرورية وحاجية وتحسينية، بل المقاصد عنده تشمل الأقسام السابقة كلها، وكلها يطلق عليها المقاصد والمصالح، فلذلك توهم البعض من كلامه أنه خرج عن تقسيم الأصوليين المعهود والمعروف، والأمر على خلاف ذلك كما تبين، فصار تقسيم المقاصد عنده وعند غيره مؤتلفًا وليس مختلفًا”(17).
المستوى الإضافي:
وسنقتصر في هذا المقام على الخلاف حول إضافة كلي العِرض، الذي يعد أبرز المقاصد المضافة والتي وقع حولها خلاف بين المتقدمين، ومن القائلين بضروريته: القرافي(18)، وابن السبكي(19)، والشوكاني، وغيرهم.
ويعتبر هذا المقصد/الكلي من المقاصد الشرعية التي استأثرت باهتمام كثير من الأصوليين القدماء، فمنهم من لم يذكر “الأديان” وذكر “الأعراض”، كما قال الإمام القرافي: “الكُلِّيَّاتُ الخَمْسُ، حكى الغزاليُّ وغيرُهُ إجماعَ المللِ على اعتبارها.. واختلف العلماء في عددها، فبعضهم يقول الأديان عوض الأعراض، وبعضهم يذكر الأعراضَ ولا يذكر الأديان”(20)، ومنهم مَنْ عَدَّ العِرْضَ مقصداً ضرورياً سادساً حسبما حققه الإمام القرافي -أيضاً- إذْ قال: “وفي التحقيق الكلُّ متفق على تحريمه، فما أباح الله تعالى العِرْض.. وكذلك لم يبحِ الأموال ولا الأنساب.. ولا العقول.. ولا النفوس.. ولا الأديان”(21)، وهو ما ذهب إليه الإمام ابن السبكي فقال: “والمناسب ضروريّ فحاجيّ فتحسينيّ. والضروريّ: كحفظ الدين فالنفس فالعقل فالنسب فالمال والعرض”(22)، أما الإمام الشوكاني فقد دافع باستماتة عن إضافة مقصد العرض، فقال: “الضروريّ: وهو المتضمن لحفظ مقصود من المقاصد الخمسة التي لم تختلف فيها الشرائع، بل هي مطبقة على حفظها، وهي خمسة: أحدها: حفظ النفس.. ثانيها: حفظ المال.. ثالثها: حفظ النسل.. رابعها: حفظ الدين.. خامسها: حفظ العقل..، وقد زاد بعض المتأخرين سادساً، وهو حفظ الأعراض، فإن عادة العقلاء بذل نفوسهم وأموالهم دون أعراضهم، وما فدي بالضروريّ فهو بالضروريّ أولى، وقد شرع في الجناية عليه بالقذف الحد، وهو أحق بالحفظ من غيره، فإن الإنسان قد يتجاوز عمن جنى على نفسه أو ماله، ولا يكاد أحد يتجاوز عمن جنى على عرضه. ولهذا يقول قائلهم:
يَهُونُ عَلَيْنَا أَنْ تُصَابَ جُسُومُنَا
وَتَسْلَمَ أَعْرَاضٌ لَنَا وَعُقُولُ”(23)
ولتحرير المسألة كان من اللازم النظر في انطباق معايير الضروريات على مقصد العرض، فليس الخلاف حول أهميته، وإنما حول ضروريته، فهل يلزم من فقدانه تهارج وفساد وفوت حياة؟
فإذا حصل في مجتمع أن بلغ العرض هذه الرتبة وانطبقت عليه هذه المعايير فإنه يرقى إلى مستوى الضروري، وعدم انطباق معيار ضرورية المقصد جعل بعض العلماء لا يعدونه مقصدا ضروريا وإنما حاجيا، وهذا ما ذهب إليه الإمام ابن عاشور إذ يقول: “وأما عَدُّ “العِرْضِ” من الضروريّ، فليس بصحيح، والصواب أنه من قبيل الحاجيّ. وإن الذي حمل بعض العلماء-مثل تاج الدين السبكي في جمع الجوامع- على عده في الضروري هو ما رأوه من ورود حد القذف في الشريعة، ونحن لا نلتزم الملازمة بين الضروري وبين ما في تفويته حد”(24)، وهذا ما انتهى إليه الأستاذ الريسوني في تعقيبه على ما سبق من كلام الشوكاني عن حفظ “الأعراض” إذْ قال: “والحقيقة أن جعلَ “العِرْضِ” ضرورةً سادسةً توضع إلى جانب ضرورات: الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال، إنما هو نـزول بمفهوم الضرورات، وبمستوى ضرورتها للحياة البشرية، كما أنه نـزول عن المستوى الذي بلغه الإمام الغزاليّ في تحريره المُرَكَّزِ والمُنَقَّحِ لهذه الضرورات الكبرى. فبينما جعل الضروريّ هو حفظ النسل نـزل بعض المتأخرين إلى التعبير بالنسب، ثم إلى إضافة العرض! وهل حفظُ الأنساب وصونُ الأعراض إلا خادمٌ لحفظ النسل؟ ثم إن حفظ العرض ينقصه الضبط والتحديد، فأين يبدأ؟ وأين ينتهي؟ وما هو الحد الفاصل بين حفظ العرض وحفظ النسب؟
ولو جاز لنا أن نضيف ضرورة النسب وضرورة العرض لجاز لنا أن نضيف -من باب أولى- ضرورة الإيمان، وضرورة العبادة، وضرورة الكسب، وضرورة الأكل، إلى غير ذلك من الضرورات الحقيقية المندرجة في الضرورات الخمس والخادمة لها والحق أن ما كان هذا شأنه فهو مكمل للضروري، كما أشرت من قبل”(25).
ب- رصد بعض إضافات المحدثين:
تعتبر مسألة حصر الضروريات في عدد معين من أبرز القضايا التي أسالت حبرًا غزيرًا، خصوصًا مع الصحوة المقاصدية المعاصرة، كالدكتور أحمد الريسوني حين قال: “فحصر الضروريات في هذه الخمسة، وإن كان قد حصل فيه ما يشبه الإجماع، يحتاج إلى إعادة النظر والمراجعة”(26)، ومناداته أيضا في خاتمة بحثه بضرورة “إعادة النظر في حصر الضروريات في الخمس المعروفة. لأن هذه الضروريات أصبحت لها –بحق- هيبة وسلطان، فلا ينبغي أن نحرم من هذه المنـزلة، بعض المصالح الضرورية التي أعلى الدين شأنها، والتي قد لا تقل أهمية وشمولية عن بعض الضروريات الخمس، مع العلم أن هذا الحصر اجتهادي، وأن الزيادة على الخمس أمر وارد منذ القديم .. ولا أريد الآن أن أقرر شيئا قبل أوانه وفي غير موضعه، ولكني أقول: لنفتح هذا الموضوع بموازين العلم وأدلته..”(27).
ولا خلاف في أن المقاصد المضافة قد أعلى الدين من شأنها، لكن الإشكال هل ترقى هذه الإضافات المذكورة إلى مستوى المقاصد الضروريّة فعلاً أم لا؟ فهذا هو المنطلق لتحرير محل النـزاع.
لذلك وجب التمييز بين نوعين من الإضافات:
* إضافات بعض المقاصد دون نسبتها إلى الضروريات الخمس، أو عدها ضرورية. كالدكتور طه جابر العلواني الذي عمل على بيان المقاصد الشرعية العليا الحاكمة والمتمثلة في “التوحيد – التزكية- العمران”(28).
* وإضافات تروم الزيادة على الضروريات الخمس، لأن أصحابها ينتقدون مبدأ الحصر الخماسي، كالدكتور جمال الدين عطية الذي قال: “ونحن من جانبنا نأخذ بعدم انحصار الكليات من حيث المبدأ ومن حيث التطبيق”(29)، ود. طه عبد الرحمن الذي لم يسلِّم بانحصار الضروريات في خمسة أجناس “لأن ذلك يخل بالشروط المنطقية والمنهجية المطلوبة في التقسيم، فلا يستوفي شرط تمام الحصر”(30)، بالإضافة إلى انتقادات وإضافات كل من د. عبد المجيد النجار ود. أحمد الخمليشي.
فغياب التمييز بين مستويات الإضافة جعل عددًا من الباحثين يلحقون القسم الأول بالثاني، فلزم بيان ذلك، وسنرتكز على أنموذجي: الشيخ ابن عاشور و الأستاذ علال الفاسي تمثيلاً للمستوى الأول، وعبد المجيد النجار والخمليشي تمثيلاً للثاني. فليس الغرض في هذا البحث الرصد والحصر، وإنما التحرير والسبر.
الإضافة دون إضفاء صفة الضرورية:
* إضافات الشيخ ابن عاشور وعلال الفاسي:
يعتبر عدد من الباحثين أن ابن عاشور أضاف عددا من المقاصد الضرورية، لكن الناظر لكتابه “مقاصد الشريعة الإسلامية” يجد أن الشيخ لم يذكرها في سياق حديثه عن الضروريات وإنما في سياق آخر وهو لما كان بصدد الحديث عن “ابتناء مقاصد الشريعة على وصف الشريعة الإسلامية الأعظم وهو الفطرة”(31)، وكذلك فعل في مقصد السماحة والمساواة وغيرها، لذلك فهو لم يربطها بدرجة الضروري، لأنه صرح بأن الضروريات الخمس هي مركوزة في الطبائع(32)، ولم ينتقد مبدأ الحصر في نفس السياق، كما لم يبد أي رغبة في الإضافة، بل لم يبد أي اعتراض على ما هو مسطر في الدراسات المقاصدية، وعليه فإنه متابع في تعريفه للضروري لما ذكره الإمامان الغزالي والشاطبي.
وعليه وجب التفريق بين ما ذكره في سياق الحديث عن الضروري وسياق الحديث عن المقاصد العامة، فالبيان في الأول واجب، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فإذا كان الشيخ متابعا للمتقدمين في التعريف والقول بخماسية الكليات، فكيف يتأتى أن ننسب إليه إضافته للكليات الأخرى؟ ألا يجرنا ذلك إلى نسب الشيخ بالتناقض؟
ونفس المسألة تكررت مع الشيخ علال الفاسي؛ فقد نادى هو الآخر بعدد من المقاصد كمقاصد: الفطرة(33)، والسلام، والكرامة… لكنه لم يضف صفة “الضرورية” عليها. لتكون قريبة من أذهان المعاصرين بعد طول اشتغال بالموضوع وتَرَيُّثٍ في التدوين على حَدِّ تعبيره.” وهكذا فجميع ما أضافه الإمام ابن عاشور والأستاذ الفاسي لا يمكن عَدُّهُ من المقاصد الضروريّة.
إضافة بعض الضروريات:
اتفق أصحاب هذا الاتجاه على “دعوى الزيادة” على الضروريّات الخمس، لكنهم اختلفوا في نظرتهم إليها، فمنهم من دعا إلى إعادة النظر في “مبدأ الحصر الخماسي” للمقاصد الضرورية، كالأستاذ أحمد الريسوني وعبد المجيد النجار، ومنهم من سَجَّلَ ما ظهر له من اعتراضات على هذا المبدأ، كالأستاذ طه عبد الرحمن، ومنهم من قدم مقاربة تنـزيلية تطبيقية لمراجعة ذلك المبدأ من أصله، كالأستاذ جمال الدين عطية(34)، ومنهم من انتقد الكليات السابقة ككلي حفظ النسل والمال وأضاف مقاصد جديدة كالأستاذ أحمد الخمليشي، وسنقتصر في هذا المقام على إضافات كل من د. عبد المجيد النجار ود. أحمد الخلميشي باعتبارها إضافات لم تلق حقها من الدراسة والتمحيص.
1- إضافات د. عبد المجيد النجار:
يعتبر د. النجار من أبرز الباحثين في الدراسات المقاصدية، وقد كانت له انتقادات على مسألة حصر الضروريات، كما كانت له اقتراحات وإضافات.
لكن قبل ذلك نلحظ أن د. النجار أتى بتعريف جديد للضروريات، إذ يقول: “المقاصد الضرورية: هي تلك المقاصد التي يتوقف عليها قيام الإنسان بمهمة الخلافة في الأرض، بحيث لو لم يكن لها تحقق ما استطاع الإنسان أن يقوم بهذه المهمة بما يدخل على حياته الفردية والجماعية من الفساد الذي قد يفضي بالفرد وبالمجتمع إلى التلاشي أو إلى العطالة عن إنجاز ما تتطلبه الخلافة من انتظام في الحياة وتعمير في الأرض، فإذا هي حال لئن استطاع فيها الإنسان الحفاظ على الحياة فإنها تكون حياة شبيهة بحياة الأنعام، بعيدة عما أراده الشارع منها”(35).
ثم يقول بعد أن سرد الأقسام المعروفة للمقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية: “إن هذه التقاسيم لا تعدو أن تكون اصطلاحات مفيدة في الدرس ولكنها غير نهائية ولا هي ملزمة، ويمكن للباحث في هذا العلم أن يطور من هذه التقاسيم بما يقتضيه تطور البحث ومقتضياته، وبما يقتضيه تطور الحياة وتوسع مجالاتها وتشابك عناصرها”(36).
ويرى الأستاذ ضرورة إضافة مقصد حفظ إنسانية الإنسان ويرى أن “مقصد حفظ النفس كما ورد في المدونة المقاصدية ليس بقادر على أن يتسع لاستيعاب المعاني التي يتضمنها مقصد حفظ إنسانية الإنسان”(37).
كما يرى ضرورة إضافة مقصد حفظ البيئة ويؤكد أنه “غير مندرج في أي واحد من الكليات الخمس”(38).
ويلاحظ أن هذا التحديد لا يسلم من جهة النظر المنطقي، فمن عيوب الحدود التطويل، كما أن ربطه الضروري بالخلافة لا يستقيم، فنقد التعريف القديم يكون بدليل خارجي، أو بيان نقص في التحديد السابق، لذلك فإننا نلحظ أن هذا تحديد لمفهوم “الخلافة” لا “للضروري”، كما عرفه المتقدمون. ولما كان التعريف جزءًا من تحرير محل النـزاع، فإن الاحتكام إلى التعريف كما هو عند المتقدمين لكفيل بزوال الإشكال.
كما أن هذا الادعاء من الأستاذ يعتبر عاريًا عن الحجة والدليل، لأن تعريف المتقدمين للضروريات كان مقرونًا بكل ما قد يؤدي بالفساد في الدنيا والآخرة، وعليه فإذا التزمنا بمقتضيات هذا التعريف فإن هذه المقاصد المذكورة تعتبر جزءًا من مقصد حفظ النفس؛ فحفظ البيئة وسيلة لحفظ النفس، لهذا رد د. الريسوني على إضافات المعاصرين، ومنها إضافة مقصد حفظ البيئة وكرامة الإنسان، التي ذكرها د. النجار، بقوله: “وأنا لا أقلل من شأن أي قضية من القضايا المذكورة، ولا أشك في كونها كلها ضروريات، ولكني أزعم أنها كلها يمكن إدراجها ضمن الضروريات الخمس؛ لأنها إما مركبة من الضروريات الخمس، وما ركب من الضروريات، فهو منها ولا يخرج عنها، وإما أنها من وسائلها ومكملاتها…
فنحن قد نكون بحاجة فقط إلى توسيع مضامين “الضروريات الخمس”، وتحديث مفرداتها ووجوه حفظها، والتنبيه على مكملاتها ووسائلها”(39).
2- انتقادات وإضافات د. أحمد الخمليشي:
انتقد د. الخمليشي وجه ضرورية عدد من المقاصد خصوصا مقصد حفظ المال والنسل، إذ يقول بالنسبة لمقصد حفظ المال: “فهل صحيح أن هذا مقصد أسمى للإسلام؟
إن الذي أهلك المجتمع الحديث ونـزع من قلبه قيم القناعة والتكافل والرحمة هو حرص أفراده على جمع المال والمحافظة عليه.
في القرءان الكريم عشرات وعشرات الآيات التي تأمر بالإنفاق ليس تفضلا وتكرما وإنما أداء لحق ذي القربى والمسكين وابن السبيل والسائل والمحروم..وليس فيه آية –فيما أتذكر- تأمر بالمحافظة على المال.
يؤتَى كدليل على إدراج المحافظة على المال، تقرير حد السرقة.
لكن هل الهدف من قطع يد السارق هو مجرد المحافظة على المال؟ كيف تكون قيمة ثلاثة دراهم أشرف من يد الإنسان وحرمة سلامة جسمه؟…لعل الأنسب هو أن موقف الشريعة من المال يبرزه الاعتراف بحق الملكية القائم على محورين: مشروعية الكسب، والالتزام بأداء حقوق ذوي القربى والمساكين واليتامى والمحرومين وفي سبيل الله..”(40).
كما انتقد قول المتقدمين بالمحافظة على النسب والنسل إذ يقول: “أسس هذا المقصد على مقولة أن ولد الزنى يفقد كفالة أبيه فيضيع ويهلك، وبالتالي ينقطع النسل، وأن الزنى يترتب عنه تعدد العلاقات مع المرأة فلا يعرف من ينسب إليه ولدها..”(41) ليخلص إلى أنه “لا يبدو مقنعًا القول بأن الزنى حرم كي لا ينقطع نسل الإنسان”(42).
ليقرر أن “ما ينبغي أن يعتبر مقاصد للشريعة هي تلك الكليات القطعية (بمفهوم الشاطبي) التي تشكل منظومة أحكام الشريعة”(43)، ومنها مقصد العدل والإحسان وأداء الأمانات… (44).
فبالنسبة لانتقاد د. الخمليشي لمقصدي حفظ النسب وحفظ المال، فإنه يكون صحيحا لو كان المقصد استقى كليته من حد السرقة أوتحريم الزنى، وإنما المقصد بلغ مرتبة الكلي الضروري لتضافر الأدلة، وبلوغها مرتبة القطعي والمتفق عليه، مع اطرادها وكليتها. يقول الإمام الشاطبي بأن الضروريات “لم تثبت بدليل معين، ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد”(45).
وإذا كان الأستاذ ينضبط بمفهوم الكلي القطعي عند الإمام الشاطبي، فإن هذه الضروريات تعتبر أس الكليات والقواطع، حسب مفهوم الإمام الشاطبي، فالأخذ بها من باب أولى.
وعليه فإنه إذا التزمنا باصطلاح الإمام الشاطبي، كما نص د. الخمليشي، فإن الضروريات هي هذه الخمس، وقد نص الإمام الشاطبي عليها صراحة، لذلك فإن وجه النقد يظل مبهما نوعا ما.
أما بالنسبة لإضافة مقاصد أخرى، فإن الخلاف كما سبق، ليس حول أهميتها، وإنما حول ضروريتها.
فلا مانع من إضافة مقاصد أخرى، لكن يجب النظر في ضروريتها أو إمكان إلحاقها بأحد الضروريات السابقة.
وهذه خطاطة تلخص ما سبق بيانه:
3- الضروريات ومقتضيات المرحلة: مقاصد قيام الثورات أنموذجًا:
بعد النظر في الضروريات والإشكالات حولها، زيادة وحصرًا، فإن الذي ارتأيناه هو تعميق النظر في آليات حفظ الضروريات من جانب الوجود والعدم، فليس الإشكال في إضافة ضروريات جديدة، وإنما في كيفية الحفاظ على الضروريات المقررة سلفًا أولا؛ لذلك كان من اللازم النظر في الواقع لتبين المقاصد والوسائل التي تعتبر حافظة وخادمة للمقاصد الضرورية.
ذلكم أن عددًا من المقاصد تعتبر آليات حفظية للضروريات، وسنقتصر، من باب التمثيل، على مقصدين اثنين، هما : مقصد العدل ومقصد الحرية؛ وهذا الاقتصار ليس عبثيًا ولا انتقائيًا، وإنما هو نظر لمقاصد قيام الثورات العربية والنظر في أسبابها من منظور مقاصدي. وما ذلك إلا لإيماننا ويقيننا بأن مقاصد القرءان يجب أن تحين في ضوء أحوال العمران، ومنه فإن تنـزيل الكليات على الواقع يستلزم النظر في المتغيرات العمرانية.
1- مقصد الحرية:
ليس هناك خلاف حول أهمية الحرية في الفكر الإسلامي، لكن الإشكال أن مكانة الحرية كان ضامرًا وخافتًا، ومفرقًا ولصيقًا بالدرس الكلامي بشكل خاص بالإضافة إلى المجال السلوكي الصوفي؛ فالنقاش حول الحرية عمَّقه الكلاميون في حديثهم عن ثنائية “الجبر والاختيار” لكنه ظل نقاشًا مصبوغًا بالصبغة النظرية، كما أن الحرية عند المتصوفة هي “انقطاع الخاطر من تعلق ما سوى الله تعالى بالكلية، فالعبد في مقام الحرية يأتي عليه وقت لا يتعلق فيه بأي غرض من الأغراض الدنيوية، فلا يهتم بالدنيا ولا بالآخرة ولماذا؟ لأنك تصير عبدًا للشيء الذي تتعلق به”(46)، والفكرة نفسها ترد عند الجرجاني حيث يقول: “الحرية في اصطلاح أهل الحقيقة، الخروج عن الكائنات وقطع جميع العلائق والأغيار”(47). والغرض من ذلك إفراغ الذات من محتوياتها الوجودية حتى تتفرغ لاستقبال مضامين روحية.
فهذه المعاني والدلالات الكلامية والصوفية ليست مقصودة في بحثنا هذا، وإنما المقصود التحرر المرتبط بحياة الناس العملية، وأحوال المجتمع الواقعية، وما ترتب عن فقدانه من عواقب.
لذلك كان من اللازم تعميق النظر في مقصد الحرية بعد أن صار حافظًا ومكملاً لعدد من الضروريات، وتحيينه في ضوء المستجدات العمرانية، ولا أدل على ذلك من مقاصد قيام الثورات العربية؛ أو لم يفن الناس أعمارهم وأرواحهم في سبيل حريتهم؟ أو ليست الثورات العربية سببها الرئيس هو استرجاع الحرية المنشودة؟ حرية الرأي، والتعبير، وكرامة الإنسان ومنع الاستبداد السياسي؟ ألم تبلغ الدول العربية حدا من الطغيان والتسيد والتغول فعاملت الشعوب كرعايا وليس كمواطنين؟ أو لم تعش الشعوب العربية استعمارًا أشد وطأة مع حكامها؟ فمنعوا حق التعبير بل و التفكير أحيانًا؟!!
فإذا كان هذا هو الحال الذي كان عليه العالم العربي، فإنه لا يمكن للإنسان أن يفرط في حقه التعبيري والتفكيري، فالثورات العربية أظهرت لنا أن الحرية بشتى تجلياتها ومظاهرها بمثابة الأوكسجين للحياة، فإذا فقدت أدى ذلك إلى تهارج وفوت حياة..
وبذلك فإن ما ذكر من الوسائل لحفظ النفس من “حق التغذية” و”حق اللباس” و”حق السكن” والعلاج وغيرها، يمكن اعتبارها وسائل حفظية مادية، لكن الثورات العربية بينت لنا أن هذا الجانب المادي غير كاف، بل من اللازم الحديث عن الجوانب المعنوية، ومنها الحرية؛ فالحرية ليست وسيلة فقط وإنما هي مقصد في حد ذاتها، بل تعتبر من المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، فلا تقتصر على فرد دون آخر، يقول ابن عاشور: “ومن قواعد الفقه قول الفقهاء: ‘الشارع متشوف للحرية’. فذلك استقراؤه من تصرفات الشريعة التي دلت على أن من أهم مقاصدها إبطال العبودية وتعميم الحرية(48)، كما قال: “إن الشريعة قاصدة بث الحرية”(49).
وبذلك فكل ما يحول دون هذا المقصد العام الخادم لما هو كلي والحافظ له يعتبر من الواجب إزالته. فالمجتمعات التي تعاني قمعا فكريا وسلوكيا تكون كلياتها مهددة. لذلك نجد القرءان ينهى عن الطغيان بشتى أنواعه، ويأمر موسى، بصفته النبوية وهارون بصفته الإصلاحية بالذهاب إلى فرعون وتوجيه النصح إليه: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) [طه:20]، لذلك فالمفكر والفقيه والمثقف وغيرهم يجب عليهم محاربة كل أشكال الطغيان الموجودة، بالحكمة والموعظة الحسنة وقول الحق في حدود سلمية بداية، حتى لا تتحول الحرية إلى فوضى.
ولهذا نجد المقاوم والفقيه علال الفاسي يقول: “إذا كانت الحرية ستحرقنا فلنفعل، فإنها على كل حال خير من الضغط ومن التغذي بأفكار تنظمها عبادة القوة أو عبادة المال”(50).
فإذا كان الإسلام قد عالج الاسترقاق وضيَّق من أسباب تكونه ووسع منابع إلغائه، كان من الأولى تضييق منابع الاستعباد الفكري والمعرفي والإنساني وتوسيع منابع الحرية الفكرية والمعرفية والإنسانية في أفق نهضة حضارية حقيقية. فلا يمنع الناس من التعبير عن آرائهم في حدود المشروع، وعن ذلك يقول ابن عاشور: “وأما حرية الأقوال فهي التصريح بالرأي والاعتقاد في منطقة الإذن الشرعي.”(51).
وعليه فإن الحرية مقصد حافظ للدين اعتقادا وممارسة، فإذا كان الإكراه ممنوعا في اعتناق الدين، فإنه من باب أولى ممنوعًا في التضييق على المتدين، فمن الحرية توفير المناخ السليم لأن يمارس الناس شعائرهم الدينية دون تخوف أو توجس.
وإذا كانت الحرية مقصدًا حافظًا لكلي النفس؛ كان من الواجب السعي لاستنباتها في المجتمعات المغيَّبة فيها، لأننا رأينا الناس فدوا أرواحهم في سبيل حرية التعبير وقول الحق، ولا أدل على ذلك من هذه الثورات التي ضحت بالغالي والنفيس في سبيل استرجاع الحرية المنشودة، لأن الحياة لا تتحقق بدون حرية ومن غير اختيار، لذلك نجد علال الفاسي يؤكد هذا المعنى بقوله: “إن هناك طبقة من الناس تستطيع أن تضحي بالنفيس والغال لكي تعبر عن رأيها”(52).
وعليه يجب أن تكون هناك حرية التفكير ومنه التعبير، والواجب أن لا يظل هذا الفكر الحر رهين النخب، وإنما يجب أن ينتشر ويسود، ذلك” أن الفكر حر لا يستطيع أحد أن يقيده، ولم يجعل الله لأحد سلطانا على حركة الإنسان الداخلية. هكذا تعوَّد الناس أن يقولوا، ولكن هذه الحرية التي يحمدون الله عليها لا قيمة لها إذا لم يكن لها الحق في أن تظهر للناس، أي في أن نعطي لصاحبها حق التظاهر بما يَعِنّ له من فكر، والإعراب عما يخطر بباله من رأي”(53).
وبذلك فإن كل فهم مثبط لمسألة الثورات بمقاصدها القرآنية والإنسانية، ولو غلف بغلاف الدين وتزيا بزيه، فإنه يظل فهما خارجا عن أسس المقاصد العامة، فإذا كان الإكراه ممنوعًا حتى في الجانب الديني “لا إكراه في الدين” فكيف يمكن فرضه وتسويغ القبول به في الجانب السياسي والاجتماعي بل والإنساني؟.
فالحرية يجب أن تكون محل تأييد من جميع النخب الثقافية والدينية وغيرهما، وهذا علال الفاسي يقول: “إن واجبنا يقضي علينا بتأييد الحرية ونشر دعوتها، ولذلك أيضًا لا يمكننا أن نكبت أي تيار من التيارات أو نمنع الاستماع لدعوة من الدعوات… “(54).
ومن الحرية أن يقول الناس ما يرونه مناسبا في شأن الدولة التي تحكمهم دون تخويف أو اتهام بالتخوين أو غير ذلك من التهم الجاهزة المعلبة التي كانت يتهم بها كل من ينتقد نظامًا من الأنظمة العربية البائدة.
لكنه ليس من الحرية التشويش وخلق البلبلة على نظام اختاره الناس وفق أسس ديمقراطية، لأنه حينذاك لن يعود للدولة هيبتها وسيعيش الناس في فوضى، فليست هذه هي الحرية التي نقصدها.
فليس معنى الحرية الخروج من ربقة الدين، فنحن نشدد على ضرورة فهم كل المقاصد داخل المجال التداولي الإسلامي، وكل فهم معارض أو مخالف لما نحن في صدده، فالمقاصد الشرعية منه براء.
فلا خوف من الحرية أبدا ما دامت مؤطرة بالنصوص الشرعية الكلية الحاكمة والمهيمنة والمؤطرة.
ولذلك كان من اللازم أن تخترق هذه القيم جميع مجالات الحياة وتصير روحًا سارية فيها، حتى نأمن أسس العيش السليم.
كما أن الحرية إذا لم تتأطر بإطار العدل والتوازن صارت فوضى، لذلك يقول محمد الطاهر بن عاشور: “وقد تعرض أفراد البشر وجماعاته من جراء التصرف بالحرية دون اتزان إلى كوارث لحقت الأشخاص، وتشاجر حدث بين الجماعات، فاستيقظ جمهورهم لواجب تعديل استعمال صاحب الحرية حريته، وعلى التواضع بينهم على تمييز ما يطلق عنانه وما يشد عقاله”(55)، كما “أن قصور التفكير والغرور وجهالة المفكر بعواقب عمله تقتضي أن للحرية حدودًا لا يتجاوزونها في الاسترسال على الأعمال إن لم يكن فيها منازع يله متى نازعا غيره أو غالبه”(56).
فإذا كان للحرية هذه المكانة السامية كان من اللازم اخراجها من البوتقة الكلامية وإدراجها ضمن الحفظ الوجودي للكليات، فإذا كان حفظ النفس، مثلا، كليا ضروريا فإن كل ما أدى إليه فهو ضروري، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فكيف لو كان هذا الواجب من المقاصد الأصيلة في الفكر الإسلامي.
2- العدل:
يعتبر العدل مقصدا حاكما في ذاته، وهو روح تسري في الضروريات الخمس، بل هو مقصد عام وإحدى ركائز الشريعة السمحة، شريعة العدل والإحسان.
أما بالنسبة للأمة فيجب أن يكون العدل روحًا سارية في جسدها، باعتباره المقصد الأساس، وبدونه يستحيل ان يعيش الناس بصورة إنسانية..
فالعدل ضروري لحفظ النفس، لأن الظلم إذا استشرى في البلاد فإن الناس تفدي روحها في سبيل محاربته ومحوه، ولا أدل على ذلك من أرواح الثائرين الذين خرجوا مطالبين بوطن أفضل، وباجتثاث رؤوس الظلم والاستبداد.
كما أنه ضروري لحفظ المال لأن الظلم يؤدي إلى نهب المال ومن ثم عجز الناس عن تحصيله، وهذا ما يلخصه ابن خلدون بقوله: إن “العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك. وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب. فإذا كان الاعتداء كثيرًا عامًا في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها. وإن كان الاعتداء يسيرا كان الانقباض عن الكسب على نسبته. والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال وسعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين و جائين. فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وانتقضت الأحوال وابذعر(57) الناس في الآفاق من غير تلك الإيالة في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها فخف ساكن القطر وخلت دياره وخربت أمصاره واختل باختلاله حال الدولة والسلطان لما أنها صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة”(58).
وبذلك فإن النظر المقاصدي يفرض علينا رفض الاستبداد بجميع أنواعه، ولا عبرة بمقولة قبول “الحاكم المستبد العادل”، التي تعتبر من الأقوال التي يتم بها تخدير المجتمعات العربية، وهي مقولة تحتوي على تناقض ظاهر وجلي، مما يكرس لعقلية التناقض وقبول القول وضده، ويرسخ لإدراك المقولات كوحدة من التعينات المتناقضة.
فالعدل والاستبداد منظومتان قيميتان متعارضتان، متضادتان وغير متداخلتين، فلا يمكن ادعاء الاتصال والوصال.
الاستبداد سرطان مدمر ينتشر بسرعة ليلغي العدل ويعود عليه بالنقض والإبطال، فيجب استئصاله لا التأصيل له، واجتثاثه لا شرعنته.
ويؤكد هذا قول الإمام ابن تيمية “بأن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة”(59)، معتبرا الخروج عن العدل”خروجا عن العقل والدين وعن الإنسانية بالكلية”(60)، فـ “العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق ومتى لم تقم بالعدل لم تقم وان كان لصاحبها من الإيمان ما يجزي به في الآخرة”(61).
ومنه فإن العدل هو أساس المنظومة القيمية ومركزها، بل هو نسق متكامل لا يقبل التجزيء ولا التقسيم، وما العدل الإنساني والسياسي والاقتصادي إلا تجليات لهذه القيمة الحاكمة، المؤطرة والمهيمنة، لكن يمكن أن يقع التداخل في التجليات، فقد يكون العدل السياسي سببا في العدل الاقتصادي.
والعكس صحيح، فقد يكون الاستبداد السياسي ذريعة للاستبداد الاقتصادي، وهذا ما نراه في حالة الثورات العربية التي اجتمعت فيها تجليات وانواع الاستبداد، فما كان من الشعوب إلا أن طالبت باجتثاث رؤوس الاستبداد وجذورها وبذورها.
فمقصدا الحرية والعدل إذا تحققا فإنهما كفيلان بتحقيق إنسانية الإنسان وكرامته وأمن الناس، ومن ثم دفع الظلم والاستبداد.
فالحرية بدون عدل فوضى، لأن العدل، كما عرفه الإمام ابن تيمية، هو: وضع الشيء في موضعه(62)، واعتبر مقابله الذي هو الظلم وضع الشيء في غير موضعه(63). ومنه فإن العدل هو الكفيل بالتنـزيل السليم لمقصد الحرية.
لذلك فإن المدخل الأساس لتجديد الدرس المقاصدي في المرحلة الراهنة هو ربط مقاصد القرءان بأحوال العمران.
وعليه فإن النظر إلى الثورات العربية من منظور مقاصدي ليثور مبحث الضروريات وفق رؤية واقعية عملية، حتى يخرج الدرس المقاصدي من حيز التنظير إلى التفعيل.
* * *
الهوامش
(1) ويجدر الإلماع أن بيانه هذا ضمنه مقالا مستقلا منشور بالعدد 40 بمجلة “إسلامية المعرفة” تحت عنوان “المقاصد الضرورية بين مبدأ الحصر ودعوى التغير”، ولما لاحظنا تشابه لما ذكر في ثنايا الكتاب والمقال، اكتفينا بالمقرر في الكتاب عن المقالة.
(2) الفكر المقاصدي: قواعده وفوائده، د.أحمد الريسوني، ص31. المقاصد العليا للشريعة الإسلامية: من مقاصد الوجود إلى مقاصد الشهود، د. سعيد حليم، ص79.
(3) الإعلام بمناقب الإسلام، أبو الحسن العامري، ص89. يلاحظ من خلال هذا النص أن أبا الحسن العامري لم يلتزم بالترتيب المعروف.
(4) إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، ص366.
(5) البرهان، 2/602 فقرة 901.
(6) المستصفى من علم الأصول، 1/313.
(7) البرهان، الجويني، 2/602.
(8) البرهان، 2/604. فقرة 906.
(9) الموافقات، الشاطبي، 2/7.
(10) مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر بن عاشور، ص138.
(11) مصالح الإنسان، عبد النور بزا، ص180.
(12) المقاصد العليا للشريعة الإسلامية: من مقاصد الوجود إلى مقاصد الشهود، د. سعيد حليم، ص126-127، بتصرف يسير.
(13) اكتفينا بالنظر النقدي لأن الاتفاق سار حول خماسية الضروريات المعروفة، لكن الخلاف في إضافة بعض الضروريات.
(14) مصالح الإنسان، عبد النور بزا، ص186. معالم وضوابط الاجتهاد عند شيخ الإسلام ابن تيمية، علاء الدين حسين رحال، ص 141.
(15) مجموعة الفتاوى، 32/234.
(16) مجموعة الرسائل والمسائل،4/175.
(17) مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، يوسف أحمد البدوي، 263.
(18) شرح تنقيح الفصول، القرافي، ص304.
(19) جمع الجوامع، ابن السبكي، ص92.
(20) شرح تنقيح الفصول، القرافي، ص304.
(21) شرح تنقيح الفصول، القرافي، ص304.
(22) جمع الجوامع، ابن السبكي، ص92.
(23) إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، الشوكاني، ص366.
(24) مقاصد الشريعة الإسلامية، ص240.
(25) نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص48.
(26) نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، ص44.
(27) المرجع نفسه، ص358، بتصرف يسير.
(28) مقاصد الشريعة، ص133.
(29) نحو تفعيل مقاصد الشريعة، ص103.
(30) تجديد المنهج في تقويم التراث، ص111.
(31) مقاصد الشريعة، 176.
(32) مقاصد الشريعة، ص241.
(33) مقاصد الشريعة ومكارمها، ص69 وما وراءها.
(34) عرض عبد النور بزا لانتقادات هؤلاء مع الرد عليها، لمزيد من التفصيل يرجى النظر لـ: مصالح الإنسان، من ص204 إلى 216.
(35) مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، ص47.
(36) المرجع نفسه، ص50.
(37) المرجع نفسه، ص52.
(38) المرجع نفسه، ص52.
(39) محاضرات في مقاصد الشريعة، ص174.
(40) وجهة نظر، د. أحمد الخمليشي، ص15-16، بتصرف يسير.
(41) المرجع نفسه، ص16.
(42) المرجع نفسه، ص17.
(43) المرجع نفسه، ص19.
(44) المرجع نفسه، ص 59-60. لم يصرح د. الخمليشي بالمقاصد وإنما أورد عددا من الآيات في سياق الحديث عن المبادئ والمقاصد العامة، وظهر لنا أنه قصدها لأنه أحال على البند الثاني من الفقرة الثانية لما كان بصدد الحديث عن ما يجب أن يكون مقصدا شرعيا. ص 19.
(45) الموافقات، 1/26. المقدمة الثالثة.
(46) كشاف اصطلاحات الفنون، ج 2 ،ص 30 -46 .
(47) التعريفات، الجرجاني، ص 46 .47
(48) مقاصد الشريعة الإسلامية، ص372-373.
(49) مقاصد الشريعة، 379.
(50) نفسه، ص50- 74 .
(51) مقاصد الشريعة، ص380.
(52) النقد الذاتي، ص45.
(53) النقد الذاتي، ص45.
(54) “النقد الذاتي”، علال الفاسي، ص54- 62 .
(55) أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، ص163.
(56) أصول النظام الاجتماعي، ص169.
(57) جاء في لسان العرب: ابْذَعَرَّ الناسُ تفرقوا وفي حديث عائشة ابْذَعَرَّ النفاق أَي تفرق وتبدّد. انظر ابن منظور. لسان العرب، مادة بذعر، 4/51.
(58) ابن خلدون، المقدمة، مرجع سابق، ص312.
(59) ابن تيمية، مجموع الفتاوى. 6/322 .
(60) ابن تيمية، الاستقامة،. 2/35.
(61) ابن تيمية ، الاستقامة،2/246.
(62) الاستقامة، 213.
(63) منهاج السنة، 1/139.
فهرس المصادر والمراجع
– الإعلام بمناقب الإسلام، أبو الحسن محمد بن يوسف العامري، ضبط وتحقيق: د.أحمد عبد الرحيم السايح والمستشار علي وهبة، ط1، 2008، دار الخلود للتراث، القاهرة، مصر.
– أصول النظام الاجتماعي في الإسلام، محمد الطاهر ابن عاشور، ط2، الشركة التونسية للتوزيع، تونس بشراكة مع المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر.
– إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، تح: أبو مصعب محمد سعيد البدري، ط7، 1997، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت-لبنان.
– البرهان في أصول الفقه، أبو المعالي عبد الملك الجويني، تح: د. عبد العظيم الديب، ط3، 1992، دار الوفاء، المنصورة، مصر.
– تجديد المنهج في تقويم التراث، د.طه عبد الرحمن، ط3، 2007، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-المغرب.
– التعريفات، أبو الحسن علي الجرجاني، 1971، تونس.
– جمع الجوامع في أصول الفقه، تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي، علق عليه: عبد المنعم خليل إبراهيم، ط2، 2003، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان.
– الاستقامة، ابن تيمية، تحقيق : د. محمد رشاد سالم، ط1، 1403،جامعة الإمام محمد بن سعود – المدينة المنورة.
– شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، شهاب الدين أبو العباس القرافي، 2004، دار الفكر، بيروت-لبنان.
– كشاف اصطلاحات الفنون، التهانوي، تحقيق:لطفي عبد البديع، 1977، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
– لسان العرب، ابن منظور، ط1، دار صادر، بيروت.
– الفكر المقاصدي: قواعده وفوائده، د. أحمد الريسوني، ديسمبر 1999، منشورات الزمن.
– محاضرات في مقاصد الشريعة، د. أحمد الريسوني، ط1، 2009، دار الأمان بشراكة مع دار السلام، القاهرة، مصر.
– مجموعة الفتاوى، أحمد ابن تيمية الحراني، اعتنى بها وخرج أحاديثها: عامر الجزار وأنور الباز، الطبعة الثانية، 2001، دار الوفاء، المنصورة – مصر.
– مجموعة الرسائل والمسائل، أحمد ابن تيمية الحراني، نسخة محققة على النسخة التي حققها محمد رشيد رضا، الطبعة الأولى، 2000، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.
– منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، أحمد ابن تيمية الحراني، تحقيق: محمد رشاد سالم، الطبعة الأولى، 1986.
– المُقدِّمة، ابن خلدون، تحقيق: أبو عبد الرَّحمن عادل بن سعد، الدَّار الذَّهبيَّة، الطَّبعة الأولى، 2006.
– معالم وضوابط الاجتهاد عند شيخ الإسلام ابن تيمية، د. علاء الدين حسين رحال، ط1، 2002، دار النفائس، الأردن.
– مقاصد الشريعة الإسلامية، محمد الطاهر ابن عاشور، تح: محمد الحبيب ابن الخوجة، 2004، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر.
– مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة، د.عبد المجيد النجار، ط2، 2008، دار الغرب الإسلامي، بيروت-لبنان.
– مقاصد الشريعة عند ابن تيمية، د.يوسف أحمد محمد البدوي، ط1، 2000، دار النفائس، الأردن.
– مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، د.علال الفاسي، ط3، 1993، مؤسسة علال الفاسي.
– مقاصد الشريعة، د.طه جابر العلواني، ط1، 2001، دار الهادي، بيروت-لبنان.
– المستصفى من علم الأصول، أبو حامد محمد الغزالي، تح: د. ناجي السويد، ط1، 2008، المكتبة العصرية، بيروت – لبنان.
– مصالح الإنسان: مقاربة مقاصدية، د.عبد النور بزا، ط1، 2008، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هرندن-فرجينيا-و.م.أ.
– الموافقات، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، شرح عبد الله دراز، ط7، 2005، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان.
– نحو تفعيل مقاصد الشريعة، د.جمال الدين عطية، ط1، سبتمبر 2001، المعهد العالمي للفكر الإسلامي باشتراك مع دار الفكر، دمشق-سورية.
– نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، د.أحمد الريسوني، ط2، 2003، المعهد العالمي للفكر اللإسلامي باشتراك مع دار الأمان.
– النقد الذاتي، علال الفاسي، 1952، المطبعة العالمية، القاهرة.
– وجهة نظر: الفكر الفقهي ومنطلقات أصول الفقه، د. أحمد الخمليشي، الجزء الثالث، ط1، 2000، دار المعرفة، الرباط-المغرب.