كان الإسلام بدعا في الرسالات لأنه جاء معبرا عن المرحلة الأخيرة من تطور البشر، فأكمل رسالات السماء من قبله، وحوى جوهرها، واستوعب في إطاره خط السير الأمثل لتطور الإنسان في مقبل الأيام. وكان في كل ذلك بحق خاتمة الرسالات،
إذ حسم على مدى الزمان قضايا الإنسان الكبرى في كل مجالاتها، المعنوية والمادية، بحيث أصبح منهجه القائم على تكامل قوى الإنسان العقلية والروحية والجسدية، المرتكز على توازنها وانسجامها هو طريق المستقبل، لا للمسلمين وحدهم، بل لكل البشر.
ومن هنا جاءت عالمية الإسلام، إذ إنه لم يكن معبرا عن أوضاع العرب وحدهم بقدر ما كان معبرا عن وضع البشرية جمعاء، والتي كانت تنتقل من مرحلة الرعي والزراعة البسيطة المرتكزة على المدنية. كانت البشرية تنتقل من مرحلة البداوة والزراعة البسيطة والحياة القبلية القائمة على رابطة الدم إلى مرحلة الحضارة وحياة المدينة القائمة على رابطة المصلحة المشتركة. وكل ذلك كان يستتبع تحولات جذرية على المستوى الفكري والاجتماعي.
فلم يكن هذا الانتقال من مرحلة اجتماعية بسيطة إلى مرحلة اجتماعية أشد تعقيدا بالأمر اليسير. إذ كان يعني في المقام الأول اضمحلال قوة رابطة الدم وإضعاف ما كان يرتكز عليه من نظام قبلي متماسك يحكمه العرف وينظمه قانون غير مكتوب، وكل ذلك كان يشيع بين أفراد القبيلة ضربا من التعاون والتكاتف يجعل الخروج على الأعراف القائمة التي تحكم علاقات الأفراد وتؤلف بينهم خروجا على القبيلة وحربا عليها، وكانت سلطة الجماعة هي ضمير هذا النظام، وهي أيضا قواه الرادعة. وفي المدينة التي لا يلتقي فيها الناس على أساس القرابة ورابطة الدم، تنهار هذه السلطة الجماعية بانهيار رابطة الدم.
فإن التاجر الذي هو رمز المدينة وعنوان التحول الاجتماعي الجديد لا يتعامل مع الآخرين كأقرباء مثلما يفعل البدوي في حياة القبيلة وإنما يتعامل معهم كزبائن. ففي المدينة تختلط الدماء وتتباين الألوان وتتعدد المهارات والحرف، وتتنوع –بالتالي- المصالح وتتناقض، ولا بد من رابطة اجتماعية جديدة تقوم مقام رابطة علاقة الدم المنهارة وتعبر عن هذا الوضع الجديد. ورغم أن رابطة المصلحة المشتركة هي التي تجمع بين كل هذه العناصر المتعددة في حياة المدينة، إلا أن الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الناس في هذه الحياة المعقدة تحدث من الاضطراب والفوضى في علاقات الناس الاجتماعية، وهو ما يجعل ميزان العدالة يختل اختلالا يزعزع هذه المصلحة المشتركة بحيث يحتاج المجتمع إلى قوة جديدة تحل محل سلطة الجماعة العرفية التي كانت تنظم حياتها البسيطة في مجتمع البداوة، ثم انهارت في حياة المدينة.
وكان لا بد من نظام قانوني دقيق ينظم هذه المصلحة المشتركة بين الناس في مجتمع المدينة ويقوم مقام العرف القديم. وما كان لدين يأتي في هذه المرحلة المتأخرة من تطور البشر وتعقد حياتهم، أن يغفل هذا الجانب الاجتماعي الخطير من حياة الناس، تاركا ما لله لله، وما لقيصر لقيصر، ومن ثم كان الإسلام دينا بالمعنى الغربي الضيق لكلمة الدين، ونظاما اجتماعيا وحضاريا بالمعنى الإسلامي الواسع لكلمة الدين.
وكان الإسلام في ذلك فتحا جديدا من ناحيتين: الناحية الأولى أنه أكمل رسالة موسى عليه السلام، التي حصرها اليهود في إطار قومي ضيق، وشوهوها بإقامتهم معيارين للسلوك: واحد ينظم العلاقات بين اليهود وأنفسهم، وآخر ينظم علاقاتهم بالآخرين، وقد سعت المسيحية لإصلاح هذا الخلل بدعوتها إلى المحبة بين كل البشر، بصرف النظر عن أجناسهم، ولكنها لم تتوسع في تنظيم الحياة الاجتماعية لأنها أتت في زمان كان القانون الروماني ينظم تفصيلات حياة المجتمع، فاكتفت بأن تترك ما لله لله، وما لقيصر لقيصر. فجاء الإسلام معبرا عن هذا الوضع الأخير للإنسانية التي تشابكت مصالحها واختلطت أنسابها وأحسابها وتعقدت علاقاتها فتوسع في تنظيم علاقات الناس الاجتماعية والاقتصادية.
وكان القرآن المكي حربا مقدسة على صنوف الفساد والظلم الاجتماعي التي كانت سمة المجتمع التجاري بمكة، حيث كان الأقوياء يتحكمون في مصائر الضعفاء ويستعبدونهم بأموالهم وأحسابهم.
وكانت مكة في كل ذلك رمزا للعالم الحضري، وليد التجارة ثم الصناعة حيث تتكاثر الثروات وتتعدد ألوان المتع والملذات، وتتطور حياة الناس المادية بمعدلات تفوق معدلات تطور حياتهم الروحية والوجدانية، ومن ثم يحدث الشد والجذب والتمزق بين واقع الحياة المعيش، وبين عقول الناس وضمائرهم. والناحية الثانية أن الإسلام لم يكتف بوضع الأسس لعلاقات اقتصادية واجتماعية سليمة لمعالجة هذا الاختلال الذي يحدثه تطور الحياة المادي من جراء ازدهار التجارة والصناعة مما برز بوضوح في القرآن المدني الذي لم تكن أحكامه خاصة بالدولة الإسلامية في عهدها الأول، بل كانت عامة للبشرية في مقبل أيامها.
لم يكتف الإسلام بوضع الحلول القانونية لقضايا التطور الاجتماعي في مرحلة التجارة والصناعة فحسب، بل ذهب خطوة أبعد من ذلك، بأن أدخل الدين في حياة المجتمع بدرجة أزالت تلك الازدواجية التي كانت قائمة بين ما هو دين وما هو دنيا. فإن الدين كأمر خاص ينظم العلاقة بين الفرد وبين خالقه، و
لا يؤثر كثيرا على علاقات الأفراد العامة داخل المجتمع. قد يستقيم مع مرحلة بساطة الحياة التي يكتفي الناس فيها بالعرف وسلطة الجماعة في تنظيم الحياة الاجتماعية.
أما في مرحلة التطور الحضاري التي يرتكز فيها سعي الإنسان لتطوير حياته الاجتماعية والروحية والعقلية بخلق التلاؤم والتناسب بين معطيات حياته المادية ومعطيات حياته العقلية والروحية، فإن هذا الفصل الحاد بين دين ينظم العلاقة الخاصة بين الإنسان وخالقه، وبين نظام اجتماعي يحكم علاقاته العامة بمجتمعه، لا ينجم عنه إلا المزيد من التمزق بين قيم الناس وحياتهم ولا يؤدي إلا إلى تعميق الانفصام في شخصية الإنسان الذي يضاعف منه التطور المادي الذي يفوق التطور الروحي بالضرورة في مجتمع الاستهلاك الجديد.
وقد رأينا أن القانون يحل محل العرف وسلطة الجماعة في تنظيم حياة هذا المجتمع. ولكن القانون الذي يستند على قوة الردع الخارجية لا يستطيع تنظيم كل تفاصيل الحياة بالضرورة، وسيظل أثره مرهونا بفعالية السلطة التي تنفذه، فمتى ضعفت هذه السلطة أو انهارت تداعت –بالتالي- حياة الاجتماع.
وفي ظل سلطة القانون تبرز وضوح الازدواجية التي تتمثل في حياة خاصة لا ينظمها القانون إلا بالقدر الذي تؤثر به على الحياة العامة، ويقتصر القانون فيها على تنظيم العلاقات العامة تاركا أمر القيم والأخلاق وما إليها من حياة الناس الروحية والمعنوية خارج إطار سلطة القانون. فيكون هناك معياران: واحد يحكم علاقات الناس الخاصة وآخر يحكم علاقاتهم العامة، وفي ذلك ما فيه من تجاهل لحقيقة: أن ما يفعله الإنسان في حياته الخاصة يؤثر بالضرورة على حياته العامة، وأن إطلاق العنان لنزوات الأفراد وشهواتهم بدعوى حماية الحرية الفردية والشخصية، لا ينجم عنه إلا تدهور الحياة العامة ولا يردع العابثين والمارقين إلا خوفهم من القانون، وكل ذلك يصيب شخصيات الأفراد بالتمزق والانفصام ويحدث في حياة المجتمع الانقسام والتفكك مما نشهد آثاره في كثير من المجتمعات المعاصرة.
وجاء الإسلام ليعيد إلى الشخصية الإنسانية وحدتها وتكاملها بربطه بين القيم التي تحكم مسلكها الخاص وبين تلك التي تحكم مسلكها العام، فليس هناك انفصال بين أخلاق خاصة وأخلاق عامة، وإنما هناك ملك بشري واحد يتجلى في حياة الناس الخاصة والعامة. وجاء –بالتالي- ليعيد إلى المجتمع تماسكه وروحه الجماعية.
وكان علاج الإسلام لهذه الازدواجية في حياة الفرد وفي حياة المجتمع والتي تبدو على أشدها في مجتمع الاستهلاك وليد التجارة والصناعة أن نقل المجتمع إلى داخل الفرد بأن جعل الفرد دولة داخل الدولة، فإن إدخال الدين في حياة المجتمع الذي كان من أكبر منجزات الإسلام كان يستهدف في المقام الأول صياغة شخصية الفرد البشري صياغة يمتزج فيها الديني بالدنيوي، بحسبانهما وجهين لعملة واحدة بحيث يصبح ضمير الفرد ضميرا اجتماعيا بالضرورة.
ومن هنا كانت غاية العبادات في الإسلام أن تؤثر في حياة الأفراد التأثير الاجتماعي الذي يجعل من الحديث الشريف (الدين المعاملة) معيارا صادقا للحكم على فعالية العبادة. فبقدر ما تنعكس العبادة على سلوك الناس برا ورحمة وتكافلا اجتماعيا، بقدر ما تكون عبادة فاعلة صادقة. فليست العبادة في الإسلام عملا فرديا، يخص الإنسان في علاقاته بربه فحسب وإنما هي وسيلة الإنسان لشحذ طاقاته الروحية وتفجير قدراته الكامنة لإثراء حياة المجتمع، وهو في تحقيقه لأهداف الحياة الاجتماعية الخيرة يحقق في نفس الوقت ما يرجوه في الآخرة لأن الدنيا مزرعة الآخرة، والطريق إلى الآخرة لا يمر إلا عن طريق الدنيا فمن صلحت دنياه صلحت آخرته ومن فسدت دنياه فسدت آخرته.
بذلك أصبحت قيم الدين ومثله العليا أهدافا اجتماعية ممكنة التحقيق في حياة البشر بل إن هذه القيم والمثل التي ترسبت خلال القرون في نفوس الأفراد عن طريق الممارسة للشعائر والمعاملات قد صاغت شخصيات الأفراد في المجتمع المسلم صياغة عملية جعلت من معظم تعاليم الدين وقيمه دستورا للمواطنة، لا يقرؤه المسلم في الكتب، بل يعيشه في حياته الخاصة سلوكا منضبطا، وفي حياته العامة مسئولية اجتماعية، تجعل من التكافل والتضامن والتعاون أمرا من أمور العادة الراسخة التي تصل بين الناس بالرحمة والمحبة مما يجعل من حياة المجتمع المسلم حياة مكتفية بذاتها تنمو وتزدهر، وإن سقطت الدولة وانهار الجهاز الإداري والسياسي لأن ما زرعه الإسلام في النفوس من الروح الجماعية، صمدت المجتمعات المسلمة في كل عصور الانهيار والظلام.
ولعله لهذا السبب: لم يتوسع الإسلام في تفصيل نظام الحكومة فيه لأنه كان يسعى إلى خلق الفرد القوي الذي يمتزج في ضميره الدين بالدنيا، ليصبح في معاملاته الخاصة والعامة صورة للمجتمع في فرد، فهو يحمل في أعماقه كل قيم المجتمع التي هي قيمه الشخصية، وهو في محافظته عليها واحترامها لا يحافظ على شيء خارج عن ذاته، فهو في حفاظ
ه عليها يحافظ على ذاته، وبذلك فهو يحافظ على قيم المجتمع بدافع من ضميره لا خوفا من قانون، أو رهبة من حاكم أو مداراة للمجتمع، لأنه يخشى الله الذي هو فوق كل رقيب وفوق كل رادع.
ومن هنا كانت قمة الدين وهي الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك. وبذلك كانت شخصية الفرد المسلم نسيجا حضاريا دقيق الصنع تمتزج فيه قيم الدين المترسبة عن العبادة بممارسات الحياة اليومية وترفد فيه المثل العليا سعي الإنسان الدائب لتحقيق ذاته في حياة المجتمع فيتم التكامل العضوي بين حياة الناس الخاصة وحياتهم العامة وتنمحي الازدواجية بين الإيمان والعمل وبين الروح والجسد ويحدث ذلك التوازن بين قوى الإنسان المادية والمعنوية، فتتكامل شخصية المسلم كفرد، وتنعدم شخصيته في حياة المجتمع كمواطن. وتلك هي إحدى مظاهر الوسطية التي جاء ذكرها –والله أعلم- في قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) وذلك هو المثل الأعلى الذي تسعى الإنسانية إلى تحقيقه: بأن يتطابق القول والفعل، وأن تصبح الأهداف والمثل العليا جزءا معيشا من حياة الناس اليومية، فتكون العدالة والتسامح والتعاون وما إليها من مقومات الاجتماع أمورا من أمور العادة، يفعلها الناس بالسليقة والعفوية لأنها أصبحت بالتربية والممارسة جزءا من الكيان النفسي للأفراد والكيان الاجتماعي للجماعات.
وبذلك صاغ الدين حياة الأفراد صياغة اجتماعية بالغة الدقة، ومنح المجتمع علاقاته الثقافية والاجتماعية، بحيث يصح أن نقول: إن الفرد المسلم في كثير من جوانب شخصيته هو التجسيد الفعلي لقيم الدين كما تهيأت للظروف البيئية والتاريخية التي عاش فيها أن نستوعبها كلنا في دخيلة أنفسنا صياغة عملية للإسلام وصورة من صوره الفاعلة.
ولكن الإسلام روح قبل أن يكون شكلا أن مظهرا خارجيا. وكلنا يختزن في أعماق وجدانه هذه الروح وإن لم نحس بأثرها في كثير من الأحيان في حياتنا وهذا الجمود والانفصام في حياة المسلمين بين روح الدين الكامنة في أعماقهم وبين واقع حياتهم، إنما يرجع إلى ظروف التخلف وجهالات القرون التي غلفت هذه الروح في أعماقهم بالأدران والشوائب، فحجبت ضوءها عن الإشعاع في حياة الناس المعيشة ومن ثم أصبح المسلمون يعيشون حياتهم جسدا بلا روح، فجسد الإسلام موجود في كثير من العبادات والمعاملات التي يمارسها المسلمون ولكنها ممارسة تعوزها الروح والإيمان، ولكن الإسلام رغم كل ذلك باق في النفوس لأنه ممتزج بالروح والكيان ولا يستطيع المسلم أن يتخلى عن إسلامه إلا إذا استطاع أن يتخلى عن روحه.
وتلك هي إحدى مظاهر التجديد الذي جاء به الإسلام لمواجهة تحديات الحياة الحديثة التي تمزق النفوس وتحول بينها وتحقيق التوازن اللازم لسلامة الحياة وازدهار المجتمع. فإن الدين لم يعد عبادة خالصة وإنما أصبح أسلوب حياة وصياغة وجود وكيان مجتمع. فالإسلام بالنسبة للمسلم ليس دينا بالمفهوم الغربي يتركه إن شاء ويبقيه إن أراد، وإنما هو شخصية ومجتمع وحضارة وهو فوق كل ذلك تكوين نفسي وانتماء قومي. فإن أنت جردت المسلم من إسلامه فأنت لا تجرده من دين، وإنما تجرده من كل مقومات وجوده الإنسانية والاجتماعية والحضارية، لأن كل مرتكزات حياته الشخصية والاجتماعية قائمة على تراثه الديني.
ومن ثم كانت العلمانية بمعناها الأوربي لا معنى لها ولا مدلول في حياة المجتمع المسلم لأن هذا الفصل الحاد بين الدين والدولة من ناحية وبين الدين كعلاقة خاصة وبين المجتمع كنشاط عام من ناحية، أمر خاص بالمجتمعات المسيحية التي لا يلعب الدين في حياتها إلا دورا خاصا، أما بقية حياة المجتمع مستمد من أسسها من التراث الإغريقي الروماني وما إليه من موروثات الشعوب الأوربية القديمة التي تأثرت بالتعاليم المسيحية.
والسؤال الكبير الذي يجبهنا بعد كل هذا الكلام هو: كيف نفسر تدهور الإسلام كحضارة وتدهور المسلمين الذين هم صياغة هذه الحضارة؟ كيف تدهورت حضارة الإسلام، وقد قلنا: إن ما جاء به هو خط السير الأمثل للبشرية في تطورها خلال أزمات عصور التجارة والصناعة وهو في ذلك تعبير عن مرحلة تاريخية فاصلة انتقلت فيها البشرية بنقلتها الاقتصادية إلى مرحلة نضوج العقل الإنساني فكان القرآن رمزا لهذا التحول في مسار البشرية، إذ إنه دعوة العقل والفكر في منهجه وأحكامه وقد كان في كل ذلك معجزة عقلية إذ إن معجزات الرسل من قبله كانت كلها خوارق للطبيعة لتستقيم مع طبيعة العقول البشرية التي كانت تتحسس سبيلها عن طريق التلمس والمشاهدة، إلى مرحلة التجريد والتفكير المطلق، فكانت معجزة الإسلام: كلمة موجهة إلى العقل، هي القرآن وكانت أول كلمة تنزل منه هي اقرأ.
وكان القرآن منهج حياة ودستور سلوك فأقام حضارة وصنع بشرا من نوع جديد، فكيف انقطع بكل ذلك السبيل؟ وكيف أصبحنا في هذا الزمان الذي اشتدت فيه حاجة الإنسانية أكثر من أي وقت مضى إلى منهج الإسلام في تكامل قوى الإنسان، وربط الفرد بالمجتمع ربطا عضويا بحيث يكون الفرد دولة داخل الدولة، وانصهار قيم الدين في سلوك الأفراد وعلاقات الجماعة أصبحنا في وقت الحاجة هذا نفتقد الإسلام ونفتقد المسلمين.
يقيني أن الإسلام مثلما كان نظاما في الماضي والحاضر لمجموعات كبيرة من البشر لمدى أربعة عشرة قرنا، فهو نظام المستقبل للبشرية جمعاء ولا يقاس الإسلام في ذلك بالمسلمين. فإن الإسلام هو التحدي الكبير الذي لا يواجه المسلمين وحدهم، وإنما يواجه الناس جميعا فيما يجب أن يكون عليه مستقبل الحياة على الأرض. الإسلام في حقيقته سعي موصول لخلق الإنسان الجدير بخلافة الله على الأرض بإحداث التوازن والتكامل داخل نفس الفرد من ناحية وداخل حياة المجتمع من ناحية أخرى، فتليقي الأرض بالسماء لتحقيق قوله تعالى (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) إذ العبادة هي الصورة المنجزة للحياة الفاضلة التي هي صورة الإسلام كما يجب أن يتحقق في دنيا الناس.
والإسلام حركة نشطة ومجاهدة لا تفتر، وصراع دائب لتطويع النفس وتطويع الحياة لبلوغ ذلك التوازن الدقيق الذي يحقق وسطية الإسلام، وهو توازن لا يستقر لحظة إلا ليختل في اللحظة التالية، لأن سنة الحياة التغيير والتطور ولا بد للناس أن يوالوا هذا التغيير والتطور بمواصلة المجاهدة والاجتهاد، ليحيا الإسلام حياة عضوية متجددة تسمح لحركة المجتمع الدائبة أن تنطلق في إطار الإسلام العام دون أن تخرج على جوهره الذي يوجه هذه الحركة ولا يشلها.
والذين يظنون أن الإسلام نظام جاهز في عمومه وتفصيلاته، وما عليهم إلا تطبيقه، واهمون حالمون إذ الإسلام حركة الحياة في تطورها وتغيرها ولن يقوى عليه وعلى معايشته إلا الفاعلون المتطورون الذين يلاحقون حركة الحياة بفكرهم وعلمهم، فيعيشون مشاكلها بعقولهم ووجدانهم ويستنبطون لها الحلول بوحي من إيمانهم ومن دينهم، ومن ثم ازدهر الإسلام في عهده الأول إذ عاشه الأوائل بقلوبهم وعقولهم وتفاعلوا معه في حياتهم اليومية، فكانت حياتهم المعيشة صورة من صور النضال والجهاد لتطويع النفوس وتطويع الحياة لبلوغ المثل الأعلى الذي يهدف إليه الإسلام.
وبفعل هذه المعايشة تطورت الحياة وازدهرت الثقافة وعاش الإسلام في قلوب الناس وحياتهم مسلكا ومعاملة وحضارة. فكانت الفلسفة وكان الفقه وكانت علوم الطبيعة وكانت الوحدة العضوية في الشخصية المسلمة، وفي الحضارة وفي المجتمع، وكانت تلك التجربة الفذة –التي لم تعش لأكثر من ثلاثة قرون- هي التي غيرت مجرى التاريخ البشري وهي التي ظل يتردد صداها في نفوس المسلمين وعقولهم وحياتهم لأكثر من ألف عام تالية. فإن ما رسخ في نفوس المسلمين وصاغ وجودهم وانطوت عليه صدورهم في كل عصور التخلف والجمود –حتى عصرنا هذا لهو قبس من تلك النار الخالدة التي اشتعلت في القلوب والعقول لفترة من الزمن فأحرقت الجهالات وأضاءت ظلمات القرون ولم يزل وهجها باقيا في أعماق النفوس بعد خمود جذوتها بقرون طويلة.
كان الإسلام في قرونه الأولى إسلاما فاعلا قويا لأنه كان إسلاما معيشا تنطلق منه الجهود وتنبثق التخصصات إذ كان هو الاستراتيجية الكبرى التي تتوجه منها حركة المجتمع فكان هناك تكامل في حياة المجتمع وكان هناك بالتالي تكامل في ثقافة المجتمع وفكره. كان الدين بمعناه الضيق جزءا فاعلا من حركة المجتمع فكان الفقه قانونا للتعامل، وكان الكلام والفلسفة تعبيرا عن قضايا معيشة وكانت العلوم والفنون تعكس في صدق هذا الزخم العقلي الذي فجره القرآن في حياة المسلمين وعقولهم.
ثم توالت النكبات على المسلمين فأصيبت الدولة بالتشتت والتمزق وضاعت الجهود في الصراع الداخلي فانبرى الأعداء من الخارج، من صليبيين وتتار وصليبيين جدد، يقوضون ما بقى من البناء وانهارت الدولة المركزية واضمحلت الموارد الاقتصادية بارتباك التجارة وتدهور الزراعة وارتد معظم العالم الإسلامي إلى ضرب من الاقتصاد البدائي المحدود فتقلص –بالتالي- الرخاء الاجتماعي وتقلص معه النشاط الفكري الذي كان يعتمد عليه، فجمد الفقه وتوقف العلماء عن الاجتهاد بتوقف دولاب الحياة الاقتصادية والثقافية، وجفت روافد الفلسفة وعلوم الطبيعة، ولم يبق إلا ذلك القدر المشترك من ثقافة المجتمع القائم على المعارف الدينية الصرف المبتورة عن روافدها التي تصلها بعقول الناس وحركة المجتمع.
وبتقلص النشاط الاقتصادي والثقافي جمدت حركة المجتمع وضاقت حياة الناس وعقولهم، فأصبحت كثير من المعارف والعلوم والفنون التي كانت تعبر عن فعالية المجتمع في طور الازدهار والحركة، لا معنى لها ولا مدلول في حياة الجمود التي انتهت إليها حياة المسلمين. وانحسرت بالتدريج كل العلوم التي تغذي عقول الناس وتكسب حياتهم القدرة على التطور الذاتي. وانحصرت المعارف في ذلك القدر اللازم الذي لا بقاء للمجتمع بدونه.
وما دامت حياة المسلمين قد جمدت واعترتها الرتابة فقد تقلص –بالتالي- الإسلام من نظام شامل لحركة الحياة في كل أبعادها إلى نظام ديني ضيق يتمسك الناس فيه بالحرفيات الجاهزة، ويخطئون الروح الفاعلة. وظل الناس يجترون ما جادت به قرائح أسلافهم دون كبير تغيير، حتى العصور الحديثة التي أصابت المجتمع المسلم بصدمة حضارية بالغة العنف، هزت منه الكيان، وحركت الوجدان، فأقامه بعد سبات طويل ليجد وجوده مهددا بالفناء، وما ظل يحافظ عليه طوال القرون معرضا للإمحاء والزوال. لم يكن المجتمع المسلم حيا وإنما كان يجتر الحياة خلفا عن سلف وبالتالي ذهبت حيوية الإسلام وأصبح رسما بعد عين وأصبح كل شيء في حياة المسلمين يجري مجرى العادة وانفصلت صلتهم بروح تراثهم وجردتهم الهجمة الاستعمارية الأخيرة حتى من ذلك القدر اللازم لبقاء المجتمع المسلم الذي ظل المسلمون يجترونه ولكنه على أي حال ماثل في وجودهم، وإن أخطأته الروح، فتقلصت الشريعة التي كانت تمثل النظام القانوني للمجتمع وانحصرت في الأحوال الشخصية وحلت محلها في كل معاملات المجتمع الأخرى، القوانين الأوربية، وحوصر نظام التعليم الإسلامي الذي كان يرفد شخصية المجتمع، وحل محله تعليم مدني يستمد أسسه وفلسفته من نظام التعليم الأوربي، وقل مثل ذلك في الرأي ومظاهر الحياة الاجتماعية والسياسية الأخرى. وقد تم كل ذلك والمجتمع المسلم في غياب عن ماضيه وحاضره يقضي الآخرون في أمره، وهو لا يملك إلا حيلة العاجز: التحسر السالب، والرضا على مضض.
ولسنا هنا في مقام تحليل مظاهر الغزو الأوربي الذي استهدف كيان الشخصية المسلمة وسعى إلى بترها عن جذورها الفكرية والروحية لتصبح في نهاية المطاف نسخة مكرورة مشوهة للشخصية الغربية، ولكن الذي يهمنا هنا هو أن مرحلة ما بعد الاستعمار تتطلب من شعوب العالم الثالث ومن بينها الشعوب الإسلامية نظرة جديدة إلى ماضيها وحاضرها. فقد ذهب بذهاب التسلط الاستعماري ذلك الوهم الكبير الذي مكن له المستعمرون في عقول المتعلمين من أبناء شعوب العالم الثالث، بخلطهم بين مظاهر الحضارة الغربية العامة التي لا وطن لها لأن العلم والتكنولوجيا لا وطن لها وهي حصيلة العقل البشري وهي –بالتالي- ملك لكل البشر، وبين مظاهر الثقافات القومية للشعوب الغربية.
ويقتضي ذلك منها نظرة فاحصة شجاعة إلى مرحلة الاستعمار نزيل بها كل ما علق بوجودنا من آثار فرضت علينا ونحن في غيبة عن وعينا وذلك كثير في مجال القوانين ومناهج التعليم ويقتضي ذلك منا فوق ذلك نظرة أكثر شجاعة إلى مرحلة ما قبل الاستعمار ففيها يكمن كثير من الداء الذي لم يكن ما نشره الاستعمار إلا امتدادا له.
لقد جمد مجتمعنا آنذاك فجمد إسلامنا، والآن –ومجتمعنا يستعيد قدرا من طاقته على الحركة- فلا بد أن ينشط إسلامنا ويستعيد كثيرا من الأراضي التي فقدها في مرحلة الضياع والجمود قبل الغزوات الاستعمارية، ويستعيد أيضا الأراضي المستعمرة في خريطة حياتنا الاجتماعية والثقافية التي وضع فيها الاستعمار نظمه وأفكاره حين بدأت حياتنا تتحرك في العصور الأخيرة بتوجيه من الدول المحتلة. وكل ذلك يجب أن لا يفقدنا توازننا بحيث تكون رجعنا إلى الماضي انصرافا عن الحاضر والمستقبل، بل لا بد أن تكون عودتنا إلى المنابع والجذور عودة موجهة بزخم الحاضر، مشبعة بقضايا الساعة، موصولة الأسباب بروح العصر. ولا ينفع في ذلك التلفيق والاختيار والتوفيق بين المتناقضات. بل إن معركة الحاضر والمستقبل تتلخص في قدرتنا على استعادة أصالة شخصيتنا القومية التي هي كامنة في نفس كل منا وتنتظر لحظة الانطلاق لتشع على حياتنا قوة ومنعة وإبداعا.
ولا يكون ذلك بإصلاحات جزئية لمناطق الخلل في المجتمع، بل باستعادة المفهوم الإسلامي للدين في حياة المجتمع، ونحن –إذ نستعيد هذا المفهوم- لا نأتي بشيء جديد غائب عن وجودنا كل الغيبة، بل نعيد باستعادته اكتشاف حقيقة أنفسنا، إذ إننا جميعا التجسيد الحي لهذا المفهوم كما يتجلى في سلوكنا وعلاقاتنا الاجتماعية التي هي وليدة الدين، كحضارة، وكنظام اجتماعي وكأسلوب شامل للحياة.
ونحن –إذ نكتشف أنفسنا بهذه الطريقة- نكتشف تفردنا القومي والحضاري في مواجهة كل التحديات القومية التي تسعى عن طريقها شعوب العالم الغربي لتجريد شعوب العالم الثالث من اكتشاف مصادر القوة والأصالة في حضاراتها وثقافاتها القومية. الرجعة إلى التراث بمعناه الإنساني الواسع، رجعة إلى أصولنا القومية، وتأكيد لذواتنا في عالم لا يتقدم فيه إلا الأصلاء الفاعلون. وفي تجربة الجزائر المناضلة صورة صادقة من صور البعث القومي، التي يتوجب على شعوب العالم الثالث معاناتها كمرحلة أولى من مراحل الانطلاق والانعتاق في عالم مع بعد الاستعمار.
وباستعادتنا لهذا المفهوم للثقافة القومية التي هي عصب الحياة للشخصية القومية، تتداعى كل صنوف التهويل، التي صاغتها أبواق الدعاية الاستعمارية في سبيل وصل ماضي الناس بحاضرهم. فمتى اتخذ القوم من حضارتهم وقيمها ومنهاجها مرتكزا لتطورهم الاجتماعي انصرف كل المجتمع أطفالا ورجالا ونساء ومؤسسات وأجهزة إلى التراث القومي يستمدون منه منطلقاتهم وتصوراتهم وهم –إذ يفعلون ذلك- يكونون معبرين بحق عما تكنه ضمائرهم مستوحين شخصياتهم الحقيقية التي صاغها الإسلام على الزمن ثم جمدت وتشوهت ونسيت خلال قرون الغربة والظلام والسلبية التي حالت بين المسلمين وحقيقة أنفسهم.
وبذلك وحده تمحى هذه الازدواجية التي تمزق شخصية الفرد المسلم الذي يكتنز في أعماقه الشخصية المسلمة ولكنه يمارس في واقع حياته ألوانا من السلوك والمعاملات مستمدة من حضارة أخرى قد تخالف في قيمها ومنطلقاتها كثيرا مما هو راسخ في النفس فتتمزق النفس بين باطن لا يجد سبيله إلى الحياة وبين ظاهر يستمد وحيه من خارج النفس، وقد فرض في كثير من الأحوال بقوة الاستعمار.
والذين يفهمون هذه العودة إلى حقيقة الشخصية القومية، كعودة إلى مظاهر بعينها غائبة عن حياة بعض المسلمين اليوم، كالحدود وما إليها يفهمون الإسلام فهما سطحيا يؤكد المعنى الضيق للدين الذي هو المفهوم الغربي. فإن هذه الأحكام وما إليها لا تمثل إلا الجوانب القصية من حياة المجتمع المسلم حيث يلجأ الناس إلى القضاء والمحاكم بعد أن تفشل كل السبل والأساليب التي ابتدعها الإسلام لخلق المواطن الصالح الذي هو دولة داخل الدولة.
ومتى فهم الناس الإسلام كأسلوب حياة رفيع لخلق المواطن الإنسان الذي وطنه العالم تضاءل دور كل هذه الأحكام في النظام الاجتماعي العام وأصبحت من الضرورات التي لا يلجأ إليها إلا في نهاية المطاف لأن آخر الدواء الكي. هكذا كان مكان هذه الأحكام في حياة المسلمين الأوائل، لأنهم حين عاشوا حياة الإسلام العريضة عصموا أنفسهم عن الزنا وعن السرقة وما إليها بدافع من الداخل لا خوفا من الحد، بل واعترف منهم من ارتكبها وطلب تطبيق الحد عليه كدليل ناصع على فعالية النظام الاجتماعي الذي يربي مثل هذه النفوس الكاملة.
ومن البديهيات التي غابت عن أذهان المسلمين لكثرة ما ألفوا حياة الخمول والبحث عن تحقيق ذواتهم في تقليد الآخرين بدل الانكفاء على نفوسهم والصدور عنها، في كل ما يتعلق بتطوير حياتهم. إن إسلامهم المفقود لا يقبع في الماضي بقدر ما يقبع في دخيلة كل فرد منهم، ولكنه –كما قلنا- إسلام مكرور، فاقد للروح يمارسه الناس بحكم العادة والتقليد وقد جهلوا كثيرا من أسسه الفلسفية والعقلية التي تمنحه جواز المرور لحياتهم الفاعلة، واتصال الناس بتراثهم وإجالة الذهن فيه لا يمنح الحياة لسلوك المسلمين فحسب، بل يمنحه التبرير العقلي، فلا يكون سلوكا تقليديا نترسم فيه خطى الأوائل من باب الواجب أو البركة، بل يكون سلوكا نابعا عن اقتناع وتبرير ووعي.
واستعادة الوعي لثقافتنا وشخصيتنا الحضارية هي القضية العاجلة. لأنه عن طريق ذلك وحده تتكامل حياتنا بتكامل ثقافتنا. إذ التراث ليس هو الصورة الفكرية لوجودنا فحسب بل هو المرشد العملي لحياتنا في نفس الوقت. ومنه تستمد الشخصية المسلمة موضوعاتها الفكرية إلى جانب ممارساتها الفعلية.
فالفقه –مثلا- ليس مجرد أحكام قانونية وثقافة عامة وإنما هو إلى –جانب ذلك- مجموعة القواعد التي يجب على المسلم تطبيقها ليصح مواطنا إنسانا أي مسلما. فالمطلوب منه ليس حفظها واجترارها كعلم فحسب بل الأهم من ذلك معايشتها والسير على هداها في حياته اليومية فهو دستور المواطنة التي تحدد مظاهر سلوكه الخاص وتبلور علاقات مجتمعه العامة. فباب الطهارة –مثلا- ليس ثقافة فحسب، بل هو إرشادات عملية لتحقيق النظافة التي هي جزء لا يتجزأ من الإيمان، وقل مثل ذلك كل أبواب الفقه من عبادات ومعاملات.
وعن طريق المدارسة والممارسة للتراث تصبح معظم المعارف الدينية قدرا مشتركا بين كل أفراد المجتمع لا يتلقونه في المدرسة فحسب بل يعيشونه في كل جوانب مجتمعهم مثلما يتنفسون الهواء. فيكون التراث الاستراتيجية الكبرى التي تنطلق منها كل جوانب النشاط في المجتمع كحياة، ومنه تنطلق كل التخصصات العلمية والعملية كثقافة، فيكون الطبيب ويكون المهندس ويكون القاضي ومن إليهم الذين تشبعوا بثقافتهم القومية وتشربوا أسس المواطنة التي تمنحها هذه الثقافة وتشكل بها شخصية الفرد والجماعة، وبذلك تستعيد الثقافة وحدتها كما استعاد المجتمع بالرجعة إلى ذاته: وحدته وتكامله ولا يتطور التراث بالنظر العقلي وحده بل بالمعايشة وملاصقة الواقع وإجراء التعديل في ميدان التجريب والممارسة.
إن استعادة هذه الشخصية القومية بالارتكاز الواعي على موروثها الحضاري ووصلها بروح العصر لهو السبيل الوحيد المتاح للشعوب المسلمة لتلعب دورها أولا في بعث حضارتها ولتجلو للبشرية ثانيا صورة الإسلام الحي في عصر ما بعد الاستعمار لحل مشاكل البشرية في زمان فقد فيه العالم توازنه بتغليب جنب المادة على جانب الروح مثلما فعل الإسلام في القرن السابع الميلادي فأحدث معجزة التوازن الخلاق في حياة الأفراد وفي حياة الجماعات وظل على الزمن باقيا في النفوس رغم كل الظروف، ينتظر لحظة البعث ليعيد إلى المسلمين أصالتهم وإلى البشرية توازنها.