تمهيد:
يعد الاتصال نشاطاً أساسياً في حياة الإنسان، لأن معظم ما نقوم به في حياتنا اليومية، إنما هو ماهر متنوعة لعملية الاتصال، سواء كنا نقوم بذلك بطريقة مقصودة أو غير مقصودة. ثم إن معظم معالم الشخصية الإنسانية تتحدد من خلال ممارستها الاتصالية، ذلك أن عملية الاتصال بين الانسان وأخيه الانسان تكشف عن طبيعة هذه الشخصية وخصائصها، الأمر الذي ينعكس على معرفة الإنسان وشعوره، ومن ثم على أرائه واتجاهاته ومعتقداته، لأن هذا الاتصال لابد وان ترك أثره في نفوس الارين سلباً وإيجاباً.
وليس شرطاً أن يكون هناك كلام حتى تحدث عملية الاتصال، بل إن الاتصال قد يتم من خلال الصمت، أو ما يطلق عليه ” لغة الجسم”. فإن في عيون الإنسان، وتعابير وجهه، بطبعه إلى مخالطة الناس والتعامل معهم، وهو بحاجة إلى ذلك بحكم المصالح المشتركة، وحاجة كل إنسان لأخيه الإنسان. فلا يمكن له الاستغناء عن الآخرين في تحقيق مصالحه.
هذه هي الحقيقة التي جاء بها القرآن الكريم وبين أبعادها، تنبه إليها ابن خلدون في القرن الثامن الهجري(1)، وما تزال الأيام تثبت لنا صدقها، ودقه وصفها للسلوك الإنساني.
فقد بين لنا القرين الكريم أن الناس مهما تعددت أجناسهم وألوانها فإن أباهم جميعاً هو آدم عليه السلام. قال تعالى:} يأيها الناس اتقوا ربكم الذيخلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام إن الله كان عليكم رقيباً{(2).
فالقرآن يؤكد وحدة أصل الناس وصلة القربى بينهم، باعتبارهم أخوة ينحدرون من أصل واحد. فإن هذا التوحد في الأصل والمنشأ، حرىَ به ان يقود الناس إلى التعاون واتفاهم والالتفاء على الخير والمحبة. فإن الاتصال ينقل الخبرات الحياتية في شتى المجالات، ويؤثر في العلاقات القائمة بين الناس، فهو بمثابة القلب للجسم، وبدونه يصير الجسم أشبه بالميت الذى لا حراك فيه.
ويمكن تلخيص أهمية الاتصال في حياتنا بما يلي(3):
1- الاتصال وسيلة مهمة وضرورية لدوام المجتمع ووجوده؛ لأنه يساعد الناس على العيش كجماعة ذات أهداف وعقائد وأماني وتطلعات مشتركة فكل هذه القيم يمكن اكتسابها عن طريق الاتصال.
2- الاتصال يساعد على نقل الخبرات بين الناس، الأمر الذي يدفع نحو تطوير عملية البناء في المجتمع الإنساني صنوان لا يفترقان.
ثانيا: البعد الديني للاتصال الإنساني:
خيوط الاتصال الإنساني ممتدة في نسيج تاريخنا الإسلامي، وهو عملية قائمة نتخذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. ذلك أن الانسان هو موضوع هذا الدين، والاتصال به يعبر عن الوظيفة الجوهرية للدين. ومن هنا فقد كان الاتصال بالناس هو المهمة الأولى لكل نبي ورسول وخاصة نبي هذه الأمة، وذلك استجابة لأمر الله تعالى في تبليغ رسالاته. قال تعالى: }يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته{(4).
فهو ” الأمر الجارم الحاسم للرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه كاملاً، وان لا يجعل لأي اعتبار من الاعتبارات حساباً وهو يصدع بكلمة الحق”(5).
ولكن القوة والحسم في تبليغ كلمة الحق ، لا تعني الخشونة والفظاظة والبعد عن أدب الكلام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يدعو إلى ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس ثمة تعارض بين التوجيهين، فالوسيلة والطريقة إلى التبليغ شيء غير مادة التبليغ وموضوعه . والناظر في أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في التبليغ يجد انه كان يفاصل مفاصلة كاملة في العقيدة، ولكن طريقته في ذلك كانت هي الحكمة والموعظة الحسنة(6).
وقال سبحانه في موضع آخر مبيناً ضرورة قيام الرسول بتوصيل رسالته للآخرين: } وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون{(7).
ولما كان كفار قريش يخشون اتصال الرسول صلى الله عليه وسلم بالناس، حتى لا ينقل إليهم المبادئ التي اوحيت إليه، فقد حاولوا جهدهم منع هذا الاتصال والتشويش عليه، فضربوا حوله الحصار، ومنعوه حرية الاتصال، وكان سبيلهم إلى ذلك أحد أمرين:
1- الحصار المادي:
وذلك بمنع الرسول صلى الله عليه وسلم من الاختلاط بالآخرين والتواصل معهم. ومن صور هذا الحصار ما كان من التضييق على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاصرته وأتباعه، بل وحتى مع أقاربه في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنين دون أن يسمح لهم بمجالسة الآخرين أو التعامل معهم بالبيع والشراء، وحرموا عليهم كل أنواع الاتصال والتعامل الأخرى(8).
ومن صور هذا الحصار المادي كذلك: منع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من قراءة القرآن الكريم في المسجد الحرام والأماكن العامة، خشية ان يصل كلام الله إلى عامة الناس فيؤثر فيهم(9).
2- الحصار المعنوي:
والذييتمثل في التشويش على عمليه الاتصال إن تمت، وذلك باتهام الرسول بأنه ساحر أو شاعر أو مجنون.
فقد روي أن نفراً من المشركين كانوا يجلسون في طرقات مكة وفجاجها، يقولون لمن سلكها: لا تغتروا بهذا الخارج فينا يدعي النبوة، فإنه مجنون. وربما قالوا: ساحر، وربما قالوا: شاعر(10).
وعلى الرغم من كل هذه المحاولات، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم استمر في اتصاله بالناس، ولم تكل عزيمته، ولم يمنعه شيء من هذه المحاولات.
والناظر في تعاليم الإسلام يجد انها جاءت لتعزز مبدأ الاتصال بالآخرين. فعلى مستوى العلاقات القائمة بين المسلمين، تكاثرت أواصر الاتصال، وما كثير من العبادات في الإسلام إلا سبيل لتعزيز هذا المبدأ، فالصلاة والصيام والحج مناسبات لتوثيق هذا الاتصال وتمتين العلاقات بين المسلمين. حتى أن العطسة في الإسلام بما فيها من تحميد وتشميت(11) مناسبة لهذا الاتصال.
وعلى المستوى الإنساني العام يقرر القرآن ان الله جعل الناس شعوباً وقبائل للتعارف والتفاهم. قال تعالى: }يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير{(12).
فالناس على اختلاف شعوبهم واجناسهم والوانهم، مشتركون في الإنسانية؛ لذلك فلابد لجسور الود والتواصل أن تبقى قائمة بينهم، فلا تفاصيل بين لون وآخر، او عرق وآخر، بل مساواة بين الجميع أمام الله تعالى، الذي يكرم الناس لديه على درجة تقواهم، فمن نال شرف التقوى حصل على وسام مرضاة الله.
المبحث الثالث
أشكال الاتصال الإنساني
للاتصال والتأثير في الآخرين أشكال متعددة، وكلما أجاد الانسان هذه الأشكال كلما كان أكثر نجاحاً في بناء العلاقات الإنسانية. وبشكل عام فإنه يمكن الحديث عن شكلين من أشكال الاتصال، هما:
أولاً: الاتصال الناطق:
وهو الاتصال الذي يتم عن طريق استخدام الكلمات المنطوقة، ولا شك أن هذا الشكل الاتصالي هو من أوسع جوانب الاتصال مع الاخرين، ويدخل تحته الاتصال داخل الجماعة، والاتصال بين الجماعات، والاتصال الجماهيري العام(13).
ويمكن القول بأن النطق هو من أكثر وسائل الاتصال والتأثير شيوعاً، وكلما نجح الانسان في إجادة فن الكلام وامتلاك زمام الفصاحة والبلاغة، كلما كان أقدر على التأثير في الآخرين وتوجههم الوجهة التي يريدها. وهل كانت معجزة القرآن الكريم التي خضعت لها رقاب العرب إلا في بلاغته وفصاحته؟
ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الاتصال الناطق، لا يتم بمعزل عن وسائل التواصل والتفاهم الأخرى كالحركة والإشارة، فكثيراً ما تكون هذه مصاحبة للكلام المنطوق في الاتصال يبقى أكثر دلالة على المعنى، فإن العبير عن كلمات مثل: الحرية والخير والحق والعدل والحقيقة والحب والجمال – وغيرها من الكلمات التي تشير إلى أفكار معين – لا يمكن ان يتم إلا من خلال استخدام الكلمات ذاتها. إذ كيف يمكننا أن شير إلى الحرية دون كلمه الحرية دون كلمة الحرية ذاتها؟ وكيف يمكننا أن نصف الشيء بأنه الجميل دون استخدام الكلمات الدالة على معنى الجمال؟ فكأن مثل هذه المعاني قد تجسد في مثل هذه الكلمات(14).
ونظراً لأهمية الاتصال الإنساني الذي يتم عن طريق النطق، فقد اتخذت الكلمة المنطوقة هذه الأهمية في بنا العلاقات الإنسانية، بل إننا ” لا نستطيع أن نتصور الحضارة الإنسانية بأسرها بدون الكلمة كأهم أدا لها في عملية التراكم والاستمرار والنمو والانتقال من بقعة إلى أخرى، وبطبيعة الحال في التعلم وزيادة الخبرة والمشاركة في خبرات الآخرين، الماضية والحالية على حد سواء ولذلك فإن أهم خاصية يتميز بها الانسان هي توظيف للكلمة في نقل الخبرات التي تشكل التراث الحضاري والثقافي والفكري من جيل لآخر عبر الزمن (15).
وإذا كان للكلام أهمية وتأثير في كل عصر، فإن تأثيره في عصرنا هذا فاق كل حدود التصور، فالتواصل بين الناس بلغ أقصى مدى له، فالذي لا يقرأ الصحف والمجلات والكتب، لن يهرب من تأثير أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية التي تدخل الكلمة المنطوقة والمصورة في كل بيت، والتي أصبحت قادرة الآن، ليس فقط على التأثير في أفكار ومشاعرهم وسلوكياتهم، بل وعلى صنعها أيضاً.
ثانياً: الاتصال الصامت:
قد يتصور بعض الناس أن الاتصال الإنساني إنما يتم فقط بالكلام المنطوق، والحقيق أن الناس يستعينون في تفاهمهم تواصلهم بالوسائل السمعية والبصرية والإشارات والمحاكاة للآخرين. فالاتصال في الأساس هو عملية اجتماعية، ونحن لا نحقق الاتصال فقط بالكلام المنطوق أو المكتوب، وإنما أيضاً من خلال مجمعة من الأفعال المتعددة، كأن يتم التفاهم بالابتسامة، أو التجهم والعبوس، أو عن طريق الإشارات أو بحركة الرأس، او المصافحة باليد، أو هز المنكبين، أو المعانقة، أو بواسطة الدفع واللكم. ضافة إلى ذلك فإن الاتصال يتحقق بأساليب أخرى مثل نوع اللباس والمظهر العام للإنسان(16).
فهذه الأفعال في ثير من الأحيان تحقق الاتصال بين الناس كالنطق تماماً، وهي قد تستقل عن الكلام المنطوق لتؤدي غرضها منفردة، وقد تكون مصاحبة للكلام في كثير من الأحيان.
ويمكن توضيح العلاقة القائمة بين الاتصالين الناطق والصامت من خلال الأمور التالية(17).
1- الإعادة والتكرار: حيث يقوم الاتصال الصامت بإعادة القول المنطوق. ومثاله: قولك لشخص ما: تعال هنا، ثم تشير إليه.
2- التناقض: فيمكن للسلوك الصامت ان يناقض السلوك الناطق. ومثاله: ان يطلب المدير من موظفه ان يحضر له اوراقاً معينة أمام زبون، ثم يعطيه إشارة من عينه ألا يحضرها. فالموظف في هذه الحالة تلقى رسالتين: الأولى ناطقة، والثانية صامته؛ والتي كانت أكثر صدقاً بالنسبة للموظف.
3- البديل: فيمكن الاتصال الصامت أن يكون بديلاً عن الاتصال الناطق. فتعبيرات الوجه احياناً تغني عن الكلام. وقد قال العرب قديماً: ” رب إشارة أبلغ من عبارة”.
4- التكميل: يمكن للاتصال الصامت ان يكون مكملاً أو معدلاً للرسائل اللفظية. مثل الابتسامة بعد طلب شيء من شخص، او ضرب المنضدة بعد التفوه بعبارة معينة.
5- التأكيد: كأن يقوم شخص بالتركيز على كلمات معينة أثناء حديثه ليؤكد أهميتها، وقد يصاحب ذلك تعبيرات الوجه الدالة على التأكيد.
6- التنظيم: يمكن للاتصال الصامت ان يقوم بتنظيم وربط التدفق الاتصالي بين المشاركين. ومثاله: حركة الرأس أو العينين، أو تغيير المكان إلى مكان آخر، أو إعطاء إشارة للشخص ليكمل الحديث او يتوقف عنه، فهذه تعد وظائف تنظيمية يقوم بها الاتصال الصامت.
والحقيقة ان الاتصال الصامت له مجموعة من المزايا، والتي يمكن الإشارة إليها في النقاط التالية(18):
1- أنه يعبر عن معلومات وجدانية في مقابل تعبير الاتصال الناطق عن معلومات تتصل بالمضمون. وتكون نماذج للاتصال الصامت قادرة على إيصال الحب والكرة والبغض والاهتمام والثقة والرغبة والدهشة والموافقة. وكذلك التعبير عن فئة عريضة من الوجدانيات الإنسانية التي يعبر عنها بطريقة لفظية.
2- أن الاتصال الصامت ينطوي أيضاً على معلومات متصلة بمضمون الرسالة اللفية، فهو يمدنا بأدوات لتفسير الكلمات التي نسمعها، وينطبق ذلك على نبرة الصوت مثلاً. فضلاً عن انه يوفر المعلومات التي تفيد في فهم طبيعة العلاقة بين الأطراف المشتركة في عملية الاتصال.
3- أن الرسائل الصامتة تميز بصدقها. ويحتاج الانسان عادة إلى نماذج كثيرة من صور الاتصال الصامت الى يصدرها الآخرون حتى يثق فيهم، إذ يتعذر في بعض الأحيان الحكم على الشخص من خلال نموذج واحد.
ولابد من التويه هنا بأهمية الاتصال الصامت وصدقه، ومما يدل على ذلك أن الشرع أخذ الصمت بعين الاعتبار وبنى عليه أحكاماً فقهية. ففي عقد الزواج – مثلاً – عد الشرع صمت البكر علامة على قبولها، وهذا يعني أن الصمت في مثل هذه الحالة أدى رسالة معينة لها مدللها، ولا شك أنها رسالة تتسم بالمصداقية.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا، أن كثيراً من الناس يعدون اصمت مؤشر ضعف في كثير من المواقف الاجتماعية، وليس أدل على ذلك من أن الأعضاء الصامتين في جماعة ما ينر إليهم عادة باعتبارهم أقل فعالية وتأثيراً. لكن هذا الاتجاه الشائع نحو الصمت أو نحو غياب الصوت الكلامي هو في حقيقته سوء فهم لطبيعة الاتصال ذاته. فالإنسان لا يستطيع إلا أن يتصل، ثم إن نماذج الصمت هي في حقيقة أمرها تعبيرات منظمة تشير إلى مجموعة معان يستخدمها الانسان أو يقصدها في احتكاكاته بالآخرين. ولذلك فإن الاتصال الفعال بين الأشخاص يعتمد إلى حد بعيد على الصمت؛ لأن الناس لا يتحدثون بصفة غير منقطعة، بل تتخلل حديثهم وقفات يفكرون خلالها فيما سوف يقولون، كما يقومون فيها بصياغة عباراتهم واختيار ألفاظهم.
ونورد فيما يلي بعض الحالات التي يحدث فيها الصمت، وبعض المعاني المتعلقة بها(19).
1- صمت الإنسان عندما يكون غاضباً أو مصاباً بحالة من الإحباط، ولا يريد ان يعبر بكلمة واحدة عن حالته هذه.
2- الصمت أثناء الاستماع إلى حديث او نشره أنباء او محاضرة أو رواية.
3- صمت الملل: والذي يعبر عن الانسحاب من موقف او تقييم سلبي لما يجري، وعادة ما ينطوي على نزعة إلى التعالي الموجه إلى الطرف الآخر.
4- الصمت الذي يحدث عندما لا يستطيع الشخص أن يفكر في شيء يقوله.
5- صمت الشخص الذي يفكر في نقط أثارها متحدث معين وهو يخالفه فيها.
6- الصمت عندما لا يفهم الشخص ما قاله المتحدث، إلى درجة انه لا يستطيع أن يوجه سؤالاً استفسارياً.
7- قد يكون الصمت علامة وقار وتبجيل أو تأمل.
8- الصمت الذي يعقب توجيه عبارة بطريقة قاطعة، وكأن صاحبه يقول: هذا هو كل ما يمكن ان يقال، ولا شيء أكثر من ذلك.
9- صمت الأصدقاء أو المحبين عندما يلتقون ولا يحتاجون إلى ان يقولوا شيئاً لكي يعبروا عن مشاعرهم وعواطفهم، ويكتفون بالابتسامة أو التسليم باليد. وهذا النموذج من نماذج الصمت يعكس أعمق مستوى للعلاقات الإنسانية؛ لأن الأشخاص الذين يعرف كل منهم الآخر بصورة جيدة لا يحتاجون إلى الكلام من أجل أن يكون اتصالهم وثيقاً، بل يكتفون بلمحة أو نظرة أو ابتسامة مفهومة.
10- صمت البلية: وهو صمت مهيب، قد يلجأ إليه الإنسان في حالة إحساسه بالأسى والحزن العظيم، أو قد يضطر إلى اللجوء إليه عند مشاطرته لإنسان آخر في أحزانه.
11- صمت التحدي: وهو الذي يحدث مثلا عندما يعاقب الطفل ولا يعبر عن المه، او يسأل سؤالاً ولا يجيب عليه أحياناً.
والواقع ان رد الفعل تجاه كل نموذج من هذه النماذج ينبغي أن يكون مختلفاً، لأن كل نموذج منها يعبر عن شيء مختلف تماماً عما يعبر عنه الآخر.
المبحث الرابع
الصمت ودوره في عملية الاتصال والتأثير
الناظر في المنهج الإسلامي فيما يتعلق بقضية النطق والصمت، يجد أن الإسلام كثيراً ما كان يحث على الصمت ويدعو إليه. ونظراً لما قد يجره الكلام على الإنسان من مصائب وويلات، فقد عدَ الإسلام الصمت فضيلة ينبغي على المسلم الخرص عليها، وبين لنا أن الصمت في كثير من الحالات قد يكون خيراً من الكلام.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من صمت نجا”(20). وقال: ” من سره أن يسلم فليلزم الصمت”(21).
وقال:” ألا أخبركم بأيسر العبادة وأهونها على البدن: الصمت وحسن الخلق”(22).
ومن نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري(23): ” عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان، وعون لك على أمر دينك”(24).
ونقل عن أبي الدرداء(25) أنه قال: أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعل لك أذنان وفم واحد، فاسمع أكثر مما تقول(26).
ويبين الإمام أبو حامد الغزالي(27) في إحياء علوم الدين أن هذا الفضل العظيم للصمت إنما يرجع سببه إلى كثرة آفات اللسان من الخطأ، والكذب، والغيبة، والنميمة، والرياء، والنفاق، والفحش، والمراء، وتزكية النفس، والخوض في الباطل، والخصومة، والفضول، والتحريف، والزيادة، والنقصان، وإيذاء الخلق، وهتك العورات. فهذه آفات كثير ولها حلاوة في القلب، وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان فيطلقه بما يجب ويكفه عما لا يجب، ففي الخوض خطر، وفي الصمت سلامة؛ فلذلك عظمت فضيلته، هذا مع ما فيه من الوقار والفراغ للفكر والذكر والعبادة والسلامة من تبعات القول القول في الدنيا، ومن حسابه في الآخر. فقد قال الله تعالى:}ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد{(28،29).
وعلى الرغم من هذا التوجه الواضح نحو الحث على الصمت والدعوة إليه والترغيب فيه إلا أن هذا الصمت الذي يوجه نحوه الشرع، ليس هو الصمت السلبي، الذي يلجأ ليه صاحبه بدافع الانعزال عن الناس والترفع عنهم، أو المت الذي تسبح خلاله النفس في بحر من الوسواس والهواجس. بل هو الصمت الذي ينطلق خلاله الذهن يفكر في ملكوت السماوات والأرض.
فصمت التأمل والتفكير والاعتبار عبادة، لأن اللسان يمتنع خلاله عن النطق بما يشين، ويسبغ على القلب والنفس نعمة الخشوع لله عز وجل. فلا ينبغي للصمت أن يكون سلبياً، فالصمت لا يعنى شرود الذهن وعدم الفاعلية، بل لابد مع الصمت من حضور الذهن المتمثل في حسن الاستماع . لذا نجد أن القرآن الكريم قد ربط بين الصمت وحسن الاستماع في قوله تعالى:}وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون(30){. فلا يكفي مجرد الصمت إذا قرئ القرآن، بل لابد مع ذلك من حسن الاستماع؛ أي السماع للقرآن بتدبر ووعي.
وحسن الاستماع أدب لابد من مراعاته، ولا يمكن لأحد أن يتقن فن الكلام ما لم يتقن فن الاستمتاع. وقديماً قال أحد الحكماء لابنه: ” يا بني تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الحديث”(31).
وقد نبه القرآن الكريم إلى ضرورة حسن الاستماع. قال تعالى: }الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب{(32).
قال ابن عباس(33): هو الرجل يسمع الحسن والقبيح، فيتحدث بالحسن وينكف عن القبيح فلا يتحدث به(34).
فالإصغاء وحسن الاستماع مهارة لابد من إتقانها، لما لها من أهمية كبرى في بناء العلاقات الإنسانية بين الأفراد والجماعات، وهي وسيلة مجدية في إيجاد الفهم المتبادل بين الناس، ومساعدتهم في حل مشكلاتهم، والتخفيف من آلامهم، وما يحسون به من ضيق وحزن.
جاء في كتاب ” فن التفاوض” لوليام أروي ما نصه:
” إن الإنصات عظيم الفائدة، فهو يفتح لك نافذة لترى ما يدور في عقل الطرف الآخر، كما يجعل الطرف الآخر على استعداد للإنصات إليك. فلو أن الطرف الآخر كان غاضباً أو قلقاً، فلماذا لا تحاول أن تستمع إلى شكواه. لا تقاطعه حتى لو شعرت أنه مخطئ، أو أنه يهينك. ويمكنك أن تشعره بإصغائك إليه عن طريق تركيز نظرك عليه، أو هزَ رأسك من آن لآخر، أو ترديد عبارات مثل: ” نعم، نعم” أو ” أنا أفهم ما تقصده” وعندما ينتهي من حديثه، اسأله بهدوء إن كان لديه شيء آخر يريد أن يضيفه، وشجعه على ان يفضي إليك بكل ما يضايقه، بأن تقول له مثلاً: ” من فضلك استمر في حديثك” أو ” ماذا حدث بعد ذلك؟”. وبمجرد أن تنصت لما يريد الطرف الآخر أن يقوله، فغالباً ما سيؤدي ذلك إلى تهدئته، ليصبح أكثر تعقلاً وأكثر استجابة بشأن حل المشكلة، واستصدار القرار المطلوب، فليس من قبيل الصدفة أنَ أفضل المحاورين غالباً ما يسمعون أكثر مما يتكلمون”(35).
ولابد من الإشارة هنا إلى أنَ براعة الإنصات تكون بالأذن، وطرف العين، وحضور القلب، وإشراقة الوجه، وعدم الانشغال بتحضير الردً قبل إتمام الفهم. فإن كثيراً من الناس يخفقون في ترك أثر طيب في نفوس من يقابلونهم لأول مرة، لأنهم لا يصغون إليهم باهتمام، إنهم يستمعون بنصف أذن، ويحصرون همهم فيما سيقولونه لمستمعهم، فإذا تكلم المستمع لم يلقوا له بالاً، علماً بأن أكثر الناس يفضلون المنصت الجيد على المتكلم الجيد.(36).
يقول دايل كارنيعي في كتابه القيم ” كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس”:
” إذا كنت تريد أن ينفض الناس من حولك، ويسخروا منك عنما توليهم ظهرك، فهناك الوصفة: لا تعط احداً فرصة الحديث…تكلم بغير انقطاع وإذا خطرت لك فكرة بينما غيرك يتحدث فلا تنتظر حتى يتم حديثه، فهو ليس ذكياً مثلك، فلماذا تضيع وقتك في الاستماع إلى حديثه السخيف؟ اقتحم عليه الحديث، واعترض في منتصف كلامه”(37).
وبالنظر في سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم فإننا نجد أنه كان نموذجاً رائعاً في الإصغاء وحسن الاستمتاع، فكان إذا حدثه أحد يتجه إليه بكليته، رجلاً كان او امرأة أو صبياً أو خادماً. وبهذا السلوك القويم استطاع أن يجعل لنفسه مكانة عظيمة وجليلة بين أصحابه. بل إنه صلى الله وعليه وسلم كان يمتاز بأدب الإصغاء والاستمتاع حتى مع أعدائه، وللتدليل على ذلك نذكر هذه الحادثة:
روي ان عتبة بن ربيعة(38) جلي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: يا ابن أخي، غنك منا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة والمكان من النسب، وغنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به احلامهم، وعبت به آلهتهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع منى أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ” قل يا أبا الوليد اسمع”. فقال له عتبه ما قال، حتى إذا فرغ قال له صلى الله عليه وسلم:” اوقد فرغت يا أبا الوليد؟”. قال. نعم. قال” ” فاسمع مني”. قال: افعل. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو عليه من سورة فصلت حتى إذا انتهى إلى الآية موضع السجدة، ثم قال لعتبة: ” قد سمعت يا أبا الوليد فانت وذاك”. فقام عتبة على أصحابه، فقال بعضهم: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بوجه غير الوجه الذي ذهب به، وطلب عتبة إليهم أن يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم وشانه. فأبوا وقالوا له: سحرك يا أبا الوليد بلسانه(39).
وهذه القصة كلها دروس في الذوق والأدب، نكتفي منها بالذي نحن بصدده، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يحسن الإنصات ويترك المقاطعة فحسب، بل منحه فرصة أخرى لإضافة أي شيء ربما نسيه، ا غفل عنه: ” أوقد فرغت يا أبا الوليد؟” وهذا خلق رفيع، وأدب جم، يستدعي حسن إصغاء من الطرف الآخر.
الفصل الثاني
صور للاتصال الصامت وعمقها التأثيري في الآخرين
نستعرض فيما يلي بعض صور الاتصال الصامت، مع بيان دورها في التأثير على الآخرين، مستنيرين في ذلك بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.
أولاً: لغة العيون:
ليست العيون وسيلة لرؤية الخارج فقط، بل هي أيضاً وسيلة بليغة للتعبير عما في الداخل ونقله للخارج. قال الشاعر:
ما في القلوب من البغضاء والإحن(40) إن العيون لتبدي في نواظرها
وقال آخر:
إن الصدور يؤدي سرها النظر(41) تريك أعينهم ما في صدورهم
والمعاني التي يمكن أخذها من العيون كثيرة، فهناك النظرات القلقة المضطربة، وغيرها المستغيثة المهزومة المستسلمة، وأخرى حاقدة ثائرة، وأخرى ساخرة، وأخرى مصممة، وأخرى سارحة لا مبالية، وأخرى مستفهمة، وأخرى محبة. وقد سمى القرآن الكريم بعض النظرات بأنها خائنة، قال تعالى:}يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور{(42).
والإنسان يتعامل مع لغة العيون كوسيلة للتعبير عما في نفسه للآخرين، وكوسيلة لفهم ما في نفوس الآخرين(43).
وتحدث القرآن الكريم عن لغة العيون، والمعاني التي تدل عليها النظرات الإنسانية. ومن ذلك قوله تعالى في وصف خوف المنافقين يوم الأحزاب:}فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت{(44).
أي ” رأيتهم ينظرون إليك وقد دارت أعينهم في رؤوسهم خرقاً وخوفاً، كدوران عين الذي قرب من الموت وغشيته أسبابه، فإنه إذ ذاك يذهب لبه، ويشخص بصره، فلا يتحرك طرفه”(45).
فهذه الآية تبين درجة الخوف التي بلغها هؤلاء، حتى خرست ألسنتهم ونطقت عيرنهم، ” وهي صورة شاخصة، واضحة الملامح، متحركة الجوارح، وهي في الوقت ذاته مضحكة، تثير السخرية من هذا الصنف الجبان، الذي تنطق أوصاله وجوارحه في لحظة الخوف بالجبن المرتعش الخوار”(46).
وتحدث القرآن الكريم عن المعاني التي رسمتها الدموع المنهمرة من العيون تأثراً بسماعها للقرآن الكريم. قال تعالى: }وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى اعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين{(47).
” أي وإذا سمع أولئك الذين قالوا إنا نصارى ما انزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ترى اعينهم فيض من الدمع حتى يتدفق من جوانبها لكثرته، من أجل ما عرفوه من الحق الذي بينه لهم القرآن الكريم، ولم يمنعهم ما يمنع غيرهم من عتو واستكبار”(48).
فهؤلاء نطقت عيونهم وأنبأت بما يدور في نفوسهم من مشاعر، قبل أن تنطق ألسنتهم بقولها:}ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين {.
والنظر إلى عين الشخص ينبئ بما في نفسه من حب وكره، ومن حزن وفرح.
قال الشاعر:
من الشناءة أو وداً إذا كانا العين بدي الذي في قلب صاحبها
لا يستطيع لما في القلب كتمانا إن العدو له عين يقلبها
تبدي له محجراً بشاً وإنساناً وعين ذي الودً ما تنفك مقلتها
حتى ترى من ضمير القلب تبياناً(49) فالعين تنطق والأفواه صامتة
وقال الآخر:
إشارة محزون ولم تتكلم أشارت بطرف العين خيفة أهلها
وأهلاً وسهلاً بالحبيب المتيم(50)
فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا ويلحظ هنا أن الشاعر ” نفى الكلام اللفظي لا مطلق الكلام، ولو أراد بقوله: ” ولم تتكلم” نفى غير الكلام اللفظي، لا نتقض بقوله: ” فأيقنت أن الطرف قد قال مرحباً”، لأنه أثبت للطرف قولاً بعد أن نفى الكلام. والمراد نفي الكلام اللفظي وإثبات الكلام اللغوي”(51).
وقال الألوسي(52): ” وكثيراً ما يعرف الإنسان محبه ومبغضه من خلال النظر، ويكاد النظر ينطق بما في القلب”(53).
نستنتج مما سبق أن للعيون دوراً مهماً في الاتصال بالآخرين، فهي ” الجزء الوحيد من الجهاز العصبي المركزي الذي يرتبط بالشخص الآخر بشكل مباشر” (54).
ولنظرات العين إلى الآخرين في أثناء التعامل معهم علاقة مباشرة بالأثر المتروك في نفوسهم، فربما يوصف شخص بالأدب في كلامه مع أن كلامه كان عادياً، وربما يوصف آخر بسوء الأدب في كلامه مع أن كلامه هو الآخر كان عادياً. وما ذلك إلا لوجود كلام آخر غير الذي تلفظ به هذا وذاك، هذا الكلام وإن لم ينطق به اللسان، إلا أن العيون قد نطقت به.
ومن هنا فإن لنظرات العيون في أثناء العامل مع الآخرين أدبياُ لابد من مراعاته. هذا الأدب يمكن تلخيصه في النقاط التالية(55):
1- عدم النظر بعيداً عن المخاطب، لأن ذلك يشعره باللامبالاة، أو عدم الاهتمام بالموضوع المتحدث فيه.
2- عدم التحديق بشكل محرج في المخاطب. وإذا كانوا مجموعة فمن الأدب تعميم النظر عليهم وعم تركيزه على أحدهم أو مجموعة منهم(56).
3- تجنب كثرة الرمش أثناء الكلام لأن هذا يشعر بالقلق والاضطراب.
4- الابتعاد عن النظرات الساخرة، لأن هذا ينسف جسور الثقة مع الآخرين، ولا يشجع على استمرار التواصل معهم.
5- النظر بارتياح وعدم تشنج، لأن ذلك يشعر الطرف الآخر بالاطمئنان والثقة بصحبة الأفكار وسلامة الموقف.
ثانياً: تعبيرات الوجه:
كما يستطيع الإنسان أن يعبر بعينه عما يريد، ويستطيع أن يستكشف ما في نفوس الآخرين من خلال التأمل في نظرات عيونهم، فإنه يستطيع أيضاً أن يفعل ذلك من خلال تأمل قسمات الوجه.
والوجه في مجموعة يكون نظاماً متكاملاً، فالجبهة والعينان والأنف والأذنان والشفتان والذقن والفم، توجد فيما بينهم علاقة متبادلة، بحيث يؤدي جميعاً أعمالاً وظيفية، لا يمكن، لا يمكن لأي منها أن يؤديها وحده أبداً. بالإضافة إلى ما يسهم به كل منها في تكوين المظهر الكلي للوجه، والذي تؤدي تعابيره دوراً مهماً بوصفها مصدراً للبيانات المتعلقة بالحالات الانفعالية للإنسان، كحالات الفرح والخوف والدهشة والحزن والغضب والاشمئزاز والازدراء(57)
وغالباً ما تكون المشاعر الإنسانية مقروءة في صفحة الوجه. ويرى في ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: ما أسرَ أحد إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه(58).
ويعتقد الباحثون أن دور الوجه بالنسبة للعاطفة أمر مشترك لدى كل أفاد الجنس البشري. وفى ذلك يقول بول إيكمان Paul Ekman: ” إن ما هو عام أو مشترك بين أفراد الجنس البشري من تعبيرات الوجه، هي الأوضاع المعنية التي تتخذها عضلات الوجه عندما يعبر الشخص عن انفعال معين”(59).
وتحدث القرآن الكريم في كثير من الآيات عن المعاني النفسية التي يمكن قراءتها في ملامح الوجه. فقال تعالى في بيان هيئة وجه الذي يستقبل مولوده أنثى وهو لا يريد ذلك:}وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم{(60).
إذا استمع شخص إلى كلام وهو منكر له، يظهر ذلك في وجهه كما يخبرنا القرآن الكريم. قال تعالى: } وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر{(61).
أي أن هؤلاء المشتركين، لما سمعوا ما في القرآن من حجج وبينات ” بدت على وجوههم امارات الإنكار، بالتجهم والعبوس والبسور، ونحو ذلك مما يدل على الغي والحفية الكامنة في نفوسهم مما يسمعون منها”(62).
ويصف لنا القرآن الكريم كذلك ما عليه الوجوه من أحوال يوم القيامة، حينما تظهر لأصحابها مصائرهم. قال تعالى:}يوم تبيض وجوه وتسود وجوه{(63).
وقال تعالى:} وجوه يومئذ ناضرة – إلى ربها ناظرة*ووجوه يومئذ باسره* تظن أن يفعل بها فاقرة{(64).
وقال تعالى:}وجوة يومئذ مستقرة* ضاحكة مستبشرة* ووجوه يومئذ عليها غبرة* ترهقها قترة{(65).
إلى غير ذلك من الآيات.
فالوجه إذا يعبر كاللسان، وتعد طلاقة الوجه المصاحبة للكلام لوناً من ألوان التحبب إلى الناس، ووسيلة مؤثرة من وسائل التقرب إلى الآخرين ومدراتهم. وعادة ما يكون التجهم والعبوس سبباً في إقامة الحواجز بين الناس، ولذا فمن الضروري للإنسان ان يحاول السيطرة على أفكاره ومشاعره، حتى لا يكون العبوس عادة ملازمة له.
والمطلع على سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنته الشريفة، يجد بما لا يدع مجالاً للشك، انه كان القدوة في حسن الإخاء وجميل المعاشرة وطلاقة الوجه. فنظراً لأهمية هذا الخلق الرفيع، وما انطوى عليه من الآثار الجليلة في نفوس الناس، وكونه من أبرز أسباب تجمع القلوب، وإشاعة الألفة والمحبة والوداد بين الإخوان، وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يحث على طلاقة الوجه في لقيا المؤمنين بعضهم بعضاً.
فعن أبي ذر الغفاري (66) رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهِ طلق”(67).
وهذا التوجه النبوي على ما فيه من طلب التواد والتحاب بين المؤمنين، وطلب طلاقة الوجه وتهلله بالابتسام والبشر، باعتباره صورة معبرة عما في القلب من محبة وودَ، إلا انه في الوقت نفسه فيه من الإيناس للآخرين، وكسب قلوبهم بما يحقق الألفية بينهم، ويسهل عملية الإصلاح لهم عند ذلك.
وقد كان وجهه صلى الله عليه وسلم – وهو خير قدوةٍ لنا – من أكثر الوجوه بشاشة وطلاقة، وهذا ما يشهد به جرير(68) رصي الله عنه حين قال: ” ما حجبني النبي صلى الله عليه سلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي” (69).
والناظرفي هديه صلى الله عليه وسلم يجد أنه كان شديد الحرص على الصورة الوضاءة للوجه الإنساني. فقال صلى الله عليه وسلم: ” وإن من المعروف ان تلقى اخاك بوجه طلق ” (70).
وقال: ” تبسمك في وجه أخيك لك صدقة” (71).
وحينما غفل صلى الله عليه وسلم يوماً عن هذا السلوك وعبس في وجه أحد الصحابة، عاتبة رب العزة قائلاً:
}عبس وتولى* ان جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى* أو يذكر فتنفعه الذكرى* أما من استغنى* فأنت له تصدى* وما عليك ألا يزكى* واما من جاءك يسعى* وهو يخشى * فانت عنه تلهى* كلا غنها تذكرة{(72).
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباس، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدى لهم كثيراً، ويحرص عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى يقال له: عبد الله ابن أم مكتوم، يمشي ويناجيهم. فجعل عبد الله يمشي وهو يستقرئ النبي صلى الله عليه وسلم آية من القرآن، وقال: يا رسول الله، علمني مما علمك الله. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبس في وجهه، وتولى، وكره كلامه، وأقبل على الآخرين، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم نجواه، وأخذ ينقلب إلى أهله، امسك الله بعض بصره ثم خفق برأسه، ثم أنزل الله: }عبس وتولى{الآيات(73).
قال الرازي(74): ” أجمع المفسرون على أن الذي عب وتولى هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وأجمعوا أن الأعمى هو ابن أم مكتوم”(75).
هذا العبوس الذي ظهر في وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يره ابن أم مكتوم، لأنه كان أعمى، ولكن الذي رآه هو الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يظن أن تصرفه هذا لمصلحة الدعوة. لأنه كان يأمل في إسلام كبراء قريش، فأراد الله أن يبين له أن الدعوة لا ترتبط بأشخاص، وإنما هي مبادئ سماوية يتحاكم إليها الناس، ويزنون أمورهم بميزاتها، ويدعون موازين الأرض من نسبٍ وحسبٍ ومالٍ وجاه، وغير ذلك من قيم الأرض وموازينها المنبثقة من واقعهم كله.
وكان لهذا العتاب أثره في نفس النبي صلى الله عليه وسلم. فقد روي أن النبي – بعد نزول هذه الآيات – كان يكرم ابن أم مكتوم، ويقول له إذا رآه: ” مرحباً بمن عاتبني فيه ربي”(76). واستخلفه على المدينة مرتين(77).
ولكنه صلى الله عليه وسلم – في الوقت نفسه – كانت تظهر في وجهه علامات الغضب،فيتمعر وجهه ويحمر إذا انتهكت محارم الله وحقوق الناس. ومن ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود (78)قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم يوماً قسمةً، فقال رجل من الأنصار: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله. قلت: أما والله لآتين النبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته وهو في ملأ، فساورته، فغضب حتى أحمر وجهه، ثم قال: ” رحمة الله على موسى، أو ذي بأكثر من هذا فصبر” (79).
وعن أبي هريرة (80) رضى الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر، فغضب حتى احمر وجهه، حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان، فقال: ” أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر. عزمت عليكم، عزمت عليكم، ألا تتنازعوا فيه”(81).
نستنتج من ذلك أن انبساط الوجه وبشاشته هو الأصل، أما العبوس فهو استثناء، ولا يكون إلا في أوقات معينة، ومن أجل توصيل رسالة محددة. أما أن يكون العبوس صفة ملازمة للمسلم بحجة التدين والزهد في الدنيا، فهذا ليس من الإسلام في شيء، ونحن، ونحن لسنا أكثر فهماً لهذا الدين ممن أنزله الله عليه، والذي قال عنه: }ولو كنت فظاً غلي القلب لانفضوا من حولك{(82).
ثم إن الابتسامة قد تكون في كثير من الحالات مفتاحاً للأبواب الموصدة، فهي رسالة واضحة للطرف الآخر تشعره بالارتياح والطمأنينة، مما يساعد على إتمام محادثة مشتركة ناجحة. ولعل أصحاب المؤسسات الناجحة كانوا ممن أدركوا هذه الطبيعة النفسية للإنسان، حيث اشترطوا على موظفيهم الذين يتعاملون مع الجمهور، أن يبتسموا، وذلك من أجل كسب الزبائن والحصول على رضا العملاء.
والمثل الصيني يقول: ” إن الذي لا يحسن الابتسامة، لا ينبغي له أن يفتح متجراً”(83).
وإذا كانت الابتسامة تصنع النجاح، فإن التجهم يصنع الفشل، وهذا ما تدل عليه القصة التالية:
طلب عمال أحد المحلات التجارية الكبيرة في باريس رفع اجورهم، فرفض ذلك صاحب العمل وأصرَ، فما كان من عماله إلا ان اتفقوا على ان لا يبتسموا للزبائن كرد على صاحب المحل، فأدى ذلك إلى انخفاض دخل المحل في الأسبوع الأول حوالي (60) % عن متوسط دخله في الأسابيع السابقة (84).
وأهمية الابتسامة أكبر من ذلك، فقد توصلت دراسة قام بها عدد من علماء النفس والاجتماع إلى ان الابتسامة من أسباب النجاح والسعادة، حيث تبين أن الشخص دائم الابتسامة هو أكثر الأشخاص جاذبية وقدرة على إقناع الناس، فضلاً على إنه أكثرهم ثقة بالنفس(85).
ثالثا: الإشارات وحركات الجسم:
ربما تعد الإشارات أول وسيلة من الوسائل التي طورها الإنسان في اتصاله بالآخرين. وتنطوي كل ثقافة من الثقافات المختلفة على نسق من الإشارات ذات معانً ودلالات معينة.
وهذه الإشارات إما أن تصاحب لغة الكلام، وإما أن تكون قادرة على أداء الرسالة بمفردها.
وبصورة عامة فإنه يندر أن يكون الشخص المحدث جامداً غير متحرك، بل غالباً ما يصحب كلامه حركات للرأس واليدين والقدمين والعينين، والتي تقوم بدور مهم في الاتصال البشري. لأن هذه الحركات إنما تعبر تعبيراً بليغاً عن المشاعر والانفعالات والعواطف وردود الفعل، سواء كانت حركات مقصودة أو غير مقصودة(86).
ويحدثنا القرآن الكريم عن مريم حين أتت قومها تحمل عيسى عليه السلام، فما كان منهم لما رأوه لا أن اتهموها بالفاحشة}قالوا يا مريم لقد جئت شيئاً فرياً* يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغياً فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً{(87).
فكان لابد من بينة، إذ كيف يمكن لمريم أن تدافع عن نفسها في ظل هذه الظروف؟ فأشارت إلى طفلها الرضيع لينطق ببراءتها؛ أي أنها أجابت على اتهامها بالإشارة، فهي لم تطلب منهم بلف منطوق أن يكلموا الرضيع، ولكنهم فهموا ذلك من إشارتها، كما هو واضح من ردهم }فأشارت غليه قالوا كف نكلم من كان في المهد صبياً{. فالإشارة هنا قامت مقام الكلام وأدت نفس غرضه.
وقال تعالى مخاطباً زكريا عليه السلام:}قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار{(88). ومعنى قوله:}إلا رمزا{أي : إلا إشارة بيدٍ أو رأس او عين أو حاجب(89). قال النسفي(90): “واستثنى الرمز وهو ليس من جنس الكلام، لأنه لما أدى مؤدى الكلام وفهم منه ما يفهم منه سمي كلاماً”(91).
ويبين لنا القرآن الكريم أن في حركات الجسم ما يدل على سلوك معين من قبل صاحبه. فالمشي بصورة عامة – من حيث حركة الأرجل – واحد عند بني الانسان، ولكن في جزيئاته التفصيلية ما يدل على سلوك معين لصاحبه:
– فقد يكون ذا دلالة على الكبر: }ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً{(92).
– وقد يكون ذا دلالة على الحياء: }فجاءته إحداهما تمشي على استحياء{(93).
– وقد يكون ذا دلالة على السكينة والوقار: }وعبادة الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً{(94).
هذه المعاني وجدناها في حركة واحدة، وفي كل حركة من حركات الجسم معان كثيرة لها دور مهم في عملية الاتصال البشري، ولها دلالتها المعينة.
وفي سورة نوح يبين القرآن الكريم كيف كان رد قوم نوح عليه السلام على دعوته. قال تعالى على لسان نوح: }وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً{(95).
فقد عبر قوم نوح عن موقفهم الرافض لهذه الدعوة، بحركات وإشارات تدل دلالة واضحة، ليس فقط على مجرد عدم قبول الدعوة، بل وحتى على عدم الاستعداد لسماعها من نوح عليه السلام.
ويمكن أن تكون الحركات والإشارات علامة مساعدة على توضيح المعنى المراد. ونجد هذا الأسلوب واضحاً في الحديث النبوي الشريف.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد أن يبين مدى قرب كافل اليتيم منه قال: ” أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين، وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى”(96).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” التقوى هاهنا، ويشير إلى صدوره ثلاث مرات”(97).
وللإشارات والحركات دور كبير في عملية الاتصال، فهي بمثابة رسائل ذات دلالات معينة، لذا فلابد من الانتباه لها، فهناك إشارات وحركات تعطي انطباعات سلبية عن الشخص المتكلم، وتقلل من هيبته في عيون مستعميه، وتقلل من شأن الكلام الذي يتكلم به أياً كانت قيمته ومرتبته. ومن ذلك كثرة حركات اليدين والرجلين أثناء الكلام بصورة ملفتة للنظر، فإن ذلك مؤشر على الخفة والتهريج. أو في المقابل الجمود بدون أية حركة أو إشارة أو حتى تغير في ملامح الوجه والعينين (98).
رابعاً: المظهر واللباس:
للباس الإنسان ومظهره الخارجي دور أساسي في إعطاء الانطباع الأول عن صاحبه، فالإنسان أول ما ينظر ينظر إلى مظهر وشكل من يتعامل معه، فيترك ذلك انطباعاً في نفس الناظر وأثراً على طبيعة تعامل الناس بعضهم مع بعض.
فالملابس تؤدي دوراً مهماً في عملية الاتصال، فهي تعبر عن الانفعالات والمشاعر فضلاً عن أنها تؤثر في سلوك من يرتديها وسلوك الآخرين نحوه، ومن ثم فهي تعد ذات قيمة تعد ذات قمة اتصالية كبيرة(99).
ولعل قارون (100) كان ممن أدركوا ما للملابس والجواهر والمظاهر البراقة من أثر في الآخرين، وعلى هذا الأساس نفهم تصرفه الذي أخبرنا عنه القرآن الكريم:}فخرج على قومه في زينته{(101). وبالفعل كان لهذا المظهر الخادع أثر في النفوس الضعيفة، فـــ}قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم{(102).
فإذا كان للباس والمظهر الخارجي هذا الأثر في نفوس الآخرين، فعلينا استغلال مظاهرنا الخارجية للتوجيه نحو الخبر والتأثير الإيجابي، لا كما فعل قارون.
فلباس الإنسان ومظهره الخارجي لها صلة وثيقة بعملية الاتصال والتأثير.” والتعامل مع الناس عملية شاملة متعددة الجوانب، فيها عقل يفكر، ولسان ينطق، وجوارح تتحرك، ومظهر يشاهد. ولا بد للإنسان أن ينتبه إلى هذه الجوانب كلها، وإن أي خلل في أحداها ربما يكون له تأثير سلبي سيبدو عاجلاً أم آجلاً”(103).
ويكون المظهر الحسن في نظافة البدن، وحسن الهندام، وطيب الرائحة. ولقد طالب الإسلام المسلمين بذلك كله، قال تعالى: }يا بني آدم زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين* قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعملون{(104).
وروى الإمام مالك(105) عن عطاء بن يسار (106) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فدخل رجل ثائر الرأس واللحية، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده أن أخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان”(107).
ويروي الإمام الترمذي(108) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تشبهوا باليهود”(109).
ولابد من الإشارة هنا إلى أنه من الضروري أن يكون جمال الظاهر موازياً لجمال الباطن، فإن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن، حتى لا يؤدي ذلك بنا إلى الطغيان كما فعل قارون. وعندما يكون الباطن والظاهر في لوحة واحدة، متناسقة الألوان، متحدة الغايات، فإن هذه اللوحة ستكون في منتهى الروعة والجمال.
ولابد من الإشارة في نهاية الحديث عن النماذج القرآنية للاتصال الصامت، إلى أن قوة الاتصال الصامت تتناسب طردياً مع عدد العناصر التأثيرية المجتمعية في عملية الاتصال، فإذا اجتمعت لغة العيون، مع تعبيرات الوجه، مع حركات الجسم، مع المظهر العام للإنسان، فإن عملية التأثير تكون أشد وأبلغ. والاقوى من كل ذلك أن يقترن الاتصال اللفظي والاتصال الصامت في عملية اتصالية واحدة، عندها يكون الاتصال متكاملاً، وتكون المعاني التي ينقلها أكثر وضوحاً وأشد تأثيراً.
وعند إمعان النظر في القرآن الكريم، نرى الكثير من النماذج التي يجمع فيها أكثر من شكل واحد من أشكال الاتصال. وسأشير هنا إلى نموذجين:
الأول: موقف أخوة يوسف مع أبيهم في الإخبار عن قصة الذئب، قال تعالى:}وجاؤوا أباهم عشاء يبكون* قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما انت بمؤمن لنا ولوكنا صادقين* وجاؤوا على قميصه بدم كاذب {(110).
وفي هذا النص القرآني يحاول أخوة يوسف جمع أكبر عدد ممكن من عناصر الاتصال في محاولة لإثبات صحة الرسالة التي يريدون نقلها إلى أبيهم، فعلى الرغم من أنها رسالة كاذبة في أصلها، إلا أنهم حاولوا التمويه من خلال استخدام نوعي الاصال: الناطق والصامت، وذلك على النحو الآتي:
1- الاتصال الناطق: وذلك من خلال إخبار والدهم بصريح القول إن الذئب قد أكل يوسف بعد أن تركوه عند متاعهم.
2- الاتصال الصامت: والذي كان من خلال استخدام لغة العيون، حيث كان البكاء بين يدي والدهم – كما نفهم من النص القرآني – هو الرسالة الأولى التي نقلوا الخبر من خلالها. ثم استخدموا لغة الإشارة، وذلك من خلال الدم الذي جاءوا به على القميص، في محاولة للتدليل على صدق دعواهم.
ولا شك أن نقل الخبر بهذه الصورة يجعله أكثر قوة وتأثيراً. فعلى الرغم من أن البكاء لم يكن إلا دموع التماسيح، وأن الدم كان كاذباً – وبغض النظر عن اقتناع سيدنا يعقوب عليه السلام بذلك – إلا أن إخوة يوسف ما جاءوا بهذه القرائن الصامت إلا لعلمهم بأنها تدعم موقفهم وتقوي الرسالة التي يريدون نقلها.
الثاني: موقف الوليد بن المغيرة في الحكم على القرآن، قال تعالى:}إنه فكر وقدر* فتل كيف قدر* ثم قتل كيف قدر* ثم نظر* ثم عبس وبسر* ثم أدبر واستكبر* فقال إن هذا إلا سحر يؤثر* إن هذا إلا قول البشر{(111).
وفي هذا النص يبين القرآن الكريم الرسائل الناطقة والصامتة التي صدرت عن الوليد بن المغيرة، حينما قال مقولته الجاحدة بحق القرآن الكريم، فعلى الرغم من اعترافه الصريح أمام زعماء قومه، بما للكلام القرآني من حلاوة وطراوة، وبما له من تميز وعلو على كلام البشر، إلا أنه تحول عن هذا الموقف. ويصور القرآن الكريم كيف كان هذا التحول، ويبين كيف أن الوليد استخدم أكثر من شكل اتصالي للتعبير عن موقفه، وبذلك على النحو الآتي:
1- الاتصال الصامت: حيث استخدم أولاً لغة العيون، وذلك من خلال نره في عيون الحاضرين في محاولة لاستخراج آرائهم في انتحال ما يصفون به القرآن، وكأنه يبحث في العيون عن أي مطعن بغرض توجيهه للقرآن. وهذا هو معنى النظر الوارد في النص(112). ثم ظهر ما يدور في خلجات نفسه في العلامات التي ظهرت على صفحة وجهه، فقد تحول وجهه إلى العبوس الدال على صعوبة التحول في قول الحقيقة إلى الكذب والافتراء، فقطب وجهه لما ضاقت عليه الحيل ولم يجد مطعناً. ثم تحول وجهه من العبوس إلى البسور(113) فكلح وتغير لونه كمداً حين لم يجد ما يشفي غليله من مطعن في القرآن لا ترده العقول.
2- الاتصال الناطق: والذي جاء لاحقاً بعد إفلاسه من خلال التصريح المشؤوم، الذي قال فيه بأن القرآن الكريم سحر يروى ويتعلم من السحرة، وأنه ليس من قول رب العالمين بل هو من قول البشر.
ولا شك أن اجتماع أشكال الاتصال السابقة في عملية اتصالية واحدة، جعل المعنى المنقول أكثر وضوحاً وأكثر دلالة على الموقف. وهو أوضح بكثير مما لو كان التعبير عنه بمجرد كلام لفظي.
خاتمة:
بعد هذه الجولة مع الاتصال الصامت وعمقه التأثيري في الآخرين: في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، فإنه يجدر بنا أن نسجل أهم النتائج التي تم التوصل إليها:
1- يعد الاتصال من الأمور الأساسية في حياة الافراد والمجتمعات، فلا يستطيع أحد أن يعيش بمعزل عن الآخرين دون أن يتصل بهم، فالإنسان مدني بطبعه، يميل إلى تكوين العلاقات وبناء الروابط مع بني جنسه.
2- على الرغم من كون الصمت توقفاعن الكلام، إلا أنه ليس توقفاً عن الاتصال، ففي الصمت الكثير من المعاني التي يمكن أن تعد أساساً في عملية التواصل والتفاهم بين الناس. فمن خلال الصمت يمكن التعبير عن الحب والكره والبغض والرغبة والدهشة والموافقة، وغيرها من الوجدانيات الإنسانية.
3- وجه الإسلام نحو الصمت، ووردت الكثير من النصوص التي تبين فضله، إلا أن الصمت الذي يلجأ إليه صاحبه بدافع الانعزال عن الناس، أو الذي تسبح خلال النفس في بحر من الوسواس. بل هو صمت الفاعلية وحضور الذهن، وصمت التأمل والتفكير والاعتبار.
4- تعد الإشارات والحركات أول وسيلة من الوسائل التي طورها الانسان في اتصاله بالآخرين. وهذه الإشارات قد تصاحب الكلام، وقد تكون قادرة على أداء الرسالة بمفردها. وغالباً ما تكون هذه الإشارات معبرة بصورة بليغة عن المشاعر والانفعالات والعواطف وردود الفعل، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة.
5- للعيون دور مهم في الاتصال بالآخرين، ولنظرات العيون إلى الآخرين في أثناء التعامل معهم علاقة مباشرة بالأثر المتروك في نفوسهم. أدباً خاصاً لابد من مراعاته والحرص عليه.
6- للوجه لغته الخاصة التي تعبر كاللسان، وغالباً ما تكون المشاعر الإنسانية مقروءة في صفحاته. والطرف الآخر يتأثر إيجابياً وسلبياً بالمعاني التي يقرؤها في وجه من يتعامل معه.
7- للمظهر الخارجي للإنسان دور مهم في عمليه الاتصال، فهو يعبر عن الانفعالات المشاعر، ويؤثر في سلوك صاحبه وسلوم الآخرين نحوه، وهو الذي يعطي الانطباع الأول عن صاحبة، مما يؤثر على طبيعة الآخرين معه.
الهوامش
1- ابن خلدون: مقدمة ابن خلدون، ص 41.
2- صورة النساء: الآية 1.
3- قراقزة، محمود: نحو مبادئ وفعاليات تربوية معاصرة، ص 202.
4- سورة المائدة: الآية 67.
5- قطب، سيد: في ظلال القرآن، ج 5، ص 938.
6- المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة.
7- سورة النحل: الآية 44.
8- انظر تفاصيل هذه المقاطعة في: البيهقي: دلائل النبوة، ج 2، ص(311-315).
9- انظر: الزرقاني: مناهل العرفان، ج2، ص 296.
10- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج 10، ص 58.
11- روى الإمام البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمكم الله، فإذا قال له يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم”. انظر: البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الأدب، باب رقم 126، حديث رقم 5870، ج 5، ص 2298.
12- سورة الحجرات: الآية 13.
13- انظر: أبو إصبع، صالح: ” عمليات الاتصال: من الاتصال الذاتي إلى الاتصال الجماهيري”، مجلة كلية الآداب، جامعة الإمارات، العدد الثالث، 1407هـ / 1987م، ص 221.
14- عودة، محمود: أساليب الاتصال والتغيير الاجتماعي، ص 24.
15- راغب، نبيل: شرف الكلمة، ص(13-14).
16- ميرل، جون ولوينشتاين، رالف: الإعلام وسيلة ورسالة، ص 26.” بل وصل الامر في عصر المعلومات والكمبيوتر والتكنولوجيا الحديثة، ومع مطلع الالفية الثالثة من هذا الزمان، أن العلماء من خلال دراستهم توصلوا إلى أن حوالي نصف تواصلنا وحوارنا مع الآخرين، أصبح يتم من خلال الكلمات، أما النصف الآخر؛ فيتم من خلال لغة صامتة تتمثل في لغة الإشارة، وتعبيرات الوجه ووضعيه الجسم، وأصبح لتلك اللغة اهميتها ومفرداتها في فن الكلام والحوار مع الناس”. الأقصري، يوسف: كيف تتكلم وتتحاور بطريقة أفضل، ص29.
17- أبو إصبع، صالح: ” عمليات الاتصال: من الاتصال الذاتي إلى الاتصال الجماهيري”، مجلة كلية الآداب، ص 223.
18- جابر، سامية محمد: الاتصال الجماهيري والمجتمع الحديث، ص61. ولمزيد من التفصيلات حول الاتصال الصامت، انظر:
A. Mehrabian,Silent Messages,Wadsworth,Belmont,Calif,1972. A.E Scheflen,body language and the social order,prentice-Hall,Inc.,Engle- Wood chffs,N.J.,1969.
19- جابر، سامي محمد: الاصال الجماهيري والمجتمع الحديث، ص (61 – 62).
20- الترمذي: السنن، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب رقم 50، حديث رقم 2501، ج4، ص 660.
21- البيهقي: شعب الإيمان، حديث رقم 4937، ج4، ص241. الشهاب: المسند، رقم 371، ج1، ص 236.
22- ذكره المنذري في الترغيب والترهيب، وقال: ” رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت مرسلاً”. انظر: المنذري: الترغيب والترهيب، رقم 4010، ج3، ص272.
23- هو الصحابي الجليل جندب بن جنادة، وهو ممن اشتهر بكنيته، تقدم إسلامه وتأخرت هجرته فلم يشهد بدراً، ومنافيه كثيرة جداً، مات سنة 32هـ في خلافة عثمان. انظر: ابن حجر: تقريب التهذيب، ص 638. الأزدي: أسماء من يعرف بكنيته، ص 42.
24- ابن حيان: صحيح ابن حيان، كتاب البر والإحسان، باب رقم 2، ج2، ص 79. البيهقي: شعب الإيمان، حديث رقم 4942، ج4، ص243.
25- هو الإمام القدوة قاضي دمشق وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عويمر بن زيد بن قيس بن عامر عدي بن الحارث، حكيم هذه الأمة وسيد القراء بدمشق، مات سنة 32هـ. انظر: البخاري: الكنى، ص 86. الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج2، ص ص(335-353).
26- ابن عبد ربه الأندلسي: العقد الفريد، ج2، ص302.
27- هو محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الإمام الجليل وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي، جامع أشتات العلوم، والمبرز في المنقول منها والمفهوم. ولد بطوس سنة 450هــ وانتقل منها يطلب العلم في مظانه فرحل إلى جرجان ونيسابور وبغداد والقدس ودمشق، ثم رجع إلى بلدة طوس وتوفى فيها سنة 505هــ. ومن مؤلفاته: ” إحياء علوم الدين” و” المستصفى في أصول الفقه”. انظر: السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، ج6، ص(191-224).
28- سورة ق: الآية 18.
29- الغزالي: إحياء علوم الدين، ج3، ص 178.
30- سورة الأعراف: الآية 204.
31- ابن عبد ربه الأندلسي: تأديب الناشئين بأدب الدنيا والدين، ص 72.
32- سورة الزمر: الآية 17.
33- هو الصحابي الجليل عبد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد وبنو هاشم في الشعب قبل الهجرة بثلاث سنوات، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلمه الله التأويل، فكان يلقب بحبر الأمة وترجمان القرآن لسعة علمه، انر: ابن حجر: الإصابة، ج4، ص (141-151).
34- القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج15، ص244.
35- أوري، وليام: فن التفاوض، ص (67 – 68).
36- ديماس، محمد: فنون الحوار، ص 35، ص 38.
37- كارنيغي، دايل: كيف تكسب الأصدقاء، ص 79.
38- هو عتبة بن ربيعة بن عبد شم بن عبد مناف، أحد أشراف قريش وزعمائها، لقى مصرعه يوم بدر. انظر: المقدسي: البدء والتاريخ، ج4، ص147.
39- ابن هاشم: السيرة النبوية، ج2، ص(130-131).
40- البيت بغير نسبة في: الوطواط: غرر الخصائص الواضحة، (بيروت: دار صعب)، ص44.
41- البيت بغير نسبة في: المرجع السابق، نفس الصفحة.
42- سورة غافر: الآية 19.
43- القرني، عوض بن محمد: حتى لا نكون كلاً، ص 126.
44- سورة الأحزاب: الآية 19.
45- المراغي، أحمد: تفسير المراغي، ص358.
46- قطب، سيد: في ظلال القرآن، ج5، ص 2840.
47- سورة المائدة: الآية 83.
48- المراغي: تفسير المراغي، ج3، ص6. ول
49- الأبيات لعبد الله بن معاوية. انظر: البلاذري: أنساب الأشراف، ج2، ص513.
50- البيتان بغير نسبة في: ابن هشام: شرح شذور الذهب، ص26.
51- المرجع السابق، ص (37-38).
52- هو أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني، فقيه ومفسر ومحدث. ولد في بغداد وتلقى العلوم على شيوخ عصره وتولى منصب الإفتاء، توفي في بغداد سنة 1270 هـ. له عدة كتب قيمة أبرزها تفسيره الكبير” روح المعاني”. انظر: الموسوعة العربية العالمية، ج2، ص160.
53- الألوسي: روح المعاني، ج26، ص78.
54- دكر، برت: فن الاتصال، ص48.
55- القرني، عوض: حتى لا نكون كلاً، ص127.
56- عن حبيب بن أبي ثابت قال: ” كانوا يحبون إذا حدث الرجل أن لا يقبل على الرجل الواحد ولكن ليعمم”. البخاري: الأدب المفرد، قم 13،3، ص442.
57- Cf’Paul Ekman,Wallance Friesen and P. Ellsworth,Emotion in Human Face,New York: Pergamon Press,1972,p50.
58- ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، ج4، ص181.
59- المرجع السابق، ص 16.
60- سورة النحل: الآية 58.
61- سورة الحج: الآية 72.
62- المراغي: تفسير المراغي، ج6، ص 258.
63- سورة آل عمران: الآية 106.
64- سورة القيامة: الآيات (22-25).
65- سورة عبس: الآيات(38-41).
66- هو الصحابي الجليل جندب بن جنادة، وهو ممن اشتهر بكنيته، تقدم إسلامه وتأخرت هجرته فلم يشهد بدراً، ومناقبه كثيرة جداً، مات سنة 32هـ في خلافة عثمان. انظر: ابن حجر: تقريب التهذيب، ص638.
67- مسلم: الصحيح، كتاب البر والصلة والآداب، باب رقم 43، حديث رقم 2626، ج4، ص 2026.
68- هو الصحابي الجليل جرير بن عبد الله بن جابر البجلي القسري، أسلم في السنة التي توفي فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، نزل الكوفة ثم تركها وقال: لا أقيم ببلدة يتم فيها عثمان. انظر: ابن حجر: تهذيب التهذيب، ج1، ص 368.
69- متفق عليه. انظر: البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الأدب، باب رقم 68، حديث رقم 5739، ج5، ص 2260. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب رقم 29، حديث رقم 2475، ج4، ص 1925.
70- الترمذي: السنن، كتاب البر والصلة، باب رقم 45، حديث رقم 1970، ج4، ص 347.
71- الترمذي: السنن، كتاب البر والصلة، باب رقم 36، حديث رقم 1956، ج4، ص 339.
72- سورة عبس: الآيات (1-11).
73- الطبري: جامع البيان، ج30، ص51.
74- هو محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي، الإمام فخر الدين الرازي القرشي البكري. ولد سنة 544هـ، وهو فريد عصره، وشهرته تغني عن استقصاء فضائله. وتصانيفه في علم الكلام والمعقولات سائرة، وله ” التفسير الكبير” و ” المحصول في أصول الفقه”. انظر: السيوطي: طبقات المفسرين، ص 115.
75- الرازي: التفسير الكبير، ج16، ص216.
76- الديلمي: الفردوس بمأثور الخطاب، ج4، ص164.
77- أبو داوود: السنن، كتاب الخراج والإمارة، باب رقم 3، حديث رقم 2931، ج3، ص131.
78- هو الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود الهذلي، بني زهرة، أسلم قديماً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد بعدها، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم وحدث عنه الكثير، توفي بالمدينة سنة 2 هـ. انظر: ابن حجر: الإصابة، ج4، ص (233-235).
79- البخاري: الجامع الصحيح، كتاب الاستئذان، باب رقم 47، حديث رقم 5933، ج5، ص 2319.
80- هو الصحابي الجليل عبد الرحمن بن صخر الدوسي، الشهير بكنيته التي أطلقها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر من الرواية عنه، توفي سنة 57هـ. انظر: ابن حجر: الإصابة، ج7، ص (433-444).
81- الترمذي: السنن، كتاب القدر، باب رقم 1، حديث رقم 2133، ج4، ص443. أبو يعلى: المسند، حديث رقم 6045، ج10، ص 433.
82- سورة آل عمران: الآية 159.
83- كارنيغي، دايل: كيف تكسب الأصدقاء، ص30.
84- اليوسف، عبد الله: الشخصية الناجحة، ص 158.
85- عبد الصمد، محمد: ثبت علمياً، ج2، ص217.
86- جابر، سامية: الاتصال الجماهيري والمجتمع الحديث، ص (63-64).
87- سورة مريم: الآيتان (27-29).
88- سورة آل عمران: الآية 41.
89- النسقي: تفسير النسقي، ج1، ص 153. أبو السعود: إرشاد العقل السليم، ج2، ص 34.
90- هو أبو البركات حافظ الدين عبد الله بن أحمد بن محمود النسقي، كان إماماً في جميع العلوم، ومصنفاته في الفقه والأصول أكثر من أن تحصى، وصنف المدارك في التفسير. توفي في بغداد سنة 716هـ. انظر: الأدنة وي: طبقات المفسرين، ص 263.
91- النسقي: تفسير النسقي، ج1، ص 153.
92- سورة الإسراء: الآية 37.
93- سورة القصص: الآية 25.
94- سورة الفرقان: الآية 63.
95- سورة نوح: الآية 7.
96- البخاري: الأدب المفرد، رقم 133 و135، ص 60. الشهاب: المسند، حديث رقم 331، ج1، ص217. وقال عنه فضل الله الجيلاني: صحيح. انظر: الجيلاني، فضل الله: فضل الله الصمد في توضيح الادب المفرد، ج1، ص 344.
97- مسلم: الصحيح، كتاب البر والصلة والآداب، باب رقم 10، حديث رقم 2564، ج4، ص 1986.
98- انظر: الطويل، علي: الشخصية المغناطيسية، ص 174. البوسعيدي، عبد الله: فنون الذوقيات والإتيكيت الإسلامي، ص 30.
99- انظر: جابر، سامية: الاتصال الجماهيري والمجتمع الحديث، ص 64. الحمادي، علي: لا تكن شبحاً، ص 61.
100- هو الطاغية قارون بن يصهر بن قاهث، الذي أخبرنا القرآن بأنه كان قوم موسى، وقيل بأنه كان ابن عمه. آتاه الله مالاً كثيراً فطغى وتجبر على الناس. انر: الطبري: تاريخ الأمم والملوك، ج1، ص (262 – 266).
101- سورة القصص: الآية 79.
102- سورة القصص: الآية 79.
103- الحمادي، على: لا تكن شيخاً، ص 61.
104- سورة الأعراف: الآيتان(31-32).
105- هو الإمام مالك بن أنس صاحب كتاب” الموطأ” في الحديث الشريف، عالم المدينة وإمامها واحد المجتهدين الأربعة. مات وله تسعون سنة وقبره بالمدينة على شط بقيع الغرقد، وكانت وفاته في أيام الرشيد. أخذ عنه العلم الكثير من العلماء منهم الإمام الشافعي. أنظر: القنوجي: أبجد العلوم، ج3، ص 122.
106- هو عطاء بن يسار المدني الفقيه، مولى ميمونة، ثقة إمام. كان يقضى بالمدينة، روى عن كبار الصحابة، مات سنة 103هــ وهو ابن أربع وثمانين سنة. انظر: ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب، ج1، ص 125.
107- مالك بن أنس: الموطأ، حديث رقم 1702، ج2، ص 949.
108- هو الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة السلمي الترمذي، الحافظ، مصنف الجامع الصحيح، سمع قتيبة وأبا مصعب وطبقتها، توفي في سنة 279هـ. انظر: الذهبي: العبر في خبر من غبر، ج2، ص 68.
109- الترمذي: السنن، كتاب الأدب، باب رقم 42، حديث رقم 2799، ج5، ص111.
110- سورة يوسف: الآيات (16 -18).
111- سورة المدثر: الآيات (18-25).
112- انظر معنى قوله تعالى: }ثم نظر{في : ابن عاشور: التحرير والتنوير، ج29، ص 287.
113- انظر معنى ” البسور” في: المرجع السابق، نفس الجزء والصفحة.