مقدمة :
الحديث عن خبرة تدريس الفكر السياسي الإسلامي هو حديث أنباء وإعلام عن واقع تجربة تمت معايشتها ، وملامسة قضاياها عن قرب ، بل ومكابدة بعض ما يكتنف التصدى لأمثال هذه القضايا من مكاره، وطموحات وإحباطات ، ونجاح وفشل، وإذا كان صحيحًا أنه ليس من سمع كمن رأى ، فصحيح أيضًا أنه ليس من رأى كمن جرب ، وليس من جرب فوعى كمن جرب فغفل .
ولعله من هذه الناحية يبدو نقل خبرة التدريس إلى الآخرين ، خاصة من الطلاب الذين يضعون أقدامهم في بداية الطريق في دراسة الفكر السياسي الإسلامي ، عملية معقدة وصعبة؛ لأنها تحتاج قدرًا من العدل في القول والنقل ، وقدرًا من التجرد عن تضخيم الذات والأنا ، وقدرًا من التركيز وتجميع الوعي لمعرفة البداية والنهاية في كل من القول والنقل ، لكنها رغم ذلك تظل عملية واجبة وضرورية ، وإلا صار السكوت عنها من قبيل كتمان العلم بالشيء ، ومن قبيل السكوت عن الحق، وأظن أن وجوه الواجب أو الضرورة في نقل هذه الخبرة متعددة .
وأحد هذه الوجوه أن هذا النقل إخبار ، وليس من قبيل الصدفة أن تترابط الخبرة والخبر ، ليس من الوجه اللغوي فحسب ؛ بل لأن الخبر متعلق بالخبرة ، تعلق النتيجة بالسبب ، وتعلق الجزء بالأصل ، وتعلق الفرع بالمصدر ، فلا خبر بدون خبرة ، ولا دراية بالخبرة بدون خبر عنها يحقق الإخبار بها ، ويظل صدق الخبر من صدق الخبرة ، وتظل الثقة في الخبرة ما استمر الخبر صادقًا فيما يقص عن الخبرة ، ويروى ، على أن تفهم خبرة تدريس الفكر السياسي الإسلامي هنا فهمًا واسعًا يتسع ليشمل واقع التدريس وتجربته ، بكل ما يعتمل فيهما من تفاعل يقتضى التعايش والمعايشة بين القائم بالتدريس ، وبين متلقيه ، وبين مقرر التدريس ، وبين أدواته وأساليبه .
والوجه الثاني في ضرورة نقل خبرة التدريس أنها عملية أيضًا تحدث تواصلاً معرفيًّا مع عملية دراسة الفكر ، فإذا بهما عمليتان متلازمتان متكاملتان ، فتدريس الفكر لا يأتي إلا بعد دراسة له، وتمرس على هذه الدراسة ، كما أن دراسته تحتاج تدريسًا يعرف طبيعته والمتضمن فيه . فالتدريس يربي دارسًا ، والدارس حين يتمرس على ما دُرِّس له ويهضمه يصير مدرسًا ، وهكذا يتواصل التراكم المعرفي ، وتتواصل الأجيال المعرفية ، وكلاهما من مقاصد العلم في المنظور الإسلامي.
والوجه الثالث في ضرورة نقل خبرة التدريس أن النقل – كإخبار عنها وخبر كما سبق – داخل في مقتضيات القيام بواجب الشهادة على ما جرى خلال التدريس ذاته ، أيًا كانت فترته الزمنية، وأيا كانت مراحله الدراسية ، والشهادة تتطلب الحضور واليقظة ، والنهوض ، والشجاعة ،والرؤية ، لكنها تتطلب كذلك البعد عما يجافى العدل من الشنآن والظلم ، وعما يحرِّف الحقائق ويزيفها ، وعما يدخل عمومًا في قول الزور ، والشهادة به .
والوجه الرابع في وجوب نقل خبرة تدريس الفكر السياسي الإسلامي يتمثل فيما تفرضه الشهادة بالمعنى السابق من الأمانة في النقل ، وهذه لا تنهض إلا بشجاعة قول الحق عن خبرة التدريس ، والبراءة من التدليس ،والافتراء والكذب، وما يوقع إجمالاً في الخيانة ، خيانة أمانة النقل ، وخيانة أمانة الناقل ، وخيانة أمانة المنقول إليهم الخبرة .
أما الوجه الأخير في وجوب نقل خبرة التدريس فتظهره متقضيات رحم العلم الذي يشد إليه _ أي الرحم _ فيما هي من تواصله والحفاظ عليه ، على رأسها التناصح ، والمكاشفة ، والمراجعة، والتصويب ، والتقويم ، واحترام الاختلاف ، وندب التعاون والتآزر لمعرفة أين مواطن الارتقاء والإيناع في هذه الخبرة ، وأين مواطن القصور والخطأ فيها ؛ لمضاعفة الأولى وإنهاضها، وتحجيم الثانية وتجاوزها ، وبذلك نضمن فعالية عملية التدريس من ناحية، ونضمن كذلك الحفاظ على استمرار وجود هذا المقرر الدراسي بين المقررات الأخرى في الجامعات التى تتولى إدراجه ضمن خططها التدريسية .
انطلاقاً من ذلك كان ميلنا إلى الحديث عن خبرة تدريس الفكر السياسي الإسلامي من خلال إثارة مجموعة من القضايا المنهاجية المرتبطة بهذه الخبرة ، والتى أمكن رصدها من خلال سنوات ممتدة نسبيًّا في تدريس هذا المقرر ، داخل مصر وخارجها ، وروعى في اختيارها الأهم منها على سبيل الأمثلة لا الحصر ، كما روعى في تناولها عرض ما يتمخض عن كل منها من إشكاليات فرعية ، غير أن الأمر لم يتوقف عند رصد هذه القضايا ، بل تعداه إلى محاولة التصدى لكل قضية بما قد ينفع من اقتراحات أو حلول ؛ تعميقًا للفائدة ، وحرصًا على تبادل الحوار والنقاش حولها .
والقضايا المثارة في هذه الورقة تشمل الهدف والفلسفة العامة من وراء تدريس الفكر السياسي الإسلامي وقضية تعريفه، وقضية المستويين الرأسي والأفقي في تدريسه ، وقضية المنهج في التدريس ، وقضية الاختلاف حول المحتوى التدريسي ، وقضية المصادر والمراجع في التدريس .
أولاً : قضية الهدف والفلسفة العامة من وراء تدريس الفكر السياسي الإسلامي
فلا شك أن معرفة الهدف من تدريس علم ما أو حقل معرفي ما من الأهمية بمكان ؛ ليس لأنه يكشف عن وجه الأهمية العلمية والعملية من وراء عملية التدريس فحسب ، وإنما لأنه يحدد أيضًا أصول هذا العلم الذي لا قوام له إلا بها، ومهيئاته التى تدعم هذه الأصول ، ومزيناته التى تحسنها وتجملها(1) ، سواء في موضوعه ، أم في مفاهيمه ، أم في منهجه ، أم في مصادره المعرفية ، أم في إطاره المرجعي ، أم في مضمونه ومحتواه .
ذلك أن الهدف يصير بمثابة الغاية المثلى ، والمقصد الأسمى الذي يجب أن تتضافر جهود دارسي العلم _ أساتذة وطلابا له _ لأجل تحقيقه ، ونقله من حيز الطموح والأمل ، إلى حيث الإنجاز والعمل ، وحين تتوه هذه الغاية ، وحين يغيب هذا المقصد _ أو حين يتم تجاهلهما وتجاوزهما ، أو حين يصيبهما الخطأ ، أو حين يغلب عليهما التدليس والتحريف ، يصبح العلم خبط عشواء ، وارتجالاً ، ومن ثم يصبح تدريسه عملية عشوائية ارتجالية ، بلا أسس واضحة ، أو بينات منضبطة ، وعندها لن يعرف دارسي الفكر السياسي ، من أين يبدأ هذا الفكر ، ومن أين ينتهى ، وما هي آفاقه بين مبتدئه ومنتهاه ، وما هي وجهته ؛ لأنه فقد بوصلة التوجيه، ودفة التوجه ، فلا يلبث أن يقع في أخطاء كثيرة، ليس من ورائها إلا مفاسد أكثر.
والمقدمات الخاطئة أو المغلوطة لا تستنتجها إلا نتائج خاطئة أو مغلوطة ، مع أن الفكر السياسي حين يدخل في جملة علوم الأمة _ وهو منها _ يجب أن ينضبط أو يضبط بجملة مقاصدها وأهدافها _ بقطع النظر عن موضوع كل علم منها ونطاقه(2)، ومنهاجه ، وثغر الإسلام الذي يرابط عليه _ من حيث يتوخى تحقيق الصالح العام لهذه الأمة ، ولن يتحقق الصلاح إلا بأن يكون علمًا معمولاً به ، فمقتضى العلم العمل به ، بل لا قيمة لهذا الفكر إن عُمل به ولم يحقق النفع العام ، بعيدًا عن الضرر والإضرار ، والفساد والإفساد لعقول أبنائها ، ويرسخ جملة القيم والمقاصد التى تؤكد الصفة الثانية للموصوف في الفكر السياسي الإسلامي ، أو ينفض عن هذه العقول ويطهرها من مضادات القيم التى رانت عليها بفعل الفهم المشوش والمغلوط لهذا المقرر الدراسي ، وبفعل إرادة تجهيلها بما للمسلمين من عطاء حضاري يربط ماضيها بحاضرها، ويشدهما معًا إلى مستقبلها ، يشكل الفكر السياسي الإسلامي أحد روافده، بل وأحد شواهده.
من هنا يمكن أن نفرع من ثلاثية الأهداف العامة لهذا الحقل المعرفي _ وهي الإصلاح ، والعمل بموجبه ، وتحقيق النفع العام _ والتى يشارك من خلالها غيره من علوم الأمة في ضرورة الالتزام بها ، مجموعة من الأهداف الخاصة التى تتعلق بطبيعة موضوعه وتخصصه ، حتى يكون الطلاب على بينة ونهج واضح مما يدرسونه في هذا المقرر ، ومنها :
1_ بيان مدى فهم الفكر الإسلامي _ في مراحله المختلفة _ للعلاقة بين الدين والسياسة في الإسلام ، حال دراسته للظواهر السياسية، سواء تلك التى تعرض لها الوحي _ قرآنًا وسنة _ أم تلك التىانبثقت من واقع المسلمين ، وهذا بدوره يكشف عن الظروف والحالات التى استطاع فيها العقل المسلم أن يبدع مناهج وطرائق تجاوز بها أمورًا في واقعه السياسي ، فهمًا واستيعابًا وتأصيلاً ، وتفصيلاً لحدود العلاقة بينها ، ليبني عليها في عملية تفاعله مع تراثه الحضاري ، وتراث الآخرين الحضاري ، على تنوعه ، كما يكشف في الوقت ذاته عن الظروف والحالات التى اختار فيها هذا العقل نفس الأمور _ دون فهم، أو استيعاب ، أو تأصيل ، أو تفصيل لحدود العلاقة بينها _ خاصة الأمور المتعلقة بالثنائيات المتوهم تناقضها معرفيًّا وشرعيًّا في البناء المعرفي الإسلامي عامة، والبناء المعرفي السياسي منه خاصة ، مثل النقلي والعقلي ، والديني والسياسي ، والموحي به والفكري ، والديني والمدني، والمادي والمعنوي ، والدنيوي والأخروي… إلى آخره من ثنائيات فُهمت طبيعة العلاقات بينها وحدودها في كثير من الأحيان خطأ؛ مما ترتبت عليه نتائج سلبية وتداعيات خطيرة في مسيرة الفكر السياسي الإسلامي.
(2) معرفة موقع قضية السلطة في تفكير المسلمين وفكرهم ، والقضايا الفرعية المختلفة التي تمخضت عن هذه القضية الأم ، والتى تجسدها إلى حد كبير مجموعة من التساؤلات التى يمكن أن نعثر على إجابات عليها في هذا الفكر ، ومنها ما مدى ضرورة وجود السلطة في الحياة السياسية للمسلمين؟ وأين الشرعي والعقلي في هذه الضرورة؟ ولماذا انفرضت قضية السلطة – من يخلف صاحب الشرع على المسلمين – أو فرضت نفسها عقب انقضاء عصر النبوة؟ هل لأنها كانت في المقدمة مما واجهه المسلمون إبان ذلك العصر؟ أم لأن العقل العربي قبل الإسلام انشغل بها لارتباطها بالرياسة والسؤدد ، وظل على ذلك بعد الإسلام؟ .
ولماذا كانت الدماء غالية في مسألة حسم أحقية ولايتها ، ترشيحًا ، وبيعة، واستمرارًا فيها ؟ وما الذي دعا عالمًا كالشهرستاني في مقدمة مصنفه «الملل والنحل» إلى التصريح بأن أكثر ما أريق من دماء بين المسلمين كان بسبب السلطة؟ ولماذا تغيرت السلطة مكانًا ومكانة منذ صدر الإسلام من المدينة إلى دمشق ، إلى بغداد ، وهكذا؟ وماهي الأسماء والصفات التى اتخذتها السلطة وارتبطت بممارساتها إلى حد كبير؟ ولماذا التعدد في ذلك بين الخلافة ، والإمارة ، والإمامة ، والملك ، والولاية، وإمارة المؤمنين ، والسلطنة ، والرياسة ، والقيادة ، إلى آخره ؟
وكيف تناول الفكر السياسي الإسلامي ظاهرة السلطة في أبعادها الفكرية ، وأبعادها النظامية ، وأبعادها الحركية الأخرى؟ ما الذي أثاره في كل نمط من هذه الأبعاد.؟ وإذا كانت ظاهرة السلطة على هذا النحو – وكما يشير البعض بحق – هي قطب الرحى في هذا الفكر، بما تثيره من جدل العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، بين رغبة الأول في المزيد من السلطة وتقييد الحرية، وبين رغبة الثاني في المزيد من الحرية وتقييد السلطة؟ وماهي خصوصيته في تناوله لهذه الظاهرة ؟ وهل ثمة محطات يجب الوقوف عندها أو التوقف لاكتشاف طبيعة هذه الخصوصية ، وسماتها ، وتطوراتها؟
3_ ضبط العلاقة بين ثلاثية الشرع والفقه والفكر ، قبل عملية الضبط بين الفكر وغيره من المفاهيم الأخرى كما سيرد ؛ ذلك أن معرفة العلاقة بين الشرع من حيث هو وحي معصوم أصلاً له مصدراه في القرآن والسنة ، وبين الفقه من حيث هو فهم لعملية استخراج أحكام هذا الشرع اجتهادًا لا عصمة له ، بناء على مقدمات في فقه الشرع ، وفقه الواقع ، وفقه تنزيل الشرع على الواقع، هي الخطوة الأولى والإطار العام الذى يحكم حركة الفكر، والمجال الذي ينبغى أن تدور فيه هذه الحركة ولا تتعداه ، دون تضييق أو إعنات لها .
ثم إن ضبط العلاقة بين مفهومي الشرع والفقه مجتمعين ، أو منفردين وبين مفهوم الفكر عامة ، والفكر السياسي خاصة ، هو مقدمة أيضًا لإزالة التباس المفاهيم وتداخلها واختلاطها لدى كثير من الطلاب والدارسـين ، الذين قد يلحقون الشرع (قرآنًا وسنة) بالفقه والفكر ؛ فيوسعون متناهيًا ، أو الذين قد يلحقون الفقه والفكر بالشرع فيضيقون غير متناهٍ ، أو الذين قد يلحقون الفقه بالفكر فيطلقون منضبطًا بقواعد، هي أصوله التى تحدث عنها علماء أصول الفقه ، وكل فريق من هؤلاء واقع لا محالة في الحرج ، وهو حرج لا يقف فقط عند حدود الشرعي منه ، بل يتعداه إلى حدود أخرى منهاجية ومعرفية ، مع أن مصدر الفكر السياسي الإسلامي الأول أي الوحي ، لم يرد للناس إلا للسعة ورفع الحرج {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج} ( الحج :78) .
4_ معرفة مدى الاستمرارية والانقطاع في عطاء الفكر السياسي الإسلامي ، وهو ما لا يمكن تبينه إلا من خلال رصد التطور السياسي لهذا الفكر من خلال تطورات الواقع السياسي للمسلمين ، وعندها سيثار تساؤلان رئيسيان ، ينطوى كل منهما على تساؤلات فرعية مهمة .
أحدهما : هل أدى الانقطاع في هذه التطورات _ الخاصة بالواقع _ بفعل عوامل كثيرة كالفتن، والملاحم ، والحروب الداخلية ، والوهن الحضاري ، والاعتداءات الخارجية بأشكالها المختلفة إلى انقطاع مماثل في فكر المسلمين السياسي؟ وما أشكال هذا الانقطاع؟ وهل كان طفريًّا أم تدريجيًّا ؟ وشاملاً أم جزئيًّا ؟
والتساؤل الثاني : هل حافظ فكر الأمة _ في أشكاله المتعددة _ رغم بعض فترات الانقطاع في تطوراتها السياسية على استمراريته وديمومته، وقدرته على التكيف مع هذا الانقطاع؛ بحيث يعيش الواقع ويعايشه؟ وهل قدِّر له أن يتصدى للانقطاع نقدًا وتقويمًا وإصلاحًا، إعمالاً لسنة الله في تجديد أمر هذه الأمة في المناحي الحضارية كافة لدينها ، كما ورد في الحديث النبوي الشريف؟
والإجابة على هذين التساؤلين من منطلق منهاجي علمي وبعيدًا عن عواطف التميز ستساعد بدورها في الإجابة على تساؤلين آخرين.
أولهما : لماذا توكيد الكثير من الدارسين _ عربًا وغير عرب _ على أن تراث المسلمين ، بما فيه التراث السياسي لم يعرف الانقطاع ، رغم المحن والهزات الشديدة التى عصفت بهم في عصور مختلفة ، وفي بقاع شتى من ديارهم ؟
وثانيهما : مَنْ مِنْ مفكرى المسلمين وجماعاتها وحركاتهم كان الأكثر بروزًا وتجشمًا لعناء إخراجهم في حقب التردي المختلفة بأفكاره _ أو أفكارها _ الإصلاحية التجديدية؟ ومَنْ مِن مفكريهم وجماعاتهم وحركاتهم كان الأكثر بروزًا في إفساد وإجهاد الجسد الإسلامي ، وتداعيه وعرقلة مسيرته الحضارية؟
5_ كشف أوجه التشابه وأوجه الاختلاف في العطاء الفكري السياسي للمسلمين ، عبر تطوراتهم السياسية ، ومن ثم كشف الأسباب التى آلت إلى التشابه أحيانا، وإلى الاختلاف أحيانًا أخرى ، بل وإلى التشابه والاختلاف معًا أحيانًا ثالثة ، بمافي ذلك من دروس وأدلة خاصة فيما يرتبط بأخلاق الاختلاف وقيمه وضوابطه ، والضرورة الشرعية والحضارية للاختلاف والتشابه في الأفكار وحالات الضرورة للاختلاف ، ومثيلاتها للاتفاق أو التشابه، ومناط التشابه والاختلاف من قضايا الواقع السياسي على تعددها فكريًّا ونظاميًّا وحركيًّا ، واستدعاء الخلفيات الفقهية والمذهبية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والثقافية عمومًا في التشابه والاختلاف .
وكذلك المآلات المختلفة لكل هذا من تعدد في المصادر الفكرية ، وتعدد في المفكرين وتوجهاتهم ، والتعدد في الفرق، والحركات ، والجماعات ، والتفريع على التعدد في كل ذلك . وما أثاره من جدل حول حدود الانقسام المحمود الصالح ، وحدود الانقسام المذموم الفاسد ، وما يترتب عليه من تقطيع لأوصال المسلمين وجماعتهم.
6_ بيان _ من خلال الأهداف الخمسة السابقة _ إلى أي مدى امتلك المسلمون ويمتلكون عطاءً واضحًا وحقيقيًّا في الفكر الســـياسي الإسلامي(3) ، وهذا الهدف قد يبدو من السذاجة الحديث عنه أمام دارس أو طالب يعى حقيقة إنجاز أمته في ذلك المجال ، لكن واقع الحال ينبئ أن جمهور المخاطبين بتدريس هذا الفكر ليسوا جميعًا على نفس القدر من الوعي المفترض ، خاصة إذا ما أخذ في الاعتبار أن منهم غير المسلم أصلاً ، وأنه متحيز ضد الفكر السياسي الإٍسلامي ، وأن منهم من يتلقي الدرس عن الفكر السياسي الإسلامي، وربما سمع عنه لأول مرة في حياته الدراسية ، وأن منهم من يدرس هذا الفكر دراسة اضطرار _ لسبب أو لآخر دراسي _ وهو كاره له ، بل إن منهم فوق ذلك من قد تكون علاقته بالإسلام أصلاً هي علاقة الميلاد والشهادتين .
هنا تبدو لهذا الهدف منطقيته خاصة إذا كانت كل هذه الشرائح الأخيرة من الطلاب والدارسين _ وهي على أحوالها السالفة من التباعد عن الفكر السياسي الإسلامي _ محاصرة من جهات عديدة ، وأوساط مختلفة بأقاويل تقدح ليس في مصداقية هذا الفكر فحسب ، بل وفي مصداقية وجوده أصلاً ، ضمن عملية محاصرة وتشويه النموذج الإسلامي في الممارسة السياسية .
ثانيًا : قضية تعريف الفكر السياسي الإسلامي :الاسم والمسمى
والتعريف هنا ليس عملية تحكمية قسرية مطلقة ، فالفكر السياسي الإسلامي كغيره من الحقول المعرفية الاجتماعية يصعب ضبطه – اسمًا ومسمى- تحديدًا وتدقيقًا ضبطًا جامعًا مانعًا ، ليس لغموض موضوعه فحسب وإنما لأسباب أخرى كثيرة، منها صعوبة حصر ما قد يدخل في هذا الموضوع وما قد يخرج منه ، ولعل ذلك مما دعا غير المتخصصين في أحيان كثيرة للكتابة فيه وعنه من خلال موضوعات فرعية ليست منه في شيء ، وليس منها في شيء ، فضلا عن أنه حقل ينطوى على دلالات معرفية، هي خلاصة مفهوم سياسي مركب من ثلاثة مفاهيم فرعية ، الموصوف وهو الفكر ، والصفتان: السياسي ، والإسلامي له ، وكل مفهوم منها تتشابه التعريفات فيه بقدر ما تختلف وتتجاذب بقدر ما تتنافر ، وكل ذلك يضفى صعوبة ، بل صعوبات كثيرة على موضوع هذا الحقل .
ويضاف إلى ذلك أن علوم الأمة بحكم علاقاتها التكاملية تتأبى على الفواصل الجامدة القاطعة التى تعزل كل علم بعيدًا عن الآخر ؛ لذلك يظل في كل منها – رغم تميزه في موضوعه العام- ما يشده إلى الآخر ، وما يربطه به ويصله ، ثم إن العلوم النظرية -ومنها الفكر السياسي الإسلامي – لا يستطيع علم منها الادعاء أنه وحده المختص بموضوع معين بشكل مطلق دون غيره ، خاصة في ضوء قابلية هذا الموضوع لأن تتجاذبه أطراف علوم أخرى ، فالسلطة ليست حكرًا على النظم السياسية ، أو على النظرية ، أو على الفكر ، أو على غيرها من العلوم السياسية ، وإن تميز كل علم عن الآخر في صبغها _ أى السلطة _ بخصائصه واقتراباته المنهاجية والمعرفية.
وتبقي سمة خاصة بالفكر السياسي الإسلامي تجعل من قضية تعريفه مسألة نسبية : وهي أن كثيرًا من رواده -خاصة من شوامخه – يصعب أن نشدهم فقط إلى هذا الفكر ، في الوقت الذي تشدهم فيه معارف أخرى ، كانت لهم إبداعاتهم فيها ورياداتهم لها؛ ولذلك جاز وصف هؤلاء الرواد بالمفكرين ، والفقهاء ، والمحدثين ، والمفسرين ، والمؤرخين ، إلى غير ذلك من أوصاف وصفات يمكن أن تجد محلاًّ واضحًا في أمثال الماوردي والغزالي ، وابن تيمية، وغيرهم .
إزاء ما سبق يكون تحديد مفهوم الفكر السياسي الإسلامي عملية استرشادية كاشفة لما يمكن أن يشكل المحتوى المعرفي والعلمي العام له ، وإن لم يكن الدقيق التفصيلي ، والمحتوى المعرفي والعلمي الغالب فيه والمهيمن عليه، وإن لم يكن الشامل القاطع ، وهذه العملية _ تحديد المفهوم _ ضرورية إذن؛ لأنه بدونها لن تعرف الفواصل العامة بين هذا الحقل المعرفي وغيره، حتى الذي يشاركه في الصفتين: السياسية والإسلامية ، الأمر الذي قد ينطوى من ناحية على اختلاطه والتباسه، ومن ثم تبديده ، وينطوى من الناحية الأخرى على إيقاع القائم بتدريسه في حرج التدريس لحقل بلا موضوع واضح ، ولمعرفة بدون سياق منهاجي ، وقد تتعقد العملية التدريسية للحقل إذا كان القائم بالتدريس _ وهناك أمثلة كثيرة لذلك _ ليست لديه من آلة فهم الفكر السياسي الإسلامي وصناعته وبضاعته إن جاز التعبير _ ما قد يساعد على جمع مادة هذا الحقل ووضعها ضمن أولويات منطقية ، تجعل منها مادة متكاملة مترابطة قدر الإمكان ، وإن لم تكن الأكمل والأنسب في هذا السياق .
وهنا تلزم الإشارة إلى بعض القضايا الفرعية في تعريف الفكر السياسي الإسلامي كمقرر دراسي :
– وأولى هذه القضايا قضية الفارق بين اللفظ والمفهوم وبين المصطلح والحقل المعرفي حال دراسة الفكر السياسي الإسلامي(4) ، والقضية أبعد من أن تكون مجرد قضية لغوية أو فلسفية ، ولا ينبغي أن يكون المدخل الوحيد في بيان هذا الفارق الدخول في جدالات معرفية حول ما ذكره اللغويون والمناطقة عن اللفظ والمفهوم ، والمصطلح ، والمعرفة ؛ كذلك لا ينبغي أن يكون المدخل في بيان هذا الفارق قطع الصلة بين هذه الرباعية في التعبير عن هذا الفكر .
ودون دخول في تفاصيل التعريفات في كل واحدة من هذه الرباعية المعرفية يمكن القول: إن اللفظ في الفكر السياسي الإسلامي قد يقف عند كل مفردة من المفردات الثلاث فيه كمفهوم مركب، وهذه قد تكون عملية لازمة لمعرفة معاني كل لفظة مفردة، تمهيدًا لمعرفة كيف تأتلف وتتكامل لتكوِّن المفهوم فيه _ أي الفكر _ فإذا ما اتضحت حقيقة المعاني العامة للمفهوم الجامع بين المفردات الثلاث فيه ،ثم الاستقرار عليها خاصة بين دارسي الفكر وأنصاره ، صار المصطلح فيه ، وهو على هذا الحال أدعى لأن يجد المدافعون عنه كحقل معرفي من حقول المعرفة السياسية عامة ، والمعرفة السياسية الإسلامية خاصة، الحجة والبرهان في دعوتهم هذه ؛ ليس لأنه مفهوم صار مصطلحًا عليه بين الكثير من علماء الأمة ودارسيها فحسب ، وإنما لأنه لخصوصيته من هذه الناحية ، سبقت به جامعات عربية ، وغربية ، وجعلته مادة أساسية أحيانًا ، واختيارية أحيانًا أخرى ضمن مساقاتها _ موادها _ التدريسية ، وإن اختلفت في طريقة التدريس، تبعًا لاختلافها المعرفي من زوايا عديدة حوله.
حاصل القول مماسبق أنه يصعب فهم الفكر السياسي الإسلامي حقلاً معرفيًّا دون فهمه مصطلحًا معرفيًّا سياسيًّا ، ويصعب فهمه على هذا النحو الأخير دون فهمه مفهومًا سياسيًّا مركبًا، ويصعب أخيرًا فهمه بالتالي مفهومًا دون فهمه من خلال ألفاظه الفرعية الثلاثة ، وهذه المراحل المتعاقبة من الفهم يمكن أن نجد سوابق لها لدى علماء اللغة ، وعلماء الأصول، خاصة أصول الفقه ، وعلماء التعريفات كالأصفهاني والجرجاني ، بل وما ذكره بعض المفكرين أنفسهم في مصنفاتهم كالماوردي _ والغزالي ، وابن خلدون، وابن تيمية .
– وثانية القضايا تتعلق بضبط صفتى الموصوف في تعريف الفكر السياسي الإسلامي ؛ ذلك أن الفكر -كموصوف- يقصد به عامة إعمال الخاطر في الشيء والتمعن فيه على ما يذكر علماء اللغة ، فإن دخول الصفة الأولى (السياسي) يجعلها صفة مانعة لكل فكر غير سياسي ، وهذا يعنى أنها قد ضيقت الموصوف، أى منعت الجامع فيه وقيدته بالسياسي فقط ؛ لتكون خلاصة الفكر السياسي هنا كمفهوم هي إعمال الخاطر فيما له صلة بالظاهرة السياسية ، بما يستتبعه إعمال الخاطر من التدبر ، والتأمل ، والنظر ، والاعتبار ، وغير ذلك من عمليات ذهنية وعقلية تجريدية مرتبطة أساسًا بالفكرى أو النظمى أو الحركى _ أو بكل ذلك _ في الظاهرة السياسية(5) .
لكن إذا كانت صفة السياسي قد قيدت الجامع في الفكر من حيث منعت غير السياسي من الدخول فيه ، فإنها صارت جامعة لكل فكر سياسي ، أى أنها ضيقت في ناحية ، ووسعت في ناحية أخرى ، سرعان ما تضيق بدخول الصفة الثانية ، الإسلامي ، والحق أنها قيدت الجامع في الموصوف والسياسي معًا، مرة بمنع أي فكر غير سياسي ، ومرة بمنع أي فكر سياسي غير إسلامي من الدخول في المفهوم المصطلح ، وهذا يفضى إلى القول: إنه كلما زاد تحديد الموصوف بزيادة صفاته ، زاد تخصصه ، وتحدد موضوعه ، والعكس صحيح .
وتبرز هذه الحقيقة بصورة أكثر وضوحًا في الفكر السياسي الإسلامي ؛ إذ أن مجرد إضافة بعض الصفات للفكر بعد صفة الإسلامي فيه تكشف عن أنماط جديدة من أنماط هذا الفكر ، ويكفى أن نضيف صفات، مثل السنى، أو الشيعي ، أو السنى الحنبلي ، أو الشيعي الاثنى عشرى ، وهكذا لتتجسد هذه الأنماط ، لكن يبقى التساؤل : ما قيمة الإسلامي كصفة ضابطة للفكر السياسي؟ أو بعبارة أدق: متى يكون الفكر سياسيًّا؟ ومتى يكون الفكر السياسي إسلاميًّا ؟ سؤال له موضعه في الإجابة لاحقًا .
– وثالثة القضايا تدور حول العلاقة بين الفكر السياسي الإسلامي والتفكير السياسي الإسلامي ، إنها العلاقة بين الموصوفين الفكر والتفكير في الاصطلاحين ، والتى أحدثت _ وما زالت تحدث _ لبسًا وغموضًا في أفهام الذين يدرسون العطاء الفكرى السياسي للمسلمين مر ة باسم الفكر ، ومرة باسم التفكير ، خاصة حين يفحصون الخطط التدريسية لجامعات مختلفة بعضها تتحدث عن الفكر ، والبعض الآخر يتحدث عن التفكير ، فهل الفكر هو التفكير؟ هنا يبدو المرشد اللغوي مهمًا، ويصبح الرجوع إلى ما ذكرته مصنفاتهم لفصل المقال فيما بينهما من اتصال واجبًا .
والذي يورده الكثير منهم يؤكد أن كليهما بمعنى واحد هو إعمال الخاطر في الشيء والتأمل فيه ؛ ولذلك استخدمت بعض المراجع الفكر السياسي الإسلامي والتفكير بمعنى واحد ، كمترادفين ،وإن كان يبدو لي أن ثمة فارقًا جوهره أن الفكر عملية عقلية فطرية في الإنسان ، في حين أن التفكير عملية تنطوى على بعد إرادي يمكن للإنسان استدعاؤها والتحكم فيها أحيانًا ، ومن هنا يقترب التفكير من التفكر ، فدخول شاء التفعيل على الفكر في التفكر تجعله عملية عمدية مصطنعة _ أي مطلوبة ومستدعاة عن قصد _ ولذلك ورد في الكثير من الآيات القرآنية ما يحبذ التفكر ويدعو إليه ، كقوله تعالى {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْض} (آل عمران :191).
إذن هناك خيط دقيق يقرب بين الفكر والتفكير لدرجة الترادف، ويباعد بينهما وبين التفكر ، ومن ثم يجعل الأصدق في التعبير عما أبدعه العقل السياسي الإسلامي بخصوص الظاهرة السياسية ، وصحيح أن كثيرًا مما تمخض من هذا الإبداع حال صدوره عن أصحابه من المفكرين كان تفكرًا تكشف عنه السياقات التاريخية وتحليل النصوص الفكرية لهم ، خاصة مع أولئك الذين دخلوا منهم في معارك فقهية وفلسفية وكلامية متعلقة بوجه أو آخر بالشأن السياسي للمسلمين ، كالغزالي في بعض مصنفاته ، وابن تيمية في منهاج السنة ، إلا أننا لا نتعامل معه على هذه الصفة من التفكر ما دام قد استقر وأبدع فكرًا مودعًا في مصنفاته ؛ ذلك أننا لم نعايش الكثير من المفكرين ، وحتى لو عايشناهم لا نملك البينة القاطعة للحكم على الفكر والتفكر ، ومن ثم ليس لنا إلا المحصلة النهائية المعبرة عن أفكارهم التي هي الفكر .
– ورابعة القضايا خاصة بالعلاقة بين الفكر السياسي الإسلامي والأفكار السياسية الإسلامية ، وهنا وجه آخر من وجوه البلبلة في تدريس الفكر السياسي، هل نُدَّرس الفكر أم نُدَّرس الأفكار ؟ هذا يستلزم بدوره ضرورة أن يعي _ وليس مجرد أن يعرف _ الدارس العلاقة بين الفكر والأفكار ، وما يستتبعها؟
فأما العلاقة بينهما فهي علاقة الأبوة بالبنوة ، فالأفكار هي كما يقول ابن منظور وغيره من اللغويين: «بنات الفكر» أي هي النتاج العام له وخَلفَه ، فهي ما يتمخض عن الفكر ويتولد عنه، فلا فكر بدون أفكار ، ولا أفكار بدون فكر ، ولا وجود لأيهما بدون عقل مفكر ، إذن هناك مفكر ، وهناك فكر له ، وهناك أفكار جسدت هذا الفكر أو تجسده ، لكن هناك إضافة إلى ذلك صورة _ أو صور _ عامة تبدو من خلالها الأفكار وتتشكل بها.
وعليه فالذي يُدَّرس الفكر السياسي الإسلامي عليه أن يستحضر هذه الرباعية معًا حال الحديث عن عطائه في أي مجال ، العقل المفكر الذي عايش مؤثرات حضارية متعددة الأصول والمصادر، فتركت بصمات لا فكاك منها عليه ، والفكر الذي أخذ هذه البصمات فتأثر بها وأثر فيها ، وتفاعل معها وانفعل بها بصورة مثالية أقرب إلى الواقع ، أو بصورة واقعية أقرب إلى المثال ، والأفكار التى جاءت من مخاض الفكر ، وردود أفعال صاحبه تجاه واقعه الحضاري ، بصرف النظر عن مضمونها والمحتوى المعرفي والأخلاقي فيها ، ثم الصورة أو الصور العامة التى ظهرت فيها هذه الأفكار ، وقد تمخضت في آراء ، وتأملات ، أو تصورات ، أو اقتراحات ، أو حلول ، أو علامات استفهام ، أو انتقادات، أو تقويمات ، أو مراجعات ، أو ما عدا ذلك من صور النشاط العقلي التجريدي .
ومقتضى ذلك أمران:
أحدهما أن من يُدَّرس الفكر السياسي الإسلامي أو يُدَّرس الأفكار السياسية الإسلامية لا يستطيع أن يقتطع أيًّا منهما من السياقات الأربعة السابقة، وإن كان الفارق أنه في دراسة الفكر تأتي الأفكار، وصورتها لاحقة للحديث عنه ، أما في دراسة الأفكار فيأتي المفكر والفكر سابقين ، ويأتي الحديث عن صورة الأفكار لاحقة ، وبعبارة أخرى: إن الفارق هو في وحدة التحليل وبؤرته التى يجب البدء بدراستها وتدريسها، والتى هي الفكر في الفكر السياسي الإسلامي ، والأفكار في الأفكار السياسية الإسلامية ؛ ولذلك تفصيل لاحق.
والأمر الثاني أن اجتزاء الفكر السياسي الإسلامي وفصله عن مصادر إبداعه وعن أفكاره ، وصور هذه الأفكار ، أو اجتزاء الأفكار السياسية الإسلامية وفصلها عن مفكريها والصور العامة التى أودعوا عبرها هذه الأفكار في عملية التدريس كما يحدث أحيانًا في بعض الجامعات العربية ، هو اجتزاء _ في كلا الحالين _ لن يقدم صورة متكاملة عن طبيعة الفكر السياسي الإسلامي ، وفضلاً عما فيه من تشويه له ، وإظهاره وكأنه بدون أساس أو سياق حضاري ، فإن ذلك مقدمة للقدح في استمراريته ، وتراكمية عطاء رواده ، كما سلف ، ومن ثم للقدح في بعض من أخص صفاته ومميزاته .
– وخامسة القضايا تدور حول تمييز الفكر السياسي الإسلامي عن غيره من المصطلحات التى باتت حقولاً معرفية تشاركه في الصفتين: السياسية والإسلامية ، فدارس الفكر السياسي عامة يلزمه أن يعرف أن هناك مصطلحات لها من الصبغة التجريدية في بنيانها المعرفي الإسلامي ما يقود إلى تداخلها مع الفكر والامتزاج به ، ويقود في الوقت ذاته إلى تداخله معها وامتزاجه بها، مثل مصطلحات : النظرية السياسية الإسلامية ، والفقه السياسي الإسلامي ، والعقل السياسي الإسلامي ، والتراث السياسي الإسلامي، والثقافة السياسية الإسلامية، والإسلام السياسي ، والمذهب السياسي الإسلامي ، والعقيدة السياسية الإسلامية، إلى آخر ما شاع استخدامه كمصطلحات مترادفة(6) ، بحجة أن لا مشاحة في الاصطلاح ، وأورث حيرة وارتباكًا في دراسة الفكر السياسي الإسلامي وتدريسه ، ويساعد على ذلك أن جزءًا غير يسير من المراجع التى تناولت هذا الفكر من قريب أو بعيد ، وقعت في نفس الخطأ ، فالفكر فيها هو النظرية ، وهو التاريخ ، وهو الفقه ، وهو التراث ، وهكذا في عملية تبديد _ مقصود أو غير مقصود _ للمصطلحات، وللمصطلحات التى يجاهد المدافعون عنها في تثبيت حقائقها كحقول معرفية.
إذن نحن في تحديد دلالات المفهوم _ الفكر _ مادة التدريس أمام مسألتين: بيان معانيه ومحتواه في ذاته من خلال مكوناته المفهومية الثلاثة كما سبق ، وبيان مدى تمايزه في هذه المعاني وذلك المحتوى عن غيره من المصطلحات الأخرى التى تربطه بها وتربطها به وشائج قربى سياسية إسلامية ، والتمايز والتمييز بينه وبينها رغم صعوبته لاشتراكه معها في هذه الوشائج ، ولأن كلاًّ منها يتعلق بالظاهرة السياسية ، بشكل أو بآخر ، وينطلق من تجريد هذه الظاهرة والتأمل فيها ، ويتناول جانبًا من جوانبها ، إلا أنهما تمايز وتمييز لا غنى عنهما ، ليس بحكم أن اختلاف الموصوف في كل مصطلح يستوجب اختلاف مضمون الصفتين السياسية والإسلامية فيه ، وإنما لحسم مادة الفوضى في استعمال المفاهيم والمصطلحات المختلفة كمترادفات ، بما يعنيه ذلك من الحفاظ عليها من سوء التوظيف ، والحفاظ على ما استقر عليه علماء المسلمين من السلف والخلف في ضبط المصطلحات وتعريفاتها ، وقطع دابر المؤاخذات على المسلمين؛ حيث يتهمون بأنهم يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يقولون عن علاقة العلوم والمعارف ، وما يحكم هذه العلاقة من ضوابط وحدود .
– والقضية الفرعية الأخيرة في قضية تعريف الفكر السياسي الإسلامي خاصة بتحديد المرجعية الإسلامية لترجمة صفة الإسلامي في هذا التعريف ، وهنا سنجد أكثر من توجه في هذا الصدد ، نجدها في استخدام أسماء متعددة للدلالة على هذا الحقل، منها، بالإضافة إلى الشائع وهو الفكر السياسي الإسلامي ، الفكر السياسي في الإسلام ، الفكر السياسي المسلم ، الفكر السياسي عند علماء المسلمين ، الفكر السياسي للمسلمين ، وكل يثير جدالاً معرفيًّا ومنهاجيًّا(7) .
ثالثًا : قضية المستويين الرأسي والأفقي في عملية تدريس الفكر السياسي الإسلامي
تلزم التفرقة بداية بين الشكل الذي تتم من خلاله عملية التدريس وبين المنهج المتبع في هذا الشكل ، إنها التفرقة بين طريقة التدريس ومنهجها ، وهو فرق لا يفترض التفارق قدر ما ينبني على التآزر ، فالشكل يحدد كيفية المسار التدريسي ، والمنهج ينفذ هذا المسار ، ويسير في ركابه، والحديث عن المنهج سيأتي في القضية التالية ، وسنقف هنا عند قضية الشكل في التدريس ، وهو غالبًا ما يتمخض عن مستويين ، أحدهما يمكن تسميته بالشكل الرأسي ، والآخر يمكن تسميته بالشكل الأفقي ، فما معنى كل منهما ؟ وما هي الحالات التى ترجح أحدهما على الآخر دراسيًّا؟
أما المستوى الرأسي فيعنى التتبع التاريخي التصاعدي للفكر السياسي الإسلامي عبر تطوراته التاريخية المختلفة قديمًا ووسيطًا ، وحديثًا ، ومعاصرًا ، وهذا يعني :
1_ أن يتم الحفاظ على السياق الزمنى في تدريس هذا الفكر ، فلا يسبق تطور زمنى تطورًا آخر ، ولا يسبق مفكر في تطور لاحق مفكرًا في تطور سابق ، فلا يأتي على سبيل المثال تدريس ابن تيمية قبل الفارابي ، ولا يأتي الإخوان المسلمون قبل المعتزلة ، ولا تدرس واقعة البيعة ليزيد بن معاوية، قبل واقعة البيعة لأبي بكر كخليفة أول (t) ، وهكذا في بقية المصادر الفكرية.
2_ إن وحدة التحليل في التدريس هو مصدر الأفكار _ فردًا أم جماعة أم حركة _ ومن ثم تأتي الأفكار لاحقة ، فلا يتم القفز على مصدر الفكرة أو تجاهله ؛ ليس لأنه الواجهة الأولى في التعرف على الأفكار ،وإنما لأنه فوق ذلك هو الذي سيقف في صف الترتيب التصاعدى _ حسب مقتضيات المستوى الرأسي _ أيًّا كان موقعه قبل غيره أو بعده، وليس الأفكار ، أي أن مصدر الأفكار يأتي أولاً ، لكن مجيئه _كشخص أو جماعة _ يتم وقد صاحبته أفكاره ، لاحقة له ، لا سابقه عليه.
3_ أن ذكر البيئة الحضارية ، بكل ما اعتمل فيها من مؤثرات متنوعة فرضت نفسها على مصدر الأفكار ، من الأهمية بمكان لمعرفة الظروف التى أينعت هذا المصدر ، فأينعت أفكاره ، فالمفكر والفكر والأفكار ، وصورها _ كما سلف _ امتدادات شرعية للواقع الذي احتضن كل ذلك ، فصبغها بصبغته ، وإن لم تعد إليه مرة أخرى أحيانًا ، كشأن الأفكار المثالية.
4_ أن اللجوء إلى نظام العينة في التدريس الرأسي لا خيار فيه؛ إذ تصعب دراسة كل المفكرين وكل أفكارهم ، وكل الحركات وكل أفكارها ، وكل الفرق وكل أفكارها ، وكل الجماعات وكل أفكارها ، وكذلك كل الأحزاب وكل أفكارها ، وإلا استغرق ذلك وقتًا غير محدد ، ورصدًا تفصيليًّا لكل مصادر الفكر ، ورصدًا لكل الأفكار بالتالي ، وذلك فوق أنه خارج الطاقة إلا أنه غير متاح أو مسموح به ؛ ولذلك يكتفى بالأشهر من النماذج الفكرية ، أو الأكثر مما دُرِج على تدريسه ودراسته ، مع الحفاظ على التسلسل الزمنى بينها .
5_ كذلك فإن اللجوء إلى الإيجاز والتلخيص حتى في العينة المختارة في التدريس الرأسي يصير من لزوم ما يلزم، وغالبًا ما يتخذ ذلك نمط التركيز على الفكرة المحورية لكل مفكر أو حركة أو جماعة ، وربط الأفكار الفرعية الأخرى بها ، وتقديم خلاصة عامة لمدى مساهمة المصدر الفكرى في الفكر السياسي ، كأن يتم التركيز على المدينة الفاضلة في فكر الفارابي ، وجعل الأفكار الأخرى تدور حولها ، وكذلك الأمر مع الخلافة عند الماوردي ، والعصبية عند ابن خلدون ، والسياسة الشرعية عند ابن تيمية .
هذه الطريقة الرأسية في التدريس تفرضها حالات هي الأنسب لتفضيلها على الطريقة الأفقية، ومن هذه الحالات:
أ _ حالة وقوف عملية التدريس عند مستوى أولى يراد فيه إعطاء لمحة عامة ، ومقدمات تمهيدية عن تطور الفكر السياسي الإسلامي ،وقضاياه ، ورواده، بشكل تسهل متابعته ، ويسهل فهمه واستيعابه دون عناء أو تعقيد ، أو تشتيت الجهد والوقت .
ب _ حالة عدم الرغبة في الدخول في إطار تنظيري متعمق للفكر، يزاوج بين النظرية السياسية والفكر السياسي ؛ من حيث الرجوع بالأفكار التى عرضها المفكرون إلى أصولها التنظيرية ، وأبعادها السياسية التى تناولتها دراسات التنظير السياسي ، تعميقًا لها وتأصيلاً ، فالأمر لا يحتمل ، والمقام التدريسي لا يتسع لذلك .
ج _ حالة ما إذا كان الهدف المسيطر على تدريس المادة هو تتبع تطور الفكر، ورصد مدى التراكم المعرفي بين تطوراته، وبين مصادر الفكر المختلفة في هذه التطورات ، مما يفرض استقصاءً زمنيًّا ، يعنى بالتسلسل الزمنى للفكر والأفكار ، ومن صدرت عنهم ، حتى في حالة الانتقاء والاختيار الحتميين كما سبق .
د _ حالة ما إذا كانت هناك فرص أخرى لتدريس الفكر السياسي الإسلامي في الفصول الدراسية اللاحقة للطلاب ، أو في المراحل الأكثر تخصصًا وارتقاءً في العملية التدريسية ، فيكون اللجوء إلى المستوى الرأسي هو إجمال لم يتم تفصيله ، وفتحًا للشهية لوجبة _ وربما وجبات _ أكثر دسامة في الفكر ، شريطة التنسيق والتوافق بين الخطط الدراسية في كل مرحلة ، والتنسيق بين القائمين بالتدريس كما سبق .
هـ _ حالة ما إذا كانت المقارنة غير مُعَوَّل عليها كثيرًا في التدريس اكتفاءً بالعرض الوصفى التاريخي ، أوبالشكل الأولى للمقارنة _ على ما سيرد _ الذي يرمى إلى تعريف الطالب ببعض وجوه المقابلة بين المفكرين، وإنماء الحاسة النقدية له ، كأن يعرَّف بأن فكرة الإنسان المدني لم يسبق بها ابن خلدون، بل سبقه بها الفارابي والغزالي ، وأن العدل لم يسبق به المعتزلة ، وإنما سبقهم في تأصيل الفكرة والمفهوم الماوردي ، وابن أبي الربيع ، وبعض الفرق الإسلامية الأخرى.
و_ حالة ما إذا كان الالتحاق بمقرر الفكر السياسي الإسلامي قد جاء بسبب كونه مادة استدراكية ، أو تكميلية ، لمرحلة الدراسات العليا، أو للتسجيل لرسالة الماجستير ، أو لرسالة الدكتوراه ، فلا يعقل أن تقدم دراسة متعمقة للمقرر لطالب غير متخصص فيها، ولا ينوى التخصص فيها، أو لطالب سجل بالفعل رسالته العلمية في موضوع يدخل في نطاق حقل العلاقات الدولية ، أو حقل السياسة الخارجية.
أما المستوى الأفقي في تدريس الفكر السياسي الإسلامي فهو أكثر تطورًا وتحليلاً ، وأكثر انعتاقًا من أسر التتبع التاريخي الوصفى للفكر السياسي ، مرحلة مرحلة ، وتطورًا تطورًا ، من حيث يتأسس على اكتشاف الأفكار الرئيسية التى سيطرت على كل تطور ، وأينعت فيه(8) ، وجعل كل فكرة تستدعي مجموعة المصادر الفكرية التى تعرضت لها بصرف النظر عن الممثل لكل مصدر _ فرد أم جماعة _ ما دامت الفكرة قد احتلت مكانة محورية فيه ، وهذا يعنى بدوره :
(1) أن اللجوء إلى التاريخ يكون لتحديد بداية حديث الفكر عن الفكرة، وتحديد ترتيب سياق تناولها بين المصادر الفكرية ، فحين ندرس فكرة الحسبة تستدعي الأسبق فالأسبق زمنيًّا لها ، فهناك الماوردي ، وهناك الغزالي ، وابن الأخوة ، وأبو يعلي ، وابن خلدون، وابن تيمية ، ثم نستعرض تناول كل منهم لها ، حسب المنهج المقارن ، الأنسب كما سيرد ، لهذا المستوى .
(2) أن وحدة التحليل هي الفكرة ، وهي محوره ، وقد تم تدويرها بين من تصدى لها ، لكن الفكرة هنا ليست عامة ، وإلا كنا بصدد دراستها من مدخل التنظير السياسي ، بل هي فكرة مشخصة ، أي منسوبة إلى شخص، فردًا أو جماعة ، سبق بها غيره ، وربما كرر بها أفكار وآراء هذا الغير ، خاصة من السابقين عليه .
(3) أنه يستحسن في هذا المستوى الاستفادة -رغم ما سبق- من مداخل التنظير السياسي في تأصيل الفكرة ، أو الأفكار المختارة ضمن برنامج التدريس، فالتنظير ضروري؛ لأنه يساعد في تحليل الفكرة أو الأفكار ، وتسليط الأضواء على الأبعاد المعرفية المتعددة فيها، وهذا مهم بصفة خاصة في عملية المقارنة من حيث نص هذه الأبعاد بمثابة محكات أولية للمقارنة بين المصادر الفكرية ، فتنظير فكرة البيعة لمعرفة أبعادها المختلفة قد يكون ضروريًّا ومهمًّا قبل معرفة رأي أهل السنة والشيعة ، والخوارج ، ثم المعتزلة فيها .
(4) أن العودة إلى فكرة العينة في التدريس الرأسي تظل سارية في التدريس الأفقي، ولكن ليس مع المفكرين مباشرة ، وإنما مع الأفكار ، فالعينة في المستوى الأول تحدد المفكرين ومن خلالهم تتحدد أفكارهم ، والعينة في المستوى الثاني تحدد الأفكار ، ومن خلالها يتحدد روادها، ومقتضى ما سبق استبعاد بعض الأفكار ، والتعويل على بعضها الآخر ، وهنا تطبق قاعدة الأهم والأنسب والأرسخ في التعبير عن سلسلة تطور الأفكار السياسية الإسلامية ، وهناك من الأفكار ما يعد بمثابة الأصول والثوابت ، والكاشفات عن الخصوصية في الفكر السياسي الإسلامي كالخلافة ، والبيعة ، والعدل والشورى ، والتوحيد، مما سبقت به المصادر الفكرية القديمة والوسيطة ، والدولة ، والشرعية ، والتعددية ، إلى آخره؛ مما لحقت به المصادر الفكرية الحديثة والمعاصرة ، ومثل هذه الأفكار لا يمكن تجاوزها بحال ، وإلا كان هناك قصور في عرض الأفكار المحورية في الفكر السياسي الإسلامي .
(5) أن هناك قدرًا من التحرر من ضبط البيئة الحضارية للفكر السياسي ، ما لم يكن مدخل سيرة الفكرة أساسيًّا في تحليل الأفكار والمقارنة بينها ، هنا نلاحظ أن العودة إلى البيئة هي عودة استثنائية ، واستئناسية حين أن العودة إليها في التدريس الرأسي أصلية وضابطة؛ لأنه بدونها لن يتم الرصد المسحي للمصدر الفكرى ولسيرته .
لكن كما أن للتدريس في المستوى السابق حالات تدعو إليه وتندبه فكذلك التدريس الأفقي له حالاته هو الآخر، ومنها :
أ _ حالة اتباع منهج متقدم في التدريس يحتاج مزيدًا من الوعي المنهاجي من دارسي الفكر أساتذة وطلابًا ، ويعتمد أساسًا على جوامع الأفكار ، والأفكار الجوامع، أي التى تجمع بين أكثر من مصدر فكرى ، وليس البحث عن الأفكار الفردية ، أو التفردية ، أي التى تفرد بها مصدر دون غيره ، وظلت لصيقة به ، كالعصبية في فكر ابن خلدون ، والقوة والأمانة في الولاية في فكر ابن تيمية ، والتكفير في فكر بعض الجماعات المعاصرة .
ب _حالة الرغبة في تعريف الطلاب مدى الصلة بين النظرية السياسية وبين الفكر السياسي، خاصة في المنظور الإسلامي ، وكيف يمكن أن يخدم كل منهما الآخر فيه ، غير أن هذا يفترض بداهة وأوليًّا أن يكون القائم بالتدريس ملمًّا بمقدمات أساسية في النظرية السياسية ، ولديه وعي منهاجي بالفارق بينها وبين الفكر ، وبالحد الأدني الواجب إعطاؤه للطلاب؛ ليفيدهم في دراستهم للفكر ، وإلا انتقل بالتدريس من حقل الفكر إلى حقل النظرية ، وثمة شواهد لذلك حدثت بالفعل في بعض الجامعات .
جـ _ حالة إرادة الارتقاء بأفهام الطلاب لتكوين عقليات ناضجة ، وأكثر قدرة على النقد والتمحيص والبحث وجمع الأسانيد في الأفكار وتقويمها ، ذلك أن التدريس الأفقي بطبيعته يفترض في الطالب اليقظة الدائمة ليعرف كيف يجمع الفكرة الواحدة من أكثر من مصدر فكري واحد ، وكيف يمكن أن يفرق بين هذه المصادر، وهذا مهم في التدريب على المقارنة المنهاجية ، كما سيرد .
د _ حالة الرغبة في تجديد العملية التدريسية ، والخروج من الإطار التقليدي للطريقة الرأسية الأكثر شهرة واتباعًا في الكثير من الجامعات ، والتجديد هنا لا ينبغي أن يكون مجرد دعوى عارضة ، قدر صدوره عن رغبة جادة في إعادة النظر فيما جرى عليه العمل في تدريس هذه الفكرة ؛ ليكون في النهاية تجديدًا في عرض مصادره ، وتجديدًا في عرض منهاجه ، وتجديدًا في النماذج المختارة للتعبير عنه، وتجديدًا في إعادة الاعتبار للمصادر الفكرية ، وللأسماء التى ما زالت مُجهَّلة قديمًا وحديثًا من المفكرين المسلمين الذين قُدِّر لهم الإهمال والتجاهل حتى الآن ، رغم أنهم في جامعات غير عربية يحظون بالدراسة والتحليل ، والأمثلة في هذا الصدد أكثر من أن تحصى .
هـ _ حالة الانطلاق من المقارنة كأساس في التدريس ، ففي المقارنة كما سيرد تختار الفكرة أو بعض الأفكار ، وتصير مدارًا للمقابلة بين مفكر وآخر ، أو بين حركة وأخرى ، أو بين فرقة والثانية ، إذن ففي المقارنة الفكرة هي الأساس ، وفي التدريس الأفقي الفكرة هي الأساس ، ومن هنا يحدث التلازم والتناسب بين المقارنة وبين طريقة التدريس ، وإن كان يصعب إجراء المقارنة إحيانًا حين تتعدد المصادر الفكرية بخصوص الفكرة الواحدة ، ففكرة مثل فكرة نظام الحكم لم يخل مصدر فكرى تقريبًا قديمًا وحديثًا من تناولها والتعرض لها، فكيف تجرى المقارنة، في ظل هذا التعدد، بل إن فكرة كالوزارة تكلم فيها كثيرون كالماوردي وأبي يعلي ، والغزالي ، والطرطوشي ، وابن خلدون، وغيرهم ، فكيف نقارن بينهم ؟ ما لم يتم تضييق نماذج المقارنة، أو إجراؤها على مراحل بينها ، وهل يمكن القيام بذلك أصلاً ؟
و _ حالة ما إذا كان المتلقى للتدريس من الطلاب ينوى التخصص في الفكر السياسي الإسلامي ، أوسجل رسالته العلمية في أحد موضوعاته أو قضاياه أو أفكاره ، أو أحد رواده ، واستلزم الأمر كدراسة تكميلية ، أو استدراكية أن يختار هذا المقرر، هنا يفيده التعمق وإعمال العقل في المقرر ، والتعود على المقارنات ، وتحليل الأفكار من خلالها، أكثر مما يفيده المسح الوصفى لتطورات الفكر التى ربما يكون درسها في مراحل تعليمية سابقة.
ذلك كان خبر المستويين المتقابلين غالبًا في تدريس الفكر السياسي الإسلامي ، تعريفًا بهما ، وبالحالات التى ترجح تفضيل أحدهما على الآخر، والتساؤل المثار هنا ، أليس ثمة وسط يجمع بين المستويين أحيانًا ، فتكون المحصلة مستوى ثالثًا بينهما، ويستفيد منهما، واقع الخبرة التدريسية يؤكد أن التقابل بين هذين المستويين لا يعني التضاد وعدم الالتقاء ، فثمة مظان للقاء بينهما يمكن أن يخدم التدريس ، بل يمكن أن تفرضه ظروف التدريس، ألم يسبق القول إن بعض الطلاب في مرحلة الدراسات العليا قد يدرسون هذا المقرر لأول مرة ، وأن ذلك يحتاج من القائم بالتدريس أن يعهد لهم بمقدمات تمهيدية، قبل أن يدخل في نظرية الفكر الأنسب لهذه المرحلة .
معنى ذلك أن الحالة السابقة من الحالات التى توفق بين الرأسي والأفقي في التدريس وتستدعيهما معًا ، فمرحلة المقدمات تكون محلاًّ للمستوى الرأسي، ومرحلة النظرية تكون مناسبة للمستوى الآخر ، وإن اتسعت بالطبع مساحة توظيف هذا المستوى الأفقي .
رابعًا : قضية المنهج في تدريس
الفكر السياسي الإسلامي
إذا تحدد محتوى ما يتم تدريسه في الفكر السياسي الإسلامي ، بصرف النظر عن مستوى التدريس رأسيًّا أو أفقيًّا كما ورد آنفًا ، فذلك أول الطريق لتحديد المنهج في تدريس هذا المحتوى ؛ لأننا صرنا بهذا الشكل أمام موضوع واضح قدر الإمكان ، ولو في شكله العام ، والعلم بموضوعه، ولا موضوع بلا منهج ؛ لأن المنهج هو الطريقة الموصلة إلى إدراك وفهم حقيقة هذا الموضوع ، وخطوات الاقتراب منه ، لكن المنهج من ناحية أخرى ينبني على مفاهيم بينها علاقات وتفاعلات وارتباطات ، وهذه لا تُبنى، ومن ثم لا يبنى منهجها إلا من خلال إطار مرجعي ، هو بمثابة المصادر للفكر السياسي الإسلامي .
فقضية المنهج ليست من شكليات دراسة الفكر _ أو غيره من الحقول المعرفية _ أو تدريسه ، وإنما هي من ضروراته وأولوياته ، فموضوع بلا منهج لا قيمة له في ذاته ، ولا فائدة ترتجى منه، أو تنتظر(8) .
ونظرًا لما يكتنف تدريس هذا الفكر من صعوبات واختلافات يصبح المنهج فاصلاً في التصدي للكثير منها ، ومدخلاً لحسم مادة التباين والنزاع. وأنسب المناهج لعلم ما هو ما ينبع من طبيعة موضوع هذا العلم ؛ ذلك أن لكل موضوع منهجه ، ولكل منهج مفاهيمه التي يقترب بها من الموضوع ، ومن ثم يصير الأنسب من المناهج لدراسة الفكر السياسي الإسلامي وتدريسه هو ما يحقق التكامل في كشف معاني ودلالات الثلاثية المفهومية في اسمه، وكشف طبيعة الصبغة الإسلامية فيها، وما تفرضه على الموصوف والصفة الأولى له.
ومن هذه الناحية يجد دارس الفكر السياسي الإسلامي نفسه أمام ثلاثة ثغور، كل منها يحتاج إلى ما يبين طبيعتها واحتياجاتها قبل المرابطة فيها والدفاع عنها.
الثغر الأول يمثله التاريخ مستودع تطور إيناعات هذا الفكر وتراكماته.
والثغر الثاني هو النصوص الفكرية التى رصدها التاريخ في مختلف تطوراته وسجلها ، على تعددها وكثرتها.
والثغر الثالث هو الأشكال المختلفة أحيانًا والمتشابهة أحيانًا أخرى ، والتى جاءت على هيئتها النصوص ، وتأطرت بها في تنوعات ، قل أن يوجد لها مثيل في التراث الفكري الحضاري غير الإسلامي .
هذه الثغور الثلاثة يتبين من طبيعة كل منها أنها تتمخض عن ثلاثة مناهج متكاملة يجب أن تكون في المقدمة منهاجيًّا في تدريس الفكر السياسي الإسلامي ، في قضاياه وتفصيلاته(9) .
المنهج التاريخي ليس على معنى السرد والوصف وذكر الوقائع والأحداث في قصص وحكايات ، وإنما على معنى إخراج النص الفكري بعد التحقق منه ، ومن سياقه الزماني والمكاني ، والتحقق من صحة انتسابه إلى مصدره ، وهي عملية متعددة المراحل ، تحديد المصادر التاريخية الكبرى التى تحدثت عن النصوص الفكرية موضع التدريس وموضوعه ، ثم التثبت من مصداقيتها فيما نقلته من هذه النصوص ، ثم حصر الروايات المتعددة حول النصوص ، ثم استبعاد الروايات غير الصحيحة أو الناقصة ، ثم حصر الروايات الصحيحة وفرزها ، ثم الترجيح بين هذه الروايات ، ثم محاولة التوفيق بينها والجمع إن تعذر الترجيح، ثم بعد ذلك يأتي تحليل النصوص التى تم التأكد منها عبر المراحل السالفة وقراءتها حسب سياق كل منها وطبيعته.
هنا يتمايز التوظيف المنهاجي السياسي للتاريخ عن التوظيف التاريخي له ، ويختلف تدريس العلوم السياسة عن تدريس غيره ، بمن فيهم المؤرخ ، رغم ما في هذا التوظيف من محاذر ومزالق وصعوبات ، ورغم ما في مراحله السابقة من إشكاليات ، قد تستعصى على الحلول بادي الرأي أحيانًا ، يكفي أن نذكر على سبيل المثال الروايات التى أوردت النصوص الفكرية حول بعض الوقائع السياسية في تاريخ المسلمين كواقعة الفتنة الكبرى وواقعة التحكيم في صدر الإسلام .
يأتي منهج تحليل النصوص ليكمل مسيرة المنهج التاريخي من حيث بيان محتوى النصوص من فكر وأفكار وصور لهذه الأفكار ، وربما يبين في الوقت ذاته السياق الحضاري الذي عايشه صاحبه ودفعه إلى تسجيل هذا النص منفردًا ، أو ضمن نصوص أخرى غيره ، لكن كيف تتم قراءة النص وتحليله ؟
هناك في الواقع أربع مستويات للقراءة التحليلية للنص سبق الاجتهاد فيها وتناولها في مواضع أخرى ، ولا بأس من عرضها هنا بإيجاز.
المستوى الأول هو القراءة المباشرة للنص التى تستخرج ما يجود به النص ويقوله لأول وهلة ، دون إعمال فكر أو اجتهاد لاستخلاص مضمونه وأفكاره.
ومستوى القراءة غير المباشرة، أي قراءة ما يقوله النص بعد إعمال الفكر والعقل في المستتر فيه، وينص عليه؛ ولذلك فهو يحتمله ولا يُحمَّل به ، أو يحسب عليه.
ومستوى القراءة غير المباشرة أي قراءة ما لم يقله النص، ولكن أراد قوله بصورة غير مباشرة ، أي أن النص يحتمل استنتاجات ، هي منه ، وإن لم يتضمنها، وهي ليست إضافة عليه بل استمداد منه.
ومستوى قراءة ما يستفاد من النص؛ لاستخلاص العبر المستترة خلفه ، ونقل معانيه من الإطار الحضاري الذي انبثق منه إلى إطار حضاري جديد يستلهم هذه المعاني ويستفيد منها ، كدأب علماء الحديث النبوي ، وشراح السنة الصحيحة في قراءة ما يستفاد من نصوص الأحاديث والسنة النبوية ، وكذلك فعل ابن حجر العسقلاني في شرحه «فتح الباري» للإمام البخاري.
هذه القراءات الأربع رغم وضوح مسالكها وضوابطها، فإنه قد تدخل عليها قراءات تكميلية . وليس فيها من التكميل إلا الزعم _ قد تذهب بجوهر النص ومعانيه ، كالقراءة المتحيزة الحاملة على النص ، أو الحاملة له ، والقراءة القانصة الانتقائية التى تقتنص من النص بعض ما فيه وتترك بعضه الآخر، والقراءة المجزئة للنص التى تقرأه بصورة تفكيكية وليس كموضوع أو كوحدة موضوعية واحدة متكاملة ، والقراءة المذهبية التى تلون النص بما يريده القارئ نفسه حسب المذهب الذي يعتنقه أيًّا كانت صفته ، والقراءة الناقصة ، أي التى تدور بغير آلة القراءة، فلا تعرف متى تقرأ ولا ماذا تقرأ ولا حدود ما تقرأ ، ولا كيف تقرأ، والقراءة المستهجنة أي التى تدور في غير سياق النص وبيئته ، وتبعد عن الجو العام للنص الذي يحيط به جوانبه المختلفة.
وأخيرًا يأتي المنهج المقارن ليكمل المنهجين السالفين ، وهو من أنسب المناهج لدراسة الفكر السياسي بصفة عامة، وتدريسه ، إن لم يكن أنسبها على الإطلاق؛ لأنه يحدث مقابلة بين الفكر والفكر الآخر ، وبموجبها تستطيع تمييز أوجه التشابه وأوجه الاختلاف بينهما ، ومن ثم تمييز الأكثر سبقًا بالأفكار منهما عن الآخر ، والأكثر أصالة في التعبير عنها عن الآخر، والأكثر شمولية في تناولها وتحليلها، ورغم ذلك فهو أندر المناهج في دراسة الفكر وتدريسه ؛ لصعوبة استيعابه ، وتوظيفه من قبل الطلاب إلا بعد تدريبات كثيرة ، وتمرينات عديدة ، وتزداد هذه الصعوبة في الفكر السياسي الإسلامي ؛ لتنوع مصادره وتشعبها ، وانتشارها بثراء على الخريطة الزمنية لتطوره ، ولخصوصية نصوصه ، وخصوصية الإطار المرجعي الإسلامي فيها .
لأجل ذلك كان ضروريًّا المرور بالمقارنة عبر مراحل ثلاثة حتى ترتقى بالطلاب إلى حيث الأهداف المرجوة من تدريس هذا الفكر، مرحلة المقارنة الوصفية ، ومرحلة المقارنة الجدولية ، ومرحلة المقارنة المنهاجية التحليلية .
– فالمقارنة الوصفية تقف بالطالب عند حدود أن يعرض للأفكار كما وردت عند أصحابها ، فيتناول سردًا ما ذكره الأسبق من المفكرين في الفكرة أو الأفكار موضع المقارنة ، ثم يتبع ذلك بما ذكره من يليه زمانيًّا ، كأن يتحدث عن العدل عند الغزالي ، ثم يتحدث عن العدل عن الأفغاني مثلاً ، أو يذكر ما قاله أهل السنة عن البيعة ، ثم يورد ما قالته الشيعة، وهكذا، المهم أن يكون هناك مناط يسمح بإيراد ما ورد في الفكرة أو الأفكار بين أكثر من مصدر فكري واحد .
– أما المقارنة الجدولية فهي أرقى قليلاً من سابقتها، من حيث تقف بالطالب عند عمل محكات للمقارنة تنبع من الفكرة أو الأفكار موضوع المقارنة _وهو المفتقد في المقارنة الوصفية _ ثم يذكر رأي كل مفكر أو جماعة أو حركة فيها ، هنا يخطط الطالب جدولاً على الورق للمقارنة من ثلاثة أعمدة بثلاثة عناوين؛ الأول يضع فيه محك المقارنة ، والثاني يضع فيه المفكر أو الحركة أو الجماعة الأول أو الأولى ، والثالث يضع فيه المفكر أو الحركة أو الجماعة الثاني ، أو الثانية ، وتحت كل عنوان في الأعمدة يورد ما يراه الأنسب في سياقه .
– وهذا الشكل ربما تعود عليه الطالب في المرحلة قبل الجامعية فيراد تذكيره به، وتنشيط عقله للتدرب عليه؛ تمهيدًا لشكل آخر أكثر ارتقاءًا هو شكل المقارنة المنهاجية التحليلية التى تتضح فيه عملية المقابلة والمواجهة بين الأفكار جوهر المقارنة ؛ لاستخلاص أوجه التشابه وأوجه الاختلاف ، وهو المفتقد في الشكلين الأول والثاني من المقارنة ؛ لأنهما يفترضان أن يقوم القارئ باستخلاص التشابه والاختلاف في الأفكار ، أما في هذا الشكل فليس ثمة وقوف عند وصف الأفكار ورصد ما قال أصحابها بإطلاق ، وإنما من خلال مواجهة بعضهم ببعض ، وهذا يستدعى عمل محكات للمقارنة داخل كل فكرة _كالشكل الثاني _ يحتكم إليها في إجراء المقارنة ، ويسترشد بها، ويذكر أين مناط الاتفاق ومناط الاختلاف في كل منها ، هنا الطالب يقوم بالمقارنة ، بعد أن تعود عليها وتدرب .
فمثلاً لو أراد طالب أن يدرس من خلال هذا الشكل الأخير للمقارنة فكرة القوة بين كل من الغزالي ، وابن تيمية ، ومحمد عبده ، عليه أن يبنى محكات للقوة نابعة منها في حدود المشترك العام بين ثلاثتهم ، مثل تعريف القوة ، وضرورتها ، وركائزها ، وقيودها ، إلى آخره ، ثم يستعرض كل محك ويعرضه عليهم ، ثم يبين أين التلاقي بينهم في هذا المحك ، وأين الاختلاف ، وهكذا في بقية المحكات .
هذه الثلاثية المنهاجية _ التاريخي ، وتحليل النص ، والمقارنة _ مهمة في تدريس الفكر السياسي الإسلامي(10) فالتاريخي يحدد النصوص ، والنص يحللها، والمقارنة تبين ما يجمع بينها ، وما يفرق، لكن ثمة ملاحظات منهاجية يجب أخذها في الاعتبار حال توظيف هذه الثلاثية .
أولى هذه الملاحظات أن التكامل المنهاجي إذا كان ضروريًّا لتآلف هذه الثلاثية ، فلا ينبغي أن يكون تلفيقًا اعتباطيًّا ، أو تجميعًا بين متناقضات لا رابط بينها، إن التكامل يجب أن يكون حقًّا وحقيقة ، ولا يتأتى ذلك إلا بمعرفة: أين موقع كل منهج في التدريس وخطته؟ وما المجال الذي يتحرك فيه؟ وما الضوابط التى يقف عندها؟ ومن أين يبدأ كل منهج وأين ينتهي؟ وما دائرة التكامل التى يتحرك كل واحد منها فيها؟
وثانية الملاحظات أن التقسيم المرحلي في كل منهج ، أو التقسيم إلى مستويات في بعضها هو تقسيم أولى؛ لتسهيل التحليل والبحث فيها ، فالمراحل قد تتداخل أحيانًا ، وكذلك المستويات، وتتفاعل معًا، ولا تنفصل إحداها عن الأخرى ، ولا تستغنى عنها.
والملاحظة الثالثة أن النصوص في الفكر السياسي الإسلامي إن كانت تخضع لنفس مستويات القراءة الأربعة السالفة إلا أنها ليست من طبيعة واحدة، وليست على شكل واحد ، في المصدر والمصداقية الذاتية ، وأولوية الاحتجاج بها ، وثراء الأفكار ، وكل ذلك يجب التنبه له ، ويجب مراعاته في كل مستوى .
والملاحظة الرابعة أن البعض يرون أنه لا داعي للمنهج التاريخي في تدريس الفكر السياسي الإسلامي ودراسته؛ لأن تحليل النصوص إذ يعتمد القراءات الأربع يفترض العودة التلقائية إلى تاريخ هذه النصوص ، بيد أن الأمر لا يقتصر على مرحلة القراءة فحسب كما سبق ، وإنما على التحقق من النص قبل قراءته ، وهنا يأتي دور المنهج التاريخي .
والملاحظة الخامسة : أنه ثمة جدلاً معرفيًّا ومنهاجيًّا بين دارسي مناهج البحث العلمي بين المنتصرين لوجود المنهج التاريخي(11) وبين الرافضين له ، والأمر الذي لا ينبغي أن يكون مرسلاً ، على معنى أن يجب تحديد أي منهج تاريخي أولاً ، للقول بقبوله أو رفضه ، ويجب أن يعاد تحقيق المسألة وتحريرها إلى أهل الاختصاص في التاريخ؛ ليقولوا رأيهم في ذلك ، خاصة وأن مصنفات كثيرة تحت اسم المنهج التاريخي مكتظة بها المكتبة العربية ، ثم إن ما قد يقبل المنهج التاريخي من الحقول المعرفية _ وفي المقدمة منها حقل الفكر السياسي عامة، والفكر السياسي الإسلامي خاصة – قد يرفض من قبل حقول معرفية أخرى ، خاصة وأن مقدمات العلوم السياسية لا تخلو من حديث عن علاقة علم السياسية بالتاريخ كعلم وكمنهج في آن واحد .
والملاحظة الأخيرة : أن تحقيق الفاعلية الأكثر إنجازًا في تطبيق المناهج الثلاث السالفة في تدريس الفكر السياسي الإسلامي قد تقتضى إتاحة ساعات تدريسية إضافية _ مثل قاعات البحث ، أو ورش العمل ، أو الحلقات النقاشية ؛ لتدريب الطلاب على توظيف هذه المناهج من خلال أمثلة تطبيقية مما يدرسونه ، وقد أثبتت هذه الطريقة نجاحًا ملحوظًا، خاصة في تطبيق المنهج المقارن ، وكذلك جرى العمل في سنوات سابقة في مرحلة البكالوريوس بكلية الاقتصاد في مادة تطور الفكر السياسي ، بنماذجه الإسلامية وغير الإسلامية .
خامسًا : قضية الاختلاف
حول المحتوى التدريسي
للفكر السياسي الإسلامي
فما الذي ندرسه في حقل معرفي كهذا الحقل الذي لم يقدر له أن تتثبت جذوره كغيره من الحقول المعرفية المشهورة في العلوم السياسية ؟
سؤال تتعدد الإجابات عليه ، بل قد يتفرع على التعدد تعدد مماثل وربما يفوقه ، ويشهد عليه ويؤكده إمعان النظر في توصيف وتصنيف هذا الحقل في الخطط التدريسية للجامعات _ العربية ، والغربية _ التى يحتل فيها مكانة ومكانًا غير متجاهلين ؛ إذ ليس ثمة اتفاق جامع مانع بينها على ما تدرجه تحت الفكر السياسي الإسلامي ، ولقد وصل الأمر عند بعضها إلى حد الاكتفاء بذكر مجرد كلمات لا تتعدى الأسطر القليلة عن الهدف من تدريسه وفلسفته العامة ، دون الدخول في تفصيلات أكثر من ذلك عن مضمون ما ينبغى تدريسه في إطار الهدف والفلسفة العامة، وكثير من نماذج ذلك تحت أيدينا مما تم الحصول عليه في عملية بناء الخطة التدريسية لبرنامج الماجستير في جامعة آل البيت بالأردن ، وبرنامج البكالوريوس في العلوم السياسية .
لكن ما أسباب هذا الاختلاف؟
أغلب الظن أن وراءه اختلافات فرعية كثيرة يدخل في مجملها:
1_ الاختلاف في تعريف الفكر السياسي الإسلامي ، فالذي يوسع من دائرة صفتى الموصوف _ الفكر _ يوسع بالتالى ما يمكن أن يعبر عنها ، متصورًا أنه ما دام فكرًا له مرجعية سياسية إسلامية فيجب أن يخضع لعملية التدريس ، وهكذا لتكون في النهاية أمام تشكيلة من المفكرين والأفكار والقضايا، وعندها لن نكون أمام محتوى محدد وواضح لما يُدَّرس ، إزاء هذا الشتات الذي لا رابط بينه ، ولا ناظم له لمجرد أنه يجمع بين وصفى السياسي والإسلامي ، وهناك مؤلفات تدرس على أنها مراجع للفكر السياسي الإسلامي أدخلت _ أحيانًا في مجلدات _ تحت هذا العنوان كل ما يمت من قريب أو بعيد للسياسة _ وللإسلام في توليفة أقرب إلى التلفيق والتجميع المتنافر .
والذي يضيق من تعريف هذا الفكر يضيق بالتالي في مجاله والمتضمن فيه ، بقدر ما يضيق في التعريف ، وإذا كان التخصص في دراسة الفكر السياسي الإسلامي يقتضى هذا التضييق كلما أمكن خاصة في الرسائل العلمية ، فإن الأمر يختلف في التدريس ، فأنت لا تستطيع أن تعرف الفكر السياسي الإسلامي من خلال ابن تيمية فقط، أو من خلال الشيعة فقط ، أو من خلال قضية الخلافة فحسب ، ما لم تكن أمام مادة أو موضوع متخصص جدًّا ، ومتقدم تدريسيًّا جدًّا ، ومطلوب في مرحلة دراسية عليا.
أما في مرحلة أولية خاصة لطلاب البكالوريوس فهناك لزوميات ألزم من كل ذلك ينبغي أن يلم بها هؤلاء الطلاب ، وعدم البدء بها يصير قفزًا غير منهاجي ، وغير علمى في تدريس هذا الحقل المعرفي .
2_ الاختلاف حول مصدر من يجسد الفكر السياسي الإسلامي ، فمساحة التجسيد ممتدة زمانيًّا ومكانيًّا وبشريًّا وموضوعيًّا ، فهناك المفكرون القدامي والمعاصرون ، وهناك الفرق في تطوراتها المتعاقبة ، وهناك الحركات الدينية والسياسية القديمة والمعاصرة ، وهناك الجماعات على اختلاف مذاهبها وقياداتها وانقساماتها ، وهناك الأحزاب الدينية الإسلامية التى ارتضت قواعد العملية السياسية في بلاد المسلمين ودخلت فيها ، وربما وصلت إلى سدة الحكم في بعضها ، ثم هناك أخيرًا الوقائع السياسية خاصة التى مست بعنف الكيان الحضاري للمسلمين قديمًا وحديثًا ، وكل هذه المصادر أينعت فكرًا سياسيًّا ، فمن منها الأولى والأنسب للتعبير عن الفكر السياسي الإسلامي؟
هنا نجد أن بعض الجامعات قد خصصت محتوى هذا الفكر بمصدر واحد على أن يتغير هذا المصدر كل عام؛ حرصًا على عدم هضم حق كل شريحة فكرية من الدراسة والتدريس فيما لو دُرِّست معها غيرها ، وحرصًا على معرفة الحقيقة في أفكارها ، ودراستها بتأن وروية وسعة ، خاصة في مرحلة ما بعد البكالوريوس .
أما بعض الجامعات فقد وجدت نفسها _ إزاء تعدد مصادر الفكر السياسي الإسلامي _ مضطرة إلى تفريع هذا الحقل المعرفي ، بشكل قادها إلى تدريسه ضمن خططها التدريسية في مراحل دراسية متباعدة، كما حدث في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة ، حيث يدرس الفكر السياسي ثلاث مرات ، مرة ضمن تطور الفكر السياسي في الفرقة الثانية للعلوم السياسية ، ومرة كمقرر متخصص اختياري لنفس السنة، ومرة كمقرر متقدم اختياري في مرحلة الدراسات العليا ، وكما هو مقترح ضمن الخطة الدراسية في جامعة آل البيت للدراسات العليا ، حيث يدرس الطالب كمادتين اختياريتين : الفكر السياسي الإسلامي ، والفكر السياسي للحركات الإسلامية .
ويبقى البعض الأخير من الجامعات التى لجأت إلى عمل توليفة تجمع من كل مصدر فكرى بعض شرائحه ، بغض النظر عن كون العينة هنا عشوائية _ وهي الغالبة _ أم منتظمة _ وهي المفتقدة في الغالب _ وبقطع النظر عن ثورة التحليل ووحدته في كل عينة ، إنه التعامل بالقطعة الذي ثبت فشله في إعطاء صورة عامة عن الفكر السياسي الإسلامي ، خاصة في السنوات التى لم يدرس لها من قبل ، فافتقدت هذه الأرضية ، بافتقادها أبجديات أساسية في هذا الفكر ، هي أساس أي محتوى تدريسي متخصص عنه ؛ مما أحدث حالة اغتراب بينها وبينه، فبدا الفكر وكأنه طلاسم مغلقة لا مفاتيح لها ، ولم لا ؟ وقد افتقد هذه المفاتيح أو أفقدها بالفعل .
(3) الاختلاف حول التحقيب الزمني للفكر السياسي الإسلامي ، فمن يميل إلى تدريسه ضمن إطار التحقيب الغربي للفكر السياسي لن يجد مفرًّا _ ما أهونه وهوانه _ من وضعه في حقبة العصور الوسطى ومتحفها وكفى ، كدأب بعض المؤلفات العربية ، وكما يحدث كثيرًا في بعض الجامعات العربية، وهذا المنحى سيفرض على صاحبه أن يقدم محتوى ضيقًا لا تفاصيل كثيرة فيه؛ حرصًا على المساحة المتاحة من التناول والتحليل ، المساحة الزمانية والمساحة المكانية بالطبع ، وهنا تصير العودة إلى نظام العينة حتمًا مقضيًّا بكل مثالبه .
أما الذي يميل إلى تدريس هذا الحقل _ وهو الأنسب ، وإن لم يقدر له الإنجاز بعد _ في إطار زماني خاص به سيجد فسحة ومتسعًا لتدريسه قديمًا ، ووسيطًا، وحديثًا ، ومعاصرًا ، وهذا سيعطيه حرية أكبر في توسيع مضمونه ، وتوسيع مصادره ، وتوسيع الأمثلة فيه ، ومن ثم سيمنح الفكر ذاته حرية أن يتحدث عن نفسه ، وحرية أن يخرج من أسر الحجر والحجز عليه ، بتحديد إقامته في العصور الوسطى ، وكأنه لم يولد قبلها ، ولم يتطور بعدها .
وإذا كانت الضرورة أحيانًا تفرض اللجوء إلى التضييق في محتوى مادة الفكر، خاصة في الجامعات التى تدرسه ضمن تطور الفكر السياسي في الخبرة الإنسانية عمومًا ، كما يحدث في كلية الاقتصاد على سبيل المثال، وكما سبق ، فإن خبرة التدريس هنا تفترض انضباط التضييق بشرطين ، أحدهما: أن يقدم صورة موجزة صادقة وعامة تفتح شهية الدارسين للمزيد من التفاصيل عن الفكر السياسي الإسلامي. والثاني: أن يكون التضييق مقدمة لمحتويات تدريسية تفصيلية أكثر ، سواء كانت إجبارية أم اختيارية ، تفصل ما تم إيجازه ، وتشرح ما تم السكوت عليه وعنه ، وتحلل وتفسر ما تم وصفه وسرده ، وتوضح ما ثبت غموضه ، وعسر فهمه .
(4) الاختلاف حول موقع تدريس الفكر السياسي الإسلامي في الخطة التدريسية الموضوعة لمراحل الدراسة وسنواتها ، فمما لاشك فيه أن تدريس هذا الفكر في مرحلة البكالوريوس يجب أن يكون منطلقًا لتدريسه بشكل أو بآخر في المرحلة التالية لها ، مرحلة الدراسات العليا ، ولئن جاز القول إن المرحلة الأولى قد تقتضى الحديث عن مقدمات عامة في الفكر السياسي الإسلامي ، كشأن مقدمات الحقول المعرفية الأخرى ، ما لم يتم تدريسه لاحقًا في مرحلة البكالوريوس كما يحدث في كلية الاقتصاد ، فإن المرحلة التالية تقتضى الحديث عما يمكن تسميته بنظرية الفكر السياسي الإسلامي اتساقًا مع طبيعة هذه المرحلة من جهة، وهي الأكثر تخصصًا والأكثر عمقًا، وبناءً على ما تم تدريسه في المرحلة السابقة عليها _ البكالوريوس من جهة ثانية _ وبهذا الشكل تتكامل المرحلتان، وتتساندان في تكوين رؤية علمية متكاملة عن هذا الفكر.
لكن المشكلة قد تتفاقم في حالتين ، حالة ما إذا تم تدريس الفكر في مرحلة البكالوريوس كمادة ضمن تطور الفكر السياسي الإنساني ، وكمادة اختيارية فى نفس المرحلة ، ثم كمادة اختيارية أو إجبارية في مرحلة الدراسات العليا ، فهنا إذالم يتم التنسيق بين القائمين على التدريس بمستوياته المختلفة ، سيقع التكرار والاستطراد ،و التناقض ، فتضيع الأولويات وتتداخل وتختلط ؛ مما قد يوقع الطلاب في الحيرة والغموض ، وربما الكراهية والرفض للفكر السياسي الإسلامي .
أما الحالة الثانية فتأتي إذا ما تم الاكتفاء بتدريس الفكر في مرحلة الدراسات العليا فقط ، وهي حالة تفرض على عضو هيئة التدريس أن يشتت جهده في ناحيتين ،ناحية سد الثغرة التى جاءت من غياب أية خلفية معرفية للطلاب عن هذا الفكر قبل الدراسات العليا ؛ مما يستلزم إعطاءهم مقدمات أولية يتدارك بها ما حدث من خلل تدريسي ، وناحية تقديم نظرية الفكر المفترض تدريسها لتتناسب مع مرحلة الدراسات العليا كما سبق ، وذلك في جميع الأحوال شاق ، ومتعب، فضلاً عن أن الوقت غالبًا لا يسعف به إلا بالاختصار المخل ، وغير المقنع ، في أحيان كثيرة .
(5) الاختلاف حول عدد ساعات تدريس الفكر السياسي الإسلامي بصرف النظر عن المرحلة التى يُدرَّس فيها، نتيحة الاختلاف حول موقع تدريسه في الخريطة الدراسية على مدار العام الدراسي الواحد ، وعلى مدار أكثر من عام ؛ فما يدرس في فصل دراسي في العام ينبغى ألاّ يكون متساويًا مع ما يدرس في فصلين ، بل إن ما يدرس في نظام يعتمد على الفصلين الدراسيين قد يختلف عمّا يدرس في نظام يعتمد على الساعات المعتمدة . وينبغي أن يختلف ما يتاح تدريسه في عام دراسي واحد عما يتاح تدريسه في أكثر من عام .
ذلك أن اختلاف المساحة الزمنية _ ممثلة في عدد الساعات _ المعطاة للتدريس يضع حدودًا للواجب تدريسه في هذه المساحة ،وللواجب الإمساك به في التدريس ، ومن ثم للواجب استبعاده منه ، وواقع الحال يؤكد أن هذا الحقل ظلم _ ويظلم _ كثيرًا بوضعه في فصل دراسي واحد، خاصة بالنسبة إلى الطلاب الذين يودون استكمال دراساتهم العليا فيه .
واللافت للنظر أن الفكر السياسي الإسلامي يتم تدريسه عبر أكثر من فصل في بعض الجامعات الغربية ، وإن اختلف بالطبع محتوى التدريس ومضمونه ، أما في بعض الجامعات العربية فلم يكفه أنه مازال يدرس كمادة اختيارية، من شاء درسها، ومن لم يشأ تركها ، وإنما وضع من يدرسه تحت ضغطين زمنيين ، ضغط الفصل الواحد الذي يفرض عليه التلخيص المخل، وضغط الساعات المحدودة الذي يفرض عليه الإسراع الممل ، وكلاهما يكون في النهاية على حساب محتوى مادة التدريس .
(6) الاختلاف حول عدد الدارسين للفكر السياسي الإسلامي ، بما يستتبعه من الاختلاف حول العدد الأمثل لمن يقوم بالتدريس للطلاب ، والاختلاف حول العدد الأنسب للطلاب مستقبلي التدريس وحصيلته .
فالاختلاف الأول ناتج عن الاختلاف في الإجابة على تساؤل مفاده: هل من الأنسب والأجدى أن يتعدد القائمون بالتدريس ؟ فثمة من يرى أن عضوًا واحدًا متخصصًا يتولى التدريس تكون لديه مرونة أكبر فيما يقوم بتدريسه ، وهذا أولى وأجدى من تعدد الأعضاء غير المتخصصين ، أو غير المؤتلفين حول محتوى التدريس ، وثمة من يرى أنه إذا تآلف القائمون بالتدريس ، وضاف عددهم كلما أمكن، واتفقوا مقدمًا على محتوى عام لمنهج التدريس ومقرره ، وتم تقسيم ذلك في خط منهاجي واضح ومحدد ، فذلك أجدى للفكر السياسي الإسلامي، وأنفع للطلاب ، خاصة وأن هذا الفكر يندب الاجتهاد والتعدد في كشف عطائه وتميزه .
والواقع لإن كلا الرأيين حين تعرضهما على خبرة الواقع يتضح أنهما ليسا بهذا الإطلاق ، فالأمر يتوقف على اعتبارات كثيرة ، خاصة بظروف عملية التدريس ومناخها العام في كل جامعة ، ومن ثم فما يناسب إحداها قد لا يوافق الأخرى ، والعبرة في النهاية بإيجاد ضمانات موضوعية تكفل أن يتم نقل محتوى ما يتم تدريسه _ بصرف النظر عن عدد من يتولى عملية النقل _ بشكل علمى متسق لا تناقض فيه ولا خلل .
أما الاختلاف الثاني فناتج هو الآخر عن التباين في الإجابة على تساؤل مفاده ما هو العدد الأمثل والأنسب للطلاب مستقبلي عملية التدريس؟
فالذين ينتصرون للطلاب ، وتحكمهم نظم تدريسية تعطي للطالب الحق في أن يدرس الفكر ولو كان الطالب الوحيد _ مثل نظام الساعات المعتمدة _ لا عبرة لديهم بالعدد الأنسب، قدر العبرة بالعدد الذي سجل في الفكر ، وهو ما حدث بالفعل في جامعة آل البيت في الأردن ، أن سجل طالبان في الحقل، في حين قام ثلاثة من أعضاء هيئة التدريس بالتدريس لهم ، بشكل لا اتساق فيه . ولا نظام ، وأوكل الأمر في النهاية إلى أستاذ المادة .
والذين ينتصرون لانضباط العملية التعليمية أيًّا كان مستواها يقرون بضرورة وجود حد أدنى من عدد الطلاب حتى تتكامل عملية التدريس ، فإذا لم يتوافر هذا الحد لا يتم التدريس أصلاً ، توفيرًا للجهد والوقت ، وحفاظًا على جدية هذه العملية ، بل وحفاظًا على المقرر الدراسي أصلاً ، وهذا يفرض تساؤل هو: هل يتغير محتوى هذا المقرر بتغير عدد الطلاب؟
المنطقى أن محتوى المقرر يخاطب به الكل كما يخاطب به الجزء ، وما ينبغي تدريسه لجماعة ، ينبغي تدريسه نفسه لطالب واحد؛ لأن المحتوى يستعلى بذاته، وبالقائم بتدريسه بقطع النظر عن عدد المتلقي له ، لكن المنطقى شيء ، والواقع شيء آخر؛ إذ ثبتت أن حماس التدريس يفتر ، ومحتواه يُختصر ، كلما قل عدد الطلاب ، وكلما كان الداعي إلى تسجيلهم في الفكر السياسي الإٍسلامي هو الاضطرار ، أيًّا كانت أسبابه ، والأمر هنا لا يعنى أن القائم بالتدريس قد خرج على نطاق الأمانة في أداء رسالته ، أو أنه قصر في استكمالها، خاصة إذا كان مشهودًا له بالتخصص والكفاءة ، وإنما يعنى أن الظروف الطبيعية والموضوعية للعملية التدريسية غير مواتية بالمرة لإحداث التفاعل بين أقطابها ، وعناصرها ، ومن ثم فإن الخلل في هذه الظروف يفرض نفسه بشكل أو بآخر سلبيًّا على هذا التفاعل ، وسلبيًّا على هذه الأقطاب وتلك العناصر.
سادسًا : قضية المصادر والمراجع في تدريس الفكر السياسي الإسلامي
وهي من القضايا المهمة والمعقدة في نفس الوقت ؛ ذلك أن الخلط بين المصادر وبين المراجع هو أحد آفات تدريس الفكر السياسي الإسلامي ودراسته، وهو خلط نابع في حقيقة الأمر من تصور أن المصادر هي المراجع أو العكس ، ويبرز بصورة واضحة مع طلاب الدراسات العليا الذين يختارون قضايا أو مفاهيم أو أسماء في هذا الفكر كموضوعات لبحوثهم أو لرسائلهم العلمية ، ومع ذلك تجد الواحد منهم _ وربما الأغلبية _ لا يعرف الفارق بين المصادر الفكرية لما يدرسه ، وبين المراجع العلمية التى يمكن الاعتماد عليها في إثراء هذه المصادر بشكل أو آخر .
ونقطة البدء في التفرقة أن المصادر هي حجر الزاوية في مستويات الاقتراب من الفكر وصفًا وتحليلاً وتفسيرًا ، وهي منبع النصوص الفكرية فيه ومعينه، إنها الموارد الأولية التى ينبغي أن يردها كل من يدرس الفكر ؛ لأنها لسان حال من أودعها خلاصة فكره ، وأفكاره ، وصور هذه الأفكار ، والمتحدثة نيابة عنه في غيابه حيًّا أو ميتًا ، فأنت لا تستطيع أن تدرس فكر الطرطوشي ، أو فكر القلقشندي ، أو فكر الخوارج ، أو فكر الإخوان المسلمون ، أو غيرهم دون العودة المباشرة إلى مصادر كل منهم التى أبدعوها بأنفسهم .
غير أن الأمر في المصادر _ على أهميتها وضرورة توافرها _ لا يخلو من مشكلات كثيرة ، أغلبها من وجهة النظر الخاصة تنتج من غياب ما أمكن تسميته – في موضع آخر يتم تناول هذه المشكلات فيه بتفصيل – بنظرية المصادر، أو بعبارة أدق: غياب رؤية منهاجية عامة تتناول مصادر التنظير السياسي الإسلامي عامة والفكر فيه خاصة ، من وجوهها كافة ؛ ليمكن التغلب على هذه المشكلات ، ومنها في الفكر : عدم المعرفة بالمصادر ، وأنواعها وتفريعات الأنواع ، وسقوط أسماء الذين صنفوا بعض المصادر، وصعوبة التفرقة بين السياسي وبين غير السياسي في الأفكار الواردة في بعضها الآخر ، والجرأة بلا مقدمات ضابطة في التعامل مع المصادر ، والتشابه اللغوي والموضوعي أحيانًا بين المصادر ، وصعوبة الحصول على بعض المصادر ، واستمرار بعض المصادر في شكل مخطوطات يصعب قراءتها إن تيسر الاطلاع عليها ، واللغة الجافة والمعقدة في المصادر القديمة ، وانتشار عوامل الاتلاف في بعض المصادر ، وتشتت الكثير من المصادر في دول غير مسلمة، وقد سبق التوقف عند هذه المشكلات بما يغنى عن الإفاضة(12).
لكن يظل الوجه الآخر المكمل للمصادر يستحق التوقف عنده بتعمق وتفكير جاد ، وأعنى قضية المراجع التى ربما تبدو بالنسبة إلى الكثيرين قضية أكثر تعقيدًا وتشعبًا من قضية المصادر ، لاعتبارات كثيرة ترتبط أساسًا بأنماط هذه المراجع في حديثها أو تناولها عمومًا للفكر السياسي الإسلامي ، على النحو التالي :
1_ فهناك المراجع الساكتة عن هذا الفكر دراسة وتحليلاً ، إما قصدًا، وهذا شأن الكثير من المراجع الكبرى في الفكر السياسي، خاصة الصادرة بلغات غير عربية ، أو عن غير قصد كشأن الكثير من المراجع التى حددت منهاجيًّا أنها معنية بتاريخ الأفكار أو تطور الأفكار ، أو تاريخ الفكر _ من المنظور الغربي ، وبيئته الحضارية، ومشكلة هذا النمط من المراجع ليس في أنها ضيقت المجال للاطلاع على مختلف اتجاهات ومناهج الفكر السياسي الإسلامي، وإنما في أن العلمي والموضوعي منها أخلى السبيل ، وترك الباب شرعًا كي تظهر دراسات ومراجع ينقصها الكثير من العلمية والموضوعية ، ومن ثم المنهاجية.
2_ وهناك المراجع الهاربة من تناول الفكر السياسي الإسلامي ، ربما إيثارًا لعدم تحمل النفس ما لا تطيق من عناء ، وربما احترامًا لها أن تخوض في حقل يحتاج آلة غير متوافرة ، وربما انتظارًا لفرصة أرحب في دراسة هذا الفكر ، كشأن بعض الدراسات والمراجع العربية التى رغم تناولها لتطور الفكر السياسي عامة تلفت الأنظار إلى أنها ستفرد الفكر السياسي الإسلامي بحديث خاص لخصوصيته وتمضى الأعوام ، ورغم ذلك يظل هذا الحديث وعدًا وأملاً لم يكتب لهما التحقيق بعد.
3_ وهناك المراجع المنتقية التى تعمد إلى أسلوب العينة في دراسة الفكر السياسي الإسلامي ، ولكنها العينة المشوبة بنقائص عديدة ، كالتحيز إلى بعض تطوراته ، أو بعض مصادره ، أو بعض رواده ، أو بعض أفكاره ، أو بعض مناهجه ، أو بعض مفاهيمه ، وهكذا يكرس الانتقاء التحيز ، ويكرس التحيز الانتقاء ، وكلاهما يكرس غياب الصورة الحقيقية والشاملة عن الفكر السياسي الإسلامي .
4_ وهناك المراجع المؤدلجة ، وهي صورة أخرى للتحيز من منطلق قناعات فكرية ومذهبية تؤدلج الفكر السياسي الإسلامي ، وتسيره حسب رؤيتها ، التى هي في المقام الأول رؤية من الفها، وليس حسب ما هي عليه طبيعته ، ليصير مع دراسة الماركسي له ماديًّا ، تاريخيًّا ، ومع الليبرالي تنويريًّا ديمقراطيًّا، هذا التشويه لا هوية له ، ولا أصل ، ولا حدود ، فالكل يدرسه ليخرج منه ما يريد ، ويستنطق منه ما يشاء .
وثمة فارق هنا بين الاجتهاد في الدراسة وهو مندوب، بل ومفروض أحيانًا ، من حيث يظهر مكنون هذا الفكر ، ويفتح المنافذ أمامه كي يتحدث عن ذاته ورواده ، وبين الإفساد في الدراسة _ المحظور والمرفوض _ من حيث يطمس مكنونه ، ويضيق عليه المنافذ كي يتحدث بلغة غير لغته ، ويكشف عن ذات ليست ذاته .
5_ وهناك المراجع الجامدة في دراسة هذا الفكر نتيجة التقليد الأعمى ، والاتباع غير الواعي أحيانًا لمراجع سابقة، وعدم تكليف النفس مشقة الإبداع في التأليف، إنه الجمود الذي يرفض أن يظهر الجوانب الاجتهادية والتجديدية في الفكر ، ويفرض في الوقت ذاته أن ينغلق به في مسالك منهاجية تحجب هذه الجوانب ، ورمي أية محاولة لكسر هذه العزلة المفروضة عليه ، ولرفع الحجر المقيد به بأوصاف أدناها عدم الأصالة والتبديد والاعتزالية الجديدة ، وأعلاها قد يصل إلى درجة التكفير والإخراج من الملة .
6_ وهناك المراجع الواصفة المستغرقة في تفاصيل تاريخية مسحية ، أشبه بسرد حكايات عن الفكر السياسي الإسلامي وكأنه قصص وروايات يمكن التسلي بها والتسرى على ما سبق ، ويكفى تنويهنا السالف إلى مثالب ذلك حال الحديث عن المستويين الغالبين في تدريسه .
وإن المقام يقتضى التنويه إلى إن المراجع الواصفة إذا ما أضيفت إلى المراجع الجامدة أدخلنا الفكر السياسي الإسلامي في قضايا ليست من أولويات فقه الواقع ، ولا من توازناته ، ولا من ضروراته ، في الوقت الذي تباعد فيه أو أبعد عن قضايا _ خاصة المعاصر منه _ أكثر أولوية وضرورية وتوازنية .
7_ وهناك المراجع الناقصة ، ونقصها هذا على معنيين الأول يشير إلى جهود واضحة في بعض المراجع، لكنها تحتاج إلى مراجعة وطبعات جديدة ، تستوعب ما استجد من تطورات الفكر السياسي الإسلامي الحديثة والمعاصرة ، والثاني يشير إلى جهود مفتقدة في تأليف المراجع من قبل أناس هم الأجدر بالتأليف في هذا الحقل المعرفي ، وبعضهم غادر هذه الدنيا ، فكان رحيله خسارة كبيرة ، وبعضهم الآخر شغل بهموم جانبية وضعت الفكر السياسي الإسلامي في آخر مراتب اهتماماتهم البحثية .
8 _ وهناك المراجع الغائبة ليس بمعنى النقص كمعنى ثان فيما سبق ، وإنما غيابها ترجمة لافتقاد وندرة التأليف الجماعي في الفكر السياسي الإسلامي ، إنها إحدى الإشكاليات الكاشفة للفجوة والازدواجية بين إلحاح الرغبة في تدريس هذا الفكر والدفاع عنها ، وبين الإحجام عن الجهد الجماعي لإخراج مراجع فيه ، إن الكتاب المرجع الجماعي ليس نادرًا فحسب، إنه يكاد أن لا يكون له وجود أصلاً ، مع أن الكوادر العلمية موجودة ، والمصادر على صعوباتها متوافرة ، والإمكانيات الأخرى يسيرة ، ومع ذلك تظل فجوة قول ما لا يعمل ، وعمل ما لا يقال ، إحدى فجوات العقل المسلم وتفكيره .
واقع الحال من استعراض الأنماط السالفة من المراجع وغيرها من أنماط لم يتسع المقام لذكرها ينبئ عن أزمة متعددة الأبعاد في التأليف في الفكر السياسي الإسلامي ، وأيًّا كان مردودها، وأخطر ما فيها الانطلاق في التدريس من أرضية نادرة الإبداع السابق فيها ، وهنا يصير الأمر اجتهاديًّا، وكل حسب اجتهاده مدرسًا وطالبًا ، وعندها لن تكون مفاجأة إن ندر الراغبون في التخصص في هذا الحقل ، أو الراغبون في تسجيل رسائلهم العلمية فيه ، ولنقارن إن شئنا بين عدد أولئك الذين سجلوا رسائلهم فيه وبين أولئك الذين سجلوا رسائلهم في حقل كالعلاقات الدولية ، عبر عشر سنوات في كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة ، لنعلم حقيقة الفجوة وأبعادها ، ومن ثم حقيقة أسبابها .
الخاتمة
أردت في الصفحات السابقة إثارة بعض القضايا المنهاجية المتعلقة بعملية تدريس الفكر السياسي الإسلامي ، لم يكن القصد منها إلا نقل بعض شجون خبرة متواضعة لأحد الذين مارسوها ، ورآها ضرورة حضارية وشرعية ، وبين في المقدمة وجوهًا عدة لهذه الضرورة .
لكن يبقى إظهار الوجه الآخر في نقل خبرة تدريس هذا الفكر منوطًا بشهادة الطرف الآخر في عملية التدريس ، وأعنى الطلاب الذين درسوه في مرحلة البكالوريوس أو في مرحلة ما بعدها ، أو في المرحلتين معًا ، وأظن أنه لو قدر لهؤلاء تقديم شهادتهم أو شهاداتهم لتكاملت أمامنا الصورة من وجهيها ، وجه من دَرَّس، ووجه من دُرِّس له ، وعندها قد تكون ما دعت إليه هذه الورقة من تبادل الحوار العلمي الجاد والمفتوح حول النافع والضار في الخبرة السابقة للتدريس ، وفي التدريس ذاته ، الخطوة الأولى في توصيف الدواء الأنسب والأكثر رجاء في عملية التخلص من الداء ، بعد تشخيصه ، وتحديد أسبابه ومسبباته .
هل معنى ذلك أن خبرة تدريس الفكر السياسي الإسلامي تنبئ عن تعرضه للابتلاء؟ والإجابة الصحيحة نعم؛ ليس لأنه كعلوم الأمة الأخرى المبتلاة في عصر يضغط عليها للانزواء والاصطباغ بالجاري مما يحيط بالأمة من ملوثات كثيرة ، وإنما لأنه فوق ذلك يعاني من أزمة ، وإلا ما كانت القضايا التى أثارتها هذه الورقة، وما كانت الدعوة الأكثر صراحة فيها إلى مناشدة الجميع الإدلاء بدلوهم في إخراجه مما ابتلى به .
ودعوة مثل هذه إذا قدر لها الاستجابة، وهو المأمول يجب أن تنتقل من مجرد رجاء تلبيتها إلى برنامج عمل يكشف الوجوه الكثيرة في الابتلاء ، في تعريف الفكر السياسي الإسلامي ، وفي قواعده ، وفي مبادئه ، وفي مناهجه ، وفي مصادره ، وفي مراجعه ، وفي قضاياه ، وفي أزمته المعاصرة ، وبعبارة أدق: برنامج عمل يجيب على تساؤل مفاده: هل الابتلاء في دراسة الفكر أدت إلى الابتلاء في تدريسه ؟ أم العكس ؟ أم أن استحكام الابتلاء يجعل من الصعب تحديد السبب والنتيجة فيهما ، ومن ثم يصير ضروريًّا أن يتجه برنامج العمل السابق إلى الوجهتين معًا، الدراسة والتدريس ؛ ليذهب الجفاء عن الفكر السياسي الإسلامي ، ويبقى ما ينفع العلم والأمة منه ، ويمكث ، رضي من رضى ، وسخط من سخط .
المراجع :
- نستحضر هنا ما أورده الإمام الغزالي في “إحياء علوم الدين” عن قوام العالم أو أصل الوجود البشري حيث أسندهإلى الأصول والمهيئات والمزينات، وقسم كلا منها إلى تفريعات. انظر : إحياء علوم الدين، بيروت : دار الخير، 1994، جا ، ص ص 21 – 22.
- حول العالم ومقاصده وآدابه وآفاقه في المنظور الإسلامي. انظر على سبيل المثال : أبو عبد الله محمد بن سعيد بن رسلان، فضل العلم وآداب طلبته وطرق تحصيله وجمله، القاهرة : دار العلوم الإسلامية، طبعة 1987.
- ناقش هذه القضية بتفصيل مبينا مدى الغفلة عن مصادر التراث الفكري السياسي الإسلامي، وإلقاء التهم دون تبين حول حقيقة هذه المصادر د. ناصر عارف في مقدمة مؤلفه : في مصادر التراث السياسي الإسلامي، فيرجينيا : المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1994، ص ص 71 – 72.
- هذه القضية سبق لنا التعرض لها ومناقشتها ضمن محاضرات عن المفاهيم الإسلامية في جامعة آل البيت على مدار أربع سنوات، وهي قيد الإعداد للنشر.
- أنظر التفاصيل في د. مصطفى منجود، “إشكاليات منهاجية عامة في دراسة الفكر السياسي”، وفي حمدي عبد الرحمن (محرر) المنهج في العلوم السياسية – ندوة تدريس العلوم السياسية في الجامعات الأردنية – جامعة آل البيت 31 / 12 / 1997، المفرق بالأردن 1998، ص 63 – 69.
- أنظر تحليلات أوفى للعلاقة بين هذه المفاهيم في د. مصطفى منجود، في تعريف الفكر السياسي الإسلامي، بحث قيد النشر.
- نفس المرجع السابق.
- الجدير بالذكر هنا أن الفكرة هنا قد تأخذ أكثر من شكل كوحدة للمستوى الأفقي، فقد تكون : مفهوما، أو منهجا، أو قيمة. أنظر : مصطفى منجود، إشكاليات منهاجية عامة في دراسة الفكر السياسي، مرجع سابق، ص ص 89 – 95.
- حول التحولات المعرفية لعلم السياسة أو ما أحدثته من آثار منهاجية. أنظر : د. حمدي عبد الرحمن: “علم السياسة : التحولات المعرفية والإشكاليات المنهجية”. وفي د. حمدي عبد الرحمن (مرجع سابق) ص ص 9 – 21.
10. أمكن توظيف هذه المناهج الثلاثة في بعض دراسات الفكر السياسي الإسلامي التي كانت موضوعات لرسائل الماجستير في العلوم السياسية. تحت إشرافنا. وأثبتت فائدة كبيرة.
انظر على سبيل المثال: محمد سليمان أبو رمان، مفهوم السلطة السياسية في فكر محمد رشيد رضا، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة آل البيت بالأردن، 2000م.
11. انظر: إشكاليات هذه المناهج الثلاثة في: مصطفى منجود: إشكاليات منهاجية عامة في دراسة الفكر السياسي، مرجع سابق ص ص 69 – 77.
12. انظر ما ورد د. محمد صفي الدين في بحثه عن المنهج العلمي في العلوم السياسية، وفي د. حمدي عبد الرحمن، مرجع سابق، ص ص 25 – 29.