ان المتأمل لواقع مجتمعات اليوم وواقع مهنة الخدمة الاجتماعية يجد أمامه مجموعة من المسلمات التي تحتم الاتجاه نحو المنظور الإسلامي في الخدمة الاجتماعية وهي:
1-التغيرات الهائلة المصاحبة للثورة التكنولوجية وثورة المعلومات والاتصالات- في نهايات القرن العشرين ومطالع القرن الحادي والعشرين-في الجوانب المادية وانعكاسها على الجوانب المعنوية والروحية للأفراد والمجتمعات.
2-سيطرة الاتجاه البراجماتي النفعي على الدول الغربية التي نشأت فيها مهنة الخدمة الاجتماعية وتغلغل هذا الاتجاه وانتقاله إلى المجتمعات العربية مما يدع الحليم في الأمة حيران.
3-ان الخدمة الاجتماعية عندما نشأت في المجتمعات الغربية نشأت بدافع ديني وفي أحضان الدين المسيحي وكانت تعتمد على المتطوعين.
4-ان هناك اجتهادات عديدة من علماء الخدمة الاجتماعية لربطها بالدين، سواء في الدول الإسلامية أو الدول الغربية نفسها، حيث ظهرت الخدمة الاجتماعية المسيحية Christian social work والخدمة الاجتماعية اليهودية Jewish social work وكذلك ظهر في الدول العربية اتجاه الخدمة الاجتماعية الإسلامية.
5-ان بعض الكتاب والعلماء الغربيون لاحظوا ان هناك تعدد وتنوع في ثقافة العملاء الذين تتعامل معهم الخدمة الاجتماعية مما دعاهم إلى تبني المدخل متعدد الثقافات في تعامل الخدمة الاجتماعية مع هؤلاء العملاء والذي يركز على دراسة والتعرف على عدة أديان، ومنها (اليهودية-المسيحية-والكونفوشيوسية-الهندوسية-الطاوية-البوذية) ومن أمثال هؤلاء العلماء شانج وسنغ، إلا انهما لم يشيروا إلى الإسلام باعتباره أحد بل أهم الأديان السماوية التي ينبغي دراستها للأخصائي الاجتماعي.
6-ان نقل الخدمة الاجتماعية في المجتمعات الغربية إلى المجتمعات العربية الإسلامية لم يحقق النجاح المرجو منها منذ ان بدأ قبل الحرب العالمية الثانية بقليل، وخصوصا سنة 1929 مع عودة الرواد الأوائل إلى مصر وانشاء جماعة الرواد مما دعى إلى ظهور عدة اجتهادات منها ما نادى بتوطين الخدمة الاجتماعية لكي تتمشى مع البيئة الجديدة المنقولة إليها، ومنها ما نادى بالأقلمة، ومنها ما نادى بالتاصيل ثم التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية، حيث شعر الجميع ان تقل أي منتج تكنولوجي خصوصا إذا كان مرتبطا بالانسان يتطلب التدخل فيه ومحاولة تطويعه بما يتمشى مع الثقافة المستقبلة له.
7-ان هناك حقيقة أساسية اتفق عليها العلماء في صياغة فلسفة الخدمة الاجتماعية من خلال متصل العمومية والاختلاف والذي يوضح ان هناك خمسة مكونات لفلسفة المهنة وهي الأهداف والقيم والمعايير الاخلاقية والأساليب والأدوات الفنية والاعتراف المجتمعي، حيث تختلف الأهداف والقيم والمعايير الأخلاقية للمهنة من مجتمع إلى آخر، أما الأساليب والأدوات الفنية فهي عامة في كل المجتمعات، ومن هنا فان صياغة فلسفة لممارسة الخدمة الاجتماعية في المجتمعات العربية الإسلامية يجب ان تنطلق من الدين الإسلامي.
8-ان الخدمة الاجتماعية تتعامل مع الانسان في صوره المختلفة كفرد أو جماعة أو مجتمع، لمساعدته على حل مشكلاته من التكيف مع الظروف المحيطة به، وتحقيق التوازن النفسي والاجتماعي له. وليس هناك أقدر على فهم شخصية هذا الانسان وتقديم الحل الأمثل لمشكلاته من خالقه تبارك وتعالي، وبالتالي فان الأخذ بالقران والسنة في التعامل مع الانسان يمثل المنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويشمل الحقائق العلمية التي لا تتغير.
9-ان الخدمة الاجتماعية في إعدادها وتقييمها تعتمد على نظريات من العلوم الاجتماعية والانسانية المختلفة، وتلك النظريات عرضة للتغير المستمر والتعديل والتطوير، ومما يحقق لها الاستقرار ان تعتمد على الحقائق التي لا تتغير، وهو المستمدة من القران الكريم الذي تأتي آياته كموجهات وأطر ثابتة لتوجيه ممارسة المهنة.
وهذه المسلمات يدعمها ان الخدمة الاجتماعية كانت موجودة قديما بمعناها وليس بإسمها المعروف حاليا ؛ حيث ان لها جذورا تاريخية، حيث كانت تمارس كشكل من أشكال التكافل الاجتماعي والرعاية الاجتماعية الحكومية والأهلية. ولقد قدم القران الكريم نماذج من تلك الرعاية منها على سبيل المثال ما ظهر بشكل جلي وواضح في عهد يوسف عليه السلام وهو النبي ، تسلسل الانبياء: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم جميعا وعلى نبينا الصلاة والسلام، والتي أوردها القران الكريم حيث رأى فرعون مصر رؤيا منامية جزع منها وأخذ يدعو الكهنة والعرافين ليئولوا له تلك الرؤيا، ولكنهم عجزوا عن تأويلها، حيث يقول الحق تبارك وتعالة في سورة يوسف: (وقال الملك اني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ افتوني في رؤياي ان كنتم للرؤيا تعبرون قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) (يوسف 43، 44)
ولما عجز هؤلاء الكهنة والعرافين وغيرهم عن تأويل الرؤيا وتفسيرها لجأ ساقي الملك-والذي كان قد رافق يوسف عليه السلام في السجن، وعرف عنه نبوته وعلمه في تأويل الأحلام-إلى يوسف عليه السلام في السجن وقص عليه تلك الرؤيا، وطلب منه ان يفتيهم فيها ؛ ليرجع بها إلى الناس لعلهم يعلمون. ففسرها يوسف عليه السلام في قول الحق تبارك وتعإلى: (قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد ياكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون) (يوسف 47-49)
وهذا الموقف يوضح لنا عدة أمور:
1-نبوة يوسف عليه السلام التي ظهرت فيما اختصه الله به من علم في تأويل الأحلام والرؤى.
2-تقديمه للعلم لمن يسأله وعدم كتمان هذا العلم.
3-عدم السؤال عن الهدف أو الغاية التي سوف تتحقق من وراء ذلك، وبالتالي يقدر ما إذا كان يقول لهذا الساقي ما عنده من علم أم يختص نفسه به ليبلغه بنفسه للملك عسى ان يحصل على مكانة أو مكافأة أو غير ذلك، وهذا يعطينا درسا في ان يكون تقديم العلم بهدف الإصلاح وابتغاء الأجر من الله وليس من البشر.
4-أعطى في تفسيره خطة العمل الدقيقة التي تمكنهم من مواجهة الكارثة، وكان يمكن ان يقول: ان البقرات السبع الثمان هي سنوات فيها خير، والعجاف سنوات قحط، ويكتفي بهذا، ولكنه أوضح أيضا تفاصيل العمل للتغلب على الأزمة، سواء من الاجتمهاد في الزراعة وطريقة الحفظ وأسلوب الاستهلاك، ثم ما يأتي بعد ذلك من الفرج من عند الله.
ونتيجة هذا الإخلاص في العلم والعطاء جاءت المكافأة من عند الملك عندما قال أئتوني به ولكنه لم يفرح بسرعة لهذا الاستدعاء، وانما أراد أولا ان يثبت براءته مما نسب اليه على لسان امرأة العزيز، وعندما ثبتت براءته خيره الملك وقال له: انك اليوم لدينا مكين أمين، حيث يقول الحق تبارك وتعإلى: (وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال انك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم) (يوسف 54-55)
وهنا عندما تولى يوسف عليه السلام وزارة الخزانة أو المالية في هذا الوقت أشرف بنفسه على عملية الزراعة وبناء الصوامع لتخزين الغلال والحبوب، ثم ظهرت الروعة في تقديم الرعاية الاجتماعية عندما وقعت كارثة الجفاف حيث قام بما يلي:
1-تقديم الميرة وهي الطعام من حبوب وغيرها إلى أهالي مصر والمناطق المجاورة التي سمعت بهذا الصنيع وتوافر الميرة عند هذا الوزير.
2-العدالة التامة في توزيع الغذاء بين أفراد المجتمع وكذلك المناطق الأخرى حيث كان لا يعطي لكل فرد سوى حل بعير واحد، وسجل أسماء هوؤلاء الأفراد وبالتالي ضمن وصول هذا الدعم لمستحقيه، ولا يسمح بظهور من يتاجر في أقوات الشعوب.
3-العدالة بين الحكام والمحكومين في إشباع الاحتىاجات الأساسية من الطعام والشراب، وهذا يعطي صورة مشرقة للرعاية الاجتماعية التي لا يظلم فيها فقير أو معوز أو محتاج أو ضعيف.
وهذه الحالة تقدم لنا نموذجا رائعا للرعاية الاجتماعية التي ارتبطت بالتوجه الديني وبمسئولية الدولة إزاء رعاياها.
ولقد نادت أصوات كثيرة منذ فترة طويلة بضرورة انطلاق برامج وممارسات الخدمة الاجتماعية من منظور الإسلام حتى يمكن لها ان تحقق الفاعلية المنشودة في إحداث التغيير في الفرد والجماعة والمجتمع، ولكن تلك الأصوات كانت-أو كادت-تذهب أدراج الرياح في خضم طوفان التغريب تحت اسم التحديث الذي ساد العالم الإسلامي.
ولقد كان من أوائل مجهودات التوجيه الإسلامي رسالة الدكتوراه التي قدمها فؤاد عبد الله نويرة إلى إحدى الجامعات الأمريكية في أواخر الخمسينيات والتي نشرتها وزارة العمل والشئون الاجتماعية (1960) حول الإسلام والخدمة الاجتماعية والتي حاول فيها التوصل إلى أسس ومبادئ للخدمة الاجتماعية من منظور الإسلام، باعتبارها تمثل أحد أهم تلك الجهود الجادة في هذا السبيل.
ولقد سبقت هذه الدراسة وتلتها محاولات أخرى سارت على نفس الطريق، ولكنها كانت محدودة الأثر، ولم يكن لها آثار تراكمية تذكر، وان كانت تمثل ولا شك إرهاصات لحركة التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية، ومن الأمثلة التي ترد هنا على سبيل المثال مقال د. لبيب السعيد بمجلة الرسالة عن الخدمة الاجتماعية في الإسلام (1949)، وعن تنظيم الإحسان في الإسلام (1952)، ودراسة عبد الستار الدمنهوري (1958) عن الخدمة الاجتماعية في الإسلام، ودراسة خالد صبحي عثمان (1960) عن أثر العامل الديني في تطور الخدمات الاجتماعية، ودراسة إبراهيم رجب (1963) عن التوجيه الديني في مؤسسة رعاية الشباب.
ولعله من الانصاف ان نقول ان اصطلاح التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية أو الخدمة الاجتماعية من منظور إسلامي لم تظهر إلى الوجود في أشكالها المكتملة الحالية إلا في السنوات العشر الأخيرة.
ولقد عقدت أربعة مؤتمرات للتوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية(، ، ، ) نشر بها خمسة وثمانون بحثا علميا في الخدمة الاجتماعية دارت حول ثلاثة محاور هي:
المحور الأول: الإطار الفكري والمنهجي للتوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية وتضمن البحوث التالية:
1-المنهج العلمي للبحث من وجهة نظر إسلامية.
2-مداخل التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية مع اهتمام خاص بمهن المساعدة الانسانية.
3-منهج التوجيه الإسلامي للعلوم الاجتماعية.
4-التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية معالم على الطريق.
5-الاتجاهات العامة لحركة التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية.
6-منهج التأصيل الإسلامي للعلوم.
7-نحو مكنز إسلامي للخدمة الاجتماعية.
8-دليل الملاحظة كنموذج للتعرف على شخصية الطفل المسلم.
9-الملاحظة نظرة تقويمية.
10-مقياس لدرجة التوكل على الله واستخدامه في محيط الخدمة الاجتماعية.
11-تكثيف الكتابات المعاصرة ذات النفع في تأصيل الخدمة الاجتماعية إسلاميا.
12-دراسة مقارنة بين المنهج الإسلامي والمنهج الغربي في الخدمة الاجتماعية.
13-الرعاية الاجتماعية في الفكر الإسلامي المعاصر.
14-مفهوم خدمة الجماعة في ضوء التوجيه الإسلامي.
15-إشكالية المفاهيم والمصطلحات في إطار المذهبية الإسلامية، طبيعة الأزمة وكيفية المعالجة-دراسة في الخدمة الاجتماعية.
16-توجهات البديل العربي في ممارسة الخدمة الاجتماعية. رؤية نقدية.
17-المتابعة المهنية لجهود التأصيل الإسلامي في الخدمة الاجتماعية-هل تحققت أم تحتاج إلى متابعة.
18-التنمية الاجتماعية تقييم لصياغة المفاهيم الحالية من منظور إسلامي.
المحور الثاني: استراتيجيات الخدمة الاجتماعية في إطار المنهج الإسلامي، وتتضمن البحوث التالية:
1-المنظور الإسلامي للطبيعة البشرية.
2-المنظور الإسلامي للرعاية الاجتماعية.
3-المنظور الإسلامي لتفسير المشكلات الفردية.
4-نحو سياسة اجتماعية لرعاية البيئة من منظور إسلامي.
5-سياسة الرعاية الاجتماعية من منظور إسلامي.
6-الأهداف العامة لمساعدة الأفراد على مواجهة مشكلاتهم النفسية كما تعرضها نظريات الإرشاد والعلاج النفسي الغربية. دراسة تقويمية في ضوء المنهج الإسلامي.
7-نحو مدرسة إسلامية في الخدمة الاجتماعية.
8-المبادئ الأساسية للخدمة الاجتماعية المعاصرة من وجهة نظر إسلامية.
9-السياسات الاجتماعية المعاصرة من وجهة نظر إسلامية.
10-العلاج الإسلامي للحالات الفردية.
11-مدخل جديد في علم الترويح من خلال النظرة الإسلامية.
12-خدمة الجماعة وتنمية الشخصية الإسلامية.
13-نحو سياسة اجتماعية متكاملة من منظور إسلامي.
14-نحو مدخل إسلامي لنظرية الممارسة في الخدمة الاجتماعية.
15-إحداثيات النموذج الغربي للرعاية الاجتماعية في البيئة العربية.
16-مدخل لتطوير خدمات المعلومات والخدمة الاجتماعية في البلاد الإسلامية.
17-السلطة والمسئولية في إدارة المؤسسات الاجتماعية-مدخل إسلامي.
18-التنظيم الإداري للمؤسسات الاجتماعية من منظور إسلامي.
19-استخدام أسلوب النصح (النصيحة) في خدمة الفرد من المنظور الإسلامي.
20-الزكاة وتمويل منظمات الرعاية الاجتماعية الأهلية.
21-إدارة المؤسسات الاجتماعية في ضوء التصور الإسلامي.
22-أبعاد التخطيط التكاملي لمواجهة مشكلة المخدرات في مجتمعاتنا العربية.
23-دراسة شخصية مشرف التدريب الميداني من منظور إسلامي في إطار خدمة الفرد.
24-الممارسة المهنية للدعوة إلى الخير.
25-ورقة عمل تجاه نموذج الخدمة الاجتماعية الإسلامية للإدارة الاستراتيجية.
المحور الثالث: مجالات الممارسة المهنية للخدمة الاجتماعية وتتضمن البحوث التالية:
1-دور الخدمة الاجتماعية في العمل مع المنحرفين-منظور إسلامي.
2-تنظيم المجتمع ودراسة حاجات ومشكلات معتنقي الإسلام حديثا.
3-الخدمة الاجتماعية في مجال الدعوة الإسلامية.
4-المدخل الوقائي للخدمة الاجتماعية في رعاية الطفل إسلاميا.
5-المعاونة المهنية من الخدمة الاجتماعية لإحدى مؤسسات العمل الإسلامي-دراسة حالة.
6-الانسان وعلاقته بالبيئة من منظور إسلامي.
7-الطلاق ليس مشكلة اجتماعية من منظور إسلامي.
8-اختيار فاعلية نموذج العمل مع حالات المنحرفين من منظور إسلامي.
9-التوجيه الإسلامي للشباب لمواجهة التطرف.
10-الرعاية الاجتماعية للمسنين من منظور إسلامي.
11-سياسات الرعاية الاجتماعية للمسنين بين الفكر الوضعي والتصور الإسلامي.
12-بر الوالدين والرعاية الاجتماعية للمسنين.
13-العمل مع المرضى المشرفين على الموت من منظور إسلامي.
14-تعاطي المسكرات كمشكلة اجتماعية.
15-الخدمة الاجتماعية في القوات المسلحة.
16-إدارة الأزمات من منظور إسلامي.
17-دور خدمة الفرد في مجال الدعوة الإسلامية “تصور مقترح”
18-الشخصية الإسلامية، ومقوماتها وأساليب تنميتها في السياق الثقافي المعاصر.
19-دور الخدمة الاجتماعية من منظور إسلامي لمواجهة الشعور بالغتراب لدى الأطفال المودعين بمؤسسات الرعاية الاجتماعية.
20-دور الخدمة الاجتماعية من منظور إسلامي في مواجهة الضغوط البيئية المرتبطة بالمشكلات الأسرية.
21-دور التوجيه والإرشاد الإسلامي في مواجهة مشكلات الشباب الجامعي.
22-الإعاقة العقلية-مفهومها وأسبابها وسبل علاجها في التراث الإسلامي.
23-محاولة لوضع تصور حول تصميم برامج اجتماعية لرعاية المعاقين سمعيا.
24-التدخل العلاجي الإسلامي لخدمة الفرد في محيط معاملة المجرمين.
25-تنمية المجتمع المحلي نموذج إسلامي.
26-التغييرات المؤسسية اللازمة للنهوض بدور جمعيات تنمية المجتمع بالريف المصري.
27-الصندوق الاجتماعي للتنمية كأحد صور التكافل الاجتماعي لمواجهة مشكلة البطالة في مصر.
28-التوبة إلى الله مدخل للعلاج في خدمة الفرد.
29-العلاقة بين التوكل على الله والقدرة على مواجهة المشكلات في محيط الخدمة الاجتماعية.
30-التغييرات البنائية الوظيفية الضرورية لدعم الدور التنموي لمسجد الريف.
31-الجهود الذاتية للمرأة ودورها في تنمية المجتمع المحلي.
32-التربية الدينية للمرأة وعلاقتها بالتنشئة الاجتماعية للأطفال.
33-دراسة لدور الأخصائي الاجتماعي لإشباع الحاجات الروحية للعمل.
34-الوجهة النفسية الاجتماعية لأشكال الاعتقاد السائدة لدى الشباب.
35-إسهامات بحوث الخدمة الاجتماعية في تنمية الممارسة المهنية في مجال رعاية الأحداث المنحرفين في المجتمع المصري.
36-التوبة كحماية في حالة تعدد الجرائم.
37-ملاحظات نقدية من منظور إسلامي على بعض مجالات الخدمة الاجتماعية.
38-دور الجامعة في مواجهة ظاهرة الإرهاب من منظور طريقة العمل مع الجماعات.
39-دور الخدمة الاجتماعية الطبية مع المصابين بأمراض مزمنة خطيرة.
40-المنهج الوقائي من الإصابة بالأمراض النفسية في الإسلام ودور الأخصائي الاجتماعي في تطبيقه.
41-قصور الأسرة في أداء حقوق أبنائها وعلاقته بتحقيق الرعاية الاجتماعية والنفسية للأبناء وتصور مقترح لدور الخدمة الاجتماعية من منظور إسلامي لمواجهة هذه المشكلة.
42-الرعاية اللاحقة لنزلاء السجون وأسرهم ودور الجمعيات النسائية الخيرية الأهلية التطوعية معهم.
هذا بالإضافة إلى عدد متناثر من البحوث التي نشرت في مؤتمرات متفرقة أو مجلات علمية وعدد من رسائل الماجستير والدكتوراه والكتب المنشورة التي تناولت موضوع التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية والتي يتبين منها جميعا ان اتجاه التوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية بدأت تتضح أبعاده ومقوماته وإطاره النظري.
هذا، ويسعى الباحث من خلال هذا البحث إلى إلقاء الضوء على الرؤية الإسلامية لتكافل الاجتماعي والذي يحقق الرعاية الاجتماعية التي تتغلب على الآثار السلبية للحضارة الحديثة ؛ لتمثل تلك المحاولة توضيحا للأسس والأبعاد التي يقوم عليها التكافل الاجتماعي في الإسلام مع إبراز دور الأخصائي الاجتماعي في تحقيق هذا التكافل على المستوى الفردي والجماعي.
التكافل الاجتماعي في الإسلام:
لقد قرر الإسلام مبدأ المساواة في الوقت الذي كان فيه البعض يدعي انه من نسل الآلهة ؛ لانهم من نوع آخر غير نوع السادة. وفي هذا الوقت جاء الإسلام ليقرر المساواة أمام القانون وأمام الله في الدنيا وفي الآخرة. لا فضل إلا بالعمل الصالح، “لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”
ولقد قرر الإسلام مبادئ توجه سلوك الأفراد نحو المسار الصحيح، ومن تلك المبادئ أقر الإسلام مبدأ التكافل الاجتماعي بين الفرد والجماعة، وبين الجيل والأجيال التالية والسابقة.
ان مبدأ التكافل الاجتماعي يجعل كل فرد مكلف بان يرعى مصالح الجماعة كانه حارس لها، والتعاون بين جميع الأفراد واجب لمصلحة الجماعة في حدود البر والمعروف.
ولقد عرف “علوان” التكافل الاجتماعي اصطلاحيا بانه يعني “ان يتضامن أبناء المجتمع ويتساندوا فيما بينهم سواء كانوا أفرادا أو جماعات، حكاما أو محكومين، على اتخاذ مواقف إيجابية كرعاية اليتيم… أو سلبية كتحريم الاحتكار بدافع من شعور وجداني عميق ينبع من أصل العقيدة الإسلامية ليعيش الفرد في كفالة الجماعة وتعيش الجماعة بمؤازرة الفرد ؛ حيث يتعاون الجميع ويتضامنون لإيجاد المجتمع الأفضل ودفع الضرر ويتضامنون لإيجاد المجتمع الأفضل ودفع الضرر عن أفراده”
ويقسم “السباعي” القوانين التي تنظم التكافل الاجتماعي في الإسلام إلى سبعة عشر قانونا تشمل الفئات التالية: الفقراء والمساكين-المرضى-العميان-المقعدين-الشيوخ أو المسنين-المشردين ـ اللقطاء ـ اليتامى ـ الأسرى – مساعدة المدين – والقاتل عن غير عمد، وابن سبيل-الضيافة-المشاركة – المعاون – الإعفاف – الإسعاف – الطوارئ ومساعدة الإغاثة – التعويض العائلي)
ويرى الباحث ان مفهوم التكافل الاجتماعي في الإسلام يشمل:
1- تربية عقيدة الفرد وضميره.
2- تكوين شخصية الانسان و سلوكه الاجتماعي.
3- ترابط الأسرة و تضامنها و تكافلها.
4- تنظيم العلاقات الاجتماعية بين الأفراد و الجماعات و الأسرة والمجتمع المحلى و الدولة ككل والمجتمع الإسلامي كافة.
5- تنظيم المعاملات المالية و العلاقات الاقتصادية.
6- تنظيم الضوابط الخلقية.
7- تحقيق هدف المجتمع الإسلامي، و هو إصلاح أحوال الناس و توفير حياة مستقرة يأمنون فيها على عقائدهم و انفسهم و أموالهم و أعراضهم… إلخ.
الأسس الفكرية للتكافل الاجتماعى في الإسلام:
يقوم التكافل الاجتماعي في الإسلام على مجموعة من الأسس الفكرية تدور حول ما يلى:
1- الإسلام و التملك الفردي:
حيث أباح الإسلام للانسان ان يمتلك ما يشاء في حدود حددها الله و أحكام بينها الإسلام، و لا يجوز لأحد ان يتجاوزها لعدم الإضرار بمصلحة المجتمع عند التجاوز، و جعل المقياس في ذلك الحلال و الحرام لا المنفعة الشخصية و المصالح الفردية، خلافاً لنظام السوق الحر. و لم يتجاهل الإسلام غريزة حب التملك التي فٌطر عليها الانسان، بل عمل على تنميتها وإشباعها بالكسب المشروع، و لقد قسم الإسلام الملكية إلى ثلاثة أقسام، وهي:
أ- ملكية الاستهلاك: و هي التي تتضمن الضرورات المستهلكة للانسان من مأكل و مشرب، و له حق التصرف فيها و الانتفاع منها ضمن حدود المباح.
ب- ملك خاص: و هو التملك الفردي الذي حيز عن طريق مشروع و يتناول المسكن و التجارة و الأشياء العينية.
ج- ملك عام: و هو الذي يندرج تحت ما أشار اليه النبي عليه الصلاة و السلام في قوله ” الناس شركاء في ثلاث: الماء و الكلأ و النار “
و هي ما تسمى اليوم بالمرافق العامة: كالمعادن و البترول و الشواطئ و الطرق العامة و المضائق و الخلجان، فلا يجوز لأحد ان يتملكها، لان ملكيتها عائدة للدولة.
هذا، و لقد قارب الإسلام بين درجات التملك في المجتمع بمبادئ قررها و أحكام شرعها، كما قرر ان التملك وظيفة اجتماعية، كما صان الملكية الفردية من الاعتداء و وضع التشريع اللازم لحمايتها فقال تعإلى (السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما). و لقد شرع الإسلام الحجر على التملك الفردى إذا انفق المال المملوك في الفساد و استعمل في الخمر و الزنا.. إلخ.
2- مقاصد الشريعة الإسلامية:
لقد اعتبر الشاطبي . ان مقاصد الشريعة الإسلامية هي تحقيق مصالح العباد في العاجل و الآجل معا، ثم انه قام بتقسيم تلك المقاصد إلى ثلاثة أقسام، هي:
أ- الضروريات: و هي الأمور التي ” لا بد منها في قيام مصالح الدين و الدنيا بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد و تهارج و فوت حياة، و في الأخرى فوات النجاة و النعيم و الرجوع بالخسران المبين “.
ب- الحاجيات: و هي الأمور التي يٌفتقر إليها من حيث التوسعة و رفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج و المشقة اللاحقة بفوت المطلوب…
و لكنه لا يبلغ مبلغ الفساد… المتوقع في المصالح العامة.
ج- التحسينات: يقصد بها ” الأخذ بما يليق من محاسن العادات و تجنب الأحوال المدنسات التي تانفها العقول الراجحات”
ثم أوضح ان مجموعة الضروريات خمسة (تجرى أيضاً في الحاجيات و التحسينات) و هي:
– حفظ الدين.
– وحفظ النفس.
– وحفظ النسل.
– وحفظ المال.
– وحفظ العقل.
وهذه المقاصد الخمسة في النهاية تحقق التكافل و السعادة للمجتمع المسلم.
3- نظرة الإسلام إلى المال:
مما لا يختلف فيه اثنان ان المال وسيلة من وسائل السعادة إذا أحسنا الاستفادة منه ؛ لان وجوده من أهم العوامل في استقرار الأوضاع الاجتماعية ؛ إذ بالمال يتحقق التكافل الاجتماعي بين أبناء الوطن الواحد. و يرى الإسلام ان جمع المال يجب ان يكون منزهاً عن المكاسب المحرمة، ويقرر ان الكون و ما فيه ملك لله حيث قال تعإلى (و لله ملك السموات و الأرض). و إذا كان المال مال الله، فهو وديعة في يد البشر و عليهم ان يتصرفوا في هذه الوديعة على وفق ما يريد صاحبها، بل عليهم ان يطيعوا أمره في كسب المال و في طرق انفاقه ؛ لتتحقق منهم العبودية الخالصة و الإيمان الكامل.
4- الإسلام يقدس العمل و يحرم التواكل:
حيث ان المسلم الحق هو الذي يمضي في طريق الكفاح و يسير في ميادين العمل ؛ ليحقق لأسرته موارد العيش و لأمته سبيل التقدم، و هو المسئول أولاً و آخراً عن تأمين الحياة المعيشية قبل ان يسأل عنه المجتمع أو ترعاه الدولة و بخاصة إذا كان قادراً على العمل ؛ لذلك لا يصح ان يتقاعد الانسان عن العمل و يتكاسل عن السعي و يقول: اللهم ارزقني، اللهم ارزقني و هو يعلم ان السماء لا تمطر ذهباً و لا فضة. و لا يجوز في شريعة الإسلام ان يمد المسلم يده إلى الناس و يسألهم الإحسان و الصدقة و هو يقدر على الكسب و يجد سبل العمل ؛ و لهذا نجد ان الإسلام قدس العمل و كرم العمال، و اعتبر كسب الرجل من يده من أحل المكاسب و أفضل الأعمال.
فمن توجيهات النبوة: (ما أكل أحد طعاماً قط خيراً له من ان يأكل من عمل يده وان نبي الله داود كان يأكل من عمل يده).
و من اعتناء الإسلام بالعمل انه أمر به بعد أداء فريضة الصلاة ؛ ليعلم الناس ان العمل واجب عليهم كوجوب العبادة، فقال تعإلى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله) (الجمعة: 10).
و كان الرسول عليه الصلاة و السلام إذا وجد انساناً يسأل الصدقة و هو قادر على العمل يهيئ له أسباب العمل و يحذره من ان يسأل الناس و هو يستطيع الكسب حفاظاً على رجولته من ان تهان و على كرامته من ان تدنس.
و نخلص من ذلك ان الإسلام وضع و حدد نظاماً للتملك و نظرة فلسفية مستقلة للمال تتميز عن الانظمة الوضعية الأخرى و التي كفل في ضوئها مجتمعاً متماسكاً متكافلاً، يعطى عندما تكون الحاجة ماسة للعطاء، و ينمى شخصية الانسان في الاعتماد على نفسه. و نجد ان فلسفة مهنة الخدمة الاجتماعية لا تخرج عن هذا الإطار الذي قدمه الإسلام و الذي يبدأ دائماً باستثمار ما لدى الانسان من إمكانيات و قدرات قبل التطلع إلى الحصول على المساعدة من الآخرين.
الوسائل العملية في تحقيق التكافل الاجتماعى في الإسلام:
الانسان في نظر الإسلام لم يخلق ليكون حيواناً همه في الحياة المأكل و المشرب !! بل هو انسان يحتاج إلى توافر أشياء كثيرة في حياته، مادية و معنوية. و لقد حاول الإسلام ان يفر هذه الحاجات من خلال تحقيق مبدأ العدالة الانسانية في جميع جوانبها الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و غير ذلك.
و لقد حرص الإسلام على إيجاد مجتمع متكافل يقوم بناؤه على التواد و الرحمة و التعاون بين أفراده
ولكى يحقق الإسلام ذلك المجتمع المتكافل فانه يحدد وسائل تحقيقه في أمرين، و هما:
أ- مسئولية المجتمع أفراداً و جماعات.
ب- مسئولية الدولة.
وسوف نتعرض لهما فيما يلي:
أولاً: مسئولية المجتمع:
ويمكن ان نقسم مسئولية المجتمع في تحقيق التكافل الاجتماعي إلى قسمين:
* قسم يطالب به الأفراد على سبيل الوجوب و الإلزام.
* قسم يطالب به الأفراد على سبيل التطوع و الاستحباب
فأما القسم الأول و هو ما كان على سبيل الوجوب و الإلزام فيشمل:
1- فريضة الزكاة:
الزكاة فريضة شرعية ألزم بها الإسلام كل مسلم توافر لديه نصاب الزكاة، والزكاة ركن من أركان الإسلام، بل هي الركن الاجتماعي البارز من أركان الإسلام ؛ لانها حق الجماعة في عنق الفرد، تحصل لكي تكفل لطائفة منهم كفايتهم
ونجد ان الزكاة بذلك تضمن مصدراً متجدداً ومستمراً لتمويل برامج الرعاية الاجتماعية و تحقيق التكافل الاجتماعى في الإسلام نجح أكثر من النظم الأخرى التي ظهرت في المجتمعات الغربية قديماً كمحاولات فلسفية لعدم وجود مصدر التمويل المستمر والمستقر لها في المجتمع.
ولقد سميت زكاة لانها تزكي النفس و المجتمع.. و في ذلك يقول الحق تبارك و تعإلى (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها) (التوبة ـ 103)
و تجب الزكاة في الأموال التي أعدت للنماء والزيادة.
وتشتمل خمسة انواع ، هي:
– الذهب و الفضة.
– الانعام (الإبل ـ البقر ـ الغنم).
– عروض التجارة.
– الركاز و المعادن.
– الزروع و الثمار.
أما بالنسبة للمستحقين للزكاة فهم بحسب ما ورد في القران الكريم ثمانى فئات ؛ حيث يقول الحق تبارك و تعإلى : (انما الصدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و في الرقاب و الغارمين و في سبيل الله و ابن السبيل فريضة من الله) (التوبة ـ 60)
ويمكن تناول تلك الفئات بالشرح على النحو التالي:-
أ- الفقراء: وهم الذين لا يستطيعون بحسب قدراتهم ومواردهم ان يوفروا لانفسهم المستوى اللائق من المعيشة
ب- المساكين: وهم الفقراء الذين يسألون لسد حاجاتهم من قوت وملبس، وقد يكون لديهم مصدر للدخل، ولكنه لا يكفي لسد حاجاتهم.
ج- العاملون عليها: وهم المكلفون بتحصيل الزكاة وتوزيعها.
د- المؤلفة قلوبهم: وهم الذين يراد جذبهم نحو الإسلام أو درء مخاطرهم سواء كانوا حديثي إسلام أو غير مسلمين.
هـ- في الرقاب: وهم العبيد.
و- الغـــــارمون: وهم الذين استغرقتهم الديون لسد حاجاتهم الضرورية أو لكساد تجارتهم أو صناعتهم لسبب خارج عن إرادتهم، أو لتحملهم نفقات مالية لبعض المصالح العامة.
ز- في سبيل الله: ويراد بهم المجاهدون تطوعاً، فيعطون من الزكاة ما يكفيهم للغزو ولو كانوا أغنياء.
ح-ابن السبيل: وهو المسافر أو حتى السائح أو اللاجئ الذي انقطع عن مورده بسبب خارج عن إرادته.
ولقد جعل الفقهاء المتأخرون الزكاة تعم كل عمل يقصد به وجه الله سبحانه وتعالي، كبناء المساجد و انشاء المصحات و إعطاء طلبة العلم الشرعي و غير ذلك
2-النذور:
وهي من وسائل تمويل التكافل الاجتماعي، وهي ما ينذره المسلم من مال و نحوه كان يقول (لله ألف ريال صدقة على الفقراء) والوفاء بالنذر واجب لقوله تعإلى (وليوفوا نذورهم) (الحج: 29) والنذر هو إلزام المكلف نفسه أمراً لم يلزمه به الدين والنذر نوعان مطلق ومقيد
3-الكفارات:
والكفارة قدرها الشارع عند ارتكاب مخالفة لأوامر الله تعإلى في حالات خاصة، وهي حق الله تعإلى تكفيراً للذنب الذي ارتكبه المسلم وعقوبة له وزجر لغيره، وفيها جانب مالي يجعلنا نعدها من الصدقات المالية الواجبة.
وهذا الجانب المالي في الكفارة فيه ترابط للمجتمع وتكافله، وفيه إيجاد للمحبة بين الناس وتوثيق لعلاقاتهم الطيبة، ومن الكفارات: كفارة اليمين، وكفارة الصوم، وكفارة الظهار، وكفارة قتل الصيد في الحج، وغير ذلك.
4-الأضاحي:
حيث قال تعإلى: (فصل لربك وانحر) (الكوثر ـ 2). والأضحية واجبة على المسلم القادر في كل عام ؛ حيث يتم توزيع لحوم الأضاحى على الأسر الفقيرة والأشخاص الذين لا يكادون يجدون قوت يومهم وهي بذلك تسهم في إشباع احتياجات الفقراء والمساكين من الطعام، لتحقق صورة م نصور العدالة الاجتماعية و التكافل الاجتماعي، حيث يشارك الفقراء الأغنياء في فرحتهم بالعيد.
5-صدقة الفطر:
وهي واجبه على المسلم وعلى كل من تلزمه نفقته من زوجة وولد وخادم وأبوين، وهي واجبة على الغني والفقير، وبالتالي تحقق نوع من التكافل الذي لا يُهمل فيه أحد بل يتحقق العطاء بين الأغنياء والفقراء، والعطاء المتبادل بين الفقراء وبعضهم البعض، وهذه الوسائل الخمسة تمثل الوسائل الملزمة والواجبة على الأفراد والجماعات.
أما القسم الثاني وهو ما كان على سبيل التطوع والاستحباب.
وهو يشمل:
1-القف الذري و الخيري:
وهو من الصدقات المندوبة التي يستمر خيرها، ويتجدد ثوابها إلى ما بعد الموت ـ ويقصد به حبس العين عن تمليكها لأحد مع التصدق بالمنفعة، وقد كان كثير من المسلمين يقيمون المساجد في الأمصار ويوقفون جزءاً من أملاكهم فلا يباع، ولايوهب ولا يورث، وينفق ريعه في عمارة المسجد والصرف على القائمين بخدمته
ويقسم الوقف إلى قسمين:
أ- وقف خيري: وهو ماصرف فيه الريع من أول الأمر إلى جهة خيرية.
ب-وقف ذري: وهو ما جعل استحقاق الريع فيه أولاً إلى الواقف ثم لأولاده.. ثم لجهة بر لا تنقطع حسب إرادة الواقف
2-الوصية:
وهي ان يوصي المسلم قبل موته من ماله بحدود الثلث لجهات الخير و البر، وقد ثبت الوصية بالقران والسنة. قال تعإلى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين) (البقرة: 180).
3-الهدية أو الهبة:
وهي من العوامل التي تغرس في القلوب أواصر المحبة وتحقق في المجتمع روابط الود والألفة. بل هي من موارد التكافل التي تظهر العطية بمظهر العزة والكرامة، فلا يخجل بأخذها فقير ولا يتحرج من تملكها محتاج. قال صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا) ولكى لا تتولد البغضاء في النفوس وتتأجج الأحقاد في الصدور.. جاءت الشريعة الإسلامية محرمة الرجوع في الهبة ومنفرة من العود في الهدية قال صلي الله عليه و سلم (العائد في هبته كالكلب يقئ ثم يعود قيئه).
وتلك هي أهم الوسائل العملية التي أتاحها الإسلام للأفراد لتحقيق التكافل الاجتماعي، وهي وان طبقت ونفذت تكافل الناس فيما بينهم، وتعاونوا على البر والتقوى في إقامة عدالة اجتماعية كريمة ينعم بها الفقير بنعمة الأخوة الرحيمة، ويجد المحتاج من بني قومه من يشاطره الألم ويفرج عنه همومه وأحزانه.
ثانياً: مسئولية الدولة:
ان مسئولية الدولة في تحقيق التكافل الاجتماعي مسئولية شاقة وخطره. فهي المسئولة أولاً و أخيراً عن الطبقة الفقيرة التي لا تجد المال من بين طبقات المجتمع، أو العاجزة التي لا تستطيع العمل أو المشردة التي لا تجد العائل، أو المعطلة التي لا تجد وسائل الكسب ….
ولهذا نجد ان الحاكم مسئول أمام الله هل أدى الحقوق وحكم بالعدل، أم أهمل وقصر، قال عليه الصلاة و السلام: (ان الله سائل كل راع عما استرعى، حفظ أم ضيع) وإذا كانت الدولة مسئولة عن تحقيق التكافل ووسائله المختلفة في المجتمع، ومسئولة عن تأمين الضمانات المعيشية للفئات الفقيرة، فينبغى ان نحدد هذه المسئولية و هي تحدد في واجبين هامين وهما:
* تأمين موارد المال.
* توزيع المال على المستحقين.
وسوف نتناولها فيما يلي بالشرح:
1-تأمين موارد المال: ان الدولة لا يمكنها ان تؤمن للمحتاجين حاجتهم، وللفقراء كفايتهم وللعاجزين هنائتهم..
إلا إذا خصصت بيتاً للمال، منه تكون النفقات وبواسطته ينعم المجتمع في ظل العدالة الاجتماعية والعيش الهانئ الكريم، ويمكن ان نحصر الموارد التي تقوم الدولة على تحقيقها وتأمينها في التالي:
أ-الاستفادة من الوقف الخيري.
ب-الاستفادة من وسائل التكافل الفردي.
جـ- الاستفادة من أموال الأغنياء عند الحاجة بطلب التبرع منهم.
د- الاستفادة من الزكاة والصدقات.
2-توزيع المال على المستحقين:
بعد ان تشرف الدولة على جباية الأموال المذكورة انفاً تقوم بتوزيع هذه الأموال على من يشملهم نظام التكافل الاجتماعى، وهم:
أ-الأيتام.
ب-اللقطاء.
جـ- أصحاب العاهات.
د- الشواذ والمنحرفون.
هـ- المطلقات والأرامل.
و- الشيوخ والعجزة.
ز-المنكوبون والمكربون.
حـ- وغيرها من فئات محتاجة حسب ظروف المجتمع.
فهؤلاء وأمثالهم هم الذين شملهم نظام التكافل الاجتماعي في شريعة الإسلام، وهم الذين يجب ان يلقوا من الدولة وأبناء المجتمع كل عطف وعون، فلا يصح في دين الإسلام ان يعيش المسلم لنفسه وعياله ويهمل قريبه الذي افتقر أو صديقه الذي أصيب أو جاره الذي نُكب، وهو يستطيع ان يقدم لأحدهم العون المادي والمعنوي ويخفف عنهم هواجس الهموم والأحزان.
وبذلك نجد ان الدين الإسلامي قدم نموذجاً متكاملاً للتكافل الاجتماعي يقوم على فلسفة عالية تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية، وحدد فئات يجب رعايتها، وكذلك مصادر التمويل التي يمكن توفير الرعاية من خلالها. وأثر ذلك كله على المجتمع في المدى القريب والبعيد.
المراجع :
1- ندوة التأصيل الإسلامي للخدمة الاجتماعية، القاهرة، 1991 م – المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
2- المؤتمر الثاني للتوجيه الإ؟سلامي للخدمة الاجتماعية : ميادين ومجالات الخدمة الاجتماعية بنظرة إسلامية – القاهرة، 1993م. المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
3- مؤتمر تطوير برامج وخدمات الرعاية الاجتماعية في ضوء التصور الإسلامي، الإسكندرية، 1995. المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالإسكندرية – المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
4- المؤتمر الدولي الرابع للتوجيه الإسلامي للخدمة الاجتماعية، كفر الشيخ، 1997 م. المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بكفر الشيخ، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
5- السيد بدوي. علم الاجتماع الاقتصادي : الإ‘سكندرية – دار المعرفة الجامعية ، ص 202 ، 1988.
6- عبد الله ناصح علوان. التكافل الاجتماعي في الإسلام، حلب ؛ دار السلام، 1983. ص 15، 17.
7- مصطفى السباعي. إشتراكية الإسلام. نقابة المهن التعليمية، 1962. صص 189 – 199.
8- أبو اسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي : (المتوفى 790 هـ) الموافقات في أصول الأحكام، ج 2 : دار الفكر للطباعة والنشر.
9- محمد الفاروق البنهان. الاتجاه الجماعي في التشريع الإسلامي. بيروت : مؤسسة الرسالة، 1403 هـ . ص 260، 264.
10- أحمد محمد العسال. النظام الاقتصادي في الإسلام. القاهرة : مكتبة وهبة، 1405 هـ . ص 100.
11- ابراهيم عثمان الشعلان. نظام مصرف الزكاة. الرياض مطابع الإشعاع، 1402 هـ. ص 43.
12- محمد شوقي الفنجري. الإسلام والضمان الاجتماعي. دار ثقيف : الرياض، 1400 هـ. ص 61.
13- وهبي سليمان غاوجي. الزكاة وأحكامها. مؤسسة الرسالة : بيروت، 1398 هـ. ص 29.
14- عبد العزيز الخياط. المجتمع الكتكافل في الإسلام. بيروت : مؤسسة الرسالة، 1972. ص 177.
15- محمود حسن. مقدمة الخدمة الاجتماعية. بيروت : دار النهضة. ص 106.
16- زهدي يكن. الوقف في الشريعة والقانون. بيروت : مؤسسة الرسالة، 1398. ص 13.