مقدمة :
مغامرة الكتابة عن مفكر فى قامة عبد الرحمن بدوى مغامرة محفوفة بالمخاطر, لكنها مغامرة ممتعة. حيث تمثل لنا كتاباته صورة من صور تعامل الذات مع الآخر, وصورة من صور بناء الذات؛ لأن بدوى فى ذاته, وبكتاباته قلعة قوية من قلاع الفكر العربى الفلسفى المعاصر, أخشى أن أقول إنها ما زالت مجهولة لنا أو بعيدة عنا. والمغامرة تأتى من كون هذه القلعة الحصينة متعددة الأبواب, كثيرة الأبراج, متشعبة الطرق. فأى طريق نسلك ؟ ومن أى باب نلج إلى داخل القلعة لنكتشف ما فيها من كنوز ؟ تأتى المخاطر من كوننا سعينا من قبل لاقتحام أعمال بـدوى من باب ” الأصول الاستشراقية لفلسفته “(1) دون أن نشير إلى تعدد منــاحى أو مداخل البحث فى كتاباته أو الأسس النظرية التى يمكن من خلالها أن نتبين آراء وأفكار المفكر العربى ونعرض لاهتماماته وكتاباته التى هى من السعة والتنوع بحيث تحتاج إلى جهود عديـدة ومناهج مختلفة لبحثها ودراستها.
فقد أسهم بدوى منذ بداية كتاباته 1939, وربما قبلها بقليل, بجهود متنوعة تحدد لنا معالم مشروع فكرى متميز, ينبغى علينا أن نضعه فى إطاره الثقافى وسياقه التاريخى وعلاقته بالواقع الاجتماعى والاقتصادى .. إبان المد الوطنى وسيادة الليبرالية فى مصر فترة الثلاثينات وما تلاها, مشروع فكرى فى الأساس يهدف إلى إيقاظ الوعى وإحداث ثورة روحية تسهم فى بناء الحضارة, ويقوم على البحث فى ” روح الحضارة العربية ” وبيان دور ” التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية “. وهو يقوم بذلـك مسلحاً بكافـة الأدوات الضرورية اللازمة لعمله من اتقان للغات شتى, ومعرفة عميقة بتاريخ الفلسفة, وقدرة على استخدام المناهج المختلفة التحليلية والفيلولوجية والتاريخية, مع حصيلة وافرة من المفاهيم والتصورات الفلسفية, إضافة إلى علاقات عميقة ـــ ومباشرة ـــ بأعمال كبــار المستشرقين الذين درس عليهــم, أو ترجم لهــم, أو عرض لأعمالهم بالنقد والتحليل.
ونستطيع أن نحدد محــاور ثلاثة تمثل بعض قطاعات مشروع بدوى هى :
1 ـــ الموقف من التراث اليوناني(2).
2 ـــ التحقيقات الفلسفية التى تنصب على إعادة بناء الــتراث الفلسفى فى العربية.
3 ـــ الموقف من المستشرقين.
وسنخصص هذه الدراسة لبحث النقطة الثالثة ” الموقف من المستشرقين ” مع اهتمامنا فى نفس الوقت ـــ فى دراسات أخرى نقوم بها ـــ بتنـاول المحوريـن الأولـين. فكتابات بــدوى متعددة, وجهــوده متشعبة, وإنتاجـه ضخم, وهو من السعة والثراء, بحيث تعجز عن القيام به هيئات علمية ذات إمكانيات كبيرة, فقد قام بمفرده فى حياتنا المعاصرة بمثل ما قام به حنين بن إسحق من جهد فى عصر الترجمة الممهد للحضارة الإسلامية فى القرون الأربعة الأولى للهجرة, وإن كان جهد بدوى أكثر تركيباً, فقد تمثلت مهمته فى نقل وترجمة نصوص الفلاسفة المعاصرين, وأبحاث المستشرقين فى الدراسات العربية والفلسفة الإسلامية, بالإِضافة إلى أبحاثه وتحقيقاته فى التراث الفلسفى.
ويلزمنا أن نمهد لهذه الدراسة ببعض الملاحظات الأولية التى ينبغى أن نضعها بين يدى الباحثين فى الدراسات الفلسفية تتعلق بموقف بدوى من المستشرقين.
ـــ اننـا نقدم هنـا قراءة ثانيـة كتابـات بدوى. فقد سبق ـن نشرنا كتيباً عنه بعنون “الصوت والصدى” هادفين إلى بيان الأصول الاستشراقية فى فلسفته 1990, أى قبل صدور أبحاثة الأخيرة فى نقد الاستشراق مثل كتابه “الدفـاع عن القرآن ضد منتقديـه” Defenes du Coran contre ses critiques 1989. “والدفاع عن حياة النبى ضد المنتقصين لقدره” Defense de la vie du prophete Muhammad Contre ses detracteurs 1990. ومن هنا اتجهت القراءة الأولى إلى تأكيد الموقف المؤيد للدراسات الاستشراقية وتبنى مناهجها ونتائجها, وهو ما سيتضح أثناء البحث أنه أخد ملامح الصورة وليس الصورة كاملة.
ـــ ان بدوى لم يقدم لنا دراسة فى الاستشراق, أو بحث عام فى توجهات المستشرقين مثلما فعل إدوار سعيد فى كتابه “الاستشراق : المعرفة. السلطة, الإنشاء”(3), أو فؤاد زكريا فى دراسأته “نقـد الاستشراق وأزمــة الثقافــة العربية”(4), حيث إننا لا نستطيع أن نتناول موقفه من الاستشراق بل موقفه من المستشرقين الذى ترجم كتاباتهم موظفاً إياها فى إطار مشروعه, ودرس أعمالهم فى “موسوعة المستشرقين”(5), وقيمَّ دراساتهم فى “تاريخ العلوم عند العرب”(6).
ـــ ان الموقف من المستشرقين ليس موقفاً واحداً, ولا جامداً ولا متعصياً, بمعنى أننا نجد لدى بدوى مواقف متعددة تجاه أعمال المستشرقين, وتختلف هذه المواقف باختلاف موضع دراساتهم, سواء فى الفلسـفة أو النصوف, اللغة أو الشعر, أو تاريخ العلم, أو الدراسات الدينية؛ القرآن والسنة وحياة محمد. وتتعدد هذه المواقف تبعاً لاختلاف مناهج ورؤى المستشرقين وطبيعة كتبـاتهم, سواء كانت كتابات ذات طبيعة معرفية أو أيديولوجية, موضوعية أو دعائية وأيضاً باختلاف مراحل تطور بدور نفسه, أو من هنا نستطيع أن نميز ثلاثة مواقف أساسية لديه:
أ ـــ إحداها : ما يمكن أن نطلق عليه موقف التماثل “الذى يتبنى فيـه بدوى مناهج هؤلاء المستشرقين ونتائج أبحاثهم, ويتابع تحليلاتهم؛ حيث يتابع أعمالهم وينقلها للعربية ويعلى من شأنهم, ويظهر ذلك بأجلى صورة فى دراساته المبكرة التى يبدو فيها الإعجاب بأعمال : ما ســــينيون L. Massignon (1883 ـــ 1962) وكرواس P./ Kraus (1904 ـــ 1944) ونلينــــو Nallino (1872 ـــ 1038) وهانزهنريش شيدر Schaeder (1896 ـــ 1957) ومــاكس مايرهوف Meyerhof (1874 ـــ 1945) ويظهر هذا الموقف فى مرحلة مبكرة من مراحل حياة بدوى وبداية كتاباته.
ب ـــ والثـانى : الموقف الموضوعى الذى يناقش أعمالهم, ويحلل الدراسات المختلفة لهم مع بيان مناهجهم وتوجهاتهم موضحاً أين أصابوا, وفيما أخطئوا, ويتمثل ذلك فى موقفة من : جولــد تســـيهر Goldziher (1850 ـــ 1921) ومرجليوث (1858 ـــ 1940) ويمثل هذا الموقف الموضوعى الاتجاه العلمى الذى ميز كتابات بدوى فى المرحلة الثانية من تطوره الفكرى, وهى مرحلة النضج والاستقلال الفكرى, وهى مرحلة النضج والاستقلال الفكرى, وهى مرحلة وسط بين الموقف الأول “المماثلة” والموقف الثالث المقابلة, وإن كان هذا الاتجاه ظل ملازماً لـه حتى الآن, ويظهر فى كتاباته النقديـة الأخيرة.
جـ ـــ والموقف الثالث : موقف النقد العنيف والهجوم على الدراسات غير العلمية المتعصبة ضد الإسلام والقرآن والنبى محمد, ويظهر هذا الموقف فى مؤلفاته الأخيرة. ويمكن بيان ذلك بعرض أعمال بدوى أولاً, وترجماته ومواقفه المختلفة من أعمال المستشرقين.
أولاً : ترجمات بدوى لأعمال المستشرقين, (المماثلة) :
تتميز مؤلفات بدوى بسمة واضحة هى ذلك الطابع البنائى الذى يضم موضوعات ذات طبيعة واحدة, يتداخل فيه التأليف والترجمة والتحقيق. حيث يوظف بـدوى ترجماته لأعمال المستشرقين, وتحقيقاته لنصوص القدماء, وأبحاثه لتحقيق ما يهدف إليــه, كما يتضح من عناوين عدد كبير من أعماله. فكتابه : “التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية” هـو دراسات لكبــار المستشرقين ألف بينها, ترجمهـا عن الألمانية والإيطالية(7). و”شخصيات قلقة فى الإسلام” دراسات ألَّف بينها وترجمها(8). و”من تاريخ الإلحاد فى الإسلام” دراسات ألف بعضها وترجم الآخر(9). و”الإنسان الكــامل فى الإسلام “دراسات ونصوص غير منشورة ألف بينها وترجمها وحققها(10).
ونتوقف فى هذه الفقرة أمام بعض هذه الدراسات التى نقلها بدوى إلى العربية عن لغـات مختلفة, وفى موضوعات تدور كلها أو معظمها حول التراث الإسلامى خاصة, فى التصوف والكلام والفلسفة, لعدد من المستشرقين الألمان والإيطاليين والفرنسيين.
أ ـــ أعمال ماسينيون :
يمثل ماسينيون من بين المستشرقين مكانة لا يضارعه فيها إلا “نيلدكـه” و”نلينو” ز”جولد تسهير”, وهو قد امتاز عنهم جميعــاً بنفوذ النظرة وعمق الاستبطان, والقــدرة على استنباط التيار المستورة وراء المذاهب الظاهرة والأفكار السطحية ومرد ذلك إلى مزاج شخصى خاص جعل حياته الباطنة ثمرة عامرة بـأعمق معانى الروحية. ويشيد بدوى بــرأى ماسينيون الأصيل فى أن التصوف قد نشأ عن أصول إسلامية خالصة مستمدة من القرآن والسنة, وأنه بهذا دفع فى صدر تلك الآراء المغالية الواهية التى ظهرت فى أواخر القرن الماضى وأوائل هذا القرن نتيجة للمنهج الهزيل الذى اتبع منهج الأشباه والنظائر الواهيــة الظاهرة للتدليل علـى التأثير والتأثر(11).
وقد قدم دراسة عـن “المنحنى الشخصى لحياة الحلاج” ترجمتها فى كتاب “شخصيات قلقة فى الإسلام”, القاهرة 1947, وبحثاً بعنوان “سلمان باك”. وقد ترجم بنفس الكتاب. بالإضافة إلى دراستين أخريتين نشرت إحداهمــا بنفس الكتاب عن “المباهلة”(12), والأخرى عن “الإنسان الكامل فى الإسلام “ترجمها ونشرها فى كتابه الذى لا يحمل بنفس العنوان(13). وعلى هذا فقد قدم لنا بدوى ترجمة لأربعة أعمال لماسينيون, هذا بالإضافة إلى الإشارات العديدة إلى أعماله فى كتبه المختلفة, وهذه الأعمال هى :
1 ـــ “ســـلمان الفارسـى والبواكــير الروحية للإسلام فى إيران”. نقلها عن نشرات جماعة الدراسات الإيرانية, رقـم 7, بـاريس عـام 1934, ويتناول فيها استهلال عن المدائن والكوفة, وكيف يدرس سلمان, ويعرض فى خمسة نقاط لخلاصة السيرة التقليدية وتحليل “خبر سلمان” الخاص بإسلامه, وفاة سلمان بالمدائن, دعوى مجيئة العراق حليفاً لبنى عبد القيس, الدور التاريخى لسلمان مع النبى فيما يختص بالوحى ودورة فيما بعد مع على, وخاتمة, ثم ملحقين :
الأول : نصوص غير منشورة خاصة بالفرق الغلاة المسماة “السـليمانية” أو “السينية”.
والثانى : إشارات إلى المصادر.
2 ـــ “المنحنى الشخصى لحياة الحلاج شهيد الصوفية فى الإسلام” عن مجلة : “الله حى”, العـدد الرابـع عـام 1945. ويتناول فيها فكرة المنحنى الشخصى, والحلاج : مولــده وتنشــئته, زواجه, حجته الأولى, الرحلــة إلى خراسان والعودة إلى الأهواز ثـم الإقامـة ببغداد, تطورة الروحى, أتبــاع الحلاج, آثاره, قضية الحلاج, محاكمته وإعدامه, ثـم أشخاص مأساة الحلاج, وشهود هذه المأساة, وأخيراً منحنى حياة الحلاج.
3 ـــ “المباهلة بين النبى ونصارى نجران فى سنة 10 هـ بالمدينة. ميـلان عـام 1944 كيفية الآداء, الأصل القرآنــى والإسناد, إسناد الرواية, موجز الروايـة, الدور الاقتصادى لنجران, والتطور السياسى لبنى الحارث, الرمزية الدينية, تحليل كتاب المبتهلة للشلمخانى, تحليل الفصل الخاص بالمباهلة فى الطقـوس النصيرية.
4 ـــ “الإنسان الكـامل فى الإسلام وأصالته النشورية” 1947 – Eranos Jahrbuch, ويتنــاول فيــه النظرية الأخروية للإنسان الكامل وبواعثها العصرية, نشأة وتطور نظرية الإنسان الكــامل. بـــذور النظريـة فى القرآن واعتناق الشيعة لهـا. العنــاصر الثلاثة المميزة للنصوص الملحمية, وأنـواع هـذه النصوص. كتب الملاحم, تحليل “خطبة البيان”.
وحتة لا نكرر ما سبق أن ذكرنـاه فى موضوع آخر عن علاقـة بدوى بماسينيون(14) نكتفى بالقول إنه بالإضافة إلى هذه الترجمات, فـإن بدوى يعتمد عليه, ويستشهد بآرائه فى كتبه المختلفة خاصة فى “شــطحات الصوفيــة”, و “تاريخ التصوف الإسلامى من البداية حتى نهاية القرن الثانى”(15). ويعطى صورة واضحة عنـه فـى موســوعة المستشرقين(16).
ب ـــ باول كراوس :
يرتبط بدوى علميَّا بكراوس ارتباطلً وثيقاً, خاصة أن المستشرق اليهودى كان ضمن أساتذة جامعة القاهرة التى كان بدوى يدرس بهـا فى الثلاثينات, وكان ماسينيون هو الذى زكى ترشيحه للتدريس فى كلية الآداب, وذلك فى مذكرة أشاد فيها بمناقبه, وما يؤمل منه, وهى الذكرة التى عرضت على مجلس كلية الآداب, وذلك فى مذكرة أشاد فيها بمناقبة, وما يؤمل منه, وهى المذكرة التى عرضت على مجلس كلية الآداب : “وقد قرأتها يوم عرضها ـــ وكنت طالباً فى السنة الثالثة بقسم الفلسفة, فصممت على التعرف عليه غداة وصوله”(17).
ويتضح عمق هذه العلاقة ليس فقط من خلال اللغة التى تحدث بها عنه فى “موسوعة المستشرقين”, بل فى الاهتمام بكتاباته وترجمتها إلى العربية بـدءاً من “التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية ” الذى شغل به كلاهما, حيث ترجم له بحثه عن “التراجم الأسططالية المنسوية إلى ابن المقفع”(18). الذى هو تعليق على ما كتبـــه فرانشسكو جيراييلى عن “مؤلفات ابـن المقفع”, كذلك تـابع أبحاثــه عن عــدد من الفلاسفة والموضوعات فى كتابه “تاريخ الإلحاد فى الإسلام” مثل باب برزويه فى “كليلة ودمنة” وبحثه عن ابن الرواندى(19).
ويستمر الاهتمام المشترك بنفس الموضوعات أو قل السير على نفس الدرب, أقصد الفيلسوف المصرى على درب المستشرق التشيكى اليهودى, كما يتضح فى بحثه ” أفلوطين عند العرب”.
ويهمنا أن نشير أيضاً إلى اعتماد بدوى فى كثير من أبحاث تاريخ الإحاد فى الإسلام على دراسات كرواس خاصة عن أبى بكر الرازى, وجاير بن حيان, وإليك بيانات ما ترجمه بدوى من مقالات كرواسما وأبحاثه :
1 ـــ “التراجم الأرسططالية المنسوبة إلى ابن المقفع” وقد نشر هذا البحث فى مجلة الدراسات الشرقية, المجلد الرابع عشر عام 1933. والحقيقة أن عمل كرواس هذا الذى نشر بعنوان “حول ابن المقفع” ينقسم إلى قسمين : الأول خـاص بمسألة الــتراجم الأرســططالية, ويورد بدوى ترجمته فى كتاب “الــتراث اليونانى فى الحضــارة الإسلامية” ص 101 ـــ 120, والقســم الثـانى : يتعلق بباب برزويه, وهو ما نشره فى “تاريخ الإلحاد فى الإسلام”.
2 ـــ “باب برزويه فى “كليلة ودمنة” وهو الجزء الثانى من دراسته السابقة, وقد نشر فى كتاب بدوى عن “تاريخ الإلحاد فى الإسلام”.
3 ـــ “ابن الروانـدى”, وقد نشرها كراوس فى مجلة الدراسات الشرقية, المجلد الرابع عشر عام 1934 ويتناول فيها الموضوعات التالية بعد المقدمــة, النص شذرات من كتاب الزمرد, تأليف الكتاب, وتحليل ما فيه, كتــاب الزمرد, ودفاع الكندى, البراهمة فى كتاب الزمرد, تأريخ الــرد, تحليل الــرد, حياة ابن الرواندى. ويشـــغل صفحــات 75 ـــ 188 من كتاب بدوى السابق(20).
جـ ـــ هنرى كوربان :
يشير بــدوى إلى اهتمام كوربــان بالفلسفة الإشراقية عند السهرودى, وإلى نزعته الثيوصوفية, ويأخذ عليه مبالغته الشديدة فى إبراز نصيب الفكر الشيعى, وأجحف بالفكر الســـنى إجحافاً غربياً(21), ومع هذا فهو يتفق معه فى الاهتمام بالتصوف الإسلامى والوجودية, مما جمع بينهما فى صداقة قوية منذ عام 1954, وطوال ربع قرن من الزمان(22). وقد ترجم له كا كتبه عن السهروردى, وترجم شرحه هـو وكـراوس لأصوات أجنحة جــبرائيل للسهروردى.
“السهروردى الحلبى (ت 1191م), مؤسس المذهب الإِشراقى “نشرات جماعة الدراسات الإيرانيــة رقـم 16, باريس عـام 1939. ويتناول فيه بعد الاستهلال لحياته ومؤلفاته, المقالات الميتافيزيقية والمقالات فى ص،ورة أمثال التوحيد, مأساة السهروردى.
شرح رســالة “أصوات أجنحــة جبرائيل” السـهروردى. المجلة الأسيوية عدد يولية, ســبتمبر 1935, ترجمة القصل الثانى من كوربان وكــراوس للرسالة والشرح الفارسى لهــا. وقد نشرهما بدوى فى كتابه “شخصيان قلقة فى الإسلام”(23).
د. هانزهنريش شيدر :
يصف بـدوى شيدر فى “موسوعة المستشرقين” مشـيداً بـه وبجهده يقول : “خير وصف لهانزهنريش شيدر, هو أنــه كان أوفر المستشرقين حظاً من النزعة الإنسانية بمعناها المحدد الخاص بالقرنين الرابع عشــر والخامس عشر .. اتجه إلى بيان الأصول الإيرانية لبعض المعانى أو النظريات فى التصوف الإسلامى وتمخض ذلك عن بحثه الممتاز بعنوان “نظرية المســـلمين فـى الإنســان الكامل(24). وقد ترجمه بــدوى كمـتا ترجم له دراسته عن “الشرق والتراث اليونانى”.
1 ـــ “روح الحضارة العربية” ترجمة لبحث شيدر “الشرق والتراث اليونانى” مجلة الحضارة القديمة, المجلد الرابع(25).
2 ـــ “نظرية الإنسان الكـــامل عنـــد المسلمين مصدرها وتصويرها الشعرى”.
وأصله محاضرة ألقيت أمام شعبة برلين للجمعية المشرقية الألمانية فى 26 نوفمبر 1924, وهو يدور حول الكشف عن الارتباط الوثيق فى تاريخ الأفكار بين الدراســات الإيرانيـــة والإســــلامية”. ويشمل بعد التمهيد عن الإسلام والإيرانية والهلينية الموضوعات الآتية : الإنسان الأول فى الكونيــات الإيرانيــة القديمة, التغير الثنوى التشاؤمى الذى أصاب فكرة الإنسان الأول فى نظريات النجاة عند الغنوصيين, قبول النظرية فى الغنوص الإسلامى, الصورة الكلاسيكية لنظرية الإنسان الكامل عند ابن عربى, ويبين أن الإنسان الكامل مقصداً سائداً فى أسلوب التعبير فى الشعر الغنائى الفارسى مع ملحق بنشيد مانوى(26).
هـ ــ كرلو ألفونسو نلينو :
ومكانة نلينو بين المستشرقين جميعاً مكانة ممتازة, لا يساويه فيها غـير جولدتسيهر ونيلدكه, وهو بمتاز عن جولد تسيهر بدقته العلمية وسعة إطلاعه على مختلف المسائل الإسلامية والغربية.
ويذكر بــدوى تدريسه بالجامعة المصرية, وتأثيره الكبير على تكوين الأدباء فى مصر حاصة طه حسين أنبغ طلاب الجامعة المصرية الذى يتضح أثـر نلينو عليـه فى “الأدب الجـــاهلى”(27). ويشير بدوى فى موسوعته إلى دراساته الخاصة بـأصل تسمية المعتزلـــة واسم القدرية, والمقالة الخاصة بفلسفة ابن سينا, وهل هى شرقية أم إشراقية, وهى المقالات التى ترجمها فى “التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية”, وغيرها وقد ترجم له بدوى الدراسات التالية :
1 ـــ بحوث فى المعتزلـة ” أ : أصل تسميتها “, “ب : اسم القدريــة”, “ج: الصلـة بين مذهب المعتزلة, ومذهب الإباضية المقيمين فى أفريقيا الشمالية.
د ـــ ” حول فكرة غريبة منسوبة إلى الجاحظ عن القرآن “. وقد ظهرت هذه البحوث فى مجلة الدراسات الشرقية, المجلد السابع, روما 1916, وقد ترجمها بدوى فـى كتابه التراث اليونانى (ص 173 ـــ 217).
2 ـــ “تعليقات صغيرة على ابن المقفع وابنه” نشرت فى مجلة الدراسات الشرقية بالإيطالية ج14. ونجدها فى : “تاريخ الإلحاد فى الإسلام” (ص 64 ـــ 71).
3 ـــ “محاولـة المسلمين إيجاد فلسـفة شـرقية” ظهر هذا البحث فى “مجلة الدراسات الشرقية” المجلد العاشر, عـام 1925 بعنـوان : “حكمــة ابـن ســينا الشرقية ـــ أو الإشراقية ” التراث اليونانى (ص245 ـــ 296).
و ـــ أجنتس جولدتسيهر :
وحين نتنــاول موقف بــدوى من جولدتسيهر نجد تبــدلاً واضحــاً بين موقفين أساسيين : الأول, مؤيــداً فى التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية, وفيه يعلى من قـدر المستشرق اليهـودى مبنيــاً أفضالــه التى لا تحصى على الدراسات الإسلامية, بحيث نجد أنفسنا وكأننا نقرأ شعراً يتغزل فى هذه الشمس الساطعة ونورهــا ودفئهــا وأشعتها التى تضئ, وهذا الموقف المبكر 1941م يختفى تماماً مع الكتابــات الأخيرة ـــ التى يحلل فيه.
بـدوى جولدتسيهر وغيره فى القضايا الدينية والعقائد ـــ التى صدرت عام 1989, 1990 وفيها نجد التحليل الدقيق والهجوم الحاد على الرجل الذى أراد رد كثير مـن عقائد الإسلام وتشريعاته إلى اليهودية, وسنعرض هنا للموقف الأول, ثم نتناول فى الفقرة الثالثة نقد بدوى له.
ظل جولدتسيهر أكثر من ربع قـرن شمساً ساطعة, استمرت ترسل فى عالم البحوث الإسلامية ضوءاً يبدد قليــلاً ما يحيط بنواحى الحياة الدينية الإسلامية من ظلام, وينير السبيل أمــام الباحثين فى الوثائق التى سجلت فيها تلك الحياة, وينمو على حرارته جيل ضخم ممن كانوا بالأمس القريب, أو ممن هم اليوم أئمة المستشرقين(28). ويعلى بدوى فى كتابه “التراث اليونانى” من شأن جولدتسيهر فقد “كـان لديه نوع من التجربة الروحية الباطنة استطاع عن طريقها أن ينفذ فى النصوص والوثائق, كى يكشف من ورائها الحياة التى تعبر عنها النصوص, ويتبين التيارات والدوافع الحقيقية. فهو إذ قام بنقد الحديث ـــ كما يخبرنا بدوى ـــ فليس ذلك كى يبيـن أنه موضوع أو غير موضوع, وإنما لكى يدرك الميول المختفية والأهــواء المستورة التى يعبر عنها أصحابها فيما يضعون أو يروون من حديث(29).
تأمب اللغة التى كتب بها بدوى فى موسوعته عنه يقول : “يشاء الله أن يهب الإسلام من الأوربيين من يؤرخون لـه كسياسة فيجيدون التأريخ, ومن يبحثون فيه كدين وحياة روحية فيتعمقون هذا البحث, ويبلغون الذروة فيه أو يكادون .. وكان سيد الباحثين فيه من الناحية الدينية خاصة والروحية عامة اجتنس جولدتسيهر”(30).
أما عن منهجه فقد كان يقبل على النصوص وفى عقله جهاز من المقولات والصور الإجمالية, يحاول تطبيقها على هذه النصوص, والتوفيق بينهما وبين ما يوحى به ظاهر النص, يتلاءم وهذه الصورة الإجمالية.
ويبين بدوى فى مقارنـة دقيقة أن جولدتسيهر يختلف عن نلينو من ناحية وعن بيكر (كـارل هنريش) من ناحية أخــرى, بينمــا منهج جولـد تســيهر استدلالى يعتمد على البصيرة والوجدان, نـرى منهج نلينـو منهجاً استقرائياً خالصاً, كل اعتماد على النصوص لا يكاد يخرج منها إلى النتائج الواسعة .. كما أنه يختلف من ناحية ثانية عن بيكر فى أن بكـتر لم يكـن يحتاط كثـيراً فـى استخدام الوجدان والبصيرة.
وكتابه “محاضرات فى الإسلام” 1910 هو كما يقول بدوى : “صورة كاملة متناسبة الأجزاء للحياة الروحية فى الإسلام”. أما فى كتاب “اتجاهات تفسير القرآن عند المسلمين” فهو يقدم لنا فى الظاهر تاريخاً حيَّا لتفسير القرآن, بينما هو فى الحقيقة إنما يعرض لنا فيه مرآة صافية انطبعت فيها صورة قوية واضحة للحياة الروحية طوال ثلاثة عشر قرناً عند الملايين من المسلمين(31).
وقد ترجم له بدوى الأعمال التالية :
1 ـــ “موقف أهل السنة القدماء بــإزاء علوم الأوائل”. وقد نشر هذا البحث فى “مباحث الأكاديمية الملكية البروسية” عام 1915. القسم الفلسفى التاريخى, العدد8(32).
2 ـــ العناصر الأفلاطونية المحدثة والغنوصية فى الحديث “ظهر هذا البحث فى كجلة الاشوريات Z.A. المجلد 28 عام 1909. وكلا العلمين نشرهما بدوى فى التراث اليونانى 1941 .. صفحـــــات 123 ـــ 172, 218, 241(33).
وقد ترجم له عدة نصوص فى كتاب “دراسة المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلى 1979 وهى :
3 ـــ “مقدمة لديوان جــرول بن أوس الحطيئة”؛ لقد نشر جولدتسيهر ديوان الحطيئة مجلة ZDMG المجلد 46 عــام 1892, وقدم لهذه النشرة بهذه المقدمة.
4 ـــ “جن الشعراء” وقد نشر أولاً بمجلة ZDMG المجلد 45 سنة 1891, ثم فى أعماله الكاملة, الجزء الثانى 1968.
5 ـــ “تعليقات على دواوين القبائل العربية”. وقد نشرت أولاً فى مجلة JRAS عام 1897, ثم قى أعمالــه الكاملة الجزء الرابع(34).
ز ـــ ماكس مايرهوف :
يصف بدوى مـايرهوف “طبيب العيون المشهور فى القاهرة” بأنه من أعظم الــباحثين فى تاريخ الطب والصيدلة عند العرب .. قوى الصلات ليس فقط بالأجانب فى مصر, بل وأيضاً بالنابهين من رجــال الأدب والفكر والسياسة من المصريين. ويؤكـد بدوى على صلته القوية به يقول : “وان أنس لا أنس حسن استقباله لى وأنا شاب فى الثانية والعشرين, حيث ذهبت إليه فى عيادته بتوصية من باول كرواس للحصول منه على نسخة من مقاله “من الإسكندرية إلى بغداد” كى أترجمـه .. ولا يزال هذا البحث أفضل ما كتب فى موضوعه رغم التقدم الهائل فى هذا الميدان؛ لأنه يعطـى نظرة عـامة لكيفية انتقال التراث اليونانى الطبى إلى الإسلام, ويتناول بإيجاز أشهر المترجمين والعلماء العرب حتـى القرن الرابع الهجرى(35). وقد ترجم بدوى فى التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية هذا العمل :
“من الأسكندرية إلى بغداد : بحث فى تاريخ التعليم الفلسفى والطبى عند العرب” وقد ظهر هذا البحث فى “محاضر جلسات الأكاديمية البروســية للعلوم, قسم الدراســات التاريخية الفلسفية, المجلد 23 سبتمبر 1930 فى بدوى (ص37 ـــ 100)(36).
ح ـــ كارل هنريش بيكر :
والمستشرق و السياسى الألمانى بيكر K.H.Bekker عــالم واسع الأفق بارع فى فهم الناس, شامل النظرة نحو الأشياء محيط بــالأحوال السياسية والاقتصادية التى يضطرب بها عصره, خبير بالشئون الاجتماعية والدينية الخاصة بالدول المستعمرة وبخاصة الإسلامية منها. دعى لكى يكون أستاذاً فى المعهد الذى أنشأته الحكومة الألمانية فى همبرج لدراسة المسائل الخاصة بالاستعمار, ولتكون طبقة من القادرين على إدارة شئون المستعمرات والخبراء بأحوال الأمم المستعمرة(37), ولم يعلق بدوى على ذلك بل اكتفى بتقديمه, الذى أكد فيه على كونه يجمع بين العلم والسياسة. “عرفته السياسة بمعناها الرفيع أحداً من رجالها الأفذاذ النابهين, وعرفه العلم مستشرقاً وفيلسوف حضارة كـان فى الطليعة من بين فلاسفة الحضارة والمستشرقين(38).
ترجم بدوى دراسته “تراث الأوائل فى الشرق والغرب” وهو محلضرة كان قد ألقاها بيكر فى جمعية الامبراطور فلهلم ببرلين فى مارس 1931, وطبعت بليزج فى نفس العام. (راجع بدوى التراث اليونانى .. ص 3 ـــ 23 ).
ط ـــ فرانشيسكو جايربيلى :
كبير أساتذة اللغة العربية وأدبها فى جامعة روما, برز فى دراسة الشعر العربى, وفى تحقيق التاريخ الإسلامى. ترجم له بدوى “زندقة ابن المقفع” فى كتابه “تاريخ الإلحاد فى الإسلام”(ص 40 ـــ 53 ).
“زندقة ابن المقفع” وهو فصل من دراسة أوسع بعنوان “مؤلفات ابن المقفع” نشر فى كجلة الدراسات الشرقية المجلد 13 عام 1932(39).
ى ـــ أسين بلاثيوس :
يعرض بدوى فى مقدمة ترجمتــه لكتاب أسين بلاثيوس عن ابن عربى لحياته ومؤلفاتـه وخصائص أبحاثـة, وينتقد إسرافه فى استخدام منهج التأثير والتأثر فى بيان صــلات الفلسفـة والتصوف الإسلامى بما يسبقها وتأثيرها على اللاحقين, راجع مادة بلاثيوس فى بدوى ] ص 75 ـــ 81 [.
“ابن عربى : حياته ومذهبه “ترجمة ودراسة, القاهرة 1967(40). وهـو يناقش أفكــار بلاثيـوس فـى دراســته “أوهام حول الغزالى” وذلك فى زعمــه بتأثر الغزالى والمسيحية, وذلك فى المجلد الثالث من كتابه المذهب الروحى عند الغزالى ونزعته المسيحية(41).
ك ـــ نيلدكه Naldeke :
يعد نيلدكه (1836 ـــ 1931) شيخ المستشرقين الألمان غير مدافع, وقد أتــاح له نشاطه الدائب وألمعية ذهنـه وإطلاعه الواسع على الآداب اليونانية وإتقانه التام لثلاث من اللغات الســامية مع استطالة عمره حتى جاوز الرابعة والتسعين ـــ أن يظفر بهــذا المكانه لـيس فقط بين المستشرقين الألمان, بل بين المستشرقين جميعاً(42). هذا الموقف سيغير كلية فى كتابات بدوى المتأخرة, كما يتضح فى عرضنا له فى الفقرة الثالثة من هذا البحث, ويشير بدوى إلى كتاباته, خاصة (أبحاث لمعرفة شعر العــرب القدماء) والبحث الأول فيه هو الذى قدم بدوى ترجمته فى كتابه “دراسـات المستشرقين حول صحة الشعر الجــاهلى” “من تاريخ ونقد الشعر العربى القديــم”. ] بدوى ص 17 ـــ 40 [.
ل ـــ دفيد صموئيل مرجوليث :
يتخذ بدوى موقفين تجاه مرجوليث, أو قل موقف مزدوج, يتمثل فى الإشادة بأعماله وتحقيقاته فى الأدب العربى مـن جهة, وانتقاده بشدة فى دراساته عن الإسلام. وهو ما سيتبلور فى دراساته المتأخرة التى توضح لنا موقفة النهائى من المستشرقين, فقد كتب عن “محمد ونشأة الإسلام” 1905 ثم الإسلام, وألقى محاضرات عن “تطور الإسلام فى بدايتــه” ونشرت عام 1914, هذه الدراسات كما يقول بدوى : كانت تسرى فيها روح غير علمية ومتعصبة مما جعلها تثير السخط عليها ليس فقط عند المسلمين, بل عند كثير من المستشرقين(43). إلا أن نزاهتــه وموضوعيــة بـدوى جعلته يشيد بمرجليوث فى مجالات أخرى, يقول : “إن فضل مرجليوث الحقيقى ينبغى أن يلتمس لافى هذه الأبحاث ـــ السابقة ـــ المغرضة, بل فى نشراته الكثيرة, وعلى رأسها نشرته لكتاب معجم الأدباء لياقوت وارسائل أبى العلا المعرى(44). وقد ترجم لد بدوى “نشأة الشعر العربى” نشرت هذه المقالة فى مجلة الجمعية الأسيوية الملكية عـدد يوليو 1925. زنشرها بدوى ] فى دراسات المستشرقين ص 87 ـــ 127 [.
م ـــ دراسات أخرى حول الشعر الجاهلى وهى :
1 ـــ “ملاحظات على صحة القصــائد العربية القديمة”. تأليف هـ . الفرت.
2 ـــ “فى مسألة صحة الشعر الجاهلى” أ. برونيلش.
3 ـــ “الرواية والرواة عند العرب” تأليف أوجست اشبرنجر.
4 ـــ “التأثيرات الوراثية والمشاكل التى تضعها رواية “الشعر العتيق” تـأليف ريجى بلاشير, نشرت فى مجلة, “دراسات عربية وإسلامية, ليدن, أبريل 1965.
5 ـــ “استعمال الكتابة لحفظ “الشعر العربى القديـم” تـأليف فــ. كرنكوف. نشر فى المجلد التذكارى “من الدراسات الشرقية” مهدى إلى أدورد بـــراون, كمبرديج 1922(45).
ثانياً من الترجمة والمماثلة إلى النقد والمقابلة :
ذكرنا ـــ فى تمهيدنا السابق ـــ أننا بصدد تقديم قراءة ثانية لموقف بدوى من المستشرقين, وحددنا مواقف ثلاثة تميز تعامله مع كتاباتهم. وقد عرضنا فى دراسة سابقة متابعة بدوى لهم, وإعجابه بأعمالهم, والتماثل مع موقفهــم مـن التراث؛ وهو ما يظهر فى عدد كبير مـن الترجمات السابقة التى نقلها فى مرحلـة مبكرة من حياته لكل من كـرواس, وما سينيون, ونلينو, وماكس مايرهوف, إلا أننا نجد تحولاً فى موقفــه من هؤلاء المستشرقين, حيث أعاد النظر فى عدد من الأحكام التى أصدرها على أعمال خؤلاء, مثل موقفه من جولدتســيهر. وفى هذا التزجه الجديد نجده قد ييد بمستشرق فى موقف, أو مجال, أو موضوع فى الوقت الذى ينتقده فى موقف أو مجال آخر؛ نجد ذلك فى موقفه من مرجليوث, وهو توجه يميز كتابات بدوى فى مرحلى تالية فى حياته, تمتد لفترة طويلة منـذ الستينيات وحتى عــام 1984 تاريخ صــدور “موسوعة المسترقين”,. وهذا التوجه يختلف عن المرحلة الأولى من حياتــه العلمية “المماثلة” مع أعمال المستشرقين, كما يختلف عن المرحلة الأخيرة التى تبدأ من عــام 1989 بصدور أعماله ضد الكتابات الاستشراقية المغرضــة التى تهاجم الإسلام ونبيه, وهى مرحلة “المقابلة” والتضاد, ضد أعمال ومناهج المسترقين, ونتائج أبحاثهم, وهى مرحلة يغلب عليها النقد الدينى, والنقد الدينى المضاد. وبالطبع لا تمثل هــذه المرحلة الوسطى انقطاعاً تاماً عن موقفه السابق؛ ققيها كثير من الأحكام العلمية الموضوعية التى تشيد بأبحاث وتحليلات المستشرقين, كمـا لا تختلف اختلافاً جذرياً عن المرحلة الأخيرة من كتاباته, ففيها نجد بـذور نقــده الأخــير للمستشرقين, إلا أنها تتميز عن هذين الموقفين بثراء, وخصوبـة, وتعدد الأحكام التى يصدرها على أعمال المستشرقين, بحيث تمثل مرحلة وسطى ذات خصائص متميزة وبلغة تختلف عن لغة الإعجاب الشديد فى المرجلة الأخيرة؛ إنـها لغـة هادئة, موضوعية, منصفة, محايدة لا تطلق أحكاماً عامة, بل تتعامل مع كل عمل وكل مسترق على حدة تنصف وتشيد بأصحاب الجهود العلمية الجادة, وتدين وتنقد بشدة المواقف غير العلمية, ونستطيع أن نميز بين عدة أنواع من الإدانة يصدرها بدوى على أعمال هؤلاء المستشرقين, فهو يدين بعضهم لأسباب أيديولوجيـــة سياســـية؛ لانغماســـهم فى مواقـــف سياسيــة استعمارية ضد مصر والعرب, أو يدين البعض لأسباب دينية فى فهم الإسلام وتحريـف بعض حقــائق التــاريخ الإسلامى, أو لأسباب علميـــة تتعلق بالفهم واللغة والتحليل العلمى للتراث العربى الإسلامى.
فى هذا الموقف النقدى الموضوعى الذى يمثل مرحلة وسطى فى كتابات بدوى عن المستشرقين يتوارى فهمه لهم باعتبارهم “معلمى الإنسانية .. أساتذتنا المستشرقين “ويظهر التحليل النقدى بأشكاله الثلاثة السياسى والدينى والمعرفى ـــ وإذا كانت دراستنا “الصوت والصدى” توضح موقف المماثلة معهم, الذى يتضح فى الفقرة الأولى من بحثنا الحالى, الذى تناولنا فيه ترجماته لكتابات المستشرقين, والفقرة التالية عن “المقابلة” مع تحليلاتهم وكتاباتهم, فـإن الفقــرة الحالية تمثل المرحلة الانتقالية التى تعبر عنها كتابات بدوى ـــ فى “موسوعة المستشرقين” ـــ النقدية الموضوعية, والتى نستطيع تحديدها فى عدة نقاط هى :
1 ـــ الإشادة بأعمال المستشرقين ونتائج أبحاثهم.
2 ـــ تصحيح الأخطاء العلميـــة والتحليل الموضوعى لدراساتهم.
3 ـــ إدانـــة التوجهات السياسية والتعصب الدينى فى كتاباتهم.
وسنناقش كل نقطة من هذه النقاط؛ لبيان موقف بدوى الموضوعى الذى يمثل هذه المرحلة الوسطى من أعمال مفكرنا العربى من كتابات المستشرقين.
1 ـــ إذا كانت هذه المرحلة تمثل انتقالاً فى موقف بدوى, فهى تحمل بعض آثار المرحلة الأولى التى يرتبط فيها بدوى بين أعماله وأعمال المستشرقين؛ حيث نجده يحيل فى كثير من مواد موسوعته, وعند حديثه عن كثير من هؤلاء ـــ إلى أعمالة التى تحمل نفس الاهتمامات, وتــدور حول نفــس الموضوعات, أو التى تعتمــد على نفس المصادر والمخطوطات.
يذكر بدوى فى حديثه عن المستشرق الألمانى زنكــر Zenker (ت 1884) أنه نشر ترجمة لكتاب “المقولات” لأرسطو عن المخطوط المشهور رقـم 882 عربى (ت 2335 عربى فى فهرس رسلان) “وهو المخطوط الذى نشرناه كله, ومعظمه لأول مرة فى كتابنا “منطق أرسطو” فى ثلاثة أجزاء القاهرة 47 ــ 49 ــ 1952, وقد صــدرت نشرة زنكر فى 1846″(46). ويشير إلى نشرته لترجمة أورسيوس العربية “تاريخ العالم” بيروت 1981 فى سياق تناولهلأبحاث دلافيد Della vida أثناء مقامه فى أمريكا واطلاعه على المخطوطات, وكان من ثمرتها بحث طويل بعنوان ” الترجمة العربية لتواريخ أورسيوس”(47) .. وكذلك يبين بدوى اهتمام جــاينجوس Gayangas (1809 ـــ 1897) بلأدب الأسبانى فى “العصر الوسيط ونشرة كتاباً بعنوان “كتب الفروسية” مدريد 1857, وهو نشرة نقدية لنص قصة أماديس “الغالى, ويشير لمقدمة ترجمته لـــ “دون كيخوته” القاهرة 1964(48). وحين يعرض لـــ “سوميز” يحيل إلى كتابه “مسكويه : الحكمة الخالدة “القاهرة 1952(49). وفى تناوله للمستشرق الألمانى اليشمان يخبرنا بعثوره على نسخة نحطوطة من جـاويدان خــرد (الحكمــة الخالدة) لمسكويه, وفيـه ترجمة عربية “للغز قابس”, وعلى الأشعار الذهبية المنسوبة إلى فيثاغورس, وقيامــه (اليشــمان) بتحقيق هــذا النصيحة وترجمتها إلى اللاتينية”. ويحيل إلى نشرته وتصديـره لنفس العمل(50). وحين يذكر يوحنا الاشبيلى يشير إلى أعماله, ومنها “فى الخــير المحـــض” المنســوب إلى أرسطوطاليس, ويشير إلى كتابــه : “الأفلاطونية المحدثة عند العرب “القاهرة 1954م. وفى مادة بوكــوك يذكر أنه بعد ترجمته اللاتينية لرسالة “حى بن يقظان” توالت الترجمات الأوروبية لهذه الرسالة الأصيلة الفريدة, “وقد ذكرناها تفصيلاً فى كتابنا بالفرنسية “تاريخ الفلسفة فى الإسلام”, الجزء الثـانى, باريس, 1972(52). وحين يتحدث عن المستشرق الألمانى كوزجارتن (1792 ـــ 1862) يذكر علاقته بجوته, إذ كان يترجم لـه قصائد عربية, وكان جوتـه يعيد صياغتها شعراً, وقد ضمنها فى “الديـوان الشرقى للمؤلف الغربى”, راجع ترجمتنــا له القــاهرة عــام 1967(53). ونفس الأمر فى حديثه عن غلهلم ألفرت (1828 ـــ 1909), يشير إلى كتابـه “ملاحظات على صحة القصائد العربية الجاهلية”. وقد ترجم بدوى فى كتابه : “دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجـاهلى”, الفصل الأول منه؛ وهـو كتاب يعلى فـيه من جهود المستشرقين ومنهجهم وتحليلاتهم للشعر الجاهلى مقابل الدراسات العربيـة التى ينتقدهــا بشــدة, وفنـد المواقف المختلفة التى خاجمت طه حسين فى دراساته حــول الشعر الجــاهلى(54).
ويذكر لــ روسى Rossi (1894 ـــ 1955) المستشرق الإيطالى الذى اهتم بتاريخ ليبيا بحيث “حكــم الأســبان وفرسان مالطة فى طرابلس فى الفترة من 1510 إلى 1551” وأنـه خص هـذا الكتاب بعرض مسهب فى “مجلة كلية الآداب بالجامعة الليبية”, المجلد الثالث, بنغازى 1969 ويحيل القارئ إليـه(55). وحين يتحدث عن أوجست ملر Muller (1847 ـــ 1892), يـأتى ذكر جوشـه Gosche صاحب الدراسات عن مؤلفات الغــزالى, فيشــير إلى كتابـه “مؤلفــات الغزالى” القاهرة 1961(56).
وهـو يشـيد بأعمـــال هـــؤلاء المستشرقين, ويمتـــدح تحقيقــاتهم, وأبحاثهم, ويبين أن رمبولــدى G.B Rampoldi أول إيطالى عنـى بالتاريخ الإسلامى, كـان ذا نزعـة عقلية جعلته متحرراً من الأحكام السابقة المغرضة عن الإسلام. ولهذا كتب عن حياة النبى ورسالته دون تحامل سابق, وإن كان بروح عقلية استبعدت كل الخــوارق والمعجزات. كذلك نجده لا يسكت عن المخازى التى ارتكبها الصليبيون, خصوصاً فى الحملة الصليبية الأولى لمـا أغرقوا قبر المسيح بالدماء ولم يراعوا له حرمة”(57).
وحين يعرض للمستشرق الانجليزى سيل (1697 ـــ 1736) يبين أنه كـان منصفاً للإسلام ـــ بريئاً ـــ رغم تدينه المسيحى ـــ من تعصب المستشرقين المسيحيين وأحكامهم الزائفة, فلم ينكر نبوة النبى محمد؛ وذلـك لأنه كـان من أنصار نزعــة التنويـر التى انتشرت فى أوروبا فى تلك الفترة(58).
ونفس الموقف يتخذه من أعمـال ريلانـد Reeland المستشرق الهولنــدى, ويعرض لأهم مؤلفاتـه “فى الديانة المحمدية” الذى كتبـه باللاتينية. وهـو ينقسم إلى قسمين :
الأول : هو تحقيقه لكتاب موجز فـى العقائد الإسلامية, وترجمه إلى اللاتينية مع تعليقات وفيرة, وبهذا يعطى للقارئ الأوربى عرضاً أمينـاً للعقيدة الإسلامية كما يفهما المسلمون.
والقسم الثانى : يفحص عن بعض الآراء الباطلة ـــ المنتشرة فى أوروبا منذ العصر الوسيط حتى القرن السـابع عشر ـــ عن الإسلام, والقرآن والسنة, المحمدية, ويحاول تصحيحها استناداً إلى القرآن والسنة ومؤلفات المسلمين. وهـو بهذا عند بدوى أول أوربى حاول تبرئة الإسلام من التهم الباطلة التى اخترعها الكتاب الأوربيون, وشوهوا بها حقيقة الإسلام. ويشسر بدوى إلى أنه كتب بالفرنسية بحثاً مفصلاً عن موقف ريلاند من الطعن فى القرآن بمناسبة الآية : } يا أخت هارون {. وهو ما سيتحدث عنــه بعد ذلـك بـالتفصيل فى المرحلــة التالية(59).
وكذلك شاخت Schacht (1902 ـــ 1969) الذى كان حريصاً على الدقـة العلمية فى عرض المذاهب الفقهية, وفى دراسة أمور الفقـه بعامة, مبتعداً عن النظريات العامة والآراء الافتراضيـة التى أولع بها أمثال جولدتسيهر وسانتيلانا, ممن كتبـو فى الفقـه الإسلامى, ولهذا كانت دراسات ومؤلفات شاخت أبقى أثراً وأقرب إلى التحقيق العلمى وأوثق وأجدى”(60). ويشيد بكل من : نيلدكـه Naldeke (1836 ـــ 1931) شــــيخ المستشرقين الألمــان غــير مدافـــع, ونيكلســـون Nickolon (1868 ـــ 1945) ـــ الذى يعــد عنــده بعــد ماسينيون اكبر الباحثين فى التصوف الإسلامى(61). ويشير إلى مؤلفات نيبرج Nyberg (1889 ـــ 1974) ورســالته للدكتوراه عن “المؤلفات الصغرى لابن عربى “ويصفها بأنها من أجـلّ الأعمال فى باب التصوف الإسلامى, وإلى نشرته الممتازة لكتاب “الانتصار والـرد على ابـن الروانـدى الملحد”(62). الذى زوده بتعليقات مفيدة للغاية, وتكاتش Tkatsch (1871 ـــ 1927), وأهــــم أعماله تحقيق الترجمة العربية لكتــاب فـن الشعر لأرسطو, وأن عمله من أجــلّ الأعمال الفيلولوجية”(63). ويفيض فى بيان تعمق ريسـكه Reiske (1716 ـــ 1774), ويشيد بنشره لمعلقة طرفة التى كانت فتحاً جديداً عظيماً فى ميدان الدراسات العربية, وكيف ربأ بنفسه أن يصنع صنيع أستاذه أسخولنتز الذى كان يتهرب من الصعوبات فى النصوص العربية إذا وجد كلمات لا يفهمها, فإنه كـان يحذفها فـى صمـت, أو يغيرهـا اعتباطاً. ويضيف أن ريسكه الذى وجد الناشرين للنصوص اليونانية يتهـافتون عليه لم يجد ناشراً واحداً يقبـل أن ينشـر له كتبه فـى ميـدان الدراسات العربية, فاضطر أن ينشر ما نشر من ذلك على نفقاته الخاصة. ومن هنـا ظلت أحواله المالية سيئة “ذلك أن اللاهوتيين يبغضونه أشد البغض؛ لأنه مجد الإســلام, ولم يرافئهم على أكاذيبهم واتهاماتهم الدينية للنبى محمد وللإسلام بعامــة,ويستشهد بقول فوك عنه : “لقد كان متهمـاً عنـد اللاهوتيــين بأنــه حـر التفكير, ولم يسايرهم فى ادعائهم أن محمد كان نبيـاً زائفـاً وغشـاشـاً, وأن ديانتــه خرافــات مضحكة, ولم يشأ أن يقسم تاريخ العالم إلى نصفـين, نصف مقـدس ونصف دنيوى, بل وضـع العـالم الإسلامى فى قلب التاريخ العالمى, وفـوق ذلـك كـان يعبر عن آرائه هذه بصراحـة تامة, دون أن يحفل بما عسى أن يترتب عليــه من نتائج, فجلب عليه الكساد(64).
2 ـــ والسمة الثانية التى تمـيز هـذه المرحلة, وتوضح خصائص هـذا الموقف النقــدى : هـى التحليــل الموضوعـى لدراسات المستشرقين, والتى تظهر فى تصحيح أخطائهم العلمية من جهة, وبيان أين أصابو أو فيما أخطأوا, بينما نجده يشيد بدقة أعـمال مستشرق مـا, وفى نفس الوقت ينتقده فى جوانب أخـرى, فالأحكام التى يصدرها على كل مستشرق لا تسرى على أعماله جملة, بل على المنهج, والتحليــلات, والنتائج لكل عمل على حدة, ويمكن تفصيل ذلك على الوجه التالى :
حين يعــرض بدوى لاســكاليجير Scallger (1540 ـــ 1609) يصفه بأنه مستشرق, وفيلولوجــى كلاســيكى فرنسى عظيم ـــ وبعد أن يعرض مؤلفه يرى أنه فيمــا عـدا كتابه “فى إصلاح الأزمنة” 1583, فإننا لا نعثر لديه على ما يـدل على أنه سـار فى الدراسات العربية والشرقية بعامـة شوطاً بعيــداً, “ولهذا نعجب كيف وصفه أربنيوس بأنه الأول بـين المســتعربين Primus arabisantium, والحقيقة أن أهميتــه كمستشرق ضئيلة, وإنما هو فى المقام الأول عــالم فــذ فـى الدراسات الكلاسيكية”(65).
ويشير إلى كتـاب بوكـوك Pococke (1604 ـــ 1691) “لمع من أخبار العرب”, وهو أول كتاب يطبع فى أكسفورد بحروف عربية. وأن أهميـة الكتاب تقوم فى التعليقات المفيدة جدًّا التى زود بها بوكوك نص ابن العبرى. ونصف هـذه التعليقات تتناول العرب قـبل الإسلام, أما التعليقـات تتناول العـرب قبل الإسلام, أمـا التعليقات الخاصة بالنبى محمد فقليلة, وتتسم بـالتحيز والتعصب البغيض, وهو أمر لا يستغرب من مبشر نذر نفسـه, للتبشير فى بلاد الإسلام(66).
وفى تناوله لهـاملتون جب H. Gibb (1895 ـــ 1971) يشير إلى أنه نال فى حياته كثيراً من ألقاب التشريف التى لا يستحقها علميًّا, وأن شهرته فوق قيمتـه العلمية, وإنتاجه أدنى كثيراً من الشـهرة التى حظى بها لأسباب كلها بعيدة عـن العلم. وما كتبـه عـام 1926 بعنــوان “الأدب العربـى” هـو كتيب صغــير سطحى تافه قصد به إلى القراء الإنجليز, وعمله الخليق بالذكر ـــ فى مجال التــاريخ الإسلامى ـــ هو الكتـاب الـذى ألفـه بالإشتراك مع هـارولد بـوون بعنوان “المجتمع الإسلامى والغرب : المجتمع الإسلامى فى القرن الثامن عشر” والكتاب عرض عام لم يقم على وثـائق من المحفوظات. ولهـذا كــانت قيمته العلمية ضئيلة إذا ما قورن بالدراسات العديدة فى نفس الموضــوع, والتى اعتمــدت أساســـاً علـى الوثــائق والمحفوظات, ولكن هذا هو طابع كل ما كتبه جب(67).
وتظهر موضوعيتع فى تقييمه لأعمال اشتنيشــــيندر Steinschneider M. (1861 ـــ 1907) خاصـة “الترجمات العربية عن اليونانيــة” 1897, يقــول بـدوى : “على الرغــم من أن معظم المعلومات الواردة فيه قد صــارت عتيقة بفضل ما قمنا نحن به مـن نشــرات ودراسات فى هذا المجال, فإنه لا تزال له بعــض الأهمية فيمــا يتصل بالعلوم الرياضية والطبيعية”.
والكتاب الثانى فى نفس الميدان : هو “الترجمــات الأوربيــة عـن العربيــة “1904 ـــ 1905, وقد صار هو الآخر عتيقاً بفضل تقدم الدراسات فى هذا المجال, ولكن لا يوجد حتى الآن كتـاب جامع يتناول نتائج البحث حتـى اليوم, إنما هى دراسات متفرقة مشتتة, وعسى أن نقوم بذلك قريباً(68).
ويبين بدوى أن كرنكوف Krenkow (1872 ـــ 1953) اتصل بدائرة المعارف العثمانية, التى تتولى, ولا تزال نشر كتب إسلامية فى مختلف فروع العلوم الإسلامية, أو أنه نشر ضمن مطبوعاتها نشرات يعوزهـا التحقيق النقدى, ولم يكن الذنب ذنبه بل ذنب المشرفين على هذه الدائرة إذ جــردوا نشراته من الأجهزة النقدية, والتعليقات, والقراءات, وكان خيراً لـه ولسمعته أن ينـأى بنفسـه عن نشر شـئ ضمن مطبوعات هذه الدائرة, ولهذا سنهمل ذكر ما نشره فيها(69).
ويظهر على امتداد الموسوعة نقـد بدوى لبع مـا أورده المستشرقين مـن معلومات ووقائع خاطئه فى كتاباتهم؛ حيث ينتقل بدوى من موقف الـناقل إلى موقف النـد مناقشاً مرجعاً مصححاً. فهو يصحح خطأ أربرى A.J Arbery (1905 ـــ 1969) فى نشرته لكتاب “النبات” المنسوب لأرسطو, موضحاً أنه فى الحقيقة لنقـولاوس(70). ويبـين أن إربينيــوس Th. Erpeniu (1584 ـــ 1624) فى نشرته “أمثال لقمان الحكيم وبع أقوال العرب” ألحق بها خرافات منسوبة إلى لقمان الحكيم, هـى فى الواقع تعديل لخرافات أيسوفوس اليونانى, حرره كاتب مصرى مجهول(71).
وفى حديثه عن رتـر Ritter (1892 ـــ 1971) يبين أنـه اشترك مع فالتر فى نشر رسالة الكنـدى “فى دفع الأهـزاز” 1938″ وأن هـذه النشـرة حافلة بالأخطاء التى نبه عليها فى نشرته المحققة لهذه الرسالة ضمن كتاب “رسائل فلسفية للكندى والفارابى وابن باجه وابن عدى”(72).
ويصحــح خطـأ فلوجــل Flugel (1802 ـــ 1870) الذى نشر تحت عنوان “مؤنس الواحد” نصاً ظنه أنه هو كتاي “مؤنس الواحد” لابن منصور الثعالبى, لكنه فى الحقيقة كما بين جلدميستز هو فصل من “محاضرات” الراغب الأصفهــانى(73). ويذكــر أن لاندبـرج (1848 ـــ 1924) أصــدر كتاب “لغة بدو قبيلـة عـنزة”, ولكن قيمته ضئيلة؛ لأن الرجل الذى اعتمد عليه لاندبرج لم يكن بدويًّا من قبيلة عنزة, بل فلاحاً نصرانياً من حوران, ولهذا انتقده كانتنوا”(74).
ويرى بدوى أن ريبو (ت : 1867) الذى خلف سيلفستر دى ساسى كان بعيداً عن بلوغ مرتبة سلفه, إذ لم يكن عالماً باللغة العربية بوصفهالغة إلى درجة كبيرة, ولم يستطع التأليف بالعربية. بل ولا الكلام الصحيح الجارى بها(75). وأن إبراهيم الحقلانى (المارونى) نشر فى 1641 مقتطفات من كتاب “مقاصد حكمة فلاسفة العرب” تأليف قاضى مير حسين الميبودى فـى نصها العربى, وزودها بالشكل الملئ بالأغلاط, مما يـدل على جهلـه الفــاحش باللغة العربية(76). ويدحض زعم بابت (دافيد) الذى اهتم بدراسة اللغة العربية التى كتبت بها وثائق “جينزة” مصر القديــمة, وترجم بعــض الوثائق إلى العبريـة الحديثة ـــ أن الأغلاط اللغوية الفاحشة فى هذه الوثائق ليست أغلاطاً, بل تمثل اللغة الحية” فى عصرنا. موضحاً أن هذا الزعم باطل سخيف, وأن جهل اليهود الذين كتبوها باللغة العربية نحوهـا هو السبب فى وقوعهـم فى هذه الأغلاط اللغوية والنحوية الفاحشة, وهو أمر مشاهد عند اليهود فى مصر وسـائر البـلاد العربية, وقد انتشر هـذه الدعوى ـــ رغم ذلك ـــ عند بع جهال المستشرقين, خصوصاً فى العـصر الحاضر(77).
ويصدر بدوى حكمـاً قاسياً على المستشرق الألمانى هورتن Max Horten (1874 ـــ 1945) الذى أصدر عـدداً كبيراً من الدراسات والترجمات فى الفلسفة وعلم الكلاك “لكن قله بضاعته فى اللغة العربية والمصطلحات الفلسفية والكلامية العربية من ناحية, وسوء النشرات التى اعتمد عليها من ناحية أخرى ـــ قد أصاب بالخلل وسوء الفهم وبالتالى الخطأ الترجمة”(78).
وحين يذكر ترجمات القرآن الأولى إلى اللغات الأوربية, بعــرض للترجمة اللاتينية الأولى, وهى تلك التى دعا إليها ورعاها بطرس المحترم 1543, وقام بها بيلنيارد يقول : “إن بيلينارد مشكوك فى مدى علمه باللغة العربية, بحيث لا ترى أثراً لعلمه بالعربية إلا فى حواشـى قليلة فى الهامش .. وأن هذه الترجمة أقرب إلى التلخيص الموسع منها إلى الترجمة, فهى لا تلتزم بالنص دقه وحرفية ولا تلـتزم بترتيب الجملة فى الأصل العربى, وإنما هى تستخلص المعنى العام(79).
ويذكر أهم إنتاج للمستشرق الألمانى اليهودى هورفتس Horovitz (1874 ـــ 1931) وهو كتابه “مبــاحث قرآنيـة” 1926, ومنهجـه فيــه هو التحليل التفصيلى للغة القرآن, لكنها تحليلات ثبت مـا فيها من مغالاة وافتعال, مما جعل نتائج بحثه مشكوكاً فيها منذ البداية, ومرفوضة كلها فيما بعد(80).
3 ـــ وتتمثل النقطة الثالثــة فى إدانـة التوجهات السياسية والتعصب الدينى, كما تظهــر فى كتابات بعض المستشرقين. وهذه النقطة بالتحديد هى مقدمة للموقف الأخير فى نقد بدوى المضاد للتوجهات الأيديولوجية الدينية لهؤلاء المستشرقين. وهو نقد فى جانب منـه معرفــى, وفـى جـانب آخر أيديولوجى, وتظهر فيه نفس السمات السابقة الموضوعية, سواء مع أو ضـد هؤلاء, وذلك فى الجوانب المعرفية, بينما لا يظهر الأساس الفلسفى للنقد الأيديولوجى, سواء ضد توجهات المستشرقين الدينية أو السياسية, اللهم فقط الشعور الوطنى والقومى والدينى الذى يسيطر على ميـول واتجاهات الإنسان العربى المسلم.
ففى تناوله للمستشرق الألمانى اليهودى يعقوب بارت Jackob Barth (1851 ـــ 1914) يذكر أنه كان فى تحقيقه للنصوص العربية لا يتورع عن التصحيحات العنيفة, خصوصاً فيما يتصل بالشعراء القدامى. وعلى العكس من ذلك فعل بالنسبة للنصوص العبرية الخاصة بالكتاب المقدس, فإنه كان يتجنب أى تصحيح فيها .. مما جعل إنتاجه فى هذا الميدان متخلفاً جدًّا عن التطور الهائل الذى حدث فى ميدان نقد نص الكتاب المقدس(81), ويشسر إشارة ذات مغزى هام أن بارث توفى عـام 1914 تاركـاً ولديـن : إليــازر (ت : 1949), وأهــــارون (ت: 1957) وكلاهما كان من أبشع غلاة الصهيونية والدعــاة لهــا(82). ونفـس الإشارة تتأكد فى سياق حديثه عن كتاب بروكلمــان “تاريخ الشعوب والدول الإسلامية” 1939 الذى يصفه مقيماً بأنه صورة شاملة لتاريخ الشعوب الإسلامية دون مناقشة للمشــاكل العديدة المتصلة بهذا التاريخ, معتمداً على يوليوس فلهوزن وليون كتيانى, والأهم من ذلك إشارته إلى ترجمة هذا الكتاب إلى الإنجليزية إبان الحرب العالمية الثانية ونشره عام 1947 مع فصل عن الحوادث من 1939 إلى 1947 كتبـه يهـودى متعصب متحــيز يدعى M. Perlmann, شوه فيه القضية الفلسطينية, “وأبدى فيها رأياً يخالف تمام المخالفة رأى بروكلمان”, كما قال يوهان فوك, ويضيف بدوى : “ولكن هذه عــادة كل الكتاب اليهود فى هذا الشأن(83).
ويندد. بموافق المستشرقين الذين تورطوا فى خدمة الاستعمار, ويبدو ذلك التنديـد هادئاً فى إشارته لتوزع سنوك هر خرونيه (1857 ـــ 1936) بين التدريس فى جامعة ليدن وبين الاستشارة السياسية لشئون المستعمرات الهولندية(84).
ويتدرج ذلك إلى إدانة المستشرق فى موقف, والإشادة به حين يتجاوز هذا الموقف, كما نجد فيما كتبه عن آربرى, الذى أصدر فى فترة الحرب العالمية الثانية نشرات لا نهايى لها للدهاية البريطانية فى الشرق الأوسط باللغتين العربية والفارسية, وظهر فى فيلم للدعاية البريطانية, وهو ما يدينه بدوى ـــ وتكفيراً عن هذه “المهمة المنحظة” قام أبرى بتقديم الشرق إلى الغرب بترجمة كتب عربية وفارسية, وتأليف كتب وأبحاث لتفهيــم الأوربيـــين حقيقــة الإسلام : حضارتـه وآدابه وعقيدتـه, هادفاً إلى إزالة حشد هائل من الباطل وسوء الفهم والأكاذيب المتعمدة؛ لإقرار الحق عن الشرق وشعوبه فى الضمير المشترك للغرب, فهذا جزء من واجب المستشرق ذى الضمير الحى(85). ويصل النقد إلى أقصى مداه فيما كتبه عن بالمر (إدوار هنرى) 1840 ـــ 1882, وهو عند بدوى مستشرق إنجليزى من عملاء الاستعمار البريطانى, لقى حتفه جزاءً وفاقاً لعلمه هذا.
ويبدو أن تاريخ بالمر عريق فى خدمة الأهداف الاستعمارية, فقد شـارك فى بعثة اكتشاف فى فلسطين, بغر اكتشاف الارتباط بين التاريخ المقدس والجغرافية المقدسة. ويكتب بدوى : “أنه لما راحت لريطانيا 1882 تدبر لاحتلال مصر دعاه لورد نورنبروك الرئيس الأول للبحريـة البريطــانى فى 27 يونيــو 1882؛ للاستفادة من خبرته بسيناء واتصالاته بأهلها؛ لكـى يتصل ببـدو سيناء, ويؤلبهم ضد مصر, ويستخدمهم لتأمين الجانب الشرقى من قناة السـويس لصالح بريطانيا, ووافق بالمر للقيام بهـذه المهمة الدنيئـة التى لا تليق بعالم أبـداً. ويصفها بدوى “بالمهمة القــذرة”, وبعد أن يورد تفاصيل ذلك وأن البدو نصبوا كميناً له, ولمن معه واقتادوهم إلى وادى سـدر وقتلوهـم. وألقوا بهــم فى واد سحيق, وتفاصيل هذا كله موجودة فى الكتـاب الأزرق (رقم 3494) الـذى أصدرته الحكومة البريطانية عام 1883, يقول : “هكذا لقـى بالمر الجزاء الوفــاق عما قام به من تجسس ودسائس وتآمر؛ للتمهيد لـغزو بريطانيا لمصر واحتلالهـا احتلالاً دام منذ ذلك التاريخ وحتى يونيو 1956(86). ورغم هذه الإدانة الشديدة لموقف بالمر التى وجهها بـدوى إليه بصفتـه مصـرياً, فـإنه يورد ترجمته اشعر البهاء زهير, موضحاً أن فيها من الرشاقة والجمال مثل ما فى الأصل(87). وهو موقف علمـى ينفصل عن موقفه السياسى, ولا يتناقض معه.
ويرتبـط هذا النقـد بإدانـة نعصـب كتابات المستشرقين ضد الإسلام ـــ وهو تمهيد لكتابات بـدوى الأخير, ويظهر فيه تقصى بـدوى لكــل كتابات المستشرقين فى ميادين ترجمة القرآن والدراسات الإسلامية فى أوربا. فهو يبين لنا فيمــا كتبه عن المستشرق الفرنسى بوستل (1510 ـــ 1581) أن نفسيته تحولت منذ عـام 1540 تحولاً غربياً,فاستولت عليــه أحلام شاذة لإصلاح أحوال العالم, وأراد أن يضع معارفه اللغوية فى خدمة تحقيق هذه الأحلام. فراح يحلم بقيام حركة تبشير عالمية ابتغاء تنصير كل الكفار والمبتدعـة والوثنية, وإلى جــانب هذه التهاويم الدينية تملكته نزعة قومية فرنسية مغالية جدًّا جعلته يتصور أن الفرنسيين شعب الله المختار, وأنهم مدعوون للسيطرة على العالم وحكمة !!(88).
ويذكر أن ريمولـــدو (1243 ـــ 1320) راهب دومنيكى ومبشر عنيف الخصومة ضد الإسلام. له كتاب بعنوان “الجدال ضد المسلمين والقرآن” كما فى مخطوط باريس, أو بعنوان “ضد قرآن محمد” كما فى مخطوط المتحف البريطانى, أو “الرد على القرآن” كما يرد فى عنوان الترجمة اللاتينية. وفيه جمع ما سبق أن ساقة الذين ردوا على القرآن والإسلام, وأضاف إليــه ردوداً مـن عنده(89).
ويذكر لريموند مـارتينى لاهوتـى ومبشر(90) ومستشرق أســبانى (ت : 1284) ـــ أهم مؤلفاته : “ضجر الإيمان فى صدور المسلمين واليهود”.
ويشير إلى كـارل جوتليـب بفـاندر Pfander فى حديثه عن موير W. Mur (1819 ـــ 1905) مؤلف كتاب “ميزان الحق” الذى هـاجم فيـه الإسلام بمنتهى العنف ودعـا مويـر إلى أن يكتب عن السيرة النبوية, فكتب عدة مقالات بروح متعصبة خالية من الموضوعية .. وعاد موير إلى تحامله الشديد على الإسلام, فأصدر كتابين هما : “القرآن تأليفه وتعاليمة” 1877, و”الجــدال مع الإسلام” 1897(91).
ويشير إلى يوحنا الأشقوبى (ت بـعد 1456), وهو لاهوتى أسبانى, لعب دوراً كبيراً فى مجتمع بازل, وشـارك فى ترجمة القرآن إلى اللاتينية. وأنه فى خلوته فى دير ايتــــون Ayton فى سافويا (فرنسا) ـــ وهذا ما يهمنا هنا ـــ فكر فى الدفـاع عن المسيحية ضد الإسلام الظافر الذى بدأ يغزو أوربا, خصوصاً بعد استيلاء محمد الفاتح على القسطنطينية فى 1453, وقد تبين له (ليوحنا) أنه لا جدوى من مقاومـة الإسلام بالسلاح؛ لأن الدولة العثمانية كانت فى أوج قوتها وتهـدد أوربا بأسرها. لهذا لم يجد أمامه غير مقاومة الإسلام بالكتابة ضد الإسلام, واستعداداً لذلك رأى ترجمة القرآن إلى اللاتينية, وبعد ترجمة القرآن أخـذ فى كتابه رد على الإسلام بعنوان “طعن المسلمين بسيف الروح”(92).
وفى نفس الإطار كلف بطرس المحترم ـــ وهو راهب ولاهوتى فرنسى ـــ بع المترجمين بترجمتة القرآن إلى اللاتينية. وقد طبع ونشر هذه الترجمة, وألحق بها بعض الرسائل المتعلقة بالنبى والقرآن والإسلام. وقد بين أربينوس ونسليوس ـــ كما يشير بدوى ـــ أمثلة لما فى هذه الترجمتة اللاتينية من غموض وخطأ. وإلى جـانب ذلك قام بطرس الملقب بالمحترم هذا فألف كتاباً فى الـرد على الإسلام, وكـان ذلك حــوالى 1143.
وعلى الرغم من أنه هو الذى رعى هذه الترجمة, فإنه لم يشأ أن يجهد نفسه فيقرأها حتى يقدر على الرد على الإسلام, بل كلف سكرتيره أن يضع النقاط الرئيسية لهذا الرد(93).
ومن استعراض أعمال (آل) السمعانى : يوسف سمعان السمعانى, اسطفاف يقود السمعانى, يوسف ألويس السمعانى, سمعان السمعانى .. يـرى “أنهم لم يسهموا بشئ يستحق الذكر فى الدراسات العربية. بل يكـاد يقتصر نشاطهم على السعى لإخضاع الطائفة المارونية فى لبنان للسيطرة الكاملة لبابا رومـا ولإذكـاء نار الفتنه بين الطائفة المارونية من ناحية وسائر الطوائف المسيحية من ناحية أخرى, فضلاً عن التعصب الدينى ضد الإسلام .. ويرى أنه من الكذب الفاضح أن يدعى أحد أن آل السمعانى ضموا الثقافة العربية على أى نحو. وهذا الحكم نفسـه ينطبق على رجال الدين الموارنة, الذين عملوا فى أوربا فى القرون من الســادس عشر حتى اليوم. لقد كانوا جميعاً فى خدمة هيئة التبشير والدعـوة فى روما, أو مترجمين لحكام أوربيين, ولم يسهم أى واحد منهم فى البحث العلمى المتعلق بالثقافة العربية أو التاريخ العربى(94). وربما كان الاستثناء الوحيد هو ميخائيل العزيزى.
وحين يتناول ميخائيل العزيزى الذى ألحق بدير الاسكوريال يذكر أن مكتبته تحتوى على مقدار وفير من المخطوطات العربية التى اقتنيت بطرق مختلفة, أهمها الاستيلاء فى البحر على سفينة مغربية كانت تحمل مكتبة مولاى زيدان ملك المغرب(95).
ويفض فى الحديث عن المستشرق والراهب اليسوعى البلجيكى لا منس Lammens (1862 ـــ 1937) الشــديد التعصب ضدالإسلام الذى يفتقر افتقاراً تامًّا إلى النزاهة فى البحث, والأمانة فى نقل النصــوص, وفهمها, ويعد نموذجـاً سيئاً جداً للباحثين فى الإسلام من بين المستشرقين. وبعد أن يعرض لكتاباته يوضح أنها تلخيص لأبحاث المستشرقين وعلماء الأثار والجغرافيــا فى هـذه الموضوعات, وليس له فيها أى اسهام أصيل. ويشير إلى تحامل كتاباته فى السيرة النبوية تحاملاً شديداً. ويصف عمله بالبعد الشديد عن العلم وأصول البحث والنزاهة العلمية, فهــو يلقى الكلام جزافـاً ويعتمد على تحكمات ذهنية استقرت حسب معانى ذهنية سابقة ولم يكن لديه اطلاع باحث مثـل جولدتسيهر يحاول أن يستمد دعاواه من مصادر أخرى تلمودية أو هلينية .. الخ, بل راح يخبط دون أدنى سنـد أو برهان عقلى, وأبشع ما فعله خصوصاً فى كتابه “فاطمة وبنات محمد” خو أنه كان يشير فى الهوامش بصفحاتها, ويخبرنا بدوى أنه راجع معظم هـذه الإشارات فى الكتب التى أحال إليها لامنسى فوجد أنه إما أن يشير إلى مواضع غير موجـودة إطلاقاً فى هذه الكتب, أو يفهم النـص فهماً ملتوياً خبيثاً, أو يستخرج إلزامات بتعسف شديد يـدل على فساد الذهـن وخبث النيـة, ولهـذا ينبغى ـــ كما يخبرنا بـدوى ـــ ألا يعتمد القارئ علـى إشـاراته إلى المراجع, فإن عظمها تمويه وكذب وتعسف فى فهم النصوص, يقول : “ولا أعرف باحثـاً من بين المستشرقين المحدثـين قد بلـغ هـذه المرتبـة من التضليل وفساد النيـة”(96). وهو نقد عنيف بلغت فيه لغة بدوى أقصى درجات الهجوم والعنف, وهذا ما يظهر فى أسـلوب كتابــة كتابيــه الأخيرين.
ويواصل نقده لبقية أعمــال لامنسى التى تتعلق بالتـاريخ الإسلامى. فقد درس الخلافـة الأموية, وفى هذه الدراسات بالغ لامنسى فى تمجيد الأمويين بدافع من الحقد الشديد على الإسلام, وبالمقارنة مع فلهوزن نجد الفـارق الهـائل بين ما قام به يوليـوس فلهـوزن فى كتابـه “الــدول العربية وسقوطها” وبين الاندفاع الأهوج عند لامنسى فى تبرير أبشع جرائـم يزيـد والأمويين بعامة.
وفى ميدان الإسلام بعامة وضـع لامنس كتاباً عاماً بعنوان “الإسلام : عقائد ونظم” وقد زعـم فى استهلال الكتاب أنه كتاب حسن النيـةUn livre de bonne foi , ومع ذلك فقد دس فيه كـل سمومـه التى سبق أن عرضهـا فى مؤلفاته, وذك،ر أنـه (الكتاب) عرض موضوعى objectif tout Exopse, وهـذا أيضاً ـــ فيما يـرى بـدوى ـــ من خلال تحليله للعمل ـــ غير صحيح تماماً .. وهو عرض سطحى جدًّا وليست له آية قيمة علميــة, ولا حتـى كدراســة مبســطة ابتدائية؛ لأنه مزجه بوجهات نظره المليئة بكراهيتــه للإسلام فى غـل منقطــع النظير(97).
وتنقلنا الإشارات النقديتة المتفرقــة لبعض مواقف المستشرقين خاصة فيما يتعلق بالدراسات الإسلامية والقرآنية إلى إعادة نظـر جذريـة فى موقفـه, والحقيقة أن إعادة النظر هذه ليست تحولاً مفاجئاً فى نظرة الدكتور بدوى, بل إن أصولها بدت واضحة للعيان فى كثير من الإشـارات السابقة, ويستطيع الباحث فى كتابات بـدوى أن يستبصر هذا الموقف واضحاً, لكن السؤال الهام فى هذا السياق هـو : لمـاذا ارتبطت فى أذهاننـا أبحــاث بـدوى بالإشــادة بالمستشرقين ؟ وهل حدث تحولا مفاجـئ فى كتاباته ؟
فى الحقيقة هنـاك أسـباباً عديـدة لذلك : أولها تلـك الحماسة والإعجاب الشديد بأعمال هؤلاء, وترجمتها إلى العربية, وجعلها جزءاً من بنيـة أعمالـه, فكأن أبحاثـه وتحقيقاتـه تتكـامل مع ترجماته لهؤلاء, بالإضافة إلى اسـتلهام كثير من حـدوس المستشرقين وأعمالهم فى أبحاث وكتابات خاصـة, خاصة أعمال كـرواس. ثالثاً : هـذه السمة الإنسانية التنويرية فى طرح القضايـا والعنـاوين التى يختارها لكتاباته مثل “تاريخ الإلحاد فى الإسلام” والتى تعطى انطباعاً مباشراً بتبنى بدوى لمثل هـذه الأفكار. إلا أن ذلك الانطباع المباشر قد لا يعبر حقيقة عن قناعــات الرجــل؛ فالدراسات التى أوردها عن الإلحاد تتعلق بإنكـار الفلاسفة للنبوة ولـيس الألوهيـة, إضافة إلى أن مثل هـذه الدراسات كـانت سائدة ومنتشرة فى الدوريات والمجلات الثقافيـة المصرية والعربية فى هـذه الفترة(98). فهـو نـوع من المشاركة فى القضايا المثارة فى مطلع شبابه, سرعان ما تحولت بفعل الخبرات العلمية إلى نوع من التوجه العام الذى تبناه بدوى عن طريق طه حسين وأحمد لطفى السيد, وهو الاستفادة من الدراسات الغربية والمشاركة فيها, وعدم الشعور بالدونية أمـام هـذه المناهج الفلسفية والعلمية التى تمكننا من إعـادة النظر فى تراثنـا الثقافى, وقضايانا الفكرية. إلا أن الغرب عندبدوى لم يمن فقط فرنسا كما لدى أحمد لطفى السيد وطـه حسين, بل إن اتجاهـه إلى الدراسات الألمانيـة والإيطاليــة بفضل إتقانـه هـذه اللغات, وعلاقاته الوثيقة بأهم الباحثين والمستشرقين من إيطاليا وألمانيا, وتكوينه الفلسفى الذى مال به نحو المثالية الألمانية لدى كانط وهيجل وقشته وشلنج, والذى ارتبط بتوجهه السياسى, أو أسس لــه, وذلـك فى انتمائه “لمصر الفتاة”(99) جعلاه يتخلف عن توجه أساتذته لطفى السيد وطه حسين من ناحية, ويعيد النظــر فى أحكام بعض المستشرقين من جهة ثانية, وينشغل بقضية “روح الحضارة العربية”, و”الحضارة الإسلامية”, بل يســتخدم أحياناً لفظ الإسلام بدلاً من العرب فى عناوين أحد كتبه. فبعـد “أرسطو عند العرب” و”أفلوطين عند العرب” يكتب عن “أفلاطون فى الإسلام”.
التحول إذن لم يكن مفاجئاً, بل نجد بذوره فـى هذه المرحلة الوسطى التى كـان فيها موضوعيــاً إزراء كتابات المستشرقين المعرفية وناقداً لكتاباتهم الدينية والسياسية. وهذا ما ينقلنا إلى المرحلـة الحالية, والتى يتقابل ويتضاد فيها موقف مفكرنا مع آراء بعض من كان يعجب بهم ويتماثل مع كتاباتهم من قبل, هنا يتحول بدوى من “تاريخ الإلحاد فى الإسلام” إلى “الدفـاع عن محمد والقرآن”.
ثالثاً : الدفاع عن القرآن والنبى (المقابلة) :
أول ما يميز موقف بدوى الحالى مـن المستشرقين, والـذى تعبر عنـه هذه المرحلة الناضجة من تطوره الفكرى, والتى نطلق عليها موقف “المقابلـة” هو تحولـه من ترجمة أعمال هؤلاء وتبنى مناهجهم, ونتائج أبحاثهم, أو الكتابة عنهم, وتحليل كتاباتهم ـــ فى مجالات البحث فى الفلسفة, والكــلام, والتصوف, والأدب, وتاريخ العلــم العربـى ـــ إلى إعادة النظـر فيما كتبوا, خاصة فيما يتعلق بالدين الإسلامى, والقرآن الكريم, وحياة النبى محمد, وأصبحت القضايا الدينية هـى محور البحث, ودارت حول :
التشابه المزعوم بين القرآن والإنجيل, مفهوم لفظ أُمى المتعلق بالنبى محمد, معنى كلمة فلاقان, الصابئة فى القرآن, الرسل فى القرآن, التصنيف التـاريخى للقرآن, الكلمــات غـير العربية فـى القرآن, حقيقة الشخصيات التاريخية التى جاءت فى القرآن؛ “أخت هارون”, “هامان”؛ وهى محاور كتابه “الدفاع عن القرآن ضد منتقديه”(100).
وصدق محمد فيما نزل عليه من الوحى, وسياسة محمد تجاه خصومه, وموقفه تجاه معاهداته, وصحـة رسـائله, وخطبـه وأحاديثه, وشـهوات محمد المزعومة, والفرائض الإسلامية وأصولها, وهى نقاط البحث فى كتابه “الدفاع عن محمد ضد المنتقصين لقدره”.
وكما يتضح من عنـاوين هذه الموضوعات, فإن بدوى يناقش القضايا التى أثارها المستشرقون حول الديـن الإسلامى وتشريعاته, وكتابه المنزل, ورسوله, وهى قضايا تاريخية ولغوية فى الأساس. هنا تحول الاهتمام عن كتابات المستشرقين فى فروع المعرفة الإسلامية, وعن شخصيات المستشرقين إلى الاهتمام بالقضايا التى تتصل بأساس الدين. وفى كل قضية منها يعــرض بدوى لمواقف الذين تناولوهـا بالبحث والنقد بل بالهجوم والتجريح فى كثير من الأحيان. وفى كل قضية منها يشير للمشكلة وموقف المستشرقين منها, وأصلها لدى الكتاب المسلمين, و”المواقف المتباينـة تجاههـا, وموقف القرآن منها, ثم يقدم تحليله لها, ووجهة نظره الخاصة, موضحـاً أن بعض هذه القضايا قضايـا زائفـة مفتعلـة, وبعضها قضايا ستظل مثـارة, ويستمر الجــدال حولها بعـد وضعهـا الوضع الصحيح. والاتجاه الأساسى السائد فى تحليله لكل منها هو بيان تهافت المنهج الذى استخدمه المستشرقون, وتحليلاتهـم الخاطئة, ودوافعهم المغرضة.
ومن الممكن عرض موقف بدوى من كل قضية من هذه القضايا والإشارة إلى كل من تناولوها من المستشرقين, أو وهذا هو الحل الثانى الذى اخترناه : تتبع مواقف بدوى من كل مستشرق فى كل قضية منها, موضحين علاقة هذا الموقف بآراء بـدوى السابقة فى بعض هؤلاء المستشرقين إذ كان قد ذكرهم من قبل.
ونقدم هـنا بعض الملاحظات التمهيدية التى تساعد فى متابعة تحليل بدوى لهذه القضايا, وتحليلنا لموقفه من المستشرقين, وهى :
1 ـــ إن بـدوى كمـا يتضح مـن مقدمـات كتبه الأخيرة بـإزاء توجهاً جديداً يتمثل فى مشروع يشغله, ويشغل فى الحقيقة كثير من الباحثين المنتمين للعالم الإسلامى المعاصر, وهو إعادة النظر الجذريـة فى كل ما كتبه المستشرقون فيـما يتعلق بــالدين الإسلامى. وقد أصدر بدوى بعض أجزاء من هذا المشروع, ويعدنـا بكتابـات أخـرى مثــل كتابـه ـــ تحت الطبع ـــ عن “الإسلام كما أرتآه : فولتير وهردر وجيبون وهيجل”, وكذلك نيتـه فى تخصيـص دراسة وافية عن السنة النبوية المحمدية, يـرد فيها الـرد الكــافى والمقنـــع على أولئـك المستشرقين المتشككين.
2 ـــ إن إعادة النظر الجذريـة هـذه تجعله يخصص مقدمات تاريخية طويلة يتتبع فيها بداية ظهور المشكلة موضـوع البحث, والآراء المختلفة التى قيلت فيها من المؤرخين واباء الكنيسة الشرقية أو الدولـة البيزنيطية, أو أوربـا, بحثاً عـن الأصول والكتابات الأولى التى تنوقلت وتواتـرت, وأصبحت تكون نوع من الرؤيـة الأسـطورية فى فهم حقيقة الإسلام التاريخية(101).
3 ـــ أن هذه الأعمال تتسم بقـدر كبير من التكامل, فهى لا تكتفى فقط ببيان آراء المستشرقين ضـد الإسلام, رغم أن هذا هو ما يمثل الاتجاه السائد فى الكتابات التى يعرضها بدوى, وإنما تشير أيضاً كلما كان ذلك ممكناً فى إطار القضايا المثارة ـــ إلى كثــير من المواقف الإيجابيـة لبعـض هــؤلاء المستشرقين, موضحاً أيضاً بموضوعيـة كاملــة هـذه المواقف, ودوافعها, وتوجهات أصحابها. وفـى هذا الإطار نفسه يمكن أن نجد بعض الإشارات, وهى قليلة للغاية إلى آراء سلبية وإيجابيـة لبعض هــؤلاء المستشرقين خاصــة ماسينيون ونولدكه.
4 ـــ الاعتماد فى بعض الأحيان على المصـادر الإسلامية وخاصـة القرآن والاستشهاد بآياته وتحليل ألفاظـه(102). وتقديم بيانات إحصائيـة بهـذه الألفاظ ودلالتها, بنفس طريقة العلماء القدمـاء فـى البرهنــة النقليــة, والاستشــهاد بالنصوص, وكذلك الاعتماد على كتب المفسرين والمحدثين والمؤرخين وعلمـاء الغة العـرب القدماء(103). والحقيقة أن الهدف من ذلك ليس البرهنة على صدق دعـواه, بل هـى أســاس لبيـان كافـة الجوانب والآراء المثـارة قديمــاً وحديثــاً حول كل قضية من هذه القضايا.
5 ـــ الملاحظة الخامسة, وهـى على جانب كبير من الأهمية ـــ ويصـح أن تكون الأولى ـــ تتعلق بحفر بدوى فى الأصول التاريخية لعلاقة الإسلام بأوربا, وموقف أوربا منـه, وعلاقـة المســلمين بالطوائف الدينية المجاورة, خاصــة اليهودية, وتـاريخ التحالفــات معهـم, وهـل هناك مصداقية لهذه التحالفات ونكثهم الدائم للعهود. وكذلك أيضاً ـــ وهى مســألة حرية الـرأى والتعبير والدفـاع عن حقوق الإنسان التى يتشدق بها الأوربيون ويدعو إليها فلاسفتهم, أو ما يطلق عليه الليبرالية الأوربية, وحقيقتها كما تتضح فى بعض المواقف التاريخية المعاصرة(104). وكذلك إشارته إلى الصلة بين الإسلام والمذاهب الغربية, خاصة الاشتراكية, وحقيقة هذه الصلة, وهى قضايـا لهـا أهمية كبرى فى عالم اليوم, وتحتاج فى تحليلها إلى الاستعانة بإنجازات الثــورة المعرفية المعاصرة فى العلوم الإنسانية, وإن كـان بدوى طرحها على طريقة الفيلسوف التقليدى, وأهمية هذا التناول أنه يتجاوز تنـاول اللاهوتـى (العدائى) والسياسى (المنغلق).
6 ـــ الملاحظة الأخيرة تتعلق باللغة المستخدمة فى الكتابة, وهى اللغة الفرنسية الموجهة للأوربيين, والتى كتب بها بدوى عديد مـن دراساته السابقة, وقد استخدمها هنا لتوضيح حقيقة الآراء الاستشراقية المغرضة التى قدمت تصوراً تاريخياً مغلوطاً وأسطورياً للنبى محمد, وفهماً معكوساً لحقيقة الـقرآن, ولم يستخدم اللغة العربية فى الكتابة. وهى لغة ليست دعائية ولا تبشيرية, ولا تهدف إلى جذب الأوربيين إلى الإسلام, لكن غرضها إبراز الحقيقة, وتوضيح المغالطـات المتعصبــة التـى يقدمها المستشرقون. وأخيراً هـى لغـة حـادة وعنيفة فى الهجوم على تلك الآراء غير المنصفة, بل الجـامدة المغرضة المتعصبة. وإذا كانت تلك هى سمة بدوى فى التعامل مع أقرانه ـــ كما اتضح فى كتاباته ضدهم ـــ فهى هنا أحد وأشد ..
ويحدد لنا بدوى مهمته فى مقدمة كتابه “الدفاع عن محمد” بأنها كشف زيف كتابات المستشرقين التى لا تنفك تردد اتهامات قديمة للإسلام, يقــول موضحاً : “إن الإسلام أصبح مــرة أخرى, الغريم المستهدف للإمبراطورية الرومانية وأوربا, وكيف قـام هــؤلاء بتوجيـه هـذه الدعايـة الســيئة ضــد الإسلام .. لقد وضعت هذه الدعاية فى روايات كاذبة واجبة التصحيح, فإضافة إلى تلفيقها, فإنها تتملئ بالجهل للحقائق التاريخية “وتتضح هذه الدعاية فى كتاب البطريق الإسكندر الأنكونى الذى ظهر “بعنوان أسطورة محمد فى الشرق”, وفى تمهيد كتابـه يتنـاول بـدوى :”أسـطورة محمد فى أوربا, عشرة قرون من الكذب الباطل والافتراء “يقول : بالخوض فى تــاريخ مفــاهيم الأوربيــين عــبر العصور حول نبى الإسلام محمد, ذهلت تماماً لشدة جهلهم, وسوء طويتهم الواضح, وأوهامهم العتيقة, وعنــادهم وتعصبهم المحموم, وإصرارهم على الالتزام بالجهل التام فيما يخص أمور خصمهم, ولا ينطبق هذا الأمر فقط على العاديين منهم من الناس والجهلة والسذج, إنما ينطبق أيضاً على كبار علمائهم من فلاسفة ورجال ودين ومؤرخين”. ويتتبع بدوى تفشى أفكار كتاب أسطورة محمد بين كتاب أوربا بداية من القرن التاسع الميلادى حتى القرن الرابع عشر(105).
كما يتتبع بدوى فى “الدفـاع عن القرآن” تتبعاً تاريخياً مختلف الانتقادات التى وجهت للقرآن منذ يوحنا الدمشقى (650 ـــ 750), وأول هجــوم على القرآن جاء فى مقدمة كتـاب نيكتياس البيزنطى “نقد الأكاذيب الواردة فى كتاب العرب المحمديين”. ويشير بدوى للجدل العنيف حـول الإسلام فى النصف الثانى للقرن التاسع الميلادى؛ والذى يظهر فى كتاب كانتا كوزين (1292 ـــ 1380) موضحاً أنه بسقوط القسطنطينية فى يد المسلمين 1453 توقف كل الجـدل البيزنطى حول الإسلام, ثـم ظهر ذلـك فى أوربا المسيحية, حيث كتب نيقولا الكوزى (1401 ـــ 1464) كتابـه Cribratia ol choroni, ويعــدد بــدوى كثــير من الكتابات الأوربيـة فى القرن الخـامس عشر التى وجهت ضد الإسلام عموماً, ويذكر أول دراسة موجهة ضـد القـرآن والتى ظهرت فى أواخر الـقرن السـابع عشر؛ وهى دراسة لوديفيكيو ماراشـى Marrcai (1612 ـــ 1700) مشيراً إلى أن عمل ماراشى بداية الدراسة الجــادة فى أوربا عن القرآن, إلا أنه كما يصفه بدوى مملوء بالأخطاء الخطيرة والمجادلات الساذجة, وهو ما نجده فى كل الدراسات المتصلة بالقرآن خلال القرنين التاليين لظهور هذا العمل.
ويظهر فى مقدمة كتاب بدوى عن القرآن عدم ثقته فى أعمال خـؤلاء المستشرقين؛ لإصرارهم على تزييف المشاكل والتصورات والنتائج. ويقدم لنا بعض الأسباب لتفسير جهل المستشرقين بموضوع دراستهم جول القرآن, مثل :
1 ـــ أن معرفتهم باللغة العربية معرفة حرفيـة أكـثر منها اصطلاحية لا تحقق كثيراً مما يرغبون.
2 ـــ معلوماتهم عن المصــادر العربية ناقصة وضحلة وغير كافية.
3 ـــ الحقد المتأرجج المــوروث ضد الإسلام عند كل من هـ هرتشفيلد. وج هورفتينز.
4 ـــ تتمثل الأحكام حـول القرآن (الاتهامــات) لــدى جولدتســـــيهر, ونولدكه, ومرجليوث.
5 ـــ مناقشتهم لرسالة محمد بوضعها فى إطار ضيق, كمـا لــدى وليــام ميـور, وس. زويمر.
ومقابل ذلك بحـدد لنا بـدوى الموضوعات التى سيناقشها فى كتابه, والفترة الزمنية للكتابات التى سيتناولها, والمنهج الذى سيستخدمه, والذى يسميه المنهج الوثائقى والموضوعى مبيناً بوضوح هدفه, وهو كشف القناع عن هؤلاء العلماء الـكاذبين.
والحقيقة أن أحكام بدوى تتفاوت ما بين حدة وإدانـة لبعض هـؤلاء المستشرقين الذين سبق له أن أشاد بهـم, واعتـدال وإشادة لمن تجاوزوا القصـور الذى اشار إليه وظهر لديهم معرفة صحيحة باللغة العربية, ودقه فى المعلومات وعرضوا أبحاثهم من خلال تفهم موضوعى وتسامح, وناقشوا أمـور الدين الإسلامى والقرآن عبر إطار أعم. بالإضافة إلى أن تناوله لبعـض هؤلاء المستشرقين قد يأتى عرضاً خلال تناول قضية معينة, أو يخصص لهـم فصولا بأكملها لمناقشة آرائهم, ومن هؤلاء : مرجليوث, وجولدتسيهر, وفنســــنك, ونولدمه, هـذا بالإضافة إلى بعض المستشرقين الذين يناقش آرائهم فى كل قضية تعرضوا لها عبر فصول كتابيــه وهم : سبرنجر, وهوفيـتز, وفرانتز بهـل, وجـود فــروادى موميــين وكايتــانى وغيرهم. وسوف نتوقف أمــام نقــده وتحليله لأعمال هؤلاء, نبـدأ باسبرنجر Asprenher وما قدمه آراء فى كتابه “حياة وعقيدة محمد” الصادر فـى برلين 1861, وأول قضية يناقشها بدوى هى التفسيرات التى أعطاهـا سبرنجر للفظ “أُمى”. فهو يميز أولاً بين أهل الكتــاب, والذين لا كتــاب لهــم (الجزء الأول ص 30), و”أُمـى” بمعنى : وثنــى (ج2 ص 224 حاشـــية 1), وهـى صفــة الشخص الـذى لا يعرف القــراءة تماماً ولا الكتابـة ( جـ 2 ص 401 ـــ 402). ويرد بدوى موضحاً أن هذه ادعاءات لا تستند إلى أية مصــادر, فنحن إذا عثرنا على نص واحد يرجع إلى ما قبل الإسلام يشير إشارة واحدة إلى أهل الكتاب والأميين, فسوف لا تكون هنـا مشكلة على الإطـلاق(106). كمـا يشير فى حديثه عن “قبلة” المسلمين إلى زعـم سبرنجر ـــ متتابعاً جولدتسيهر, متفقاً مـع فنسنك ـــ بأن القبلة كـانت قبل الهجرة تجــاه بيت المقدس, وأن محمداً اتخذهــا كذلك لإرضــاء اليهود, ومع أنه كمـا يؤكد بدوى ـــ لم يكن وهو فى مكــة بحاجة إلى رضاً عليه, أما فى المدينة فقـد كــان الاحتكاك الفعلى معهم(107). ويناقش بدوى آراء سبرنجر مرة ثالثة فى سياق حديثـه عن الصابئة فى القرآن الذى قال : إنهم الحنفيون, وهو رأى كــاذب عند بدوى للأسباب التاليــة, فالحنفيون على نقيض الصابئة, وديانة كل منهم معارضة للأخرى, والأحناف هم أتباع ملـة إبراهيم, والصابئون هم عبدة النجوم, وهى عبادة حرمتها ملة إبراهيم, إضافة إلى أنــه لم يكن عندهم كتاب مقدس بينما كان عند إبراهيم “الصحف”, وأن فعل “صبأ” فى العربية معناها تحول عن دينه ليعتنق ديناً آخر.
ويتناول بدوى كذلك ـــ فى الفصل الأول من كتابه “الدفاع عن محمد” ما توصب ‘ليه سبرنجو فيما يتعلق بالحالة التى يكون عليها النبى وقت نزول الوحى؛ وتتخلص فى أن محمداً كـان يعانى من الهستيريا العقلية حين ينزل الوحى عليه, وكان يأتى بحركات المصاب بالصرع, ويرد بدوى بأن هذا الاتهام قمة السخف من قائليه؛ ذلك لأن محمداً قبل وبعد نزول الوحى لم يشهد إشارة واحـدة أو عــارض واحـــد لهســتيريا أو صراع على الإطلاق, بل على العكس من ذلك فتماسك شخصية محمد وثباته فى سبيل نشر الدعـوة كـان صلباً على الدوام, والمصابون بهذا المرض يحيون دواماً فى الخيال والوهم على عكس محمد الذى كان رجلاً علميًّا واقعيًّــا صادقاً أمينـاً. ويشير بدوى أن العلوم الإنسانية اليوم تضع العباقرة العظام على ضوء الأبحاث النفسية فى مـكان القــوم فير العاديين.
ويرفض بدوى فى الفصب الثانى من كتابه ما أورده سبرنجر من قصـة خياليـة عن أسـباب زواج الرسـول من زوجته الثانية زينب جحش, موضحاً أن تعدد الزوجات الغير محدود كــان شـائعاً بين العرب فبل الإسلام, ولم يحدث أن استنكر أحد من العرب هـذا التعدد, أو انتقد واحد من العرب هـذا التعدد, أو انتقد واحد لمجــرد أنـه تـزوج من نساء كثــيرات, وأن الآيـة 49 مـن سـورة الأحــزاب تحـل للرسول الـزواج ممن اختـار, وتشرح فى هـذا الخصوص زواجــه من زينــب بنت خزيمــة (أم المساكين), وعبــارة “من دون المؤمنين” فى هذه الآية تعنى هــذه المــرأة بالذات, التى وهبــت نفسها للنبى, ولا تعنى إطلاق العدد فى زواجه من النساء عموماً, ويوضح بدوى أن رواية سبرنجر فيما يتعلق بـزواج الرسول من زينــب بنت جحش رواية واهيــة, ويذكر عـدة حجج فى ذلك.
كذلك يعرض بدوى فى الفصل الخامس من كتابه. “الفرائض الإسلامية وأصولها التى أقرها النبى”, ويناقش رأى سبرنجر بخصوص فــرض صيــام شهر رمضان على المسلمين حتى يخالف صوم اليهود, ولا يتهم بإنه نقــل عنهم هذه الفريضة, ويبين فى الـرد عليــه اختلاف الصوم عند كل من المسلمين واليهود.
ويناقش فنسك A. g. Wensinck بدوى كثيراً فى كتابه “الدفاع عن القرآن”, فى قضية لفظ “اُمى” نجد أن فنســنك فى مقالتـه فى مجلــة Acta Orientalia, يتابع رأى سبرنجر فى أن لفظة “أُمى” تطلق على صاحبها من غير أهل الكتاب(108). وكذلك فيما يتعلق بمسألة تحويل القبلة فى الفصل الخـامس, فقد اختار أيضاً رأى سبرنجر. ويخصص الفصل السابع لنقد أراء فنسنك الهوائية بخصوص موضوع الرسل فى القرآن (ص 104 ـــ 109), فهو يـرى أن فكرة إرسال الأنبياء كرسل ربما تكون قـد وصلت إلة محمد عبر قناة مسـيحية, ويوضح بدوى عدم معرفة محمد أى شئ عن الاثنى عشر رسولاً, كذلك يبين الفرق بين الرسول والنبى, وأن الرسول فى المسيحية بمعنى حـوارى مرسل من قبل المسيح, وليس له وحى أو كتاب منزل.
والمستشرق الثالث الــذى نتنـاول موقف بدوى من آرائه : هو هوفتيز j. Horovitz الذى يعرض موقفه فى مقدمة “الدفاع عن القـرآن ضمن الكُتَّاب المتعصبين ضد القرآن(109). وينتقد قوله : أن “أُمي” تساوى وثنى بالنسلة للنبى, متابعاً سبرنجر وفنسنك(110). فهو عالم مغرض ونواياه سيئة ضد الإسلام, ويدعى أن “أُمـى” تطلق على الوثنيين المعارضين لشعب بنى إسرائيل, ويرفض بدوى تفسير للصابئة بأنهم مذهب أو مجموعة من المذاهب النصرانية(111).
ويخصص بدوى الفصل الرابـع من “الدفـاع عن القرآن” لمناقشـة مزاعــم مرجليوث المفرطة Les extravagantes hypotheses de D. S. Maragoliouth (ص 72 ـــ 80) بصدد التشابه المزعوم بين الإسلام واليهودية. يذكر بـدوى اسم مرجليوث (داود صموييل) (1858 ـــ 1940) اسم ثلاثى يهودى صرف, ينحدر من أسرة إسرائيلية. وإن اعتنق مثل والده المسيحية, وصار قسيساً 1899, ولكنه ظل يهودياً قلباً وروحاً, وقد شغل بالدراسات اليهودية, ولـه عديد من المؤلفات فيها(112). وقد جند داود صمويل مرجليوث نفسـه طــوال حياته عدوًّا عنيداً ضد الإسلام, وأدى به تعصبه إلى إصدار المزاعم ضد النبى. ويعدد لنا بدوى هذه المزاعم, وهى :
1 ـــ الأصل اللغوى لكلمة مسلم, التى أرجعها لعهد سابق على النبى, حيث كانت تطلق على مســيلمة الماذب, ويشير بدوى إلى رد تشارلز ليل عليه فى ذلك, بحيث لم بعدد يكرر ذلك ثانية(113)..
2 ـــ إرجاع كلمة فرقان إلى الكلمة العبرية بيركة أبوت Pirke Abbot, التـى تعنى مجمعاً للربانية اليهودية(114).
3 ـــ الزعـم ـــ فى مقاله عن محمد (دائرة معــارف الدين والأخلاق جـ 2 طبعـة 1915) أن من المحتمل أن اسم إبراهيم لم يعرف نهائيًّا فى مكة قبـل أن يعرف به محمد, وأن من المحتمل أن تكون ملة إبراهيم ظهرت فى حران على يد الصابئة, وأن المسحيين أطلقـوا على الحرانيين لقب الأحناف, وهما زعمان كاذبان تماماً, كما يؤكد بدوى, وأن مرجليوث افتراض ذلك دون الاستناد على مصدر واحد(115).
4 ـــ الزعــم بأن طقوس الإسلام ارتبطت بطقوس حربية, وهو زعم سخيف؛ حيث لم تذكر كتب الحديث الصحاح ذلك(116).
5 ـــ الزعم بأن محمداً حرم على المسلمين من الطعام ما حرم على اليهود, وغير ذلك من مزاعم لا دليل عليها.
ويخصص بدوى الفصل الخامس من كتابه للرد على جولدتسيهر وتشابهاته الخاطئة بين الإسلام واليهودية. فقد نشر هذا الأخير مقال فى دائرة المعارف اليهودية حول الإسلام بحث فيه عن أصل مختلف التشريعات الإسلامية فى اليهود.
1 ـــ أولاً : تصور الإِلــه, يفــترض جولدتسيهر أن الفهم الوثنى لطبيعة الله, والذى عارضه محمد عند عرب الجاهلية يتوافق مع صورة الإلـه الواردة فى العهد القديم, ويرد بدوى على هذا الزعم الخاطئ بأن إله العهد القديـم خصص على أنه إله بنى إسرائيل على النقيض من إلـه الإسلام, وهـو “رب العالمين”, وأن رب إسرائيل هو الأب, بينما رب الإسلام لم يلد ولم يولد(117).
2 ـــ يــرد بـدوى على زعـم جولدتسيهر بأن محمداً أخذ الصوم عن اليهود, ويصفه بهذا اليهودى دائـم الانحياز لبنى جلدتـه, الذى ظهر عدم صدقه حين وضع كلمــة عبرية بين قوسين بعد اللفظ العربى, فذكــر أن الصيام هو (السيام) التى تعنى المنتسب للساميين(118).
3 ـــ ويورد بدوى الملاحظات التالية حول ما يتعلق بادعاء جولدتسيهر أن محمداً اتخذ قبلتـه أولاً نحو بيت المقدس لكسب ود اليهود, فلما لم يوافقوه على ذلك قام بتغير اتجله القبلة إلى الكعبة فى مكة.
أ ـــ لم يقل أحـد بعلم مؤكد كيف كانت القبلة فى مكة قبل الهجرة.
ب ـــ احترام الدين الجديد قبلة الآباء ـــ فى مكة ـــ وحفظ لهم حرمتها ومكانتها, وبالتالى حفظ التوجه نحوها.
جـ ـــ لما كان الإسلام هو ملة إبراهيم الذى بنى الكعبة, فكان من الطبيعى أن يتجه المسلمون فى صلاتهم نحوها.
4 ـــ وعلى العكس من ادعاء جولدتسيهر بتأثير التشريع اليهودى على التشريع الإسلامى, وبالمقارنة بينهما يؤكد بدوى عدم وجود أى تطابق بينهما(119).
وينكر بدوى صحة افتراض نولدكـه Noldeke أن البسملة فى فاتحة الكتاب ذات أصل مسيحى إنجيلى الذى أورده فى Geschichte des Qarans I,P 116 فبعد أن أورد بدوى محاولات علمــاء المسلمين فى وضع تأريخ زمنى محدد لآيات القرآن, يعرض لمحاولات المستشرقين, وفى مقدمتهم محاولة نولدكـه ويناقشـها صفحـات (126 ـــ 130) موضوحاً أنهم لم يأتوا بجديد فى هذه المسألة, وأن الفصل التاسع مـن كتاب الزركشى كافٍ تماماً بالنسبة لهذا الموضوع.
ويخطئ رأى نولدكه عن “هـامان” الذى نشره فى دائرة المعارف البريطانية, والذى زعم فيه أن هامان المذكور فى القرآن مذكور أيضاً فى الإنجيل على أنه الوزيـر المحبوب لاشـوروس ملك الفرس(120) .. ومقابل ذلك يرى بدوى أن هامان المذكور فى القرآن ربما لا يكون اسماً لشخص, بل هو لقب عام يطلق على كبير كهنة فرعون, ويفترض أنه مطابق لاسم أيون, وأنه من السهل أن يطلق أمان, وهى وظيفة رئيس الكهنة الذى تعرف بالقول الدارج على أنه وزير فرعون.
وينــاقش بدوى آراء فرانـتزبهل Frantz Buhl فى كتابيه, ويعرض لقوله : إن لفظى “أُمى” مأخوذة من أمة, حيث يرى بهل أن محمداً كان يعرف القؤاءة والكتابة حين اشتغل بالتجارة, إلا أن كتب اليهود والنصارى لم تكن مفهومة له, ويرفض بدوى هذا الرأى الذى يصفه بالسخف(121). ويعرض فى كتابه “الدفاع عن حياة محمد” موقفه هو وتور أندريه ضد رأى سبرنجر فيما يتعلق بحالة محمد عند نزول جبريل عليه بالوحى؛ فقد أكدا فى كتابيهما أن محمداً كان صادقاً فيما كان يمليه عليه الوحى, وأنـه كان يذعن لصوت عالٍ من السماء كان يسرد عليه القرآن.
ويرد بدوى ـــ فى الفقرة الثانيــة من كتابه المشار إليه سابقاً ـــ على افتراءات بهل قيما يزعمه بشهوانية محمد, ويورد كلامه بنصه مُبَيِناً أنه وقع فى نفس الخطأ الذى وقع فيه سبرنجر؛ حيث يؤكد بهل بمنتهى الصلافة والحقد تعصبه ضد محمد والإسلام. ويرى أن كتابه أكثر الكتب المرذولة التى وضعت فى سيرة نبى الإسلام. ويعجب بدوى فى الفصل الرابع من كتابه من موقف بهل الذى فسر رحمة الرسول بالمشركين فى صلح الحديبية بكونه أراد إدخالهم إلى ملته دون اقتناع منهم بذلك, وتعجبه (بهل) من قبول الرسـول لأولئك المشركين الذين دخلوا الإسلام مواطنين فى دولته.
ويرد على ادعاءاته القائلة بـأن الفرائض الإسلامية مأخوذة عن المسيحية واليهودية, وأن المسلمين لم يلتزموا فى نهاية حياة الرسول بفريضة الصلاة زاعماً أنه استقى ذلك من عدد من المصادر الإسلامية لم يشر إلى أسائها, وهو زعم خاطئ تماماً, كمـا يؤكد بدوى.
ويندد به لطعنه فى صحة رسائل النبى, وحقيقة وجود هذه الرسائل, وعدم وجود أصول لها, وأن خطابه إلى المقوقس حاكم الإسكندرية ليس كتاباً مزيفاً فحسب, ولكنه كتاب لا أصل له على الإطلاق.
ويرفض ما زعمه من كون محمداً لم يضع فى ذهنه أن تكون ديانته للعالم أجمع, مع أن الرسول منذ بداية دعوته أعلن أنه أرسل للناس كافة وعامة.
وفى إطار هذه المزاعم يعرض بدوى لما أورده جود فروادى موميين بصدد زواج النبى من زينب بنت جحش, وبعد أن يعرض لروايته يرفض الأخذ بها معدداً أسباب ذلك. كما يناقشه فى أخذ الفرائـض الإسلامية عن المسيحية واليهودية فى الفصل الخـامس من “الدفـاع عن محمد”, ,وكذلك فـىتشكيكه فى رسالة النبى إلى المقوقس.
ويرد على تبـاكى أمثـــال كاتيــانى وجابرييلى عن موقف محمد من يهود بنى قريظة بأن الحكم الذى صـدر على اليهود هو حكم سعد بـن معـاذ حليف اليهود الذى ارتضوه حاكماً بينهم وبين المسلمين ولم يكن حكم محمد. وإنهم (اليهود) تآمروا على الرسول وخانوه فى الحرب, وهى تهمة تجابه بالقتل فى كل مكان وعلى مر التاريخ, وقد اعترف كابنانى نفسه بخطورة ما قام به بنو قريظة ضد المسلمين وقت الحرب. وقد دلل بدوى فى الفصل الخامس من كتابه على عدم صحة مزاعم كابنانى بأن الصوم الإسلامى تقليد للصوم المعروف عند اليهود.
وينــاقش آراء مونتجمـــرى وات W.M. Watt عن سياسـة محمد تجاه خصومه, فرأيه عن حكم سعد بن معــاذ على اليهود مهترأ بما فيه الكفـاية. يـرد على افتراضـة الســاذج المضـلل بصدد إمكانية تعاون محمد مع اليهـود, وكـأن بدوى يحذرنا من هذا التعامل مع هؤلاء الذين يؤكد التاريخ دائما غدرهم فى كل تحالفاتهم. ويرد بدوى بعنف على هذا الرأى.
1 ـــ بصدد القـوب عن :الفوائــد الجمة” التى يتحدث عنها الكـاتب (وات), فإنها إذا كانت قد حدثــت, فسوف لا تكون أكــثر من منهجهم السلام مقابل دفع الجزية على أنهم أهل ذمة .. وبذلك لن يتغير وضع اليهود طوال التاريخ الإسلامى, وبالتالى لـن يتغير وجه العالم.
2 ـــ قول وات : إن الإسلام سيصبح مذهبــاً يهودياً هو السخيف حقًّا. إن الإسلام لا يمكن أن يكون مذهباً يهودياً, إن يكن ذلك قد حدث, ولـو أنه من المستحيل حدوثه, فـإن معناه أن محمداً قد اعتنق اليهودية, ولـيس هنالك عاقل واحد يستطيع أن يقول مثل هذا الهراء, أو يفترض هذا الافتراض الأبلـه, ولماذا يقدم محمد على ذلك ؟. ولو كـان الأمر كذلك إذن فقد كان من الأجسن لمحمد ألف مرة لو اتبع ملـة أبائـه وملة قومه وملة غالبية به الجزيرة العربية.
3 ـــ إذا كانت هنــالك “فرصة طيبة ضائعة” كمـا يقول وات, فإنها فرصة طيبة ضائعة على يهود المدينة ويهود خيبر, لأنهم هـم الذيـن أضاعوهـا, ولـو كـانوا قد أرادوا حقيقــة أن يغتنموهــا بالقطع لوقفوا مع محمد على الحياد.
كما ينكــر بـدوى رأى دوزى R. Dozy فـى “الإسرائيليات فى مكـة” وكذلك هوتسما M. The Houtsma فـى ردهما الحج الإسلامى إلى الحج اليهودى, ويعارض هذا الموقف برأى سنوك هر خرونيه الذى يرفض ادعائهما فى مقاله “أعياد مكة”.
وما نريد أن نشــير إليــه تعقيباً على موقف بدوى الحالى, الذى نطلق عليــه “المقابلة” هو أن الفكر العربى الإسلامى لا يهدف إلى الهجوم على آراء هـؤلاء المستشرقين جملة, بل إنه يناقشها فى كتابيـه الآخيريين : “الدفاع عن محمد” و”الدفاع عن القرآن” يعرض بموضوعية لآراء كل من ناقش هذه القضايا ويشيد بموضوعية عديـد من المستشرقين ذوى المنهجيــة العلمية غير المتحيزة. فهو يذكر الدقـة والموضوعية التى ظهرت بها الدراسات حول الإسلام بعد ظهور كتـاب ج. هــ هوتينجر J. H. Hothinger تاريخ الشرق Historia Orientalis فى منتصف القرن السادس عشر, حيث تدخل أبحاث المستشرقين مرحلة حديـدة, يظهـر فيها رجوع أصحابها إلى المصــادر الإسلامية بصدد هذا الموضوع, ومن خـلال هذه المصادر قام هوتينجر لأول مرة فى أوربا بدراسة تاريخ محمد بروح جديدة يظهر من خلالها الآتى :
1 ـــ خفت “أسطورة محمد” التى كانت شائعة فى أوربا خلال القرون السـابقة بشكل ملحوظ تاركة المجال لتصور تاريخى معقول ومقبول.
2 ـــ اســتبعاد العلاقـة بـين بحــيرى الراهب ومحمد, تلك العلاقة المزعومة التى نسج حولها المؤرخون الأوربيون السابقون ديانة محمد وتأثرها بالمسيحية.
3 ـــ عالج المعجزات التـى وقعت لمحمد, وانتهــى إلى أن معجــزة محمد الوحيدة الكبرى هى القرآن.
ويختتم بدوى تمهيد كتابه عن محمد بالإشارة لأول كاتب أوربى رد بعدالة عن محمد والإسلام, وهو أدريان ريلاند Adrien Reland صـاحب كتاب “ديانة محمد”(122). وكان أمل ريلانـد بإخراج هذا الكتاب أن يواجــه المعارك الموجهة فى أوربـا ضد الإسلام, وأن يدحض الأساطير الموضوعة على يد الكُتَّــاب الأوربيين والمسيحيين ضـده؛ لتويه صورة ـــ محمد والافتراء ـــ عليه وعلى ديانته, ولقد سـاهم الكتاب كثيراً فى إنـارة الطريق للأوربيـين فيما يتعلق بالإسلام.
ويبدأ بدوى الفصل الثانى عشر من كتابه “الدفاع عن القرآن” بإبراز دفـاع ريلان عن الإسلام, الذى سـبق وأـار إليـه بدوى فى دراستـه “الديـن عنـد كانط”, الجزء الرابع عن منهجه, فيما يتصل بدراسة المصادر التى استقى منها كانط ما يتصل بالإسلام(123). وبدوى فى هذه الدراسة يشيد بفضائل أدريان ريلاند يقول فى “الدفـاع عـن القرأن” : لقد أثـر فى كثـيراً هذا الكتاب بسبب إنصافه وفراسة كاتبه وموقفه الشديد الموضوعية تجاه الإسلام ونبى الإسلام محمد (124). فهو يبحث على دراسة العقيدة الإسلامية من خلال المصـادر العربية مما يسمح برؤية الإسلام من واجهة مخالفة تماماً لتلك التى كانت معتادة فى الغرب.
كذلك ناقش بدوى ما فى كتاب ريلاند من دراسة للعقيدة الإسلامية مع إيـراد ترجمة لاتينية تقابلها وحواشــى تفسيرية.
وناقش بدوى رأى ريلاند فى عبارة “يا أخت هـارون” الـواردة فى القرآن بصدد السيدة مريم الغذراء, ويلخص ما أورده فى هـذا الفصل بخصوص هـذا الموضوع(125).
ويشيد بدوى بموقف تور أندريـه Tor Andrae, ويستشهد به فى رده على سبرنجر بخصوص الصــراع المرضــى والهيستريا التى يدعى الأخير أنها تنتــاب محمداً أثناء نـزول الوحى عليـه, ويـورد أندريــه “محمد, حياتـه, وعقيدتــه” بخصوص ما زعم البعض حول شهوانية محمد, حيث يقدم لنا أندرية بعـض الاعتبارات التى يجب أن نحتكم إليها فى تحليلنا لهـذا الموضوع, منهـا المعايير الأخلاقية فى المجتمع الذى نشأ فيـه, ومـدى تــأثره بها, وحالة الأخلاق والعادات فى الجزيـرة العربية قبل الإسلام؛ ليصل بـذلك إلى أن محمد تمسك بحزم بالحدود التى وضعها فى التشريع لكبح جمــاح التسـيب فى موضوع العلاقة الجنسية, وحاول وضع تشريعات عدة لتقويم فهم أخلاقى عـال للغاية للزواج ولوضع المرأة فى المجتمع.
ويعلق بدوى على أقوال أندرية بأنـه قد فهم فهماً صـادقاً عادلاً سـلوك محمد بصدد الزواج والمرأة للاعتبارات التالية :
أ ـــ وضع أندريه فى اعتباره مـا كان شائعاً فى أمر تعدد الزوجات فى الجزيرة العربية قبل الإسلام.
ب ـــ أشـار أن محمداً رفـع من قـدر المرأة بإعطائها الحق فى الميراث لأول مرة فى تاريخها.
جـ ـــ انكر أوهام البــاحثين بصـدد موضوع النزوات, وأكد علـى أن حياة محمد لا يليق بمن يتعرض لهـا أن يعيب سلوكه فى هذا الخصوص.
د ـــ صحح أفكــار من سبقه بصدد تفسير الآية 52 من سورة الأحزاب, وأورد التفسير الصحيح لها, وهو أنـه لم يعد مسموحاً للنبى بعد اكتـمال عدد زوجاته أن يتبــدل غـــيرهن أو يزيــد عليهن.
هـ ـــ كان أندريه محقًّا فى إشارته إلى أن أخلاق المسيحيين الموروثـة فـى العصور الوسطى عن الوثنيـة قد بالغت فى أمر تحريم الميل الجنسى, وأن تـرك المتعة الجنسية ليس فضيلة(126).
ونجد نفس الإشــارة لعـدد من المستشرقين, منهم فلهوزن الذى سبق أن ترجم لـه بدوى كتابه “الشـيعة والخوارج” فهو من أصحاب الكتابات المعتدلة, وهو يستند إلى أحكام فلهوزن حـول اتفــاق الصحيفــة بـين محمد وخصومه(127)..
يتناول بدوى إذن بأمانة آراء هؤلاء, ويشيد بها فى تلك المواضــع التى تتفق مع الحقيقة التاريخية كما يراها, وينـاقش آراءهم, ويرفض بعضها حين تتجاوز حدود التحليل العلمى إلى الطعن فى العقيدة, مثلما فعل “فرانتز بهل”, وكذلك مع ماكسيم رودنسون الذى يرفض زعمه القائل بأن عفو محمد عن أبى سفيان وزوجتـه هنـد كـان يهدف استمالتهم وكسبهم إلى صفه, والتلميح بأنه استفاد من هذا العفو ليقترض الأموال من القرشيين الأغنياء. ومع هذا فـإن بدوى يرى أن تقوم رودنسون بصدد الحكم الذى صدر ضد بنى قريظة معقولاً ومقبولاً على العكس من رأى مونتجمرى وات.
إلا أن بعض أحكام بدوى تحتاج إلى نقاش, سواء فيما يتعلق بمن أشاد بهم أو ندد بمزاعمهم, خاصة موقفه من رينــال. فمواقف رينان غير علمية فى كثير من الباحثين العرب(128). ومع هذا يطلق عليه بدوى الكتاب المنصف, وإن كان هذا صحيحاً فى السياق الذى أورد فيـه بدوى رأى رينان الخاص بموقف الأوربيين وما كتبوه عن محمد والذى يقول فيه رينان : “إنه لتاريخ بمتلئ بالغموض والكراهية والحقد عليه(129).
وعلى هذا فإن بدوى فى اتجاهـه الأخير يقدم لنا صورة يحاول أن يصحح فيها أحكام بعض المستشرقين الخاطئة حةل الإسلام والقرآن والنبى محمد بعيداً عن تلك الكتابات الكثيرة المتسرعة المنتشره هذه الأيام ضـد الاستشراق بعامة, فهو يحلل ويناقش ويرفض, وفى نفس الوقت يذكر أصحاب الاتجاهات التى تتفق مع الحقيقة التاريخية لدى بعض المستشرقين الذين يعتمدون على المصادر الأساسية والمنــاهج العلميــة والتحليل الدقيق.
وهذا الموقف الأخير من الدكتور بدوى يختلف كليــة عن موقفه المبكر المتابع تماماً لجهود المستشرقين, ومن أجل هذا كتبنا هذه الدراسة الثانية “المقابلة والمماثلة” فى موقف بدوى من المستشرقين” لتعطى صورة كاملة عن جهود الرجل وتكمل بعض الجوانب فى دراستنا السابقة عنه.
***
الهوامش والملاحظات
(*) أستاذ مساعد قسم الفلسفة ـــ كلية الآداب ـــ جامعة القاهرة.
1) نقدم فى الدراسة قراءة ثانية فى موقف عبد الرحمـن بدوى من المستشرقين, وقد سبق لنـا أن أصدرنا دراسة سابقة تمثل الأصول الاستشراقية فى فلسـفة بـدوى الوجوديـة. وهـى دراسة تعبر فقط عن موقف بدوى الأول تجاه المستشرقين, راجـع دراستنا : الصوت والصدى, دار الثقافة للنشر والتوزيع, القاهرة 1990.
2) راجع دراستنا : بدوى والموقف من التراث اليوناني, مجلة اوراق كلاسيكية؛ العدد الخامس القاهرة 1995.
3) ادوار سعيد : الاستشراق : المعرفة, السلطة, الإنشاء, مؤسسة الأبحاث العربية, الطبعة الثانية, 1984.
4) د. فؤاد زكريا : نقد الاستشراق وأزمة الثقافة العربية, مجلة فكر القاهرة, العدد 10 عام 1986, ص 33 ـــ 75.
5) د. عبد الرحمن بدوى : موسوعة المستشرقين, دار العلم للملايين, بيروت 1984.
6) دز عبد الرحمن بدوى : دراسات ونصوص فى الفلسفة وتاريخ العلوم عند الغرب, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت 1981, ص 15 ـــ 54.
7) د. بدوى : التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية. دراسات لكبار المستشرقين ألف بينها وترجمها عن الألمانية والإيطالية عبد الرحمن بدوى ط 3, دار النهضة العربية, القاهرة 1965.
8) د. بدوى : شخصيات قلقة فى الإسلام. دراسات ألف بينها, وترجمها عبد الرحمن بدوى, دار النهضة العربية, ط 2 القاهرة 1964.
9) د. بدوى : من تـاريخ الالحاد فى الإسلام. دراسات ألف بعضها وترجم الأخر عبد الرحمن بدوى. القاهرة 1945.
10) د. بدوى : الإنسان الكامل فى الإسلام دراسات ونصوص غير منشورة, ألَّف بينها وترجمها وحققها عبد الرحمن بدوى. ط 2 وكالة المطبوعات الكويت 1976.
11) د. بدوى : موسوعة المستشرقين ص 367.
12) المصدر السابق ص 368, وشخصيات قلقة فى الإسلام, دار النهضة العربية, القاهرة 1964 ص 158 ـــ 182.
13) د. بدوى : الإنسان الكامل فى الإسلام, وكالة المطبوعات, الكويت ط 2 عام 1976 ص 103 ـــ 138.
14) د. أحمد عبد الحليم عطية, الصوت, والصدى, ص 59 وما بعدها.
15) د. عبد الرحمن بدوى : تاريخ التصوف الإسلامى, من البداية حتى نهاية القرن الثـاني, وكالة المطبوعات الكويت ط 2 1978 صفحات 23, 25, 26, 27, 47, 49, 55.
16) د. بدوى : موسوعة المستشرقين ص 363 وما بعدها.
17) المرجع السابق ص 327.
18) ب. كرواس : التراجم الارسططالية المنسوبة إلى إبن المقفع, فى بدوى التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية ص 101 ـــ 120.
19) كرواس : ابن الروندى الملحد فى بدوى, تاريخ الالحاد فى الإسلام ص 75 ـــ 188.
20) د. بدوى : أفلوطين عند العرب. وكالـة المطبوعات الكويت ط 3, 1977, التصدير ص 18 وما بعدها, والصوت الصدى, ص 66.
21) د. بدوى : موسوعة المستشرقين ص 339.
22) المرجع السابع ص 337.
23) د. بدوى : شخصيات قلقة فى الإسلام ص 136 ـــ 156 راجع دراستنا, كوربان بين الفلسفة والاستشراق, مجلة الجمعية الفلسفية المصرية, العدد الثالث يوليو 1994.
24) د. بدوى : موسوعة المستشرقين ص 267.
25) هانز هنريش شيدر : روح الحضارة العربية, ترجمة وتقديم د. عبد الرحمن بدوى, دار العلم للملايين, بيروت 1949.
26) هانز هنريش شيدر : نظرية الإنسان الكـامل عند المسلمين, مصدرها وتصويرها الشعرى فى بدوى, الإنسان الكامل فى الإسلام ص 10 ـــ 101.
27) طه حسين : الأدب الجاهلى.
28) د. بدوى : موسوعة المستشرقين ص 120.
29) المرجع السابق ص 121.
30) المرجع السابق ص 119.
31) المرجع السابق ص 124.
32) انظر بدوى : التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية ص 123 ـــ 172.
33) المرجع السابق ص 218 ـــ 241.
34) د. بدوى : دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجـاهلى, دار العلم للملايين, بيروت ط 2 1986 ص 272 ـــ 282.
35) ماكس مايرهوف : من الاسكندرية إلى بغداد, فى بدوى : التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية ص 77 ـــ 100.
36) د. بدوى : موسوعة المستشرقين, ص 373 وما بعدها.
37) المرجع السابق ص 73.
38) المرجع السابق ص 70.
39) فرانشيسكو جابر بيلى : زندقة ابن المقفع, فى بدوى التراث اليونانى فى الحضارة الإسلامية, ص 40 ـــ 71.
40) اسين بلاثيوس : ابن عربى, ترجمة ودراسة عبد الرحمن بدوى, مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة 1967.
41) د. عبد الرحمن بدوى : أوهام حول الغزالى ص 241 ـــ 251 فى كتاب أبو حامد الغزالى, منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية, الرباط 1988.
42) د. بدوى : موسوعة المستشرقين ص 417.
43) المرجع السابق ص 379.
44) نفس الموضع.
45) د. بدوى : دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلى. دار العلم للملايين, بـيروت ط 2 1986.
46) د. بدوى : موسوعة المستشرقين ص 225.
47) المرجع السابق ص 66, ويتحدث عن علاقته به, صفحات 166 ـــ 167.
48) المرجع السابق ص 104.
49) المرجع السابق ص 149.
50) المرجع السابق ص 30 ـــ 31.
51) المرجع السابق ص 439.
52) Abdurrahman Badawi : Histoire de la philosophie en Islam 2 Vols vrin,. Paris, 1972.
53) د. بدوى : موسوعة المستشرقين ص 340, وانظر كتاب كاتارينا مومزن : جوته والعالم العربى, ترجمة د. عباس عالم المعرفة الكويتية 1995.
54) د. بدوى موسوعة المستشرقين, ص 29.
55) د. بدوى : موسوعة المستشرقين, ص 200.
56) المرجع السابق ص 395, ص 419.
57) المرجع السابق ص 190.
58) المرجع السابق ص 252.
59) المرجع السابق ص 212 ـــ 213, والحقيقة أن تحليل بدوى لأعمال ريلاند مستمرة فى الفترتين الأولى والأخيرة, فهو يشيد به وبموضوعيته.
60) المرجع السابق ص 255.
61) المرجع السابق ص 415.
62) المرجع السابق ص 414 ـــ 415.
63) المرجع السابق ص 97.
64) المرجع السابق ص 205, 206, 208.
65) المرجع السابق ص 17.
66) المرجع السابق ص 91 ـــ 92.
67) المرجع السابق ص 105 ـــ 106.
68) المرجع السابق ص 23.
69) موسوعة المستشرقين ص 331.
70) موسوعة المستشرقين ص 5.
71) موسوعة المستشرقين ص 11.
72) موسوعة المستشرقين ص 186.
73) موسوعة المستشرقين ص 286.
74) موسوعة المستشرقين ص 351.
75) موسوعة المستشرقين ص 217.
76) موسوعة المستشرقين ص 146.
77) موسوعة المستشرقين ص 47.
78) المرجع السابق 430.
79) المرجع السابق ص 307 ـــ 308.
80) المرجع السابق 433.
81) المرجع السابق ص 81.
82) الموضع نفسه.
83) المرجع نفسه ص 65.
84) المرجع السابق ص 246.
85) المرجع السابق ص 6.
86) المرجع السابق ص 46.
87) المرجع السابق ص 43.
88) المرجع السابق ص 88.
89) المرجع السابق ص 211.
90) المرجع السابق ص 213.
91) المرجع نفسه 405.
92) المرجع نفسه 26.
93) المرجع نفسه 69.
94) المرجع السابق ص 243.
95) المرجع السابق ص 269.
96) المرجع السابق ص 348.
97) المرجع السابق ص 349.
98) لقد شارك بدوى فى الكتابة عن الإلحاد فى الإسلام 1945 فى الوقت الذى أثيرت فيه هذه القضية فى عدد من المجلات العربية والمصرية, مثل المقتطف والعصور؛ حيث كتب إسماعيل أدهم “لماذا أنا ملحد ؟”. ورد عليه محمد فريد وجدى “لماذا هو ملحد ؟” وترجمت مجلة العصور التى يرأسها إسماعيل مظهر دراسة رسل, لماذا أنا لست مسيحياً ؟ وهى قضايا شغلا الكتاب فى هذه الفترة, ولم يكن بدوى شاذا فى الكتابة فى هذا الموضوع المثــار فى الدوريات الثقافية فى تلك الفترة.
99) راجع دراستنا : “قراءة فى كتابات بدوى السياسية” مجلة أدب ونقد, القاهرة ديسمبر 1993, العدد 100.
100) A. Badawi : Defense du Coran contre ses critiques I’ unicite, Paris 1989 وراجع الدراسة التى قدمـها الزميل الدكتور عطية القوصى للكتاب فى مجلة المؤرخ المصرى, العدد الثالث عشر يوليو 1994, هذا ونشير إلى أننا اعتمدنـا فى إشارتنا للعلمين الأخيرين للدكتور بدوى على ترجمات موسوعة غير منشورة للدكتور عطية القوصى.
101) يشير بدوى فى مقدمة الدفاع عن حياة النبى محمد .. إلى كتاب البطريق الإسكندر الأنكوننى “أسطورة محمد فى الشرق” وتتبع فى نفس المقدمة المزاعم المختلفة التى تناقلها هؤلاء الكتاب, ثـم يخصص تمهيده الطويل لتناول “أسطورة محمد فى أوبا, عشرة قرون من الكذب الباطل والافتراء” لدى المؤرخ البيزنطى ثيوفان (751 ـــ 818 م) ومن تابعة أمثــال قسطنطين بروفيرجيتيا (905 ـــ 959 م) وسدرينو (ت 1057م) وزويارا (ت 1130) ثم الراهب جيوبرت (1052 ـــ 1124م) وجاك دى فيترى (ت 1244م) ومــارتين بولونكوا وفانسـان دى يوفيه (ت 1264م) وغليــوم الطرابلسى وبيير باسكاسيو, ويعقوب الاكوينى (ت 1337) وغيرهم.
102) يعتمد بدوى على بيان الآيات القرآنية وإحصائها وتحليل دلالتهـا فى مواضع عديدة من كتابـه “الدفاع عن القرآن ..” راجع مثلاً : الفقرة الأولى من الفصل الأول عن تحليل لفظ “أمى” الذى يذكر ورودهـا فى الأعراف 157, الجمعة 2, آل عمران 19, 75, والبقرة 78, وكذلـك فى حديثه عن الصابئة فى القرآن (الفصل السادس), ويفعل ذلك مع العهد القديـم موضوع الرسل (الفصل السابع), ويشير إلى ورود كلمة رسـول 146 مرة مختصة بمحمد, ورسوله 84 مـرة, ورسولنا 4 مرات ـــ وغيرها, وأيضاً فى تحليل لمعنى الفرقان (الفصل الثالث).
103) ويستشهد بالمصادر العربية فى تناوله لادعاء مرجليوث بأن الصلاة من طقـوس الحـرب (الفصل الرابع), والقبلة (نفس الفصل), والصابئة (السادس), والفصل العاشر عن محاولة العلماء والمسلمين لتقديم تأريخ زمنى لآيات القرآن.
104) يقارن بدوى فى الفصل الرابع من “الدفاع عن حياة محمد” بين سماحة سلوك النبى مع أعدائه بعد الفتح العظيم وسلوك الفاتحين الأوربيين الذين تحـدث عنـهم المستشرقون فى كل تاريخ أوربـا. واكتفى بالإشارة إلى ما تم فى قرننا هذا, وما روى من انتصارات الحلفاء على الألمان فى الحرب العالمية الثانية, وما حدث بعدها من محاكمات أعدمت الكثير من الرجال والقواد. ودلل على محاكمة نورمبرج المشينة التى وقعت ما بين يوم 20 توفمبر 1945 حتى يوم 30 سبتمبر 1946 ..
105) راجع هامش رقم 101.
106) Badawi : Defense du Coran, pp. 14-15.
107) Ibid, pp. 85-86.
108) Ibid., p. 18.
109) Ibid., P.7.
110) Ibid., p. 15.
111) Ibid., p. 66.
112) يذكر لنا بدوى من مؤلفات مرجليوث فى اليهودية الأعمال التالية :
ـــ شرح كتاب دانيال ليافث بن على, نشر وترجمة 1899.
ـــ مكانة الأكليريكية فى الأدب السامى 1890.
ـــ أصل “الأصل العبرى “للأكليروس 1899.
ـــ العلاقات بين العرب والإسرائيليين قبل الإسلام 1942. المرجع السابق 72 ـــ 72.
113) Ibid., p. 73.
114) Ibid., p. 74.
115) Ibid., pp. 74-75.
116) Ibid., p. 76.
117) Ibid., pp. 82-83.
118) Ibid., p. 84.
119) Ibid., pp. 89-90.
120) Ibid., p. 220.
121) Ibid., p. 18.
122) Ibid., p. 62.
123) د. عبد الرحمن بدوى : الدين عند كانط, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, القسم الرابع.
124) BADAWI, Ibid., p, 27.
125) Ibid., p. 28.
126) راجع الفقرات الأولى والثالثة من الفصل الثامن عن “الدفاع عن حياة محمد” الخـاص بــ “شهوانية محمد المزعومة”, حيث يعرض بدوى لرأى أندريه نور فى كتابه Das leben und lehre des Mohammed وكذلك كتابه “حياة محمد وعقيدته”.
127) نقل بدوى للعربية كتاب فلهوزن : الخوارج والشيعة, دراسة وترجمة, القاهرة 1059.
128) قارن تحليل د. سالم حميش لأعمال رينان “كحالة عـداء معلن” فى كتابه الاستشراق فى أفق انسداده, منشورات المجلس القومى للثقافة العربية, الرباط 1991 ص 39 وما بعدها.
129) بدوى : الدفاع عن حياة النبى محمد. التصدير.