- السياسة عند الغزالى وميكافيل.
- « كان يكتب نصيحتــه ـــ ظاهريا ـــ للملوك, فى حين كان ـــ فى الحقيقة ـــ يعطى دروسا للشعوب ».
هذا هو رأى « جان جاك روسو »(1) فى كتاب « الأمير » « لميكافيل » الذى ظل طويلا فى نظر الباحثين الدليل الأمثل للحكام والساسة يدعمون به سلطانهم, ويقمعون به كل نزوع للتغيير والتحرر.
لقد كان « روسو» ـــ على العكس ـــ يرى فى كتاب «الأمير» « مرجع الجمهوريين » إنه يمدهم ـــ من طرف خفى ـــ بالمفتاح الذى يستطيعون به حل رموز المنظومة السياسية التى تتصدى لهم, فيحولونها لمصلحتهم ومصلحة الشعوب المقهورة.
وعلى أى حال, فإن الذى لا مراء فيه, أن التأليف فى الفكر السياسى على النحو الذى قام به « ميكافيل », يستدعى معرفة دقيقة للحياة السياسية, ووعى بداوافعها وأهدافها, ومراكز قوتها وضعفها وممارسة لآلياتها, إنه يحمل ضمنيا معرفة لمقاتل النظام السياسى, الذى انصب للدفاع عنه, ومن ثم صار المناوىء السياسي قادرا على أن يستفيد ـــ موضوعيا ـــ الاستفادة كلها من كلا الناصح والمنافح.
وإذا كان «روسو» قد طالب فى قولته السالفة إعادة النظر فى الأثر الهام الذى تركه «ميكافيل», فهل يحق لنا أن نطرح نفس التساؤل فى خصوص أبى حامد الغزالى الذى كان له بالإِضافة إلى اهتماماته العلمية نشاط سياسى فعلى وتنظيرى ؟
لقد كان كل شىء فى عصر الغزالى يغرى بخوض غمار الحياة السياسية دعما للحكم القائم, أو معارضة له, وكان مثل هذا الإِغراء أقوى بالنسبة لرجل كالغزالى يعيش فى بغداد مشرفا على المدرسة النظامية التى أرادها مؤسسوها أن تكون الدعامة السياسية ـــ المذهبية ـــ لهم فى مواجهة خصومهم المعتدين(2).
ثم كانت السياسة لرجل فقه, وكلام وتصوف كالغزالى, الفضاء الذى لا يمكن بحال أن ينسلخ عنه, أليس هو القاتل(3) : «إن مقاصد الخلق مجموعة فى الدين والدنيا ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا, فإن الدنيا مزرعة الآخرة وهى الآلة الموصلة إلى الله تعالى … ؟».
ولقد حاول الغزالى وهو فى عنفوان مجده أن يقطع «العلائق التى انغمس فيها وأن يُعرض عن الجاه والمال والشواغل»(4) لأسباب سوف نعود إليها, لكنه اضطّر للتراجع بعد عشر سنوات والعودة إلى الحياة السياسية والتعليمية وليكتب «نصيحة الملوك»(5), التى قدمها للسلطان السلجوقى محمد بن ملكشاة الملقب بسلطان المشرف والمغرب, وليعود ثانية للتدريس بالنظامية فى نيسابور.
فهل كان هذا من الغزالى انطواءً سياسيا اندفع إليه بعاملى الخشية والاستسلام للسلطة السياسية ؟ أم كان نابعا من قناعة مركبة بأن الواجب مسايرة «سلطان الوقت» ( السياسة السلجوقية ) مع العمل الدؤوب من أجل إحياء ما اندثر من مهمة العلماء الذين يرثون الأنبياء. ؟
إن دراسة مقارنة للنصوص «السياسية» للغزالى خاصة منها الواردة فى «المستظهرى» و «نصيحة الملوك», إضافة إلى ما ورد من فقرات أساسية فى «الإِحياء» و «المنقذ من الضلال » «تتظافر جميعها لتأكيد أن نصيحته للملوك لم تكن خالصة لهم, وإنها كانت تحمل وتدعو إلى فكر سياسى إسلامى, قد يكون محافظا فى شكله لكنه متحررا فى مضمونه …
ولقد كان للتدهور السياسى والفكرى والاجتماعى الذى عرفه المشرق العربى أثر كبير فى الغموض النسبى لفكر الغزالى السياسى, ومن ثم تعكره … لكن هذا لا يجب أن يخفى عنا مدى طرافة المحاولة وجديتها, خاصة وأن هذه الطرافة سوف تجد من يقتبس منها ويتفاعل معها حسب ما تتحمله ظروفه الموضوعية, وذلك فى التجربة السياسية ـــ الدينية ـــ للدولة الموحدية التى أسسها ابن تومرت فى المغرب الإِسلامى بعد وفاة الغزالى بسنوات(6).
وهكذا فإن «الجانب الآخر» من نصيحة الغزالى لبعض ملوك المسلمين لم يذهب سدى, ولم يبق مطموسا رغم أنه لم يجد لنفسه أرضا مشرقية ينمو فيها. لقد تمكن الفكر السياسى للغزالى أن يوجد لنفسه صدى مع دعوة المهدى بن تومرت فى الغرب الإِسلامى, وأرضا يتنزل فيها وإن اختلفت الأوضاع, وتجربة ينفذ من خلالها, وإن لم يتسن له أن يتحقق إلا فى جوانب معينة ومحدودة.
وهذا بالذات هو الذى دفع بنا إلى الاستشهاد بكلمة «روسو» فى خصوص «ميكافيل», إذ لم يكن قصدنا إحداث مقارنة بين المفكر الإِيطالى وصاحب الإِحياء في التوجه الأصلى لفكرهما السياسى, بل كان كل همنا إظهار قدرة الجانب «غير المقروء» من أثر الرجلين فى الاستمرار, وهو الجانب الذى كثيرا ما نهمله فى الحين أنه الأبقى والأكثر فعلا عبر الزمان والمكان.
الاضطرار السياسى المثلث
لو أردنا تحديد الدوافع الكامنة وراء تبنى رجل كأبى حامد الغزالى مواقف سياسية مرتبطة بفكر سياسى عام, لوجدناها ثلاثية. لقد كان الرجل فقيها, وكان الفقه عند علماء المسلمين فى جانب منه يدفع للحياة السياسية, وكان متكلما يقيم الحجة على المناوئين, ويأصل لاختيارته فى عصر تكاثرت فيه الدعاوى السياسية / الدينية, وكان متصوفا.
- لقد نشأ الغزالى فى طوس ـــ إحدى مدن خرسان ـــ فأخذ الفقه الشافعى فى وقت كان الصراع بين الشافعية والأحناف محتدما, ثم زاد اتصاله بنفس المذهب عند انتقاله إلى جرجان لأخذ العلم على أبى القاسم الإِسماعيلى, وما كان اتصاله بالوزير نظام الملك إلا ليزيده تعلقا بالمذهب الشافعى, فلقد كان الوزير المستهدف لعدد من الحملات والمؤامرات, يعتقد جازم الاعتقاد فى ضرورة دعم المدارس النظامية ـــ خاصة نظامية بغداد ـــ باعتبار تلك المؤسسات كانت أقرب ما يكون لمعهد تكوين الإِطارات الحزبية الموجودة فى عصرنا من حيث كونها تقوم بمهمة المساند الفعلية لكل توجه سياسى. ولقد كان الحنابلة على وعى بهذه المسألة, لذلك كانوا لا يألون جهدا. وهم المدعومون بعدد هام من عامة بغداد ـــ فى مهاجمة المدرسة النظامية والتشهير بها وبأعمالها التى « تهدف تخريب الدين وإفساد حال المؤمنين »(7).
لهذا كله احتلت المسألة الفقهية المكانة البارزة فى سلم اهتمامات الغزالى التعليمية والتأليفية, فكتب منذ وقت مبكر «البسيط», ثم أردفه «بالوسيط» وبعده كان «الوجيز»(8), وكلها كتب فقهية ملتزمة بالمذهب الشافعى, وموضوعة لطلاب العلم الذين يقصدون المدرسة النظامية, فضلا عن هذا فقد كانت له فتاوى عديدة من أشهرها فتواه الخاصة بملوك الأندلس (ملوك الطوائف) التى أجاب بها يوسف بن تاشفين المرابطى مرافقا على خلعهم وضم الأندلس للمغرب.
لكن الذى لا يجب أن يغيب عنا أن الغزالى ـــ على اهتمامه بالفقه وعلومه ـــ كان شديد التوجس من الفقهاء كثير الإِلحاح على أنهم أصبحوا فى عصره «المائة لا تجد فيهم الراحلة», ولعل مما يؤكد ذلك أن أول حديث نبوى افتتح به كتابه الإِحياء كان هو « أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله سبحانه بعلمه»(9).
ليس عجيبا بعد ذلك أن تجد لتوجس الغزالى من الفقهاء وسوء طنه بهم صدى غير محمود فى بلاد المغرب, حيث كان الفقهاء قد تجاوزوا مرتبة المرجع والمستشار القانونى « ليصبحوا كما ذكر المراكشى مآلا لأمور المسلمين كلها, صغيرها وكبيرها .. (ف) « انصرف وجوه الناس إليهم وكثرت أموالهم واتسعت مكاسبهم »(10).
ولقد أدى هذا الوضع ـــ مشرقا ومغربا ـــ إلى تضخم عددى للفقهاء لا يتناسب إطلاقا مع الغاية الكبرى التى وضع الفقه من أجلها. لقد أصبح الفقهاء « متصرفين بالتخصيص لا بالنقل والتحويل » وأصبح كل همهم « معرفة الفروع الغريبة فى الفتاوى والوقوف على دقائق عللها ولستكثار الكلام فيها, وحفظ المقالات المتعلقة بها, فمن كان أشد تعمقا فيها وأكثر اشتغالا بها يقال له أفقه »(11).
ولقد أولى الغزالى هذا الموضوع عناية كبرى, وخاصة فى الباب الأول من إحيائه (كتاب العلم), ناعيا على الفقهاء تطاهرهم بالعلم وتباهيهم بالجدول فى النوادر والغرائب, وطلب الطبوليات التى تسمع فيتسع مجال الجدل فيها, متبرما باندراس الدين بسبب تلبيس علماء السوء وهو القائل … « فالله المستعان وإليه الملاذ فى أن يعيذنا من هذا الغرور الذى يسخط الرحمان ويضحك الشيطان»(12).
مثل هذه الحسرة والمرارة التى نجدها مبثوثة فة تضاعيف عدد من كتب الغزالى, ناجمة من راسخ اعتقاده فى خطورة المهمة السياسة والدينية الملقاة على عاتق الفقهاء. فالسلطان محتاج إلى قانون بسوس به الرعية « والفقه هو العالم بقانون السياسة وطريق التوسط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشهوات».
فكان الفقيه معلم السلطان ومرشده إلى طريق سياسة الخلق وضبطهم لتنتظم باستقامتهم أمورهم فى الدنيا(13).
وهكذا فإن الاشطرار الأول (الفقهى) ـــ وهو الذى قاد الغزالى إلى الفضاء السياسى ـــ يقدر أن يبين لنا مدى ارتباط السياسة بالدين والفقه وبالأخلاق. وهو ما يعبر عنه الغزالى فى مطلع كتابه فاتحة العلوم حين يقول : «إن مقاصد الخلق مجموعة فى الدين والدنيا ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا .. وليس ينتظم أمر الدنيا إلا بأعمال الآدميين وصناعتهم … وأشرف هذه الصناعات السياسية. (التى) تستدعى من الكمال مالا يستدعيه غيرها, ولذلك من يتكفل بها يستخدم سائر الصناع ويحتكم عليهم .. (إنها) استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المستقيم المتجلى فى الدنيا والآخرة»(14).
ولعل طبيعة هذه النظرة السياسية للفقه عند الغزالى, هى التى جعلت عددا من المؤرخين المسلمين يؤكدون أنه كان عدوا لدودا لفقهاء المغرب الذين ألَّبوا عليه الرآى العام, ودفعوا أمير المسلمين ابن تاشفين إلى إحراق كتاب « احياء علوم الدين » على الرغم من أن هذا الإِحراق أمر غير مؤكد تاريخيا (15).
نفس هذا الاتفاق فى وجهة النظر بين الغزالى فقيها وسياسيا, وبين تفكير ابن تاشفين مؤسس دولة الموحدين, هو الذى جعل «التوظيف السياسى» ينسج لقاء بين الرجلين فى حين تثيت المقارنات التاريخية أنه لم يحصل قط(16).
إن نقاط تشابه تجمع ـــ دون ريب ـــ بين الغزالى وابن تومرت, وذلك فى التصورات العقدية والفقهية والسياسية, لكن هذا لا يجب أن يخفى علينا نقاط اختلافهما الهامة, وكما لا يجب أن يدفعنا إلى تصديق كل ما ورد عن كتاب الإِحياء فى المغرب إبان حكم المرابطين, والذى كتب بنوازع سياسية موحدية, وكذلك أمر اللقاء بين الغزالى وابن تومرت وأخذه عنه العلم فى العراق, وما يكتنف ذلك من دعاية سياسية فجة لا يجب أن تضلل أى باحث فى أثر فكر الغزالى(17).
- على أن أبا حامد الغزالى لا يهتم بالمسألة السياسية تحت «ضغط» انتسابه للفقه فحسب, بل اهتم بها لاعتبار ثان هو أنه متكلم جابه فرقا إسلامية عديدة كالشيعة والمعتزلة والباطنية, وكان ذلك فى وقت تميز بعودة للنفوذ السنى, وتقهقر ملموس ـــ فى المشرق والمغرب ـــ للشيعة الفاطمية والإِمامية(18), لقد أصبح علم الكلام أفضل الوسائل السياسية للدفاع عن العقائد الإِسلامية كما يتبناها أهل السنة, أليس هو القائــل فى كتابــه «المستظهرى» : «خرجت الأوامر الشريفة المقدسة النبوية المستظهرية بالإِشارة إلى الخادم فى تصنيف كتاب فى الرد على الباطنية مشتمل على الكشف عت بدعتهم وضلالتهم وفنون مكرهم واحتيالهم ووجه استدراجهم عوام الخلق … وانسلالهم عن ربقة الإِسلام وانسلاخهم وانخلاعهم وإبراز فضائحهم وقبائحهم بما يفضى إلى هتك أستارهم».
لقد تحول علم الكلام من علم لأصول الدين ـــ الفقه الأكبر ـــ كما يسميه أبو حنيفة, إلى علم للحجاج يهدف نصرة العقيدة السنية, ضد خصومها السياسيين المناوئين للسلطة العباسية. وما كان لهذا العلم الجليل إلا أن يتحول إلى مجرد أداة, بعد أن أساء استعماله المعتزلة فى السنوات الثلاثين التى كان فيها مذهبهم مذهب الدولة الرسمى, وبعد الحملة العنيفة التى قام بها الحنابلة ضده, وهى الحملة التى بدأها الإِمام أحمد بن حنبل فى منتصف القرن الثالث, وبعد أن تحولت الخلافات المذهبية إلى صراعات طائفية وحزبية أنهكت الجميع دون أن ترسم تغيرات نوعيا فى الفكر الدينى والسياسى لدى المسلمين, ومن المؤكد أن الغزالى كان يدرك ـــ وهو أشعرى ـــ أهمية علم الكلام البالغة باعتباره وضع الإِنارة بالنسبة لعقل فى فهم مضمون الإِيمان وإدراك الروابط المعقولة لمعطيات الوحى ـــ لكن الوضع السياسى الذى زامن إداراته للمدرسة النظامية وقربه من الوزير «نظام الملك», حتّما عليه الانضواء فى مسار تذهب عدة مؤشرات إلى أنه لم يكن راضيا عنه أو مقتنعا به.
لقد عاصر الغزالى فى أكثر من نصف حياته صراعات دينية طائفية عنيفة, كانت أصواتها تعلو على كل ما عداها. وكانت صراعات السنة والشيعة فى العراق والشام مريرة, انتهت بانتزاع هذه الأخيرة من النفوذ الشيعى على يد «طوطوس» أخو ملك الشاه السلجوقى فى سنة 499هـ, ولقد كانت كل هذه الصراعات والانتصارات تحتاج إلى منظّرين يدعمونها ويعطونها الشرعية الكافية. وكان من الواضح أن هذه الصراعات والمعارك لا تعدو أن تكون هامشية, لأنها ظرفية وعسكرية ولا تحمل أى بعد عقدى حقيقى لأنها كانت توظف العلماء وتصطنعهم لنفسها, عوض أن يكونوا رقباء عليها موجهين لها.
- والذى يقرأ فصولا من « المنفذ من الضلال » يدرك بسهولة مدى الضيق الذى كان يعانى منه الغزالى من إقامته البغدادية فى ظل «سيده» المستظهر الخليفة العباسى ». انه يقول « وأظهرت عزم الخروج إلى مكة وأنا أدبر فى نفسى سفر الشام حذرا أن يطلع الخليفة وجملة الأصحاب على عزمى فى المقام بالشام, فتلطفت بلطائف الحيل فى الخروج من بغداد على عزم ألا أعاودهــــا أبدا … »(19).
لقد ضاف ذراعا بكل ما يجرى فى بغداد وحولها من صراعات الطوائف التى لا طائل من ورائها. وكانت عوامل ضيقه هذا كثيرة :
- إن تصور الغزالى للمذاهب مغاير كل المغايرة لما كان سائدا فى عصره فى العراق والشام ومصر, إنه لا يرى فائدة من وراء هذه المناظرات الطائفية التى تقيد العالم الحقيقى وتجعله فاقدا لحريته سواء تعلق الأمر بمذهب الاعتزال أو الأشعرية أو الخزمية, أو غيرها, إن العالم الحقيقى يجب أن يعلو فوق هذا الإِسفاف من أجل أن يبنى باجتهاده الشخصى ـــ وفى إطار العقيــدة الإِسلاميـــة ـــ حقيقتـــه الشخصية(20).
- أوضحت الإِقامة البغدادية لأبى حامد, أن الخلافة قد أفرغت من محتواها وأنها مجرد اسم دون رسم. وهذا ما يفسر تأخر الغزالى فى تأليف كتابه الذى يدعم به شرعية الخليفة العباسى المستظهر ( ولى شرعية الخلافة سنة 487 هـ), وقد كان ذلك فى نفس السنة التى غادر فيها بغداد من عزلته التى استمرت عشر سنوات, ومما يؤكد خيبة أمل الغزالى فى الخلافة العباسية التى ظل إلى آخر عهده بدار السلام ينعتها بالألقاب الرسمية, كالمقدسة والنبوية والإِمامية, ما أسفر عنه كتابه الآخر «نصيحة الملوك» الذى ألفه بعد عزلته الطويلة, والذى لم يعرض فيه من قريب أو بعيد للخليفة, فى حين كان كل تركيزة واهتمامه على السلطان السلجوقى وما يتوجب عليه من صفات وخصال.
- لا يبدو أن رأى الغزالى فى علماء عصره السابحين فى تلك البلاطات العباسية والسلجوقية وغيرها صادر عن أى نوع من التقدير. فلقد شغلتهم الدنيا وفتنها, وألهاهم الرياء والجاه عن المهمات التى كان عليهم أن يتصدوا لها. ولعل إحدى فقرات الجزء الأول نت الإِحياء ( كتاب العلم. الباب الخامس ) قادرة على توضيح الدرك الذى انتهى إليه العديد من العلماء فى عصره. إنهم يماثلون ذلك الرجل الذى كان صفى النبى موسى ـــ عليه السلام ـــ وكان يقول حدثنى موسى نجى الله, حدثنى موسى نجى الله, حدثنى كليم الله حتى أثرى وكثر ماله ففقده موسى … ثم جاءه رجل وفى يده خنزير وفى عنقه حبل أسود فقال له موسى ـــ عليه السلام ـــ انصرف فلان, قال نعم هو هذا الخنزير, فقال موسى : يلرب اسألك أن ترده إلى حاله حتى أسأله بم أصابه هذا؛ فأوحى الله عز وجل إليه : لو دعوتنى بالذى دعانى آدم فمن دونه ما أجبتك فيه ولكن أخبرك لم صنعت هذا به : إنه كان يطلب الدنيا بالدين(21).
على أن الذى يفسر ضيق الغزالى بحياته البغدادية ويوضح أزمته الروحية التى دفعته إلى طلب الخلوة والعزالة يكمن فى الانحراف الذى عرفته الحياة الاجتماعية فى أواخر القرن الخامس هـ. لقد عم أو كاد المال الحرام, وفسدت بذلك حال العلماء, وفشت الرشوة, وكثر بغى الحكام, وطاش الرشاد فى بيداء من المقاصد والمظالم. ولنقرأ هذا الفصل المعّبر من الإِحياء ( كتاب الحلال والحرام ) : « إن أموال السلاطين فى عصرنا حرام كلها أو أكثرها, وكيف لا والحلال هو الصدقات والفىء والغنيمة ولا وجود لها وليس يدخل منها شىء فى يد السلطان ولم يبق إلا الجزية وإنها تؤخذ بنوع من الظلم لا يحل أخذها بها فإنهم يجاوزون حدود الشرع فى المأخوذ والمأخوذ منه والوفاء له بالشرط, ثم إذا أنسبت ذلك إلى الخراج المضروب على المسلمين ومن المصادرات والرشا وصنوف الظلم لم يبلغ عشر معشار عشره »(22).
إن الغزالى بهذه «الاعترافات» يعد بحق شاهد عصر يتجه بسرعة نحو الأفول, ويدعو المؤمنين إلى الفرار قبل أن تعمهم فتنته وشرورها.
من كل هذه العوامل يمكن لنا أن نستنتج أن اغزالى لم يكن راضيا عن نفسه متكلما ومنافحا بعلمه عن أوضاع سياسية وعلمية بلغت من التردى دركا من الهوان شديدا, فلقد طالب الخليفة المستظهر علماءه بالدعوة للجهاد تصديا للحملات الصليبية لكن دعوات العلماء بقيت صرخة فى واد فلم يحرك أحد من الأمراء أو الحكام ساكنا.(23).
لقد بلغ التسيب حدا مس المجتمع الإِسلامى بسنته وشيعته فى أعماقه وجذور تصوره, ولم يبق أمام الصادقين من العلماء إلى إعادة بناء المجتمع على أصول سليمة بإحياء العلوم ةتنشأة جيل جديد طاهر النفس سليم العقيدة مدرك أن العلم ليس بكثرة الرواية بل هو نور يقذف فى القلب(24).
- اهتم الغزالى إذن بالسياسة أولا لأنه كان فقيها فى مجتمع يقوم فر حركيته على الفقه وفتاويه وأحكامه, واهتم بالسياسة ثانيا لأنه كان متكلما فى وضع كان يستدعى المناظرات والحجاج لدعم الحكم السنى القائم, واهتم بالسياسة هى التعليم والتهذيب والإِرشاد.
لقد اضطره تكوينه الفقهى والكلامى أن يعتنى بالسياسة ويخوض غمارها, لكن تصوفه وهو اضطراره الثالث ـــ هو الذى أعطانا فكرا سياسيا حقيقيا وجديرا بالعناية, ذلك أن الحديث عن فكر سياسى للغزالى لا يكون صحيحا إلا إذا تناولناه من منظور الرجل الذى اختار المجاهدة والتربية فى مجتمع مهدد بالتحلل الكامل.
لذلك فلم يكن غريبا أن نعثر على أهم الفصول للفكر السياسى عند الغزالى ـــ كما أراده هو واختاره ـــ فى كتابه إحياء علوم الدين. الكتاب الذى لخص فيه ماهية السياسة كما فهمها من خلال عصر يرنو إلى الأفول والتحللل : إنها مواصلة مهمة النبوة بعد وفاة الرسول ـــ عليه الصلاة والسلام – إنها إستصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المستقيم المنجى فى الدنيا والآخرة. إن السياسة عند الغزالى ليست فناً من الفنون بل هى مجتمع الفنون كلها فى وجهة الاستقامة والخيرية.
ومن هذا يبرز فرق خطير بين الفكر السياسى للغزالى وما يناظره عند ميكافيل. إن الميكافيلية هى جعل السياسة فناً بين سائر الفنون لها قوانينها الخاصة التى تهدف إلى تحقيق هدف واحد هو الوصول إلى السلطة أو المحافظة عليها دون أى اعتبار للغاية الإِنسانية من وراء تلك السلطة(25).
وفى مقابل هذا يعتبر الغزالى السياسة جماع الصناعات كلها, فهى « تأليف واجتماع وتعاون على أسباب المعيشة كلها .. لذلك فهى تستدعى من الكمال ما لا يستدعيه غيرها ». السياسة عند الغزالى هى عينها فى التصور النبوى والقرآن لا تستطيع أن تثرى وتتطور إن أفرغت من غايتها الأخلاقية والمناقبية, لذلك فهى تتجه أولا للمجتمع ترأب صدوعه وتقيم توازنه, أكثر من اهتمامها بالسلطة وموازين القوى فيها.
وعلى هذا فإن مسأله التعليم والتعلم تأخذ فى الفكر السياسى الغزالى مكانة ممتازة, الأمر الذى يجعل من كتابه « إحياء علوم الدين » برنامجا للعمل السياسى يمكن من خلاله استصلاح نفوس الأمة والنهوض بها من كبوتها.
ومن هذا المنظور أيضا يتبين أن الغزالى من الذين يقرون بمبدأ الترابط العضوى والتكاملى بين التعليم والسياسة. فلكل سياسة تعليم, وكل تعليم يولد ويوطد سياسة ـــ محددة ـــ.
ومن جماع هذه الأمور يمكن أن ندرك أكثر المقصد الحقيقى من قول الغزالى عن الصوفية « إنهم السالكون لطريق الله وأن سيرتهم أحسن السير, وأخلاقهم أزكى الأخلاق بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا … »(26).
إن أهم ما يتجه إليه الغزالى فى فكره السياسى هو مصير الإِنسان المؤمن فى مجتمع اجتاحته الصراعات السياسية والطائفية المتناحرة على الحكم, فأفقدته توازنه وضيعت على كل علومه العقلية والنقلية الفرصة فى أداء وظيفتها التى أرادها لها الإِسلام. ومثل هذا التأكيد ضرورى, حتى لا نسىء فهم بعض مواقف الغزالى السياسية التى تبدو أحيانا وكأنها ضرب من التملق والتخاذل أمام الحكم العباسى المتهالك على نفسه.
لقد ظل الغزالى ـــ رغم كل ضيقه بالواقع السياسى البغدادى وخيبة أمله من الحكم السنى عامة ـــ رجل السلطان القائم المنافح عن الشرعية العباسية القائل بأن « نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا ونظام الدنيا لا يحصل إلا بإمام مطاع »(27).
إن مسألة الأمن شرط ضرورى لتفادى الهرج والفتن التى لا تؤدى إلا لشمول القحط وهلاك المواشى وبطلان الصناعات.
ومثَّل هذا لبحرص قاسم مشترك لكل المنظَّرين السياسيين المسلمين القدامى ابتداء من أبى بكر الصديق الذى أعلن ـــ والرسول لم يدفن بعد ـــ أنه لابد من أحد يقوم على أمر هذا الدين … حتى ابن تيميه القائل بأن الإِمامة قد تحصل « اما بالقدرة على سياسة الناس بالطاعة للإِمام أبو بقهره لهم … »(28) إن انعقاد الإِمامة فى الفكر السنى عموما يقوم على « الشوكة » والغلبة, باعتبار أن السيادة هى الصفة المميزة للدولة, وباعتبار أن هؤلاء المنظرين كانوا بالأساس فقهاء ينظرون من داخل المنظومة السياسية القائمة, وهم لذلك يحرصون على الشرعية الحرص كله.
ومما لا ريب فيه أن الغزالى لم يختلف ـــ جوهريا ـــ عن عامة فقهاء السنة الذين أكدوا على قضية السيادة والشوكة فى الإِمامة, إلا أنه أضاف إليها نوعا من «الإِختيار». ولقد كان له « مذهب فى الإِمامة » عبر عنه فى فصول كثيرة من كتبه, وخاصه فى «المستظهرى» حين تناول التفريق بين الإِمامة الصحيحة والإِمامة المزيفة, وأكد على أن ذلك «الاختيار» لا يتوصل إليه بالحيلة البشرية بل هو رزق إلـــٰهى يؤتيه الله من يشاء … »(29).
إن الاضطرار السياسى المثلث للغزالى « الفقه ـــ الكلام ـــ التصوف », قادر أن يلخصّ لنا صورة, لها من الوضوح ما يكفى عن فكره. إن قاعدة هذا المثلث ـــ الرابطة بين الاضطرار الفقهى والاضطرار الكلامى ـــ يعبر عنها تمسكه بالشرعية السنية, التى لا يرى فى الخروج عنها سوى مزيد من الفتن والحروب, ومزيد من الدعم للدعاوى الضالة التى زعزعت البناء الإِسلامى. أما قمة هذا المثلث المكون من زواية التصوف فهو الطريق الذى على المسلمين أن يسلكوه ان أرادوا لأنفسهم النجاة. ومما لا شك فيه أن الغزالى كان من أوائل الذين أدركوا أن دعنه ( المشروط ) للشرعية السنية ( عبر الفقه والكلام ) مناقض لانقلابيته الهادئة (عبر التصوف والتعلم), وأنه يحاول التوفيق والمصالحة بين ما لا يمكن التوفيق بينهما فى ظروف التقهقر الإِسلامى الذى بلغ أوجه فى القرن الخامس.
مثل هذا التباين نحس به فى كثير مما ترك الإِمام الغزالى, ولكننا نلمسه واضحا فى مقاطع كثيرة من كتاب الإِحياء, ولنقرأ هذه الفقرة المعبرة عن مدى إحساسه بصعوبة ــ أو استحالة ـــ الجمع بين الشرعية والانقلابية : « كان أهل الورع من علماء الظاهر مثْرين بفضل علماء الباطن وأرباب القلوب, وكان الإِمام الشافعى رضى الله عنه يجلس بين يدى شيْبان الراعى كما يقعد الصبى فى المكتب ويسأله كيف يفعل كذا وكذا ؟ فيقال له : مثلك يسأل هذا البدوى ؟ فيقول : إن هذا وفَّق لما أغفلناه … ولذلك قيل : علماء الظاهر زينة الأرض والملك, وعلماء الباطن زينة السماء والملكوت (30)».
ومثل هذه الطبيعة التى تميز بها منهجه السياسى تتأكد أكثر حين نلاحظ مدى «تفاعله» مع خصيمه الرئيسيين الباطنية والفلاسفة, الأمر الذى يدفعنا إلى القول أنه بقدر ما حاربها بقدر ما تأثر ببعض مقولاتها.
أما الباطنية الذين خصص لهم كتابه المستظهرى لفضح بدعهم وضلالاتهم وفنون مكرهم واحتيالهم, والذين قال عن مذهبهم أنه « ظاهره الرفض وباطنه الكفر المحض, ومفتتحه حصر مدارك العلوم فى قول الإِمام المعصوم, وعزل العقول عن أن تكون مدركة للحق … »(31) لينتهوا به فى الأخير بإظهار ما يناقض الشرع, ولكن بسبب أقل ــ قضايا صفات الإِمام وأهمية التعليم وضرورة التأويل, فإذا كان الباطنية قد أولوا أهمية رئيسية للإِمام المعصوم القادر فى كل عصر على تعليم الأمة وتوجيهها فإن الغزالى طالب الإِمام بمهمــات وخصال(32), إن توفرت لديه أصبحت له السيادة, بل إنه يغض الطرف عن بعض التجاوزات من طرف الحاكم باعتبار طاعة الأمراء وضرورة بقاء سلطان نافذ الحكم ـــ وهو وإن خالف الباطنية فى جوانب من مسألة الإِمامة, مثل العصمة وثبوتها نصا لمن فى نسبهم أبدا الدهر فإنه دافع عن الإِمام المطاع, الذى يطفىء الفتن الثائرة والآراء المتنافرة, مستشهدا لحديث رواه ابن عباس ـــ رضى الله عنه ـــ عن النبى صّلى الله عليه وسلم أنه أقبل وفى البيت رجال من قريش فقال «الأئمة من قريش ما قاموا فيكم بثلاث : ما إن لسترحموا رحموا وإن حكموا عدلوا وإن قالوا أوفوا »(33).
فالغزالى ــ على محاربته للباطنية ومن ورائهم الشيعة الإِمامية ـــ ظل يعتبر شخصية الإِمام وخصاله الموروثة والمكتسبة هى المعيار لصلاحه, ومثل هذا المعيار التشخيصى « جَمَع الغزالى والباطنية فى خط واحد, يعتَبِر هذه المعمة (الإِمامة) منصبا سياسيا أكثر منه مؤسسة سياسية اجتماعية » وهذا عكس ما عناه الرسول عليه السلام فى الحديث السالف « الأئمة من قريش ما قاموا فيكم … », فالإِمامة فى التصور النبوى ليست منصبا سياسيا فحسب يتحمله شخص, بقدر ما هو جملة علاقات اجتماعية نافذه فى زمن ما, أضاف إليها التزامات وخصال شخصية محددة.
فالقرشية حسب هذا الحديث النبوى, وكما أشار إلى ذلك ابن خلدون(34) لم تكن سوى رابطة انطلاق تحمى الدولة, لكنها عاجزة على الاستمرار مع تغير أحوال الروابط الاجتماعية والمادية. هذا ما كان من الكلام عند الغزالى والباطنية عن الإِمام وصفاته الموروثة أو المكتسبة, ولم يتم أبدا الحديث عن الإِمامة وما يفرض عليها ـــ كمؤسسة سياسية ـــ من مستجدات الأمور التى تغيرت بشكل خطير.
أما عن التعليم فإذا كان الغزالى قد عدّ الباطنية فرقة «تعليمية» تُبطل الرأى وتدعو الخلق إلى التعلم من الإِمام المعصوم (35), فإنه لم ير بدا من اعتبار أن إصلاح المسلم لا يكون إلا بالعلم والتعليم والأخذ عن المرشد المعلم(36) بغرض صلاح النفس ورفعها عن الدنايا.
ومن الواضح أن التعليم عند الغزالى معدل فى غايته وأسلوبه وطبيعته عما تعارف عند الباطنية, الذين كانوا يتحرون السرية التامة فى تعليمهم من أجل الوصول إلى غايات سياسية ودينية مغايرة كل المغايرة لما يتظاهرون به من إسلام واتباع لرسول الله عليه السلام.
وفى خصوص قضية التأويل فجلى أن رجلا كالغزالى عنده منفسمة إلى خفية وجلية لا ينكرها القاصرون « الذين تلقفوا فى أوائل الصبا شتا وجمدوا عليه »(37) ولكن بين تأويله وتأويل الباطنية بون شاسع, وهو فى ذلك واضح كل الوضوح, يقول فى هذه المسألة « … فاعلم أن هذا السؤال يحرك خطبا عظيما .. ومن قال أن الحقيقة تخالفالشريعة فهو إلى الكفر أقرب من الإِيمان »(38) … ولقد كان الباطنية يعتبرون أن كل ما ورد من الظواهر فى التكاليف والحشر والنشر والأمور الإِلـٰهية كلها أمثلة ورموز, فالجناية هى إفشاء أسرار جماعتهم, والغسل تجديد العهد لمن أفشى السر, والزنا هو إلقاء نطفة العلم الباطن فى نفس من لم يسبق معه عقد العهد … الخ(39). وهو فى نفس الوقت لا ينجو منحى من حسم الباب أصلا ومنكرا التأويل مثل الإِمام ابن حنبل, على الرغم من أنه كان مدركا لسبب حسمه الموضوع رعاية لصلاح الخلق وسداد للذرائع. على الرغم من هذا فللغزالى تفصيلات فى مسألة التأويل وعلم المكاشفة, ما يمكن لنا أيضا أن نعده تعديلا هاما لما كان يدعو إليه دعاة الباطنية والشيعة, لكنه يختلف اختلافا واضحا عما كان عليه أهل السنة فى أمور العقيدة والغيبيات(40).
إذا نتقلنا إلى الفلاسفة الذين خصص لهم الغزالى كتابه «التهافت» للرد عليهم, وكذلك بعض الفقرات فى الإِحياء, فإننا ندرك بسهولة مدى العمق الذى يفصله عنهم فى مجال المنهج المعرفى.
ومع ذلك فإن الغزالى أكد فى أكثر من مناسبة أن الفلسفة تركيب جملة من العلوم ليست جميعا محرمة كالمنطق والرياضيات والعلوم الطبيعية(41).
والغاية من وراء هذا ـــ فى رأينا ـــ هو تضييق مساحة الخلاف بينه وبين الفلاسفة فى حدود مجال الإِلـٰهيات, وفى قضايا معلومة منها(42), والذى كان يدفع بالغزالى إلى مثل هذه «المصالحة» مع جوانب فلسفية ــ على الرغم من التباين النوعى بين جوهر تصوره الدينى وما كان عليه مشروع الفلاسفة المعرفى ـــ كانت اعتبارات سياسية كلامية.
لقد كان الغزالى رجل الجهاز السياسى السلجوقى, عمليا فى جانب من مواقفه الفكرية. فهو يعلم تمام العلم أن خطر الفلاسفة الباطنية, وأن هؤلاء لا يمكن أن يواجهوا إلا بتقوض أحد أهم وسائل عملهم ودعوتهم وهو «التعليم». لقد كان إبطال الرأى وإلغاء كل عمل عقلى المدخل, ويقولون عليه : « إن تصرف العقول »(43) حتى يرتبط الخلق بالإِمام المعصوم.
إضافه إلى هذا فإن المناظرات الكلامية التى كان يعتمدها هو وطلابه من المدرسة النظامية لا تحتاج إلى محاربة التقليد الذى كان سائدا فحسب بل إنها تقوم على علوم كالمنطق والحجاج, وبالخصوص فى وجه رجال الحديث الذين كانوا يعتبرون علم الكلام من البدع المنكرة التى لا يتوقع منها أى نفع مادام السلف من الصحابة والتابعين لم يخوضوا فيها.
إن الكشكلة الرئيسية فى فكر الغزالى السياسى أنه فكر متنازع بين مواقف فقهية وكلامية, تفرضها الاعتبارات السياسية القائمة آنذاك, وبين جوهر اعتقاده فى أن السياسة هى تنفيذ أوامر الله وإقامة العدل فى النفس والمجتمع.
مثل هذا التنازع هو الذى كان يدفع بالغزالى أن يكتب فى أحيان كثيرة منظَّرا لنظام سياسى فقد كل مبررات استمراره, ولفكر دينى تسلح بسلطان الدولة أساسا ليفرض نفسه. ونجده فى أحيان أخرى وبخاصة فى إحياء علوم الدين, منظَّر لنظام آخر غير قائم فى المشرق الإِسلامى, وذلك حين يقدم مشروع عمل سياسى من أجل مجتمع يرضى الله ويقوم على الحق والعدل.
وسوف نحاول فى الفصل الموالى إظهار الجوانب الرئيسية من فكر الغزالى السياسى التى لم تضطره إليها التزاماته السياسية الكلامية, بل «اضطرته» إليه قناعته الحقيقية وهى التى تعبر عنها أصدق تعبير توجيهاته الصوفية.
- أركان التصور السياسى عند الغزالى :
- ينطلق أبو حامد الغزالى فى فكره السياسى الذى عبر عنه أصدق تعبير فى كتابه «الإحياء» من غائية كل نظام سياسى. فالغزالى لا يبدو كثير الاهتمام بانقسام سلطة المسلمين فى المغرب أو المشرق إلى دويلات وإلى خلافة فى بغداد وسلطنة سلجوقية فى فارس.
إن الأهم من هذا كله هو لماذا يقوم هذا النظام أو ذاك ؟ ولتحقيق أية أهداف ؟
فكما أن للخلق غاية هى العبادة, وللإِنسان مهمة هى الخلافة, وكما أن للطهارة والصلاة والزكاة أسرارها التى تحدد قواعدها, كذلك فإن السياسة لا تستطيع أن تؤدى من الفرض الحقيقى إذا تجاهلنا مشألة استصلاح الخلق وإرشادهم إلى الطريق المنجى فى الدنيا والآخرة. فالسياسة مناقب وأخلاق, وكل مجتمع سياسى مضطر للالتزام بأهداف تتجاوز النطاق السياسى المحض, إن أراد لنفسه البقاء والاستمرار. ذلك أن السياسة لا تستطيع أن تحدد هى بنفسها أهدافها ومشروعيتها.
وكل نظام سياسى لا يتجاوز ميزان القوى البحت, مهدد بالانفراط باعتبار أن نفس ميزان القوى هذا لا يتحقق فى فراغ, بل فى إطار ثقافى واقتصادى تحكمه قيم ومعايير عامة, هى نفس المثل والمناقب التى أمدت ذلك النظام السياسى بالمصداقية الضامنة لكل وجود جماعى واجتماعى(44).
هذا هو منبع تفكير الغزالى السياسى, وهو الذى يمكن أن يفسر لنا بعد ذلك أركان تصوره العملى للحياة السياسية.
( أ ) سيادة الدولة : إذا كانت الأخلاق والقيم أساس وغاية كل عمل سياسى, فإن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بانتظام أمور الدنيا بسيادة الدولة. فالسلطة ضرورة حتمية ليس لاعتبارات ظرفية كان يتخبط فيها المسلمون فحسب, ولكن لاعتقاد مبدئى فى ضرورة السلطة المطاعة : « إن نظام الدين لا يحصل إلا بإمام مطاع »(45) لقد كان هذا مقصود الأنبياء قطعا حين شرعوا الشرائع وفرضوا الفروض. وتأكيدا لهذا الركن الأساسى, يذهب الغزالى إلى حد القول بأن سيادة الدولة مع ظلم الحاكم أفضل من انخرام الأمور وذهاب ريح الدولة, « إن السلطان الظالم الجاهل إن ساعدته الشوكة وعسر خلعه, وكان فى الاستبدال به فتنة ثائرة لا تطاق وجب تركه ووجبت الطاعة له كما يجب طاعة الأمراء »(46).
على أن هذا الكلام لا يجب أن يفهم على إطلاقه, بل لابد من وضعه فى اعتبار أنه الاحتمال الأقصى الذى يذهب إليه حجة الإِسلام تأكيدا على مسألة سلطة الدولة وإن أمر المسلمين لا يمكن أن يستقيم إلا بتلك السيادة.
( ب ) مرجعية العلماء :
حديث الغزالى عن العلماء يرتبط تمام الارتباط بالركن السابق, فسيادة الدولة لا يمكن أن تؤدى وظيفتها الحق إلا بمرجعية العلماء, ولهذا نراه يطنب فى الحديث عنهم فى الإِحياء ونصيحة الملوك, والمستصفى وميزان العمل. فالعلماء هم ورثة الأنبياء, وهم القادرون على التوجيه والإِرشاد, وهم الأكثر تمثلا للقيم والمناقب الإِسلامية كالعدل والإِنصاف. فهم العمدة الرئيسية المواجهة لسيادة الدولة, التى كثيرا ما يعتريها الزيغ والانحراف(47), ولقد اعتبر أحد أصول العدل الكبرى هو اشتياق الحكام للعلماء, والحرص على الاستماع إلى نصحهم والحذر من علماء السوء(48) فالعلماء فى تصور الغزالى السياسى مهمة كبرى خلفوا بها مهمة النبوة التى اختتمت بوفاة الرسول عليه السلام, وهم قادرون على ذلك إن لم يطمعوا فى ما عند السلطان من مال وإن هم أنصفوه الوعظ والمقال. فالعلماء قوة ضغط معنوية يمكن أن تصبح شديدة الخطورة إن هى حافظت على استقلاليتها ولم تردد على أبواب الأمراء والسلاطين.
« فالملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك »(49) وللغزالى فى هذا المجال قول مردد ومكرر نجد خلاصته فى الباب السادس من الإِحياء « فيما يحل من مخالصة السلاطين الظلمة وحكم غشيان مجالسهم والدخول عليهم … »(50) وفى هذا يقول : « اعلم أن لك مع الأمراء والعمال والظلمة ثلاثة أحوال : الحالة الأولى وهى شرها أن تدخل عليهم والثانية وهى الأسلم أن تعتزل عنهم فلا تراهم ولا يرونك ».
إن أهل الشوكة لا يمكن لهم الارتداع إلا بالعلماء الذين تأسوا بالنبى عليه السلام واقتدوا بنهجه فى شؤون حياتهم الخاصة والعامة تأمينا للمجتمع من اجتياح السياسى له.
( جـ ) إحياء الأمة بالتعليم :
ثم يبقى الركن الثالث والأخير الذى يقيم عليه الغزالى فلسفته السياسية والذى يحقق من خلاله مناقبيته التى يصدر عنها فى كل مشروعه السياسى المقترح : إنه رهان على عودة الروح إلى الأمة. فالواضح أن ثقة الغزالى فى إمكانية العلماء محدودة لذلك فهو يدعو إلى تدعيمها بضمانة ثانية متمثلة فى المدارس التعليمية القادرة على محاربة التقليد وإنشاء جيل من الوعاظ والعاملين فى الطريقة التى تطهر المجتمع الإِسلامى الذى أنهكته الصراعات والخلافات المذهبية.
وإن من يتمعن فى النصائح العشرة التى خص بها السلطان السلجوقى فى كتابه « التر المسبوك فى نصيحة الملوك »(51) يدرك بيسر أن الأمة كانت ممزقة آنذاك إلى « مجتمع سياسى » منشغل كل الانشغال عن قضايا الأمة وهمومها, وهو إن علم ببعض ما يجرى فعن طريق أعوان لا يتصفون بالثقة والصدق فى الغالب, ولا سبيل إلى مقاومة هذا الخطر الماحق الذى يهدد جوهر الرسالة الإِسلامية إلا بتحصين المجتمع بطائفة صادفة من الزهاد والعباد والصوفية القادرين على التعليم والإِرشاد والنصح.
إن رهانا على عودة الروح فى حنايا أمة اجتاحتها المصائب الخارجية, وأنهكتها أوضاعها النفسية والسياسية والاقتصادية يبدو عسير التحقيق وبعيد المنال. إنه مشروع للمدى البعيد ولا مراء فى أن الغزالى كان ـــ وهو يؤلف الإِحياء ـــ مدركا لهذا الأمر وليس أدل على ذلك من بعض العبارات التى تفصح شدة توجسه من إمكان التصدى للمجتمع السياسى وتحصين الأمة بالعمل والتربية. يقول فى مقدمة الإِحياء : « فلقد حل لسانى عقدة الصمت وطوقنى عهدة الكلام وقلادة النطق ما أنت مثابر عليه من العمى عن جلية الحق من اللجاج فى نصرة الباطل وتحسين الجهل والتشغيب على من آثر النزوع قليلا عن مراسم الخلق ومال ميلا يسيرا عن ملازمة الرسم الى العمل بمقتضى العلم طمعا فى نيل ما تعبده الله به من تزكية النفس وإصلاح القلب وتداركا لبعض ما فرط من إضاعة العمر يأسا من تمام التلافى والجبر وانحيازا عن غمار من قال فيهم صاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه « أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله سبحانه بعلمه »(52).
إن تصور الغزالى السياسى يتمثل فى مجالين متكاملين أحدهما عاجل وينطلق من أن صلاح الأمير له أكبر الأثر على صلاح الرعية, ولكنه مرتبط بمدى رجوع السلطة السياسية إلى العلماء الصالحين والاستمتاع إليهم, وثانى المجالين هو إحياء ما ذهب من حيوية الأمة الصالحة وهذا مشروع آجل لا يقوم إلا على « معجون العلم والعمل », وسلوك طريقة أهل الخير.
وإذا كان جوهر السياسة عند الغزالى هو إسعاد الناس فى الدنيا والآخرة فإن السؤال الأهم هو مدى استعداد الذهنية المغربية ـــ التى كانت تتابع بكثير من الانتباه لما يجرى فى المشرق ـــ لتقبل تصور الغزالى السياسى ومشروعه المثالى, وهل كانت الشروط الموضوعية فى المغرب أفضل لذلك مما كانت عليه فى المشرق ؟.
الغزالى أو المثالية السياسية
إن أول تساؤل طرح نفسه علينا ونحن نبحث عن أثر الغزالى السياسى فى بلاد المغرب هو : إلى أى حد كانت الأوضاع المغربية قابلة لنوع من تفريق السلطة أصبح فى المشرق أمرا واقعا بين الخلافة والسلطنة ؟ وهو التفريق الذى لم ير فيه الغزالى أى حرج بل بنى فكره السياسى المستقبلى على تدعيمه عبر توازن محكم بين السلطة السياسية ورجال العلم والوعظ والإِرشاد.
بعبارة أخرى هل كان الغزالى قادرا على تنظيم سياسى لمجتمع مغاير فى أوضاعه السياسية والاجتماعية والذهنية لما عرفه المشرق من تطورات فى القرنين الثالث والرابع ؟
فلقد كان أكبر تحول سياسى عرفه المشرق الإِسلامى هو تولى المأمون سنة (198 هـ) فمعه استولى المعتزلة على النفوذ السياسى لمدة ثلاثين سنة فارضين جملة أفكارهم كعقيدة رسمية للدولة, فى حين كان المتوقع منهم نقيض ذلك ـــ وهم الذين حملوا لواء التحرر الفكرى فى فضاء الثقافة الإِسلامية.
لقد انتهت مع بداية القرن الثالث الهجرى كل حظوظ « التنوير الذاتى » للعقلية الجمعية للأمة وبدأ طور « الإِصلاح القهرى » عبر أجهزة السلطة السياسية مع حكم ثلاثة من بنى العباس : المأمون (198 ـــ 218 هـ) والمعتصم (218 ـــ 227 هـ) والواثق (227 ـــ 232 هـ) بدأ العد التنازلى المؤذن بخريف الحضارة الإِسلامية فى المشرق الإِسلامى وذلم باستنفاذ الإِسلام أغراضه كمحرك لتعددية سياسية وعقلية قادرة على الإِثراء الفكرى والمعرفى.
فى تلك الظروف كان الجزء الغربى من العالم الإِسلامى على الاختلاف النسبى بين أوضاعه الداخلية يمر بمرحلة مختلفة جوهرياً لما كان سائدا فى الشرق الشرقى.
لقد أظل الجزئين (الشرقى والمغربى) لواء الإِسلام لكن المغرب الإِسلامى كان يتطور حسب خصوصياته المميزة, والتى كانت تبعده أكثر فأكثر عن المشرق, وهى الخصوصيات التى يمكن أن نحصرها فيما يلى :
( أ ) تضخم النزعة الاستقلالية القبلية :
هذه النزعة كانت حائلا مستمرا دون قيام أى تكتل أعمق وأدوم من القبيلة, وما اسم «البربر» إلا تحويرا عربيا لاسم « برباروس » الرومانى الذى أطلقه هؤلاء على سكان الشمال الافريقى لآبائهم « الحضارة الرومانية », لقد كان البربرى ينتسب أولا وأخيرا إلى كتامة أو مغراوة أو مصمودة أو زناتة أكثر من أن ينتمى إلى وحدة قومية بربرية جامعة(53).
هذه الخاصية الأولى قادرة على تفسير جانب من الصعوبات الجمة التى وجدها الفاتحون المغربية. لقد اصطدموا مع نزعة رافضة للحكم المركزى سواء كان المتمردون بدوا أو حاضرة وكان ذلك واضحا فى القرون الثلاثة الأولى. ولقد كان البناء السياسى الإِسلامى فى غالبه هشا لأن الولاة المسلمين لم يكتشفوا أفضل الصيغ للتفاعل مع الطباع الاستقلالية المفرط فيها عند السكان الأصليين. فإذا أضفنا إلى هذا بعض الهفوات والمظالم التى كانت تصدر عن بعض كبار المسئولين العرب تجاه البربر(54) أدركنا سببا رئيسيا لانتكاسات الجيوش الفاتحة.
( ب ) مع هذه النزعة الاستقلالية امتاز أهالى العدوة المغربية بميزة ساهمت على عكس ما ذكرناه آنفا فى انتشار الإِسلام وتجذره فى البناء المغربى : إنها شدة الاستعداد للانطباع بحياة الزهد والروع التى عرف بها رجال أمثال البهلول بن راشد (ت 183 هـ فى القيروان) فعلى القيود السياسية المركزية ويتحينون الفرص للتفلت منها, بقدر ما نجدهم يقبلون على رحال الدعوة وأهل العلم والتقوى للأخذ عنهم, وعلى الرغم من الصعوبات اللغوية التى كان تفصل بينهم. وكان أول من أدرك هذه الميزة حسان بن النعمان فعرف أن المدخل الدينى الروحى والمعرفى أفضل بكثير من المداخل التى كان يتواخاها عمال وولاة الخلفاء حرصا على استرضائهم بالهدايا والأموال(55). ولو كان ذلك عن طريق العسف والنهب والإِذلال. ولقد حذا حذو هذا المذهب عمر بن عبد العزيز الذى عرف بالورع والتقى, فكان يختار عماله من العدول الأتقياء ويرسل معهم العلماء والفقهاء لتبصيرهم بأصول الدين وتعليمهم العربية وبذلك أمكن للإِسلام أن يغلب على المغرب.(56).
وإذا كان بعض المؤرخين يذهب إلى أن أهم أسباب انتشار المذهب الخارجى فى العدوة المغربية يعود إلى حسن موقع مبادىء ذلك المذهب من الأهالى الذين كانوا يعانون من وطأة الخلافة الأموية وجور أعمالها. لقد انجذب أهالى « تاهرت » إلى الخوارج لما فيهم من تصلب فى الدين اعتبروه من آثار خشية الله والخوف منه, وأن ذلك هو عين التقوى المأمور بها شرعا(57), ومثل هذا التفسير يؤكد أهمية الميزة الثانية ( الإِستعداد للانطباع بحياة الزهد ) من خصائص العدوة المغربية.
لقد كان المغاربة يكنون احتراما كبيرا لرجال العلم وأهل الصلاح والتقوى وقد يكون وراء ذلك ندرة المتعلمين عندهم وقرب عهدهم بالبداوة والأمية. ولقد حصل مع الشيعة الفاطميين نظير ما حصل مع خصومهم الخوارج, إذ استطاع الداعى أبو عبد الله أن يؤثر فى حجاج من البربر, التقى بهم وكانت مظاهر تقواه وورعه عاملا حاسما فى انحياز وجوه قبيلة «كتامة» لدعوته وبذلك انطلقت أكبر دعوة شيعية عرفتها المنطقة المغربية, وعنها تأسست الدول الفاطمية التى أطاحت بالأغالبة السنة فى تونس والرستميين الخوارج فى «تاهرت», وكان ذلك فى أواخر القرن الثالث الهجرى.
( جـ ) أدى تفاعل العنصرين السابقين ( النزعة الاستقلالية المفرطة والاستعداد للانطباع بكل مظاهر الزهد ) إلى بروز عامل ثالث ميز العدوة المغربية فى بنائها السياسى أنها امتزاج السياسى بالدينى والعقدى امتزاجا لا نكاد نجد له مثيلا فى غير هذه البلاد, فكل الفرق الدينية حتى الصوفيه منها اعتمدت على هياكل سياسية قوية(58), بل بلغ الأمر حدا أن النقمة السياسية التى كانت تعتلج فى صدور الأهالى من جراء مظالم العمال والولاة, كانت لا تجد تعبيرا عنها إلا فى حركات تمرد دينية سياسية انتهت مع القرن الرابع الهجرى إلى تحول سياسى دينى هام يتمثل أن العدوة المغربية سوف يحكمها دعاة وملوك مسلمون وسنيون لكنهم بربر بالأساس, وقد ابتدأ ذلك مع بنى زيرى وبنو حماد والمرابطون واتضح مع القرن السادس والسابع الهجريين.
إن الرغبة الملحة فى الاستقلال عن المراكز المشرقية الفاطمية والعباسية, إضافة إلى نزعة التدين العميقة التحمتا فى اختيار دينى سياسى يتمثل فى جانب منه فى العودة إلى مذهب أهل السنة, والانقطاع عن كل ما عداه, ولكنه فى جانبه الآخر تعبير أكيد على أن المركز السياسى أصبح مغربيا محضا ولا علاقة للأوضاع المشرقية السياسية فيه.
وبهذا يمكن أن نقسم التاريخ السياسى المغربى إلى مرحلتين متميزتين : ( أ ) مرحلة كانت السلطة السياسية عربية مشرقة, ولقد تخلل هذه المرحلة إهتزازات وثورات كانت أحيانا تأخذ أشكال حروب ردة على الإِسلام كلية. ( ب ) مرحلة ثانية حصل فيها تمثل كاف للإِسلام وتبن تام له لكن بإدارة سياسية محلية بالأساس لا علاقة حقيقة للمشرق بها. ولقد مكن أكثر فأكثر لهذا الاختيار الاستقلالى ضعف مراكز السلطة السياسية فى المشرق الفاطمية منها والعباسية. وكذلك سقوط خلافة قرطبة وانشغال أمرائها بالنزعات فيما بينهم.
ومن هذا المنظور يمكن أن نفهم أكثر إلى أى حد كان أهل المغرب يطرحون علاقتهم السياسية والدينية مع المشرق ودوله وأعلامه ومنظريه. ومن هنا أيضا يمكن أن ندرك حدود تأثير الفكر السياسى لرجل كالغزالى فى تطور جزء من العالم الإِسلامى كان شديد الغيرة على استقلاليته منذ دخول الفاتحين ولم تزده الأيام إلا تشبثا بتلك الاستقلالية.
لقد اجتمعت للغزالى عدة مواصفات كانت قادرة لفكره السياسى أن ينفذ فى المغرب وأن يكون له تمهيدا لها لو كانت الأفكار والتصورات قادرة على التنقل بنفس سهولة انقل الكتب أو البضائع.
كان الغزالى يعتقد فى امكانية تفريق السلط فى الدولة الإِسلامية بين خلافة وعدة سلطنات, وكل أهل العدوة المغربية يعملون من أجل هذا بكل حرص. وكان الغزالى يؤمن بأن العلماء هم ورثة الأنبياء وعلى الحاكم أن يستشيرهم لإِقامة أحكامهم على ما يفتون به, وكان حكام المغرب لا يرون خلاف هذا. ألم يكتب يوسف ابن تاشفين فى طلب فتوى من علماء للمغرب والاندلس والمشرق فى شأن ملوك الطوائف الذين لجو فى الغواية والضلال سائلا عل يجوز خلعهم ؟ وأجاب الغزالى ابن تاشفين بوجوب ذلك, ثم حين وصلت أخبار انتصاره على ملوك الطوائف سعى لدى العباسيين لتدعيم حكمه. وكام هذا أيضا مما يصادف اختيارا سياسيا للدول المغربية منذ حكم بنى زيرى.
وكان الغزالى يعتبر الحكم وإقامة النظم السياسية ليست إلا سبيلا لمرضاة الله وإقامة العدل وإشاعة الخير بين عناصر الأمة المسلمين. وكان هذا أيضا مما يدعيه حكام المغرب الموحدون ومن قبلهم المرابطون.
ولقد كان الغزالى يبنى تصوره السياسى على منطلقات عقدية تعتبر الإِنسان خليفة الله فى أرضه يقيم حكمه وأمره, وأنه قادر على خلق أفعالة بعون الله ورعايته. وأن المجتمع الذى يهدف إليه ليس غاية فى حد ذاته بل هو وسيلة لإِنقاذ أفراده من الإِسفاف والضياع لذلك فهو لا يرى حرجا فى إقامة مجتمع متدرج يخضع لطائفتى الأمراء والعلماء, مادام هناك التعليم والإِرشاد اللذين يمثلان ضمانة لكل الفئات الاجتماعية الأخرى كالتجار, والفلاحين والحرفيين وغيرهم من أن تستبد بهم مطامع الحاكمين أو العلماء.
لكن مثل هذه النقاط لا يمكن أن تدفع بنا للقول بأن العدوة المغربية قد تأثرن بالفكر السياسى للغزالى مع المرابطين, ثم خصوصا مع الدولة الموحدية ( وخاصة فى طورها الأول ) وذلك لاعتبارين رئيسيين :
(1) الاعتبار العقدى : لقد كانت بين الغزالى والمرابطين خلافات سياسية محدودة على الرغم من التضخيمات التى ذهب إليها المؤرخين, والتى من أشهرها ما ذكره المرتطشى وغيره من أمر إحراق كتاب إحياء علوم الدين وملاحقة كل من يملكه وسفك دم من وجد عنده شىء منه واستصدار أمواله ـــ إنما الخلافات الأعمق هى الخلافات العقدية التى كانت بين الغزالى والموحدين. صحيح أن الغزالى ثار ضد الفقهاء وأدان مماحكاتهم الفقهية الصبيانية واستخفافهم بكل عمل اجتهادى يستند إلى الكتاب والسنة على اعتبار أن أمور السياسية فى المجتمع الاسلامى تحتاج أكثر إلى دراسة الفروع ( الفقه العملى ) وتهجين كل ما عداه من علم الكلام ودراسة تأويل القرآن وعلوم الحديث الأمر الذى أدى إلى انحطاط الدراسات الدينية عموما. لكن هذا لا يجب بحال أن ينسينا عمق الخلافات التى كانت بينه وبين الموحدين على الرغم من القصص التى تبدو موضوعية لإِظهار مدى التوافق والتقارب بين صاحب الإِحياء و «تلميذه» المهدى بن تومرت.
لقد كانت حركة الموحدين فى ظاهرها دينية إذ نقمت على المرابطين مذكراتهم وقاومت ابتعادهم عن القرآن والسنة ( الأصول ) وبلغ الأمر حدا جعل ابن تومرت يعتبر أن الجهاد ضد المرابطين أهم من الجهاد ضد النصارى(59).
لكن هذا «الغطاء» الدينى الذى تفسره طبيعة المرحلة ومقتضياتها لا يجب أن يخفى علينا أن الثورة الموحدية لم تكن دينية بالتصور الذى يذهب إليه الغزالى, بل كان الجانب السياسى فيها هو الأوفر حظا. من ذلك تأكيد ابن تومرت على ضرورة وجود إمام فى كل عصر يهتدى بهدى الله, والادعاء بأنه هو ذلك المهدى أو الإِمام المعصوم. إن عصمة الإِمامة مسألة سياسية رغم الصبغة الدينية التى حاول ابن تومرت والشيعة من قبله أن يضفوها عليها. ولقد بذل الغزالى من جانبه كل الجهد فى دحض هذه الحجة خاصة فى حملته ضد الباطنية ودعوتهم للإِمام المعصوم. رغم هذا فإن ابن تومرت يصرح دون مواربة : « إن الملوك الصم البكم استولوا على الدنيا, وإن الدجالين استولوا على الدنيا, وإن الباطل لا يعرفه إلا المهدى, وإن الحق لا يعرفه إلا المهدى, وإن المهدى معروف فى العرب والعجم .. وأن الإِيمان به واجب وأن من شك فيه كافر وأنه معصوم فيما دعا اليه من الحق ولا يجوز عليه الخطأ فيه وأنه لا يكابر ولا يضاد ولا يدافع ولا يعاند ولا يخالف ولا ينازع … وأن أمره قائم إلى أن تقوم الساعة(60). ورغم هذا الكلام فان عددا من الكتاب يصر على القول بأن ابن تومرت أخذ عن الغزالى ولازمه ثلاث سنوات طالبا ومريدا … !
وليست مسألة المهدى إلا مدخلا إلى خلاف أعمق بين ابن تومرت والغزالى فى خصوص مسألة القضاء والقدر. ففى حين يعتبر الأول أنهما مطلقان على مذهب الجبرية منطرا ما يذهب إليه الأشاعرة ومنهم الغزالى الإِرادة النسبية المعروفة بالكسب والاستطاعة. جانب عقدى ـــ ثالث يتناقص فيه ابن تومرت والغزالى هو قضية التأويل التى استعملها الأول بتوسع غريب لا يقره عليه صاحب الإِحياء الذى كان يرفض إدخال أى نوع من التأويل فى صفوف العامة, إذ كان ينصح بعدم التشويش على طمأنينتها السعيدة بإلقائها فى مجادلات عنيفة وخلافات عقيمة ـــ وهذا جانب هام أثر بعد ذلك فى الانقلاب الذى شهدته الدولة الموحدة فى القرن السابع مع إدريس المأمون الخليفة الثامن فى دولة الموحدين.
(2) الاعتبار التربوى : يتضح جانب آخر من الخلاف بين الغزالى وتلميذه المزعوم ابن تومرت فى جانب رئيسى آخر هو الجانب الوجدانى التعليمى الذى يتناقض مع الجفاف الذى فرضه ابن تومرت من خلال قوله بالعقيدة المجردة فى التوحيد والتى تنتهى إلى عدم إمكان قيام أية علاقة من الحب والتقرب بين المخلوق وخالقه. وهنا ندرك عمق من قال (61) « لو كان الغزالى قد عاش ليتابع سيرة ابن تومرت ولو سئل فتوى فى تلميذه المزعوم لأصدر فتوى عنيفة ضده » لقد كان الاعتبار التربوى القائم على التجربة الباطنية أساسيا فى كل بناء سياسى عند الغزالى, فى حين أننا لا نجد له أثرا عند مؤسس دولة الموحدين والقائل بضرب من التوحيد لا يعرف للحياة الوحدانية سبيلا, وهى الحياة التى بنى عليها الغزالى الجانب الأهم من فكره السياسى الإِصلاحى. فالله واحد أحد ليست له صفات قائمة فى ذاته ولا زائدة منفصلة عن تلك الذات. هكذا قرر منظم دولة الموحدين مسألة الألوهية. أما حين نقرأ قواعد العقائد(62) من كتاب « ظغحياء علوم الدين » فسوف نجد ذلك التنزيه المضمخ بعمق الحياة الوحدانية والمباين لتصور ابن تومرت ـــ المباينة كلها ـــ فالله « ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود .. لا يماثل موجودا ولا يماثله موجود .. لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون فى قبضته .. هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء, كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى, وهو مع ذلك قريب من كل موجود, وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد وهو على كل شىء شهيد … (63).
مع هذين الاعتبارين الرئيسيين ومن كل ما سبق يصعب علينا أن نقر بتأثير حقيق للإِمام الغزالى فى الفكر السياسى المغربى فى القرون الخامس والسادس والسابع الهجرية, وبخاصة على دولة الموحدين التى يذهب اعتقاد البعض إلى أنها من نسج وبناء أحد تلامذة أبى حامد الغزالى.
إن مجمل ما تركه الغزالى من فكر سياسى وهو المبثوث فى تضاعيف جل كتبه, يشكل نواة مشروع تغييرى ضخم غير سياسى فى جوهره وإن كان يتقاطع مع السياسة فى أكثر من موضع. إنه مشروع «لاسياسى» إذا اعتبرنا السياسة بمعناها المتعارف, تصريف شؤون الدولة حسب موازين القوى. والذى لا شك فيه أن الأمور بلغت فى المشرق حدا من التسيب السياسى والأخلاقى مما يجعل حظوظ مثل هذا المشروع قليلة إن لم نقل معدومة. ولقد كان يمكن أن يستعمل فى مشاريع دول المغرب الناشئة لولا أن العدوة المغربية كانت بعيدة البعد كله عن مشاغل أبى حامد الغزالى, فلقد كانت تريد أن تصنع لنفسها بالإِسلام الوافد شخصيتها السياسية الخاصة فى عالم يسير بخطوات ثابتة نحو الانحطاط والتفكك, وهكذا كان مشروع الغزالى بالنسبة للمشرق قد جاء بعد أوانه فى حين كان للمغرب قبل الأوان فلم يؤخذ منه هنا أو هناك إلا النتف والجزيئات التى تحول دون أى تغيير صحيح فى الجهتين …
ولنقرأ فى الختام هذه الفقرة من كتاب « نصيحة الملوك » ولنتدبر إن كان هناك أثرا ـــ وهى فقرة جامعه للفكر السياسى عند الغزالى ـــ سواء مشرقا أو مغربا, يقول : « الأصل الأول من أصول العدل والإِنصاف هو أن تعرف قدرة الولاية وتعلم خطرها, فإن الولاية نعمة من نعم الله عز وجل من قام بحقها نال من السعادة مالانهاية له ولا سعادة بعده, ومن قصّر عن النهوض بحقها حصل فى شقاوة لا شقاوة بعدها إلا الكفر بالله تعالى, والدليل على عظم قدرها وجلالة خطرها ما روى عن رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم أنه قال « عدل السلطان يوما واحد أحب إلى الله من عبادة سبعين سنة ».
* بحث فى ملتقى عن الغزالى وتجديد الفكر الدينى القيروان 1985 – 1405.
الهوامـــــــــش
(1) ملاحظة واردة فى العقد الاجتماعى لجان جاك روسو.
(2) المدرسة النظامية ببغداد : أقامها نظام الملك الوزير السلجوقى (485 هـ) وكان الهدف منها اختياره السياسى فى جعل الأشعرية والشافعية مذهب الدولة الرسمى على خلاف المذهب الحنبلى السائد فى بغداد ومنائة للأحناف الخصوم السياسيين للشافعية.
(3) انظر فاتحة العلوم ص : 5 و 6.
(4) انظر المنقذ من الضلال ص 125.
(5) انظر التبر المسبوك فى نصيحة الملوك.
(6) فى خصوص العلاقة بين ابن تومرت والغزالى تحسن العودة إلى مقدمة « جلدزيهر » لكتاب محمد بن نومرت ( ط 1903).
(7) انظر ابن عقيل وعودة الفكر السلفى للمقدسى.
(8) فى خصوص زمن ظهور هذه المؤلفات والكتب انظر موريس بوق M. BOUYGES : محاولة فى ترتيب مؤلفات الغزالى حسب تاريخ ظهورها.
(9) انظر إحياء علوم الدين « خطبة الكتاب وماتلاها » ص 3 …
(10) انظر المعجب لعبد الواحد المراكشى ص 122.
(11) انظر الإِحياء (ج1) باب العلم ص 54.
(12) المرجع السابق ص 37.
(13) المرجع السابق 30.
(14) انظر فاتحة العلوم ص 5 و 6.
(15) انظر محاضرة عن إحراق المرابطين كتاب الإِحياء لسعد غراب (مدريد 1983).
(16) انظر ما كتبه الفاضل ابن عاشور فى مقال الثقافة الإِسلامية بالمغرب بين المرابطين والموحدين فى مجلة المجتمع العلمى بدمشق 1969 ـــ 4/ 740 ـــ 769. كذلك ما كتبه R. LE TOURNEAU عن لقاء الغزالى بابن تومرت فى BEA سنة 1947 ص 147 و 148.
(17) انظر مثلا عن ذلك مارواه ابن قطان فى نظام الجمان عن وصول خبر إحراق الإِحياء وتزامن ذلك بوجود ابن تومرت بجانب الغزالى لأخذ العلم ودعاء أبى حامد له أن يكون اسقاط حكم المرابطين على يديه ـــ كذلك فى الاستقصاء.
(18) انظر كتاب هـ. لاوست عن الفرق فى الإِسلام. الفصل 6 ص 189.
(19) انظر المنقذ ص 126.
(20) انظر ميزان العمل ص 161 ـــ 146.
(21) انظر الإِحياء. ج 1 / ص 104.
(22) المرجع السابق. ج 5 / ص 891.
(23) لم يقع أى تحرك ضد الصليبيين طيلة حياة الغزالى, وأول رد فعل حصل بعد توسعهم الكبير فى فلسطين والشام كان سنة 505 هـ بقيادة محمد بن مللشاه السلجوقى.
(24) انظر الإِحياء الجزء 1 / ص 85.
(25) انظر مقال روجى جارودى : السياسة والإِيمان فى لومند 19 /8 / 84.
(26) انظر المنقذ من الضلال ص 128.
(27) انظر الاقتصاد فى الاعتقاد ص 105.
(28) انظر منهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة والقدرية ـــ ابن تيمية ج 1 ـــ ص 141.
(29) انظر المستظهرى ص 179.
(30) انظر الإِحياء. ج 1/ ص 37.
(31) انظر المستظهرى. ص 37.
(32) انظر نصيحة الملوك. ص 13 وما يليها.
(33) انظر المستظهرى. ص 208.
(34) انظر مقدمة ابن خلدون ـــ الباب الثالث ـــ الفصل 3. ص 142.
(35) انظر المستظهرى. ص 17.
(36) انظر كتاب العلم فى الإِحياء. ج 1/ الباب الرابع والخامس.
(37) الإِحياء. ج 1 / ص 172.
(38) الإِحياء. ج1 / ص 173.
(39) المستظهرى ـــ الباب الخامس ـــ ص 55 وما يليها.
(40) الإِحياء. ج1/ ص 173 وما يليها.
(41) الإِحياء. ج1.
(42) هذه القضايا محصورة فى مسائل كبرى : معرفة الله بالكلمات وأن الحشر لا يتم بالأجسام …
(43) المستظهرى. ص 17.
(44) يحسن الرجوع فى هذا الصدد للدراسة التى قدمها د. برهان غليون عن السياسة والأخلاق, مجلة 15 / 21 عدد 11 ـــ ص 54 وما يليها.
(45) الاقتصاد فى الاعتقاد. ص 105.
(46) الإِحياء. ج 5/ ص 893.
(47) نصيحة الملوك. ص 44.
(48) نصيحة الملوك. ص 18.
(49) الإِحياء. ج 1/ ص 13.
(50) الإِحياء. ج 5 / ص 13.
(51) نصيحة الملوك.
(52) الإِحياء ج1 ص 1.
(53) يبدو أن كلمة الشلوح والقبائل وأمازيغ كانت تعبر عن وحدات جغرافية ولغوية أكثر من كونها وحدات سياسية. انظر ألفريد بل فى « الفرق الإِسلامية فى الشمال الأفريقى » ص 48.
(54) فى خصوص المظالم التى أوقعها بعض كبار الفاتحين. راجع تاريخ ابن خلدون الجزء السادس.
(55) انظر د. حسين مؤنس فى ثورات البربر ص 144 ـــ 145.
(56) انظر البلاذرى فتوح البلدان ـــ ص 273.
(57) انظر السلاوى فى الاستقصاء فى أخبار دول المغرب الاقصى. ج / 1 ص 123.
(58) انظر مقدمة الفرق الإِسلامية. لعبد الرحمن بدوى. ص 5 و 6.
(59) انظر أخبار المهدى بن تومرت. لأبى بكر الصنهاجى. ص 9.
(60) انظر أعز ما يطلب. ص 257.
(61) مقدمة جلد زيهر لكتاب « أعز ما يطلب » لابن تومرت.
(62) الإٍحياء. ج. 1. ص 155.
(63) المرجع السابق.