لا ريب أن الظروف الحضارية المختلفة التي مرّ بها العرب في القرن الرابع عشر الهجري؛ كانت عاملاً من العوامل الأساسية التي انعكست علىٰ الشعراء وأثرتْ فيهم, ودعتهم إلىٰ العودة إلىٰ التاريخ, أو رؤية الحاضر من خلال الماضي. والتاريخ أو الماضي الذي نقصده هنا, هو الماضي بمعنا الظافر, وليس ذلك الماضي الذي ينسحب علىٰ فترات الجمود والخمود في حياة الأمة, وإذا كانت هنالك عودة إلىٰ الماضي الجامد أو الخامد, فإنما تكون الغاية الأساسية منها العبرة التي تقود إلىٰ الظفر والانتصار الحضاري علىٰ الهزيمة القائمة والمحنة المقيمة.
لقد أذلّ الاستعمار الغربي العرب والمسلمين إذْلالاً لم يسبق له مثيل منذ الحروب الصليبّية في كافة المجالات والميادين, وأمام هذا الإٍذلال؛ كان عليهم أن يستنفروا قواهم الكامنة لمواجهته وإخراجه من بلادهم, وبلورة شخصيتهم الإٍسلامية من جديد. وقد نجحوا إلىٰ حدّ كبير في معظم الأقطار العربية, وحققوا جانباً هاماً, من جوانب الاستقلال السياسي والرسمي, ولكنهم ـــ للأسف الشديد ـــ لم يتمكنوا من تحقيق الهوّية المستقلة فكرياً وثقافياً. لقد ارتبطوا بصورة ما بالغرب المستعمر, علىٰ الأقل في الجانب الثقافي والفكري. ونشأ صراع ـــ ما زال مستمراُ فيما أرى ـــ بين تيّارات عديدة, تدور حول محور واحد من نحن ؟ إلىٰ من ننتمي ؟ كيف نصوغ أيديولوجية نواجه بها المستقبل ؟
ويمكننا القول بأن هنالك تياران قويان ومتميّزان يحفزان بعمق في عقول المسلمين منذ بداية هذا القرن, وهما تيار الأصالة الذي يتحرّك من مفهوم الإٍسلام الصافي, وتيار التبعية للغرب, بإعتباره رمز الحضارة المتقدمة والمتفوّقة. وقد تصادم التياران, ومازالا, وإن كان التيار الأول قد حقق في نهايات القرن الرابع عشر الهجري نوعاً من التقدم والانتصار, خاصّة بعد حرب رمضان 1393هـ, حيث برزت ضرورة الانتماء للجذور الإٍسلامية أو الانطلاق منها لتكوين شخصية الأمة, وبناء حضارتها الجديدة.
لقد حاول الغرب ـــ وما زال ـــ أن يضعف الشعور بالانتماء إلىٰ الجذور الإٍسلامية, أو بناء هويّة ذات ملامح إسلامية متميزة, وساعده علىٰ ذلك تأثيره القوي في نظم التعليم, وزرع التصوّر الغربي في الرؤوس, وتكوين طلائع وفيّة ومخلصة لفكره ومفاهيمه.
ونحن لا نستطيع الإٍفاضة في هذا الأمر, لأنه قد يخرج بنا عن موضوع البحث, ولكن الذي نريد أن نوضحه هنا, أن ظروف الصراع حول الهويّة الإٍسلامية, سواء كان عسكرياً أو سياسياً أو فكرياً, وقد وجد صداه في الحياة الإٍجتماعية والشعر معاً, من خلال التوجّه إلىٰ الماضي, وإضاءته كي يسير الصراع في طريقه الصحيح, مزوَّداً بالأمل واليقين في تحقيق غايات الأمة.
وقد وجدت دعوات الإٍصلاح صداها الواضح؛ في إثارة الحنين إلىٰ الإٍسلام الصافي القوي, وأمجاده العظيمة لانتشال الأمة من هذه التخبط والانحدار والهزيمة. ولعل أبرز تلك الدعوات : الوهّابية والسنوسّية والإٍخوان المسلمون, فضلاً عن وجود أشخاص بذواتهم قاموا بدور كبير في هذا المجال, أمثال : جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والأمير عبد القادر الجزائري وابن باديس والبشير الإٍبراهيمي ومحمد رشيد رضا وعلاّل الناس وعز الدين القاسم وسيّد قطب .. وغيرهم.
وواكب تلك الدعوات وهؤلاء الأشخاص, إنشاء جميعات دينية, وإقامة احتفالات إسلامية بالمواسم والأعياد, وإصدار صحف ودوريات تبرز صورة الإٍسلام المثلىٰ, وتاريخه المضئ, وتصحح المفاهيم الخاطئة(1).
كذلك فقد كان هنالك من الكتاب والأدباء من تعرّضوا لمقولات الغرب حول الإٍسلام وانتقاصه للدين, أشرنا إليهم في مناسبة أخرىٰ.
بيد أنه يمكننا الأن أن نتوقف قليلاً أمام بعض النماذج التي عبّرت عن صدى العودة إلىٰ التاريخ, أو دعت إليها صراحة من خلال الصحف والدوريات الإٍسلامية, وسوف نرى بعدها إلىٰ أيّ مدى كانت تلك العودة إلىٰ التاريخ أو استدعائه تمثل هاجساً يحرّك عواطف الأدباء والشعراء جميعاً.
ومن الملاحظ أن الكتاب والشعراء جعلوا فيما بينهم بداية الماضي أو التاريخ الذي يدعون إلىٰ العودة إليه, مولد الرسول ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ, ونقطة البداية هذه يسبقها بالضرورة عالم ملئ بالظلم والظلام والقهر والضياع, ويلحقها ـــ خاصة في عهد البعثة والخلافة الراشدة ـــ صورة رائعة للنور والعدل والحق والإٍحساس بالحياة.
وبالطبع, فقد كانت شخصية محمد ـــ صّلى الله عليـه وسلم ـــ هي الصورة النموذج والمثال الذي يحتذىٰ ويقتدىٰ به. يستوي في ذلك الحاكم والمواطن الفرد, فمحمّد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ صورة الحاكم العادل, والزعيم المحبوب, والقائد الواعي, والبطل الذي يقلّ نظيره, بل لا يوجد نظيره. ومحمد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ صورة الفرد العادي, المؤمن التقيّ, النقيّ, المتقشف, الورع, الزاهد, العامل, العابد .. لذا فقد كان الإٍلحاح علىٰ شخصيته أمراً طبيعياً في وقت اشتد فيه الفساد علىٰ المستوىٰ الراعي والرعيّة. يقول استاذ «على طنطاوي», وهو يصوّر محمداً ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ.
«إن العظماء كثيرون, ولكن العظيم عظيم في ناحية, صغير في سائر النواحي, فهو عظيم في العلم, أو في الحرب, أو في الأدب, أو في السياسة, أما محمد فعظيم في كل شئ.
وآثار العظماء في البشر واضحة جليّة, لكن لم يعمل أحد أجلّ ولا أجمل مما عمل محمد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ نفخ في هذه البادية القاحلة, وهذه الأمة المتفرّقة الجاهلة فأخرج منها أمة قوية عالمة عاملة .. حملت مشكاة النور في وقت عمّ فيه الظلام, وبنورها اهتدىٰ ويهتدي كل إنسان, في كل مكان إلىٰ آخر الزمان, ولولا محمد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ ما كانت أوربة, ولا الأميركتان !»(2).
وذهب كتّاب آخرون إلىٰ استدعاء شخصية النبي الكريم ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ لتكون عوناً علىٰ مواجهة الواقع الرهيب الذي يعيشه العرب والمسلمون, ففي مجلة «الرسالة», نقرأ مثلاً مقالة «لأستاذ جليل» ينادي فيها رسول الله ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ ويستنجد به, وفي ثنايا مقالته يستحضر أمثلة من التاريخ, وصراع المسلمين مع الرومان, ثم يصل في ختام مقالته, إلىٰ هذا الأسوان الحزين :
«يا محمد ! يا محمد !
لقد ضامنا في هذا الزمان الأفرنجي والتركي حتىٰ ذاك الذي ضربت عليه الذلة ضعفنا ولؤمنا وتعادينا وصدعاتنا وغضبك علينا, غضبك علىٰ الخلْق الخالف من أجل ذلك ـــ أقوىٰ معين للضائمين !
فإن لم تمنْ على المنتمين إلىٰ عربية (قرآنك) العربيّ بشئ من عطف ورضا ـــ يا سيدي أبا القاسم ـــ أتباعك, خدام (كتابك), خدام (لسانك) خدامك ــ في الهالكين.
يا سيّد الوجود يا رسول الله ! يا أبا بكر الصديق ! يا عمر الفاروق ! يا ذا النورين أيا أبا الحسنين ! إن الدهر قد جار علىٰ قومٍ عرب !»(3).
ولم يقتصر تناول الكتّاب علىٰ شخصية محمد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ, بل تعدىٰ ذلك إلىٰ قضايا تتعلق بموقف الإٍسلام من القضايا الجديدة التي ظهرت في هذا القرن, مثل قضية القوميات أو الإٍسلام والقومية, فنراهم يحاولون أن يستخرجوا من التاريخ ما يؤيد مَوَاقفهم سواء ضد القومية أو معها. وهناك من حاول أن يتناول المسألة بوعي وموضوعية, فيرىٰ أنه لا تعارض بين الاثنين, وينظر إلىٰ بعيد حيث أصابع المبشرين وغيرها من الأصابع الخبيثة, تقوّي الخلاف بين القومية والإٍسلام, وتحوّله إلىٰ نزاع مستحكم «سيقضي في النتيجة علىٰ كلتا الفكرتين القومية والإٍسلام»(4)وهكذا يتواصل الحوار حول التاريخ أو الماضي باعتباره منطلق الحركة إلىٰ المستقبل.
ووصل الأمر ببعض الكتّاب إلىٰ الإٍعلان الصريح بأن واقع الأمة يحتّم التعامل مع «محمد» ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ فقط, وأنه هو الطريق الوحيد الباقي الذي لا مفرّ من السير فيه بعد التخبّط والانحدار والهزيمة والضياع, ويقول الأستاذ «عبد المنعم خلاف» في مقالة بعنوان «ضع يدك في يد محمد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ» :
«ضع يدك في يد محمد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ وسر معه في الطريق الذي شقّه له بارئ الطبيعة بين السبل المتفرقة إلىٰ الحقيقة والعدالة والسلام الاجتماعية, وقوة الاعتزاز بالقيّوم علىٰ السموات والأرض, وشدّة الحرص علىٰ اتباع أسلوبه في حفظ الفطرة سليمة من زيغ الحسّ وخداع الهوىٰ وأفن الرأي, وألاعيب الذكاء. تسلم لك نفسك أولاً, والإٍنسانية ثانياً, والطبيعة كلها ثالثاً.
فلم يبق لك بدّ أن تفرّ إلىٰ هذا الرجل, وتستعينه في جهاد ما يحتاج الأرض الآن من الشرّ والتقدير السيء للنفس الإٍنسانية والحياة والاجتماع ..»(5).
ويمكننا الآن أن نبلور صدىٰ العودة إلىٰ التاريخ, أو رؤية الحاضر من خلال الماضي في الشعر, في النقاط التالية :
أولاً : التعريف بأمجاد الإٍسلام وعظمته وانتصاراته, وتقديمة للمسلمين عامة, والنشء خاصة, كي يكون نبراساً يهدي في مسيرة الحياة ومواجهة صعابها. وقد اهتم الشعراء خاصة في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري بالعودة إلىٰ التاريخ, ونظمه في قصائد أو مقولات تركز عادة علىٰ السيرة النبوية الشريفة وتبرز أحداثها. وقد تفاوت تناول الشعراء للتاريخ بين إشارات ممدودة في ثنايا قصائدهم للمقارنة بين الواقع والتاريخ, وبين قصائد مطوّلات خصصت بأكملها لسرد التاريخ الإٍسلامي أو تجليته باستفاضة.
من ذلك مثلاً, ما ورد في قصيدة «من وحي المولد النبوي» لأحمد محرم, حيث ينتهز فرصة ذكرىٰ المولد ليخاطب الرسول ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ ليقوم في الناس من جديد, فيمشون علىٰ نور الكتاب وتتجدد أيام «بدر» الظافرة :
قُمْ يا (مُحمد) ما لِحَّقَّكَ ناصِرُ حتىٰ تَقُومَ, وَمَا لِدِينكَ مُنْجِد
قُمْ في جُنُودِكَ غَازياً وافْتح بِهمْ دُنْيا الجُحُودِ لأُمَّةٍ لا تَجْحَدُ
تَمْشِي عَلىٰ نُور (الكِتَابِ) فَتَهْتَدِي وَتُقيمُ آداب الحَياةِ فَتَسْعَدُ
جَدَّدْ لَنَا (أيّامَ بَدْرٍ) إنَّها أَيَّامُنَا اللأَتِي نُحِبُّ وَنَحْمَدُ
حَفِظَتْ عَلىٰ الإٍسْلاِم يَانِعَ غَرْسِهٍ وَالجَاهِلِيَّةُ بالقَوَاضِبِ تَحْصِدُ
غَرْسَّ نَمَا, فَالأَرْضُ مِنْ بركاتِهِ تُعْطِي الحَيَاةَ كَرِيمةً وَتُزَوَّدُ ..(6)
ولعل أبرز الأعمال الشعرية المطوّلة التي نظمت في مجال التعريف بأمجاد الإٍسلام وعظمته وانتصاراته ما كتبه «أحمد شوقي» في ديوانه أو مطوّلته (دول العرب وعظماء الإٍسلام)», فقد نظمها وهو في المنفى, بالأندلس, ولعله أراد أن يعزّي نفسه في منفاه بعودته إلىٰ الماضي أو التاريخ المضىء.
ــ يقول الأستاذ «محمود خاطر» في مقدمته لهذا العمل الشعري :
«هذه درّة في تاج الأدب, وغرة في جبين القريض. نظم أمير الشعر عقدها, وصاغ معناها ولفظها, وهو يعاني ألم النفي, ويتجرع عصص النوىٰ إبان الحرب الكبرىٰ بين ربوع الأندلس التي عمرّ الإٍسلام فيها ثم درس. ونما وترعرع وأزهر, ثم ذوىٰ وأقفر ..»(7).
والديوان أو المطوّلة أو المنظومة تبدأ بمقدمة نستشعر فيها رنة الأسىٰ, والإٍحساس العميق بالزوال والتغيّر, والتسليم المطلق لصاحب الملك «منزل الذكر بخير الألسن» :
الحـمدُ لله القَدِيـمِ البَاقِــي ذِي العًرْشِ والسَّبْعِ العُلاَ الطَّباقِ
المَـــلِكِ المُنْفَــرِدِ الجَبَّارْ الدَّائِــمِ الجَــلاَلِ وَالإٍكْبــارْ
وَارثِ كُلَّ مَالِكَ ومَا مَلَكْ وَمُهْلِكِ الحَيَّ وَمُحْي مَنْ هَلَكْ
مُنْزل الذَّكْـرِ بخَيْرِ الأنْدلْسُن مُشْتَمِلاً علىٰ البَيَانِ الأُحْسَنِ
أَوْحىٰ إلىٰ رسُولهِ ما أوْحىٰ مِنْ كُلَّ غَرَّاءَ تُضئُ اللَّوْحَا
وَقَصَّ أَنْباءَ القُرُونِ في السوَرْ مَوَاثلَ الحُسْنِ كَأَمْثَالِ الصوَرْ(8)
ثم يصلي ويسلم علىٰ أجلّ رسل السلام, ويبيّن فضله علىٰ الأمة, ويشير إلىٰ خلفائه الراشدين أئمة الهدىٰ, الفاتحين بالحق, المنقذين من قيود الرقّ, ثم يتحدث عن أثر الحرب الكبرىٰ والنفي, ويوضح كيفية نظم الأرجوزة, ويعلن أنه يوجهها للناشئة. ويبدأ المنظومة بدءاً فعلياً بحديث عن لغة العرب, وبيان فضلها وقيمتها :
فَاجْرِ علىٰ مَحَاسِن الـلَّسَان تُجَلَّ فِي مَوَاطِنِ الإٍحْسَانِ
وَامْشِ بآدابِ الكِتابِ تَهْتَدِ وَقِفْ بِأبْواَبِ الحَديث وَاجْتَدِ
هُمَت هُمَا القَالِبُ فِيهِ يَفْرغُ وَمَعْدنُ الحُسْنِ الَّذي لَا يَفْزُعٌ(9)
ثم يتحدث شوقي عن التاريخ وطبيعته ونشأته وأهميته ورأيه في المؤرخين, وينتقل إلىٰ أبناء إسماعيل ومكانة مكة وهاشم وقسّ بن ساعدة, وتأثيره علىٰ النبي ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ فيصف تاريخه ومولده ونشأته وبعثته والوحي وموقف أصحابه وأعدائه, وتأثيره علىٰ النبي ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ فيصف تاريخة ومولده ونشأته وبعثته والوحى وموقف أصحابه وأعدائه, والهجرة والغزوات وانتصار الإٍسلام, ولا ينسىٰ شوقي أن يذكّر من حين إلىٰ حين بهدفه التعليمي من الأرجوزة أو المنظومة, وكأنه يعالج قضايا اجتماعية معاصرة. فنراه مثلاً يتحدث عن الرزق, وطرق أبوابه, ويرىٰ أن هذا كان شيمة الرسول ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ وكذلك الرسل الكرام السابقين عليهم أفضل الصلاة والسلام.
كَانَ رَسُولُ الله في شَبَابهِ لَا يَدَعُ الرزْقَ وَطَرْقَ بَابِه
أَيُّ رَسُولٍ أَوْ نَبِيَّ قَبْلَهُ لَمْ يَطْبُبِ الرَّزْقَ وَيْبلُغْ سُبْلَهُ ؟(10)
ويواصل شوقي سرد التاريخ بعد وفاة النبي ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ فيتحدث عن الخلفاء الراشدين والصحابة : أبي بكر وهمر وعثمان وعلي وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص, ودولة بني أمية وصقر قريش (عبد الرحمن الداخل) وعبدالله بن الزبير وآل العباس ودولة الفاطميين. وفي ثنايا جديثه لا ينسىٰ أن يلحّ علىٰ العبرة, والتأكيد علىٰ بقاء الباقي وحده ـــ سبحانه وتعالىٰ ـــ ولعله كان يهدف من وراء ذلك إلىٰ إقناع نفسه وغيره بأن «بقاء الحال من المحال», وأن الوضع الذي يعيشه هو «غي المنفىٰ» لن يستمر إلىٰ الأبد ؟ فيحقق بذلك غايتين, الأولىٰ توضيح العبرة من التاريخ أمام الجيل الجديد, وهو يواجه الحياة الصاخبة الطاحنة القاهرة, الثانية تعزية نفسه المقهورة في منفاها وغربتها, وتسليتها حتىٰ تتحقق العودة إلىٰ الوطن. ولعل في أبيان الأرجوزة الخاصة بوفاة الرسول ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ ما يوضح هذا التصوّر :
نَالَ الرَّسُولُ الضُر مِنْ عداهُ وَبَلَـــغ الأذىٰ بهِ مَدَاهُ
وَمَاتَ مَنْ آوىٰ وَرَبَّىٰ واصْطَنَعْ وَذادَ عَنْ خَيْرِ النَّبييّنَ وَمَنَعْ
حَتىٰ أَظَلَّ العُرْبَ وَالإٍسْلَامُ وَاسْمَعَتْهُـمُ حُجَّة الــوداعِ
هُنَاكَ خَان أُجَلُ الطَّبيب وَحَكَم المُحِبُّ في الحَبيبِ
سُبْحَانَ مَنْ لَهُ البَقَاءُ دُونَ حَدْ وَلَيْس فَوْقَ عَيــرْهِ أَحَــدْ(11).
والأرجوزة بصفة عامة تُعتبر أشهر النماذج التي اتكأت علىٰ التاريخ, واعتمدت عليه في جلاء صورة الإٍسلام والمسلمين عبر القرون الأولىٰ للدعوة الإٍسلامية, وإذا كان غرض الشاعر من نظمها غرضاً تعليمياً بحتاً, إلا أن تقديمها لمسلمي القرن الرابع عشر الهجري يعني دعوة صريحة لتجاوز الواقع السائد بكل ما فيه من هوان وتبعية وتخلف إلىٰ واقع جديد يزخر بالعزة والإٍستقلال والتقديم.
ولا يمكن أن نهمل الإٍشارة إلىٰ أعمال كبرىٰ أسهمت في هذا المجال, وإن كانت قد حملت إلىٰ جانب التعريف بالدين واستعدعاء التاريخ غايات أخرىٰ فنّية أو فكرية, كما في «إلياذة محرّم» وملحمة «عين جالوت» و «الملحمة المحمدية» لكامل أمين, و «أمير الأنبياء» لعامر محمد بحيري, و «من إشراقات السيرة الزكيّة» لعزيز أباظة, و «ميلاد النبي» لمحمد زيتون .. وغيرهم(12).
ثالثاً : الدفاع عن الإٍسلام من خلال بعض رموزه التاريخية القائمة مثل الخلافة, وقد شهد الإٍسلام في القرن الرابع عشر الهجري المراحل الأخيرة لنظام الخلافة الإٍسلامية, حتىٰ سقط الخليفة العثماني الذي كان منصبه يرمز إلىٰ وحدة المسلمين علىٰ مدىٰ التاريخ, وقامت في دولة الخلافة ـــ تركيا ـــ دولة علمانية, تربط أسبايها بالغرب, وتفصل الدين عن الدولة, وتغيَّر اللغة الرسمية من العربية إلىٰ التركية, وتغّير طريقة الكتابة؛ فتستبدل الحرف اللاتيني بالحرف العربي, ويصبح «الأذان» أيضاً باللغة «التركية», وتخلع تركيا «الطربوش» وترتدي «القبّعة» رمز المدنية الأوربية في ذلك الحين, وتصبح الخلافة وما تمثله سطوراً في تاريخ مبتوت الصلة بالواقع الجديد الذي صنعه «مصطفىٰ كمال أتاتورك» وجماعة «الإٍتحاد والترقي»!
كان المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ينظرون إلىٰ الخليفة العثماني نظرة تاريخية باعتباره مركز الدائرة الإٍسلامية, وحامي حمىٰ الإٍسلام, لدرجة أن الإٍنجليز حين أرادوا أن يصرفوا التأييد الشعبي عن الزعيم «أحمد عرابي» دبروا كي يستصدروا فتوىٰ من الخليفة العثماني يصف فيها «عرابي» موقفاً معادياً بسبب هذه الفتوىٰ, ومن ذلك ما قاله «أحمد الكاشف» في الثورة العرابية :
فَلَا نُطِيعُ سِوَىٰ عَبْدالحمِيِد وَلَا نَرْضَىٰ أًميِراً سِوَىٰ عَبَّاسِكَ الثَّانِي
ولأحمد شوقي قصيدة مشهورة تنطلق من هذا الموقف المؤيد للخليفة, يهجو فيها «أحمد عرابي» ويسخر منه ويبكّته. يقول شوقي مخاطباً «عرابي» بعد عودته من المنفىٰ :
صَغَارٌ فِي الذَّهَابِ وَفي الأيَابِ أَهَذا كُلٌ أَمْرِكَ يَا عُراَبِي ؟
بيد أن الشعراء وقفوا أمام الخلافة بصفة عامة وقفة إجلال وتقدير, باعتبارها الحلم الجميل الذي حقق وسيحقق للأمة الإٍسلامية عزّتها ونصرتها وتعلبها علىٰ الأعداء والتخلف. ولكن الدول الأوروبية كانت تعمل ليل نهار علىٰ تفويض الخلافة, وإذكاء نيران القومية والطائفية والعنصرية في أرجاء العالم الإٍسلامي, والعربي علىٰ وجه الخصوص. وقد نجحت أخيراً في تقسيم الدول العربية والإٍسلامية فيما بينها باعتبارها تركة الرجل المريض, بل الميّت؛ بعد وصول الإٍتحاديين إلىٰ الحكم في أنقرة.
وقد شهد النص الأول من القرن الرابع عشر الهجري مواقف حارّة ودافقة بالعاطفة المشبوبة من جانب الشعراء تجاه الخلافة والخليفة باعتبارهما فكرة تاريخية يتوحّد من خلالهما المسلمون ويعبّرون هن هوّيتهم, وبلورتها أمام القوىٰ العالمية الأخرىٰ. وكانت المواسم والأعياد الإٍسلامية مناسبات طيبة للتعبير عن مشاعرهم تجاه الوحدة الإٍسلامية والخليفة باعتباره الرمز ومركز الدائرة. وكانت هنالك أجزاء بكاملها في معظم دواوين تلك الفترة خصّصها أصحابها الشعراء لمدح الخليفة, وفي ديوان «الكاشف» مثلاً قسم بأكمله عنوانه «الحميديات» يمدح فيه الخليفة العثماني السلطان عبد الحميد, وكان يخصصّ في مناسبة عيد جلوسه أو توليه لخلافة؛ قصيدة ينشدها كل عام, يتحدث فيها عن صفاته وخدماته للدين والمسلمين, ودفاعة عن ديار الإٍسلام. يقول في إحداها :
لِدِينكَ وَالدنْياً قِيَامُكَ مُفْرْداً تَرُد العِدى وَهْىَ العَدِيدُ المْجْهَرُ
فكَمْ هاجمونا طَامِعِينَ فَأخْفَقُوا وَمَا الرَّيحُ فِي الطْوْدِ المَكين تُؤثُر
وكَمْ فِكْر في الشَّرُّ يَرْمُونَنَا بهِ وَفِي غَيْر مَا أَشْقَاهُمُ لَمْ يُفكَرَّوُا
أَيغْلَب مَنْ كَانَ الهِلَالُ لَوِاءَهُ يُحيطُ بهِ جُنْدُ الفَضَاء المُسَخَّؤر؟
فَنِنْهُ ضِيَاءٌ لِلْعُيُونِ وَمِنْجَلٌ غَداً حَاصِداً رُوحَ الذَّيِ يَتَجبَّرُ
أَيُغْلَبُ مَنْ أَجْنَادُه تَمْلاُّ الفَضَا يُسَدَّدُ مَرْمَاهَا القَضَاءُ المُقَدَّرُ
لَهَا سَكَنٌ فِي سِلْمِها فَهْي اُجْبُلٌ وُمُضْطَربٌ فِي حَربْها فَهْيَ أبْحُرُ
إذا حَاسَنَتْ فَهْي النَّسيمُ لَطَافَةً ةَإنْ خَاشَنَتْ مُسْتَعْدِياً فَهْي صًرْصَرُ(13)
وقد حفلت دواوين كبار الشعراء ـــ خاصة في النصف الأول من القرن الرابع عشر الذي رافق سقوط الخلافة ـــ بقصائد تفيض لوعة وحسرة علىٰ ما أصاب الخليفة والخلافة, وتستدعي عناصر التاريخ الساطعة لبناء خلافة قويّة ظافرة, ولعل «شوقي وحافظ» أبرز الشعراء في هذا المجال, ولشوفي قصيدة بعنوان «خلافة الإٍسلام» يرثي فيها الخلافة وينبه الدول الإٍسلامية إلىٰ إسداء النصح إلىٰ «أتاتورك» الذي اشتط في تصرفاته بإلغاء الخلافة وتحويل تركيا عن الإٍسلام, وكان المسلمون قد أمّلوا فيه خيراً بعد انتصاراته علىٰ اليونان ولكنّه خيّب ظنّهم, يقول «شوقي» في مطلع قصيدته الباكية :
عَادَتْ أَغَانِي العُرْسِ رَجْعَ نُوَاحِ وَنُعِيتِ بَيْنَ مَعَالِمِ الأَفْرَاحِ
كُفَّنْتِ فِي لَيْلِ الزَّفَافِ بِثَوْبِهِ وَدُفِنْتِ عِنْدَ تَبَلَّجِ الإٍصْبَاحِ
شُيَّعْتِ مِنْ هَلَعٍ بِعَبْرَةِ ضَاحِكٍ فِي كُلَّ نَاحِيَةٍ وَسَكْرَةِ صَاحِ
ضَجَّتْ عَلَيْكِ مَآذِنٌ, وَمَنَابِرٌ وَبكَتْ عَلَيْكِ مَمَالِكٌ وَنَوَاحِ
الهِنْدُ وَالِهَةٌ, ةَمِصْرُ حَزِينَةٌ تَبْكيِ عَلَيْكِ بِمَدْمَعٍ سَحَّاحِ
وَالشَّامُ تَسألُ, وَالْعِراقُ, وَفَارسٌ أمحا مِنَ الأَرْضِ الخِلَافَةَ مَاحِ؟
وَأتتْ لَكِ الجُمَعُ الجَلَائِلُ مَأُتَماً فَفقَعَـدْنَ فِيهِ مَقَاعِدَ الأَنْوَاحِ(14)
ويستمر «شوقي» علىٰ هذه النغمة المتفجّعة علىٰ مصير الخلافة وما أصاب المسلمين, ويعلن عن موقفه المؤيد لبني عثمان, الذي لا يتغيّر, ويلحّ علىٰ القادة الجدد أن يعلوا أهمية الوحدة الإٍسلامية والمحافظ علىٰ انتصاراتهم التي حقّقوها للإٍسلام في اليونان, فهذه الإٍنتصارات ليست للترك وحدهم, بل هي للمسلمين في مشاق الأرض ومغاربها, وهي التي حركت مشاعر الشعراء في كل مكان للإٍشادة بها وتخليدها. ولعل موقف الشاعر «محمد عبدالمطلب» في هذا المجال يعطينا دلالة عميقة, علىٰ أن التفاف الشعراء كان حول الفكرة الإٍسلامية التاريخية للخلافة أساساً, ولم يكن حول الأتراك لأنهم أتراك ـــ كما يُتّهم بذلك شوقي لانتمائه إليهم بصلة الدم ـــ فالفكرة الإٍسلامية ـــ تاريخيّاً ـــ تنبض في كل القلوب, ما كان منها تركياً أو غير تركي, ولعل ذكر «شوقي» للهند الواهلى ومصر الحزينة والشام والعراق وفارس المتسائلة, يحمل بعض هذا المعنىٰ. بيد أن «عبدالمطلب» وقد كان يشيد بالخلافة وانتصارات جيوش الخلافة, وقف موقفاً صريحاً عندما انحرف الإٍتحاديون, وتصرفوا علىٰ أساس غير إسلامي تجاه الخلافة والدين كان «عبدالمطلب» قد بدأ ينظم قصيدة في انتصار الترك علىٰ اليونان في «سقاريا» وبعد نظم أبيات منها لم يكملها. وهذا الأبيات هي :
هَذَا مَقامُكَ شَاعِرَ الإٍسْلامِ فقِفِ الْقريض علىٰ أَجلَّ مَقَامِ
عَادَتْ صَوَارِمُنا إلىٰ أغْماَدِهَا مِنْ بَعْدِ ما ظَفِرَتْ بِخَيْرِ مُرَامِ
هَذَا الَحنِيفُ يَسيُر تَحتَ ظِلَالِها فَخْمَ الجَلَالَةِ سَامِيَ الأَعْلامِ
ضَحِكَ الهِلَالُ لَهاَ الغَدَاةَ وَرُبَّماَ أَجْرَى مَدامِعَهُ شُئُونَ غَمـامِ
قِفْ بِالهِلَالِ علىٰ السِنّاَمِ مِنْ العُلَا فَمَكَانُهُ مِنْهَا بِكُلَّ سِنَامِ
وَقَفَ الأُسِنَّةُ وَالصَّوَارِمُ ظَمْأىٰ وَكُلٌ مُقَذّف مِرْزَامِ
ويعقب عبدالمطلب بعد هذه الأبيات مباشرة بقوله : «وكان السبب في قوفي جمود القريحة فجأة, إذْ فاجأتنا أخبار انحراف أولئك النّفر ـــ يقصد الاتحاديين»(15).
وواضح أن عبد المطلب الذي وثف نفسه بـ «شاعر الإٍسلام» في البيت الأول, يرفض ينساق في تأييد قوم امحرفوا عن منهج الإٍسلام والفكرو التاريخية للخلافة إلىٰ منهج القومية المتعصبّة أو العنصريّة الضيّقة.
وقد ظلت فكرة الخلافة موضع تناول بين الشعراء, وبعد سقوطها, ظهر بوضوح عدد من الشعراء الذين شتموا في سقوط الخليفة وانتهاء الخلافة كفكرة تاريخية يلتفّ حولها المسلمون, ومعظم هؤلاء الشعراء كانوا في بلاد الشام, ولعل ذلك يرجع إلىٰ نمّو فكرة القومية هنالك بقوة, وتغذيتها من جانب نفر من غير المسلمين, وضيق أهل الشام بظلم بعض الولاة الأتراك ومعاملتهم القاسية. وقد عبّر «إيليا أبو ماضي» عن شماتته دون مواربة في أكثر من قصيدة عند سقوط السلطان «فتنة 17 إبريل» يتحدث عما جرىٰ من عزل للخليفة, ويصفه بصفات مقذعة ـــ وهي أخف مما ورد من صفات في قصائد أخرىٰ ـــ ويخاطبه قائلاً :
شُلَّ مِنْكَ التَّاجُ مُهِتْضِماً مَنْ يعادِ الشَّعبَ يُهْتَضَمِ
بِتَّ لَا جَيْشٌ, وَلَا عَلَمٌ يا صَريـعَ الجَيْشِ وَالعَلَـمِ
وَفَشىٰ مَا كُنْتَ تُضْمِرُهُ فَعَرفْنَــا نَاقِضَ القَبَمِ
كُنْتَ مَسْلُوبَ الكرى حَذِراَ وَلَقَـدْ أُعْطيتـــهُ فَنَــمِ(16)
ومهما يكن من شئ؛ فإن قضية «الخلافة» بإعتبارها فكرة تاريخية إسلامية, كانت عاملاً أساسياً من عوامل نهضة الشعر الديني في القرن الرابع عشر الهجري, خاصة في النصف الأول منه الذي شهد أفول هذه الخلافة, والتي كانت دائماً في عرف الشعراء رمزاً ساطعاً من رموز الإٍسلام ينبغي الدفاع عنه وحمايته, حتىٰ أولئك الذين وقفوا من الخلافة أو الخليفة موقفاً عدائيا, فإنهم كانوا على اتفاق أن قيم الحق والعدل والأمن ينبغي أن تتحقق من خلال مفهوم إسلامي, وإن لم يكن عن طريق الخلافة أو الخليفة.
ثالثاً : تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة حول الدين أو بعض الأحداث التاريخية الإٍسلامية, وقد رافق هذه القصائد أو رافقت هي؛ مقالات وكتباً ألفّها مدافعون عن الدين لتصحيح الصور المشوّهة التي رسمها ونشرها المعادون للدين, أو بعض المستشرقين, خاصة ما يتعلق منها بحياة النبي ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ وتصحيح المفاهيم الخاطئة بالشعر لم يكن ضرباً من العبث أو الرياضة الذهنية, بل كان إحساساً داخلياً عميقاً لدىٰ الشعراء المسلمين في العالم العربي بضرورة الدفاع عن الدين وعن النبي ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ من أجل البعث الديني أو البعث الحضاري الإٍسلامي؛ إذ تصبح المفاهيم الخاطئة عقبة في طريق النهضة وبناء الحضارة.
ويمكن أن نجد نماذج عديدة لهذا التصحيح نكتفي منها بأنموذجين, يتحدث أحدهما عن موقف الإٍسلام من العلم, والثاني بصحح الفْرية التي افتراها الإٍفك حول السيدة عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ زوج الرسول ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ. وفي الأنموذج الأول, يتحدث الشاعر «أحمد زكي أبو شادي» في قصيدة بعنوان «النبي محمد وروح العلم»ن الإٍسلام دين الأوهام والجهل والجمود, ويرىٰ أن الإٍسلام قد هدم الأوهام قديماً, وحرّر عقول الناس من الضلال, ودعاها إلىٰ التفكّر والتدبّر. يقول أبو شادي :
هَدَّمْتَ أَوْهَامَ القَديمِ مُحَرَّراً أَيُقَالُ دِينُـكَ مِلْؤُهُ الأَوْهَامُ
وَشَرَعْتَ لِلْعَقْلِ الحَكيِم سِياَسَةَّ ضَمِنَتْ بَقَاءَ جَلَالِهَا الأُيَّامُ
بُنَيتْ عَلىٰ النَّفْع الأَثَمَّ وَكُلَّ ماَ لِلْعِلْمِ فَالْعِلْمُ الصَّحِيحُ قِوَامُ
عَقْلُ كعَقِلك لَنْ يُيسحَ جَهَالَةً أَبداً, فَكَمْ سَطَعَتْ لَهُ أًحْكَامُ(17)
وبعد أبيات الشاعر إلىٰ التاريخ, ويذكر بدء الدعوة التي رافق انتصارها تكسير الأصنام وهدمها باعتبارها رمزاً للجهل والتخلّف والجمود والتعصّب والتقهقر :
يا هَادِمَ الأَصْنَامِ دِينُكَ قَدْرُهُ أنْ لَا تَمُتَّ لِوَحْيه الأَصْنَامُ
بيْنَ الٌذينَ تَعَصَّبوُا وَتَقهْقرُوا وَحَجَاكَ يَا عَلَمَ الشعُوبِ خِصَامُ!
هُمْ يَحْسَبُونَ الدَّهْر لَيْسَ بِسَائلاِ وَدَليلُ شَرْعِكَ لِلزَّمَانِ إمَامُ
آياتُهُ بَنَت الفخارَ وَلَمْ تَزَلْ تَسَعُ الَّذيِ تَرْضىٰ بِهِ الأَفهَامُ
مَنْ أُنْكَرَ العِلْمَ الصَّحيح فَدِينُهُ وُهْمٌ, وَلَيْسَ لِمِثْلِهِ إِسْلَامُ! (18)
قد تكون هذه المسألة «الإٍسلام والعلم» غير مثارة في أيامنا, باعتبار أن المسلمين يدخلون المجالات العلمية المختلفة, ويبدعون فيها, ولكننا إذا عدنا إلىٰ أوائل القرن الرابع عشر الهجري لوجدنا الأمر مختلفاً, فقد روّج الاستعمار وأشياعه مقولات خاطئة عن وقوف الإٍسلام ضد العلم والمدينة والتحضّر. ولعل كتاب «مصر الحديثة» للورد «كرومر» المندوب السامي علىٰ مصر أيان الاحتلال والذي يحمل فيه بضراوة علىٰ الإٍسلام والمسلمين, ويزيّف وقائع التاريخ الإٍسلامي, أبرز الأمثلة علىٰ الكتب التي تزيّف الحقيقة وتتجنّى علىٰ الإٍسلام بالتعصب والحقد والهوىٰ(19).
الأنموذج الثاني يتناول حديث الإٍفك الذي تناقله نفر من الناس حول السيدة عائشة رضي الله عنها, حيث أتهمت ظلماً في شرفها, ونزل القرآن الكريم يبرئ ساحتها ويتوعد الذين جاءوا بالإٍفك. قال تعالىٰ :
}إنَّ الَّذينَ جَاءُوابِالإٍفْكِ عُصْيَةٌ مِنكْمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرا لَكُمْ, بَلْ هُوَ خَيْرُ لَكُمْ, لِكُلَّ امْرِئ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنِ الإٍثمْ, وَالّذِي تَوَالىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظيمٌ* لَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً, وَقَالُوا هَذَا إفْكٌ مٌيينٌ{(20).
يأتي الشاعر في قرننا الرابع عشر الهجري, ليعيد صياغة الحديث شعراً, فيقطع الطريق علىٰ ما قد يتردّد في بعض الصدور, أو تنطلق به أدوات التشكيك في دين الإٍسلام ونبيّه وآله ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ ويصوّر لنا السيدة عائشة ـــ رضي الله عنها ـــ وقد أخذت تبكي وحيدة بعد أن تركها الركب, وتعرّضت للافتراء, ويدور في داخلها صراع رهيب يتوازىٰ مع صراع الوحشة في الخلاء تحت جنح الليل, ويأتي جبريل ليجلي الغيم, وينزل بالوحي فيصفو الأفق ويتلألأ ضياء الكون علىٰ صوت الحق, ويقول الشاعر «محمد رجب البيومي» في ختام قصيدته التي استقاها من «نبع القرآن» :
أيُّ حَسْنَاءٍ حَصَانٍ خَصَّهَا رَبُّهَا الأَعْلىٰ بإِكْلِيلِ الثَّنَاءْ
أُشْرَقَتْ فِي سُورَةِ النُّورِ فَمَا مِثلُهَا فِي أوُجهَا ذَاتُ بَهَاءْ
إِنْ تَكُنْ مِرْيَمُ نَالَتْ فَخْرَهَا فَهُمَا فِي دَوْلَةِ الحُسْنىٰ كِفَاءْ
أًصْبَحَتْ أُسْوَةَ لله غِيدٍ بًعْدَهَا صِرْنَ نَهْباً لإٍدَّعَاء التُّعَسَاءْ
فَرَفَعْنَ الأَمْرَ لله كَماَ رَفَعَتْ, وَالله عَوْنُ الضُّعَفَاءْ
لَيْتَ مَنْ يَرْمِي بِإفْك غَادَةّ يُدْرِك العُقْبىٰ فَيُثْنِيهِ الحَيَاءْ(21)
والشاعر يهدف ـــدف ـــ بجوار الدفاع هن عائشة, وتجلية حادثة تاريخ بجوار الدفاع هن عائشة, وتجلية حادثة تاريخية ـــ إلىٰ غاية تعليمية وهي كيفية مواجهة الاتهامات المتسرعّة التي يوجهها البعض ون دليل أو برهان فيتسب في إيلام الغير وإيذاء الأبرياء, فضلاً عن غرس قيم نبيلة تهدف إلىٰ ترقية السلوك الإٍجتماعي للمسلمين المعاصرينْ.
رابعاً :العودة إلىٰ التاريخ للتعبير رمزياً عن الواقع, وقد ركزت حركة الشعر الحديث علىٰ هذه الناحية تركيزاً واضحاً, ولم تترك عَلماً إسلامياً بارزاً أو حادثة إسلامية ذات تأثير إلا واستخدمتها في الإٍطار الرمزي للتعبير عن الحاضر الراهن أو المستقبل المأمول. ويمكن القول إن ازدهار الرمز كان مصاحباً لحركة التجديد الشعري في النصف الثاني مالقول إن ازدهار الرمز كان مصاحباً لحركة التجديد الشعري في النصف الثاني من القرن الرابع غشر الهن القرن الرابع غشر الهجري تقريباً, ولم يقجري تقريباً, ولم يقتصر الأمر لدىٰ الشعراء علىٰ استخدام التاريخ الإٍسلامي بل تعداه إلىٰ التاريخ الإٍنساني بعامّة, بما فيه من أسطورة أو خرافة أو تراث شعبي, ويمكن لمن يطالع الشعر الحديث أن يجد رموزاً لمحمد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ وأبي بكر وعمر وعلي ذرّ وبلال ومعاوية وصلاح الدين وهارون الرشيد والمعتصم والمتنبيّ والحلّاج والغزالي والمعريّ والخيام وأبي فراس الحمداني وامرئ القيس وطرفة بن العبد وديك الجن وصقر قريش وقرطبة ومدريد وغرناطة وطليطلة وإرم ذات العماد ودمشق والقدس, بالإٍضافة إلىٰ المسيح ويهوذا وسقراط وأفلاطون وأبي الهول والإٍسكندر المقدوني وهاملت ودون كيشوت وسيزيف وإسبرطة وغيرها من الملامح التاريخية والتراثية(22).
وسوف نكتفي هنا أيضاً بأنموذجين من تاريخنا الإٍسلامي أو يرتبطان بتاريخنا الإٍسلامي, استطاع الشاعر المعاصر أن يستخلص منها دلالة معاصرة للحدث الذي يعالجة. في قصيدة «حكاية لأطفالنا» للشاعرة «فدوى طوقان» عن السادس من أكتوبر 1973, تصوّر الشاعرة انتقال العرب من رحلة اليأس والهزيمة إلىٰ مرحلة الأمل والانتصار, فتتحدث عن الأعوام الستة بين الهزيمة الساحقة التي لحقت بالعرب والمسلمين بعد 1967, وظلت تغلّف حياة الناس بالسواد والذلّ, حتىٰ جاء عام 1973, فتراه الشاعرة يشبه عام الفيل الذي ولد فيه الرسول ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ وكان بداية لمشرق النور, وحاملاً للنبوءة, وقاضيا علىٰ الخرافة :
«وَجَاءَ عَامُ الفِيلِ
مُمْتَطياً مسَافَةْ
تَقْطَعُهَا الفُصُولُ بَيْنَ المَوْت وَالْحَياَةْ
تَفجِر الصَّوْتُ الَعِظيمُ بِالرُعُودِ والبُرُوقْ
حَامِلاً النَّبُوءةْ
مُجتثاً الخُرَافَةْ».
لقد نقلت الشاعرة دلالة الحدث التاريخي «عام الفيل» الذي بميلاد النبي ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ وهزيمة أبرهة القائد الحبشي الذي أراد هدم الكعبة, فكأن العدوّ يمثّل هذا القائد الذي لا قبل لأحد به, وكأن عبور القناة يمثل ولادة الأمل الذي حمل النبوءة وقضىٰ علىٰ الخرافة :
«وَانْطَلَقَ المُجَنْدلُ المَسْحُوقُ, نَظْرَةٌ عَلىٰ الطَّرِيقْ
وَنَظْرَةٌ عَلىٰ السَّمَاءِ الرَّحْبَةِ المُضِيئة
وَغَلطَّ في القَنَاةْ
مُغْتَسِلاً مُتَمَّماً وُضُوءَهُ
وَقَامَتِ الصَّلَاةّْ»(23).
ولعل اللمسات الدينيّة التي أضفتها الشاعرة علىٰ عباراتها إلىٰ الاغتسال والوضوء وإقامة الصلاة, تعني التطهّر من عوامل الخوف والتردد والهزيمة الداخلية, والتفرغ للجهاد, وهو الهدف العظيم, باعتباره العبادة التي تقرّب إلىٰ الله وتدخل الجنة مباشرة. وهذا في النهاية يعبّر عن نجاح الشاعرة في استخدام الرمز بطريقة فعّالة ومؤثرة.
الأنموذج الثاني من الشاعر «سميح القاسم» في قصيدته «ثورة مغني الربابة» حيث يرىٰ نفسه صوت التاريخ الذي يذكرّ العرب بأمجادهم وانتصاراتهم, ويدعوهم إلىٰ تخطي العقبات والتغلّب علىٰ الهزائم, وإن كان الإٍحساس المتشائم يغلّف قصيدته. وفي المقطع التالي نراه يتحدث عن أمجاد الرسول والصحابة, وغقبة بن نافع وطارق بن زياد, ويخاطب أمّنه قائلاً :
«يَا أُمَّتي!
عَدَدْتُ أَجْيَالاً عَلىٰ هَذه الرَّباَبَةْ
كَرَّرْ أَمْجَادَ الرَّسُولِ, وَكُلَّ أَمْجادِ الصَّحَابَةْ
كَرَّرْتُ عُقّبَةَ ـــ أَلفَ مَرَة!
وَوَضَعْتُ مِنْ عِنْدي الكَثِير,
كَذَبْتُ فِي أَسَف وَحَسْرَة!»(24).
وبعد أن يستعرض الشاعر واقع الأمة من خلال المقارنة بين الواقع والتاريخ, يهيب بها أن يتحرك نحو واقع جديد, غير الكلام والخطابة, يضيف أمجاداً جديدة إلىٰ الأمجاد التي صنعها السابقون :
«يَا أُمَّتي .. قْومِي امْنحي هَذي الرَّبَابَةْ
غَيْر البَراعَةِ في الخَطَابَةْ
لَحْناً جَدِيداً..
وَامْنَحِي الأُجْيَالَ .. أَمْجاَداً جَدِيَدةْ!»(25).
وهكذا يستدعي الشاعر التاريخ ليرىٰبه الحاضر, أو يرىٰ الحاضر من خلال الماضي, مستخدماً الرمز التاريخي الإٍسلامي الذي يباورُ رؤية الشاعر, ويعمقها في وجدان المتلقّي, ويضفي عليها ملامح الارتباط الوثيق بالماضي, باعتبار الماضي والحاضر والمستقبل حلقات في سلسلة واحدة.
لقد لعب التاريخ الإٍسلامي دوراً كبيراً في إثراء التجربة الشعرية الدينية الحديثة, وأضفىٰ عليها بصفة عامة نوعاً من الموضوعية في التعبير, خاصة في الجانب الدرامي الذي اعتمد الإٍلياذة أو الملحمة أو الأجوزة أو المسرحية, وهو ما ألحّ عليه «إليوت» في مطلع القرن العشرين الميلادي في مقالته الشهيرة «الاتباعية والموهبة الفردية» حيث يرىٰ أنه ليس لشاعرٍ أو فنان في أي نوع من الفنون قيمته الكاملة بنفسه,وإنما تترتب قيمته علىٰ أساس علاقته بالسلف من الشعراء والفنانين وأن «الحاضر ينبغي الماضي بمقدار ما يوجه الماضي الحاضر»(26).
الهــوامــش
(1)راجع «في الأدب الحديث» لعمر الدسوقي ـــ 2/204, 205, 206.
(2)الرسالة ـــ المجلد الأول (1934 م) ـــ ص 1046.
(3)الرسالة ـــ السنة السابعة (1939 م) ـــ ص1819.
(4)انظر مثلاً مقالة «بين دين محمد وقومه» للإٍستاذ علي حيدر الركابي ـــ الرسالة ـــ السنة الثامنة ـــ (1940 م) ـــ ص 168.
(5)الرسالة ـــ السنة الثامنة (1940 م) ـــ ص 416.
(6)الثقافة ـــ السنة الخامسة (1943 م) ـــ ص 258.
(7)أحمد شوقي ـــ دول العرب وعظماء الإٍسلام ـــ مطبعة مصر ـــ 1933 ـــ المقدمة.
(8)السابق ـــ ص 5.
(9)السابق أيضاُ ـــ ص11.
(10)نفسه ـــ ص 24.
(11)نفسه ـــ ص 27, 32.
(12) ويمكن أن نضيف إلىٰ ذلك أيضاً تلك القصائد التي اهتمت بسيرة النبي ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ مثل القصائد التي احتذت البردة, وكذلم القصائد التي نظمت لتناول سيرة الصحابة رضوان الله عليهم مثل العمرية والبكرية والعلوية وقصائد «الرافعي» حول بعض خلفاء بني العباس .. وإن كان التقليد الفني في كل الأحوال هدفاً من أهدافها الأساسية.
(13)ديوان الكاشف ج 1 ـــ مطبعة الترقي ـــ ط 2 ـــ القاهرى 1332هـ/1914م ـــ ص 12, 13.
(14)ديوان شوقي ج 1 ـــ ص 105, 106.
(15) ديوان عبد المطلب ـــ ص 253.
(16)ديوان إيليا أبي ماضي ـــ المجلد الأول ـــ دار العودة ـــ بيروت (بدون تاريخ) ـــ ص 664,وقد كان حافظ إبراهيم موقفاً حين تناول السلطان عبد الحميد بعد خلعه. وصوّر موقف الناس منه, من خلال مبالغة فيها طعم المرارة القاتلة :
كُنْتُ أَبكْي بالأَمْسِ مِنكَ فَمَـا لي بتُ أَبكْي عَلَيْكَ (عَبْدَ الَحميــد)؟
فَرَحَ المُسْلِموُنَ قَبْلَ النَّصاَرىٰ فِيكَ قَبْلَ لبدُّرُوز قَبْلَ اليَهُودِ
شَمنُوا كُلُّهُمْ وَلَيْسَ مِنَ الــهـ ـمَّةِ أَنْ يَشْمَتَ الوَرَىٰ فِيطَرِيــدِ!
(ديوان حافظ ج 2 ـــ ص 43).
(17) أحمدزكي أبو شادي ـــ الشفق الباكي ـــ النطبعة السلفية بمصر ـــ 1345 هـ/1926 م ـــ ص 142.
(18)السابق ـــ ص 143 وما بعدها.
(19)من القصائد الجيدة في الردّ علىٰ «كرومر», قصيدة لأحمد محرم بعنوان «كرومر والإٍسلام وسراة مصر» ويخاطبه قائلاً :
زَعَمْتَ الدَّينَ وَالقُرْآنَ جَاءا بِمَا يُشْقِى حَيَاةَ المُسْلِمِينَـا
زَعَمْت (مُحَمـداً) لَمْ يُؤْتَ رُشْداً وَلَـمْ يَسْلُكْ سَيِيلَ المُصْلِحينَـا
فَلَيْـتَكَ كُنْتَــهُ لِتَسُنَّ شَرْعـاً يُبَلَّغُنــا مَكَانَ السَّابقيِناً
(انظر ديوان محلام ج 2 ـــ مطبعة الفتوح الجديدة بدمنهور ـــ 1338 هـ/1920 م ـــ ص 16)
(20)سورة النور : 11, 12.
(21) من تبع القرضان ـــ دار الأصالة للنشر ـــ الرياض ـــ 1403 هـ/1983 م ـــ ص 77.
(22)انظر د. علي عشري زايد ـــ استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر المعاصر ـــ السفر الثاني : حيث تناول الرموز التاريخية بتفصيل وعمق.
(23)ديوان فدوى طوقديوان فدوى طوقان ـــ المجلد الكامل ـــ ص 558.
(24)ديوان سميح القاسم ـــ الأعمديوان سميح القاسم ـــ الأعمال الكاملة ـــ دار العودة بيروت 1973 ـــ ص 216.
(25)السابق ـــ 218.
(26)انظر : د. لطيفة الزيات ـــ مقالات في النقد الأدبي ـــ الأنحلو المصرية (بدون تاريخ) ـــ ص 5, محمود الربيعي ـــ في الشعر ط 4, دار المعارف 1977 ـــ ص 153, واستدعاء الشخصيات التراثية في الشعر المعاصر ـــ ص 33, 34.