يتناول هذا الموضوع البحث موضوعه على النحو التالي :
أولاً : مقدمة عن الأصول العامة الشرعية الحاكمة للعمل المصرفي .
ثانياً : النصوص الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية والمصرفية ، والرأي المختار فيها .
ثالثاً : العمليات المصرفية التفصيلية والموقف الشرعي منها .
رابعاً : البدائل المقترحة للعمليات المصرفية غير المباحة شرعاً .
· جميع الآراء الواردة في هذا البحث هي الرأي الشخصي لكاتبها ولا تمثل رأي المصرف الإسلامي الدولي . وهي مطروحة للنقاش والبحث .
أولاً
مقدمة
عن الأصول العامة الشرعية الحاكمة للعمل المصرفي
يحكم عمل المصرف من الناحية الإسلامية مجموعة المبادئ التالية :
أولاً : القاعدة الشرعية أن الأصل في المعاملات الإباحة ، دليل هذه القاعدة :
1 – ( سخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً . . ) .
2 – ( قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه ألا أن يكون ميتة . . ) .
3 – (و قد فصل لكم ما حرم عليكم . . ) الأنعام 119
4 – ( وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ) .
5 – ما ثبت في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال : ” إن أعظم المسلمين جزماً من سأل عن شئ فحرم على السائل من أجل مسألته ” .
6 – أخرج البزار والحاكم وصححه من حديث أبي الدراء قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو العفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسي شيئاً وتلا :
وما كان ربك نسياً “
7 – أخرج الترمذي وابن ماجة عن سلمان الفارسي قال : سئل رسول الله عن بعض المطعومات فقال : ” الحلال ما أحله الله في كتابه والحرام ما حرمه ، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه ” .
8 – أخرج الدار قطني من حديث أبي ثعلبة مرفوعاً وحسنه النووي . أن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها .
ويتفرع من هذه القاعدة .
1 – أننا لسنا بحاجة – لكي نبيح معاملة ما – أن نبحث عن سندها الشرعي فالأصل هو الإباحة وليس الحرمة .
2 – إن ما وردت به نصوص في الكتاب والسنة من عقود للمعاملات لم يرد على سبيل الحصر بحيث يلزم عدم استحداث معاملات أخري غير واردة بهما .
3 – إن استحداث معاملة جديدة لا يشترط لإباحته قياسه على ما وردت به النصوص ، إذ دليل الشرعية هو الإباحة الأصلية ذاتها .
4 – ومن باب أولي فلا يشترط لأباحه معاملة مستحدثة قياسها على رأي اجتهادي فقهي طالما أن الدليل هو الإباحة وليس القياس ، فضلا عن أن القياس شرعاً يكون على النصوص وليس على أراء الفقهاء .
5 – ويدخل في ذلك – أي فيما لا يشترط – تخريج معاملة مستحدثة بتحليلها إلي عدة معاملات قديمة أو تلفيق أراء من عدة مذاهب أو محاولة أعطائها تكييفا فقهياً وما إلي من أساليب الصناعة الفقهية والحيل ” الشرعية ” .
ثانياً : أن القيد الوحيد على هذه القاعدة هو عدم مصادمة نص محرم من الكتاب أو السنة ويتفرع عن هذا القيد .
1 – أن البحث في النصوص إنما يكون عن النص الذي يحرم – لا الذي يبيح – المعاملة .
2 – أنه عند اختلاف الآراء في تفسير نص ظني الورود أو ظني الدلالة تتبع قواعد تفسير النصوص ، مع مراعاة القواعد الكلية للشريعة ومن بينها ( من مواد مجلة الأحكام العدلية ) :
م2 – الأمور بمقاصدها .
م3 – العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني .
م17 – المشقة تجلب التيسير .
م18 – الأمر إذا ضاق اتسع .
م19 – لا ضرر ولا ضرار .
م21 – الضرورات تبيح المحظورات .
م22 – الضرورات تقدر بقدرها .
م23 – ما جاز لعذر بطل بزواله .
م24 – إذا زال المانع عاد الممنوع .
م26 – يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام .
م27 – الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف .
م28 – إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما .
م29 – يختار أهون الشرين .
م 32 – الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة أو خاصة .
م 37 – استعمال الناس حجة يجب العمل بها .
م 39 – لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان .
م 43 – المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً .
م 44 – المعروف بين التجار كالمشروط بينهم .
م45 – التعين بالعرف كالتعين بالنص .
م58 – التصرف على الرعية منوط بالمصلحة .
م85 – الخراج بالضمان .
م87 – الغرم بالغنم .
م88 – النعمة بقدر النقمة والنقمة بقدر النعمة .
3 – أن أهم ما وردت به النصوص في أمور المعاملات المالية مما له اتصال بأعمال البنوك الإسلامية تتعلق بالأمور التالية :
1 – حرية الاختيار .
2 – نية العاقد .
3 – الغرر .
4 – بيع المرء ما ليس عنده .
5 – بيع الإنسان ما لا يملك .
6 – البيع قبل القبض .
7 – بيع المعدوم .
8 – بيع الدين إلي غير المدين .
9 – بيع السلع .
10 – تقسيم العقود إلي عقود تبرع وعقود معاوضة .
11 – كل قرض جر نفعاً فهو ربا .
12 – النهي عن بيعتين في بيعة وصفقتين في صفقة .
13 – النهي عن بيع الكالئ بالكالئ ( بيع الدين بالدين ) .
14 – التسعير والاحتكار وتلقي الركبان .
15 – الغبن .
16 – النهي عن ربح ما لم يضمن .
17 – تحريم ربا الجاهلية .
18 – النهي عن ربا الفضل .
19 – النهي عن ربا النسيئة .
20 – جواز زيادة الثمن نظير زيادة الأجل .
21 – جواز الحط من الثمن نظير تعجيل الدفع أو ( ضعوا وتعجلوا ) .
22 – انظار المدين المعسر ، ومطل الغني ظلم .
ومرافق مذكرة بالرأي المختار في هذه المسائل .
ثالثاً : إن تطبيق الأحكام الإسلامية في المعاملات هو واجب كل مسلم ، ويتعين ذلك في حالة المسئولية عن عمل محدد ، فتكون أجهزة الإدارة بالشركة هي المسئولية عن تطبيق الأحكام الإسلامية في حدود اختصاصها .
وليس في الإسلام رجال دين ذوو سلطة تحريم وتحليل وإنما . ” فاسألوا أهل الذكر كنتم لا تعلمون ” يشترط في أهل الذكر شروط منها العلم بالواقعة التي يسأل عن حكم الله فيها ، ولا يكاد يتوافر هذا الشرط حالياً – حتى في أضيق حدود الاجتهاد المقيد – في أحد من المعاصرين .
لذلك تبقي المسألة في إطار الاستشارة غير الملزمة أصلاً والتي لا يكاد يتوافر أكفاء لها فعلاً .
ومن هذين المنطلقين يكتفي المصرف باستشارة الخبراء الاقتصاديين المهتمين بأمور الشريعة والعلماء الشرعيين المهتمين بأمور الاقتصاد دون تكوين هيئة للرقابة الشرعية إذ يتنافي وجودها مع المفهومين السابق الإشارة إليهما .
رابعا : ليس في أحكام الإسلام ما يمنع التعامل مع غير المسلمين أو مشاركتهم أو استخدامهم – خاصة وأن المصرف يعمل خارج دار الإسلام – طالما أن التزام أحكام الإسلام هو أساس التعامل أو المشاركة أو الاستخدام .
ومن هذا المنطق – ومع مراعاة إعطاء الأولوية للمسلمين إذا توافرت فيهم الشروط المطلوبة – فان المصرف يضم عدداً من غير المسلمين على مختلف المستويات التالية :
– مساهمون بالمصرف .
– مودعون لدي المصرف وشركاته التابعة .
– أصحاب أعمال يمولهم المصرف وشركاته التابعة .
– موظفون بالمصرف وشركاته التابعة .
ثانياً
النصوص الحاكمة للمعاملات المالية
إن أهم ما وردت به النصوص – من كتاب وسنة – في أمور المعاملات مما له تعلق بنشاط البنوك والمؤسسات المالية يمكن تصنيفه تحت المجموعات التالية :
أولاً : ما يتعلق بالتعاقد :
ويندرج تحت هذه المجموعة :
1 – حرية الاختيار : أي عنصر التراضي في المعاملات وحكم الإكراه فيها .
2 – نية العاقد ومقصده : والعلاقة بين والمعني واللفظ ، وحكم بيع العينة .
ثانياً : ما يتعلق بالمعقود عليه ( محل العقد ) :
ويندرج تحت هذه المجموعة فئتان :
أ – فئة تتعلق بتحديد محل العقد :
3 – الغرر .
ب – وفئة تتعلق بإمكان تسليم محل العقد :
4 – بيع المرء ما ليس عنده .
5 – بيع الإنسان ما لا يمللك .
6 – البيع قبل القبض .
7 – بيع المعدوم .
8 – بيع الدين إلي غير المدين .
9 – بيع السلم .
ثالثاً : ما يتعلق بالثمن أو العوض :
ويندرج تحت هذه المجموعة خمس فئات :
أ – فئة تتعلق بمبدأ المعاوضة ذاته .
10 – تقيسم العقود إلي عقود تبرع وعقود معاوضة .
11 – كل قرض جر نفعاً فهو ربا .
ب – فئة تتعلق بتحديد الثمن وضبطه .
12 – النهي عن بيعتين في بيعة وصفقتين في صفقة .
13 – النهي عن بيع الكالئ بالكالئ ( بيع الدين بالدين ) .
ج – فئة تتعلق بعدالة الثمن .
14 – التسعير والاحتكار وتلقي الركبان .
15 – الغبن .
د – فئة تتعلق بالنهي عن الربح في بعض المعاملات .
16 – النهي عن ربح ما لم يضمن .
17 – تحريم ربا الجاهلية .
18 – النهي عن ربا الفضل .
ه – فئة تتعلق بأجل دفع الثمن أو العوض :
19 – النهي عن ربا النسيئة .
20 – جواز زيادة الثمن نظير زيادة الأجل .
21 – جواز الحط من الثمن نظير تعجيل الدفع أو ( ضعوا وتعجلوا ) .
22 – أنظار المدين المعسر ، ومطل الغني ظلم .
وغني عن الذكر أن هذا التصنيف إنما هو محاولة اجتهادية لفهم النصوص وعلاقة بعضها ببعض ، وموضعها في إطار تصور عام لشريعة المعاملات .
ونتناول هذه المسائل واحدة بعد الأخرى موضحين أراء علماء الحديث والفقه في أدلتها وتنتهي إلي الرأي الذي نختاره في كل منها .
أولاً : ما يتعلق بالعاقد
1 – التراضي والإكراه
يشترط الاختيار في عقد المعاملات لقول الله سبحانه : ( إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) ( النساء 29 ) .
ولقول الرسول صلي الله عليه وسلم : ” لا يفترقن اثنان إلا عن تراض ” رواه أبو داود والترمذي .
هذا هو الأصل في المعاملات . . واستثناء من هذا الأصل ورد قول رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ” . رواه ابن ماجة وابن حبان و الدار قطني والطبراني والبيهقي والحاكم . وقد اختلف في حسنه وضعفه .
ولا يتصور وقوع الإكراه المادي في المعاملات التي تجربها البنوك والمؤسسات المالية وإنما يرد الإكراه من جانبين :
أولا : الإكراه القانوني المتمثل في الأوضاع القانونية الملزمة التي تخالف الشريعة الإسلامية ، وهذه الأوضاع موجودة بصورة متفاوتة سواء خارج العالم الإسلامي أو داخله .
والرأي الشرعي في شأنها يتعلق بتطبيق قاعدة الضرورات تبيح المحظورات ، والضرورات تقدر بقدرها ، وتنزل الحاجات منزلة الضرورات .
ثانياً : الإكراه المعنوي في صورة عقود الاذعان ، ولا يتصور وصف عقود البنوك والمؤسسات المالية بهذا الوصف إلا إذا كان لها احتكار يخرجها من دائرة حرية التعامل إلي دائرة فرض شروطها على الطرف الأخر .
وقد كان للبنوك الربوية – قبل إنشاء البنوك الإسلامية – مثل هذا الاحتكار إذ لم يكن أمام المتعاملين بديل شرعي يغيهم عن الالتجاء إليها ، أما بعد إنشاء البنوك الإسلامية فقد زال هذا الاحتكار ، ولم يعد للمتعاملين مع البنوك الربوية أن يعتذروا بضرورة التعامل معها .
وتعدد البنوك الإسلامية في البلد الواحد أمر مستحب كذلك حتى لا يكون انفراد بنك إسلامي بالعمل في بلد معين مصدر احتكار للعمل المصرفي الإسلامي يوقع المتعاملين معه تحت الإكراه المتمثل في الاذعان لشروطه ولذلك يكون من المرغوب فيه شرعاً تعدد البنوك الإسلامية داخل البلد الواحد تحقيقاً لقاعدة التراضي في المعاملات .
2 – مقصد العاقد
من القواعد العامة في الشريعة إن ” الأمور بمقاصدها ” ( م2 من المجلة ) وان ” العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني ” ( م3 من المجلة ) . وقد ورد العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بهذا المعني ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ” .
ومن هذا المنطق كان غريباً أن يلجأ قوم في الماضي وفي الحاضر إلي الحيل الفقهية يحتالون بها لتحليل ما حرم الله ، يظنون وبئس ما يظنون أن حيلهم تنطلي على الله سبحانه وتعالي ، وهو العليم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور .
وقد كتب العلماء كثيراً في كشف هذه الاباطيل والخدع الشيطانية مما لا داعي إلي إيراده هنا .
ونخص بالذكر واحدة من هذه الخدع التي كانت معروفة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وورد النهي عنها وهي بيع العينة . كما نشير إلي النهي عن البيع قبل القبض ورأي بعض الفقهاء في علته .
بيع العينة
هو أن تباع السلعة بثمن مؤجل ويشتريها البائع من المشتري بثمن معجل أقل مما باع به .
قال بحرمته : ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي واستحق والثوري والاوزاعي ومالك وأحمد وأبو حنيفة استناداً إلي حديث عائشة الذي أخرجه مالك والدارقطني .
قالت العالية ( زوج أبي اسحق الهمداني الكوفي السبعي ) بنت أيفع بن شرحبيل ” دخلت أنا وأم زيد بن أرقم وامرأته على عائشة راضي الله عنها . فقالت أم ولد زيد بن أرقم . أني بعت غلاما عن زيد بن أرقم بثمانمائة درهم سيئة ثم اشتريته بستمائة درهم نقداً ، فقالت : بئس ما شريت وبئس ما اشتريت ، أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا أن يتوب ” .
وقال الشافعي وابن حزم بجواره حيث لم يثبت عندهما حديث عائشة ولتحقيق ركن البيع ولا عبرة بالنية التي لا يمكن تحققها يقينا . ( المحلي ج 9 ص 47 – 52 ) .
وقد ورد في المسألة حديث أخر رواه أحمد وأبو داود وأخرجه الطبراني بلفظ أخر مماثل في المعني وابن القطان وصححه وقال الحافظ ابن حجر رجاله ثقات : عن ابن عمر بن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال :
” إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله انزل الله بهم بلاء فلا يرفعه عنهم حتى يراجعوا دينهم ” .
– ويعلق الشوكاني في نيل الاوطار ( ج 5 ص 206 – 207 ، ص 317 – 320 ) . أنها حيلة ومكر وخداع لله تعالي إذ المقصود المتفق عليه بين المتعاقدين إنما هو الربا وإنما البيع صورة فقط لا قصد لهما فيه .
– كما ذكر الاوزاعي ( أعلام الموقعين ج 3ص 112 ) عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال : ” يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع ) ويري ابن القيم أن هذا الحديث وان كان مرسلا فانه صالح للاعتضاد به بالاتفاق ، وله من المسندات ما يشهد له ، وهي الأحاديث الدالة على تحريم العينة ويقصد بها حديث ابن عمر .
ونحن نختار رأي مالك وأحمد وأبو حنيفة والشوكاني في تحريم العينة لأنها صورة وهمية لتغطية معاملة ربوية ولا يوجد في الحقيقة قصد البيع أو الشراء . ومعلوم أن المقصود بالعينة حالة ما يكون المبيع هو ذاته في العقدين ، مع اتحاد طرفي المعاملتين .
( المغني ج 4 ص 45 ، 46 ، 256 ، 258 ) .
البيع قبل القبض
تراجع أحاديث ذلك الباب تحت رقم 6 من هذا البحث . وقد علل البعض النهي عن البيع قبل القبض بأنه شبهة الربا : إذ يشبه من يحتال على الربا بإدخال السلعة بين العقدين .
اخرج البخاري عن طاوس قال : قلت لابن عباس كيف ذلك ؟ قال : دراهم بدراهم والطعام مرجأ .
واخرج مسلم عن ابن عباس أنه قال لما سأله طاوس : ألا تراهم يبتاعون بالذهب والطعام مرجأ وذلك لأنه إذا اشتري طعاما بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام إلي أخر بمائة وعشرين مثلا فكأنه اشتري بذهنه ذهباً أكثر منه .
( نيل الاوطار ج5 ص 259 ، فقه السنة ج 3ص 140 ) .
ثانياً : ما يتعلق بالمعقود عليه ( محل العقد )
ويندرج تحت هذه المجموعة فئتان :
أ – فئة تتعلق بتحديد محل العقد .
ب – فئة تتعلق بإمكان تسليم محل العقد .
أ – تحديد محل العقد
3 – النهي عن بيوع الغرر
ورد في الباب حديث عام يقرر المبدأ ، كما وردت عدة أحاديث في تحريم أنواع من البيوع تعتبر تطبيقات للمبدأ بسبب ما فيها من الجهالة والغرر .
والحديث العام هو ما وراه الجماعة إلا البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ” أن النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر ” .
والأحاديث الأخرى كثيرة تنهي عن :
بيع الحصاة
شراء السمك في الماء .
بيع حبل الحبلة .
شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع .
بيع ما في ضروع الأنعام إلا بكيل .
شراء العبد وهو أبق .
شراء المغانم حتى تقسم .
شراء الصدقات حتى تقسم .
ضربة الغائص .
أن يباع ثمر حتى يطعم .
أن يباع صوف على ظهر .
أن يباع لبن في ضرع .
أن يباع سمن في لبن .
المنابذة والملامسة .
المحاقلة والمزابنة والمخاطرة .
الثنيا ( وهي استثناء المجهول في البيع لماء يتضمنه من الغرر مع الجهالة ) .
انظر – نيل الاوطار ج 5 ص 243 – 248 – 275 – 280 .
بداية المجتهد ج 2ص 187 – 194 .
بلوغ المرام ص 199 – 200 – 206 – 208 .
المغني ج4ص 27 – 29 – 275 – 277 .
كما أن هناك أحاديث واردة في باب النهي عن البيع قبل القبض حيث علل النهي بأنه لاحتمال أن يكون المبيع قد هلك عند البائع الأول .
كما وردت في نفس الموضوع أحاديث تنهي عن بيع الطعام قبل كيله ، وأحاديث تنهي عن بيع الطعام حتي ينقلوه أو يحولوه وكلاهما يهدف إلي تحديد المبيع وضبط مقداره ( تراجع أحاديث ذلك الباب تحت رقم 6 من هذا البحث ) .
ب – إمكان تسليم محل العقد .
– وردت عدة نصوص لخدمة هذا الغرض وهو امكان تسليم محل العقد – بعضها يشير إلي :
4 – بيع المرء ما ليس عنده .
5 – بيع الإنسان ما لا يملك .
6 – البيع قبل القبض .
7 – بيع المعدوم .
ثم نتناول :
8 – بيع الدين إلي غير المدين .
9 – بيع السلم .
4 – النهي عن بيع ما ليس عنده
– فقد روي أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان نهي الرسول صلي الله علية وسلم أن يبيع المرء ما ليس عنده .
– كما جاء في قوله لحكيم بن حزام ” لا تبع ما ليس عندك ” .
– والمقصود من هذا النهي أن يبيع المرء ما لا قدرة له على تسليمه ، لأن ما لا قدرة له على تسليمه ليس عنده حقيقة ، فيكون بيعه غرراً ومغامرة .
– أما بيع الموصوف المضمون في الذمة مع غلبة الظن بإمكان توقيته في وقته ( كما في السلم ) فليس من هذا الباب في شئ . ( أعلام الموقعين . وأنظر فقه السنة ج 3 ص 136 ، 137 ، 173 ) .
5 – بيع الإنسان مالا يملك
ورد في الباب :
– حديث رواه الخمسة : عن حكيم بن حزام قال : قلت يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعة منه ثم أبتاعه من السوق . فقال لا تبع ما ليس عندك .
والحديث أخرجه أيضاً ابن حبان في صحيحه . وقال الترمذي حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن حكيم .
– عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن أبي داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك .
– قال البغوي : النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها ، أما بيع شئ موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه : فلو باع شيئاً موصوفاً في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز وان لم يكن المبيع موجوداً في ملكه حالة العقد كالسلم .
وظاهر النهي تحريم ما لم يكن في ملك الإنسان ولا داخلا تحت مقدرته وقد استثني من ذلك السلم فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم .
وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض .
( نيل الاوطار للشوكاني ج5 ص 253 ) .
وقد اشترط الفقهاء في المعقود عليه في البيع أن يكون مملوكاً للمتعاقد ، أو مأذونا فيه من جهة المالك . ( فقه السنة ج 3 ص 135 ) .
6 – البيع قبل القبض
وردت في الباب عدة أحاديث :
1 – عن جابر قال ” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم إذا ابتعت طعاماً فلا تبعه حتى تستوفيه ” ورواه أحمد ومسلم .
2 – وعن أبي هريرة قال ” نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يشتري الكعام ثم بياع حتى يستوفي ” رواه أحمد ومسلم . ولمسلم ” أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال من اشتري طعاماً فلا يبيعه حتى يكتاله ” .
3 – وعن حكيم بن حزام قال ” قلت يا رسول الله إني اشتري بيوعاً فما يحل لي منها وما يحرم على قال إذا اشتريت شيئاً فلا تبعه حتى تقبضه ” رواه أحمد ” .
4 – وعن زيد بن ثابت ” أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم نهي أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلي رحالهم ” رواه ابو داود والدار قطني .
5 – وعن ابن عمر قال ” كانوا يبتاعون الطعام جزافاً بأعلى السوق فنهاهم رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه ” رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه وفي لفظ في الصحيحين ” حتى يحولوه ” للجماعة إلا الترمذي ” من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه ” ولأحمد ” من اشتري طعاماً اشتراه بكيل حتى يستوفيه ” .
6 – وعن ابن عباس ” أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه قال ابن عباس ولا أحسب كل شئ إلا مثله ” رواه الجماعة إلا الترمذي وفي لفظ في الصحيحين ” من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله ” نيل الاوطار ج 5 ص 256 .
أ – اختلف الفقهاء في نطاق المنع .
– فمالك أجاز بيع الجزاف قبل قبضه . وبه قال الاوزاعي واسحق . وقصروا شروط القبض على المكيل والموزون .
وذهب الجمهور إلي التسوية بين الجزاف وغيره في المنع .
– واختلفوا كذلك في قصر المنع على حالة الطعام دون غيره .
– كما اختلفوا في قصر المنع على حالة البيع دون الهبة بغير عوض .
( نيل الاوطار للشوكاني ج 5 ص 257 ) .
ب – كما اختلف في تعليل المنع :
– فقيل أنه الغرر : إذ يحتمل أن يكون المبيع قد هلك عند البائع الأول .
– وقيل أنه من باب ربح ما لم يضمن : لان البائع الثاني يكون في حالة هلاك المبيع .
– وتحمل البائع تبعة الهلاك – قد ربح في شئ لم يتحمل فيه تبعة الخسارة .
– وقيل أنه شبهة الربا : إذ يشبه من يحتال على الربا بإدخال السلعة بين العقدين .
– اخرج البخاري عن طاوس قال : قلت لأبن عباس كيف ذاك ؟ قال : دراهم بدراهم والطعام مرجاً .
– وأخرج مسلم عن ابن عباس أنه قال لما سأله طاوس : ألا تراهم يبتاعون بالذهب والطعام مرجأ وذلك لأنه إذا اشتري طعاماً بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام إلي أخر بمائة وعشرين مثلا فكأنه اشتري بذهبه ذاهباً أكثر منه .
( المحلي ج 8ص 518 – 523 ، نيل الاوطار ج 5ص 259 ، فقه السنة ج 3ص 140 ) .
وفي رأينا :
1 – ان علة النهي هي عدم المقدرة على التسليم في الأحاديث 1 ، 2 الرواية الأولي 3 ، 4 ، 5 الرواية التي اشترطت القبض أو الاستيفاء ، 6 الرواية الأولي .
2 – إن علة النهي هي عدم ضبط محل العقد في الأحاديث 2 الرواية الثانية ، 6 الرواية الثانية .
3 – إن علة النهي في الأحاديث 5 الرواية التي اشترطت النقل أو التحويل هي عدم عدالة الثمن إذا تم البيع خارج السوق ( يراجع موضوع تلقي الركبان رقم 14 من هذا البحث ) .
7 – بيع المعدوم
ورد في الباب عدة أحاديث :
1 – عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم ” نهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهي البائع والمبتاع ” رواه الجماعة الا الترمذي .
وفي لفظ ” نهي عن بيع النخل حتى تزهو وعن السنبل حتى يبيض ويأمن العامة . رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه .
2 – وعن ابي هريرة قال : قال رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم : ” لا تتبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها ” رواه احمد ومسلم والنسائي وابن ماجة .
3 – وعن أنس ” أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم ” نهي عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشيد ” رواه الخمسة الا النسائي .
4 – وعن أنس ” أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم ” نهي عن بيع الثمرة حتى تزهي . قالوا وما تزهي قال : تحمر .
وقال : إذا منع الله الثمرة فيم تستحل مال أخيك ” أخرجاه .
5 – وعن جابر قال : ” نهي رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة ” وفي لفظ بدل المعاومة ” وعن بيع السنين ” .
6 – وعن جابر أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم ” نهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه ” وفي رواية ” حتي يطيب ” وفي رواية ” حتى يطعم ” .
7 – وعن زيد بن أبي أنيسة عن عطاء عن جابر ( إن النبي صلي الله عليه وأله وسلم نهي عن المحالقة والمزابنة والمخابرة وان يشتري النخل حتي يشقه ” .
والاشقاه ان يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شئ .
والمحاقلة أن يباع الحقل بكيل من الطعام معلوم .
والمزابنة أن يباع النخل بأوساق من الثمر .
والمخابرة الثلث والربع وأشباه ذلك .
قال زيد : قلت لعطاء : أسمعت جابراً يذكر هذا عن الرسول صلي الله عليه وأله وسلم ؟ قال ” نعم .
– متفق على جميع ذلك الا الأخير فانه ليس لأحمد .
– ( نيل الأوطار للشوكاني ج 3 ص 275 – 280 ) .
8 – بيع الدين إلي غير المدين
لم يرد في هذا الباب نص . . . . .
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلي جواز بيع الدين ممن عليه الدين – أي المدين . وأما بيعه غلي غير المدين ، فقد ذهب الاحناف والحنابلة والظاهرية إلي عدم صحته لان البائع لا يقدر على التسليم ، ولو شرط التسليم على المدين فانه لا يصح أيضاً لأن شرط التسليم علي غير البائع فيكون شرطاً فاسداً يفسد به البيع .
( انظر فقه السنة ج 3 ص 137 ) .
وقال مالك : أن كان المدين مقراً بما عليه جاز بيعه بعرض نقداً ، فان لم يكن مقراً لم يجز بيعه كانت عليه بينة أو لم تكن لأنه شراء
خصومة .
( المحلي ج 9 ص 6 )
ونحن نختار رأي المالكية إذ أنه مع تعليل عدم صحة بيع الدين إلي غير المدين بعدم المقدرة علي التسليم ، فحيث تنتفي هذه العلة بحوالة الحق التي يوافق فيها المدين علي بيع الدين الذي عليه إلي الغير فلا يبقي محل لتحريم هذا البيع خاصة وانه لم يرد نص في هذا الباب كما قدمنا .
9 – السلم
1 – عن ابن عباس قال قدم النبي صلي الله عليه وأله وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال : ” من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلي أجل معلوم ” وراه الجماعة . والسلم شرعاً : بيع موصوف في الذمة وزيد في الحد ببدل يعطي عاجلا وفيه نظر لأنه ليس داخلا في حقيقته .
قوله : إلي أجل معلوم . فيه دليل على اعتبار الأجل في السلم وإليه ذهب الجمهور وقالوا لا يجوز السلم حالا .
وقالت الشافعية يجوز ، قالوا لأنه إذا حاز مؤجلا مع الغرر فجوازه حالا أولي وليس ذكر الأجل في الحديث لأجل الاشتراط به معناه أن كان لأجل فليكن معلوماً . .
والحق ما ذهبت إليه الشافعية من عدم اعتبار الأجل لعدم ورود دليل يدل عليه فلا يلزم التعبد بحكم بدون دليل .
وأما ما يقال من انه يلزم مع عدم الأجل إن يكون بيعاً للمعدم ولم يرخص فيه إلا السلم ولا فارق بينه وبين البيع إلا الأجل ، فيجاب عنه بان الصيغة فارقة وذلك كاف .
واعلم أن للسلم شروطاً غير ما اشتمل عليه الحديث مبسوطة في كتب الفقه ولا حاجة لنا في التعرض لما لا دليل عليه ، ولا انه وقع الإجماع على اشتراط معرفة صفة الشئ المسلم فيه على وجه يتميز بتلك المعرفة عن غيره .
2 – وعن عبد الرحمن بن أبزي وعبد الله بن أبي أوفي قالا : كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم . وكان يأتينا انباط من أنباط الشام فنسلفلهم في الحنطة والشعير والزيت إلي أجل مسمي . قيل أكان لهم زرع أو لم يكن ؟ قالا : ما كنا نسألهم عن ذلك ” رواه أحمد والبخاري .
وفي رواية ” كنا نسلف على عهد النبي صلي الله عليه وأله وسلم وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر وما نراه عندهم ” رواه الخمسة إلا الترمذي .
3 – وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم : من اسلم في شئ فلا يصرفه إلي غيره ” رواه أبو داود وابن ماجة .
4 – وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم : من أسلف شيئاً فلا يشرط على صاحبه غير قضائه ، وفي لفظ ” من أسلف في شئ فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله ” رواهما الدار قطني .
وقد اختلف العلماء في جواز السلم جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا أمكن وجوده في وقت حلول الأجل .
فذهب إلي جوازه الجمهور وقالوا لا يضر انقطاعه قبل الحلول .
وقال ابو حنيفة : لا يصح ينقطع قبله بل لابد أن يكون موجوداً من العقد إلي المحل ، ووافقه الثوري والاوزاعي . ( نيل الاوطار ج 5 ص 342 – 347 ) .
واشترط أبو حنيفة والشافعي أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد فان تفرقاً قبل ذلك بطل العقد .
وقال مالك : يجوز أن يتأخر قبضه يومين وثلاثة وأكثر ما لم يكن ذلك شرطاً لأنه معاوضه لا يخرج بتأخير قبضه من أن يكون سلماً فأشبه ما لو إلي أخر المجلس .
( المغني ج 4 ص 334 ) .
( فصل ) وكل ما لين حرم النساء فيهما لا يجوز إسلام احدهما في الأخر لان السلم من شرطه النساء والتأجيل ، والذي ذكره الخرقي في انه لا يجوز النساء في العروض وهي إحدى الروايتين فعلي هذا لا يجوز إسلام بعضها في بعض . وقال ابن أبي موسي : لا يجوز أن يكون رأس مال السلم إلا عينا أو ورقا .
قال القاضي وهو ظاهر كلام أحمد قال ابن المنذر قيل لأحمد يسلم ما يوزن فيما يكال وما يكال فيما يوزن ؟ فلم يعجبه .
فعلي هذا لا يجوز أن يكون المسلم فيه ثمنا وهو قول أبي حنيفة لأنها لا تثبت في الذمة إلا ثمنا فلا يجوز أن تكون مثمنة .
وعلى الرواية التي تقول يجوز النساء في العروض يجوز أن يكون رأس المال عرضاً كالثمن سواء ويجوز إسلامها في الاثمان .
قال الشرف أبو جعفر يجوز السلم في الدراهم والدنانير وهذا مذهب مالك والشافعي لأنها تثبت في الذمة صداقاً فنثبت في الذمة سلماً كالعروض ولأنه لا ربا بينهما من حيث التفاضل ولا النساء فصح إسلام احدهما في الأخر كالعرض في العرض . ولا يصح ما قاله ابو حنيفة فانه لو باع دراهم بدنانير صح ولابد أن يكون احدهما مثمنا فعلي هذا إذا اسلم عرضا في عرض موصوف بصفاته فجاءه عند الحلول بذلك العرض بعينه لزمه قبوله على أحد الوجهين لأنه أتاه المسلم فيه على صفته فلزمه قبوله كما لو كان غيره .
( المغني ج 4 ص 338 )
قال ابن حزم ، السلم ليس بيعاً لان التسمية في الديانات ليست إلا لله عز وجل علي لسان رسوله صلي الله عليه وسلم وإنما سماه رسول الله صلي الله عليه وسلم السلف أو التسليف أو السلم .
– والبيع يجوز بالدنانير وبالدراهم حالا وفي الذمة غلي غير أجل مسمي وإلي ميسرة .
والسلم لا يجوز إلا إلي أجل مسمي ولابد .
– والبيع يجوز في كل متملك لم يأت النص بالنهي عن بيعه .
ولا يجوز السلم إلا في مكيل أو موزون فقط ولا يجوز في حيوان ولا مزروع ولا معدود ولا في شئ غير ما ذكرنا .
– والبيع لا يجوز فيما ليس عندك .
والسلم يجوز فيما ليس عندك .
– والبيع لا يجوز البتة إلا في شئ بعينه .
ولا يجوز السلم في شئ بعينه أصلا .
( المحلي ج 9 ص 105 – 115 ) .
· * *
ونري من هذا التخليص الذي قدمناه عن عقد السلم :
– السلع بيع موصوف في الذمة منضبط الصفات ولا يجوز في شئ بعينه .
– لا يشترط فيه الأجل ( رأي الشافعية ) .
– ولا يشترط وجود المسلم فيه في وقت السلم ( رأي الجهور ) .
– ولا يشترط قبض رأس مال السلم في مجلس العقد ( رأي مالك ) .
ثالثاً : ما يتعلق بالثمن أو العوض
ويندرج تحت هذه المجموعة عدة فئات :
أ – مبدأ المعارضة ذاته
نبحث أولاً :
10 – مبدأ تصنيف العقود على أساس المعاوضة .
11 – ثم نتناول حالة محددة هي حالة القرض .
10 – تصنيف العقود إلي عقود تبرع وعقود معارضة
لم يرد في هذا التصنيف نص .
وإنما هو من صنعة الفقهاء تسهيلاً للدراسة والمقارنة وقياس الشبيه على شبيهه .
وإنما وردت النصوص في النهي عن أخذ أجرة علي بعض الأعمال كتعليم القرآن وقراءته والأذان وغير ذلك من القرب والواجبات التي إنما تفعل لوجوبها فمن أخذ على شئ من ذلك أجراً فهو من الآكلين لأموال الغير بالباطل لأن الإخلاص شرط ومن أخذ الأجرة غير مخلص ( نيل الاوطار ج 6 ص 25 – 32 ) .
– عن عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلي الله عليه وسلم قال ” اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به ” رواه أحمد .
– وعن عمران بن حصين عن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال ” اقرؤوا القرآن واسألوا الله به فان من بعدكم قوماً يقرؤن ا لقرأن يسألون به الناس ” . رواه أحمد والترمذي .
– وعن أبي بن كعب قال ” عملت رجلا القرآن فأهدي لي قوساً فذكرت ذلك للنبي صلي الله عليه وأله وسلم فقال : إن أخذتها أخذت قوساً من نار فرددتها ” رواه ابن ماجة .
ولأبي داود وابن ماجة نحو ذلك من حديث عبادة بن الصامت قال النبي صلي الله عليه وسلم لعثمان ابن أبي العاص : لا تتخذ مؤذناً يأخذ على أذانه أجراً . ( نيل الأوطار ج6ص 35 – 32 والمغني ج6ص 139 – 143 ) .
– ومن هذا المنطق صنف الفقهاء العقود إلي عقود تبرع وعقود معاوضة ووضعوا تحت عقود التبرع ما جري العرف علي قيام الناس به تبرعاً من باب المروءة والشهامة كالكفالة وحوالة الدين والقرض الحسن والوديعة وكما استلزمت تطورات الحياة تفرغ بعض الناس وتخصصهم في تعليم القرآن وقراءته والأذان وإمامة الصلاة وتأليف الكتب وغير ذلك مما لم يكن يجوز تقاضي الأجر عليه ، وأصبح حرفة لمن يتفرع لها ويكتسب منها .
– كذلك تطورت أمور المعاملات وقامت مؤسسات متخصصة في تقديم خدمات مأجورة مما كان يقدم تبرعاً من باب المروءة والشهامة ، وأصبح بذلك تصنيف هذه العقود تحت عقود التبرع مخالفاً للواقع الذي يجري عليه تعامل الناس . وهذا يقتضي اعتبار هذه العقود المستحدثة عقود معاوضة وعدم إبطالها لمجرد وجود عوض مالي فيها خلافا لأصلها التاريخي التبرعي وبذلك يكون هناك نوعان من الكفالة : كفالة بأجر وكفالة بدون أجر ، ونوعان من الحوالة : حوالة بأجر وحوالة بدون أجر . . وهكذا .
وقد أثير الموضوع من زمن ليس بالقريب بخصوص أخذ أجرة على تعليم القرآن وقراءته والأذان وصدرت الفتاوي بجواز اخذ أجرة على كل ذلك لتغير الزمان وانقطاع ما كان معمولا به من وقف الأوقاف على القائمين بهذه الأعمال وصيرورتها مهنة يتكسب بها .
أما المعاملات المالية كالحوالة والكفالة والقرض والوديعة فلم يثر النقاش بشأنها إلا مؤخرا بعد أن أصبحت كذلك مهنة يتكسب بها وقامت مؤسسات متخصصة لهذ الغرض .
ومع ذلك نجد في كتب الفقه القديم إشارات تفيد في هذا الشأن
من ذلك ما ورد في باب الوديعة من بداية المجتهد ج 2 ص 401 :
واختلفوا من هذا الباب في فرع مشهور ، وهو فيمن أودع مالا فتعدي فيه واتجر به فربح فيه ، هل ذلك الربح حلال له أم لا ؟ فقال مالك والليث وأبو يوسف وجماعة : إذا رد المال طاب له الربح وإن كان غاصباً للمال فضلا عن أن يكون مستودعاً عنه .
وقال أبو حنيفة وزفر ومحمد بن الحسن :
يؤدي الأصل ويتصدق بالربح ،
وقال قوم : لرب الوديعة الأصل والربح ،
وقال قوم : هو مخير بين الأصل والربح ،
وقال قوم : البيع الواقع في تلك التجارة فاسد ، وهؤلاء هم الذين أوجبوا التصدق بالربح إذا مات .
فمن اعتبر التصرف قال : الربح للمتصرف ، ومن اعتبر الأصل قال : الربح لصاحب المال ولذلك لما أمر عمر رضي الله عنه ابنيه عبد الله وعبيد الله أن يصرفا المال الذي أسلفهما أبو موسي الأشعري من بيت المال ، فتجرا فيه فربحا ، قيل له : لو جعلته قراضا ، فأجاب إلي ذلك ، لأنه قد روي أنه قد حصل للعامل جزء ولصاحب المال جزء وان ذلك عدل .
* *
من المبادئ الإسلامية العامة النظرة الموضوعية إلي الأمور وعدم الاعتداد بالأشخاص وتعدد المقاييس في المسألة الواحدة .
وبل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون .
ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى .
إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .
ولا نظن أن علماءنا الإجلاء قد أباحوا أخذ الأجر علي تعليم القرآن – رغم النهي الشديد عن ذلك – لمجرد أنه أمر يتعلق بمعاشهم وأنهم لا يعممون القاعدة على المعاملات المالية التي تتعلق بمعاش غيرهم .
– أن قاعدة تغير الفتوى بتغير الزمان وهي أساس أباحة أخذ الأجر على تعليم القرآن قاعدة عامة تتسع للمعاملات المالية . كما اتسعت لتعليم القرآن بل أن تطبيقها على المعاملات المالية أولي من تطبيقها على القربات الدينية التي علل النهي عن أخذ أجرة عليها بأنها إنما تفعل لوجوبها وأن أخذ الأجر عليها مذهب للإخلاص فيها . . .
11 – كل قرض جر نفعاً فهو ربا
لم يثبت في هذه القاعدة شئ :
فقد أخرج البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ ” كل فرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا ” .
ورواه في السنن الكبري عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم .
ورواه الحرث عن أبي أسامة من حديث على عليه السلام بلفظ ” ان النبي صلي الله عليه وأله وسلم نهي عن قرض جر منفعة ” وفي رواية ” كل قرض جر منفعة فهو ربا ” وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك .
قال عمر بن زيد في المغني لم يصح فيه شئ ووهم أمام الحرمين والغزالي فقالا انه صح ، ولا خبرة لهما بهذا الفن . ( نيل الاوطار ج 5 ص 351 – بلوغ المرام ص 210 ) .
قال ابن حزم : وهدية الذي عليه الدين إلي الذي له عليه الدين حلال وكذلك ضيافته إياه ما لم يكن شئ من ذلك عن شرط ، فان كان شئ عن شرط فهو حرام .
وقال رداً على مخالفيه : ما قولهم انه سلف جر منفعة فكان ماذا ؟
أين وجدوا النهي عن سلف جر منفعة ؟ فليعلموا الآن أنه ليس في العالم سلف إلا وهو يجر منفعة وذلك انتفاع المسلف بتضمين ماله فيكون مضموناً تلف أو لم يتلف مع شكر المستقرض إياه وانتفاع المستقرض بمال غيره مدة ما فعلي قولهم كل سلف فهو حرام وفي هذا ما فيه . ( المحلي ج 8 ص 85 – 87 المسألة 1207 ) .
قال ابن قدامه وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف ولا فرق بين الزيادة في القدر أو في الصفة مثل أن يقرضه مكسرة ليعطيه صحاحاً أو نقداً ليعطيه خيراً منه ، وان شرط أن يعطيه إياه في بلد أخر وكان لحمله مؤنه لم يجز لأنه زيادة ، وأن لم يكن لحمله مؤنه جاز .
وكرهه الحسن البصري وميمون بن أبي شبيب وعبده بن أبي لبابه ومالك والاوزاعي والشافعي لأنه قد تكون في ذلك زيادة ( المغني ج4ص 361 – 363 ) والذي ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم هو استحباب رد ما هو أفضل من المثل المقترض :
– فعن أبي هريرة قال : كان لرجل على النبي صلي الله عليه وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال اعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال اعطوه فقال أوفيتني أوفاك الله فقال النبي صلي الله عليه وأله وسلم أن خيركم أحسنكم قضاء ” متفق عليه ” .
– وعن جابر قال أتيت النبي صلي الله عليه وأله وسلم وكان لي عليه دين فقضاني وزادني ” متفق عليه ” .
– وروي أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن أبي رافع قال : استلف رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم من أجل بكراً ، فجاءته ابل الصدقة فأمربي أن أقضي الرجل بكراً فقلت لم أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً فقال صلي الله عليه وسلم ” أعطه إياه فان خيركم أحسنكم قضاء ” .
– أما ما روي عن أنس ” وسئل الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه فقال قال رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم إذا أقرض أحدكم قرضاً فاهدي إليه أو حمله علي الدابة فلا يركبها ولا يقبله الا أن يكون جري بينه وبينه قبل ذلك ” رواه ابن ماجة ” . .
وما روي عن أنس عن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال : إذا أقرض فلا يأخذ هدية ” رواه البخاري في تاريخه ” .
يقول الشوكاني في نيل الاوطار ( ج 5 ص 350 ): حديث أنس في إسناده يحيي بن أبي اسحق الهنائي وهو مجهول وفي إسناده أيضا عتبة بن حميد الضبي وقد ضعفه أحمد والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف .
* *
قال الشوكاني : وفي حديث أبي هريرة جواز ردما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد ، وبه قال الجمهور .
وعن المالكية أن كانت الزيادة بالعدد لم يجز وان كانت بالوصف جازت .
ويرد عليهم حديث جابر المذكور في الباب فانه صرح بان النبي صلي الله عليه وأله وسلم زاده والظاهر أن الزيادة كانت في العدد . وقد ثبت في رواية البخاري إن الزيادة كانت قيراطا .
– وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقا .
– وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا إضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير لحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض وجابر بل هو مستحب قال المحاملي وغيره من الشافعية يستحب للمستقر ضان يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك يعني قوله ( إن خيركم أحسنكم قضاء )
( نيل الاوطار ج 5 ص 350 والمغني ج 4 ص 361 – 363 ) .
قال ابن حزم : فان تطوع عند قضاء ما عليه بأن يعطي أكثر مما أخذ أو أقل مما أخذ أو أجود مما أخذ أو أدني مما أخذ فكل ذلك حسن مستحب ومعطي أكثر مما اقترض وأجود مما أقترض مأجور ، والذي يقبل أدني مما أعطي أو أقل مما أعطي مأجور ، وسواء كان ذلك عادة أو لم يكن عن شرط . ( المحلي ج 8 ص 77 المسألة 1193 ) .
وقال عطاء : كان ابن الزبير يأخذ من قوم بمكة دراهم ثم يكتب لهم بها إلي مصعب بن الزبير بالعراق فيأخذونها منه فسئل عن ذلك ابن عباس فلم ير به بأساً .
وروي عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن مثل هذا فلم ير به بأساً وممن لم ير به بأساً ابن سيرين والنخعي والحسن بن علي وابن الزبير وعبد الرحمن بن الأسود وأبوب السختياني والثوري واسحق .
وذكر القاضي أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد ليوفيه في أخري ليربح خطر الطريق .
والصحيح جوازه لأنه مصلحة لهما من غير ضرر بواحد منهما والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها بل بمشروعيتها ، ولان هذا ليس بمنصوص على تحريمه ولا في معني المنصوص فوجب إبقاؤه على الإباحة .
( المغني ج 4 ص 360 )
والذي نراه في الموضوع :
– أن قاعدة كل قرض جر نفعاً فهو ربا لم يثبت فيها شئ ، فلا تعتبر إذن قاعدة .
– أن المستحب رد ما هو أفضل من المثل المقترض إذا كانت الزيادة بالعدد بشرط ألا يكون ذلك مشروطاً في العقد ، فان كانت مشروطة فتحرم ، أما مجرد العادة فلا بأس .
أما الزيادة في الصفة ولو كانت مشروطة كالقضاء في بلد أخر لتحمل مؤنه الطريق وخطوه فلا بأس بها .
ب – مبدأ تحديد الثمن ( أو العوض ) وضبطه
ونستعرض تحت هذه الفئة :
12 – ما ورد في النهي عن بيعتين في بيعة .
13 – وما ورد في النهي عن بيع الكالئ بالكالئ .
– أما النهي عن التسعير فرغم تعلقه بهذا الباب الا أننا سنتناوله تحت الفئة التالية الخاصة بعدالة الثمن لارتباطها الوثيق بذلك .
12 – النهي عن بيعتين في بيعة وعن صفقتين في
صفقة
أولاً – في الباب حديثان : أحدهما عن أبي هريرة والثاني عن ابن مسعود .
– وقد ورد حديث أبي هريرة بلفظين :
1 – احدهما رواه أبو داود وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد . ونصه : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا .
2 – والمشهور ما رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه ونصه ” نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة .
3 – وحديث ابن مسعود : عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : ” نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة : قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسأ بكذب وهو بنقد بكذا وكذا .
رواه أحمد .
أورد الحافظ الحديث في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات . وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط .
أ – فسره سماك بما رواه المصنف عن أحمد عنه وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال : بأن يقول بعتك بألف نقداً أو الفين إلي سنة فخذ أيهما شئت وشئت أنا .
ونقل ابن الرفعة عن القاضي أن المسألة مفروضة على انه قبل على الإبهام ، أما لو قال قبلت بألف نقداً أو بألفين نسيئة صح ذلك .
ب – وقد فسر ذلك الشفعي بتفسير أخر فقال : هو أن يقول بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك بكذا أي إذا وجب لك عندي وجب لي عندك وهذا يصلح تفسيرا للرواية الأخري من حديث أبي هريرة لا للأولي فأن فله أوكسهما يدل على أنه باع الشئ الواحد بيعتين بيعة بأقل وبيعة بأكثر .
ج – وقيل في تفسير ذلك هو أن يسلفه ديناراً في قفيز حنطة إلي شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال : يعني القفيز الذي لك على إلي شهرين بقفيزين فسار ذلك بيعتين في بيعة لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه اوكسهما وهو الأول كذا في شرح السنن لأبن رسلان .
والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشئ الواحد بثمنين ، والتعليق بالشرط المستقبل في صورة بيع هذا على أن يبيع منه ذاك ولزوم الربا في صورة القفيز الحنطة . ( انظر نيل الاوطار ج 5 ص 151 – 153 ) .
ثانيا ً : كما وردت أحاديث في بعض معاني هذا الباب دون تصريح بالبيعتين في بيعة :
1 – فقد روي أبو داود والترمذي وصححه النسائي وابن ماجة عن عمرو بن شعيب أبيه عن جده قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك ” ( نيل الاوطار ج 5 ص 253 ) .
2 – ومنها ما روي عن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث عتاب بن أسيد إلي مكة وقال : ” أنهم عن شرطين في بيع ، وعن بيع وسلف وعن بيع مالم يقبض ، وعن ربح ما لم يضمن ( السرخسي في المبسوط ج 14 ص 36 ) .
3 – وقد اخرج أبو داود حديثاً مماثلاً في المعني رواه عمرو بن العاص مرفوعاً .
( بداية المجتهد ج 2 ص 133 ) .
وقد أردف صاحب المبسوط روايته
لحديث عتاب بقوله : ” وبه ( أي بالحديث ) نأخذ . وصفة الشرطية في البيع أن يقول : بالنقد كذا وبالسيئة بكذا ، وذلك غير جائز . والبيع مع السلف أن يبيع منه شيئاً ليقرضه أو يؤجله في الثمن ليعطيه على ذلك ربحاً ” .
1 – ونخلص من جميع ما تقدم في النهي عن بيعتين في بيعة أو صفقتين في صفقة أو شرطين في بيع إلي اختيار الرأي الذي ذهب إليه الشوكاني وهو أن علة التحريم هي عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشئ الواحد بثمنين احدهما نقداً والأخر نسيئة وترك الأمر معلقاً بين الثمنين دون أن يختارا أي الثمنين صار عليه الاتفاق ، وهذا ما ذهب إليه سماك والشافعي وابن الرفعة عن القاضي .
وفي حالة حدوث ذلك فلا يحل للبائع ألا أقل الثمنين وألا كانت الزيادة ربا بنص حديث أبي هريرة رواية أبي داود .
– أما ما قد يفهم من كلام المبسوط من عدم جواز زيادة الثمن مقابل تأجيل الدفع فغير وارد وسنعود إلي هذا الموضوع في مبحث قادم ان شاء الله .
2 – كما نخلص من النهي عن سلف وبيع أنه النهي عن الاحتيال على الربا في القرض بالجمع بين القرض وبيع شئ مع المحاباة في ثمنه مقابل القرض . فاستقلال كل من القرض والبيع أدعي إلي التنزه عن شبهة الربا وإلي انضباط الثمن في البيع .
13 – بيع الكالئ بالكالئ ( بيع الدين بالدين )
ورد فيه فيه حديثان :
الأول : عن ابن عمر ” أن النبي صلي الله عليه واله وسلم نهي عن بيع الكالئ بالكالئ ” رواه الدار قطني .
وقد صححه الحاكم على شرط مسلم وتعقب بأنه تفرد به موسي ابن عبيده الربذي كما قال الدار قطني وابن عدي .
وقد قال فيه أحمد لا تحل الراوية عنه عندي ولا أعرف هذا الحديث عن غيره وقال ليس في هذا أيضا حديث يصح ولكن إجماع الناس علي أنه لا يجوز بيع دين بدين .
وقال الشافعي أهل الحديث يوهنون هذا الحديث .
ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن رافع ابن خديج ” أن النبي الله صلي الله عليه وأله وسلم نهي عن بيع كالئ بكالئ دين بدين ” ولكن في إسناده موسي المذكور فلا يصلح شاهدا .
الثاني : عن ابن عمر قال ” أتيت النبي صلي الله عليه وأله وسلم فقلت أني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وأخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير فقال لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شئ ” رواه الخمسة . وفي لفظ بعضهم ” أبيع بالدنانير وأخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وأخذ مكانها الدنانير ” .
والحديث صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقي وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعاً ألا من حديث سماك بن حرب وذكر انه روي عن ابن عمر موقوفا . وأخرجه النسائي موقوفا عليه أيضاً .
قال البيهقي والحديث تفرد برفعه سماك بن حرب وقال شعبة رفعه لنا سماك وأنا أفرقه .
قوله ” لا بأس ” الخ فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيرة ، وظاهره أنهما غير حاضرين جميعاً بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما في الذمة كالحاضر . ( نيل الاوطار للشوكاني ج 5 ص 254 – 255 )
· * *
والواضح من الحديث الثاني انه لا يتعلق ببيع دين بدين إذ أن احد البدلين حاضر بدليل قوله ” وأخذ ” وإجازة الرسول صلي الله عليه وسلم لها بالشروط التي أوردها إنما تتصرف إلي حالة حضور أحد البدلين . فهل يستدل من هذا الحديث بمفهوم المخالفة انه لا يجوز إذا كان كلا البدلين دينا ؟ تدل عبارة الحديث على ذلك .
ويبقي الحديث الأول الصريح في النهي عن بيع الدين بالدين وقد قال فيه المحدثون ما قالوا وتبقي كذلك دعوي إجماع الناس علي ذلك كما قال أحمد .
· * *
وعلي فرض صحة النهي عن بيع الدين بالدين فلا ينطبق ذلك على حالة بيع الدين نقداً بل أن الحديث الثاني بحيزها صراحة .
وخلاصة ما نذهب إليه في هذا الموضوع :
1 – يجوز صراحة بنص الحديث الثاني بيع الدين نقداً .
2 – لا تدل عبارة الحديث الثاني بطريق مفهوم المخالفة على عدم جواز بيع الدين بالدين .
والحديث الأول الصريح في منع بيع الدين بالدين قد ضعفه العلماء .
· * *
ونختم بإيراد مسألة في الصرف متفرعة عن هذا الموضوع اختلف فيها العلماء اختلافا جوهريا يدل على مدي اللبس في فهم حكم الشرع في هذا الموضوع .
الصرف
واختلفوا في الرجلين يكون لأحدهما على صاحبه دنانير وللأخر عليه دراهم ، هل يجوز أن يتصارفاها وهي في الذمة ؟
1 – فقال مالك : ذلك جائز إذا كانا قد حلا معا .
2 – وقال أبو حنيفة يجوز في الحال وفي غير الحال .
3 – وقال الشافعي والليث : لا يجوز ذلك حلا أو لم يحلا .
وحجة من لم يجزه أنه غائب بغائب ، وإذا لم يجز غائب بناجز كان أحري أن لا يجوز غائب بغائب .
وأما مالك فأقام حلول الأجلين في ذلك مقام الناجز بالناجز ، وإنما اشترط أن يكونا حالين معا ، لئلا يكون ذلك من بيع الدين بالدين .
( بداية المجتهد ج2 ص 255 )
ج – مبدأ عدالة الثمن
ونبحث تحت هذه الفئة موضوعين :
14 – موضوع التعسير والاحتكار وتلقي الركبان .
15 – موضوع الغبن .
14 – التسعير والاحتكار وتلقي الركبان
أولاً : ورود النبي عن التعسير في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد أبو داود والترمذي وابن ماجة والدرامي وأبو يعلي والبيهقي والطبراني :
غلا السعر على عهده صلي الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله سعر لنا ، فقال : أن الله مر المسعر القابض الباسط الرازق ، وأبي لأرجو أن القي الله وليس أحد منكم يطالبني بمظمة في دم ولا مال . ( غاية المرام للألباني ص 194 والمغني ج 4 ص 44 ، 45 ونيل الاوطار ج 5ص 334 – 335 ) .
ولا يعني النهي عن التسعير ترك الإثمان غير منضبطة ، فقد قدمنا في البحث السابق اهتمام المشرع بضبط الأثمان .
وإنما يعني أن يترك تحديد الأثمان لعوامل العرض والطلب في السوق وهو المبدأ المعروف في الاقتصاد .
وهذا يعني أن الشريعة الإسلامية لا تري الأخذ بمبدأ الثمن ” العادل ” الذي تحدده السلطة العامة سواء بتحديد الثمن أو بتحديد نسبة الربح الذي يضاف إلي التكلفة .
وبالتالي فلا محل لفكرة الربح ” الفاحش ” حتى لو تجاوز سعر البيع التكلفة أضعافا كثيرة طالما أن قانون العرض والطلب يعمل بحرية في ظروف السوق .
ثانياً : ومن هنا كان تحريم الاحتكار كذلك لكسر أي قيد على سريان قانون العرض والطلب وقد ورد في النهي عن الاحتكار حديث صحيح هو ما رواه سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : لا يحتكر إلا خاطئ . أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والدارمي وابن ماجة وأحمد ( غاية المرام ص 195 ).
كما وردت عدة أحاديث أخري ضعيفة ( غاية المرام ص 194 – 197 ، المحلي ج 9 ص 64 ، المغني ج 4ص 46 ، 47 ، 282 ،283 حيث وردت تفاصيل شروط الاحتكار المحرم ونيل الاوطار ج 5 ص 335 – 338 ) .
ثالثاً : وحتى تكتمل عوامل حرية تكوين السعر في السوق وفقاً لقانون العرض والطلب ، فقد ورد النهي عن تلقي الركبان أي انتظار قوافل التجارة خارج أسوار البلد والشراء منها قبل أن يعرف أصحاب القوافل ظروف السوق التي يردون عليها ويتحدد السعر بين البائع والمشتري وكلاهما على علم بهذه الظروف .
– عن ابن مسعود قال : نهي النبي صلي الله عليه وأله وسلم عن تلقي البيوع . متفق عليه .
–وعن أبي هريرة قال نهي النبي صلي الله عليه وأله وسلم أن يتلقي الجلب فان تلقاه إنسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق . رواه الجماعة إلا البخاري .
– وعن ابن عمر قال : نهي النبي صلي الله عليه وأله وسلم أن يبيع حاضر لباد رواه البخاري والنسائي .
– وعن جابر أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال : لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض . رواه الجماعة إلا البخاري .
– وعن انس قال : نهينا أن يبيع حاضر لباد وان كان أخاه لأبيه وأمه . متفق عليه .
– ولأبي داود والنسائي : أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم نهي أن يبيع حاضر لباد وان أباه وأخاه .
– وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم لا تلقوا الركبان ولا بيع حاضر لباد فقيل لابن عباس ما قوله لا بيع حاضر لباد قال : لا يكون له سمساراً .
( رواه الجماعة إلا الترمذي ) ( نيل الاوطار ج 5 ص263 – والمحلي ج8 ص 449 – 457 والمغني ج 4 ص 43 ، 44 ، 77 ، 78 ، 281 ، 282 ) .
15 – الغبن
فإذا تحدد السعر بين البائع والمشتري بحرية كما سبق البيان فهذا هو السعر ” العادل ” الذي تحترمه الشريعة .
أما إذا شاب تحديد السعر جهل أحد الطرفين بظروف السوق أو السلعة مما أدي إلي وقوعه في غبن ، فهنا تتدخل الشريعة لعلاج هذا الوضع .
خيار الغبن
والغبن قد يكون بالنسبة للبائع كأن يبيع خمسة بثلاثة .
وقد يكون بالنسبة للمشتري كأن يشتري ما قيمته ثلاثة بخمسة .
فإذا باع الإنسان أو اشتري وغبن كان له الخيار في الرجوع في البيع وفسخ العقد بشرط أن يكون جاهلا ثمن السلعة ، ولا يحسن المماكسة لأنه يكون حينئذ مشتملا على الخداع الذي يجب أن يتنزه عنه المسلم .
فإذا حدث هذا كان له الخيار بين إمضاء العقد أو إلغائه .
ولكن هل يثبت الخيار بمجرد الغبن ؟
قيده بعض العلماء بالغبن الفاحش ؟
وقيده بعضهم بأن يبلغ ثلث القيمة وقيده البعض بمجرد الغبن .
وإنما ذهبوا إلي هذا التقييد لان البيع لا يكاد يسلم من مطلق الغبن .
ولان القليل يمكن أن يتسامح به في العادة . وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : لا رجوع للبائع ولا للمشتري بالغبن في البيع كثر أو قل .
وذكر ابن القصار عن مالك أن البيع إذا كان فيه الغبن مقدار الثلث فأنه يرد .
أما ابن حزم فيفرق بين حالة ما إذا اشترط البائع أو المشتري السلامة ولم يعلم المغبون بالغبن فالبيع باطل مفسوخ وليس للمغبون إجازته ألا بابتداء عقد ، وبين حالة ما إذا لم يشترط السلامة ولم يعلم المغبن بالغبن فله إنفاذ البيع أو رده . ( المغني ج 4 ص 77 ، 78 ، 281 ، 282 – المحلي ج 8 ص 439 – 444 ، ج 9 ص 65 ) .
ونصت مجلة الأحكام العدلية في المادة 165 على أن ” الغبن الفاحش : على قدر نصف العشر في العروض ( 5 % ) والعشر في الحيوانات ( 10 % ) والخمس ( 20 % ) في العقار أو زيادة .
والذي نختاره : إن الغبن يقيد بالعرف والعادة ، فما اعتبره العرف والعادة غبناً ثبت فيه الخيار ، وما لم يعتبراه لا يثبت فيه .
د – النهي عن الربح في بعض المعاملات استثناء من مبدأ حرية تحديد الثمن بالغا ما بلغ الربح الذي يتضمنه بالشروط التي أسلفنا الحديث عنها ، فقد وردت استثناءات على مبدأ استحقاق الربح ذاته ، وستتناول ذلك على النحو التالي :
16 – النهي عن ربح ما لم يضمن .
17 – النهي عن ربا الجاهلية .
18 – النهي عن ربا الفضل .
16 – النهي عن ربح ما لم يضمن
– روي ابو داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجة عن عمرو بن شعب عن أبيه عن جده قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك : . ( نيل الاوطار ج 5 ص 253 ) .
– كما عللت الأحاديث الواردة في باب النهي عن البيع قبل القبض بأنها من باب ربح ما لم يضمن لأن البائع الثاني يكون في حالة هلاك المبيع وتحمل البائع الأول تبعة الهلاك قد ربح في شئ لم يتحمل فيه تبعة الخسارة .
( تراجع أحاديث ذلك الباب تحت رقم 6 من هذا البحث )
– وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ” الخراج بالضمان ” رواه الخمسة وضعفه البخاري وابو داود وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن القطان ( بلوغ المرام ص 299 ) .
– قاعدة : الغرم بالغنم .
هذه النصوص تؤكد قاعدة هامة هي ضرورة تحمل المخاطر كشرط لاستحقاق الربح .
وهذا يرد بطبيعة الحال في ربح المال فقط .
أما ربح العمل فهو الأجر ولا يشترط لاستحقاقه تحمل المخاطرة لانه نظير الجهد الذي يبذله الأجير .
ومسألة المخاطرة riskتتراوح ضعفاً وشدة ويمكن أن نصورها بنسب مئوية من صفر إلي مائة في المائة .
فما كان المخاطرة فيه صفراً في المائة فهو الربح المتحقق بلا أدني مخاطرة وهو الممنوع شرعاً بمقتضي النصوص سالفة الذكر .
وما كانت المخاطرة فيه مائة بالمائة فهو المقامرة وأشبهها من أنواع المغامرة Speculationكالرهان والقمار الممنوعة كذلك شرعاً .
وبين نوعين تتراوح المخاطرة ” المباحة ” بين 1 % ، 99 % .
وكلما ابتعدت المخاطرة عن حدي المنع ( صفر بالمائة ، 100 % ) كانت بمنأي عن الوقوع تحت طائلة النهي .
ويبقي بعد ذلك أن تختار المستثمر درجة المخاطرة التي يريد أن يتعرض لها ، وبطبيعة الحال فكلما زادت المخاطرة زاد الربح وكلما قلت المخاطرة قل الربح .
17 – تحريم ربا الجاهلية
جاءت نصوص القرآن بتحريم ربا الجاهلية تحريماً قاطعاً .
وقد حاول بعض المتأخرين قصر التحريم في الربا على حالة الأضعاف المضاعفة أي الفائدة المركبة دون الفائدة البسيطة كما حاول البعض الأخر قصر تحريم على الربا في حالة القروض الاستهلاكية دون القروض الإنتاجية .
– وقد رد عليهم آخرون بما يغنينا عن مناقشة هذه المسألة هنا فنحيل إلي ما كتبوا .
– ونقرر أن فهمنا لتحريم الربا يشمل الفائدة البسيطة والقروض الإنتاجية .
– ويهمنا أن نوضح أننا نفهم هذا التحريم في إطار فهمنا لقاعدة النهي عن ربح ما لم يضمن ( رقم 16 ) ولحرص الإسلام على الاحتفاظ للنقود بوظيفتها النقدية على حساب وظيفتها كسلعة ( رقم 18) .
فالنقود وحدها لا تحقق ربحاً وغير قابلة للنهاء ، بل إنها قابلة للنقصان بأخذ الزكاة منها .
ولكنها بتعاونها مع العمل يحق لها ان تقتسم معه الربح كما في المضارية . . .
– أما الربح والنماء فيأتي من عملية إنتاجية مباشرة في مجال الزراعة أو التجارة أو الصناعة . . الخ .
وبتحويل النقود إلي سلعة تدخل مجال الإنتاج وتحقق ربحاً كما في البيع والإيجار . .
أما الاقتصار على الاحتفاظ بها نقداً سائلاً أو ديناً في ذمة آخرين فلا يحقق بذاته ربحاً أو نماء . .
وهذا يستبعد تماماً النشاط المالي بمفهومه المعاصر أي تحقيق ربح مقابل إقراض مال .
18 – النهي عن ربا الفضل
إلي جانب ربا الجاهلية الذي حرمه القرآن وأسلفنا الحديث عنه والمتعلق بالقروض ، يوجد نوعان من الربا يتعلقان بالبيوع انفردت السنة بالنهي عنهما هما ربا الفضل وربا النسيئة .
وبعض الأحاديث مشتركة بينهما وبعضها مختص بكل منهما ، لذلك سنورد نصوص الربا بنوعيه أولاً نتبعها بمناقشة ربا الفضل ، ونرجئ مناقشة ربا النسيئة حتى المبحث التالي .
باب ما يجري فيه الربا
1 – عن أبي سعيد قال ” قال رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منهما غائباً بناجز ” متفق عليه وفي لفظ ” الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربي الأخذ والمعطي فيه سواء ” رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ ” لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء ” رواه أحمد ومسلم .
2 – وعن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال ” الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل ” رواه لأحمد ومسلم والنسائي .
3 – وعن أبي هريرة أيضاً عن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال ” التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يداً بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربي إلا ما اختلفت ألوانه ” رواه مسلم .
4 – وعن فضالة بن عبيد عن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال ” لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن ” رواه مسلم والنسائي وأبو داود .
5 – وعن أبي بكرة قال ” نهي النبي صلي الله عليه وأله وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا ” أخرجاه وفيه دليل على جواز الذهب بالفضة مجازفة .
6 – وعن عمر بن الخطاب قال ” قال رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم الذهب بالورق ربا الاهاء وهاء والبر بالبر ربا الاهاء وهاء والشعير بالشعير ربا الاهاء وهاء والتمر بالتمر ربا الاهاء وهاء ” متفق عليه .
7 – وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال ” الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يداً بيد ” رواه أحمد ومسلم وللنسائي وابن ماجه وأبي داود نحوه وفي أخره ” وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يداً بيد كيف شئنا ” وهو صريح في كون البر والشعير جنسين .
8 – وعن معمر بن عبد الله قال ” كنت اسمع النبي صلي الله عليه وأله وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثل وكان طعامنا يومئذ الشعير ” رواه أحمد ومسلم .
9 – وعن الحسن عن عبادة وانس بن مالك ” أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعاً واحداً وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس به ” رواه الدارقطني .
10 – وعن أبي سعيد وأبي هريرة ” أن رسول الله صلي الله عليه وأله وسلم استعمل رجلا على خبير فجاءهم بتمر جنيب فقال أكل تمر خبير هكذا قال أنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنبياً وقال في الميزان مثل ذلك ” رواه البخاري .
الحديث أخرجه أيضا مسلم
* *
( واعلم ) انه قد اختلف هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة في الأحاديث غيرها فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل والنساء مع الاتفاق في الجنس وتحريم النساء فقط مع الاختلاف في الجنس والاتفاق في العلة فقالت الظاهرية انه لا يلحق بها غيرها في ذلك . وذهب من عداهم من العلماء إلي أنه يلحق بها ما يشاركها في العلة ثم اختلفوا في العلة ما هي فقال الشافعي هي الاتفاق في الجنس والطعم فيما عدا النقديين وأما هما فلا يلحق بهما غيرهما من الموزونات واستدل على اعتبار الطعم بقوله صلي الله عليه وأله وسلم ” الطعام بالطعام ” .
– وقال مالك في النقدين كقول الشافعي وفي غيرهما العلة الجنس والتقدير والاقتيات وقال ربيعة بل اتفاق الجنس ووجوب الزكاة . وقالت العترة جميعاً بل العلة في جميعها اتفاق الجنس والتقدير بالكيل والوزن واستداوا على ذلك بذكره صلي الله عليه وأله وسلم المكيل والوزن في أحاديث الباب . ويدل على ذلك أيضاً حديث أنس المذكور فانه حكم فيه على كل موزون مع اتحاد نوعه وعلى كل مكيل كذلك بأنه مثل بمثل فاشعر بان الاتفاق في أحدهما مع اتحاد النوع موجب لتحريم التفاضل بعموم النص لا بالقياس وبه يرد على الظاهرية لأنهم إنما منعوا من الإلحاق لتفيهم للقياس . ومما يؤيد ذلك ما في حديث أي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال في الميزان مثل ما قال في المكيل وإلي مثل ما ذهبت إليه العترة ذهب أبو حنيفة وأصحابه كما حكي ذلك عنه المهدي في البحر وحكي عنه انه يقول العلة في الذهب الوزن وفي الأربعة الباقية كونها مطعومة موزونة أو مكيلة ( والحاصل ) انه قد وقع الاتفاق بين من عدا الظاهرية بأن جزء العلة الاتفاق في الجنس واختلفوا في تعيين الجزء الأخر على تلك الأقوال ولم يعتبر أحد منهم العدد جزءاً من العلة مع اعتبار الشارع كما في رواية من حديث أبي سعيد ” ولا درهمين بدرهم ” وفي حديث عثمان عند مسلم ” لا تبيعوا الدينار بالدينارين ” نيل الاوطار ج5ص 297 – 303 والمحلي ج 8 ص 467 – 518 .
يقول ابن حزم : والربا لا يكون إلا في بيع أو قرض أو سلم .
وهذا ما لا خلاف فيه من أحد لأنه لم تأت النصوص إلا بذلك وإلا حرام إلا ما فصل تحريمه قال الله تعالي ( خلق لكم ما في الأرض جميعا ) وقال تعالي ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم ) .
–والربا لا يجوز في البيع والسلم إلا في سنة أشياء فقط : في التمر والقمح والشعير والملح والذهب والفضة .
–وهو في القرض في كل شئ . فلا يحل إقراض شئ ليرد إليك أقل أو أكثر ولا من نوع أخر أصلا لكن مثل ما أقرضت في نوعه ومقداره وهذا إجماع مقطوع به .
– والفرق بين البيع والسلم وبين القرض هو أن البيع والسلم يكونان في نوع بنوع أخر وفي نوع بنوعه ، ولا يكون القرض إلا في نوع بنوعه ، ولا يكون القرض إلا في نوع بنوعه ولابد .
– والذي ذكرنا من وقوع الربا في الأنواع الستة المذكورة في البيع والسلم فهو إجماع مقطوع به . وما عدا الأنواع المذكورة فمختلف فيه أيقع فيه الربا أم لا . ( المحلي ج 8 ص 467 ، 468 ) .
– ونحن نختار رأي الظاهرية في عدم إلحاق أصناف أخري بهذه الأصناف الستة في الحكم لا على أساس نفي القياس كدليل شرعي كما تذهب الظاهرية وإنما على أساس أن الخلاف بين الفقهاء في تحديد العلة التي يتم القياس على أساسها قد بلغ من التفاوت حدا لا يمكن معه الاطمئنان إلي علة بذاتها ، ويكون الاقتصار على هذه الأصناف الستة أولي من تحريم غيرها بالقياس عليها دون دليل قطعي يطمأن إليه .
– ومع ذلك فلنا في فهم حكمة تحريم ربا الفضل رأي نلخصه فيما يلي :
ان تحريم التفاوت في مبادلة الأصناف بعضها ببعض – مع ما قد يكون بينها من فروق في القيمة مبنية على فروق في الصفة تبرر هذا التفاوت – إنما قصد به – والله أعلم – الحرص على ضبط الثمينة بنسبة كل جنس إلي النقود لا إلي النقود لا إلي جنس المراد مبادلته به ، وذلك واضح من الحديث العاشر الذي أمر فيه الرسول صلي الله عليه وسلم بتوسيط النقود بين البدلين .
وتتأكد هذه الحكمة في النقدين فأن تحريم التفاوت في مبادلة الذهب بالذهب أو الفضة بالفضة ، وإهدار ما قد يكون في بعضها من قيمة زائدة نتيجة الصياغة في الذهب والفضة مثلا إنما قصد به تأكيد وظيفتها النقدية على حساب وظيفتها كسلعة .
أما مبادلة الفضة بالذهب فالتفاوت طبيعي وجائز لاختلاف قيمة المعدنين كما دل على ذلك الحديث الخامس .
– ورغم أن النقود كانت معروفة قبل الإسلام بزمن طويل إلا أن المقايضة بين السلع كانت تتم جنباً إلي جنب مع البيع والشراء مقابل النقود .
فأرادت الشريعة دفع عجلة التطور في اتجاه الاقتصار على استعمال النقود كوحدة لقياس القيمة والقضاء على عادة المقايضة لما فيها من عدم ضبط القيم محل المقايضة .
– ولا تكاد تمثل قاعدة تحريم التفاوت في مبادلة الأصناف الأربعة صعوبة تذكر في مجال المعاملات المالية الحديثة ، إذ الحل السهل – والذي قصد إليه المشرع في رأينا – هو اللجوء إلي النقود كواسطة للتبادل .
– أما في حالة النقدين الذهب والفضة فان تحريم التفاوت في مبادلة كل منها بجنسه تحتاج إلي بعض الأمثلة لتوضيح الحكم وسنضرب الأمثلة من الذهب ويمكن ضرب مثلها من الفضة :
المثال الأول : مبادلة قطعة نقود ذهبية من فئة الدينار بقطعتين من فئة النصف دينار : جائز شرعاً وحادث عملاً .
المثال الثاني : مبادلة كيلو ذهب سبيكة أن تبر بكيلو نقود ذهبية . جائز شرعاً ومتصور عملاً .
المثال الثالث : مبادلة كيلو ذهب سبيكة أو تبر بكيلو ذهب مشغول ( مصاغ مثلا ) : جائز شرعاً وغير متصور عملاً لتفاوت القيمة نتيجة الصياغة .
المثال الرابع : مبادلة كيلو ذهب مشغول ( مصاغ مثلا ) بكيلو نقود ذهبية : جائز شرعاً وغير متصور عملا لتفاوت القيمة نتيجة الصياغة .
والفرض في الأمثلة الأربعة هو التساوي في الوزن ( والعيار جزء من الوزن ) .
والمثالان الثالث و الرابع حيث لا يتصور حدوثهما عملا يمكن حدوثهما عملا إذا لم يشترط التساوي في الوزن وهذا هو المحرم شرعاً حرصاً على ضبط الثمينة كما أشرنا من قبل .
ويكون الحل الشرعي هو توسيط النقد الأخر وهو الفضة على النحو التالي :
في المثال الثالث : مبادلة كيلو ذهب سبيكة أو تبر بعشرة أو عشرين أو أكثر أو أقل ( حسب سعر المعدنين ) من الفضة ثم مبادلة كيلو الذهب المشغول ( المصالح مثلا ) بما يساويه قيمة من هذه الفضة – وهنا يحدث الضبط في تقييم الذهب المشغول .
وفي المثال الرابع : مبادلة كيلو ذهب مشغول ( مصاغ مثلا ) بعشرة أو عشرين أو أكثر أو أقل ( حسب سعر المعدنين ) من الفضة ، ثم مبادلة هذه الفضة بما تساويه قيمة من النقود الذهبية . وهنا أيضا يحدث الضبط في تقييم الذهب المشغول .
ه – مما يتعلق بأجل دفع الثمن أو العوض
ونبحث تحت هذه الفئة عدة أمور :
19 – النهي عن تأجيل دفع الثمن أو العوض في بعض الأنواع ( ربا النسيئة ) .
20 – جواز زيادة الثمن نظير تأجيل الدفع .
21 – جواز الحط من الثمن نظير تعجيل الدفع . . ” أوضعوا وتعجلوا ” .
22 – أنظار المدين المعسر ، ومطل الغني ظلم .
19 – ربا النسيئة
نشير هنا إلي النصوص الخاصة بالربا التي أوردناها في المبحث السابق ، ويؤكد علي رأينا السابق شرحه في عدم إلحاق أصناف أخري بالأصناف الستة في الحكم .
أولاً : مبادلة صنف من الأصناف الأربعة بأحد النقدين ( الذهب والفضة ) :
حرمت السيئة هنا لحديث عبادة بن الصامت ( السابع ) لا حرصاً على انضباط الإثمان إذ الانضباط قائم طالما أن الثمن بالنقود ، ولا تجنبا لزيادة الثمن مقابل تأجيل دفعه إذ تحريم النسيئة قائم حتى لو تساوي ثمن السلعة الحاضر بثمنها المؤجل – وإنما بصفة أساسية حرصا على استبعاد التعامل بالدين في أقوات الناس ودفع الأفراد والحكومات إلي توفير الحد الأدنى من الدخول اللازمة لحصول الناس على أقواتهم اليومية دون الوقوع في التعامل بالدين في هذه الأصناف .
ثانياً : مبادلة صنف من الأصناف الأربعة بنفس جنسه أو بأحد الأصناف الثلاثة الأخرى : حرمت النسيئة هنا بالإضافة إلي ما سبق تجنباً لان تكون الفروق في القيمة بين البدين – نتيجة اختلاف الصفة – تعويضاً عن تأجيل تسليم البدل الأخر .
وفي هذا التحريم – القاصر على هذه الأصناف في رأينا – استثناء من جواز تقاضي مقابل عن تأجيل دفع الثمن أو العوض في غير هذه الأصناف كما سنري في المبحث القادم .
ثالثاً : مبادلة الذهب بالفضة سواء كان أحدهما قيما أو كانا من المثليات :
حرمت النسيئة هنا بسبب أن تسليم نقد حاضر مقابل نقد أجل مخالف في الجنس يحتمل أن يشتمل على زيادة مقابل الأجل ، وهذا هو عين ربا القرض الجاهلي الذي حرمه القرآن .
رابعاً : مبادلة الذهب بالذهب ( أو الفضة بالفضة ) إذا كان أحد البدلين من القيميات : حرمت النسيئة هنا لاحتمال أن يكون فرق القيمة – نتيجة أن احدهما الحاضر سبيكة والأخر الأجل مشغول مثلا مقابل تأجيل الدفع .
خامساً : أما في حالة مبادلة ذهب سبيكة بذهب سبيكة أو ذهب تبر بذهب تبر أو نقود ذهبية بنقود ذهبية ( أو فضة سبيكة أو تبر أو نقود بفضة سبيكة أو تبر أو نقود ) فان هذه المبادلة لكونها بين مثليات لا تعتبر في حالة النسيئة بيعاً ، بل هي قرض يرد مثله عند حلول الأجل دون زيادة في الوزن ( مع اشتراط التساوي في العيار وباقي الصفات التي تجعله من المثليات ) .
وهذه الحالة الخامسة – رغم دخولها في عموم النصوص الخاصة بتحريم ربا النسيئة – إلا أنها مفردة بحكم الجواز جمعاً بين النصوص الخاصة بالقرض والنصوص الخاصة بربا النسيئة .
20 – زيادة الثمن نظير زيادة الأجل
إذا استثينا الأصناف الستة التي لا يجوز فيها تأجيل أحد البدلين كما سبق البيان ، فان باقي السلع يجوز فيها تأجيل دفع الثمن .
والبحث الذي يثور هنا – في حالة تأجيل دفع الثمن – يتعلق يجواز أن يكون الثمن في حالة التأجيل أعلي منه في حالة الدفع الفوري .
وقد ذهب إلي الجواز الأحناف والشافعية وزيد بن على والمؤيد بالله وجمهور الفقهاء لعموم الأدلة القاضية بجوازه ورجحه الشوكاني الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل .
( فقه السنة ج 3 ص 43 ، نيل الاوطار ج 5ص 249 – 250 ) .
ونحن نأخذ برأي الجمهور في هذه المسألة .
21 – جواز الحط من الثمن نظير تعجيل الدفع أو ” ضعوا وتعجلوا “
إذا كان الثمن أو الدين مؤجلاً ، يثور البحث عن جواز وضع قدر من الثمن أو الدين نظير التعجيل بالقضاء قبل الأجل المتفق عليه .
– كره ذلك زيد بن ثابت وابن عمر والمقداد وسعيد بن المسيب وسالم والحسن وحماد والحكم واسحق وأبو حنيفة والشافعي ومالك والثوري وهشيم وابن علية .
– ويري ابن عباس وزفر جوازه لما وراه ابن عباس ان النبي صلي الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير جاءه ناس منهم فقالوا يا بني الله انك أمرت بإخراجنا ولنا على الناس ديون لم تحل ، فقال رسول صلي الله عليه وسلم ” ضعوا وتعجلوا ” .
– كما لم ير به بأساً النخعي وأبي ثور لأنه أخذ لبعض حقه تارك لبعضه فجاز كما لو كان الدين حالاً .
– كما لم ير به بأساً ابن حزم ان كان من غير شرط لكن احدهما سارع إلي الخير في أداء ما عليه فهو محسن والأخر سارع إلي الإبراء من حقه فهو محسن قال الله عز وجل ( وافعلوا الخير ) وهذا كله خير .
( المغني لابن قدامه ج 4 ص 174 ، 175 وفقه السنة ج 3 ص 187 والمحلي ج 8 ص 83 – 84 ) .
ونحن نأخذ برأي ابن عباس وزفر والنخعي وأبي ثور في هذه المسألة .
22 –استحباب أنظار المعسر ومطل الغني ظلم
ورد في القاعدة الأولي قول الله سبحانه : ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلي ميسرة ، وان تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ) (البقرة280 ). .
فأنظار المعسر من قواعد المعاملات الإسلامية أما غير المعسر فالقاعدة التي تحكم وفاءه بالتزاماته هي :
1 – ما وراه أبو هريرة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : مطل المغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع ” .
( أي إذا أحيل على غني فليقبل الحوالة ) .
رواه الجماعة .
2 – وما رواه ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال : ” مطل الغني ظلم وإذا أحلت على ملئ فاتبعه ” رواه ابن ماجه . وقد أخرجه أيضا الترمذي وأحمد .
والمراد بالمطل هنا كما جاء في الفتح تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر .
وقد اختلف هل المطل مع الغني كبيرة أم لا وقد ذهب الجمهور إلي انه موجب للفسق . واختلفوا هل يفسق بمرة أو يشترط التكرار ، وهل يعتبر الطلب من المستحق أم لا .
– قال في الفتح وهل يتصف بالمطل من ليس القدر الذي عليه حاضراً عنده لكنه قادر على تحصيله بالكتسب مثلا . أطلق أكثر الشافعية عدم الوجوب وصرح بعضهم بالوجوب مطلقاً ، وفصل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصي به فيجب والا فلا . يقول الشوكاني والظاهر الأول لأن القادر على التكسب ليس بملئ والوجوب إنما هو عليه فقط لأن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية ( نيل الاوطار ج 5 ص 356 – 366 ) .
3 – وعن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وأله وسلم قال ” لئ الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته ” رواه الخمسة إلا الترمذي . قال أحمد قال وكيع عرضه شكايته وعقوبته حبسه وروي البخاري والبيهقي عن سفيان مثل التفسير الذي رواه المصنف عن أحمد عن وكيع .
والحديث أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وابن حبان وصححه .
واللي المطل والواجد الغني .
( فقه السنة ج 3 ص 186 )
واستدل بالحديث على جواز حبس من عليه الدين حتى يقبضه إذا كان قادراً على القضاء تأديباً له وتشديداً عليه لا إذا لم يكن قادراً لقوله ” الواجد ” فانه يدل على ان المعسر لا يحل عرضه ولا عقوبته وإلي جواز الحبس للواجد ذهبت الحنيفة وزيد بن على .
وقال الجمهور بيع عليه الحاكم . ( نيل الاوطار ج 5 ص 361 ) .
وفي رأينا أنه إذا كان هذا هو حكم الغني الماطل : – أن تردعه الدولة سواء بالحبس أو بالبيع عليه إنصافا للدائن المضرور ، ففي غياب الدولة التي تقوم بهذا الواجب يكون من حق الدائن الاحتياط لنفسه بالاشتراط في عقده على شرط تعويضه عن المماطلة شرطاً ملزماً وفقاً للقوانين الوضعية ، ولا يكون ذلك من الربا بل هو تعويض عن الضرر الناتج عن تأجر المدين الموسر عن الوفاء . ويمكن أن يقدر التعويض في هذه الحالة أما بما حققه المدين من ربح نتيجة استخدام مال الدائن بغير حق ، وأما بما فات على الدائن من ربح بالمعدل الذي حققه في بقية أمواله ( وهذا متيسر في حالة البنوك الإسلامية إذ يؤخذ بمعدل الربح الإجمالي الذي تحققه ) .
( للبحث صلة )