أهم المبادئ الإسلامية في نظرية الربح في المحاسبة
من الطبيعي أن النظرية الإسلامية المحاسبية في رأس المال ترتكز على مفهوم المال المتقوم وتدور حول التفكير في أعيان عناصر الميزانية من حيث المفهوم الطبيعي العيني لها ومن حيث التغيرات التي تأخذ مكانها في تاريخين معينين لمعرفة قيمة الملكية
Propretorship ومعرفة المالية ومن الطبيعي أن يدور التفكير في الربح من حيث التغيرات والتقلبات في القيمة ومقارنة المركز المالي في تاريخين معينين وأن ترتكز فكرة الربح على النمو والزيادة في القيمة فيتحدد الربح بالقدر النامي في المال وبالزيادة على رأس المال وشاع في الفضل عليه. ويقال ربح فلان في تجارته أي استشف فيها وأصاب الربح، الفضل على رأس المال. ويقول الإمام الزمخشري – الربح الفضل على رأس المال ولذلك سمي الشف من قولك اشف بعض ولده على بعض إذا فضله، ولهذا على هذا شف (والشف من الأضداد يطلق على الزيادة – والنقصان). وقال ابن خلدون: الربح هو القدر النامي في المال ويتكلم الفقهاء على الربح دائما من النماء وفرع المال.
وعلى هذا يكون الإطار العام للربح في الفقه الإسلامي المحاسبي هو إطار النماء. ولما كان النماء – كما بينا عند الكلام على مفهوم نماء العين عند المالكية – ثلاثة أنواع: ربح وغلة وفائدة. فكل ربح يكون نماء وليس كل نماء يكون ربحا – وقد عرفنا أن الفائدة هي النماء أو الزيادة التي تتعلق بعروض القنية والغلة هي ما يتجدد من عروض التجارة بلا بيع لرقابة تلك العروض كثمر النخل المشترى للتجارة قبل بيع رقابه وإيجار الدار أو عروض التجارة المشتراة بقصد الربح والتجار والتجارة قبل بيعها وكالصوف واللبن المتجدد من الغنم المشتراة للتجارة قبل بيعها.
ومن ثم فإن الزيادة والنماء في راس المال من عروض التجارة – من زيادة قيمة النماء بها أو تغير الأسعار ربح، أما الزيادة في رأس المال من عروض القنية فلا توصف بالربح بل توصف بوصف آخر خاص هو الفائدة وعلى هذا فإن الأرباح التي تعرف بالأرباح الرأسمالية لا توصف في الفقه الإسلامي المحاسبي بوصف الربح بل هي نوع آخر من أنواع النماء خلاف الربح يعرف بالفائدة. وكذلك لا توصف في الفقه الإسلامي المحاسبي الأرباح التي تعرف بالأرباح الإيرادية العرضية بوصف الربح بل توصف هذه الزيادة بوصف آخر هو الغلة. وإن هذا التمييز بين مفاهيم الربح والغلة والفائدة وإطلاق اسم خاص مستقل على كل مفهوم من أنواع النماء الثلاثة يفصل تفصيلا أنواع النماء والزيادة في رأس المال. ويتعين عند إعداد حسابات النتيجة السنوية التمييز بين هذه الأنواع الثلاثة من النماء لما في ذلك من الأهمية من الناحيتين المحاسبية والضرائبية، إذ أن معالجة الأرباح الرأسمالية والأرباح والإيرادية العرضية لأغراض المحاسبة العامة الإدارية تختلف كما هو معروف عن معالجة الأرباح الإيرادية تختلف كما هو معروف عن معالجة الأرباح الإيرادية كما أن معالجتها لأغراض ضريبية الزكاة – والضرائب عموما – قد تختلف أيضا، وقد أجمع الفقهاء على أن الغلة والفائدة يستقبل بهما حول خاص بهما من يوم حصولهما تنفصل عن حول أصل المال أما الربح فقد اخترنا ضم الربح لحول رأس المال وتبعيته له على أساس أن ربح المال إنما هو إلى أصله وكامن فيه وعلى أساس أن الربح نماء جار في الحول تابع لأصله في الملك فكان مضموما إليه في الحول ويكون الحول قد حال على الربح تبعا.
الربح والنتائج:
والربح في التجارة كالتوالد والتناسل في الماشية التي تزداد للدر والنسل. وكما أن الماشية معدة للدر والنسل فإن عروض التجارة وكذا النقود معدة للربح. وإذا كان الربح والنتائج كلاهما نماء إلا أنهما يفترقان من حيث أن الربح – كما يقول ابن رشد ليس بمتولد عن المال بنفسه كغذاء للماشية وإنما يحصل لصاحب المال من بائعه بمبايعته إياه ولو شاء لم يبايعه، وكما جاء في حاشية عميرة – الفرق بين الربح وبين النتائج أن النتائج من عين الأمهات والربح إنما هو مكتسب بحسن التصرف. وقد قدمنا أن النماء في التجارة إنما يحصل بالتقليب – كما قال ابن قدامة – وإن النماء – كما قال – السرخسي – مطلوب بالتصرف. وفي هذا فإن إطلاق تسمية “نتاج الاسم” على أرباح الأسهم الموزعة – الكوبونات – جانب الصواب ويجب العدول عنه.
أثر اختلاف عامل التقليب وعامل المخاطرة في كل
مشروع في تفاوت الأرباح في المشروع
أبرزنا عند الكلام على مفهوم التجارة في الفقه الإسلامي المحاسبي أهمية فكرة تقليب المال بمعاوضته وإخلافه طلبا وإخلافه طلبا للربح في المشروع المستثمر المدار وأن التقليب مبدأ أساسي من أهم مبادئ النظرية الإسلامية المحاسبية للربح.
والواقع أن التفاوت بين المشروعات المختلفة في تحصيل الأرباح يرجع إلى اختلاف عناصر التقليب في كل منها والمدة التي لا بد منها للتمكن من التقليب كما يرجع إلى اختلاف عناصر عامل المخاطرة، فهناك عاملان يؤديان إلى هذا التفاوت وهما عامل التقليب وعامل المخاطرة. وقد ذهب الإمام القرطبي إلى تقسيم التجارة إلى نوعين: النوع الأول تكاد تكون المخاطرة فيه معدومة. ويوجد فيه عامل واحد فعال هو التقليب والنوع الثاني يوجد فيه عاملان فعالان هما التقليب والمخاطرة. وفي ذلك يقول “التجارة الشراء والبيع” والتجارة نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة “التجارة الشراء والبيع” والتجارة نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر وهذا تربص واحتكار قد رغب عنه أو لو الإقدار وزهد فيه ذوو الأخطار. والثاني تقلب المال بالأسفار ونقله إلى الأمصار وهذا أليق بأهل المروءة وأعم جدوى ومنفعة، غير أنه كثير خطرا وأعظم غررا.”.
ومن ذلك يبين أن كل ربح يحصل هو ثمن لتقليب ومخاطرة وأن تفاوت الأرباح في المشروعات المختلفة يرجع إلى اختلاف عناصر عامل التقليب كما يرجع إلى اختلاف عناصر عامل المخاطرة في كل مشروع وأن تفاوت زمن دورة التقليب في المشروعات المختلفة لا يقل أهمية عن تفاوت عناصر المخاطرة فيها.
لا ربح إلا بعد سلامة رأس المال، والرابح من التجارب المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلا هو فضل من ثمنها الذي يبتاعها به، أما المستبدل من سلعته بدلا دون الثمن الذي يبتاعها به فهو الخاسر في تجارته لا شك.
قلنا بوجود دورة تقليب منتظمة مستمرة في المشروع المستمر وبوجود دورة استبدال وإخلاف منتظمة مستمرة في المشروع المستمر بين الانتفاع والاستعمال ثم الاستبدال والإخلاف، وقلنا بوجود التزام تجاري اقتصادي في المشروع المستمر باستمرار هذه الدورة ما دام مقدرا للمشروع أن يكون مشروعا مستمرا يدار فيه المال حالا بعد حال وفعلا بعد فعل مع المحافظة على سلامة رأس المال – هذه هي الصورة السليمة للمشروع المستمر.
ولما كان المقصود من التجارة كما قال الإمام الرازي فيما قدمنا هو سلامة رأس المال مع حصول الربح وأن الذي تطلبه التجار في متصرفاتهم سلامة رأس المال والربح ولا يقال لمن لم يسلم له رأس مال قد ربحن وعلى هذا فلا ربح إلا بعد سلامة رأس المال.
وإذا فهمنا سلامة رأس المال على أنها تعني المحافظة على رأس المال من حيث العروض التي أقتنيت برأس المال المذكور فإننا نفهم الربح على أنه ذلك الجزء من الزيادة التي لا يحتاج إليها المشروع للمحافظة على سلامة رأس المال من حيث قوة استبدال العروض به ويخضع قياس الربح لنظرية تكاليف الاستبدال في هذه الحالة. وهذا المفهوم الأخير يلتقي مع مفهوم سلامة رأس المال ومفهوم الربح عند الإمام الطبري إذ يقول: إن الرابح من التجار المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلا هو أنفس من سلعته أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به أما المستبدل من سلعته بدلا دون الثمن الذي يبتاعها به فهو الخاسر في تجارته لا شك”. وفي قوله “المستبدل من سلعته” إشارة إلى النظر إلى رأس المال من حيث العروض التي اشتريت به لا من حيث عدد وحداته النقدية. وفي قوله “أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به” دون قوله “الذي ابتاعها به” إشارة إلى أن الربح يحص للتاجر إذا باع سلعته بثمن أزيد من ثمنها الأول الذي اشتراها به، بل من ثمنها الذي يشتريها به في وقت المبادلة وذلك لأن جزءا من هذه الزيادة في ثمن البيع ثمن التكلفة التاريخية – الثمن الأول – مشغول بحاجة أصلية في المشروع المستمر هي حاجته إلى سلعة أخرى بدلا من السلعة المبيعة لكي يستمر نشاط التشغيل والمتاجرة على نفس المستوى دون أن ينكمش حجم الإنتاج. وعلى هذا فإنه لكي يقال أن رأس المال يجب أن تكون هذه السلامة موجودة في تمام – الدورة الكاملة، أعني بذلك دورة التقليم ودورة الانتفاع والاستعمال ثم الاستبدال والإخلاف. وعلى هذا نفهم سلامة راس المال على أنها تعني المحافظة عليه من حيث قوة استبدال العروض به ونفهم تكلفة المبيعات على أنها تكلفة استبدال وإخلاف المبيع لا تكلفته التاريخية الأصلية وتفهم “الاستهلاك” على أنه تكلفة واستبدال المستهلك لا تكلفته التاريخية الأصلية وبعبارة أخرى يجب تحميل المبيعات بتكلفة استبدال العروض المستهلكة في إنتاج تلك المبيعات من عروض التجارة وعروض القنية – لا بالتكلفة التاريخية الأصلية لتلك العروض المستهلكة أو بمعنى آخر لكي يسلم رأس المال من حيث العروض المقتناة به من عروض تجارة وعروض قنية – ولكي يقال أن هناك ربحا يجب أولا تعريض قيمة المستهلك من تلك العروض في سبيل تحصيل الربح على أساس القيمة الاستبدالية الجارية أي قيمة الإخلاف. وعلى هذا يتبع نظام “التالي أولا” next in first out في استعمال عروض التجارة مما يترتب عليه أن ثمة تكلفة المستهلك المستعمل يكون هو ثمن تكلفة استبداله ويحتسب الاستهلاك السنوي لعروض القنية على أساس التكلفة الاستبدالية الجارية.
البيع ضرورة لظهور حقيقة الربح لا لحدوثه والربح
ينشأ ولو لم تتم عملية البيع والربح والتقدير يجب
أخذه في الحسبان كالربح التحقيقي
لما كان الربح – في الفقه الإسلامي المحاسبي – نماء في المال جاريا في الحوال وسواء نض المال في آخر الحول وتحول من عروض إلى نقد أو لم ينض وبقى المال على العروض فإن هذا النماء موجود في المال سواء كان هذا المال عروضا أو نقدا. وكل ما في الأمر أن البيع يظهر هذا النماء وأن القيمة كانت خفية فظهرت بالبيع أو بقيت على خفائها. فالبيع ضرورة لظهور القيمة الخفية. وما البيع إلا تبديل العروض التي من غير جنس رأس المال بجنسه فتظهر حقيقة الربح. ولهذا لا يصح أن يقال أن الربح ينشأ عند وقوع عملية البيع أو عندما تتم عملية البيع إذا فهمناه على أنه نماء، بل يقال أن عملية البيع تظهر حقيقته فقط والعبرة عند التقويم بحدوث الربح لا بظهوره. وسواء كان المال في آخر الحول نقد أو على عروض تجارة تامة الصنع أو في دور الصنع أو مادة أولية فإن الزيادة من قيمة النماء بها أو بتغير الأسعار وفوارق القيم هي ربح نضت تلك العروض أو لم تنض. والعبرة هي بقيمة تلك العروض في آخر الحول بيعت أو لم تبع.
لا شك في أن النماء والربح يصير متحققا بالبيع وينض المال ولكن ليس معنى ذلك ولا نريد في الحسبان إلا الربح المتحقق فقط بالبيع وأنه إذا لم ينض المال ولا نريد الانتظار حتى ينض وتظهر حقيقة الربح بالبيع فإننا نغفل الربح الحاصل في أثناء الحول لعدم ظهوره ولعدم صيرورته متحققا للبيع. توجد قدرة على الاستنماء والاسترباح ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نغفل هذه القدرة الموجودة أو نضرب عنها صفحا. إن هذه القدرة أو هذه القوة على الاستنماء والاسترباح تجعل المال ناميا بالقوة تقديرا وحكما وكل ما في الأمر أن هذا النماء لم ينتقل بعد من القوة إلى الفعل بالبيع فإننا لا نغفل هذه القدرة على الاستنماء والاسترباح ونأخذها في الحسبان تقديرا وحكما. ويستوي في نظر الفقه الإسلامي المحاسبي في التقويم أن يكون النماء والربح بالقوة أو ولمعرفة المالية بصرف النظر عما إذا كانت الأرباح ببيع فعلي أو بدون بيع فعلي وكلاهما يدخل في وعاء ضريبة الزكاة.
إن هذه العوامل الفعالة في تحصيل الربح وهذه القدرات على الاسترباح تقوم وتقاس في الفقه الإسلامي المحاسبي وينظر إليها بعين الاعتبار عند تصوير المراكز المحاسبية لأننا ننظر بعين الاعتبار عند تصوير تلك المراكز المحاسبية إلى القيمة البيعية الجارية للأصول وحكما لا ندع جانبا القيمة البيعية الجارية للأصول عند التقويم فإننا لا ندع أيضا العوامل الفعالة في تحصيل الربح وقدرات المشروع على الاستنماء والاسترباح.
إن المبدا أخذ الربح التقديرات في الحسبان كالربح التحقيقي من المبادئ الأساسية في النظرية الإسلامية في الربح ويظهر أثر هذا المبدأ واضحا في المحاسبة الضريبية الإسلامية وذلك في وجود ضريبة الزكاة في المال النامي حقيقة أو تقديرا بالفعل أو بالقوة وسواء نض المال أو لم ينض فإن الزيادة في قيمة المال النامي ربح يؤخذ الحسبان بصرف النظر عما إذا كانت هذه الزيادة متحققة أو تقديرية بالفعل أو بالقوة – وببيع أو بدون بيع. ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء وإنما يقع الخلاف بينهم في حول الربح إذا نض المال أو لم ينض هل يزكي بحول أصل المال ويضم إلى الأصل في الحول أم يفرد في الربح بحوله؟ فعند المالكية “وحول ربح المال حول أصله مثاله أن يكون عنده دينار أقام عنده أحد عشر شهرا ثم اشترى به سلعة باعها بعد شهر بعشرين فإنه يزكي الآن لأن الربح يقدر كامنا في أصله وفي الشرح الكبير: إن الربح حوله حول الأصل ويزكي لحول الأصل. أما الغلة فيستقبل بها حولا مثل أجرة الدار المشتراة للتجارة لأنها غلة لا ربح. وأما الفائدة فيستقبل بها حولا أيضا كما إذا اشترى سلعة للقنية بعشرة ثم باعها بعشرين فالعشرة الزائد لا تسمى ربحا اصطلاحا ولا تزكي لحول العشرة الأصل. ويقول ابن سلام وأما إذا كان المال في أول السنة أقل من النصاب والصل كرجل ملك في أول الحول خمسة دنانير أو أربعة من الأبل واتجر في تلك الدنانير الخمسة فنمت حتى حال الحول عليها وهي عشرون فصاعدا ونتجت الإبل الأربع فسارت خمسا أو أكثر من ذلك فهناك قولان: قول أهل العراق وأكثر أهل الحجاز غير مالك ومن قال بقوله أن الصدقة لا تجب في شيء من هذا حتى يستأنف حولا من يوم صارت الزيادة في يديه إن كانت عن نتاج أو نماء او هبة أو ميراث أو غير ذلك بعد أن تكون الزيادة تجب في مثلها الزكاة وأما مالك فإنه ذهب إلى أن ربح المال أنما هو راجع إلى أصله وأن الأولاد من أمهاتها فجعلها لاحقة بها. أما إذا كانت الزيادة ليست من ولادة ولا شف (ربح) ولكنها من فائدة استفادها مثل الهبة أو الميراث ونحو ذلك فإنه لا زكاة في المال الأول ولا في الفائدة ولكنه يستأنف به حولا من يوم استفادته إياها، وعند الحنفية: ويضم مستفاد من جنس نصاب إليه، يعني إذا كان له نصاب فاستفادة في أثناء الحول من جنسه ضمه إلى ذلك النصاب وزكاه به وقال الشافعي رحمه الله لا يضم لقوله عليه الصلاة والسلام “لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول”.
وعند الشافعية “ويضم ربح حاصل في أثناء الحول لأصل في الحول إن لم ينض بما يقوم به، فلو اشترى عرضا بمائتي درهم فسارت قيمته في الحول ولو قبل آخره ثلثمائة زكاها، أما إذا نض دراهم أو دنانير بما تقوم به وأمسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الأصل بل يزكي الأصل بحوله ويفرد الربح بحول – وفي شرح المنهاج: “ويضم الربح إلى الأصل في الحول ولو قبل آخره ثلثمائة زكاها، أما إذا نض دراهم أو دنانير بما تقوم به وأمسكه إلى آخر الحول فلا يضم إلى الأصل بل يزكي الأصل بحول الأصل فلو كان الناض المبيع به من غير جنس راس المال فهو كبيع عرض بعض فيضم الربح إلى الأصل. وفي كتاب “الأم” للشافعي “ألا ترى أنه لو اشترى عرضا بعشرين دينارا وكانت قيمته يوم يحول الحول أقل من عشرين سقطت فيه الزكاة لأن هذا بين أن الزكاة تحولت فيه وفي ثمنه إذا بيع لا فيما اشترى به”.
وعند الحنابلة “من ملك عرضا للتجارة فحال الحول وهو نضاب قومه في آخر الحول فما بلغ أخرج زكاته وهو ربح عشر قيمته. ويقول ابن قدامة في بناء الحول على الحول في نصاب التجارة إذا اشترى عرضا للتجارة بنصاب من الأثمان أو بما قيمته نصاب من عروض التجارة بني حول الثاني على الحول الأول لان مال التجارة إنما تتعلق الزكاة بقيمته، وقيمته هي الأثمان نفسها. ولأن النماء في الغالب في التجارة إنما يحصل بالتقليب ولو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي وجبت فيه الزكاة لأجله يمعنا لأن الزكاة لا تجب إلا في مال نام. ويقول في مسألة اجتماع زكاة النصاب من المال زكاة نمائه بالاتجار: وإذا كان في ملكه نصاب للزكاة فاتجر فيه فنمى أدى زكاة الأصل مع النماء إذا حال الحول. وجملته أن حول النماء مبنى على حول الأصل لأنه تابع له في الملك فتبعه في الحول كالسخال والنتاج وبهذا قال مالك وإسحاق وأبو يوسف، وأما ابو حنيفة فإنه بنى حول كل مستفاد على حول جنسه نماء كان أو غيره وقال الشافعي أن نضت الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب وأستأنف لها حولا لقوله عليه السلام “لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول” ولنا أنه نماء جار في الحول تابع لأصله في الملك فكان مضموما إليه في الحول كالنتاج، وكما لو لم ينض لأنه ثمن عرض تجب عليه زكاة بعضه ويضم إلى ذلك البعض قبل البيع فيضم إليه بعده كبعض النتاج ولأنه لو بقي عرضا زكي جميع القيمة فإذا نض كان أولى لأنه يصير متحققا ولأن هذا الربح كان تابعا للأصل في لا حول كما لم ينض فنضه لا يتغير حوله والحديث فيه مقال وهو مخصوص بالنتاج وبما لم ينض فنقيس عليه. والذي نأخذ به، هو أن الربح يقدر كامنا في أصله وراجعا إليه وأن حوه مبني على حول الأصل لأنه تابع له في المالك فتبعه في الحول فيضم الربح إلى أصل المال في الحول ولا يفرد الربح بحوله سواء نض المال أو لم ينض.
والشافعية يخالفون هذا القول إذا نض المال ويتفقون معه إن لم ينض، ويرد الحنابلة عليهم بأن المال إذا نما في أثناء الحول وبقي المال على العروض في آخر الحول زكيت جميع القيمة، فإذا نض المال كان أولى لأن النماء يصير متحققا ولأن الربح بنض المال لم يتغير حوله لأنه تابع للأصل في الحول ولأن التقليب لا يقطع الحول ولأن النماء في الغالب في التجارة إنما يحصل بالتقليب ولو كان ذلك يقطع الحول لكان السبب الذي وجبت فيه الزكاة لأجله بمنعنا لن الزكاة لا تجب إلا في مال نام.
قياس التكلفة في الفكر الإسلامي
مفهوم التكلفة في الفقه الإسلامي
تتناول الدراسة النقاط التالية:
1 – التكلفة والقيمة.
2 – التكلفة في بيع المرابحة.
3 – التكلفة في شركات المضاربة.
4 – التكلفة والقيمة الجارية.
5 – تغير الأسعار وقياس التكلفة.
1 – التكلفة والقيمة:
تناول رجال الفقه الإسلامي في دراستهم لفقه المعاملات التفرقة بين ثمن السلعة (التكلفة)، وقيمتها.
فقيمة الشيء – من وجهة نظرهم – تتحدد بواسطة القوى المؤثرة في السوقن وتقاس بالقيم التبادلية للأشياء، أما تكلفة الحصول على سلعة أو خدمة، فتتمثل في الثمن الذي تراضى عليه المتعاقدان، سواء زاد على القيمة أو نقص بالإضافة إلى ما تحمله المشتري في سبيل الحصول على السلعة أو الخدمة.
يقول ابن عابدين:
“الثمن هو المبلغ المدفوع في نظير السلعة.. سواء زاد على القيمة أو نقص، بينما القيمة، ما قوم به الشيء من غير زيادة ولا نقصان”.
ويقول التهانوي: “الثمن قد يكون مساويا للقيمة، وقد يكون زائدا أو ناقصا عنها.. (فالذي) يقدره العاقدان بكونه عوضا للمبيع في عقد البيع يسمى ثمنا، وما قدره أهل السوق، وقرروه فيما بينهم وروجوه في معاملاتهم يسمى قيمة”.
ويقول ابن رشد: “يحسب في الثمن، ماله عين قائمة كالصبغ والكمد، وما أشبه ذلك (أي ما يتكلفه الإنسان في سبيل إجراء عمليات صناعية على السلعة) فإنه بمنزلة الثمن”.
وهكذا يرى رجال الفقه الإسلامي أن التكلفة تتمثل في الثمن الذي اتفق عليه طرفا عملية المبادلة، بالإضافة إلى ما يتكلفه المشتري في سبيل الحصول على السلعة، أما القيمة فهي ما تتحدد بواسطة القوى المؤثرة في الأسواق، وثمن السلعة كما وضح فيما سبق قد يكون أو لا يكون معبرا عن قيمة السلعة، وأنه بمفهوم ما يتكلفه المشتري في سبيل الحصول على السلعة، يعتبر مرادفا لمفهوم التكلفة في المحاسبة.
ولقد وضح في دراسة قياس التكلفة في المحاسبة، أنها تشمل المدفوع مقابل الحصول على سلعة أو خدمة معينة، زائد كل النفقات الأخرى اللازمة لتهيئة هذه الخدمة أو السلعة للاستخدام في ممارسة النشاط، وأن التكلفة بهذا المفهوم تمثل قيمة الشيء في تاريخ الحصول عليه، ولكنها في ظل تقلبات الأسعار، التي تؤدي إلى تذبذب القوة الشرائية للنقود، ليست بالضرورة تعبيرا عن قيمة الشيء في أية تواريخ لاحقة.
بينما يرى رجال الفقه الإسلامي أن قيمة الشيء تتحدد بواسطة القوى المؤثرة في الأسواق، وأن تكلفة الحصول على سلعة، قد يعبر أولا عن قيمتها في نفس التاريخ، ومن باب أولى في أية تواريخ لاحقة.
2 – مفهوم التكلفة في بيوع المرابحة:
بيع المرابحة، هو بيع السلعة بالتكاليف التي بذلت في سبيل الحصول عليها مع ربح معلوم، وقد اختلف الفقهاء في مفهوم التكلفة التي على أساسها يحسب الربح، حيث يرى البعض حساب الربح على أساس التكاليف الصناعية، بينما يرى البعض الآخر حساب الربح على أساس التكلفة الكلية.
وقبل تناول آراء الفقهاء حول ذلك يهمني القول بأنهم استبعدوا مقابل عمل صاحب المنشأة في منشأته، حيث لم يعتبروه أحد بنود التكلفة، واستبعدوا كذلك المبالغ التي ينفقها صاحب المنشأة في شئونه الشخصية من أموال المنشأة.
يقول ابن رشد: “وأما ما لا يختص بالمتاع (عمليات التجارة) فإنه لا يحسب في أصل الثمن، كنفقته، وكراء (أجرة) بيته وكراء ركوبه.
وأما ما يختص (بعمليات التجار) فإن ما يتولاه التاجر بنفسه؟ يحسب في التكلفة.
فالنفقات التي لا تتعلق بممارسة النشاط لا تحسب ضمن نفقات المنشاة ولا تدخل في تكلفة السلعة، كنفقة صاحب المنشاة، واجرة مسكنه، ومصروفات انتقالاته، وهذه النفقات تشبه إلى حد كبير ما يسمى في الفكر المحاسبي بالمسحوبات، التي هي عبارة عما يسحبه صاحب المنشأة من نقود أو سلع لاستعماله الشخصين ومن المعروف أن هذه المسحوبات تسجل في الدفاتر لبيان نوع من العلاقة بين صاحب المنشأة ومنشأته، بعيدا عن الحسابات المعبرة عن نفقات المنشأة وإيراداتها، كما أن محلها ليس حسابات الاستغلال، وإنما الحساب الشخصي لصاحب المنشأة، الذي قد يعد تخفيضا لرأس المال إذا لم تحقق المنشأة أرباحا، حيث يعتبر صاحب المنشأة أو الشريك فيها قد سحب جزءا من رأسماله لإنفاقه على نفسه.
كذلك فإن عمل صاحب المنشأة في منشاته لا يعتبر من قبيل التكلفة لدي رجال الفقه الإسلامي، وإذا كان الاقتصاديون يرون أن مقابل ما يبذله صاحب المنشاة في منشأته من مجهودات يعتبر من قبيل التكلفة، انطلاقا من إن التكلفة لا تتمثل في المبالغ المدفوعة فقط، وإنما تشمل بالإضافة إلى ذلك، بع النفقات الافتراضية، مثل مكافأة المنظم (صاحب المشروع) عن المجهودات التي يبذلها في إدارة منشأته، لكن التطبيق المحاسبي الذي يعتمد في دراسة مكونات التكلفة على الحدوث الفعلي، لا على التصور الافتراضي، يرى أن التحديد السليم للربح يقضي بعدم اعتبار ذلك من قبيل التكلفة، ويتفق في هذا مع رجال الفقه الإسلامي.
وفيما يتعلق بمفهوم التكلفة التي يحسب عليها الربح في بيوع المرابحة فيرى بعض الفقهاء، أنها تقتصر على التكاليف الصناعية، أما غيرها من التكاليف مثل تكاليف التسويق والإدارة فتدخل ضمن التكاليف، لكن لا يحسب عليها نسبة الربح.
يقول ابن رشد: “ويحسب في ثمن السلعة ماله عين قائمة كالصبغ والكمد والفتل (العمليات الصناعية) فإنه بمنزلة الثمن ويحسب له الربح.
وأما ما ليس له عين قائمة (ويتعلق بممارسة النشاط) فإنه يحسب في أصل الثمن، ولا يحسب له ربح”.
وجاء في حاشية الدسوقي: “وحسب على المشتري ماله عين قائمة (العمليات الصناعية) وأما ما ليس له عين قائمة، ولكنه أثر زيادة في قيمة المبيع فإنه يحسب ما خرج من يده فقط”.
بينما يرى البعض الآخر من الفقهاء أن التكلفة التي يحسب عليها الربح تشمل جميع التكاليف المتعلقة بالسلعة موضع البيع صناعية أو تسويقية أو إدارية، أي يحسب الربح على التكاليف الكلية.
يقول ابن رشد: “قال أبو حنيفة بل يحمل على السلعة كل ما نابه (انفقه) عليها.
ويقول ابن نجيم.. الأصل أن كل ما يوجب زيادة في رأس المال (تكلفة السلعة) حقيقة أو حكما، يضمه إلى (التكلفة) وكذا ما اعتاده الجار كأجرة السمسار.
ويقول ابن عابدين: “والمعتمد عليه في ذلك عادة التجار”.
وبتحليل الآراء السابقة لرجال الفقه الإسلامي، نجد أنهم لمسوا المكونات الأساسية للتكلفة، وربطوا بين بند التكلفة والوظيفة التي يخدمها بحيث يمكن القول أن التكاليف التي تزيد في عين السلعة تكاليف صناعية وأما التي تزيد في قيمتها حقيقة أو حكما فتكاليف التسويق والإدارة.
كما أنهم ناقشوا العلاقة بين التكاليف المبذولة في سبيل الحصول على السلعة أو في إنتاجها، وبين سياسات التسعير، فمنهم من يرى الأخذ بالتكلفة الكلية في تحديد تكلفة السلعة، كما في قول أبي حنيفة “يحمل على السلعة كل ما نابه عليها”، ومنهم من رأى أن الربح عائد للتكاليف الصناعية فقط، وأن الربح المتفق عليه في بيع المرابحة، يحسب على أساس التكلفة التي لها عين قائمة – التكاليف الصناعية – أو على ثمن شراء السلعة الماد بيعها دون إجراء عمليات صناعية عليها. وهناك من رأى أن المبدأ الذي يحكم في هذا الصدد “هو عادة التجار” على حد تعبير ابن عابدين السابق.
3 – مفهوم التكليف في شركات المضاربة الشرعية:
شركات الضاربة الشرعية، كما تبدو من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي يقتصر نشاطها على العمليات التجارية، حيث يتشارك اثنان أو أكثر، أحدهما (أو بعضهم) برأس مال فقط، وثانيهما (أو بعضهم) بعمل فقط (أو عمل ورأس مال).
وقد ناقش الفقهاء تصرفات المضارب التي يترتب عليها نفقات تعد من قبيلة التكلفة اللازمة لممارسة النشاط، والتي سنجدها كما سيتضح من آراء الفقهاء تتعلق ببنود التكاليف التسويقية، مثل تكاليف النقل، والضرائب على المشتريات، ومسموحات المبيعات والمشتريات وتكاليف الرحلات التجارية التي يقوم بها المضارب.
فالتكاليف التي تلزم لتسويق السلعة كتكاليف نقلها من موضع إلى موضع يرى الفقهاء أنها لازمة لتحصيل الربح، وتعتبر أحد بنود التكلفة، بينما التكاليف التي تلزم لنقل السلعة إلى محل المشتري، تقع على عاتق المشتري أما التكاليف التي تلزم لنقل السلعة إلى محل المشتري، تقع على عاتق المشتري أما التكاليف التي تلزم لإعداد المبيع للتسليم إلى المشتري كالكيل والوزن فتقع على عاتق البائع.
يقول الشلبي: “المضارب له… أن يستأجر السفن والدواب لحمل المال، لأن الربح يحصل بنقل المال من موضع إلى موضع ولا يمكنه ذلك بنفسه.
ويقول ابن قدامة: “وأجرة الكيال والوزان على لابائع، لأن عليه تقبيض (تسليم) المبيع.. وأما نقل المنقولات.. فهذا على المشتري لأنه يتعلق به حق توفيه”.
كذلك تعتبر من ضمن التكلفة النفقات الشخصية للمضارب، التي ينفقها أثناء قيامه بالرحلات التجارية، يقول ابن قدامة: “ينفق من المال بالمعروف، إذا شخص به عن البلد لأن سفره لأجل المال، فكانت نفقته منه”.
قال أحمد، ينفق على نفسه، غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال. فإن كان معه مضاربة أخرى… فالنفقة على قدر المالين”.
كما يعتبر من بنود التكلفة الرسوم الجمركية المدفوعة عن البضاعة المشتراة.
يقول أبو جعفر الدمشقي: “يستحب أن يستصحب رقعة بأسعار جميع البضائع في البلد الذي يريد العود إليه بما يجلب، وكذلك بمكوس (رسوم الجمارك) البضائع.
فإذا أراد يشتري شيئا قارن بين سعره في البلد الذي يشتري منها، وسعره في البلد الذي يريد العود إليه، ثم يراعي المؤن التي تلزمه لحين الوصول”.
لقد لمس أبو جعفر بفكرته هذه، ما يجب أن تكون عليه تصرفات المضاربات الذي يسعى للحصول على الربح، كما تنال الضرائب المدفوعة عن المشتريات باعتبارها من بنود التكلفة.
وهنا يثار تساؤل عن الزكاة المدفوعة باعتبارها ضريبة، تفرض في أموال التجارة والصناعة، على صافي الأصول المتداولة والربح، هل تعتبر من قبيل التكلفة أم لا؟.
اختلف الفقهاء في ذلكن حيث يرى ابن حجر، أنها من قبيل التكلفة، فيقول: “حسبت من الربح في الأصح كمؤن المال”.
بينما يرى آخرون أنها تعتبر استعمالا للربح، يقول الإمام الشافعي: “وإذا دفع الرجل ألف درهم قراضا على النصف فاشتري بها سلعة وحال عليها الحول وهي تساوي ألفين، فالزكاة على رب المال في الألف والخمسمائة ووقفت زكاة خمسمائة، فإن حال عليها حول من يوم صارت للعامل زكاها إن كان مسلما.. والقول الثاني يحصي ذلك (أي عدد السنين) فإن سلم ربحه أدى زكاته كما يؤدي ما مر عليه من السنين، منذ كان في المال فضل”.
كما جاء في حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: “أن زكاة القراض (رأسمال المضاربة) من عند ربه (صاحبه)، إلا أن يرضى العامل بإخراج زكاته منه ويحسبها ربه (صاحبه) على نفسه، فلا تجبر الربح كالخسارة، والعامل هو الذي يزكي ما نابه من الربح، لسنة واحدة،…. لكن الذي لابن رشد في المقدمات، أنهما إن أرادا أو العامل، لزم العامل زكاة حصته في الربح لكل عام بعد المفاصلة”.
ويقول ابن قدامة: “وإن دفع إلى الرجل ألفا مضاربة على أن الربح بينهما نصفان، فحال الحول وقد بلغ ثلاثة آلاف فعلى رب المال زكاة ألفين، لان ربح التجارب حوله حول أصله، (وعلى المضارب زكاة صحته لأنها له) وليست ملكا لرب المال، بدليل أن للمضارب المطالبة بها.
ومن أوجب الزكاة على المضارب فإنما يوجبها عليه إذا حال الحول حين تبلغ نصابها بمفردها، أو يضمها إلى ما عنده من جنس المال والأثمان”.
ويقول أبو الخطاب: “ويحتسب حوله (نصيب العامل من الربح) من حين ظهور الربح.. ولا يجب إخراج زكاته حتى يقبض المال، لأن العامل يملك الربح بظهوره، فإذا ملكه جرى في حول الزكاة، ولأن من أصلنا أن في المال الضال والمغصوب والدين على مماطل الزكاة.. كذا هنا”.
ويقول ابن قدامة: “وليس عليه إخراجها (زكاة المال) قبل القسمة، كالدين لا يجب الإخراج منه قبل قبضه، والعامل ليس عليه زكاة في حصته حتى يقتسمان ويستأنف حولا من حينئذ”.
ومن الآراء السابقة للفقهاء يتضح أن في زكاة المال في شركات المضاربة رأيين، حيث يرى ابن حجر أنها من قبيل التكلفة بينما يرى الإمام الشافعي في أحد قوليه وابن قدامة (من فقهاء الحنابلة) وابن عرفة (من فقهاء المذهب المالكي) أن الزكاة تخصيص للربح، وليس عبثا عليه.
كما اختلفوا أيضا حول تحديد تاريخ بداية احتساب الحول الذي تجب في نهايته الزكاة على حصة المضارب في الربح، حيث يرى أبو الخطاب والإمام الشافعي وابن عابدين أنه يبدأ حسابها من ظهور الربح لا تحققه، ويحصي عدد السنين التي انقضت قبل بيع السلع ثم تخرج الزكاة الواجبة عن عدد السنين التي مضت بعد اقتسام الربح ويستأنف بها حولا من حينئذ.
والربح نوع من نماء المال، وإن العبرة في النماء الخاضع للزكاة الواجبة، هو النماء التقديري، ولذا فإن الزكاة على الربح – بهذا المفهوم – ليس تكلفة، خلافا لابن حجر من فقهاء الشافعية، وإنما هي شبيهة بضريبة الدخل التي تعد استعمالا للربح، يؤيدني في ذلك طريقة حساب الزكاة على حصة المضارب كما يمكن أن تستنتج من آراء الفقهاء السابقة.
وإذا كانت الزكاة تجب في ظل حدوث خسارة في إحدى السنوات، على عروض التجارة (صافي الأصول المتداولة)، فأرى أن تحسب لكن يؤجل إخراجها حتى تتحقق أرباح في الأعوام التالية لتخرج من هذه الأرباح، يؤيد ذلك رأي الشافعي في أحد قوليه الذي يقضي بحساب الزكاة على حصة المضارب في الربح حين تظهر الأرباح وعدم إخراجها (دفعها) إلا بعد اقتسام الأرباح بين الشركاء.
ويجري التطبيق المحاسبي والتشريع الضريبي على اعتبار ضريبة الأرباح التجارية والصناعية – باعتبارها ضريبة دخل: استعمالا للربح وليست عبئا عليه، أي أنها ليست من قبيل التكلفة، وهذا التطبيق يتفق رأي رجال الفقه الإسلامي فيما يتعلق باعتبار الضرائب من بنود التكلفة عدا الزكاة باعتبارها ضريبة دخل على رأي بعض الفقهاء.
وكذلك تناول رجال الفقه الإسلامي، ما يشبه إلى حد كبير مسموحات المبيعات والمشتريات، ومردوداتها في المحاسبة، حيث يقول ابن قدامة: “ويرد بالعيب فيما وليه هو/ وفيما ولي صاحبه وإن ردت عليه السلعة بعيب فله أن يقبلها، وله أن يعطي أرش (مقابل) العيب، أو يحط (يخصم) من ثمنه، لان ذلك قد يكون أحظ (أحسن) من الرد”.
ويقول ابن رشد: “ومالك يفرق بين العيب اليسير والكثير، فيقول أن كان العيب يسيرا لم يجب الرد ووجبت قيمة العيب (الخصم)، وإن كان كثيرا وجبه الرد”.
ويتضح من ذلك أن الخصم لعيب في المبيع أو المشتري، يعتبر تخفيضا لثمن الشراء أو البيع لأنه خصم من الثمن.
وبتحليل ما سبق من آراء الفقهاء، يتضح أن النقاش حول التكاليف في شركات المضاربة، قاصر على بنود التكاليف التسويقية مثل الأجور والنقل والمسموحات والضرائب، والسبب في ذلك الطبيعة التجارية لشركات المضاربة.
وبذا يتضح أن مفهوم التكلفة في بيوع المرابحة، وشركات المضاربة تشمل الخدمات الفورية مثل خدمات النقل والعمالة، والخدمات قصيرة الأجل المستفادة من السلع المشتراه للاستخدام في عمليات التصنيع أو البيع.
أما الخدمات طويلة الجل المستفادة من الأصول الثابتة، فالواقع أن هذا العنصر من عناصر التكلفة، لم تكن قد ظهرت أهميته، فقد كانت الصناعة آنذاك حرفا يدوية بسيطة، ومن ثم لم تمثل الأصول الثابتة، والخدمات المستفادة منها نقطة نقاش بين رجال الفقه الإسلامي، بيد أنه ليس ثمة ما يمنع من استنباط رأي رجال الفقه الإسلامي في هذا الصدد من مواضع أخرى غير فقه المعاملات.
فالأموال الموقوفة – في الفقه الإسلامي – لا تقصد لجنسها، وإنما لتستخدم المنافع المستفادة منها في المصالح الموقوفة عليها، ويجب على من يرعى شئون الوقف المحافظ على مصدر المنافع، لأن الوقف مؤبد، لا تتعطل منافعه، إلا إذا تعذر الحصول عليها من مصدره، يقول الإمام الشافعي في توضيح كيفية المحافظة على الدار الموقوفة وتوزيع إيراداتها: “وعلى كل وال يليها، أن يعمر ما وهي من هذه الدار، ويصلح ما خاف فساده منها ويصلح منها ما فيه الصلاح لها، والاستزادة في غلتها.. مما يجتمع من غلة (إيراد) هذه الدار، ثم يفرق منها على من له هذه العلة”.
وهكذا فإن النقص الحاصل في الدار الموقوفة، بسبب المنافع المتولدة منها، يجب أن يحجز مقابله من غلتها، حتى يمكن المحافظة على مصدر تولد الإيراد بالقيام بالإصلاحات اللازمة.
والأصول الثابتة تقتني للاستفادة بمنافعها في ممارسة النشاط ومن ثم يجب احتجاز قيمة هذا النقص من الإيراد المتولد عن ممارسة النشاط بالتطبيق لرأي الفقهاء في مصادر المنافع الموقوفة.
وبهذا تشمل التكلفة في الفقه الإسلامي. تكلفة الخدمات التي أسهمت في ممارسة النشاط، سواء كانت خدمات فورية، أو قصيرة الأجل، أو طويلة الأجل.
4 – التكلفة والقيمة الجارية في الفقه الإسلامي:
تناولت الدراسة في النقطة السابقة، مفهوم التكلفة من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، وتبين أنها تشمل جميع بنود التكلفة اللازمة لممارسة النشاط فكيف تقاس هذه التكلفة..؟
مقياس القيمة – في الفقه الإسلامي – هو النقود، وهذه النقود هي الذهب والفضة، أما النقود الوضعية، فهذه تستمد قيمتها في التعامل، وتقوم بها الأشياء، حسب قانون إصدارها في المجتمع.
يقول السرخسي: “الأموال التي لها صفة المالية، أجناس باعتبار أعيانها، جنس واحد، باعتبار صفة المالية فيها، والذهب والفضة، خلقا جوهرين للأثمان”.
ويقول ابن قدامة: “الأثمان هي الذهب والفضة، وهي قيم الأموال، ورأس مال التجارات”.
والتكلفة باعتبارها المقبل للخدمات، التي أسهمت في ممارسة النشاط، تقوم وتقاس بالنقود، حتى يتم تجانس التعبير عنها بلغة واحدة، هي النقود، فهل تقاس الكلفة على أساس ما بذل في سبيل الحصول على الخدمة، التي أسهمت في ممارسة النشاط، أم على أساسا قيمتها الجارية..؟
أساس التقويم في الفكر المحاسبي الإسلامي بصدد ميزانيات الاستغلال، لتحديد قدر الزكاة الواجبة، هو القيمة الجارية، وهذا رأي جمهور الفقهاء.
يقول أبو عبيد بن سلام “حدثنا كثير بن هشام، عن جعفر بن يرقان عن ميمون ابن مهران قال، إذا حلت عليك الزكاة، فانظر ما كان عندك من نقد أو عرض (سلعة) للبيع، فقومه قيمة النقد، وما كان من دين في ملأة (على مدين موسر) أحسبه ثم أطرح منه ما كان عليك من الدين، ثم زك ما بقي”.
وقال أيضا في الثمن الذي يجب التقويم به “قومه بنحو من ثمنه، يوم حلت فيه الزكاة، ثم اخرج منه زكاته”.
ومن ثم تقاس تكلفة الخدمات الفورية بتكلفة الحصول عليها، وتقاس تكلفة الخدمات قصيرة الأجل، على أساس القيمة الجارية للمستنفد منها في ممارسة النشاط، أما تكلفة الخدمات طويلة الأجل المستنفدة في ممارسة النشاط، فتقاس بالفرق بين القيمة الجارية للأصول الثابتة في بداية الفترة وقيمتها في نهايتها.
5 – تغير الأسعار وقياس التكلفة في الفقه الإسلامي:
في دراسة تغير الأسعار، من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، سنجد أنهم فرقوا بين تغير الأسعار بسبب تغير عوامل العرض والطلب، وبين تغير الأسعار بسبب تغير عوامل العرض والطلب، وبين تغير الأسعار الذي يؤثر على القوة الشرائية للنقود بالزيادة والنقص.
وفيما يتعلق بدراسة تغير مستوى الأسعار بسبب تغير عوامل العرض والطلب، أو حوالة الأسواق كما أسموه، فإن هذه لا اعتبار لها، ولا تؤخذ في الحسبان.
يقول ابن رشد “فأما الزيادة بحوالة الأسواق “فأما الزيادة بحوالة الأسواق (تغير عوامل العرض والطلب)، أو النقصان بها، فإنه لا يعتبر بها”.
وأما ما يعتري وحدات النقود من تغير قوتها الشرائية بسبب التغير في المستوى العام للأسعار زيادة ونقصا، فهذا هو الذي نتناوله بالدراسة، لأنه يؤثر على تحديد المراكز المالية لتحديد قدرة الزكاة الواجبة، كما يؤثر على الوفاء بقيمة المبيعات الآجلة، وقيمة القروض، وأضيف أن له أثره على القياس السليم للتكلفة التي تتم المقابلة بينها وبين الإيرادات بهدف تحديد الربح.
وفيما يتعلق بالوفاء بقيمة المبيعات الآجلة والقروض، إذا تغيرت الأسعار وقت الوفاء، تغيرا مؤثرا على القوة الشرائية للنقود بالزيادة والنقص فإن الفقهاء اختلفوا في ذلك، حيث يرى البعض التمسك بالقيمة التاريخية (الأصلية) بغض النظر عما حدث من تغير في القوة الشرائية للنقود، بينما يرى البعض الآخر، أن الوفاء يجب أن يتم على أساس القيمة الجارية لا التاريخية.
يقول برهان الدين محمود: “وإذا غلت بأن زادت قيمتها.. أو نقصت قيمتها ورخصت، فالبيع على حاله، ويطالب بالدراهم العيار الذي كان وقت البيع”.
ويقول ابن عابدين في الوفاء بقيمة القرض: “يأخذ منه عدد ما أعطى لا يزيد ولا ينقص”.
وجاء في مجمع الأنهر: “لو غلت قيمتها أو نقصت قبل القبض، فالبيع على حاله بالإجماع.. ويطالب بنقد بذلك العيار الذي كان وقت البيع”.
ومن هذه الآراء، يتضح أن هذا البعض من الفقهاء، يرى الاعتماد على القيمة الجارية عند الوفاء، قال أبو يوسف: “عليه قيمتها من الدراهم يوم وقع البيع – في عقود البيع – ويوم وقع القبض – في عقود القرض”.
ويقول ابن عابدين “إن المفتى به.. وجوب قيمتها يوم القرض” أي يوم الوفاء بقيمة القرض.
على أن هذا التغير في القوة الشرائية للنقود، إنما يتعلق بالنقود الوضعية (الورقية والمعدنية الآن)، وليس بالنقود الخلقية (الذهب والفضة).
يقول ابن عابدين: “والذي فهم من كلامهم (أي الفقهاء) أن الخلاف المذكور، أنما هو في الفلوس، والدراهم الغالبة الغش”.
ومما سبق يرى الباحث، أن النقود الخلقية (الذهب والفضة) يجب منها، ما تم التعاقد عليه عددا، أو مقابله من النقد الآخر حسب سعر الصرف بينهما، أما النقود الوضعية فتجب قيمتها، حيث هي التي جرى بشأنها الخلاف السابق بين الفقهاء.
وتطبيقا لذلك في قياس التكلفة، فإن تكلفة الجهود المستنفدة في ممارسة النشاط، يجب أن تتم على أساس قيمتها الجارية وقت الاستخدام ما دامت القوى الشرائية للنقود – مقياس القيمة – ليست ثابتة، يؤيدني في ذلك ما سبقت الإشارة إليه من أن العبرة في التقويم عند إعداد المراكز المالية بهدف ربط ضريبة الزكاة، هي القيمة السوقية، وبذلك يتم التعبير عن قوائم نتائج المنشأة، والمركز المالي لها بوحدات نقد ذات قوة شرائية واحدة.
ولقد سبق القول، أن ما تجدد عن عروض القنية – الأصول الثابتة – لا يعتبر ربحا. بل فائدة تختلف في حكمها وصفتها عن ربح النشاط، رغم أن كليهما يعتبر نماء للمال، بمفهوم أن النماء، هو الزيادة.
ومن ثم فإن الفرق بين قياس تكلفة الخدمات المستنفدة من الأصول على أساس قيمتها الجارية، وقيمتها التاريخية يسمى فائدة من وجهة نظر فقهاء المذهب المالكي، وأرى أن يفرد لها حساب مستقل ضمن الاحتياجات الرأسمالية حيث أنها تعتبر ربحا قابلا للتوزيع، ولا للخضوع للضرائب.
أما ما ينتج عن قياس تكلفة الخدمات المستنفدة قصيرة الأجل في ضوء قيمتها الجارية من أرباح، فإنها مثل الأرباح العادية قابلة للتوزيع وللخضوع لضريبة الزكاة باعتبارها ضريبة المال النامي ونمائه.
قياس الإيراد من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي
تتناول الدراسة النقاط التالية:
1 – مفهوم الإيراد.
2 – قياس الإيراد.
1 – مفهوم الإيراد:
نماء الأموال في الفقه الإسلامي – عدا الذهب والفضة – يحتاج إلى ممارسة نشاط استثماري، يتحقق من ممارسته إيرادات، نحصل منها على الربح بعد استنزال التكاليف المبذولة في سبيل الحصول عليها.
والإيرادات بمفهوم انه ناتج ممارسة النشاط، يمكن أن نستنبطه من حديث الفقهاء عن كيفية حدوث الربح في فقه المعاملات.
يقول ابن رشد: “الربح ليس بمتولد عن المال بنفسه كنتاج الماشية، وإنما يحصل لصاحب المال من بائعه بمبايعته إياه، ولو شاء لم يبايعه”.
وجاء في حاشية قليوبي وعميرة أن “الربح يكتسب بحسن التصرف”ز
ويقول الزيلعي: “والمضاربة، دفع المال إلى غيره ليتصرف فيه ويكون الربح بينهما على ما شرطا، فيكون الربح لرب المال بسبب ماله، لأنه نماء ملكنه، وللمضارب باعتبار أنه تسبب لوجود الربح”.
ويقول ابن قدامة: “قولهم أن الربح تابع للمال وحده ممنوع بل هو تابع لهما (المال والعمل)، كما أنه حاصل بهما”.
وهكذا فإن حدوث الربح يتطلب ممارسة نشاط، وحدوث عملية تبادل، وتفاعل رأس المال والعمل، وفضلا عن ذلك يجب توافر حسن التصرف، ومن ثم يمكن القول بان الإيراد الذي هو المقابل في عملية المبادلة، يستلزم تفاعل رأس المال والعمل، أي أنه ناتج ممارسة النشاط التشغيلي للمنشأة.
ولقد سبق القول عند دراسة مفهوم الربح في الفكر الإسلامي بأن الربح يمثل نماء الأصول المتداولة، بينما الأصول الثابتة يسمى فائدة باعتباره أموالا مستفادة دون بذلك مجهودات مقابلها وإنما حدثت نتيجة الاحتفاظ بالأصول، ومن ثم فإننا نستطيع التمييز بين إيرادات ممارسة النشاط التشغيلي، وهي التي يمكن التعرف عليها – كما يرى الفقه الإسلامي – بدراسة التغيرات في صافي الأصول المتداولة بين نقطتين من الزمن، وبين إيرادا الاقتناء، وهي التي يحصل عليها المشروع نتيجة ممارسة نشاط الاحتفاظ بالأصول.
2 – قياس الإيراد:
من خلال مراحل الإيراد، يمكن التعرف عليه وقياسه من خلال ثلاث نقاط، تمثل كل منها تغيرا في صور الثروة المملوكة، فالإنتاج يمثل إتمام عملية التاليف بين الخدمات والجهود بغية الوصول إلى المنتج النهائي سلعة أو خدمة، والبيع يمثل عملية تسليم السلعة أو تقديم الخدمة واستلام المقابل، نقودا أو مكافئها، وتسلم النقود يمثل الحصول على المقابل في عملية المبادلة على وجه اليقين، وهذه النقاط، قد تحقق كلها بدون فواصل زمنية، كما في المبيعات النقدية التي تحدث بمجرد إتمام مراحل الإنتاج، كما قد تتسع الفواصل الزمنية بين تحقيقها.
فكيف يمكن قياس الإيراد من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي؟
سنحاول التعرف على كيفية قياس الإيراد في الفقه الإسلامي بالاستنتاج من آراء الفقهاء حول النماء الخاضع لزكاة المال، ومفهوم الاستبدال الذي يحقق ربحا للبائع، وتوزيع الأرباح في شركات المضاربة الشرعية.
وفيما يتعلق بالنماء الخاضع لزكاة المال، فلا يشترط تحقق هذا النماء في صورة نقدية، بل يكفي أن يكون قابلا للتحقيق في صورة نقدية حتى يخضع لزكاة المال، رغم أنه ما زال في صورة سلع لم يتم بيعها بعد.
يقول ابن قدامة: “ولم نعتبر حقيقة النماء لكثرة اختلافه، وعدم ضبطه، ولأن ما اعتبرت مظنته قيمته التقديرية لم يلتفت إلى حقيقته”.
ويقول ابن حجر: “ويضم الربح الحاصل أثناء الحصول أو مع آخره.. إلى الأصل في الحول.. لان الربح كامن غير متميز”.
وهكذا يتضح أن النماء الخاضع لزكاة المال لا يشترط أن يكون محققا في صورة نقدية، بل يكفي أن يكون قابلا للتحقيق، حتى يخضع لزكاة المال وبناء على ذلك يمكن القول، أن العبرة في التعرف على الإيراد من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، هو وقوع الحدث المادي الذي يؤدي إلى إمكانية الحصول على الإيراد، أي إتمام الإنتاج في المنشآت الصناعية أو حدوث التقديم الفوري للخدمة في المنشآت التي تقوم بتقديم الخدمات إلى الأفراد.
لكن تحقق الإيراد في صورة نقود أو مكافئها، يعتبر ضرورة لتوزيع الأرباح من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، حيث لا يجوز توزيع أية أرباح إلا ما تحقق منها في صورة نقدية.
يقول الزيلعي: “وإذا علم المضارب بالعزل، ومال المضاربة عروض (سلع) باع العروض، ولا ينعزل من ذلك لأن له حقا في الربح، ولا يظهر إلا بالنض (التحول إلى نقود) فثبت له حق البيع ليظهر ذلك”.
كما أن اقتسام الربح رهن بإرادة الشريكين، فلا يجوز لأحدهما الانفراد واخذ جزء من الربح دون علم الآخر، كما لا يصح اقتسامه بمجرد ظهوره، وإنما لابد من الانتظار حتى انتهاء نشاط الفترة المحاسبية حيث قد تحدث خسائر تمتص ما ظهر من أرباح.
يقول ابن قدامة: “وإذا ظهر في المضاربة ربح لم يجز للمضارب أخذ شيء منه بغير أذن رب المال، لا نعلم في هذا خلافا، وإنما لم يملك، لأن الربح وقاية لرأس المال، فلا يأمن الخسران، الذي يكون الربح له جابرا، فيخرج بذلك عن أن يكون ربحا”.
وهكذا يتضح أن الأرباح القابلة للتوزيع من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، هي التي تتحقق في صورة نقدية نتيجة حدوث المبادلة وإتمام بيع السلع أو تقديم الخدمات.
وبناء على ذلك يمكن القول أن تحقق الإيراد نتيجة حدوث المبادلة وإتمام عملية البيع، ضرورة لتحديد القابلة للتوزيع من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي.
وإذا كان الإيراد يتحقق نتيجة القيام بعملية مبادلة، فإن عملية المبادلة تتضمن استبدال شيء بشيء، أي تسلم المقابل للسلعة المباعة أو الخدمة المقدمة.
والاستبدال من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، يتضمن معاوضة يقصد من ورائها الحصول على الربح.
جاء في تفسير المنار: “إن الاستبدال لا يكون شراء، إلا إذا كان فيه فائدة يقصدها المستبدل منه.. (فهو) معاوضة بين طرقين يقصد بها الربح”.
ويقول الطبري في تفسيره قول الله تبارك وتعالى: “فما ربحت تجارتهم”.
“الربح من التجارة، المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلا هو أنفس منها أو من ثمنها الذي يبتاعها به، فأما المستبدل من سلعته بدلا دونها، ودون الثمن الذي يبتاعها به، فهو الخاسر في تجارته”.
وبذا يتضح أن مفهوم الاستبدال من وجهة نظر الفقه الإسلامي يتضمن معاوضة يقصد من ورائها الحصول على الربح، ويتم باستلام المقابل للمنتجات المباعة ويجب أن يكون المقابل الذي يتم الحصول عليه أكبر من التكاليف التي بذلت في سبيله.
ومن كل ما تقدم فإن الإيراد من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي، ويمكن التعرف عليه وقياسه عند نقطة الإنتاج بالقيمة التبادلية للمنتجات، وهو بهذا المفهوم يخضع لزكاة المال، أما تحقق الإيراد بالبيع فهذا – من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي – ضرورة لإمكانية توزيع الأرباح بين الشركاء.
ولقد سبق القول أثناء مفهوم الربح في فقه الزكاة، أن نماء المال المقيس على أساس النماء التقديري أو التحقيقي ينقسم كما يرى فقهاء المذهب المالكي إلى ربح وغلة وفائدة.
أما الربح فهو زيادة المبيع على ثمنه الأول ذهبا أو فضة، أو المتحقق نتيجة إعادة تأجير مكتري للتجارة لشبهه بما يسمى في الفكر المعاصر بتقديم وبيع الخدمات.
والغلة هي ما تجددت عن عروض التجارة بلا بيع لرقابها مثل ثمة شجر و إيجار عقارات مشتراة للتجارة.
أما الفائدة فهي نماء عروض القنية – الأصول الثابتة في المنشآت، والعروض المقتناه للاستعمال بالنسبة للأفراد – التي تنتج من ارتفاع قيمة هذه العروض أو جني الثمار التي تنتج من بعضها.
ولقد أوضحت آنذاك أن فقهاء المذهب المالكي رتبوا على ذلك اختلاف حكم كل نوع من الأنواع الثلاثة للنماء من حيث الخضوع لزكاة المال فالربح يخضع لزكاة المال تبعا لحول أصله، أما الفائدة والغلة فيستقبل بقيمتها حول من يوم استفادتها إذا بلغت نصاب الزكاة، بينما ذهب فقهاء المذاهب الأخرى إلى اعتبار كل نماء في عروض القنية (الأصول الثابتة) له سمته الخاصة وحكمه المختلف عن ربح عروض التجارة في الخضوع لزكاة المال، حيث إذا بلغ نصاب الزكاة يستأنف به حول من يوم استفادته، وبهذا يتفقون مع فقهاء المذهب المالكي في مفهوم وحكم نماء عروض القنية وإن اختلفوا في تسميته حيث وصفه الإمام الشافعي بالغة، واعتبره البعض الآخر أموالا مستفادة أو فائدة.
وإذا كان الفكر المحاسبي الحديث يحاول التمييز بين الربح الناتج من ممارسة النشاط التشغيلي للمنشأة، والربح الناتج عن اقتناء الأصول فإن الربح الناتج عن ممارسة النشاط التشغيلي يشمل ما ذهب فقهاء المالكية إلى تسميته بالربح والغلة معا. أما أرباح حيازة الأصول فهذه تشبه نماء عروض القنية في الفكر الإسلامي، على أن التطبيق الضريبي المصري وفقا للتشريع الضريبي يذهب إلى إخضاع الأرباح المحققة بالفعل في صورة نقود أو مكافئها للضريبة، سواء أكانت أرباحا ناتجة عن ممارسة النشاط التشغيلي أو الاقتنائي للمنشأة، بينما يرى رجال الفقه الإسلامي أن أرباح العمليات (ربح عروض التجارة) تخضع لزكاة المال باعتبارها ضريبة على رأس المال المتداول والربح وتستقطع من الدخل، عدا المالكية الذين يرون أن الغلة – وهي ما تشبه الأرباح العرضية – يستقبل بها حول جديد إذا بلغت نصاب زكاة يوم استفادتها هذا بغض النظر عما إذا كانت هذه الأرباح محققة أو غير محققة لأن العبرة في الفقه الإسلامي، كما سبق، بالنماء التقديري.
أما نماء عروض القنية (أرباح حيازة الأصول) فلا تخضع لزكاة المال بمجرد تحققها كما يرى الفكر الضريبي المعاصر الذي يخضعها لضريبة الدخل بمجرد تحققها، وإنما يستأنف بها حول جديد – تخضع للزكاة في نهايته – من يوم استفادتها إذا بلغت نصاب الزكاة بغض النظر عما إذا كانت محققة أو غير محققة.
وإذا كان تحقق الأرباح في صورة نقود أو مكافئتها ضرورة لكي يمكن توزيع الأرباح ، فإن الفكر الإسلامي المحاسبي يرى في هذا الصدد بالإضافة إلى تحقق الأرباح، أن يكون التوزيع باتفاق إرادة الشركاء، وأن يكون الربح المحدد الذي تجري منه التوزيعات قد تم قياسه عن طريق مقابلة الإيرادات بتكاليف الخدمات المستفيدة في ممارسة النشاط المقيسة قيمتها في ضوء القيم السوقية لهذه الخدمات، حتى لا يتضخم الربح المحدد نتيجة زيادة الأسعار، وبالإضافة إلى ذلك يجب أن يستبعد من الأرباح مقابل الخسائر التي قد تحدث، لأن الربح وقاية لرأس المال، ومن ثم يجب استبعاد أية خسائر قبل القول بوجود الأرباح.
يقول ابن قدامة: “وليس للمضارب ربح حتى يستوفى رأس المال إلى ربه، ومتى كان في المال خسران وربح جبرت الوضعية من الربح سواء كان الخسران والربح في مرة واحدة، أو الخسران في صفقة والربح في أخرى، أو أحداهما في سفرة والآخر في أخرى، لأن معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال، وما لم يفضل فليس بربح.
وإذا ظهر في المضاربة ربح، لم يجز للمضارب، أخذ شيء منه بغير إذن رب المال، لا نعلم في هذا خلافا، وإنما لم يملك لأن الربح وقاية لرأس المال، فلا يأمن الخسران الذي يكون الربح جابرا له”.
ويقول الزيلعي: “والربح تابع ورأس المال أصل فلا يسلم الربح بدون سلامة الأصل،.. فإذا هلك ما في يده تبين أنه ليس برأس المال وإن ما اقتسماه ليس بربع، إذ لا يتصور بقاء التبع بدون الأصل”.
وفي الفكر المحاسبي المعاصر، يقتضي القول بوحدة الأرباح خلال حياة المشروع، امتصاص خسارة إحدى السنوات من أرباح سنوات سابقة أو لاحقة والمشروع الضريبي المصري حينما نص على امتصاص خسارة إحدى السنوات من أرباح السنوات السابقة أو اللاحقة لسنة تحقق الخسارة، فإن هذا كان توفيقا منه بين استغلال السنوات الضريبية، ومبدأ وحدة الأرباح السابق، وطبيعي أن الأساس الذي يقوم عليه جبر الخسران من الربح في الفكر الإسلامي وهو المحافظة على سلامة رأس المال أقوى وأوضح من الأساس المحاسبي أو الضريبي السابقين.
وتبقى نقطة أخيرة تتعلق بالوفاء بقيمة المبيعات الآجل في ظل تغيرات الأسعار وهل يتم الوفاء بقيمتها في تاريخ البيع أو في تاريخ الوفاء (السداد).
اختلف رجال الفقه الإسلامي في ذلك، حيث يرى البعض الوفاء بقيمتها في تاريخ البيع، أي قيمتها التاريخية، بينما يرى البعض الآخر الوفاء بقيمتها في تاريخ السداد. ونؤيد رأي القائلين بالوفاء بقيمة النقود في تاريخ السداد، وليس عددها في تاريخ التعاقد حيث وضح آنذاك من الدراسة أن هذا الرأي هو المفتي به وهو رأي الجمهور.
ويترتب على الأخذ بهذا القول في ظل ارتفاع أو انخفاض الأسعار حدوث فروق بالزيادة والنقص بين قيمة المبيعات المحصلة وقيمتها المسجلة في الدفاتر وتعالج هذه الفروق في مخصص يكون ليعالج فيه أثر تغيرات الأسعار بالزيادة أو النقص يسمى مخصص تسوية التغيرات في قيمة العملة.
على أن الاعتماد على القيم السوقية في قياس الإيرادات والتكاليف من وجهة نظر رجال الفقه الإسلامي ليس مرده مراعاة أثر تغير الأسعار فقط، وإنما حتى في ظل افتراض ثبات قيمة نقود، فإن استخدام القيم السوقية في قياس الإيرادات والتكاليف من وجهة نظرهم ضرورة للمحافظة على الطاقة الإنتاجية للمشروع وعلى مقدرته الكسبية.
والربح المقيس على هذا الأساس يخضع لزكاة المال، لأن العبرة في الخضوع لزكاة المال بالنماء التقديري، أما قابلية الربح للتوزيع، فإن رجا الفقه الإسلامي اشترطوا ضرورة تحققه في صورة نقدية حتى يمكن القيام بتوزيعه.