مقدمة تأسيسية:
يؤم هذا البحث – في ما يتصّدى له من محاولة، بيانا وكشفا – ناحية من العلم في الإسلام يجوز القول أن الدرس الأصولي على مرّ تاريخه ظل مقْصِرًا عنها.. وإنها لناحية يقتضي ذلك التاريخ نفسه – اقتضاء منهجيا – أن يسارع إليها اليوم، فتوطأ على الفور وتفتح.. إنها قضية: (الكلام في طبيعة الأصول ووظيفتها)، أعني: (الطبيعة والوظيفة الكُلِّيتين)..! ذلك أنه ما دامت التحولات التي عرفها (العصر) ظلت إلى حد كبير تحولات كلية في مجملها.. تصير (نوعية) في كثير من الأحيان، فإن المنظومات المعرفية المعنية ههنا لا بد أن تغير هي كذلك من استراتيجياتها التأصيلية لتكون أكثر فعالية وجاهزية.. وليس شيء من ذلك إلا أن تصير هي كذلك كلية.. إلى حد يصح معه الحديث في النهاية عن ما كان يدعوه الأصوليون – ممن شأنهم ذلك-: “تأصيل الأصول”.. وأحسب أنه بـ “الاستمرار في تأصيل الأصول” يستطيع العلم في الإسلام، والدرس الأصولي منه خاصة – باعتباره المعنيَّ الأول – والفقهي تبعا له، أن يتجاوز ما يصطلح عليه كثير من الدارسين: “إشكال المنهج” أو “مشكلة المنهج”!.. إشكال المنهج الذي يظل يتفاقم طرديا والبعد من (الموضوع المدروس): “زمن النبوة” في هذه الحالة..
هذا، وإذا كان المقصود بـ (الأصول) الاستمرار في تأصيلها اليوم: الأصول كل الأصول.. فإن هذا المقصود ينحصر في هذا البحث في: الأصول بمعنى الأدلة.. ومن الأدلة نكتفي بالكتاب والسنة، ومن الكتاب والسنة: السنة الآن فحسب، كما لا يكون لنا إلا أن نمسك أيضا في هذا المقام عن الحديث عن (الوظيفة) .. فنتساءل إذن وبشكل تأسيسي ومباشر: هل من طبيعة خاصة للسنة؟ أو هل السنة من طبيعة خاصة؟ ذلك بالتحديد هو السؤال.
ذلك، وإن كان معلوما أن هذا النوع من التحديد والفصل والاقتصار في مختلف جوانبه صعب، وصعب جدا، لأن أي حديث عن طبيعة خاصة للسنة، لا يصح تماما أو يفهم إلا بالقياس إلى الكتاب.. بل الحديث عن طبائع للأشياء لا يكتمل – أو لا يصح – إلا مرتبطا بالحديث عن وظائفها.. ولكنها الضرورات المنهجية والإجرائية تلجئ إلى ذلك..! فالأساس فيما أشرنا إليه من إشكال إنما يؤُول إلى حرف واحد، يخص السنة والكتاب جميعا، مؤداه تماما: أن المنهجية الأصولية – في معالجاتها المختلفة، وسواء من حيث الرؤية أو المنهج – ظلت دائما تعتبر السنة كتابا، والكتاب سنة.. بما يؤول في النهاية إلى اعتبارهما أصلا واحدا، لا أصلين اثنين..
1- السنة ممارسة:
وعليه، يقول النظر المبثوث في هذه المحاولة وبشكل تقريري ابتداء، إن: السنة النبوية – بما في ذلك السنن القولية – هي (ممارسة).. هذه طبيعتها، وهكذا ينبغي اعتبارها والنظر إليها.. ممارسة ليس بمعنى أنها (التطبيق).. المقابل للنظرية (= القرآن)، أي تطبيق للقرآن، لا بل السنة فيها ما هو نظري وما هو تطبيقي.. ثم القرآن – بعد ذلك – ليس نظرية، وليس شيئا نظريا.. بما هو معلوم لهذه الكلمات من معنى، فالمقصود إذاً أنها ممارسة في نفسها .. وإذاً هي أصل في نفسها!
ومن الأدلة في ذلك والبيان له:
أولاً: أنه لأجل ذلك – والله أعلم- كان ما هو معلوم من حال السنن من النهي عن كتابتها من جهة، وعدم الأمر بجمعها من جهة ثانية، مما يدل أن القصد فيها النظر إليها (موضوعًا خارجيًا)، وهذا بخلاف القرآن فإنه – باعتبار خارجي، أي من حيث تنـزيله – يمكن عده (ممارسة): أي (تصريفا إلهيا للدين باتجاه الواقع).. !
وذلك أن الله تعالى كان يربي ذلك الجيل، الذي كان محلا لتنزيل القرآن، ويحدث فيهم التغيير بعملية التنزيل ذاتها.. لكن حين أمر بكتابة كل نص قرآني ينـزل، ثم أمر بجمع الجميع، وفق ترتيب جديد مغاير لترتيب النزول، بحيث أصبحت النصوص نصا واحدا، وتم بذلك فك الارتباط بين (النص) من حيث هو نص، وبين (فعل التنـزيل) من حيث هو فعل، علمنا علما أن الخطاب (= النص) شيء، والممارسة (= عملية التنـزيل) شيء آخر، وأن القصد أن لا يخلط بينهما، وليست السنة كذلك، بل هي ممارسة، والقصد الشرعي فيها أن تبقى ممارسة..
ولذلك أمكن للأفراد أن يجمع الواحد منهم القرآن كله عنده، ولم يمكن ذلك في السنة إلا للأمة، فإنه لا يغيب عنها من حيث هي أمة شيء من السنة، وإن كان يغيب عن الآحاد من أفرادها كما يقول الشافعي..
هذا بالنسبة للناس بعد زمن النبوة، أما أثناءه فإنما نُهُوا لشيء آخر، ولكن لأجل المعنى نفسه، أي لئلا يشغلوا عن الصحبة، والتفاعل، والاقتباس المباشر(1)، وهذا جزء مما تشير إليه الرواية عن عائشة (رضي الله عنها) من معان، حين تنتقد صريحا ما صارت تراه من بوادر أولية لمنهجية ستصير مسيطرة بعد ذلك في النظر إلى السنة والتعاطي معها، فتقول: “إن رسول الله r لم يكن يسرد الحديث كسردكم”(2)!..
وهكذا، عندما جاءت مرحلة التدوين أصبحت السنة في أيدي الناس (نصوصا) و(أحاديث).. – أي تسرد! – وعندها بدأ التحول! وكان الإشكال في تجريد السنة من طبيعتها، أي النظر إليها خطابا لا ممارسة، حتى الفعلية منها والتقريرية تم اعتبارها من قبيل الخطاب (الشرعي)، وهذا أدى إلى تضييق مفهوم السنة من جهة، حيث تم حصرها في (ما روي) – أي (المروي) – دون (ما لم يرو)، وكان المروي (مفردات الأحكام الجزئية) دون غيرها، بينما السنة جملة الممارسة النبوية كيفما تصورت.. وهذا الأمر الذي نبه عليه كثير من المحصلين، كتأكيد ابن تيمية مثلا أنه: “لا يجوز أن يدعى انحصار أحاديث رسول الله r في دواوين معينة..”(3).
على أن هذا لم يكن كذلك أول الأمر.. “فإن المدونات الأولى في الحديث (منتصف القرن الثاني) كانت كتب آثار، تجمع أحاديث النبي r وأقوال الصحابة والتابعين”(4)، وها هو ذا الموطأ بين أيدي الناس اليوم، أقدم ما وصلنا من مصنفات، تنظر إليه تجد هذا المعنى واضحا فيه، فإنه أعطى أهمية كبرى لآراء الصحابة وعمل الناس…(5).
ثانيًا: إنه لأجل (فقه الحديث) – أي حديث – تراهم يلجأون إلى آلية مساعدة يمكن نعتها: “التقدير”، أي (تقدير محذوف في النص).. (تقدير واقعة)، (تقدير سؤال) إلخ… ذلك بحيث صار ذلك الأصل.
ولذلك فـ (النص الحديثي) أيضا قلما يستقل وحده بإفادة معناه، إلا أن ينضم إلى غيره، أو ينضم غيره إليه، فينظر فيها جميعا.. إنه من يتّبّع ويستقرئ يجد أن (تحصيل الفهم) و(الإمساك بالدلالة) بالنسبة لـ (النصوص الحديثية) يحتاج عند المختصين دوما إلى (اجتهاد)! أي توقفًا.. وبحثًا.. وتأملاً.. ونظراً.. واستفراغًا واسعًا.. فإذن فالأحاديث النبوية إنما هي واقع (وموضوع)، ليست بخطاب.
ثالثا: النص الحديثي في نفسه اجتهاد، النص الحديثي بما هو رواية أو روايات.. إنما يمثل فقه الصحابي للممارسة النبوية والواقع الديني القائم، وهو فقه وإن كان احتمال الخطأ فيه ضئيلا وضئيلا جدا.. أي غير معتبر، إلا أنه مع ذلك فقه خاص ومتفاوت..
فقد أجازوا رواية الحديث بالمعنى، وما ذلك إلا لكونه – في الجملة – ثابت من جهة الصحابة بالمعنى…
“والخلاف في أسباب النزول يرجع غالبا إلى أن الذين عاصروا نزول الآية أو السورة ربطها كل منهم بما فهم أو بما توهم أنه السبب في نزولها”(6).
من هنا لابد من مراعاة أفضل لما يسمونه “فهم الصحابي” أو”مذهب الصحابي” أو “رأي الصحابي”، والرفع من قيمته الاستدلالية، لأنه في المحصلة النهائية حين يعارض حديثا نبويا.. فالمعارضة في حقيقة الأمر إنما هي بين فهمين وتقديرين ليس أكثر.
يبين الشافعي هذا وما يزيد عليه فيقول عن النبي r: “ويسئل عن الشيء فيجيب على قدر المسئلة، ويؤدي عنه المخبر عنه الخبر متقصى، والخبر مختصرا، والخبر، فيأتي ببعض معناه دون بعض، ويحدث عنه الرجل الحديث قد أدرك جوابه ولم يدرك المسئلة فيدله على حقيقة الجواب بمعرفته السبب الذي يخرج عليه الجواب، ويسن في الشيء سنة وفيما يخالفه أخرى، فلا يخلص بعض السامعين بين اختلاف الحالين اللتين سن فيهما. ويسن سنة في نص معناه فيحفظها حافظ، ويسن في معنى – يخالفه في معنى ويجامعه في معنى – سنة غيرها، لاختلاف الحالين فيحفظ غيره تلك السنة، فإذا أدى كل ما حفظ رآه بعض السامعين اختلافا، وليس شيء منه مختلف.
ويَسُن بلفظ مخرجه عام جملة بتحريم شيء أو بتحليله، ويسن في غيره خلاف الجملة، فيستدل على أنه لم يرد بما حرم ما أحل، ولا بما أحل ما حرم (…) ويسن السنة ثم ينسخها بسنة، ولم يدع أن يبين كلما نسخ من سنته بسنته، ولكن ربما ذهب على الذي سمع من رسول الله بعض علم الناسخ أو علم المنسوخ، فحفظ أحدهما دون الذي سمع من رسول الله الآخر، وليس يذهب ذلك على عامتهم حتى لا يكون فيهم موجودا إذا طلب..”(7).
وقال في موطن آخر: “وهذا يدل على أن بعض الحديث يخص، فيحفظ بعضه دون بعض، فيحفظ منه شيء كان أولاً ولا يحفظ آخرًا، ويحفظ آخرا ولا يحفظ أولاً، فيؤدي كل ما حفظ”(8).
قال: “وما لم يوجد فيه إلا الاختلاف، فلا يعدو أن يكون لم يحفظ متقصّى، كما وصفت قبل هذا، فيعد مختلفا، ويغيب عنا من سبب تبيينه ما علمنا في غيره، أو وهما من محدث.
ولم نجد عنه شيئا مختلفا فكشفناه، إلا وجدنا له وجها يحتمل به ألاّ يكون مختلفا، وأن يكون داخلا في الوجوه التي وصفت لك”(9).
فإذن فالراوي (الصحابي) إنما ينقل ما يحسبه بنظره ضروريًا، ويكتفي بما يظنه مقصود المتكلم، ويستغني عن ما يظنه غير مفيد – لجديد مثلا – ولا مقصود.. وإن كان غيره قد يظنه مفيدا أو مقصودا..
وقد يتقصى لينقل الجميع، لكن يفوته الشيء لم يدركه أو لم يستطعه… وهكذا يصبح الناس متفاوتين في (العلم برسول الله)(10)!
رابعا: يقول ولي الله الدهلوي في مثل ما جاء به الشافعي من معان، ولكن متنزلا إلى ما هو أخص: الفقه، والوجه الذي جاء به في السنة، وكيف كان استمداده منها أول مرة، يقول: “أما رسول الله r فكان يتوضأ، فيرى الصحابة وضوءه فيأخذون به من غير أن يبين أن هذا ركن وذلك أدب، وكان يصلي فيرون صلاته فيصلون كما رأوه يصلي، وحج فرمق الناس حجه، ففعلوا كما فعل، فهذا كان غالب حاله عليه السلام، ولم يبين أن فروض الوضوء ستة أو أربعة، ولم يفرض أنه يحتمل أن يتوضأ إنسان بغير موالاة حتى يحكم عليه بالصحة أو الفساد إلا ما شاء الله”(11)، قال: “وبالجملة فهذه كانت عادته الكريمة r فرأى كل صحابي ما يسره الله له من عبادته وفتاواه وأقضيته فحفظها وعقلها وعرف لكل شيء وجها من قبل حفوف القرائن به، فحمل بعضها على الإباحة، وبعضها على النسخ لأمارات وقرائن كانت كافية عنده، ولم يكن العمدة عندهم إلا وجدان الاطمئنان والثلج من غير التفات إلى طرق الاستدلال، كما ترى الأعراب يفهمون مقصود الكلام فيما بينهم وتثلج صدورهم بالتصريح والتلويح والإيماء من حيث لا يشعرون”(12).
ومن أمثلة ذلك: اختلافهم في (التحصيب)(13)، هل كان على وجه القربة أم على وجهة الاتفاق(14). وكذلك (الرمل) هل هو سنة أم على سبيل الارتفاق لعارض عرض، وهو قول المشركين حطمهم حمى يثرب(15). و(الحج) – جملة – رآه الناس فذهب بعضهم إلى أنه كان متمتعا، وبعضهم إلى أنه كان قارنا، وبعضهم إلى أنه كان منفردا(16).
وأخرج أبو داود عن سعيد بن جبير أنه قال: قلت لعبد الله بن عباس يا أبا العباس عجبت لاختلاف أصحاب رسول الله r حين أوجب، فقال: إني لأعلم الناس بذلك إنها كانت من رسول الله r حجة واحدة فمن هناك اختلفوا: خرج رسول الله r حاجا فلما صلى في مسجد ذي الحليفة ركعة أوجب في مجلسه وأهلّ بالحج حين فرغ من ركعته فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه ثم ركب، فلما استقلت به ناقته أهلّ وأدرك ذلك منه أقوام، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالاً، فسمعوه حين استقلت به ناقته يهلّ، فقالوا: إنما أهلّ رسول الله r، حين استقلت به ناقته، ثم مضى رسول الله r، فلما علا على شرف البيداء، أهلّ وأدرك ذلك منه أقوام، فقالوا: إنما أهلّ حين علا على شرف البيداء، وأيم الله لقد أوجب في مصلاه، وأهلّ حين استقلت به ناقته، وأهلّ حين علا على شرف البيداء”(17).
ومن ذلك: ما روي أن ابن عمر كان يقول: اعتمر رسول الله r عمرة في رجب فسهت ذلك عائشة فقضت عليه بالسهو(18)، وحين روى عمر أن النبي r قال: “إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه” قضت عائشة عليه أنه لم يأخذ الحديث على وجهه، بل مر رسول الله r على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: إنهم يبكون عليها وإنها تعذب في قبرها”(19).
فإذاً الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا ناقلين للأخبار، أي رسلاً مبلغين، بل كانوا مخبرين.. مخبرين عن واقع شاهدوه وعاينوه.. وهذا الواقع منه أقوال وأفعال وإقرار..
خامسا: فإن الأهم والأعمق في الأسباب التي جعلت الصحابة (رضي الله عنهم) ينقلون زمانهم – زمن النبوة- ويقتصرون فيه بالذي قد أخبروا دون ما لم يخبروا، أمران أساس غير ما ذكر.
فأما الأول: فلأن حرصهم إنما كان على توصيل ما كانوا يرونه جديدا محدثا فيهم (أي بالإسلام)، وذلك الجديد إما تغييرا لقائم معهود، أو ابتداء لغير موجود ولا معهود..
وأما الثاني: فإنه لما كان الزمن المخبر فيه غير الزمن المخبر عنه، كان منطقيًا، أن يكون للمخبر فيه عمل في المخبر به.. لذلك ما تم الإخبار عنه هو من جهة أخرى إجابة عن الأسئلة التي كان يُلقي بها زمن الإخبار.. – إما أسئلة جديدة كليا، أو يعاد القذف بها من جديد – مما يتعلق بالتحولات الاجتماعية في الأفكار والأخلاق والمعاملات، وما إلى ذلك.
وهكذا فإنهم إنما كانوا يخبرون عما يقتضي الحال الإخبار به، وبعبارة أخرى كانوا يخبرون على قدر ما يشاهدونه من المخالفة لما اتصل بهم من زمن النبوة.. المخالفة الناتجة عن تغير الأماكن والأزمان والأحوال، وإلا فما لم يكن مخالفة أو تغيُّرٌ فالعادة تقضي أن لا حاجة إلى الأقوال، إذ الأمر حينها أن نكون – على التحقيق- أمام زمن واحد لا أزمان.. قال ابن العربي عن حديث من الأحاديث: “وهذا صحيح، وإن كان لم يروه أهل الصحيح، ولكنهم تركوه لأنهم لم يحتاجوا إليه، وقد كان الصحابة والعلماء يتغافلون عن الحديث الذي لا يحتاجون إليه، وإن ذهب، ويكرهون أن يبتدئوا بذكره حتى يحتاج إليه…”(20)، وفي موضع آخر قال: “فإن قيل: فلم ينقل عن النبي r أنه أخذ الزكاة من خضر المدينة ولا خيبر، قلنا: كذلك عوّل علماؤنا (أي المالكية)، وتحقيقه: أنه عدم دليل لا وجود دليل، فإن قيل: لو أخذها لنقل، قلنا: وأي حاجة إلى نقله، والقرآن يغني عنه”(21)، وفيما ورد من أحاديث في أداء العيدين من غير أذان ولا إقامة، وخاصة حديث عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله وابن عباس (أنهما) قالا: “لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى ولا يقام”، قال أبو عمر (ابن عبد البر): إنما قالا ذلك لأن بني أمية أحدثوا الأذان ولم يكن يعرفونه قبل”(22)، فإذن لولا مثل هذه الأحداث لما ذكر الحديث، كيف وقد “كان هذا (أي ما جاء به الحديث) بالحجاز والعراق معلوما مجتمعا عليه قبل أن يحدث معاوية الأذان في العيدين”!(23)، ثم إن من أوضح النصوص في مثل هذا ما روي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه): “وسمع قوما يتذاكرون الحوض فقال: ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض، لقد تركت عجائز خلفي، ما تصلي امرأة منهن إلا سألت الله أن يسقيها من حوض النبي r”(24)!.
إن هذا قد يفسر لنا تماما قلة الرواية زمن الصحابة وكبار التابعين، أو على الأقل عدم تدوين الحديث، فهم إنما كانوا يروون وفق الحاجة.. والحاجة لم تكن كثيرة.
سادسا: إن النبي r كان يبين الشرع (أي يعمل به في الناس) على قدر الحاجة(25)، مما يجعل الأحكام مشدودة إلى واقع النبوة مقتصرة على ما فيه، فتراها لذلك تخرج مخرج الغالب، كحصر الزكاة في المعروف عندهم من الأقوات الثمانية، والربا في الأصناف المذكورة، والخمر في الأشخاص الملعونة.. وأمثال ذلك، وهذا كما قد يعفو عن أشياء فقط لأجل عموم البلوى بها زمن الرسالة، كما قالوا مثلا في عدم اعتبار القدمين في تحديد عورة المرأة(26)، وغير ذلك.
سابعا: كثير من الأمور نهى عنها r ثم أجازها بعد ذلك أو العكس، أو نسخها، أو أجازها لبعض الناس دون بعض، أو همّ أن يفعلها ولم يفعلها… أو خص بعض الناس في وقت معين ببيان شيء من الأحكام..
وأمثلة هذه الأشياء معلومة، كالحكم في ادخار لحوم الأضاحي، وزيارة القبور.. وإذنه لعبد الرحمن ابن عوف في لبس الحرير.. وقوله في كثير من الأمور: لقد هممت.. وتخصيصه عليًا ببيان حكم العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر، وعمرو بن حزم بكتاب في نصاب الزكاة… الخ.
وبهذا يعلم أن مسائل النسخ وتغير الأحكام من القضايا التي ينبغي من حيث التصنيف المنهجي لها- بل الانتماء المعرفي لها – أن تكون السنة أحق بها من القرآن..
ثامنا: قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ…) (النساء:61، المائدة: 104)، فهناك إذًا مصدران للتلقي..:
أولهما: (ما أنزل الله).
ثم (الرسول): الرسول باعتباره كيانا ذا وجود خارجي محسوس ومتعين، وليس فقط ما يقوله أو ما يفعله أو ما يقره، بل الرسول.. هكذا.. كل الرسول.. بإطلاق! وهذه الآية وغيرها مما هو من أخواتها فيها تقييد، فهي لذلك أخص من آيات الطاعة: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ) (الأنفال: 20)، (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) (المائدة: 92)،… فإن آيات الطاعة مطلقة، فيقضى بالمقيد على المطلق.. على أن من مدلول قوله تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ) (النساء: 80) ليس اعتبار طاعة الرسول من طاعة الله فحسب، ولكن أيضا هي دالة أن طاعة الله غير ممكنة إلا بطاعة الرسول، أي أن الطاعة الممكنة (فعلا) إنما هي طاعة الرسول، أما طاعة الله فممكنة (حكما) واعتبارا فحسب، فالمطلوب في حق الله تعالى فعلا وحقيقة إنما يتعلق بما أنزله من (كتاب)، أما الرسول فوجود خارجي موضوعي، فحتى ما يتكلم به من (أقوال) فإنما هو على الحقيقة جزء من ذلك الوجود الخارجي الموضوعي..
يعزز هذه الإشارات أنه كذلك فرض تعالى اتباع الرسول: (فَاتَّبِعُونِي) (آل عمران: 31)، (وَاتَّبِعُوهُ) (الأعراف: 158)، أما هو سبحانه فأوجب لنفسه من ذلك حين أوجب: اتباع ما أوحى وأنزل: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) (الأنعام: 106)، (وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ) (الأعراف: 157)، وفي الحكم والتحكيم: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ…) (المائدة: 44، 45، 47)، أما الرسول فـ (حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ) (النساء: 65)، (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ) (المائدة: 43).. ولا يعترض بقوله تعالى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ) (يوسف: 40-67)، أو قوله: (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ) (غافر: 12)، فهذه إنما المقصود فيها جميعا الحكم – التكويني القدري – بما في ذلك الأخروي – لا الحكم التشريعي (التكليفي) الذي نتحدث فيه..
وهذا التمييز والفرق الذي يجعل المعاملة التشريعية (لا القدرية أو التعبدية) مع الله تعالى تنحصر في (ما أنزل)، وبالنسبة للرسول تتسع اتساعا يستحيل معه أي عزل لما يصدر عن الذات من أفعال أو أقوال عن الذات ذاتها، أي يستحيل فرز الحركة من الوجود.. هذا التمييز والفرق هو ما يوحى به لفظ (سنة) ذاته من دلالات لغوية أصلية..
– كيف يكون القول فعلاً؟
والآن، فإن قيل: هذا الذي قلت مفهوم، (أي بالنسبة لما هو فعل وتقرير)، لكن لابد من الاقتراب أكثر.. فكيف يكون القول فعلا؟
فالجواب: أن كل الأحاديث القولية في الحقيقة قد أتت في سياق واقعات وأحداث معينة.. (قصة الحديث)! تروى، وقد لا تروى..
قال الشاطبي عن تقريره r للزاني إذ أقر عنده، فبالغ في الاحتياط عليه، حتى صرح له r بلفظ الوطء الصريح -قال-: “والقول هنا فعل، لأنه معنى تكليفي لا تعريفي؛ فالتعريفي هو المعدود في الأقوال، وهو الذي يؤتى به أمرا أو نهيًا أو إخبارا بحكم شرعي، والتكليفي هو الذي لا يعرف بالحكم بنفسه من حيث هو قول، كما أن الفعل كذلك”(27).
وهذا صحيح، لكن حتى ما سماه (تعريفيا)، أتراه r كان يمكث ما شاء الله أن يمكث، ويمسك عن القول ماشيىء له أن يمسك، ثم يقوم – هكذا، فجأة، من غير سبب أو مناسبة – فيرسل إلى الناس أو يذهب.. هو إليهم، فيتكلم فيهم ويلقي عليهم القول(28).
إن القول – أي قول – لابد هو جزء من فعل (جزء من واقع) معين.. أي له أسباب موضوعية يرتبط بها، وموجّه إلى ناس معينين يتعلق بهم..
وحين يبدو قول من الأقوال السنّية كأنه فوق التاريخ أو خارج حدود الزمان والمكان، فإنه مع ذلك يكون تحت معنى قرآني كلي.. أي يكون جزئيا.
ولنر بعض النماذج من ذلك، مثلا قوله r: “لا وصية لوارث”(29)، هذا يبدو كأنه استئناف أصل، وتمهيد قاعدة.. وما هو كذلك! وإن كان يوهم أنه كذلك، نعم هو متعال عن كل تحيين وتعيين، لكن مع ذلك هو فرع لا أصل، وزيادة بيان لا بيان، ومن باب الحاجي لا الضروري، والنتائج لا المقدمات.. إنه مادام الإرث أنصبة محددة وقسمة مقسمة، فالمنطق يقتضي أن (لا وصية لوارث)، وإلاّ فلا معنى للقسمة والنصيب.. !
كذلك قوله r: “لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا المرأة وخالتها”(30)، ليس الخالة والعمة إلا بمنـزلة الأخت، وقد ذكرت في القرآن(31).
كذلك قوله r: “لا ضرر ولا ضرار”(32)، مع أنه من أعم النصوص وأطلقها، هو بلا شك تأكيد أصل، لا أصل..
أيضا القواعد والأصول التي جاءت بها (خطبة حجة الوداع) مثلا، إنما هي تأكيد للأصول القرآنية ليس أكثر.. وهذا معنى كونها ممارسة وفعل…
هذا بالنسبة لما يبدو أنه أصول وكليات، أما ما هو جزئي في نفسه فذلك أوضح من الإطناب فيه..
2- الممارسة سنة:
إذا تقرر أن (السنة ممارسة)، فالذي ينتج عنه أن (الممارسة سنة)..
بمعنى أن (الواقع الجديد)، (=الواقع النبوي المحض) كله حجة، الواقع الجديد بعاداته ومعاملاته وعلاقاته، بتكوينه الداخلي (=مورفلوجيته) ووعيه الجمعي، باجتماعياته ومالياته واقتصادياته وسياساته وعسكرياته، بل أحداثه الفردية ووقائعه الجزئية كل ذلك حجة وشريعة.. أي فيه أحكام للأمة جميعًا…
وهذه الجملة تنتظمها بنائيًا مجموعة قواعد ذكرت في (الأصول) لكن على وجه أضعفت فيه وأفرغت من محتواها بناء عليه، مع أنها على الحقيقة أصل من أصول الدين.
ولعل الأساس في هذه القواعد جميعا قاعدة أُم، هي قاعدة “العصمة”، نتوسل من خلالها إلى ما نريد.
ولا بأس أن نذكر – مرة أخرى- في هذا الموضع أن من الأغراض الأساسية في هذا البحث محاولة الإمساك بالمنهج.. والاجتهاد في استبداله بالانتقائية المسجلة من حين لآخر.. وذلك حيث صارت مباحث السنة تعج بثنائيات لا حصر لها.. فيتحدث فيها عن:
ما هو حجة، وما ليس بحجة..
وما هو وحي، وما ليس بوحي..
وما هو تشريع، وما ليس بتشريع..
وما هو قربة، وما هو ارتفاق..
وما هو معلل، وما ليس بمعلل..
وما هو ثابت، وما هو متغير..
وما هو “عام لأهل الأرض، وما هو خاص ببعضهم”(33)..
وما يجتهد فيه النبي r، وما لا يجتهد فيه..
وما هو معصوم فيه، وما ليس بمعصوم..
وهلم جرا من أمثال ذلك، وأمثال أمثاله…
وإذا كان من الـمَهمات الـمُهمات في البحث العلمي تجاوز مثل هذه (الثنائيات) – الموغلة في (التجزيء)، ثم بعد ذلك (التوفيق)!- والتحقق بـ (رؤية) واحدة موحدة، لها قدرة (تفسيرية) ذاتية، وذاتية فقط، فإن اللائق بنا في قاعدة “العصمة” هذه:
مغادرة الحديث عن (عصمة النبي) إلى الحديث عن (عصمة النبوة) ذاتها..
أعني (وظائف النبوة)..
فما وظائف النبوة؟
إن للنبوة وظيفتين أصليتين:
1- وظيفة التبليغ (=تبليغ الرسالة).
2- وظيفة التحويل (=التحول بالناس تجاه الدين الجديد =إنشاء واقع جديد).
وإذا كنا لا نـزال على ذكر بالفرق المدرسي بين (النبي) و(الرسول)، فهذا ليس ينقضه أو يختلف عليه، بل هو يزكيه ويتزكى به، فمحمد ( (نبي) و(رسول) .. نبي باعتبار الوظيفة الثانية، رسول باعتبار الوظيفة الأولى، كذلك بعث بأصلين.. (الكتاب) و(السنة)، الكتاب باعتبار الوظيفة الأولى، والسنة باعتبار الوظيفة الثانية..
كذلك الدين (إيمان) و(إسلام).. سوف نرى فيما بعد أنه إيمان باعتبار الوظيفة الأولى، وإسلام باعتبارالوظيفة الثانية..
العجيب – في الإسلام على الأقل- أن الوظيفتين لم تكونا منفصلتين في الواقع، فعبر الوظيفة الأولى كانت أجزاء مهمة من الوظيفة الثانية تتأدى.. لقد كانت الطريقة التي اتصل بها الكتاب بالأرض طريقة تتغيى الواقع وتقصده ابتداء… فأشواط كبيرة من الوظيفة الثانية كانت تنجز عبر الوظيفة الأولى، والعكس غير صحيح.. فالوظيفة الأولى – بالنظر إليها وظيفة واعتبارها كذلك- لم تتوقف في شيء منها على الوظيفة الثانية(34).
فهاتان الوظيفتان إذًا ما يكون لهما إلا أن تكونا معصومتين، أقصد كليًا وبالنظر إلى الجملة لا التفاصيل، بمعنى أن كل وظيفة هي معصومة في المحصلة النهائية، وحجة.. وهذا يعني أن قيم الجزئيات وأحكام التفاصيل التي يتشكل منها (الكل) لا اعتداد بها في ذاتها، أي من حيث هي قيم جزئيات وأحكام تفاصيل، بل الاعتداد إنما يكون بالكل، و(إنما الأمور بخواتمها).. وعلى هذا كان الرأي عند كثير من المحققين، أنه “وإن قال قائل بعدم عصمة الأنبياء من الذنوب والمخالفات أو الخطأ والنسيان، فإن المقطوع به أنهم لا يقرون على ذلك، بل ينبهون ويتوبون”(35)، ويتذكرون..
وعندها يكون كل ذلك حجة في حقنا.. المخالفة والتنبيه، كلاهما حجة، نتعلم منهما ونتفقه بهما، وكذلك النسيان، لو استمر نسيان شيء من البلاغ وانقضى العصر والأمر كذلك، لكان حجة، أي هو الحكم.. وبهذا المعنى تماما يمكن فهم قضية الناسخ والمنسوخ، فالنسخ عملية ترتبط بالرسالة حال التشكل لا بعدها.. وهذا معلوم!
فإذًا لو أخذنا الوظيفة الأولى، وظيفة التبليغ، لقلنا:
إن كل ما عندنا من الكتاب هو من الكتاب.. وما ليس عندنا منه فليس منه.
بعبارة أخرى:
ما وصل إلينا من الكتاب هو الكتاب.
هو -كله- حجة، والحجة -كلها- هو.
أو نقول:
كل الواصل حجة، وكل الحجة واصل(36).
فليس ثمة شيء من البلاغ غير تام أو منقوص، ولا ثمة شيء منه زائد عليه أو مدسوس…
لقد كان من آخر ما نزل، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) (المائدة: 69)، وهي آية في السورة التي فيها (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 4)، فأن يكون الأمر بالتبليغ من آخر ما ينـزل، فالأمر لاشك فيه من الدلالة على ما نرومه الآن ما فيه!(37)، وفي آية أخرى من سورة أخرى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ) (يونس: 15، 16).
ذلك، وأما الوظيفة الثانية، فالواضح أن تحول العرب باتجاه الإسلام، على الرغم من أنه لم يكن في شيء منه متجاوزا السنن الأرضية والقوانين التاريخية الاجتماعية، فإنه مع ذلك ما كان ليتم لولا (النبوة)، لقد كانت (النبوة) ضرورة لازمة.. وهي أبدا ضرورة لازمة..
وليس للنبوة في هذا المقام (=تغيير الواقع) من معنى غير العناية الربانية والضمان الإلهي والرعاية الغيبية، التي تجعل (زمن النبوة) بلا شك – زمنا يصنع على عين الله، وهو الشأن في النبوات والأنبياء جميعا، قال تعالى: (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) (هود: 37) وفي المؤمنون: (فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) (المؤمنون: 27)، وقال: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (طه: 39)، (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه: 46)، (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) (الطور: 48)، (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) (آل عمران: 128).
وهذا معلوم، لكن قد يؤخذ ببادئ الرأي أنه خاص بحالات التدافع والمناجزة المادية – وغير المادية- التي تحصل عادة بين الذين أرسل إليهم والمرسلين، حيث يكون التأييد الإلهي بل التدخل الغيبي المباشر من خلال الآيات (=المعجزات)، وغير الآيات…
وليس الأمر كذلك، بل البرهان يقتضي – في التجربة الإسلامية على الأقل- أن يكون التأييد والتسديد مسترسلا على حالتي التدافع والظهور جميعا، مرحلتا الدعوة والدولة، كل ذلك سواء.
والدليل عليه أن هذه الوظيفة (=التحويلية) ليس الغاية فيها (الحسم العسكري أو السياسي) بل هذا جزء من العملية كلاً، وإلا وكما أنها ليست به تبتدي فإنها كذلك ليست به تنتهي، إن هذه العملية قد كانت بدايتها نفسيا فكريا، وواسطتها عسكريا سياسيا، ثم انتهت اجتماعيا ثقافيا.. على أن الظهور السياسي العسكري لو كان الغاية لاعتبر استمرار وجود النبي عليه السلام بعده عبثا، فالنبوة ذاتها تكون حينئذ (فقدت مسوغ وجودها) لا محالة.
فإن قيل: استمرار وجود النبي بعد ذلك هو لأجل إكمال الوظيفة الأولى (=التبليغ)، فالجواب: أن الوظيفة الأولى ذاتها ما استرسلت على تلك الأزمان وكانت تنجيما على حسب ما هو معلوم، إلا لكونها إعانة في الوظيفة الثانية (=التحويل) وتدعيما لها…فإذن استمرار وجود النبي كان علما أن الوظائف النبوية لم تكتمل بعد…
لكن يصح أن يقال الآن، ها قد علمنا أن وظيفة النبي في (التحويل) بعد (الظهور) لا تزال مستمرة، وأن فيها مفردات وتفاصيل حجة.. لكن بعد ذلك، ما الدليل على ما سبق ادعاؤه من أن كل التفاصيل والمفردات حجة..؟ (=الواقع الجديد كله حجة)، مع ما هو معلوم من أنه r ما كان كل حركته وأعماله وحيًا، وإنما نوع محدود منها فقط، بل كان يجتهد.. وإذ يفعل فقد كان يخطيء، بل قد أبان الوحي عن بعض ذلك… ثم إن الرأي مستقر عند كثير من العلماء أن ما تعلق من أفعاله r بالأمور الدنيوية ليس بحجة(38)، وكذلك الشأن في الأفعال الجبلية والعادية “لا قدوة فيها”(39).. أما أهل ذلك الزمان فالمعلوم أيضا أن الإسلام بمجيئه وظهوره لم يصيرهم ملائكة معصومين، بل استمروا بشرا يخطئون ويصيبون..
والجواب، أن الجواب عن هذا يستند إلى معالم.. قد كان منا – فيما سبق- البوح بأشياء منها.
ومما قلنا: إن الضرورة تقتضي منا التحول في الحديث عن (العصمة) من الحديث عن عصمة (النبي) إلى الحديث عن عصمة (النبوة)، وتلك كانت ضرورة منهجية معرفية، أما الآن فيظهر دافع موضوعي في ذلك، ذلك أن (النبي) ليس مجرد شخص أو شخصا مجردا، فما هو بسكون ولا وجود مستقل، إنما (النبي) وظيفة وحركة وكينونة اجتماعية، فإذا هذا يوجب التعاط -حين التعاطي- مع الزمن النبوي بأكمله.
وهذا التحول في الحجية من (شخص النبي r) إلى (واقع النبوة) ليس فيه تجاوز أو إعراض.. إنما هو توسع وامتداد..
ثانيا: مما هو معلوم أن النبي r في نفسه وقومه أول المخاطبين بالقرآن.. وقد أمر بالامتثال والعمل بالدين أمرا مطلقا، وكذلك الناس أمروا فيه عليه السلام بالطاعة أمرا مطلقا، وكما قال الشافعي رحمه الله: “الله فرض على نبيه اتباع ما أنزل الله، وشهد له بالهدى، وفرض على الناس طاعته”(40)، إذًا الطاعة المطلقة تقتضي امتثالا عاما، كما أن الامتثال العام يقتضي طاعة مطلقة.. وهذا ما يمكن أن نسميه: الإطلاق والعموم في جدلية الطاعة والامتثال)..
ثالثا: سبق أن قلنا بخصوص الوظيفة الأولى إن التبليغ قد حصل وكان المعنى فيه أنه حصل تاما كاملا، وإلا لما كان حصولا.. فكذلك الشأن هنا، نقول: من المعلوم أن التغيير والتحول باتجاه الإسلام قد حصل.. وهذا يعني أن يكون حصولا كليا من غير استثناء، وإلا لما كان حصولا..
ثم ما معنى قولنا: إن الإسلام قد أنشأ واقعا جديدا، إذا كنا نعده إنما اعتنى في ذلك بأشياء دون أشياء..؟!
والحق أن هذا تؤثثه جملة قواعد، ذكرها الأصوليون، لكن في صيغ تفيد الاستشكال، من ذلك قولهم:
– “هل يجوز خلو بعض الوقائع عن حكم الشرع؟”(41)..
وهذا التعبير لا معنى له إلا في حق من لم يتحرر عنده محل النـزاع، أولم يدقق في مقاصد العبارات، فإن قولنا (حكم الشرع) مما يحتمل.. وذلك أحد أمرين: إما الجزئية.. بحيث يرد في الواقعة المعنية -تكون أو تحدث- نصا معينا بحكم يخصها يرد لأجلها، لا يشركها فيه غيرها..
وإما يحتمل الكلية.. وهو ما لا يجوز فيه إلا القطع أنه لا تعرى واقعة عن حكم للشرع، وإلا سيكون الدين عندها بمعنى ومفهوم آخر غير ما هو عليه الآن من الإحاطة بكل مناشط الحياة والإنسان، تحقيقا للعبودية التامة والتسبيح الشامل للكون، (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ…) (الأنعام: 164).
ثم هناك قاعدتان بعد هذه ومن جنسها.
الأولى: أنه “ليس يجوز لنبي أن يخترم دون بيان الشرع”.
والثانية: أنه “لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة”.
فهذه إذا براهين جاءت بشكل جملي، لكن لو شئنا تقريبها لأثمرت نتائج..
أهمها: أنه ليس لأحد ينظر إلى (زمن النبوة)، بعد انقراضه ويطل عليه من عل – أي يأخذه باعتبار كلي- أن يرى أن شيئا من مفرداته أو جزئية من جزئياته ليس حكما، أو تساوره رغبة أن يظهر خطأ أو قعودا عن كمال في شيء من التصرفات أو التدابير، وحتى يقول في الشيء من ذلك مثلا، كان الأولى منه ( أن يفعل كذا وكذا … أو قد كان في إمكان الناس زمانه عليه السلام أفضل مما كان منهم… وما أشبه.
إن (الكمال) كما يمكن أن يتجلى في واقع بشري إنما مثله بحق الواقع الذي وجد زمن النبوة، “وهو – عليه السلام- لا يدع موضع الفضل، ولا يأمر الناس إلا به”(42)، (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4).
وإذاً لا يعود عندها لتلك التصنيفات التي وضعت من معنى، كقولهم: هذه أفعال جبلية، وتلك عادية، وهاتيك أمور دنيوية إلخ… إذ الجميع في وقته وحينه وبالنظر إليه ممارسة، حجة ملزمة ودين متبع ورسول مطاع.. فلم يكن يومئذ عند الناس – في نية التقرب والامتثال ووجوب الطاعة- فرق بين حكم من أحكام الصلاة مثلا وآخر من أحكام البيوع والمعاملات.. فالدين باسط سلطانه على كل شيء، وأحكامه سارية في كل شيء، وقد أنشأت روحه نشأة أخرى كل شيء… وهذا الذي نراه من الأمور الدنيوية المعاشية – زمن النبوة- لو فرض أن الناس يومئذ أعرضوا عنه، ورغبوا عما كان عندهم فيه من علوم وفنون وعادات وتقنيات إلى ما لم يكونوا يعلمون، ألا يكونون مسيئين مخالفين؟.
وهكذا فالشارع لا يكون رأيا له – وهو أعقل العقلاء، وأحكم الحاكمين- أن ينشئ خطابا في كل شيء، هذا ما لا يكون أبدا.. ومن هنا يستمد جزءًا كبيرًا من معنى السنة التقريرية، وهو النوع الذي يغطي المساحة الأكبر من السنة، كما يذكره الباحثون حين: “يتبين أن التقارير في الحقيقة هي الجزء الأكثر من السنة، وما عداه بالنسبة إليه لا يساوي إلا قدرا ضئيلا”(43).
وهكذا الشأن بالنسبة لما يقولون من أن هناك أفعالاً بيانية (تشريع)، وأخرى امتثالية (تنفيذ)، وأن هناك ما ليس كذلك، هذا ما لا يستقيم على السبر أيضا، لأن كل شيء في حياة النبي r قربة وامتثال، وفي الوقت ذاته بيان.. بيان بالامتثال وامتثال بالبيان، لا تفريق.. كل شيء منه عليه الصلاة والسلام عمل بالدين وامتثال له، والنصوص في هذا عامة مطلقة لا تستثني شيئا دون شيء، من ذلك قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 4)، وقوله أيضا: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ…) (الأحزاب: 21)، وقوله: (وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ) (النور: 54-56)…
فإذًا كل ما قيل إنه أمور دنيوية، أو تصرفات إماميّة، أو قضائية، أو غير ذلك، كل ذلك هو حكم شرعي، أي تلك الأمور والتصرفات – كيف هي- هي الحكم (الشرعي) في حق أصحابها، وفي حقنا – نحن- هي تطوي بين جوانحها أحكاما إلينا(44).
وبعبارة أخرى، تكون تلك الأمور والتصرفات هي الحكم بالنسبة لأصحابها من حيث ذاتها، وتحمل أحكاما بالنسبة إلينا باعتبارها جزءا من كل، أي من حيث السياق الواقعي الذي هي فيه، كيف هي فيه..
وهكذا الشأن بالنسبة لما يصنف أنه عبادات، أو تصرف بالتبليغ والنبوة والتشريع، لا فرق في الأصل بين هذا وذاك..
ونقول أيضا: إن النظر إلى (الزمن النبوي) جملة واحدة.. في الاعتبار، أي وحدة كاملة وإطارا كليا، هو ما جعل كثيرا من محققي العلماء ينبهون على أشياء لم تكن ظاهرة عند أسلافهم السابقين لهم، وذلك في:
* اعتبار (الترك) كذلك دليلا، إلى جانب الفعل.
* و(السكوت) أيضا..
* و(العفو) كذلك.. من حيث هو شيء خاص بزمن النبوة، أو لا يصح الاعتراف به إلا كذلك(45).
* وعموما فـ (عدم الدليل) – بالنسبة لزمن النبوة- هو دليل!
* و(العمل العام) وهو (الموقوف المرفوع)، أي الموقوف من الروايات التي لها حكم المرفوع إلى النبي r وذلك قول الصحابي: (كنا نفعل على عهد رسول الله كذا وكذا…)، أو (كان الرجل منا…) إلى غير ذلك.
* وكذلك رجوعهم إلى عمل الصحابة(46) (=سيرة السلف) حجة شرعية، بل مصدرا ضروريا في تأصيل كثير من الأصول.
* وقبل ذلك كله كان الإمام مالك قد سبق إلى القول بـ (عمل أهل المدينة).. ولا معنى لهذا الأصل عنده كما هو معلوم إلا اعتبار الممارسة السائدة في المدينة – المستمرة من زمن النبوة، المتصلة إليه- سنة.
الهوامش
(1) سعيد همام، الفكر المنهجي عند المحدثين، ص43.
(2) متفق عليه.
(3) ابن تيمية، رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ص 17.
(4) سعيد همام، الفكر المنهجي عند المحدثين، ص68.
(5) المرجع السابق، ص118.
(6) بنت الشاطئ، التفسير البياني، ج1، ص10-11.
(7) الشافعي، الرسالة، ص 148، 213، 214، 215.
(8) المرجع السابق، ص 239.
(9) المرجع السابق، ص 216.
(10) عن ابن عباس: ويل للأتباع من عثرات العالم، قيل كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئا برأيه، ثم يجد من هو أعلم برسول الله منه، فيترك قوله ذلك، ثم يمضي الأتباع”، الموافقات، ج3، ص283.
(11) الدهلوي، حجة الله البالغة، ج1، ص404.
(12) المرجع السابق، ج1، ص406، 407.
(13) (التحصيب): نزول رسول الله r بالأبطح عند النفر.
(14) حجة الله البالغة، ج1، ص 409، 410.
(15) المرجع السابق، ج1، ص410.
(16) المرجع السابق نفسه.
(17) المرجع السابق، ج1، ص410، 411.
(18) انظر: المرجع السابق، ج1، ص411.
(19) انظر: المرجع السابق نفسه.
(20) ابن العربي، أحكام القرآن، ج 2، ص47، 48.
(21) المرجع السابق، ج2، ص 286.
(22) ابن عبد البر، الاستذكار، ج2، ص 378.
(23) المرجع السابق، ج2، ص379.
(24) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج22، ص522.
(25) ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج 6، ص261.
(26) انظر : أبو شقة، تحرير المرأة في عصر الرسالة، ج 4، ص68-74.
(27) الشاطبي، الموافقات، ج4، ص 438.
(28) انظر: كيف تلقى الصحابة السنة عن النبي r في: الخطيب، محمد عجاج، أصول الحديث.. علومه ومصطلحه، ص66.
(29) رواه الترمذي، والدارقطني، وابن حبان، والشافعي، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح الجامع وغيره.
(30) متفق عليه.
(31) انظر في تفصيل هذا الإرجاع (إرجاع هذا الحديث إلى القرآن): ابن القيم، زاد المعاد، ج 5، ص 101.
(32) رواه البيهقي، وابن عبد البر، والنووي، والهيثمي، وغيرهم، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه وغيره.
(33) اللفظ هنا لابن القيم، زاد المعاد، ج 4، ص 19.
(34) تم تفصيل هذا الأمر وبيانه في موطن آخر ينشر فيما بعد إن شاء الله، خاص بالحديث عن العلاقة بين السنة والكتاب..
(35) الأشقر، أفعال الرسول r، ص 146.
(36) الكلام هنا في الوظيفة الأولى (= التبليغ)، فتنبه!
(37) راجع استشكال المفسرين لكون هذه الآية في الموضع الذي هي فيه الآن من القرآن، كيف يؤمر r بتبليغ الرسالة في الوقت الذي يخبر فيه بانتهائها وتمامها؟! ومحاولة ابن عاشور توجيهه لمجمل القضية، وكيف أنه يكاد يشير إلى ما ذكرناه ههنا. انظر: ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج 6، ص 255 فما بعدها.
(38) أفعال الرسول، ج 1، ص239 فما بعدها.
(39) المرجع السابق، ج1، ص216.
(40) الشافعي، الرسالة، ص222.
(41) الجويني، البرهان، فقرة 1528. كذلك: الشاطبي، الموافقات، ج 1، ص 146.
(42) الشافعي، الرسالة، ص 288.
(43) الأشقر، أفعال الرسول، ج2، ص 129، 130.
(44) “لو تصرف عليه السلام بوصفه إماما حاكما فأمره فرض واجب الطاعة” أحمد شاكر/ الرسالة (على الهامش)، ص 242.
(45) “إن سلم للعفو ثبوت ففي زمانه عليه السلام لا في غيره” الشاطبي، الموافقات، ج 1، ص146.
(46) يقول الشاطبي: “ويطلق أيضا لفظ السنة على ما عمل عليه الصحابة، وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد، لكونه اتباعا لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهادا مجتمعا عليه منهم أو من خلفائهم، فإن إجماعهم إجماع، وعمل خلفائهم راجع أيضا إلى حقيقة الإجماع، من جهة حمل الناس عليه حسبما اقتضاه النظر المصلحي عندهم، فيدخل تحت هذا الإطلاق المصالح المرسلة والاستحسان” الموافقات، ج 4، ص390.
(عمل الصحابة) بهذا الاعتبار – كما يقدمه الشاطبي- يتداخل – أو نقول يلتقي- فيه نوعان من الأدلة: السنة والإجماع (الإجماع المبني على الاجتهاد والنظر المصلحي)، لكن نحن في هذا المقام نريد اعتبارا أخص من هذا، وذلك عمل الناس في حياة النبي r أو ما كان بعد موته، لكن باعتباره عملا مستمرا فيهم متصلا إليهم من أيام حياته ( .. r بما يشبه: الاستصحاب المقلوب)..
* * *
فهرس بالمصادر والمراجع المثبتة في هوامش البحث
– المصحف الشريف، برواية ورش عن نافع.
– أحكام القرآن، لابن العربي (الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله،543هـ)، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلق عليه: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية – بيروت، ط 1/ 1989م.
– أصول الحديث (علومه ومصطلحه)، الدكتور محمد عجاج الخطيب، دار الفكر- بيروت / 1989م.
– أفعال الرسول r ودلالتها على الأحكام الشرعية، الدكتور محمد سليمان الأشقر، مؤسسة الرسالة – بيروت، ط 4/ 1996م.
– الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، تأليف الإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي (463هـ)، علق عليه ووضع حواشيه: سالم محمد عطا – محمد علي عوض، دار الكتب العلمية – بيروت، ط 1/ 2000م.
– البرهان في أصول الفقه، لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني (478هـ)، حققه وقدمه ووضع فهارسه: الدكتور عبد العظيم محمود الديب، دار الوفاء – المنصورة، ط 1 للناشر/ 1992م.
– تحرير المرأة في عصر الرسالة (دراسة عن المرأة جامعة لنصوص القرآن الكريم وصحيحي البخاري ومسلم)، عبد الحليم محمد أبو شقة، دار القلم – ط الخامسة/ 1999م.
– التحرير والتنوير (تفسير)، سماحة الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر – تونس، 1984م.
– التفسير البياني، الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، دار المعارف – القاهرة، ط 6/ د.ت.
– الجامع لأحكام القرآن (والمبين لما تضمنه من السنة وآي القرآن)، تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي (671هـ)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، ومشاركة آخرين، مؤسسة الرسالة- بيروت، ط 1، 2006م.
– حجة الله البالغة، للإمام الكبير الشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله ابن عبد الرحيم الدهلوي، قدم له وشرحه وعلق عليه: الشيخ محمد شريف سكر، دار إحياء العلوم – بيروت، ط 1/ 1990م.
– الرسالة، الإمام محمد بن إدريس الشافعي (204هـ)، تحقيق وشرح: محمد أحمد شاكر، مكتبة دار التراث، ط2/ 1979م.
– رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ابن تيمية، نشر المكتب الثقافي السعودي- الرباط، المغرب.
– زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن قيم الجوزية (الإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي751هـ)، دار الفكر – بيروت، 1995م.
– الموافقات في أصول الشريعة، لأبي إسحاق الشاطبي (إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي،790هـ)، شرح الشيخ عبد الله دراز، اعتناء الشيخ إبراهيم رمضان، دار المعرفة – بيروت، ط 3/ 1997م.
– الفكر المنهجي عند المحدثين، الدكتور همام عبد الرحيم سعيد، كتاب الأمة (سلسلة تصدر عن رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية بدولة قطر) العدد 16- ط 1/ 1408هـ.