أبحاث

منهج الفقهاء في نقد الأخبار

العدد 182 /183

مقدمة:

مما لا يخفى على الباحثين أن التعامل مع الأخبار من طرف العلماء منذ القديم، كان مؤطراً بنظرين كبيرين: نظر أهل الحديث، ونظر الفقهاء والأصوليين، أو ما يعرف تاريخياً بمدرسة الرأي ومدرسة أهل الحديث، وكلاً منهما له تعامل خاص مع الأخبار، هذا التعامل أفرز نوعين من المناهج والطرق، ومرد ذلك إلى المعايير المعتمدة في قبول الأخبار الصالحة للاحتجاج عند الأئمة، فمنهم من يضيف إلى الشروط الخمسة المعروفة عند المحدثين([1])، العمل، وعدم مخالفتها القياس، أو القواعد والأصول العامة، أو العقل، أو ظاهر القرآن، وهي الشروط الخارجية للخبر. فمقصود الفقيه هو الحكم الشرعي، وهذا الحكم لا يؤخذ من نص واحد، بل من مجموع النصوص؛ بينما المحدث غايته إثبات الخبر منسوباً صحيحاً إلى النبي r، فمن شأن اختلاف الغاية اختلاف الوسيلة. والاختلاف هنا لا يعني عدم التكامل والتقاطع بل من باب التمييز الإجرائي، وإلا فإن الكثير من المحدثين فاقوا الفقهاء وخصوصاً ذوي النزعة الفقهية منهم.

ويهدف هذا البحث، إلى تقريب موضوع مهم جداً، ألا وهو منهج الفقهاء في نقد الأخبار، من خلال نموذج واحد وهو: مخالفة الحديث للأصول العامة؛ وذلك من خلال الاقتصار على ثلاث مسائل. اثنتين عند المتقدمين، وهما: مسألة ولوغ الكلب عند المالكية، ومسألة المُصرًّاة عند الأحناف، وثالثة عند المعاصرين وهي مسألة (حديث العرنيين) في موضوع الحرابة. فالاقتصار على هذه المسائل الثلاث من باب التمثيل لهذا المنهج لا الحصر، وإلا فالمسائل في هذا الباب كثيرة جداً، واستقصاؤها مما لا يتسع له هذا البحث. كما وقفت على كيفية بناء احتجاجهم في رد هذه الأخبار.

والإشكال البارز الذي يحاول البحث تقريبه يمكن صياغته على شكل سؤال عام هو: هل للفقهاء منهج خاص بهم في تعاملهم مع الأخبار؟ وما المقصود بالأصول العامة التي يعارض بها الفقهاء الأخبار؟ وكيف يوظف هذا الأصل عند أئمة الفقه أنفسهم في قبولهم للخبر ونقدهم للروايات؟ وما حقيقة ما يُنقل عن أبي حنيفة ومالك في كونهما يردان الأخبار لتعارضها مع الأصول؟ وكيف وظف المعاصرون هذا الأصل في رد بعض الأخبار؟ هذه بعض الأسئلة التي يحاول البحث الإجابة عنها.

وقد انتظم هذا البحث في ثلاثة محاور أساس، وخاتمة جامعة:

أما المحور الأول فهو: تمهيد عام حول مفهوم الأصول العامة. في اللغة وفي اصطلاح الفقهاء والأصوليين.

والمحور الثاني فهو مخصص لبيان موقف الفقهاء من الحديث المخالف للأصول العامة. من خلال مسألتين: ولوغ الكلب ومسألة المصراة.

والمحور الثالث والأخير فهو لتجلية موقف بعض المعاصرين، من مخالفة الحديث للأصول العامة، من خلال نموذج حديث العرنيين.

والحمد لله رب العالمين.

* * *

([1]) من اتصال السند، وعدالة الرواة، والضبط، والسلامة من الشذوذ والعلة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر