مقدمة:
جاءت أحكام الشريعة الإسلامية لحفظ مصالح العباد، وهذه المصالح تؤول في مجموعها إلى ثلاث منازل تتكامل وتتداخل إذ يقوم بعضها ببعض([1])، وهذه المصالح هي: المصالح الضرورية والمصالح الحاجية والمصالح التحسينية([2]). وينضوي تحت المصالح الضرورية والحاجية الأحكام التكليفية الواجبة والمحرمة وتحت المصالح التحسينية الأحكام التكليفية الخمسة ومن ذلك: ستر العورة – ومنه الحجاب- واجب تحسيني، وتحريم التلطخ بالنجاسات محرّم تحسيني([3]). ونبّه الإمام ابن عاشور إلى أن المصالح الشرعية لا تخرج عن مجموع المصالح التي تهتدي إليها العقول إلا أن الشرع الحكيم يلغي بعض تلك المصالح ويقر بعضها([4]). ثم إن المجتهد قد يتبيّن هذه المصلحة تبيّناً إجمالياً كما في تشريع الحجاب ويكون عمل المجتهد هنا في فقه التنزيل وفقه الضرورات، وقد يكون تبيناً تفصيلياً يمتد من سعة الحكمة إلى انضباط العلّة التي يدور الحكم معها وجودًا وعدمًا.
إن جملة ما يقرّه الشرع من مصالح إقراراً قطعياً لا احتمال فيه، أو ظنياً تختلف فيه عقول المجتهدين الذين يعتد بفهمهم لموارد الشرع وروحه ومقاصده يشكل الرؤية الكلية التي جاء بها الشرع لتصوغ الموقف القيمي للمسلم تجاه نفسه وعلاقاته بالناس والأشياء والحياة.
وفي هذا البحث نحن نسعى لمقاربة الرؤية الكلية التي يقدمها الإسلام في مسألة تستر المرأة أمام الأجانب أو ما شاع تسميته بـ (الحجاب). ما موقع تشريع الحجاب في البنيان التشريعي؟ وهل جاء هذا التشريع ليكون أداة يتسلط بها الرجل على المرأة؟ وهل تسقط كرامة المسلمة إذا لم تلتزم بالحجاب فيكون …………..
([1]) انظر: الموافقات، مج 1-2، ج1، ص337. مج 3-4، ج 3، ص5-14.
([2]) انظر: المستصفى، مج1، ص636.