تجديد مباحث السنة النبوية في الوقت المعاصر

مقدمة:

لما كانت السنة النبوية هي المصدر الثاني من المصادر المنشئة للأحكام في علم أصول الفقه -لما يتأسس عليها وعلى القرآن الكريم من أحكام الإسلام ومعانيه-؛ فقد حظيت بعناية فائقة من لدن العلماء عبر العصور، وكان لها حظ وافر من التجديد والتطوير المستمر -من حيث قواعد التعامل معها، وضوابط فهمها، واستثمار نصوصها وأحكامها-؛ بما يواكب المستجدات، ويتفاعل مع المتغيرات؛ في مناهج فهم نصوصها، وتنزيلها والعمل بها، ورد الشبهات التي تستهدف تعطيل الأحكام الناشئة عنها.

وقد تبدت في العصور الأخيرة إشكالات من هذا الضرب تستلزم ضرورة تجديد البنيان قصد تصحيح التصورات، وتسديد الأفهام، خاصة وأن فئة من الناس يتجرؤون على الاستدلال بنصوص السنة النبوية بعيدًا عن مناهج الفهم والإفهام، وقواعد العمل والتنزيل، ولا يفرقون بين الخاص والعام، ولا بين المجمل والمقيد، ولا بين الناسخ والمنسوخ…، ويعتقدون بذلك أنهم يستقبلون الخيرية، وهم في الحقيقة يُدبِرون عنها؛ لأن الخيرية كتبها الله U في الفهم الصحيح لنصوص الشريعة، وفقه أحكامها، وإدراك أسرارها وحكمها، فتلكم هي الخيرية التي ندب إليها النبي r الناس؛ وهو يقول: «من يرد الله به خيراً؛ يفقهه في الدين»([1]).

كما شذت فئة أخرى من الناس الذين ارتضوا تعطيل نصوص السنة النبوية وإبطال العمل بها؛ بدعوى مخالفتها للعقل، والعلم، وتغير الواقع، وغير ذلك من الأعذار الواهية.

ويأتي هذا البحث للإسهام في بيان حقيقة التجديد المنشود في مباحث “السنة النبوية”، والوقوف على دواعيه في الوقت المعاصر؛ من خلال رصد الاختلالات البادية في مناهج فهم “السنة النبوية” والعمل بها، واستجلاء جهود العلماء المعاصرين في معالجة تلك الاختلالات، والرد على الافتراءات والشبهات، والخلوص على إثرها إلى الاقتراحات التي ينبغي استثمارها في تجديد مناهج فهم “السنة النبوية”، وقواعد العمل بها في الاجتهادات المعاصرة.

• إشكال البحث:

يسعى هذا البحث للإجابة عن إشكال عام وأسئلة فرعية:

* الإشكال العام:

كيف يمكن الإسهام في تجديد مباحث السنة النبوية؛ لأداء وظائفها المنوطة بها، وتجاوز الاختلالات البادية في فهمها، وقواعد تنزيلها والعمل بها، والرد على الشبهات والافتراءات المثارة حولها؟

* الأسئلة الفرعية: تفرع عن هذا الإشكال أسئلة أطَّرت البحث، تم تحديدها في الآتي:

• أي تجديد نقصده “لمباحث السنة النبوية”؟
• ما دواعي تجديد مباحث السنة النبوية في الوقت المعاصر؟
• كيف تفاعل العلماء المعاصرون مع الاختلالات البادية في فهم السنة النبوية، والعمل بها، والشبهات المثارة حولها؟
• ما المباحث التي ينبغي توسيع البحث فيها تجديدًا “لمباحث السنة النبوية”؟
• أهداف البحث: يضطلع هذا البحث باستيفاء الأهداف الآتية:
• بيان حقيقة “التجديد” في “مباحث السنة النبوية”.
• رصد دواعي تجديد “مباحث السنة النبوية” في الوقت المعاصر.
• استجلاء جهود العلماء المعاصرين في الرد على الشبهات المثارة حول مباحث السنة النبوية، وتجاوز الاختلالات البادية في فهم نصوصها وإعمالها في الواقع.
• تجلية المباحث التي تحتاج إلى مزيد عناية وتأصيل إسهامًا في تجديد مباحث السنة النبوية.
• منهج البحث:

يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي في الكشف عن حقيقة التجديد في “مباحث السنة النبوية”، ورصد دواعيه في الوقت المعاصر، إضافة إلى اعتماد المنهج التحليلي في الكشف عن جهود العلماء في تجاوز الاختلالات البادية في فهم نصوص السنة والعمل بها، والرد على الشبهات المثارة حولها، واستنتاج المباحث التي ينبغي العناية بها في تجديد “السنة النبوية”.

• القيمة المضافة للبحث:

تدور الإضافة المعرفية لهذا البحث على الكشف عن حقيقة التجديد المنشود لمباحث أصول الفقه، ومنها: “مباحث السنة النبوية”؛ بما يسهم في إرجاعها لأداء وظائفها، وتجديد النظر في نصوصها، للتفاعل مع المستجدات والمتغيرات المعاصرة.

• هيكلة البحث:

يقتضي تناول موضوعات هذا البحث؛ تقسيمه إلى مقدمة، ومبحثين، وخاتمة.

([1]) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب: من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، رقم الحديث: (71)، (1/25) وصحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب: النهي عن المسألة، رقم الحديث: (100)، (2/719).