المنهج النقدي عند ابي بكر الفوركي
العدد 170 /171 - The Critical Approach in Abu Bakr Al-Forky’s Writings
مقدمة: الاتِّجاه النَّقديّ في الفكر الكلامي
يُعدُّ النقد – بوصفه أداة فعالة للتحليل والتدقيق- وثيق الصلة بعلم الكلام الإسلامي؛ فالرَّدّ على المخالفين مِن الأمور التي جاءت في طليعة علم الكلام، بل هي من أوَّل المهام التي يُكلَّف بها المتكلم؛ لذلك كُتِبَ على النقد وعلم الكلام أن يكونا صنوان.
فقد كانت طبيعة المهمة التي اضطلع بها علماء الكلام (الخوارج، الشيعة، المُعتزِلة، الأشاعرة، الكرامية، الماتريدية… إلخ) تدفعهم دفعًا إلى العناية بالنَّزْعة النَّقديّة، وتدعيمها بأساليب الحِجاج والمناظرة كأسلحة مهمة وفعالة في إنجاح مناظرتهم([1]).
ولذلك، فالدارسُ لما وصل إلينا مِن كتبهم لَيَرى أنَّهم لم يكتفوا بتقرير مذاهبهم، والدِّفاع عن آرائهم فحسب، بل يراهم يُفيضون في نقد آراء الفِرق والمذاهب المخالفة لهم، «وهذا يُعدُّ شيئًا طبيعيًا؛ إذ أنَّ القولَ برأيٍ من الآراء فيه اختلاف عن الآراء الأخرى لا بد أنْ يحتوي على الرَّدّ والنقد لآراء تتجه اتجاهًا مختلفًا عنهم»([2]).
ولهذا نجد قِسمًا نقديًا أصيلاً في كتبهم كافة يتمثل في: نقدهم لبعضهم البعض، ونقدهم لأنفسهم، ونقدهم لأرباب المذاهب والديانات الأخرى: كاليهود، والنصارى، والصابئة، والثَّنويَّة، وأهل الطبائع، والبراهمة، والمجوس، وذلك باستخدام وسائل النَّقدِ المختلفة: كإلزام الخصوم، وإظهار مناقضة الآراء لأدلة المعقول والمنقول، إلى غير ذلك.
ومِن ثَمَّ، يُعدُّ الاتِّجاه النَّقديّ جزءًا لا يتجزأ من الحركةِ الفكريةِ في الدَّرسِ الكلاميّ الإسلاميّ بوجه عام، سواء كان مُعتزِليًّا أو أشعريًّا أو ماتُريديًّا أو حتى كرَّاميًّا.
ولا جرمَ – إذن- أنْ يكونَ ظهور المذهب الأشعريّ «قد أوجدَ حركةً نقديةً واسعةً في دوائر الفكر الإسلامي»([3]) في مختلف أدواره ومراحله، سواء كان: دور النَّشأة لدى مُؤسِّسه الشَّيخ الأشعري (ت:324هـ)، أو بواكير التَّطور لدى الباقلانيّ (ت:403هـ)، وابن فُوْرَك (ت:406هـ)، والإسفرايينيّ (ت:418هـ)، وأبي منصور الأيوبيّ (ت:421هـ)، والبغداديّ (ت:429هـ)، أو في مراحله ما قبل المتأخرة لدى الجُوينيّ (ت:478هـ).
ينضاف إلى ذلك شخصية أبي بكر الفُوْرَكِيّ (ت:478هـ) – المَعْنِيّ بها هذا البحث- كأحدِ شيوخِ المذهب الأشعريّ في القرنِ الخامسِ الهجريّ، وأحدِ المُتكلِّمينَ النُّقادِ الذين استعملوا مَلَكاتِهم النَّقديّة في تقرير العقائد والرَّدّ على المخالفين([4]).