نظرة سريعة في كتاب ” التعايش مع الآخر في ضوء السيرة النبوية”
أرسى رسول الله r قواعد وأسسا للتعايش مع الآخر في جميع الأحوال والأزمان والأماكن، بحيث يحقق المسلمون التواصل والاندماج والتعارف والتفاعل مع كل من اختلف معهم دون تفريط في هويتهم ولا في الثوابت الإسلامية. وباستعراض سيرة النبي r وسنته قام المؤلف باستنباط أربع صور أو نماذج للتعايش مع الآخر، وهي عبارة عن نماذج ترسم خطة سوية للسلوك الاجتماعي والسياسي والدبلوماسي والاقتصادي لمعاملة المخالفين في الدين، في حال السلم وحال الحرب، وفي حال العدل وحال العدوان، وفي حال الرحمة وحال الطغيان.
وهذه النماذج هي:
أولاً- نموذج مكة: حيث المسلمون قلة في بيئة معادية، والمقام فيها مقام الصبر والتحمل، وحسن المعاملة والدعوة إلى الإسلام بسلمية بإظهار القيم الأخلاقية والمثل العليا التي يؤمن بها.
ثانياً- نموذج الحبشة: حيث المسلمون قلة في بيئة عادلة منصفة، والمقام فيها مقام الاندماج والوفاء والمشاركة.
ثالثاً- نموذج المدينة في عهدها الأول: حيث المسلمون أكثرية يعيشون في مجتمع تشاركهم فيه أقليات مختلفة ومتنوعة من حيث الدين والعرق وغير ذلك، ينتظم الجميع تحت حكومة مسلمة، والمقام فيه مقام المساواة والإخاء والتعاون والمواطنة للجميع.
رابعاً- نموذج المدينة في عهدها الأخير: حيث اختفت الأقليات من المجتمع المسلم، واقتصر الأمر على أفراد غير مسلمين يعيشون في الدولة المسلمة التي تخضع للنظام الإسلامي، وقد استتب لهذه الدولة سلطانها، وتغلبت على القوى المناوئة لنشأتها ونهضتها، والمقام فيها مقام العدل والانفتاح والحوار.
النماذج الأربعة في التعايش مع الآخر هي نماذج قائمة لا يعتريها إبطال أو تعطيل، والواقع وحال الناس هو الذي يحدد للمسلم في هدي أي نموذج يمكن أن يتواصل ويتعاون ويحقق السلام الاجتماعي والتعايش مع الآخر.
وفي نهاية الكتاب يدعو د. علي جمعة الباحثين إلى القياس على هذه النماذج الأربعة لاستنباط نماذج متنوعة قد تكون جديدة وقد تكون مركبة من نموذجين أو أكثر من النماذج الأربعة حسب الواقع المعيش المتغير.