أبحاث

نظام الإسلام العقائدي (1)

العدد 14

توطئة:

(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).

آية ختم بها وحي السماء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – في حجة الوداع وقد دنا يومه الذي يلقى فيه ربه.

وحولها يجمع المسلمون على أنها نزلت للناس أن الإسلام منهج كامل فيه المبادئ الأساسية التي تكفل تنظيم الحياة في كافة نواحيها.

بيد أن الإجماع أثار تساؤلات حول ماهية الإسلام حتى قبل إذا كان يعتقد به هذا الاعتقاد، فهل فيه نظام اقتصادي يتميز به عن غيره؟ وإذا كان الأمر كذلك، فبم يختلف عن الرأسمالية والاشتراكية، وهما النظامان الاقتصاديان السائدان في الوقت الحاضر؟.

ننطلق من هذين التساؤلين لنستعرض بعض الملامح البارزة للنظام الإسلامي، مع التنويه إلى النقاط الرئيسية التي تميزه عن ذينك النظامين، معتمدين بصورة رئيسية على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بصفتهما مصدر العقيدة الإسلامية، ومشيرين إلى الفقه عند الاقتضاء.

ويجدر بنا في هذا المقام أن نؤكد حقيقة، هي أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لا يفرضان التفاصيل كلها، وإنما يعالجان بالدرجة الأولى تلك المبادئ الأساسية التي يمكن أن يستنبط منها من التفاصيل ما يلائم كل بيئة حسب زمانها ومكانها. ولهذا السبب فإن أي بحث في هذا النظام لا يتم – وفق الدراسات الحديثة – إلا بالرجوع إلى ما جرى استنباطه منهما من تفسيرات واستنتاجات. والدين نفسه لا يعارض هذا العمل إذا كانت الغاية منه تحري الدقة والامتثال للنصوص الصريحة وعدم تجاوز جوهر الرسالة.

هذا ويمكننا أن نعتبر المبادئ التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لتنظيم الحياة في جانبها الاقتصادية ذات شقين:

أولهما: يتعلق بالأهداف التي وضعها الإسلام أمام المسلمين وطبيعة النظام التي تعطي الأهداف شكلها العملي.

ثانيهما: يخص الإجراءات التي تتحقق بها الأهداف، ونعني بها الإطار الاجتماعي السياسي، كالزكاة، وتشريع الإرث، وتحريم الربان وغيرها.

ومع أن البحث يتركز على طبيعة النظام وأهدافه إلا أنه لا يخلو من التلميح إلى الإجراءات لإلقاء الضوء على مكانتها وأهميتها داخل النظام كله.

وقد رأينا أن ندرس طبيعة النظام بعد أن نوفي أهدافه حقها من البحث، لعلمنا أنه ما من نظام اقتصادي إلا ويكون لأهدافه أكبر الأثر على تحديد طبيعته، الأمر الذي يجعل الخوض في الأهداف شرطا مسبقا لفهم الطبيعة.

أهداف نظام الاقتصاد في الإسلام

الإسلام ليس دين زهد ونسك (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) وليس من مراميه حرمان المسلمين من طيبات ما أحل لهم: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).

وله في الحياة نظرة إيجابية: فهو لا يرى الإنسان خطأ منذ خلق، ملعونا أبدا لخطيئته الأولى، بل يراه خليفة الخالق في الأرض، وما عليها كائن من أجله: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة).

نلمس من هذه الآيات، ومن كثير غيرها أن الزهد في نعم الله ليس فضيلة، وإنما الفضيلة هي في تمتع الإنسان بها في حدود القيم التي رسمها الدين لإثراء سعادته. وهذه القيم تتخلى نواحي النشاط الإنساني قطاعا دنيويا بحتا. فالعمل في كل مجال من مجالات النشاط الإنساني، الإسلام وغاياته التي تسعى في جوهرها إلى تحديد نظامه الاقتصادي، والتي يعتبر تفهمها مطلبا أساسيا للقدرة على رؤية هذا النظام رؤية واضحة.

والأهداف هي:

(أ) الرخاء الاقتصادي ضمن آداب الإسلام.

(ب) الأخوة والعدل الشاملة.

(جـ) التوزيع المقسط للدخول.

(د) حرية الفرد في حدود الرفاهية الاجتماعية.

وذكر هذه الأهداف لا يعني حصرها، فالمقصود بها أن نضع بين أيدينا مادة نستند إليها في بحث النظام والتوسع فيه، ومن ثم التركيز على سماته الخاصة التي تجعل منه نظامه متميزا عن الرأسمالية والاشتراكية معا.

(أ) الرخاء الاقتصادي ضمن آداب الإسلام:

– .. (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين).

– (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان).

– (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون).

تعرض هذه الآيات، كما يعرض الكثير غيرها، البنود الرئيسية للنظام الإسلامي وترغب المسلمين في الاستمتاع بما أفاء الله عليهم من نعم، دون أن ترسم حدودا لما يجب ن يكون عليه الازدهار في المجتمع الاقتصادي المسلم.

ففي آية نرى السلعي مقرونا بالعمل الصالح.

– (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله).

وفي حديث شريف: “إذا سبب الله لأحكم رزقا من وجه فلا يدعه حتى يتغير له أو ينكر له” وللمسلم صدقة فيما يأكل الإنسان أو الطير أو البهيمة من زرعه. روى عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: – ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة.

– من طلب الدنيا حلالا استعفافا عن المسألة وسعيا على أهله وتعطفا على جاره لقي الله تعالى يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة الدري.

ولا يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل المسلمون مطالبون بالسيطرة على الموارد الطبيعية وتسخيرها لما فيه نفعهم، مصداق قوله تعالى:

– (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة.

وقه عليه الصلاة والسلام: “ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء”.

ومنهما نلحظ أن الوصول إلى مستوى عال من الازدهار الاقتصادي لا بد أن يكون مشمولا في الأهداف الاقتصادية للمجتمع المسلم لما فيه من دلالة على وجوب المثابرة على بذل الجهود للانتفاع بما أوجد الله سبحانه لخدمة الإنسان وتحسين معاشه تحقيقا للغاية التي خلقه من أجلها.

وفي مقابل رفع المستوى المعيشي يقع النهي عن المسألة. في الحديث:

– ولا تسألوا الناس شيئا.

– اليد العليا خير من اليد السفلى.

– ما كسب الرجل كسبا أطيب من عمل يده.

ومنها يتضح أن أحد الأهداف الاقتصادية للمجتمع المسلم هو إيجاد البيئة الاقتصادية التي تؤمن العمل لكل راغب فيه يكفل له رزقا يتناسب وقدرته. فإذا قصر المجتمع في هذا الهدف، فإنه سوف يقصر أيضا في أهدافه الروحية حيث سيعاني العاطلون عن العمل شظف العيش ما لم يركنوا إلى المسألة أو الانحراف الخلقي، وهو أمور ينفر الدين منها أن نفور ولا سيما المسألة والانحراف.

وحرص الإسلام على الرخاء الاقتصادي نابع من طبيعة رسالته. حيث أنزل ليكون رحمة للعالمين، ويجعل الحياة أكثر ثراء وجدارة بأن تعاش. وفي هذا نقرأ خطابه سبحانه إلى رسوله الكريم: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، وخطابه إلى الإنسان مبينا له ماهية الإسلام وما يريده لهم:

– (يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين).

– (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).

– (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا).

– (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون).

واستنادا إلى هذه الآيات قرر العلماء أن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الخلق. وفي هذا قال الإمام الغزالي: “ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم وما لهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفع مصلحة وقال ابن القيم: إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العبادة في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة.

وفي السعي لحياة أكثر رخاء ورغدا يستطيع الإنسان غير المسلم أن يذهب إلى أبعد مدى ليتخذ الرفاه المادي غاية بذاته بتخيله عن القيم الروحية، وبالكسب غير المشروع، وباستغلال الآخرين وظلمهم. إلا أن رغبة الإنسان شيء وأمر الله شيء آخر. فالإسلام ينشد “تزكية” الحياة، ولذلك يحذر القرآن المسلمين من الإقدام على هذا العمل بقوله:

– (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).

وقد فهم العلماء إن المراد من “واذكروا الله” ليس قضاء الوقت في الصلاة والتسبيح وإنما انتهاج حياة خلقية مسئولة متمسكة بآداب الدين يكسب الإنسان رزقه بالحلال ويضيع نصب عينيه أن المال ما هو إلا استخلاف من الخالق سيحاسب عليه:

– (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وانفقوا لهم أجر كبير).

وقال عليه السلام: “يا أيها الناس اتقوا الله وأجملوا ي الطلب فإن نفسا لن تموت نفسا لن تموت حتى تستوفى رزقها وإن أبطأ عنها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب خذوا ما حل ودعوا ما حرم.

ويتضح لنا في هذا السياق تلك الآيات والأحاديث التي تبين ضآلة شأن الحياة الدنيا لا بمعناها المطلق وإنما بمقارنتها بالقيم الروحية:

– (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا).

– (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).

– (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون).

وفي الحديث: – كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وعد نفسك من أهل القبور.

– أزهد في الدنيا يحبك الله، وأزهد فيما أيدي الناس يحبك الناس.

– ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع.

ومع ذلك فإن الفضيلة ليست في التعفف عن هذا المتاع إذا لم تهدر فيه تلك القيم. فقال – صلى الله عليه وسلم – “لا بأس بالغنى لمن اتقى. أما إذا تعارض المتاع مع القيم فعلى المرء أن يقنع بالحلال ولو قل. والله سبحانه يقول:

– (قل لا يستوي الخبيث والطي ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولى الألباب لعلكم تفلحون).

ومن لم تفتنه الدنيا لن تنازعه نفسه بين الاستمتاع بالخبيث الكثير وبين القناعة بالطيب القليل مهتديا بقوله عليه الصلاة والسلام:

حب الدنيا راس كل خطيئة.

– من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى.

ومثل هذه الآيات والأحاديث يفسر لنا الأسلوب الذي يأخذ به الإسلام في إيجاد تناسق بين المادة والأخلاق، وفي حث المسلمين على ابتغاء السعادة المادية مع الاستقامة في الطب، وفي صبغ العمل بصبغة روحية:

– وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين.

ويقول عليه السلام:

– أعظم الناس هما المؤمن يهتم بأمر دنياه وأمر آخرته.

– ليس بخيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعا فإن الدنيا بلاغ إلى الآخرة ولا تكونوا كلا على الناس.

وهذا التشديد الآتي على الحياة في ناحيتها المادية والروحية هو صفة فريدة يتصف بها النظام الاقتصادي في الإسلام. فالمادة والروح متلازمتان إلى الحد الذي يمكن اعتبارهما ينبوعا مشتركا لقوة واحدة يسعد الإنسان بهما سعادة حقه، وبدونهما مجتمعين لا تكمل سعادة الجنس البشري. فإذا بغيته ستؤدي به إلى أمراض نفسية مختلفة كالإحباط والجريمة والخمر وعلاقات اجتماعية غير سوية وقتل نفس. وكل أولئك يدل على أن من يرزح تحت ثقلها إنما يفتقر إلى السعادة في قرارة نفسه. وإذا انصرف كلية إلى الجانب الروحي فإن غالبية الناس سترى انصرافه هذا شيئا ليس بواقعي ولا عملي، وسيفضي به إلى ازدواج داخل النفس وصراع بين القيم المادية والقيم الروحية قد يهدد بتدمير كل ما في المجتمع البشري من قيم.

والدمج بين الروح والمادة هو ما تفتقر إليه الرأسمالية والاشتراكية بسبب نزعتهما العلمانية من ناحية الروح والحيادية من ناحية والأخلاق. صحيح أنه ليس بوسع أحد أن ينكر ما وصل غليه النظام الرأسمالي في ميدان فعالية معدات الإنتاج ومستويات المعيشة، وما حققه النظم الاشتراكي في معدلات النمو الاقتصادي، لكن ليس باستطاعة أحد أن يدافع عن إغفال كلا النظامين ما لشخص الإنسان من حاجات روحية.

(ب) الأخوة والعدالة الشاملة:

– (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير).

– (إن ربكم واحد وأباكم واحد فلا فضل لعربي على أعجمي ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى).

– (إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

يهدف الإسلام إلى إقامة نظام اجتماعي تسوده روابط الأخوة والود كأفراد الأسرة الواحدة. أخوة لا تحصرها حدود جغرافية، ولا تحتكرها عائلة أو قبيلة أو عرق. وفي هذا يوجه الله سبحانه الخطاب إلى نبيه الكريم ليعلن رسالته للناس كافة:

– (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا).

وثني النبي على ذلك في حديثه:

– بعثت إلى الأحمر والأسود.

والنتيجة الطبيعية لهذه الأخوة يظهرها التعاون المتبادل والمساعدة المتبادلة لا سيما بين المسلمين الذين توحدهم العقيدة بالإضافة إلى الأصل المشترك كغيرهم من الناس. وقد وصفهم القرآن الكريم بأنهم: إخوان في الدين، رحماء بينهم، إخوانكم في الدين، إنما المؤمنون أخوة.

كما يتجلى هذا التعاون والود في الأحاديث الشريفة في وصف ما ينبغي أن يكون عليه المسلمون في شؤون معاشهم:

– الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله.

– أرحم من في الأرض يرحمك من في السماء.

– مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

– المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه.

ومما يتصل اتصالا وثيقا بمفهوم الأخوة توكيد الإسلام على العدل. وإقامة العدل صرح بها القرآن الكريم بما لا يدع مجالا للبس، وقال بأنها هدف أساسي في كل رسالة سماوية:

– لقد أرسنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط.

أما الإيمان المشوب بالظلم فغير مقبول مصداق قوله تعالى:

– الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون.

والإسلام لا يكتفي بمجرد فصح المسلمين بإقامة العدل بل يأمرهم به:

– إن الله يأمر بالعدل والإحسان.

– وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.

وللعدل منزلة سامية في الإسلام، فهو مقياس تقوي الله والخشية منه. وهما صفتان يتميز بها المسلمون الذين يخاطبهم الله سبحانه في قرآنه:

– (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنك شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا.

وهذا وسيلقي بحثنا التالي في العدالة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية المزيد من الضوء على مضامين العدل في الإسلام.

العدالة الاجتماعية:

الناس في نظر الإسلام أسرة واحدة، متساوون عند خالقهم وإمام شريعته لا فرق بين غنى وفقر، ورفيع ووضيع، وأسود وأبيض، ولا تمييز بينهم في يعرق أو لون أو مكانة اجتماعية. فمكانة الرجل تقاس بما هو عليه من خلق كريم، وما يتمتع به من كفاءة، وما يؤدي للإنسانية من خدمات وقد بين صلى الله عليه وسلم ذلك فقال:

– إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

– إن خياركم أحاسنكم أخلاقا.

وحذر من سوء المنقلب إذا عمت الناس المحاباة على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة، فالحق لا يعرف صديقا ولا قريبا والجميع مسئولون:

– إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد. وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.

وورد في سند الإمام زيد وعلى الرضا حديث نصه: من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يديه شهده الله يوم القيامة ثم يفضحه.

وكتب الخليفة عمر رضي الله عنه إلى عامله أبي موسى الأشعري: أن سو بين الناس في مجلسك حتى لا ييأس ضعيف من عدلك ولا يطمع شريف ف حيفك.

عمت هذه الروح المجتمع الإسلامي في العهد الراشدي لكنها لم تستمر كثيرا بعده. بيد أنها شوهدت في هذا القطر أو ذاك، نذكر منها على سبيل المثال ما كتبه أبو يوف إلى الخليفة هارون الرشيد:

– وجعل الناس عندك في أمر الله سواء القريب والبعيد ولا تخف في الله لومة لائم.

– فإن صلاحهم بإقامة الحدود عليهم ورفع الظلم عنهم.

إن مفهوم تآخي الناس والمساواة بينهم في المجتمع وأمام القضاء لا معنى له إذا لم تعززه عدالة اقتصادية تضمن لكل فرد حقه إزاء ما يقدمه لمجتمعه أو للناتج الاجتماعي، وتكفل إلا يستغل أحد أحدا. ولتحقيق هذا الضمان يطالب القرآن الكريم المسلم بأن يرضي بما قسم له في معاشه لا يتخطاه ليحرم غيره من حقه. يقول الله تعالى:

– ولا تبخسوا الناس أشياءهم.

ويقول عليه الصلاة والسلام:

– اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.

وهذا التحذير من الظلم والاستغلال بصون الحقوق ويحمي الناس، سواء كانوا مستهلكين أو منتجين أو موزعين، أو مخدومين أو مستخدمين، ويعمل على تنمية الصالح العام، وهو غاية ما يهدف إليه الدين.

والعلاقة بين صاحب العمل والعمل لها مكانتها في هذه العدالة، ويضعها الإسلام في إطارها الصحيح فيحدد لها قواعد تنصف الطرفين. فالعامل له أجره العادل لقاء مساهمته في الإنتاج والمعاملة الحسنة من قبل صاحب العمل الذي حرم الدين عليه أن يستغل عماله. وقد أخبرنا رسول الله عن ثلاثة سيلقون غضب الرب يوم القيامة مهم صاحب عمل يبخس العامل حقه.

– ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى حقه ولم يعطه أجره.

لكن ما هو الأجر “العادل”؟ وما هي الأمور التي تشكل استغلالا للعامل؟ هذه قضايا تحدد على ضوء أحكام القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.

يرى الإسلام أن هناك عوامل تسم في الإنتاج بالإضافة إلى العامل. ومن هذه الرؤية ندرك أن المفهوم الإسلامي لاستغلال العامل لا صلة له بنظرية فائض القيمة التي قال بها ماركس.

من الممكن القول نظريا أن الأجر “العادل” يجب أن يساوي مع قيمة مساهمة العامل في الإنتاج. غير أن تحديد هذه القيمة ليس بالأمر الهين، وإنها لا تجدي عمليا في تنظيم الأجور. لكن هناك أحاديث نبوية نستطيع على هديها أن نستنبط، بشكل نوعي، الأجر بحديه الأدنى والأمثل. ففي أحدها يقول صلى الله عليه وسلم:

– للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق.

ومنه نلحظ أن الحد الأدنى هو ما يؤمن للعامل كفايته من طعام جيد وملبس حسن له ولأسرته دون أن يكلف ما لا يطيق. وقد رأى الصحابة الكرام أن الحد الأدنى يكون أيضا بالقدر الذي يصون المستوى الروحي للمجتمع المسلم. وروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قوله:

– لا تكلفوا الأمة، غير ذات الصنعة، الكسب، فإنكم متى كلفتموها ذلك كسبت من فرجها. ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنه إن لم يجد سرق. وعفوا إذا أعفكم الله. وعليكم من المطاعم بما طاب منها.

أما الحد الأمثل فهو كما قرره النبي عليه السلام، وهو الأجر الذي يمكن العامل من أن يأكل ويلبس كما يأكل صاحب عمله ويلبس. فقال:

– إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس….

وعليه، فإن الأجر “العادل” لا يمكن أن يكن أقل من الحد الأدنى، وإن مستواه المطلوب هو بطبيعة الحال أكثر قربا إلى الحد الأمثل، وما ذلك إلا لينخفض التفاوت في الدخول ولتضيق الهوة التي تفصل العامل عن صاحب العمل في شروط معيشتهما، وهي الهوة التي تخلق طبقتين متميزتين واحدة منعة وثانية محرومة، وتوهن روابط الأخوة التي تعتبر سمة أساسية من سمات المجتمع المسلم الحق. في حين أن المستوى الفعلي للأجر والذي يقع بين حديه الأدنى والأمثل يتقرر حسب تفاعلات العرض والطلب، ومدى النمو الاقتصادي، ودرجة الوعي الأخلاقي في هذا المجتمع من ناحية، وحجم الدور الذي تلعبه الدولة في ممارسة وظيفتها القانونية من ناحية أخرى.

هذا، ومع أن الدين يعين الأجر الأدنى الذي يمكن أن يتقاضاه العامل ويؤثر أن يدع له الأجر الأمثل، إلا أنه يشترط عدم تكليف العامل ما لا يطيق أو وضعه في ظروف عمل تسيء إلى صحته وتحرمه الاستمتاع بأجره أو تحول بينه وبين تكوين أسرة. وإذا حدث وكلف بما فوق طاقته فمن الواجب عندئذ أن يساعد على أداء العمل بلا عنت. وهنا تقع تتمة الحديث السابق “… ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتوهم فأعينوهم”.

ولعلنا نستنتج من هذا الحديث أن إقرار الحد الأدنى وإيجاد شروط عمل مناسبة واتخاذ إجراءات وقاية ضد ومخاطر العمل هي أمور تتفق جميعها مع روح التعاليم الإسلامية. وخير مثال يضرب في هذا الصدد شطر من حوار دار بين نبيين من أنبياء الله عندما استخدم أحدهما الآخر: “وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين”.

وهذه المعاملة هي ما يأمل الإسلام نشوءها بين العامل وصاحب العمل. لكن لالتزامه جانب العدل عمل أيضا على حماية صاحب العمل ففرض التزامات أخلاقية معينة على العامل نفسه. أولاها أداء العام لعمله بضمير مع بذل أكبر قدر من الحرص والمهارة. وللرسول الكريم أحاديث واضحة:

– إن الله كتب الإحسان على كل شيء.

– أن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.

ولا ريب أن العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي أولاها الإسلام عناية خاصة تشترط حسن تنفيذ العمل الذي استخدم العام من أجله. وفي الحديث:

– المملوك الذي يحسن عبادة ربه ويؤدي إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة له أجران.

وثاني التزام هو الإخلاص والأمانة. ويخبرنا القرآن في سورة القصص: (إن خير من استأجرت القوي الأمين). ويحدثنا رسول الله:

– من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول.

وهكذا نشاهد أنه حين وضع الإسلام ضوابط على صاحب العمل لم يترك العامل وشأنه إذ قيده بعدد من الالتزامات هي الضمير الحي والاجتهاد والأمانة والإخلاص. وبتلك الضوابط والالتزامات يسود العدل الطرفين في علاقاتهما الاقتصادية.

ومن خلال هذا التنظيم المتناسق للمسؤوليات المتبادلة المشدد على التعاون وحسن الأداء في جو الإخاء والعدالة وسيادة القيم الأخلاقية يتطلع المرء إلى زوال أسباب التنافر بين الخادم والمخدوم، وإلى إفشاء السلام في العلاقات الصناعية.

(جـ) التوزيع العادل للدخول:

أكثر الإسلام من التأكيد على الأخوة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية. وهذا التأكيد يعني أن التفاوت الفاحش في الدخول والثروات ينافي جوهره لأن فيه قضاء محتما على مشاعر الأخوة التي يريد بثها بين الناس. وهذا يصدق على الموارد أيضا. يقول سبحانه:

– (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا).

ولذلك ليس هناك أي مبرر يدعو إلى حصرها عند قلة من الناس طالما أن الخالق نفسه لم يجعلها وقفا على فئة معينة. ومن هنا ينسق اهتمام الإسلام بعدالة التوزيع فيضع برنامجا يوفر لكل فرد مستوى من المعيشة بهيئة لأن حيا حياة تليق بكرامة الإنسان الذي قال سبحانه في حقه:

– (إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة).

والمجتمع الإسلامي الذي يعجز عن ضمان هذا المستوى يصبح غير جدير بهذا الاسم. وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ليس المؤمن الذي يشيع جاره جائع إلى جنبه. ويعبر الخليفة عمر بن الخطاب عن رأيه في عدالة التوزيع فيقول رضي الله عنه في خطبه له:

– ما من الناس أحد إلا له في هذا المال حق أعطيه أو متعه، وما من أحد أحق به من أحد إلا عبد مملوك، وما أنا فيه إلا كأحدهم ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله فالرجل وبلاؤه في السلام والرجل وحاجته والله لئن بقيت ليأتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو مكانه.

وقال علي كرم الله وجهه:

– إن الله عز وجل فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي الفقراء. فإن جاعوا أو عروا أو جهدوا فيمنع الأغنياء. وحق على الله تبارك وتعالى أن يحاسبهم ويعذبهم.

والعلماء مجمعون على أن واجب المسلمين عامة وأغنيائهم خاصة أن يقوموا بأود الفقير، وعلى الدولة أن تكرههم عليه إذا لم يبادروا هم إليه.

ويتألف برنامج التوزيع من ثلاث نقاط:

الأولى: تأمين عمل لمن يبحث عنه ولا يجبره، وأثابه العاملين بالأجر العادل.

الثانية: إيتاء الزكاة ليعاد توزيع الدخل. فيؤدي الأغنياء زكاة أموالهم للفقراء الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض، أو يعانون من معوقات عقلية أو جسمية، أو يرزحون تحت وطأة ظروف خارجة عن إرادتهم كالبطالة مثلا. وذلك عملا بقوله تعالى: (كي لا يكون (المال) دولة بين الأغنياء منكم).

الثالثة: التوريث وفق دستور إلهي ليؤول الإرث إلى أكبر عدد من الناس.

هذا ولا يذهبن الظن بأن مفهوم عدالة توزيع الدخول ومفهوم العدالة الاقتصادية يرميان إلى تساوي الجميع في الأجر. أن ظنا كهذا يقع على طرفي نقيض من الدين الإسلامي. فالإسلام يتسامح تجاه بعض التفاوت لأن الناس ليسوا سواء في صفاتهم وقدراتهم وخدماتهم لمجتمعهم. والقرآن الكريم يبين هذه الناحية:

– وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بضعكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم.

– أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا، ورحمة ربك خير مما يجمعون.

إذن، وبعد ضمان مستوى معاش لائق للجميع بفريضة الزكاة، فإن عدالة التوزيع في المجتمع الإسلامي تجيز هذا التفاوت في الكتب فيثاب كل امرئ بما يتناظر وقيمة خدماته لمجتمعه.

وحرص الدين على عدالة التوزيع جعل بعض المسلمين يميلون إلى الاعتقاد بالمساواة المطلقة في الثراء فالصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رأى أنه لا يحل المسلم أن يمتلك ما يزيد عن الحاجة الأساسية لأسرته. بيد أن غالبية الصحابة لم تقره على هذا الرأي المتطرف وحاولوا ثنيه عنه. ومع ذلك فأبو ذر نفسه لم يكن يدعو إلى تساوي الدخول وإنما كان يحبذ المساواة في الادخار، وأكد أن هذه المساواة ليست بالأمر المتعذر إذا أنفق الرجل ما يفيض عن مصروفه الأصلي، أي إذا انفق العفو، على تحسين أحوال من هم أقل حظا منه. ورغم ميل العلماء إلى جانب عدالة التوزيع، إلا أنهم كانوا يرون أنه إذا ابتغى المسلم رزقه بالحلال وآتى الزكاة وأسهم في وجوه البر في مجتمعه فلا بأس عليه في أن يمتلك أكثر من غيره. وفي الواقع، إن الامتثال لتعاليم الإسلام في الحلال والحرام في الكسب، وتطبيق قواعد العدل على العمال والمستهلكين، والتقيد بأحكام الميراث وإعادة توزيع الدخول والثروات كل أولئك أمور تجعل المجتمع المسلم بمنأى عما يخلق التفاوت الضخم في الدخول والثروات من مشاكل.

(د) حرية الفرد في سياق الرفاهية الاجتماعية:

الإيمان بأن الله خالق الإنسان، وأن الإنسان لا يوصف بالعبودية إلا له، هو الركن الهام من أركان الإسلام.

– قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به.

– ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور.

وهو جوهر الميثاق الإسلامي للتحرر من كل أنواع العبودية. وبين لنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم أن من المهام التي بعث بها النبي عليه الصلاة والسلام إلى الناس أنه:

– (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).

وبهذا الإيمان قال الخليفة عمر رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا وبه أيضا قال الإمام الشافعي: إن الله خلقك حرا فكن كما خلقك.

وانطلاقا من هذا الإيمان لا يحق لأحد أن يحجر على حرية الفرد، ولو كان هذا الأحد هو الدولة. وقد أجمع الفقهاء على عدم جواز الحجر على رجل حر عاقل راشد. ويذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يحجر على الحر البالغ العاقل السفيه، وتصرفه في ماله جائز وإن كان مبذرا مفسدا يتلف ماله في ما لا غرض فيه ولا مصلحة.

ولأبي حنيفة رحمه الله: إنه مخاطب عاقل، فلا يحجر عليه اعتبار بالرشيد وهذا لأن في سلب ولايته إهدار آدميته وإلحاقه بالبهائم وهو أشد ضررا من التبذير، فلا يتحمل الأعلى لدفع الأدنى، حتى لو كان في الحجر دفع ضرر كالحجر على المتطبب الجاهل، والمفتي الماجن والمكاري المفلس، جاز فيما يروي عنه إذ هو ضرر الأعلى بالأدنى.

لكن مهما تعددت الآراء فإن الخلاف في الاجتهاد يحدث إذا تعلق الأمر برجل يلحق الضرر بالغير فلا خلاف، فالحد من الحرية في وضع كهذا جائز. والعلماء جميعهم متفقون على ضرورة فرض القيود إذا كان فرضها يحول دون إلحاق الضرر بالآخرين، أو يصون المصلحة العامة. وفي هذا رأى الإمام أبو حنيفة أنه يجب الحجر على المفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري المفلس لأن هذا الحجر يدرا ضررا أكبر بإنزال ضرر أصغر أن الصالح العام له مكانته الهامة في الإسلام. أما حرية الفرد فمع ما له امن أهمية أولية، إلا أنها ليست بمعزل عن ضوابطها الاجتماعية. والعلماء سعيا منهم لوضع حقوق الفرد في منظورها الصحيح من حيث حقوق الناس وحقوق المجتمع، اتفقوا على المبادئ التالية:

1 – مصلحة المجتمع تتقدم على مصلحة الفرد.

2 – “رفع الحرج” و “تنمية النفع” هدفان من أهداف الشريعة، غير أن الأول مقدم على الثاني.

3 – لا يوقع الضرر الأكبر لإزالة الضرر الأصغر، ولا يضحى بالمنفعة الأكبر في سبيل المنفعة الأصغر. وبالعكس، يمكن رفع الضرر الأكبر بالضرر الأصغر، كما يضحي بالمنفعة الأصغر في سبيل المنفعة الأكبر.

والملموس من هذه المبادئ أن حرية الفرد ضمن حدود آداب الإسلام تبقى أمرا مقدسا ما بقيت غير متعارضة مع المنفعة الأكبر للمجتمع، وما بقي الفرد غير متجاوز حدود الآخرين.

(للبحث بقية)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر