المدخل:
إن الحديث عن التغيير وضرورته والبحث عن سبله ووسائله كان ولا يزال هما ثقيلا يلقي بظلاله على كل الإنتاجات الفكرية في العالم الإسلامي،
بدءا بما سمي بعصر النهضة إلى العقود الأخيرة من القرن العشرين وانتهاءا بما مضى من السنوات القليلة من القرن الواحد والعشرين، هم تقاسمته سابقا تيارات متعددة مرورا بالمشروع النهضوي السلفي مع حركة الإصلاح ومع المشروع التغريبي اللبرالي أو الاشتراكي، وتقاسمته التيارات نفسها حاليا مع التغيير – طبعا – في الأسماء والمرتكزات والرؤى تلاؤما مع المستجدات التي يعج بها العالم الحديث.
ومما لاشك فيه ان أي مطل على المكتبة العربية الإسلامية في الآونة الأخيرة سيلحظ غزارة في الإنتاج إلى حد تصعب معه مسايرة كل ما يصدر والتعرف عليه ولو معرفة سطحية وسيرى في الوقت نقسه ظاهرة التخصص تغزو المجال الفكري بقوة فلم يعد التفكير في التغيير موكولا لأفراد مخصوصين ومحدودين يبدون الرأي في كل مسألة بلانبرت مؤسسات ومعاهد متخصصة ومتفرغة تختار البحث والتعمق في ناحية من نواحي التغيير فصرنا نسمع أسماء ك (الرابطة العالمية للأدب الإسلامي) وك (معهد إسلام العلوم)، غير ان أبرز هذه المؤسسات وأكثرها إنتاجا ونشاطا (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) والذي تبنى في مشروعه ما أطلق عليه (إسلامية المعرفة وإصلاح مناهج الفكر الإسلامي).
هذا المشروع الذي استحسنه الكثير من المفكرين وانتقده بعضهم وهزء به البعض الأخر، وأيا كانت وجهة نظرنا نحو الموضوع فإن استمراره وازدياد فاعليته في الساحة الفكرية يدفعنا إلى تأمله ودراسته خصوصا وأن إسلامية المعرفة تطرح نفسها كخطوة مستلهمة لتعاليم الإسلام وكجهد ذي نطاق خاص في أفق الإسلامية الشاملة. يقول طه جابر العلواني: “وإسلامية المعرفة تعتبر نفسها جانبا من جوانب الإسلامية باعتبار الإسلامية إطارا قيما حضاريا شاملا للفرد والمجتمع، للفكر والعمل، للتعلم والممارسة، للمعرفة والتنظيم، للراعي والرعية، للدنيا والآخرة”([1]) غير أنه تثور في أذهاننا أسئلة عديدة حول هذا المشروع، فهل هو هم جديد حقا؟ أم إن ثوبه وحلته الجديدين أفضيا عليه نوعا من الجدة؟ هل هو استئناف لجهود سابقة؟ أسئلة أجاب عنها طه جابر أيضا في قوله “فقضيتنا إذن ليست قضية معاصرة… إنها قضية عمر بن عبد العزيز والشافعي… وابن باديس ومالك بن نبي والنبهاني وسائر قادة الفكر الإصلاحي الإسلامي”([2]) ويزيدنا توضيحا حينما وضع فارقا مهما بين جهود هؤلاء وقضية إسلامية المعرفة في شكلها الحالي، إذ يرى أن تلك الجهود لم تتجاوز الإطار الفردي لتصبح جهودا مؤسسية كما هو الشأن الآن.
الأكيد إذن أن تناول هذا الموضوع لم يكن معاصرا منقطع الجذور مما يستدعي البحث في تراث مفكرينا القدامى عن البذور الأولى لهذه القضية وهذا بالضبط ما أنجزه طه جابر العلواني في كتابه (ابن تيمية وإسلامية المعرفة) والذي ينم كلامه في خاتمته عن استعداده للبحث في أعمال أئمة آخرين إذ يقول: “ولعل الظروف تسمح بإبراز بعض جوانب هذه القضية في تراث وبحوث أئمة آخرين” ([3]) وهذا ما نروم أن نقاربه أيضا من خلال تعاملنا مع تراث واحد من أعمدة الفكر الإسلامي الحديث؛ المفكر الجزائري مالك بن نبي، ونأمل أن يكون الحظ حليفنا لاكتشاف بعض من جذور هذه القضية خلال التعامل مع مشروعه.
وبالله التوفيق.
الفصل الأول: الملابسات التاريخية، والاطار الموضوعي لمشروع مالك بن نبي ومشروع أسلمة المعرفة.
المبحث الاول : حول مشروع مالك بن نبي:
مما لابد منه في تناول أي تجربة فكرية استحضار الواقع المؤثر في صاحبها وطبيعة الظروف المحيطة بإنتاجه الفكري مع الإمعان في مقارنة طرحه بمن سبقه وبمن لحقه ليتضح جليا موقعه في الخريطة الفكرية لعصره، مع تجاوز التصنيفات التاريخية للفكر والتي تنظر إلى زمن ظهور الفكرة لا إلى الفكرة نفسها، ومدى جدتها وحداثتها وتجاوزها حتى للزمن الذي ظهرت فيه، واذا كان لابد من الاستغناء عن شيء في هذا الصدد فبالتفاصيل الكثيرة عن حياة المؤلف وشخصه، وتسويد الصحائف في ذلك بما لا طائل من وراءه، خصوصا وقد أصبح التاريخ للأفكار أهم بكثير من التاريخ للأشخاص منتجي هاته الأفكار.
وفي تناولنا لمشروع مالك بن نبي وملابساته التاريخية سيكون هذا المسلك الذي بررناه على ما نعتقد بما فيه الكفاية نبراسا يقودنا إلى حيث القصد والمسير.
أ.مشروع مالك بن نبي والحركة الإصلاحية:
إن الفترة الزمنية التي عاشها مالك بن نبي (1905 -1973) تزامنت مع فترة ظهور الحركة الإصلاحية، حيث ابتدأت دعوة الرجوع إلى السلف الصالح مع رواد هذه الحركة كالأفغاني ومحمد عبده، وإن لم يكن مقدارا لمالك بن نبي معاشرة هؤلاء فإنه التقى ببعض تلامذتهم المنتشرين على طول الوطن الإسلامي، فكان له بحكم انتمائه الجزائري أن يتعرف عن قرب بجمعية العلماء وأبرز قادتها كابن باديس والإبراهيمي.
وتلك الملابسة التاريخية جعلت بعضا ممن كتبوا عنه يصنفونه باعتباره مفكرا إصلاحيا، فهذا أسعد السحمراني يعنون أطروحته كالآتي”مالك بن نبي مفكرا إصلاحيا” وإذا كان المقصود بكلمة الإصلاح ما مؤداه التغيير من السيئ إلى الحسن، ومن الحسن إلى الأحسن أو ما يحيل عليه قوله تعالى ﴿ما أريد الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب﴾(هود:88) فالفكر الاسلامي كله إصلاحي بهذا المعني، أما إذا كان المراد بالإصلاح نوع من التفكير عرفته مرحلة تاريخية معروفة له خصائصه ومميزاته فإن مشروع مالك بن نبي لا يعد من هذا المنطق فكرا إصلاحيا ولو تزامن ظهوره – كما قلنا سابقا – مع هذه المرحلة، ولربما هذا ما اسقط البعض في مثل هذا التصنيف المبني على تقسيم زمني قاصر لا يعطينا كل ما نتوخاه من الإيضاح عن ماهية مشروع مالك بن نبي، ولنا أن نعضد هذا الرأي بمزيد من الحجج لعلها توضحه أكثر:
أولا: نقد مالك بن نبي للحركة الاصلاحية:
لما كانت عملية التجديد في نظر مالك بن نبي تتطلب عمليتين ضروريتين أولاهما تصفية كل السلبيات التي تفصلنا عن رواسب الماضي والثانية تفعيل الإيجابيات التي تصلنا بالمستقبل ([4]) فإنه قد سعى إلى خوض هاتين العمليتين، ومن هنا جاء نقده للتاريخ الإسلامي ومن ضمنه فترة الحركة الإصلاحية في أفق ايجاد شروط جديدة للنهضة المنشودة ([5]) فهو يرى أن خطاب هذه الحركة كان ضعيفا ولم يبلغ مراده من الإصلاح وذلك راجع إلى أمور منها :
1.عدم تشخيص غاية النهضة تشخيصا واضحا.
2.عدم تشخيص المشكلات الاجتماعية تشخيصا صحيحا.
3.عدم تحديد الوسائل تحديدا يناسب الغاية المنشودة والإمكانيات([6])
هذا النقد المجمل فصله مالك بن نبي في أكثر من مناسبة، حيث بين مجموعة من النواقص التي تعتري فكر الحركة الإصلاحية يمكن أن نبرز أهمها دون تفصيل فيما يلي:
· التجزيئية في تناول مشكلة العالم الإسلامي، أو ما يسميه ب (الذرية ).
· عدم تجاوز أعمال الدفاع والتبرير إلى البناء والتأسيس.
· الاعتماد على علم الكلام وتوقع إصلاح حال الأمة بإصلاحه، وإغفال المنطق العملي. وفي هذا الصدد يقول: “فليست المشكلة في أن نبرهن للمسلم على وجود الله بقدر ما هي في أن نشعره بوجوده ونملأ به نفسه باعتباره مصدرا للطاقة”([7])
· النـزوع إلى امتداح الماضي والبكاء على أطلاله.
ومفكر هكذا كان تعامله مع فكر الحركة الإصلاحية يكون من الخطأ تصنيفه ضمن روادها وإن كان عاشر بعض علماءها – كما سبق أن أشرنا إلى ذلك – وانتقدهم أيضا في تصرفاتهم وفي نظرتهم للإصلاح ([8])
وقد يقول المرء عن النقد الآنف الذكر إنه موجه للحركة من داخلها غير أنه من الثابت أن مالك بن نبي سلط مجهره على الحركة من الخارج مبينا مزالقها وهفواتها، ومن المنطقي جدا أن يسعى إلى تلافي هاته المزالق فيكون فكره بذلك مخالفا لفكر الحركة الإصلاحية.
ثانيا: فكر مالك بن نبي : خطوة متقدمة ومشروع متكامل.
مقابل النـزعة التجزيئية التي وصف بها مالك بن نبي جهود النهضة لدى الحركة الاصلاحية كان يسعى إلى تناول المشكلة الإسلامية في عمومها باستحضار كافة عناصرها وأسبابها الداخلية والخارجية مع تقصي أسبابها النفسية في عمق الذات المسلمة استرشادا بقوله تعالى ﴿ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم﴾(الرعد:13) ومن هنا كانت نظراته الثاقبة والمتسمة بمنهجية رصينة، وشمولية واضحة، فتعرض لقضايا الأخلاق والسياسة والاقتصاد والتاريخ… وغير ذلك، دون أن يخرج عن الغرض الذي رسمه لنفسه والذي فرضته عليه مرحلته وهو محاولة إيجاد شروط جديدة للنهضة بتصفية كل السلبيات وبعث كل الايجابيات مع استصحاب النظرة الإسلامية لذلك كله.
لقد جاء مشروع ابن نبي متكاملا يضم أكثر من اثني عشر كتابا كلها نبش في مشكلات الحضارة، واذا عقدنا مقارنة بسيطة بينه وبين الفكر الاصلاحي نرى البون شاسعا إذ كان هاجس ابن نبي صياغة مشروع متكامل، مشروع ينهض بالحضارة الإسلامية، بينما كان الفكر الاصلاحي محاولات جزئية يهتم كل منها بناحية ويغفل النواحي الأخرى للإصلاح.
إن المشروع الحضاري الإسلامي كما يقول زكي الميلاد: “يفترض فيه الوضوح والواقعية، أي أنه يلبي حاجة الواقع، والاستعداد للتطبيق بتشخيص الآليات… ولهذا نجد أن كلمة المشروع كانت غائبة عن الخطاب الإسلامي حينما كان هذا الخطاب ينـزع نحو الجوانب النظرية” ([9]) وكلها شروط تتوفر في مشروع ابن نبي.
وقبل ختام هذه الفروق البارزة بين فكر مالك بن نبي وجهود الحركة الإصلاحية نسوق شهادة لأحد المتخصصين في الفكر الإسلامي الحديث، يقول عبد الحليم عويس: “ولعل من أفضل الدراسات في الاتجاه الأول – يعني الاتجاه الناقد للحضارة الغربية – كتابات المفكرين الإسلاميين الكبار، وعلى رأسهم العلامة محمد إقبال والشيخ عبد الحميد بن باديس والعلامة مالك بن نبي والعلامة أبو الاعلى المودودي… وهؤلاء هم الذين تجاوزوا مرحلة المفاجأة التي لقاها جيل المصلحين الرواد من أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومحمد فريد وجدي وغير هم…” ([10])
فهذا فرق جوهري أيضا بين فكر الحركة الإصلاحية الذي تأثر باصطدامه بالحضارة الغربية فكان تعامله معها بنوع من الدونية والانبهار أحيانا، وبالرفض أحيانا أخرى، بينما عاش مالك بن نبي حياته في الغرب وعرفه عن قرب ودرسه بعمق ثم انتقده، فأسس بفكره موقفا رصينا ومتميزا من الحضارة الغربية.
ب.مشروع ابن نبي في موضع التعتيم والتجاهل والنقد:
بدءا يمكن القول إن مشروع مالك بن نبي لقي من التجاهل والتعتيم أكثر مما لقي من النقد، ذلك أن النقد في حد ذاته تعبير عن الاهتمام، ولا يمكن أن يتأتى إلا بعد الدراسة والإمعان في المطالعة، وان كان بعض النقد الذي تعرض له مغرضا، لم يكن غرضه التقويم والمراجعة وإنما التشويه الذي يخفي نية غير سليمة وإذا أمعنا النظر لتقسيم وتصنيف الجهات التي صدرت منها المواقف هذه سنرى الاستعمار في مقدمة اللائحة، ثم أبناء الصحوة الإسلامية وأخيرا خصوم النظرة الإسلامية.
ونظرا للفترة التي يكتب فيها مالك بن نبي، والتي يمكن وصفها بالحرجة، خصوصا وأن الاستعمار لا زالت تئن تحت وطأته الكثير من بلدان العالم الاسلامي، وحركات التحرير قد بدأت عملها لاخراجه، وكانت كتاباته سما لاذغا للاستعمار وتوجيهات رصينة للحركات المناهضة له، فكان طبيعيا أن يحاول الاستعمار بكل وسائله التعتيم على هذه الافكار وبث الشلل فيها، وأي قارئ لمذكرات مالك بن نبي سيجد ملاحقة للرجل وفكره، ولا غرو وقد كرس مالك كتابا خاصا لفضح الاستعمار ووسائل عمله([11]) كما خصص العديد من مقالاته لبيان أخبث جرائمه في المستعمرات([12]) مع التنبيه إلى مكمن الداء والذي ود مالك بن نبي لو انصبت عليه المعالجة حتى نكسب الرهان في صراعنا مع الاستعمار ألا و هو (القابلية للاستعمار) فكما يقول: “هناك حركة تاريخية ينبغي ألا تغيب عن نواظرنا وإلا غابت عنا جواهر الأشياء فلم نر منها غير الظواهر، هذه الحركة لا تبدأ بالاستعمار بل بالقابلية له فهي التي تدعوه”([13]) ومن ثم كان الاستعمار عاملا في عدم وصول كثير من أفكار مالك إلى أذهان كثير من المسلمين حتى المهتمين منهم بالفكر الإسلامي وخصوصا هذه الفكرة بالذات، حيث تنص على ضرورة تصفية القابلية للاستعمار.
أما الصحوة الإسلامية، والحركة الإسلامية خصوصا –رغم الاشتراك الواضح بين مشروعها ومشروعه –فقد أهملته وتجاهلته “ولو قدر لفكر مالك بن نبي أن يكون هو المحتوى الفكري والمنهجي والثقافي الذي يشكل عقلية الصحوة الإسلامية أو الحركة الإسلامية العالمية لكانت هذه الصحوة اليوم في موقع القيادة لهذه الأمة… ومن المؤسف أن مختلف البرامج الثقافية للحركات الإسلامية قد أهملت فكر مالك بن نبي ولم تعطه من الاهتمام ما يستحقه وما هو جدير به، ولم تلتفت بشكل مناسب إلى أهميته البالغة وحاجات هذه الأمة الماسة إلى تحويل هذه الأفكار النيرة إلى واقع معيش، ومن المؤسف أن كثيرا من تلك البرامج الثقافية التي أهملت فكر مالك بن نبي لم تستطع أن تجد البدائل التي تسد الفراغ أو تحدث النقلة الفكرية المطلوبة في جيل طلائع الصحوة الإسلامية ([14]) فهناك من أبناء الصحوة الإسلامية – حسب طه جابر العلواني – من يراه غير مستحق لانشغال الشباب به ومن يراه فكرا فلسفيا معقدا، وآخر يراه حالما بعيدا عن الفعالية، واذا كان هذا حال أبناء الصحوة مع مشروع ينصب في عمق رؤيتهم، فماذا سيكون حال خصوم الرؤية الإسلامية أساسا؟
فبالإضافة إلى التجاهل واللامبالاة وعدم الإكتراث نرى خصوم النظرة الاسلامية يتوجهون بالنقد إلى مشروعه، وأهم ما ينصب عليه اهتمامهم مصطلح “القابلية للاستعمار” والذي جعله مالك بن نبي عنوانا لمختلف أمراض مجتمع ما بعد الموحدين فاتخذوه ذريعة لاتهامه بالروح الاستعمارية فقد جاء مثلا في النصوص الأساسية لحزب جبهة التحرير الجزائرية لعام 1964. “إن الاراء القائلة بالطابع الضروري للاستعمار وقابلية الخضوع للاستعمار لدى الشعب الجزائري تشكل تظليلا وقحا…الخ ” ([15]) كما تناول محمد العروي هذا المفهوم بالنقد في روايته “أوراق”، وهو نقد غير منصف([16]) واذا أمعنا النظر فلن نعدم نماذج أخرى على مثل هذا النقد، ويمكن أن نعثر على ما هو أسوأ من النقد المغرض كتجاهل قسطنطين زريق لأفكار مالك بن نبي في فلسفة الحضارة رغم إشارته إلى كثير من الكتاب الغربين في هذا المجال وذلك في كتابه (في معركة الحضارة ) مع العلم أن مالك انتقد الكثير من أولئك وتجاوز العديد من أفكارهم. وعموما فليس من هدفنا الرد على تلك الانتقادات وغيرها وإنما الاشارة اليها فحسب، على أن ليس كل ما تعرض له مالك من النقد يعد مغرضا، بل هناك محاولات صادقة معها بعض الحق كعلي القرشي في كتابه “التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي منظور تربوي” وسليمان الخطيب في كتابه “فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي” وغيرهما.
وتبقى مسألة أخرى لا تدخل في مسمى التجاهل ولا النقد ولا التعتيم كالذي نجده عند ماجد عرسان الكيلاني في كتابه الصادر ضمن سلسلة كتاب الأمة بعنوان “إخراج الأمة المسلمة وعوامل صحتها ومرضها” حيث استعمل كثيرا من مفاهيم مالك بن نبي ومعادلاته واعتمد الكثير من تحليلاته وآرائه دون أن ينسبها إليه أو يشير إليه في لائحة مراجعه، مما يعد تفريطا في بعض مقتضياة الأمانة العلمية التي لا يجب أن تغيب على مثله.
ومع ذلك كله فمشروع مالك بن نبي بدا يأخد طريقه مند سنوات إلى عقل وتفكير الشباب المسلم وهذا ما يتضح من كثرة الرسائل والأطروحات والندوات التي تتخذه موضوعا لها، وبذلك نستطيع القول إنه بدا ينفض عنه غبار التجاهل والنقد والتعتيم.
المبحث الثاني : حول مشروع أسلمة المعرفة.
مما لا يختلف فيه اثنان أن الجهود المبذولة منذ عصر النهضة الى الآن للنهوض بالفكر الإسلامي وتطويره، وإعادة الإسلام بشكل عام إلى معترك الحضارة، لم تؤت أكلها كما ينبغي، ولا زال العالم الإسلامي يراوح مكانه في الوقت الذي تخطوا فيه المجتمعات الأخرى خطوات جبارة نحو المستقبل. حالة الأمة هاته أراعت الكثيرين، وأسالت الكثير من المداد بحثا عن تشخيص جدي لتلك الأمراض المزمنة، وبحثا عن الأساليب الممكنة لمعالجتها، وكما أشرنا في المدخل فالجهود الفردية في هذا الصدد أصبحت غير ذات جدوى مما استدعى تظافر الجهود وتعاضدها والعمل بشكل يسمح لمختلف المبادرات أن تصب في اتجاه واحد. وهذا الهاجس بالضبط هو الذي كان وراء إنشاء (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) والمؤتمرات الممهدة لتأسيسه([17])
وقد اتخد المعهد كبؤرة لأعماله وأنشطته قضية إصلاح الفكر وإسلامية المعرفة، ونحن في هذا الصدد حيث نهتم بإسلامية المعرفة لابد أن نقدم بعض خطوطها العريضة لنمهد بها لما نرومه من البحث عن قضاياها في مشروع مالك بن نبي كي يتضح ما نريده ولا نتهم بتحوير أقوال الرجل لتلائم ما هو مطروح في إسلامية المعرفة فما هي إسلامية المعرفة إذن؟ وما ضرورتها؟ وكيف السبيل إلى تحقق دلالة هذا العنوان الضخم والكبير؟
– ماذا تعني إسلامية المعرفة؟
أسلمة المعرفة أو إسلامية المعرفة كما جاء في كتاب “المبادئ العامة” الذي أصدره المعهد “هي جانب أساسي وأولي في بناء الإسلامية يختص بالفكر والتصور والمحتوى الإنساني القيمي والفلسفي وكيفية بناءه وتركيبه وعلاقته في العقل والنفس والضمير ” ([18]) فالإسلامية المطلقة أعم من إسلامية المعرفة وهذه الأخيرة جانب من جوانب الأولى تختص بالنشاط الفكري وتستأثر به ومن ثم عرفها عماد الدين خليل بأنها “ممارسة النشاط المعرفي كشفا وتجميعا وتوصيلا من زاوية التصور الإسلامي للكون والحياة والانسان”([19])
وبهذا نفهم أن إسلامية المعرفة هي إخضاع الأنشطة الفكرية والمعرفية لدى الإنسان للرؤية الإسلامية، وتخليصها من الوضعية، ومن هنا فأصدق تعبير عن ماهيتها ما أطلق عليه المفكر أبو القاسم حاج حمد (الجمع بين القرائتين )؛ قراءة الوحي والاسترشاد به باعتباره هدى إلهيا، وقراءة الوجود استجابة لمتطلبات العمران والاستخلاف. وما يفرض هذا هو أن الاقتصار على أحد القرائتين دون الأخرى سيؤدي إلى شلل المعرفة المبنية على هذا النمط، إنه “إذن لابد من الجمع بين القرائتين… والدمج بينهما… ومن هنا كان ما أسميناه بإسلامية المعرفة ضرورة معرفية، وضرورة حضارية لا على المستوى الإسلامي وحده، بل على المستوى العالمي كله للخروج من المأزق المعرفي المعاصر والأزمة الفكرية العالمية المعاصرة”([20]) ويتضح من هذا أن إسلامية المعرفة ليست تخصصا علميا جديدا يضاف إلى ما وجد من التخصصات “فقد استقر (والقول لطه جابر العلواني ) في فكر مدرسة إسلامية المعرفة منذ إنشائها أنها رؤية منهجية معرفية وليست حقلا علميا دراسيا، أوتخصصا أو إيديولوجية” ([21]) كما لا يجب أن يفهم منها أنها مجرد إسقاط فج (للديني) على المعرفي بشكل تخنق فيه الرقابة الدينية كل إبداع. فمن وعى حق الوعي المراد بهذا المصطلح “يعلم أن الإسلامية هي بالضرورة المعاصرة والتحديث الدائب المستمر ولكن باتجاه إسلامي وغاية إسلامية ” ([22]) وإنه حقا يبدوا صعبا تعريف قضية كبرى كهاته في بضعة أسطر، غير أن ما يشفع لما قد يقع من التقصير في هذا التعريف هو أنه من غير المفيد؛ بل قد يكون مجازفة إعطاء تعريف جامع مانع خاصة وأن عملية إسلامية المعرفة مازالت في بواكيرها وفي مرحلة التأطير حيث لم يتم تأصيل كل جوانبها من فكر ومعرفة ومنهج ([23])
– لماذا إسلامية المعرفة؟
إن البحث في موضوع إسلامية المعرفة من طرف العديد من المفكرين لم يكن مجرد نشاط ترفيهي، بل هو نشاط يدفع إليه الواقع الفكري للأمة ويلح عليه، كما يلح عليه الواقع المعرفي العالمي المتأزم وقد حدد الكثيرون ممن كتبوا عنها ضرورات تفرضها، وتجعلها مطلبا آنيا لا محيد عن ارتياد آفاقة وسبر أغواره والبحث فيه، وفيما يلي بعض من هذه الضروريات مع الاعتماد أكثر على ما ذهب إليه عماد الدين خليل في هذا المجال:
1.الضرورة العقيدية:
فبما أن اسلامية المعرفة في جوهرها محاولة للجمع بين القرائتين، وبما أن الانسان والقوانين المسيرة للأكوان، كل ذلك مخلوق لله رب العالمين فإن معرفة الإنسان لهاته الأكوان وخبرته بأسرارها وتوظيفه لها كما أمر بذلك في كثير من آيات القران يجب ان يتحقق في إطار إيماني وفي علاقة متينة
وجدلية بين عقيدة المسلم ونشاطه المعرفي، فكلما حقق فتحا في المجال المعرفي كلما ازدادت عقيدته رسوخا، وكلما انكشفت له الأسرار الغامضة للأكوان. وفي هذا دفع للوضعية كنشاط أعرج وأعمى، وفي الوقت نفسه دفع لنوع من الصوفية الإنطوائية، وبذلك يتم تفعيل العقيدة الإسلامة في الكون بما تفرضه من النفاد في أعماقه بالعلم والمعرفة مع انضباط هذه المعرفة للمقتضيات الإيمانية غاية ومنهجا ووسائلا.
2.الضرورة الحضارية:
فمن المعلوم أن التقليد في المجال الحضاري، كذلك الاستيراد أو التكديس لا تنشئ حضارة ومن تم “فإن أسلمة المعرفة… تبدو ضرورة بالغة لأنها ستتجاوز بمسلمي اليوم والغد إحدى اثنتين قد تأتيان عليهم؛ الذوبان في الغير، أو العزلة الكلية عن الاستفادة من تقدمه” ([24]) فالتقدم الغربي أصبح الآن قانونا لهذا العصر، بحيث لا يمكن غض النظر عنه دون الاستفادة منه، كما أنه من جهة أخرى لا ينبغي أخذه على علاته، ومن تم فإخضاعه للمتطلبات الحضارية الإسلامية أمر ضروري حتى لا نستورد الداء ونحن نروم الدواء، فالحضارة الإسلامية عن طريق أسلمة المعرفة قادرة على التفاعل مع الأخر، والاستفادة منه مع الحفاظ على الحصانة الحضارية للأمة وحماية الشخصية الإسلامية من الذوبان.
3.الضرورة العلمية:
فمن المسلم به الآن أن كثير من العلوم قد أخذت طريقا غير الذي ينبغي لها خاصة في مجال العلوم الإنسانية، فأصبحت سلاحا للوضعية والإلحاد والمادية، وظلت بوابات يدخل منها الخلل. لذلك فأسلمة هذه العلوم مطلب ملح. علما أنه “ما من فرع من فروع هذا العلم أو موضوع من موضوعاته يرتبط بشكل أو بآخر بالمنظور القرآني المرن الشامل، الذي يتسع للمسألة العلمية في جميع توجيهاتها، أهدافا ومنهاجا وحقائق وتطبيقا…” ([25])
وتبدوا هذه الضرورة أكثر إلحاحا لأن العلم لم يعد خطرا على الإنسان فقط بل أضحى خطرا على عملية العلم نفسها وعلى قيمته، ومن تم “فإن أسلمة المعرفة تعنى… منح النشاط العلمي على مستويي الكم والنوع وقودا جديدا يدفعه للمزيد من الاشتعال والتألق”([26])
فهي بذلك ضرورية لإضافة البعد الإيماني إليه.
4.الضرورة الانسانية:
إن عالمية الاسلام -ومن تم المعرفة الاسلامية –تفرض على المسلم الاهتمام بما يحدث في المحيط الانساني كله كما تفرض عليه أن يدلي بدلوه في كل ما يعج به هذا المحيط، مقدما للبدائل والحلول ذات الصبغة الانسانية والعالمية. فمن المؤكد أن الانسان شقي كثيرا بالمعرفة اللادينية التي قدمها الغرب ولا زال يقدمها، والمبنية على أساس عنصري، في حين لا نرى المعرفة المؤمنة تسعى إلا لاسعاد الإنسان كل إنسان و “إن تجربتنا التاريخية علمتنا كيف تكون المعرفة المؤمنة، سخية العطاء إنسانية المنحى… وبالمقابل فإن عشرات من الأمم والجماعات والشعوب لم تحرم بالمعرفة اللادينية من حقها المشروع في الإفادة من ثمار هذه المعرفة فحسب وإنما وجهت نتائجها وكشوفها إلى أسلحة فتاكة لتدمير هذه الجماعات أو استعبادها والهيمنة على مقدرتها”([27]).
فإسلامية المعرفة ليست ضرورة حضارية تنحصر فقط على المستوى الإسلامي، بل هي ضرورة كبديل على المستوى الإنساني كله، إنها أنسنة المعرفة.
– ما الهدف من إسلامية المعرفة؟
إننا لا نقصد بأهداف إسلامية المعرفة ما هو مسطر تحت عنوان (أهداف المعهد) أو أهداف خطة المعهد، وذلك أن هذه – وكما اطلعنا عليها في مكانها – إجرائية، بينما نود تحديد الأهداف العامة أو الغايات البعيدة للفكرة نفسها، أي ماذا نريد الوصول إليه في تحقيقنا لمدلول (إسلامية المعرفة ) وفي عملنا لأجل ذلك؟ ويمكن أن نضع هذه الأهداف على شكل خطوط عريضة وواضحة انطلاقا مما توصلنا إليه أثناء قراءتنا للعديد من الكتب في هذا الصدد:
1.”فك الارتباط بين الإنجاز العلمي الحضاري البشري والإحالات الفلسفية الوضعية بأشكالها المختلفة وإعادة توظيف هذه العلوم ضمن ناضم منهجي ديني غير وضعي”([28])
2. البحث عن الثقافة الإسلامية الغائبة وإعادة بنائها ثم توصيلها للأمة.
3.علاج الفصام النكد بين الفكر والتطبيق، ومحاربة الثنائية القاتلة في الأنظمة التعليمية بين العلوم الدينية والعلوم الدنيوية.
4.مواجهة الغزو الفكري المتنامي وتحقيق الأصالة الإسلامية المعاصرة وتمكين الأمة من الشهود الحضاري.
5.إعادة صياغة تراث المعرفة الإنسانية وفقا لوجهة النظر الإسلامية.
6.تطوير منهجية الفكر الإسلامي وتطهيره من الفساد.
7.مدرسة إسلامية المعرفة تتصدى للعمل في مجال المعرفة وليس هدفها تعطيل مجالات العمل الأخرى والتي لا غنى لها عن هذا المجال.
تلك بعض الأهداف المرجوة من عملية إسلامية المعرفة، ولا ندعي أننا أحطنا بجميعها ولكن تلك أهمها، وكما قلنا فالأهداف الإجرائية الموضوعة للوصول إلى تحقيق هذه الأهداف العامة كثيرة جدا، وقد يلجئنا المطلب الموالي للتطرق لبعضها حين نتحدث عن مجالات العمل المفتوحة في وجه إسلامية المعرفة.
-كيف السبيل إلى إسلامية المعرفة؟
مسيرة (إسلامية المعرفة) لابد لها أن تمر بمراحل، وهذه المراحل هي (مرحلة التمكن والإتقان ) و(مرحلة الاستقلال والإبداع)([29]) وتعني المرحلة الأولى التمكن من التراث وإتقان العلوم المعاصرة، وتعني المرحلة الثانية، الاستقلال في الرؤية والمفاهيم والمناهج، والإبداع في الفكر والعلم، وهذه المهمة يصعب أن تضطلع بها مؤسسة لوحدها كالمعهد العالمي للفكر الاسلامي مثلا، وطالما يؤكد أبناؤه أن المعهد ليس مطالبا بتحقيق ذلك كله،وأنها موكلة إلى الأمة كلها، وإنما على المعهد تقديم النماذج وتمهيد الطريق وتهيئة الأذهان، وفي هذا الإطار حدد مجموعة من المحاور يجب أن تنصب عليها جهود المفكرين والدارسين، وهي كفيلة بتحقيق الغاية من أسلمة المعرفة إذا أعطيت ما تستحق من الاهتمام:
1. بناء النظام المعرفي الإسلامي أو الرؤية الإسلامية:
وذلك :
– بتفعيل قواعد العقيدة معرفيا، لتتحول إلى طاقة تجيب عن الأسئلة الكلية.
– ببناء قدرة ذاتية على النقد المعرفي وذلك قصد الاستيعاب والتجاوز.
– بالقدرة على التوليد المعرفي والمنهجي.
– بكشف الأنساق والنماذج السائدة في تاريخ الإسلام والمدارس الفكرية والفقهية ومدى الاستقامة فيها مقارنة مع الأنساق النماذج.
2. بناء المنهجية المعرفية القرآنية:
وذلك لبناء المنهجية الإسلامية على ضوءها، وهذا المحور ضروري للمحاور الآتية كما أن بناء النظام المعرفي الإسلامي ضروري لهذا المحور.
3. بناء منهج التعامل مع القرآن:
وفي هذا الصدد ينتقد طه جابر العلواني مفهوم المعرفة لدى اليونسكو (كل معلوم خضع للحس والتجربة) ([30])
ويعرفها بأنها كل معلوم دل عليه الوحي والحس والتجربة، فالقران الكريم مصدر للمعرفة والمنهج على السواء، كما ينتقد حصر دور القرآن باعتباره مصدرا للأحكام الشرعية فقط ([31])
وبالتالي فلابد من نظرة تراعي رحابة الموضوعات القرآنية والهدى الإلهي الشامل المتضمن فيه، لذلك يبدوا ضروريا تركيب علوم قرآن مطلوبة لهذا الغرض، وإعادة النظر في وسائل فهم النص حتى يبقى القران دليلا للمسلم في كل أعماله وأنشطته الفكرية والمعرفية.
4. بناء منهج للتعامل مع السنة النبوية:
وينبني هذا على اعتبارها مصدرا لبيان المنهج والمعرفة، ذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يجسد القرآن على الواقع، وكان يضيق الشقة بين المنهج الإلهي والواقع فلابد من فهم ذلك حتى يتحقق الاستثمار الأمثل لكليهما.
5. إعادة دراسة وفهم ثراثنا الإسلامي وقراءته قراءة نقدية تحليلية.
6. بناء منهج التعامل مع التراث الإنساني المعاصر والغربي منه بالخصوص.
فالعمل في هذه المحاور هو الكفيل بأن يبلغنا ما نقصده من إسلامية المعرفة، وإن شئنا أن نشارك طه جابر العلواني قوله “فهذه الخطوات والمحاور أو المهام الستة هي التي أطلقنا عليها إسلامية المعرفة أو المنهج التوحيدي للمعرفة، أو اسلمة العلوم الاجتماعية والإنسانية وتوجيه العلوم الطبيعية وجهة إسلامية أو التأصيل الإسلامي للعلوم”([32]).
الفصل الثاني :إسلامية المعرفة عند مالك بن نبي : مرتكزاتها، ونماذج من قضاياها:
المبحث الأول : مرتكزات إسلامية المعرفة عند مالك بن نبي:
إن ما شجعنا للبحث في موضوع إسلامية المعرفة عند مالك بن نبي ما وجدناه من المرتكزات الأساسية والتي تنبني عليها فكرة إسلامية المعرفة في شكلها المعاصر، ذلك أنه يمكن القول إن مالك بن نبي لم ينقصه إلا مصطلح (إسلامية المعرفة) ذاته ليعنون به الكثير من أفكاره غير أنه – وكما يقال –لا مشاحة في الاصطلاح فمالك بن نبي وباستقراء كتبه يرى أنه استطاع أن يبين ويجلي ضرورة أسلمة المعرفة انطلاقا من دراسته للفكر والواقع الإسلاميين واحتكاكه بالآخر –الغربي خصوصا – وفكره وثقافته وفيما يلي بعض من المرتكزات التي تنبني عليها هذه الفكرة من خلال مشروعه.
1- موقفه من الغرب:
لقد كان الغرب بشقيه (الشرقي والغربي) ولا يزال محط اهتمام للفكر الاسلامي بشتى توجهاته، وذلك لما حصل بينه وبين العالم الاسلامي من احتكاك طويل الأمد مرورا بالتبشير إلى الحروب الصليبية ثم الاستعمار فالاستعمار المعاصر، ونظرا للبون الشاسع بين ما عليه الغرب من تمدن وتقدم وما عليه العالم الإسلامي من تدن وتأخر اختلفت المواقف من الغرب بل تناقضت وتضاربت ما بين رأي يدعوا إلى الانصهار فيه كليا وآخر يدعوا إلى مقاطعته ومصارمته وهجرانه، وبين هذه الثنائية المتقاطبة ظهرت آراء معتدلة لاترى الجدوى في التطرف الى أي من ذينك الطرفين وتتوخى التعامل بنوع من الوسطية والتعقل، ومن بين أبرز الآراء في هذا الاتجاه رأي الاستاذ مالك بن نبي والذي يعنينا في هذا الصدد.
فمالك بن نبي وقد عاش زمنا طويلا في الغرب، ودرسه بعمق، لا يرى فيه مثلا أعلى ينبغي احتداؤه كما لا يراه شيطانا لا ينبغي الا لعنه والاستعاذة منه، فتقاطع وتعايش الثقافات أصبح قانونا ساري المفعول ولا يمكن لمجتمع أن يعيش في معزل عن المجتمعات الأخرى، وإننا لنتصور مأساة من يحاول ذلك جلية وواضحة “فكل عملية لخنق التنفس العقلي تؤدي إلى تكوين العقل المختنق”([33]) إنه اذن ليس مطلوبا قطع العلاقة مع الغرب بل ليس ممكنا “اذ لا يمكن أن يوجد حد دقيق بين حضارة تتكون وبين حضارة تكونت فعلا. فمن العبث إذن أن نضع ستارا حديديا بين الحضارة التي يريد تحقيقها العالم الاسلامي وبين الحضارة الحديثة”([34]) غير أن الضمير الذي لم يألف العمل على حدود الثقافات مازال ينظر بشك وريبة إلى كل تعامل مع الغرب ومازال يرى الأشياء من زاوية ضيقة. وفي مقابل هذا لا يدعوا مالك بن نبي إلى التغريب والارتماء في أحضان الغرب كلية أو أخذ كل ما لديه غثا كان أم سمينا، لكن يدعونا إلى التصرف الحكيم والحذر قائلا “ففي الوقت الذي بدأت فيه البلاد العربية الإسلامية تحدد نوع ثقافتها في محيط من علاقتها الثقافية مع البلاد المتحضرة بالحضارة العصرية فإن التصرف الحكيم لا ينبغي أن يفوتنا وذلك حتى لا تكون في البلاد حمامات للكلاب وفيها بعض الناس يموتون جوعا كما هو حاصل الآن في المجتمعات التي يستولي الجمال فيها على شعور القوم ويسيطر على ثقافتهم” ([35]) فليس المراد من العالم الإسلامي قطع علاقاته مع الغرب ولكن تنظيم هذه العلاقات؛ فرغم حديث مالك بن نبي عن فوضى العالم الغربي والحمأة المادية التي انـزلق فيها ورغم عدم تصوره لنهضة لا تنطلق من الأصول فإنه لا يسوغ القطيعة مع هذا العالم، ويضع للتواصل معه حدودا وشروطا حتى يحقق غايته دونما انجرار وراء الغرب بشكل اعمى.
الموقف من المعرفة الغربية وضرورة الأسلمة:
فنظرا لما تشكله المعرفة الغربية- والعلمية منها خصوصا – كعامل موجه للحضارة الغربية وكجزء له أهميته القصوى داخل هذه الحضارة، فإنه من الضروري الوقوف عندها مليا وفحص الإشكالات المتعلقة باستيرادها وتوطينها أو تبنيها كما هي في الأصل.
وبداية يحيطنا مالك بن نبي بظروف نشأة وتطور هذه المعرفة، إذ لا يمكن فهم النشاط الانساني إلا بفهم ما يسميه (البواعث المعللة) أي البواعث التي كانت وراءه والتي لا يمكن تحديدها بمعزل عنها؛ فالمعرفة الغريبةشكلتها الروح الغربية و “إن أكبر مصادر خطئنا في تقدير المدينة الغربية أننا ننظر إلى منتجاتها وكأنها نتيجة فنون وصناعات وننسى أن هذه العلوم والفنون والصناعات ما كان لها أن توجد لولا صلات اجتماعية خاصة لا نتصور هذه الصناعات والفنون بدونها فهي الأساس الخلقي الذي قام عليه صرح المدنية الغربية” ([36])
“فقد تشكل الفكر الأوربي المعاصر في جو العقلانية الفرنسة والجمالية الإيطالية ومع ذلك ففي كل مرة تنتاب فيه هذا الفكر استثارة أو تحد وافد من الخارج كان يرجع من جديد إلى أصله المسيحي” ([37])
فواضح إذن أن التشكل المادي للحضارة الأوربية وبالتالي للمعرفة الغربية أمر ثابت، وإن كان مالك بن نبي ينبه في قوله إلى أصلها المسيحي، غير أنه ليس مؤثرا جوهريا وانما ذكره على أصله في نفسي وجود عالم وضعي محض([38]) وان كان مؤثرا فبشكله المحرف الخارج عن الأصول المسيحية الحقة.
وجدير بالذكر أن المسلم في تعامله مع المعرفة الغربية لابد أن يستحضر خصوصياته الثقافية ومميزاته المعرفية، والثابت في فكره والمتحول، وفي تقدير مالك بن نبي فإن هناك أساسا غيبيا يؤطر فلسفة الإنسان في الإسلام “حتى إن الضمير الإسلامي لا يمكنه أن يفصل مفهوم الإنسان عن هذا الأساس الغيبي دون أن ينفصل هو عن الإسلام الذي قرن هذا المفهوم بتكريم الله (ولقد كرمنا بني آدم)”([39]) وعلى الرغم مما سبق من أمر الحضارتين الغربية والإسلامية فإن بعضا من مثقفينا لازالوا ينظرون بنوع من الدونية إلى كل ما أنتجه العقل الغربي فيعتبرونه صحيحا ومسلما به ينبغي تبنيه والأخذ به، بينما هم كما يرى مالك بن نبي يخلطون بين أمرين؛ أصالة الفكرة وفعاليتها، وليس من شك في أن المتخصصين في الصراع الفكري يقابلون أمام أعيننا بين أصالة الفكرة الإسلامية وفعاليتها بينما يورون عنا مدى أصالة الفكرة ويكتفون بإبراز فعاليتها حينما يتعلق الأمر بالفكرة الغربية. في حين أن “فكرة أصيلة لا يعني ذلك فعاليتها الدائمة وفكرة فعالة ليست بالضرورة صحيحة، والخلط بين هذين الوجهين يؤدي إلى أحكام خاطئة”([40])
والأصالة هي صحة الفكرة وصدقها وانتفاء الفساد عنها، أما الفعالية فهي سريان الفكرة وتحركها في الواقع، وتأثيرها في حياةالناس، فالنخبة المثقفة مبهورة بفعالية الفكرة الغربية دونما نظر إلى مدى صدقها وصحتها ونادت بتجاوز الفكرة الإسلامية حيث اقترنت لديها عدم فعاليتها بعدم صحتها وأصالتها فحكمت عليها باللاجدوى انطلاقا من هذا المنطلق الأعرج، ومع هذا فليس المراد أن ننـزوي عن المعرفة الغربية لأنها – ولا شك- ثرات إنساني ينبغي التعامل معه، ويرى مالك بن نبي أنه “إذا ما أدرك العالم الإسلامي أن صدق الظواهر الأوروبية مسألة نسبية فسيكون من السهل عليه أن يعرف أوجه النقص فيها، كما سيتعرف على عظمتها الحقيقية، وبهذا تصبح الصلات والمبادلات مع هذا العالم أعظم خصبا”([41]).
إن مالك بن نبي لا ينادي بأخذ المعرفة الغربية على علاتها كما لا يرى الحكمة في صد كل ما جاءت به؛ ذلك أنه لا يرى في استيراد الأفكار حلا حين يصحبه إغفال لحال المستورد وخصوصياته، بل ويرى أن هناك أفكارا قاتلة في محيطها وتصبح أشد فتكا وتقتيلا حينما نستأصلها منه، لأنها تترك الترياق المخفف من ضررها في محيطها الأصلي. ولئن كانت المعرفة من إنتاج الإنسان غربيا كان أم شرقيا، ولئن كانت العلوم أيضا من إبداع العقل الإنساني مهما اختلفت أجناسه، فإن مالك بن نبي يرى أن الواقع الإنساني لا يفسر على أساس معادلة واحدة بيولوجية تسو بين الإنسان والآخر، بل هناك معادلة أخرى اجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر وفي المجتمع الواحد من عصر لآخر([42]) ونفس الآراء تقريبا نجدها لدى المؤرخ توينبي في كتابه “العالم والغرب” خصوصا في فصل “سيكولوجية التلاقي” إذ نـزل باللائمة على الأتراك المخدوعين باعتقادهم انه بامكانهم تطوير بلدهم على الطريقة الغربية دون الاندفاع أكثر في عملية التغريب.
وإذا ما رجعنا إلى المسلم فإن فلسفته الإيمانية تمنعه من الانطوائية والانعزالية، كما تمنعه من التغريب أيضا، مما يفرض إيجاد حل وسط لهذه المعضلة، وهنا يكمن اللقاء الوثيق بين أفكار إسلامية المعرفة وما نادى به مالك بن نبي، فهو يرى ضرورة توطين المعرفة الغربية بشكل يلائم المعطيات الإسلامية، بحيث يتم تحويل الافكار الفعالة إلى أفكار صادقة، والصادقة إلى فعالة فيتخلص المجتمع الغربي من عقده، ويتخلص المجتمع الإسلامي من تخلفه، وهنا ضرورة إسلامية المعرفة كنداء للإنقاد إسلاميا وعالميا وفي ذلك فليؤد المسلم دوره ورسالته.
2- العالمية ودور المسلم ورسالته:
إن خاصية العالمية التي تعد من أبرز خصائص الإسلام والتي جعلته دينا خاتما للديانات مخاطبا للإنسانية قاطبة، والتي جعلت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس هي نفسها التي تفرض البحث عن رسالة المسلم ودوره في محيطه العالمي باعتباره صاحب رسالة ومبلغ لها، وشاهدا على الناس مصداقا لقوله تعالى ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا﴾ (البقرة:143) تلك الشهادة التي لا يمكن أن تكون إلا بالاتصال بهم.
فمن المؤكد أن دور المسلم لا يؤهله للركون والدعة، بل يحمله مسؤوليات ضخمة وعلى المستوى العالمي ومن ثم كما يقول مالك بن نبي: “فالمثقف المسلم ملزم بأن ينظر إلى الأشياء من زاويتها الإنسانية الرحبة حتى يدرك دوره الخاص ودور ثقافته في هذا الإطار العالمي”([43]) وحتى لو تقاعس المسلم عن أداء دوره فان ظروف العالم المعاصرة تفرض عليه النهوض به “فالثقافة أصبحت تتحدد أخلاقيا وتاريخيا داخل تخطيط عالمي لأن المنابع التي سوف تستقي منها أفكارها ومشاعرها والقضايا التي سوف تتبناها والاستفزازات التي سوف تستجيب لها، والأعمال التي تقوم بها لا تستطيع كلها أن تتجمع في أرض الوطن”([44])
وإذا ما تساءلنا عن دور المسلم في هذا الإطار، فإنه يكيفنا القول إنه الشهود والتبليغ، غير أن نطاق الموضوع يفرض علينا تجلية دوره في مجال خاص هو المعرفة، فماذا يجب عليه تجاه معرفته؟ وتجاه المعرفة الإنسانة الاخرى؟ وكيف له أن يؤدي رسالته بنجاح في هذا المجال؟ وفي الحقيقة لا أجد ما ألخص به ما ذهب اليه مالك بن نبي في هذه النقطة أبلغ من قول محمد المبارك في تقديمه ل”وجهة العالم الإسلامي” حيث قال: “ويرى كاتبنا الفيلسوف أن هذا العالم الاسلامي هو الذي يحقق الظروف النفسية لظهور (الانسان الجديد) وإن رسالته في هذا العصر التوفيق بين العلم والضمير؛ بين الأخلاق والصناعة؛ بين الطبيعة وما وراء الطبيعة، وإنه في منتصف الطريق إلى هاته الغاية وأنه وإن كان عليه بلوغ مستوى المدينة الحالية المادي… غير أن مهمته تظل روحية تقوم على التخفيف من حدة الفكر المادي والأنانية القومية”([45]).
أوليس هذا هو جوهر اسلامة المعرفة باعتبارها دعوة إلى الجمع بين القراءتين، وتخليص الفكر المادي مما يتهدده نتيجة استغراقة في قراءة الكون بغير هدى؟
وبالنظر إلى انتاج مالك بن نبي نراه لا يحمل هذه المسؤولية للمسلم فحسب بل يرى أن الثقافتين الإفريقية والأسيوية يجب أن تضطلعا بهذا الدور مساهمة في السلم العالمي ويرى أن ما ينقص العالم المعاصر ليس هو العلم وإنما الضمير “فروح القرن التاسع عشر التي ادعت تحقيق سعادة الإنسان بواسطة الآلة قد انتهت إلى إفلاس فلم يعد العالم ينتظر الخلاص على يد العلم ولكن في أن يبعث الضمير الإنساني من جديد والعبقرية الإفريقية لا تستطيع أن تنقده باكتشاف طريقة جددة في صناعة الكوتشوك أو وسيلة جديدة في تحليل الذرة، ومن ثم فما ينبغي أن تقدمه لخدمة السلام هو الضمير لا العلم”([46]) ومالك بن نبي كأنه يريد أن يطمئننا على نتائج هذه العملية التي ستضيف إلى الحضارة العالمية بعد (السماء)، ويدفع الشك والريبة عنها كي لا يظن البعض أنها تذرع بالأهداف النبيلة مقابل أهداف خسيسة غير معلنة، كما فعل الاستعمار حينما تذرع بدعوى الحماية فيقول: “إن الأخلاق اللادينية بقدرما لهذا التعبير من معنى تقيم أعمال الإنسان على أساس المنافع الشخصية العاجلة التي صارت أساس المجتمع المدني، على أن الاخلاق الدينية (التوحيدية) تحترم أيضا المنفعة الشخصية ولكنها تمتاز برعاية منافع الآخرين، وهي بذلك تدفع الفرد إلى أن ينشد دائما ثواب الله قبل أن يهدف إلى فائدته” ([47]) ثم يعقد مقارنة بين عالمية الإسلام الأولى، وعالمية الغرب إبان ما يسمى بالاكتشافات الجغرافية فيرى أن ابن بطوطة والمسعودي وأبي الفداء جابوا (العالم البدائي) في زمنهم، كما جابه كولومبوس وماجلان وغيرهم، لكن اولئك لم تستول عليهم النـزعة الاستعمارية كما استولت على هؤلاء بل كان هدفهم المعرفة والفائدة العلمية.
كذلك عالمية الاسلام الحالية فإن لم تكن في صالح الانسان لن تكون وبالا علية، وضرب لنا أمثلة من تاريخ الاسلام تدل على إنسانية هذه الحضارة والتي تتجلى حتى في أحرج اللحظات إبان الحروب “كما لا نستطيع أن نضرب صفحا عن سعة الصدر التي امتازت بها مدارس الفكر في العالم الاسلامي في عصرها الذهبي حيث تتلمذ عليها الفكر الانساني دون قيد أو شرط” ([48]) ويقف بنا مالك بن نبي مع تحليل رائع للعقيدة في الديانات الثلاث ليبين أن عقيدة التوحد الاسلامية من أهم دعائم هذا الدين وإنسانيته؛ فالله عند اليهود ألوهية قومية وعند المسيحية تعدد غير منطقي”بينما اتجه الوحي القراني إلى أن يقرر النتيجة الحاسمة للفكرة التوحيدية (الله واحد، مخالف للحوادث، رب العالمين) فأخرج بهذه الطريقة الحاسمة ذات الله جل شأنه من نطاق الأنانية اليهودية والتعدد المسيحي” ([49])
ولم يترك مالك بن نبي مهمة المسلم المذكورة سابقا دون أن يضع لتحصيلها قيدا أو شرطا، بل يرى أنه على المسلم ليؤدي دوره في هذا الإطار أن يضطلع بمهمتين أساسيتين:
1.أن يرتفع بنفسه إلى مستوى الحضارة.
2.أن يرتفع بالرجل المتحضر الذي لازال ضميره ملطخا باثم الاستعمار إلى مستوى الإنسانية.
وقبل هذا وذلك فالمسلم عليه أن ياتي بهذا “لا بلسانه ولا بشطحاته الصوفية… وإنما كإنسان معاصر للناس شاهد عليهم بالتقى والورع ونـزاهة الصادق الخبير الواعي لقيمة شهادته”([50]).
3- العلم والأخلاق والضمير:
يجدر بنا بعدما بينا بما يكفي رسالة المسلم في محيطه العالمي، أن نرجع مرة أخرى لنبين كيف ينغي أن تسير مهمته في مجال العلم والمعرفة خاصة. وإن كنا قد أشرنا سابقا إلى بعض من ذلك في تناولنا لموقف مالك بن نبي من المعرفة الغربية؛ ذلك التناول الذي لم يكن مخصصا لبيان هذا الدور وإنما لبيان موقف مالك بن نبي اتجاه مكون هام من مكونات الحضارة الغربية.
فقد أصبح من الضروري أن نعيد البحث في علاقة العلم بالاخلاق والضمير خصوصا في عصر كهذا قرر الفصل بينهما دون دراسة الأخطار التي ستنبعث من هذا الطلاق “أجل إن العلم والضمير تطالقا في عالم تسوده حرب طاحنة بين أخوين؛ الرأسمالية والماركسية على الرغم من أنهما من نقطة واحدة”([51]) إن آثار هذا الانفصال لم تصب العالم الغربي فقط، بل أصابت أمما أخرى”عندما زعم العلم… أنه يستطيع الاضطلاع بسائر المسؤوليات في العالم وعندما اعتقدت بكل بساطة البلاد المتحضرة بأنها تستطيع أن تؤمنه على مصيرها فورطت بفضل تفوقها الفكري الإنسانية كلها في هذا الاعتقاد الساذج”([52])
والواقع أن الصراع بين الدين والعلم ليس صراعا ذو حقيقة، فكل منهما مؤهل لخدمة الآخر غير أنه كما يقول مالك بن نبي: “فعصور الاضطرابات الاجتماعية والاختلال الروحي هي وحدها التي تخلق الصراع بين الدين والعلم”([53]) ومن ثم فهو استجابة لخلل في المجتمع الانساني يتجلى في ضعف الوازع الايماني لصالح الاتجاهات المادية. وإذا كان لنا ان نختصر ما يجب أن يقوم به المسلم في نظر ابن نبي لردم الهوة بين العلم والضمير وإعادة الصلة بينهما فإننا سنقول إنه يدعو إلى إسلامية المعرفة؛ أي أسلمة هذه العلوم واعادة الجمع بين القراءتين لتلافي أخطاء القراءة الأحادية الجانب “ذلك أن ثقافة يمكنها أن تنتهي إلى نـزعة قطعية معتمة تشغلها احدى نـزعات الدروشة المرابطية، أوإلى خلاعة مطلقة العنان تحكمها احدى الامبراطوريات الماجنات… ويمكنها كذلك أن تؤول إلى كارثة نووية محتملة” ([54]) فاتجاه الثقافة يحدده موقفها من المبدأ الأخلاقي ومن الذوق الجمالي، وتغليب احدهما على الآخر، أي تغليب احدى القراءتين على الأخرى “قراءة الكون أو قراءة الوحي” فلا غرو أن يجعل مالك بن نبي هذين الجانبين من الفصول الأساسية التي لا جب الاستغناء عنها أثناء تسيطر البرنامج التربوي للثقافة الاسلامية ([55]) فلابد لكي نعالج الفصام الواقع بين العلم والضمير أن نرد للدين اعتباره إلى جانب العلم وذلك “لأن العلوم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية تعد اليوم أكثر ضرورة من العلوم المادية، فهذه تعتبر خطرا في مجتمع لازال الناس يجهلون فيه انفسهم “([56]).غيرأن هذا لا يعني أن نعلن فقط عن قدسية القيم الإسلامية بل لابد أن نجعلها قادرة على مواجهة روح العصر، وهنا نستبعد دعوات التلفيق؛ فلكي يؤدي المسلم هذا الدور كاملا لابد أن يتقن العلوم المعاصرة ويحصل ثقافة شرعية لا باس بها، حتى لا تؤدي به غيرته وحماسته إلى إنتاج حماقة لاهي إلى العلم ولا إلى الشرع أقرب. وقد حرص ابن نبي على درء مثل هذا الفهم في مجال الاقتصاد فنراه يبدي رأية في كثير من الحسم والجزم قائلا “إنني مع حرصي ككل مسلم على مراعاة شروط الفقه الاسلامي لا أرى مسوغا لتدخل مذهبي في قضية ذات طابع تقني بحث وهي تحت هذا الطبع لاتناقض الاسلام كما لا تناقض الماركسية إلا من الناحية المذهبية”([57])
هذا باختصار ما يراه مالك بن نبي كفيلا بإعادة الصلة بين العلم والأخلاق والضمير وهو في عمقه مواز تماما لما تدعوا إليه مدرسية إسلامية المعرفة علما أن ما يسهل مهمة المسلم في هذا المجال هو أن العالم كله وبعد الحربين (العالميتين) أصبح يضع قدسية كثير من الأفكار العلمية موضع بحث وتمحيص، كما أن العلم الذي كان سلاحا للمادية أصبح ينقلب ضدها، وهي التي حملته مالا يطيق، وهذا يظهر من رجوع كثير من العلماء إلى ساحة الإيمان الرحبة “فمنذ الإكتشافات الأخيرة لعلم الفلك فطن العلم إلى نطاقه المحدود، وفيما وراء السديميات السحيقة في البعد وراء ملايين السنين الضوئية، وربما ملياراتها، تمتد الهاوية التي لا قرار لها إلى اللانهائية التي يستحيل الوصول اليها، أو حتى إدراكها بالنسبة للفكر العلمي إذ لا يجد هذا التفكير موضوعه الخاص وهو الكم والعلاقة والحالة… وراء هذه الحدود يستطيع الفكر الديني وحده أن يقول شيئا واضحا بينا : (الله يعلم)” ([58]).
المبحث الثاني : نماذج من محاولات ابن نبي في مجال الأسلمة.
اذا كانت المباحث المتقدمة قد أوضحت لنا بما يكفي دعوة مالك بن نبي إلى إسلامية المعرفة باعتبارها حلا إسلاميا وعالميا للخروج من المأزق المعاصر، فانه لم يكتف بمجرد الدعوة والتنظير بل سعى إلى تأكيد كلامه تطبيقا وعملا على العديد من الواجهات، والبحث في كثير من العلوم والتي يرى ضرورة إخضاعها للرؤية الإسلامية كالاقتصاد والنفس والاجتماع، غير أننا نرى نوعها من الاقتضاب فيما كتبه الأستاذ مالك في هذا الصدد، اقتضاب وتركيز غير مخلين بجوهر موضوعه وقصده، ويمكن ارجاع ذلك الاقتضاب إلى شمولية اهتمامه؛ إذ تناول القضية الإسلامية في عمومها ولم يكن متخصصا في جانب منها دفعا للتجزيئية، ودرءا لما يمكن أن تؤدي إليه من تشوه في الرؤية وتقصير في التناول. وفيما يلي بعض من الواجهات التي ركز عليها قلم الأستاذ مالك بن نبي :
1- القران والعلم وضرورة تجديد منهج التفسير:
إن أهمية القران الكريم أو (الظاهرة القرآنية) بوصفها حدثا متميزا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم “قلب راسا على عقب أوضاع العالم في عصره، وباعتبارها هدى إلهيا لابد من الأخذ به لأداء جديد للرسالة والقيام بالدور نفسه في العالم المعاصر كلها كانت حافزا لاستاذنا ليخصص أحد كتبه لدراسة هذه الظاهرة باعتبارها مصدرا لحركة لايمكن أن تعوض لأنه –كما يقول – “إذا وهنت الدفعة القرآنية توقف العالم الإسلامي كما يتوقف المحرك عندما يستنفذ آخر قطرة من الوقود”([59])
وقد كانت ضرورة تجديد فهمنا للقرآن وتفاعلنا معه وراء تأليفه للكتاب وذلك أنه لما نظر إلى المنهج القديم في التفسير وآلياته، ونظر إلى الواقع المعاصر وإشكالياته، تجلت له أهمية تجديد هذا المنهج، وتجاوز القصور الذي يعتوره ليستجيب للقضايا المطروحة في الواقع لذلك يرى أن تعديله تمليه ضرورتان : ضرورة الأسباب التاريخية : وذلك إن الوافد من الفكر أخذ يحكم سيطرته على العقول، ويشكلها وفق منظور مغاير للمنظور الإسلامي، “وإنه لمما يثير العجب أن نرى كثيرا من الشباب المثقف يتلقون اليوم عناصر ثقافية تتصل بمعتقداتهم الدينية، وأحيانا بدوافعهم الروحية نفسها من خلال كتابات المتخصصين الأوربيين”([60])
ضرورة الأسباب العائدة إلى المنهج نفسه : وهنا يدمج مالك بن نبي قضية الإعجاز في التفسير ويرى أن إدراك المسلم للإعجاز مر بمرحلتين، مرحلة التذوق الفطري حيث كان إدراكه متاحا لذوي السليقة وكثير ما هم، ومرحلة التذوق العلمي، وذلك أنه في أواخر العهد الأموي وبداية العصر العباسي بدأ انحسار الذوق الفطري لصالح العلمي مما “يعني أن الإعجاز كما أدركته العرب وقت النـزول أصبح من اختصاص طائفة قليلة من المسلمين بيدها وسائل التذوق العلمي”([61]) والمسلم المعاصر فاقد لفطرة العربي الجاهلي، ولعمق معرفة العالم العباسي بأسايب اللغة، فلم يعد ممكنا الموازنة بين نص قراني وأدبي مع الخروج بنتيجة موضوعية مقنعة إلا لقلة قليلة، مع العلم أن القرآن لم يفقد بذلك إعجازه وصفاته الكمالية الملازمة له و”إنما أصبح المسلم مضطرا أن يتناوله في صورة أخرى وبوسائل أخرى”([62]) أي ضرورة تجديد منهج التفسير
إن مقتضى دعوة مالك بن نبي هو تحويل الدراسة في الإعجاز من المنحى الاسلوبي إلى المنحى النفسي الإجتماعي باستعمال علوم آلة جديدة وذلك حتى يستطيع الخطاب اكتساب صبغته العالمية لأنه بالنسبة للعقل ذي الصبغة الديكارتية مثلا لاقيمة عنده للبرهان الذي تقدمه الدراسة الأسلوبية، وجب البرهان بوسائل في مستوى إدراك هذا العقل، وهنا يلفت مالك نظرنا إلى خطورة إساءة فهم مقصده إذ لم يقصد شحن كتب التفسير بالمعارف العلمية لأن ذلك في نظرة ليس إلا علمانية عقلية فرضها علينا تفوق الغرب في مجال العلوم، ومن هذا المنطلق انتقد بعض الجهود السابقة في تجديد منهج التفسير إذ “على الرغم من أنها لا تغفل الجانب الاجتماعي في علم التفسير لم تحدد منهجها الكامل، فالتفسير الكبير الذي ألفه الشيخ طنطاوي جوهري إنتاج علمي أشبه بدائرة معارف ولا ينطوي على أقل اهتمام بتحديد منهج”([63])
إن ما يقصده مالك بن نبي بتحديد المنهج استعانة بعلوم آلة جديدة خاصة علم النفس وعلم الاجتماع ليس هو الاستغراق في إيراد المعطيات العلمية، وإنما هو تجديد التفاعل مع القران بالوسائل العلمية التي أصبحت مشتركة بين جميع الأمم، وهذه المشكلة التي سقط فيها بعض المفسرين اقتضت من أستاذنا تخصيص بعض من تأملاته لقضية الإسلام والعلم،أو بشكل أخص، القرآن والعلم. فيرى أن تناولهم لهذه القضية كان بدافع من رد الفعل ضد الاستشراق وطروحاته، ومن ثم فقد ذلك التناول توازنه وأخذ يرد بسطحية على الموقف الاستشراقي النافي لمساهمة المسلمين في بناء صرح العلوم. ولئن كان موقفه ذلك مستفزا، فلا يرى مالك بن نبي جدوى في ردود الفعل غير المنضبطة تجاهه، ويعتبره موقفا يدعونا “إلى طرح مشكلة الاسلام والعلم في صورة جديدة تتماشى أكثر مع سمو الدين ومنطق العلم بحيث لا نصبح نبحث في الآيات الكريمة هل ذكر فيها شيء عن غزو الفضاء أوتحليل الذرة وإنما نتساءل هل في روحها ما يعطل حركة العلم أو على العكس ما يشجعها وينميها ” ([64])
وقبل أن يجيبنا عن هذا السؤال نأخذ له جوابا من عماد الدين خليل، اذ يرى أنه أينما التفتنا وجدنا القران “يتخد دعوة دائمة لا تحدها حدود ولا تأسرها متغيرات ولا نسبيات لدفع الجماعة المؤمنة إلى صياغة مزيد من التطبيقات المبنية على حقائق العلم وكشوفاته ومعادلاته” ([65])، وفي مقابل تأكيده على الموقف العلمي الشامل يرفض كل ما يمس هذا الموقف كالهوى والظن والسحر والخرافة([66]) ونفس الرأي يذهب إليه مالك بن نبي فالقرآن لم يأت قطعا بالحساب العشري ولا بالجبر ولكن جاء بمناخ يتيح للعلم أن يتطور، ولا غرو فالقرآن منذ الوهلة الأولى ينفتح على الجانب العقلي﴿اقرا باسم ربك الذي خلق﴾ (العلق:1) “بينما ينفتح كتاب العهد القديم مند السطر الأول في سفر التكوين على عالم الظاهرات المادية، وينفتح كتاب العهد الجديد في إنجيل يوحنه على عملية التجسيد”([67]) من هذه المنطلقات كلها قرر مالك بن نبي ضرورة تجديد منهج التفسير باستعمال العلوم المعاصرة بما يضمن للهدى القرآني أن يصل إلى كل الآذان والعقول، وللعلوم المعاصرة أن تتشكل في ضوء المنهجية المعرفية القرآنية، لا تزيغ عنها ولا تنحرف، وهذا ما حاول القيام به في (الظاهرة القرآنية) حيث أبرز الإعجاز القرآني استعانة بعلم النفس والاجتماع، دونما استقاطات فجة ولا تأويلات متعسفة، فما كان على الشيخ عبد الله دراز إلا أن يقول عنه: “إنني أستطيع أن أؤكد أنك قد قمت بكلا الواجبين فقد تاملت بنضوج ذلك الاتصال بالعقل والتراث، بالعلم والعقيدة، وأفرغت في عرض جميل واضح ومتماسك شرارة ما تفجر من ذلك اللقاء”([68])
2- نظرات في المشروع الاقتصادي الإسلامي:
من نافلة القول تأكيد حيوية المجال الاقتصادي وأهميته، ومن ثم ضرورة إخضاعه لمقتضيات الأسلمة بتاسيس مقولة (الاقتصاد الإسلامي) على أسس رصينة وثابتة، “لعله المجال الذي وجدت فيه الاختيارات غير الإسلامية أبرز ما يكشف عن ضعف الفكر الإسلامي في اعتقادها ومن أفضل ما تستند عليه في المجادلة مع هذا الفكر وأدبياته وأطروحاته”([69]) وربما لهذا السبب نفسه كثرت الأبحاث والدراسات في هذا المضمار، بل تمت محاولات في التطبيق لبعض مما تم التنظير له خصوصا فيما يتعلق بالمصارف الإسلامية، وقد نقل محمد الحسيني في كتابه (محمد باقر الصدر) رأيا لمحمد المبارك حول أحسن الدراسات المنجزة في هذا المجال فذكر “العدالة الاجتماعية في الإسلام” لسيد قطب والإسلام والنظم الإقتصادية المعاصرة” للمودودي، و “اشتراكية الإسلام” لمصطفى السباعي ثم “اقتصادنا” لمحمد باقر الصدر. وإذا لم يكن لنا أن نسأل المبارك لماذا لم يذكر بعضا من مؤلفات مالك بن نبي ضمن هذه الدراسات، خصوصا كتابه “المسلم في عالم الاقتصاد” فإن لنا أن نبرز إسهامه في هذا المجال بما أوتينا من قدرة، دونما أن ندعي أن كل ما كتبه المؤلف يعد أساسيا لابد أن يذكره ويهتم به الآخرون، وقبل كتابه هذه الأسطر وجدت بمجلة الاجتهاد في عددها الخاص بالفكر الاقتصادي العربي والإسلامي بحثا للأستاذ محمد جلوب الفرحان حول (مالك بن نبي والمشروع الاقتصادي الاسلامي) فقررت أن أتخذه سندا ومعينا لإبراز نظرات ابن نبي في هذا المجال فطبيعي أن مالك بن نبي لم يتطرق إلى المشروع الاقتصادي الإسلامي إلا بعد أن أوضح موقفه فيما يخص المذاهب الإقتصادية المتعارف عليها –الرأسمالية والماركسية – والمناهج والنـزاعات الاقتصادية المتولدة منها، فيرى أن المذهب الاقتصادي الرأسمالي قائم على (فكرة المنفعة الخاصة بالرأسمالية)([70])، كما أنه مذهب احتكاري ينهض (توازنه على قانون العرض والطلب)([71]) وإذا ما جنح المسلم إلى هذا المذهب “فسرعان ما يصطدم باحتها القائمة على المبدأ عبر عنه آدم سميت في عبارته الشهيرة دعه يسير”([72]) وإباحية الرأسمالية ناتجة عن إهمالها العلاقة بين القيم الاقتصادية والأخلاقية، وهو ما يرفضه مالك بن نبي من منطلق إسلامه، بل ويرى أن المسلم الذي ولى وجهه شطر هذا المذهب سيصطدم حتى ببعض شروطه الفنية، كقضة الربا فيحاول تخليصه منها لأن دينه رافض لها، وهو في نظره كمن يحاول تخليص جسد من روحه، وفي هذا الرأي يتجلى رفضه للتجزيئية في الحلول، فالاقتصاد الإسلامي كل يجب أن يطبق، بل إنه ليس منفصلا عن سائر الكيانات النظرية الاجتماعية والسياسية الإسلامية، وفي نهاية تقويمه لهذا المذهب خلص إلى أنه لا يتفق مع شروط التنمية في العالم الإسلامي.
وإلى جانب الرأسمالية درس مالك الفكر الاقتصادي الماركسي، فرأى أن المسلم الذي ولى وجهه شطر هذا المذهب أيضا سرعان ما يصطدم ببعض جوانبه كإلغاء الملكية مثلا، مما يتعارض مع أهم أركان الهيكل الاقتصادي الإسلامي كما حددها الصدر وهو (الملكية المزدوجة) هذا “بقطع النظر عن التعارض الأساسي بين المادية والإسلام تعارضا أعمق من التعارض مع الليبيرالية “([73]) وهنا يصد مالك إمكانية استنساخ تجربة الاقتصاد الماركسي، ثم يسترسل في نقده للماركسية إذ يرى أنها لا تهتم برأس المال كآلة اجتماعية وإنما كآلة سياسية في يد البورجوازية لقمع البروليتاريا فقد عنون ماركس كتابا له ب”رأس المال” دون أن يتعرض له في حين تعرض لنتائجه الاجتماعية كرأسمالية، هذا إضافة إلى أحادية البعد في التحليل الماركسي الذي يرد كل شيء إلى العوامل الاقتصادية مما من شأنه أن يؤدي إلى إغفال أشياء أخرى مهمه وجوهرية في الظاهرة الاجتماعية كما أن التسيير التنموي في الدولة الماركسية لا يخرج “عن التسيير السلطاني والصراع الطبقي”([74]) ومرة أخرى يخلص إلى أن هذا المذهب لايتفق مع الشروط النفسية والعقائدية والواقعية للتنمية في العالم الإسلامي.
وتعرض ابن نبي لما سماه “الاقتصادانية” وهي الاعتقاد بإمكان حل المشكلات كلها بسبل اقتصادية، فرأى تعارضها مع التوجهات التي تؤكد عليها التعاليم الإسلامية، كما تتعارض مع سنن التاريخ البشري، لأنها تجرد “من القيم الثقافية التي تنشد كل جهد للنهوض بالإنسان” ([75])، وهنا يلفت نظرنا إلى أن المسلم إما أن يقع فريسة “عدم الوعي الاقتصادي” وهذا يتجلى في عدم سعيه إلى بناء نظرية إسلامية في الاقتصاد، أو فريسة “الحصر الاقتصادي” حينما لا يرى إلا مخرجا واحدا من كل أزماته هو المخرج الاقتصادي.
وبنفي مالك لإمكان الأخذ بنمطي الاقتصاد الرأسمالي والماركسي، يرى أيضا أن الفكر الإسلامي في عصر ما بعد الموحدين ظل عاجزا عن الاجتهاد ففقد بذلك وظيفته “فامسى آلة تدور في الفراغ نسمع جعجعتها ولا نرى طحنا، حتى إن اتجاها أو مذهبا اقتصاديا خالصا لم يكن يقوى على البزوع” ([76]).
وقد ارجع السبب في غياب هذا النوع من الاجتهاد الى التعقيدات التي يطرحها بعض العلماء والفقهاء لدرجة تكون معها معطلة لاي جهد مثمر، حينما تطلب من المنظرأن يراعي النظرة الفقهية لا في الكليات فحسب بل في كل تفصيل قد يأتي في المستقبل “كأنما صاحب النظرية ليس مطالبا بالبحث عن أصول تنتج التخلص من التخلف، بل مطالب أيضا بكل التفاصيل التي قد تنشأ في الطريق كأنه يدعي علم كل شيء”([77]) وفي هذا الصدد يجدر بنا أن نورد تفريقا مهما للسيد باقر الصدر بين الثابت والمتغير في عناصر الاقتصاد الإسلامي اذ ذهب إلى أن العلاقات الاقتصادية للانسان إما أن تكون مع الطبيعة من خلال العمل والانتاج وإما مع الإنسان من خلال عملية التوزيع؛ فالعناصر المنظمة لعلاقات التوزيع وفق العدالة الاجتماعية هي موضوعة على شكل أحكام منصوص عليها في الكتاب والسنة وبذلك تكتسب ثباتها أما العناصر الخاصة بمجال الانتاج وتحسينه وتطويره وغير ذلك فهي متحركة ومتغيرة بطبيعتها.
وانطلاقا من اجتهاد مالك بن نبي يمكن أن نستخلص بعض معالم الاقتصاد الاسلامي كما يلي:
– الاقتصاد الاسلامي اقتصاد الواقعية: فالاقتصاد الاسلامي “واقعي في غاياته لأنه يستهدف في أنظمته وقوانينه الغايات التي تنسجم مع واقع الانسانية بطبيعتها ونوازعها وخصائصها العامة ويحاول دائما أن لا يرهق الانسانة في حسابه التشريعي ولا يحلق بها في أجواء خيالية عالية فوق طاقتها وإمكاناتها…)([78]) فمالك بن نبي مثلا يدعوا إلى تحرير الاقتصاد من سلطة المال، بحيث يكون التخطيط للتنمية في العالم الاسلامي بالرجوع إلى “الاجتماعي” وليس إلى ” لمالي” إذ ينبغي للخطط “أن تعمد اعتمادا أكثر على السلطان الاجتماعي حتى لا تعبر عن وسواس نقص المال الذي يهلكها من البداية بإخضاعها إلى إرادة المال”([79]) فالعالم الاسلامي لا يملك إمكانات مالية، ولكنه يملك سلطانا اجتماعيا ممثلا في الانسان والتراب والزمان، وواقعية الاقتصاد الإسلامي تقتضي البدئ من الممكن والموجود وهذا المبدأ عبر عنه مالك بن نبي في عبارته الشهيرة “إن الإرادة الحضارية تصنع الامكان الحضاري”([80]) لذا فربط أي مشروع بقروض أو استثمارات خارجية مدعاة لفشله لأن تلك لا تشكل قاعدة يقوم عليها مخطط ما فلابد من العمل على أساس قاعدة “كل الأفواه تستحق قوتها وكل السواعد يجب عليها العمل”([81]) وهذا ما يعنيه بالاستثمار الاجتماعي أو ربط اقتصاد القوت باقتصاد التنمية.
-الاقتصاد الاسلامي اقتصاد الأخلاقية : إن “من أهم مميزات المشروع الإسلامي للاقتصاد أنه مطبوع بأخلاقية الإسلام التي تحكم حركة الاقتصاد برمتها وتقيم تعادلا بين الحقوق والواجبات بين الانتاج والاستهلاك”([82]) ويرد مالك من المسلم أن يدخل عالم الاقتصاد بروحه الأخلاقية ليخلصه من الإباحية الرأسمالية والورطة المادية الماركسية ذلك أن الإسلام لا يقتصر على تنتظيم الوجه الخارجي للمجتمع، وإنما ينفذ إلى أعماقه الروحية ليفرق بين المحتوى الداخلي وما يرسمه من مخطط اقتصادي واجتماعي.
– الاقتصاد الاسلامي اقتصاد التوسط: ومالك بن نبي يركز على المبدأ القرآني ﴿وكذلك جعلناكم امة وسطا﴾ (البقرة:143) ليحدد مكان الاقتصاد الاسلامي في خارطة المذاهب المتداولة فيرى أن الطريق الأنجع لتحرير هذا الاقتصاد من الانجداب إلى أحد الطرفين (الرأسمالي والماركسي) هو الاستثمار الاجتماعي والذي يخلصنا من مشكلة السقوط في مطب النشاط الاقتصادي حينما نؤكد على عدم إمكانية القيام بأية خطوة من دون تدخل المال، وفي هذا الصدد يوجه مالك نقدا خاصا للبنوك الاسلامية حيث يرى أن المسلم ولو عثر على حل نظري في قضية الربا فإنه كمن وجد روحا لا يضمه جسد “لأن نظام البنوك يرفض هذا الروح، وهو يرفضه فيبقى الحل النظري معلقا عمليا لأن صاحبه انطلق على أساس مسلمة استثمار المال بصفته منطلقا للديناميكية الاقتصادية دون أن يراجع هذا المبدأ نفسه”([83]).
وهو رأي له ما يسوغه خصوصا حينما نجد الاختلاف في هذه القضية يصل إلى حد اتهام بعض المصارف بتعاملها بالربا المقنع.
وخلاصة القول أن مالك بن نبي حاول جاهدا إبراز بعض معالم الاقتصاد الإسلامي لكونه لا يرى جدوى في أي من المذاهب المتداولة، لكن إسهاماته جاءت مركزة ومقتضبة، على الرغم من كون مرحلة التأسيس تحتاج إلى كثير من التفصيل.
3-علم النفس والاجتماع: محاولة التوظيف والتأصيل:
مما لا ينكره أحد أن فرعي علم النفس وعلم الاجتماع من ضمن فروع العلوم الإنسانية لها أهمية كبرى لاتصالها بالإنسان، وتأثيرها في حياته فردا كان أو جماعة، كما أن شأنها شأن العلوم الأخرى قد تكون سببا في إسعاد الانسان أو شقائه، وهي علوم بلغت شأوا بعيدا في الغرب وانقسمت على نفسها أقساما شتى وتفرعت تفريعات متعددة، تعدد المدارس والنظريات والرؤى. والدارس المسلم لمختلف هذه النظريات يجد الصعوبة في الاعتماد عليها كلية، رغم جوانب الصحة التي تحتويها، وذلك أن المناخ الذي نشأت فيه طبعها ووسمها بميسمه الخاص حتى غدت مسلماتها ومقدماتها مناقضة تماما لما يمليه على المسلم دينه وتدينه، والانطلاقة الإسلامية إن وجدت فعلا لبناء هذه العلوم يكون من العبث أن تبدأ من نقطة الصفر، بإهمال ما وصل إليه العقل الغربي في هذا المجال إذ في ذلك تضييع للوقت والجهد وتعطيل الاستفادة من تراث إنساني مفتوح رغم ما به من دخن.
وإذا لم نطمع أن نجد في تراث مالك بن نبي تنظيرا واهتماما خاصا بعلم النفس وعلم الاجتماع فإننا من دون شك نجد توظيفا مكثفا وعميقا لمقولاتهما والاستعانة بهما في تحليل أوضاع العالم الاسلامي والقارئ ل “ميلاد مجتمع ” و “شروط النهضة” يجد ما نقوله جليا واضحا،بل خصص مالك كتابا درس فيه الاستعمار بوسائل علم النفس، وهو أول مؤلف من نوعه – على ما انتهى الى علمي- يدرس الاستعمار بهذه الطريقة.
وذلك الزخم التوظيفي لدى مالك لقضايا علم النفس وعلم الاجتماع، لا يخلوا من لفتات تأصيلية، فمع استعانته بكثير من النظريات وذكره للعديد من الأسماء (يافولف، ايريكسون، هيدفيلد…) لم يكن تناوله انسياقا أعمى وراء مقولاتهم بل نراه ناقدا متمكنا، ومؤصلا خبيرا يربط بين الآيات والأحاديث والقضايا النفسية والاجتماعية، ربطا ينم عن فهم عميق للعلوم المعاصرة التي عايشها في الغرب، وللوحي بشقية رغم عدم تمرسه بهما، ونسوق هنا شهادة لأحد المهتمين بهذا الجانب من فكرة يقول إبراهيم محمد زين: “لابد من التأكيد أن علم الاجتماع الفرنسي يحتاج منا إلى جهد عميق من أجل تحويله والاستفادة منه في المجال المعرفي الإسلامي، ولعل محاولة الأستاذ مالك بن نبي في فكرة الحضاري تعد أكثر المحاولات جرأة وريادة في مجال سوسيولوجيا علم الاجتماع العربي في سياق السعي لتجاوز أزمته واستخدام أدواته في التعبير عن هموم المجتمعات التي تحتل محور طنجة –جاكرتا وقضاياها ومشكلاتها”([84]).
ولعدم تمرسنا بهذين المجالين فإننا نكتفي بالتمليح إلى هذا الجانب من فكره عسى أن يجد من يعمق البحث فيه مستقبلا، فمالك بن نبي يرى ضرورة إيجاد علوم تستجيب لحاجة المجال الإسلامي، ومن هذا المنطلق نادى بأهمية نشوء علم اجتماع خاص بمرحلة الاستقلال ليقود الدولة الحديثة باعتباره أداة مهمة لا تنفصل عن التخطيط ([85])، كما نادى بضرورة إيجاد البدائل الإسلامية في كل مجال والعمل والكد في سبيل ذلك لأن “كل فراغ إيديولوجي لا تشغله أفكارنا ينتظر أفكارا منافية معادية لنا”([86]).
خـــــــاتمـــــــــــــــــــة
إني أرجوا أن أكون قد وفقت إلى عرض ما قصدته، وتبليغ ما أردته، من هذه الجولة الممتعة في فكر الأستاذ مالك بن نبي، بصفته مشروعا لا يليق تجاهله خصوصا مع المأزق الفكري الذي نعيشه، والذي يصبح معه تجاهل أية محاولة صادقة كتجاهل المريض لبعض الدواء الذي من شأنه أن يدفع عنه السقم ويعجل بشفاءه.
ومحاولة كهذه لن نأمل منها قطعا أن ترد لهذا المشروع اعتباره كاملا نظرا لنطاقها المحدود، وإمكانياتها الضحلة، ولأن كنا قد كشفنا عن بعض خبايا هذا الفكر الغض الطري فذلك بمنة الله علينا، إذ لم يكن جهدنا إلا جهدا المقل، وفي حدود ما تم التوصل إليه يمكن أن نؤكد على أمور أهمها :
– إن اسلامية المعرفة ليست هما معاصرا، بل هي ضاربة بجدورها في أعماق تاريخ الفكر الاسلامي وما أسهم به مالك بن نبي في هذا المجال دليل شاهد على ذلك، غير أن الطابع المؤسسي لهذا المشروع أكسبه حيوية وجدة وتطويرا يليق بعصر التكتلات والمؤسسات، مما يعتبر خطوة جبارة لتوحيد الجهود في سبيل النهوض بالفكر الإسلامي للخروج من المأزق المعرفي المعاصر.
– إن مالك بن نبي لم يكتف بمجرد التنظير لضرورة أسلمة المعرفة، وحشد الدلائل والحجج على ذلك، بل حاول جاهدا تطعيم الفكر الاسلامي بمزيد من الاجتهادات في المجالات التي انحسر فيها نفوده، وضعفت فيها مساهمته، وإن إفادته في علم النفس والاجتماع والاقتصاد الاسلامي تراث غني لا يصلح أن تستغني عنه جهود إسلامية المعرفة وهي تتوخى إيجاد البدائل الإسلامية في مختلف العلوم، بإضافة بعد السماء إليها وتخليصها مما علق بها من النظرة الوضعية الأحادية.
-إن مالك بن نبي بتكوينه الفكري المزدوج يعتبر قدوة للعالمين في حقل إسلامية المعرفة ليكون نهجه دينا لهم، فيسعون إلى تحصيل العلوم المعاصرة والتعمق فيها ومعرفة الغث والسمين من قضاياها، مع الفهم الجيد للتراث، ودراسة التاريخ والواقع الإسلاميين، وقبل هذا وذاك حسن الفهم والتعامل مع المصدرين الأساسين للمعرفة الإسلامية (الكتاب والسنة)، كي لا يتصدى لهذا العمل من ليس مؤهلا له، وحتى لا تحل الغيرة محل الإتقان، فتذهب الجهود سدى ونرجع القهقرى حيث نريد السير قدما إلى الأمام.
الهوامش :
[1]-العلواني، طه جابر. إصلاح الفكر الإسلامي : مدخل إلى فهم خطاب الفكر الإسلامي المعاصر، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1995 م، ص : 184.
[2]-المرجع السابق ص 14.
[3]-العلواني،طه جابر. ابن تيمية واسلامية المعرفة، سلسلة إسلامية المعرفة13، ص:83.
[4]-انظر في ذلك : مالك بن نبي. شروط النهضة، ترجمة ع الصبور شاهين، وعمر كامل مسقاوي، دار الفكر ط: 4. 1987م، ص87 .ومشكلة الثقافة ص81 ط: 4، 1987م.
[5]-خصص لنقد الحركة الاصلاحية فصلا في وجهة العالم الإسلاميبعنوان (حركة الاصلاح ) كذلك طالع (خواطر عن نهضتنا العربية ) في كتاب تأملات.
[6]-مالك بن نبي. تأملات، دمشق :دار الفكر 1991م، ص: 188.
[7]-مالك بن نبي. وجهة العالم الإسلامي، دمشق :دار الفكر 1970م، ص:55.
[8]-انظر نقده لجمعية العلماء في كتابه “مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي” الفصلين 10و15.
[9]-الميلاد، زكي. “المشروع الحضاري الإسلامي”مجلة الكلمة ع7،س2، 1995م.ص 21.
[10]-عويس، عبد الحليم “موقف الفكر الإسلامي من الحضارة الغربية”مجلة المنهل.
[11]-هو الكتاب المعنون ب”الصراع الفكري في البلاد المستعمرة”.
[12]-انظر المقالات المنشورة تحت عنوان “في مهب المعركة”.
[13]-مالك بن نبي،وجهة العالم الإسلامي، مرجع سابق، ط 1970 ص: 102.
[14]-انظر (الشروق الثقافي ) ملحق اسبوعي لجريدة الشروق العربي الجزائرية عدد15 نونبر 1993، عدد خاص بمالك بن نبي. (انظر مقال طه جابر العلواني)
[15]-المرجع نفسه: مقال حليم بوكرشة (القابلية للاستعمار عند ابن نبي ماذا تعني؟)
[16]-للاطلاع على هذا النقد انظر “أوراق”للعروي.
[17]-انظر مقدمة كتاب (إسلامية المعرفة المبادئ – خطة العمل- الإنجازات) منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي. سلسلة اسلامية المعرفة (1) – ط2. 1992م.
[18]-المرجع نفسه ص: 167.
[19]-خليل ، عماد الدين. المدخل إلى إسلامية المعرفة، سلسلة إسلامية المعرفة ط1. 1991 ص: 15.
[20]-العلواني، طه جابر. الجمع بين القراءتين، سلسلة إسلامية المعرفة (22) ط :1، 1997م، ص:15.
[21]-العلواني، طه جابر، إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم،ورقة نشر جزء منها في مجلة الإنسان،العدد 12، 1994م. ص:1.
[22]-إسلامة المعرفة :المبادئ العامة، خطة العمل،الانجازات.مرجع سابق ص: 166.
[23]-العلواني، طه جابر. إصلاح الفكر الإسلامي، ط3، 1995م،ص: 142.
[24]-خليل ، عماد الدين. المدخل إلى إسلامة المعرفة، مرجع سابق ص: 20/21.
[25]-نفسه ص: 25.
[26]-نفسه ص: 22
[27]-نفسه ص: 20.
[28]– إسلامية المعرفة بين الأمس واليوم، مرجع سابق، ص: 3.
[29]– إسلامية المعرفة المبادئ،خطة العمل، الإنجازات، مرجع سابق ص: 176.
[30]– العلواني، طه جابر . الأزمة الفكرية المعاصرة، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة المحاضرات (1) ط: 4، 1994م، ص: 31.
[31]– نفسه ص 45.
[32]– الجمع بين القراءتين، مرجع سابق، ص: 23.
[33]– مالك بن نبي، في مهب المعركة، دار الفكر، ط4، 1987م، ترجمه عبد الصبور شاهين ص: 144.
[34]– مالك بن نبي . شروط النهضة.مرجع سابق، ص: 47.
[35]– مالك بن نبي ،تأملات. مرجع سابق، ص: 102.
[36]– مالك بن نبي، شروط النهضة. دار الفكر،ط 3. 1969م، ص: 95.
[37]– مالك بن نبي، قضايا كبرى، دار الفكر، ط1991م ، ص: 61.
[38]– راجع فصل (عالم الأفكار) من مشكلة الأفكار، ص:59.
[39]– مالك بن نبي. في مهب المعركة، مرجع سابق ص: 181.
[40]– مالك بن نبي ، مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، ترجمة عمر مسقاوي وآخرون، دار الفكر ط1. 1992م، ص: 102.
[41]– مالك بن نبي وجهة العالم الإسلامي، مرجعه سابق ص:112، طبعة 1981.
[42]– انظر مالك بن نبي ، المسلم في عالم الاقتصاد، دار الفكر ، ط3،1987م، ص:90 وما بعدها.
[43]– مالك بن نبي ، مشكلة الثقافة، دار الفكر،طبعة 1989م، ص: 116.
[44]– المرجع نفسه ص: 123.
[45]– مالك بن نبي. وجهة العالم الإسلامي،ص:12، طبعة 1981م.
[46]– مالك بن نبي. مشكلة الثقافة، مرجع سابق،ص127.
[47]– مالك بن نبي. الظاهرة القرآنية،دار الفكر، الطبعة 4 ، 1987م، ص: 207.
[48]– مالك بن نبي. وجهة العالم الاسلامي، مرجع سابق، ص:17 طبعة 1981م.
[49]– مالك بن نبي.الظاهرة القرانية،مرجع سابق، ص 201.
[50]– مالك بن نبي. رسالة المسلم في الثلث الاخير من القرن العشرين، دار الفكر ، ط 1989م، ص:39.
[51]– مالك بن نبي.بين الرشاد والتية، دار الفكرط2، 1988م، ص: 75.
[52]– المرجع نفسه ص: 73.
[53]– مالك بن نبي.الظاهرة القرانية،مرجع سابق،ص: 80.
[54]– مالك بن نبي. قضايا كبرى،مرجع سابق، ص: 86.
[55]– راجع فما يخص هذا البرنامج شروط النهضةوكذا مشكلة الثقافةحين تحدث عن معنى الثقافة في التربية.
[56]– مالك بن نبي. وجهة العالم الإسلامي،مرجع سابق، ص: 38 طبعة 1970.
[57]– مالك بن نبي. المسلم في عالم الاقتصاد، مرجع سايق، ص: 82.
[58]– مالك بن نبي. الظاهرة القرآنية،مرجع سابق ، ص: 81.
[59]– مالك بن نبي. وجهة العالم الاسلامي،مرجع سابق، ط1970 ص: 30-31.
[60]– مالك بن نبي. الظاهرة القرآنية، مرجع سابق، ص:54.
[61]– نفسه ص: 62.
[62]– نفسه ص: 77.
[63]– نفسه ص: 58.
[64]– مالك بن نبي، قضايا كبرى، مرجع سابق، ص: 182.
[65]– المدخل الى إسلامية المعرفة، مرجع سابق، ص: 37.
[66]– انظر المرجع نفسه ص:34.
[67]– مالك بن نبي. قضايا كبرى، مرجع سابق، ص: 187.
[68]– دراز ، عبد الله، تقديمالظاهرة القرآنية لمالك بن نبي ص:11.
[69]– الميلاد، زكي “المصارف الإسلامية دراسة في تطور الأفكار الاقتصادية” مجلة الاجتهاد عدد 37،س :9، خريف 1998م، ص: 112.
[70]– الفرحان،محمد جلوب. (حول المشروع الاسلامي للاقتصاد) مجلة الاجتهاد، نقلا عن الفكرة الإفريقية الأسيوية لمالك بن نبي ص: 149.
[71]– نفسه نقلا عن الفكرة الإفريقية الأسيوية ص:156.
[72]– مالك بن نبي. المسلم في عالم الاقتصاد، مرجع سابق،ص: 42.
[73]– نفسه ص: 44.
[74]– مالك بن نبي. بين الرشاد والتيه،مرجع سابق، ص: 150.
[75]– الفرحان،محمد جلوب، مجلة الاجتهاد،مرجع سابق، نقلا عن الفكرة الإفريقية الأسيوية ص: 38.
[76]– مالك بن نبي، المسلم في عالم الاقتصاد، مرجع سابق، ص: 36.
[77]– نفسه ص: 46.
[78]-الصدر، محمد باقر. اقتصادنا، ص: 288 (نقلناه عن قراءة حسن سلمان لهذا المؤلف بمجلة الاجتهاد (مرجع سابق ) ص: 266.)
[79]– مالك بن نبي. الفكرة الافريقية الاسيويةص:39.
[80]– مالك بن نبي، المسلم في عالم الاقتصاد، مرجع سابق، ص: 83.
[81]– مالك بن نبي، بين الرشاد والتيه، مرجع سابق، ص: 175.
[82]– الفرحان، محمد جلوب، بمجلة الاجتهاد، مرجع سابق، ص:55.
[83]– مالك بن نبي. المسلم في عالم الاقتصاد، مرجع سابق، ص: 43.
[84]– زين، ابراهيم محمد. “أبعاد رؤية مالك بن نبي الحضارية”الشاهد الدولي” عدد: 31-15 نونبر 1997م.
[85]– انظر كتابه “بين الرشاد والتيه ” ص41.
[86]– مالك بن نبي. قضايا كبرى، مرجع سابق،ص: 196.