أبحاث

المرأة في المسجد.. دورها ومكانها وأحكامها مع اعتبار خاص لبلاد الأقليات المسلمة

العدد 157- 158

مقدمة:

هناك موضوعان يمثلان في نظري أهمية خاصة في التجديد الفكري والفقهي الإسلامي المعاصر، نظراً للموروث التاريخي الإسلامي المعقد فيهما، ونظراً لاستقرار أعراف خاطئة عند كثير من المسلمين تتنافى مع أصول الإسلام ومقاصد الأحكام المتعلقة بهما، ونظراً لأهميتهما في النهضة الإسلامية المنشودة. هذان الموضوعان هما موضوع المرأة في الإسلام وموضوع علاقة الإسلام بالسياسة. وتزداد أهمية هذين الموضوعين في بلاد الأقليات الإسلامية، حيث تحتل دعوة الناس إلى الله وإلى الإسلام أهمية خاصة، وحيث تكثر الشبهات التي يتهم بها الإسلام في هذين الموضوعين، وحيث تترتب نتائج جد خطيرة على سوء الفهم وسوء التطبيق من بعض المسلمين فيهما.

ولذلك فقد أسعدني وأثلج صدري أن يكون الموضوع الذي تركز عليه هذه الدورة من المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث هو موضوع أحكام المرأة، وزادت سعادتي حين شرفني القائمون على المجلس بدعوة كريمة للإسهام في هذه الدورة ببحث، رأيت أن يكون موضوعه مركزاً على أحكام المرأة في المسجد.

والمساجد في بلاد الأقليات لها أهمية أكبر من المساجد في بلاد الأكثريات، إذ هي محور علاقة المسلم في هذه البلاد بالإسلام، والمكان الوحيد غالباً الذي يعيش فيه المسلم ضمن مجتمع إسلامي خالص، والملاذ الذي يلجأ إليه المسلم للعودة لدينه وعبادة ربه وتحصيل العلم الشرعي وحل المشاكل الاجتماعية وعقد الزواج والاحتفال بالعيد وصلاة الجنازة والتواصل مع بني دينه ولغته إن كان ناطقاً بلغة غير لغة الأكثرية.

والمرأة في أي مجتمع هي نصف المجتمع عدداً وأهمية وأثراً، إذ هي بالإضافة إلى وجودها ودورها في المجتمع هي الزوجة والأم والبنت والأخت، وقبل كل ذلك فالمرأة المسلمة خاصة في بلاد الأقليات هي سفير للإسلام وممثل له بهيئتها التي تعلن لكل من يراها عن دينها والتزامها به حتى قبل أن تتكلم مع الناس أو تتعامل معهم.

ويدرس هذا البحث عشر مسائل تتعلق بأحكام المرأة في المسجد بدءاً من منعها من المسجد أصلاً، ثم مكان تواجدها فيه،وانتهاء بأحكام تفصيلية أخرى تتعلق بمشاركتها في نشاطه العبادي والعلمي والاجتماعي والمؤسسي. ومنهجية البحث هي الاستدلال بنصوص الكتاب الكريم وما صح من سنة المصطفى rفي ما ورد متعلقاً بالموضوع، آخذين في الاعتبار مذاهب أهل العلم وفهمهم لتلك النصوص. فإن كانت النصوص الشرعية ساكتة عن المسألة فإننا نحكم بالآراء التي تحقق الأهداف العليا والغايات الكبرى في الإسلام وتراعي مصالح الأقلية المسلمة. والله المستعان ومنه التوفيق.

المسألة الأولى

منع النساء من المساجد

الإشكالية في الواقع:

الواقع في هذه المسألة أليم خاصة في بلاد الأقليات المسلمة. فرغم أهمية المسجد القصوى لكل مسلم في بلاد الأقليات كما ذكرنا، إلا أننا نجد أن المرأة في نسبة كبيرة من المساجد ليس لها مكان في المسجد أصلاً، وإذا فكرت مسلمة – فضلاً عن غير المسلمة – في دخول كثير من المساجد في لندن أو جوهانسبرغ أو دلهي أو غيرها من العواصم الكبيرة فإنها تجد على الباب من الرجال من ينهرها عن دخول المسجد، أوتواجه بلافتة واضحة على باب المسجد مكتوب عليها: ممنوع على النساء، أو: لا مكان للنساء. وزاد الطين بله أن المحطات الفضائية التي يشاهدها الجميع في بريطانيا (بي بي سي 4 مؤخراً) وفي أمريكا (أي بي سي مؤخراً) وفي غيرهما – تخرج على الناس بين الحين والآخر بتحقيقات مصورة عن منع النساء من مساجد المسلمين وسوء معاملة من تحاول الدخول إليها، مما يضر بطبيعة الحال بدعوة الإسلام ضرراً بليغاً ويصم دين الله تعالى بما ليس فيه من أفعال المسلمين أنفسهم.

وإذا كان الحكم على الشيء فرع من تصوره فهناك من يتصور المسألة بشكل مختلف تماماً، مفاده أن المسلمين في بلاد الأقليات يتعرضون للفتن والمؤامرات، وأنه لابد من عودة الرجال إلى المسجد وتمسكهم به، وإعانتهم على ذلك بمنع النساء من المساجد أو عزلهم فيها في أضيق نطاق، وذلك حتى يتجنب الرجال الفتنة ويتفرغوا للعبادة وعمل الخير. والحق أن هذا التصور بعيد عن واقع المسلمين وواقع غيرهم كذلك، ويصدر عن عدم وعي بحق المرأة الأصيل في بيت الله كحق الرجل، وأهمية الدور الذي يمكنها أن تقوم به لدينها ومجتمعها الإسلامي والدعوة الإسلامية في المسجد، بل وخطورة غياب ذلك الدور على الدين والدنيا.

والمسألة لا تحتاج إلى استدلال في الحقيقة لأن المساجد هي بيوت الله وهو رب الرجال والنساء.

وليس يصحُّ في الأذهان شيءٌ

إذا احتاج النهارُ إلى دليل

ولكن الاستدلال التالي هو من باب التفصيل في النصيحة والحجاج لصالح المرأة المسلمة وبهدف القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة والبدعة المقيتة.

أدلة القرآن على إعمار النساء للمساجد:

أما نصوص القرآن المتعلقة بهذه المسألة، فكلها يحض المسلمين ذكوراً وإناثاً دون تمييز على زيارة المسجد والذكر والصلاة فيه.

قال عز وجل: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) (النور: 36-37)، وقال: (لمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة:108).

وقد أشكل على بعض المفسرين لفظة “رجال” في هاتين الآيتين فظنوا أنها تعني الذكور دون الإناث، وأثر ذلك التفسير سلبياً على عادات المجتمعات الإسلامية في تصور بعضهم أن المرأة ليس لها مكان في المسجد. فقد علق ابن كثير مثلاً على لفظة “رجال” في آية النور المذكورة بقوله: أما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن… ويجوز لها شهود جماعة الرجال، بشرط أن لا تؤذي أحدًا من الرجال بظهور زينة ولا ريح طيب(1)، ولكن لفظة “رجال” هي في لغة العرب ولغة القرآن للذكور والإناث. قال تعالى: (وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) (الأعراف: 46)، وهذه للرجال والنساء، وقال: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)، وهذه للرجال والنساء. ولكن إذا أراد الله تعالى أن يخص لفظ “رجال” بالذكور دون الإناث ذكر لفظ “نساء” معه في نفس السياق، كقوله تعالى: (وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) (الفتح: 25).

ومن الناحية اللغوية، يقال للنساء المتميزات “رجال” في لغة العرب. ففي مختار الصحاح مثلاً ورد تحت مادة ر ج ل: نِسْوَةٌ (رِجَالٌ)…وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ: (رَجُلَةٌ). وَيُقَالُ: كانت عائشة رضي اللّه تعالى عنها رَجُلَةَ الرَّأْيِ(2)، وفي لسان العرب: أَن أَبا زِيَادٍ الْكِلاَبِيَّ قال في حديث له مع امرأته: فَتَهايَجَ الرَّجُلانِ. يَعْنِي نَفْسَهُ وامرأَته … وفي مَعْنى تَقُول: هذا رَجُل كامِل … وفي هذا المعنى للمرأة: هي رَجُلة(3).

ثم إن هناك آيات أخرى عامة على أي حال تحض الجميع على إعمار المساجد والتزين لها ظاهراً وباطناً. قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة:)، وقال: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (الأعراف:29)، وقال: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31)، وحتى الجن قال تعالى على لسانهم مخاطبين قومهم: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (الجن:18). وينهى القرآن بوضوح عن منع الناس من المساجد، وذلك في عموم قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) (البقرة: 114).

أدلة السنة على إعمار النساء للمساجد:

هذا بالإضافة إلى عشرات بل مئات الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله r، والتي تدل على وجود المرأة في المسجد بشكل طبيعي في كل الصلوات والمناسبات، ولا تسمح هذه المساحةباستقصاء تلك الأحاديث كلهاولكن هاكم بعض الأمثلة:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كن نساء المؤمنين يشهدن مع رسول الله rصلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة(4).

وعن الشعبي قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس … قالت: نودي فى الناس إن الصلاة جامعة. قالت: فانطلقت فيمن انطلق من الناس. قالت: فكنت في الصف المقدم من النساء وهو يلي المؤخر من الرجال. قالت: فسمعت النبى rوهو على المنبر يخطب فقال: «إن بني عم لتميم الداري ركبوا فى البحر …(5).

وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: أتيت عائشة زوج النبي rحين خسفت الشمس فإذا الناس قيام يصلون… فلما انصرف رسول الله rحمد الله وأثنى عليه ثم قال…(6).

وعن عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق… فضرب النبي rخيمة في المسجد ليعوده من قريب(7). كتب ابن حجر شارحاً: رسول الله rجعل سعداً في خيمة رفيدة عند مسجده وكانت امرأة تداوي الجرحى فقال: اجعلوه في خيمتها لأعوده من قريب(8).

وعن عائشة، أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب، فأعتقوها، فكانت معهم، قالت: فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، قالت: فوضعته – أو وقع منها – فمرت به حدياة وهو ملقى، فحسبته لحما فخطفته، قالت: فالتمسوه، فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، قالت: فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها، قالت: والله إني لقائمة معهم، إذ مرت الحدياة فألقته، قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم وأنا منه بريئة، وهو ذا هو، قالت: فجاءت إلى رسول الله rفأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد – أو حفش – قالت: فكانت تأتيني فتحدث عندي، قالت: فلا تجلس عندي مجلسا إلا قالت:

ويوم الوشاح من أعاجيب ربنا

ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني

   قالت عائشة: فقلت لها: ما شأنك، لا تقعدين معي مقعدًا إلا قلت هذا؟ قالت: فحدثتني بهذا الحديث(9).

وعن أم سلمة، زوج النبي r، أن النساء في عهد رسول الله rكن إذا سلمن من المكتوبة قمن وثبت رسول الله rومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله rقام الرجال(10).

  وعن أسماء بنت أبي بكر، قالت: كسفت الشمس على عهد النبي r… ثم جئت ودخلت المسجد، فرأيت رسول الله rقائما، فقمت معه، فأطال القيام، حتى رأيتني أريد أن أجلس، ثم ألتفت إلى المرأة الضعيفة، فأقول هذه أضعف مني، فأقوم، فركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القيام، حتى لو أن رجلا جاء خيل إليه أنه لم يركع(11).

  وعن أسماء أيضًا قالت: سمعت النبي rيقول: «من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى نرفع رؤوسنا». كراهية أن يرين عورات الرجال لصغر أزرهم، وكانوا إذ ذاك يأتزرون هذه النمرة(12).

  وعنها كذلك: قام فينا رسول الله rفخطبنا، فذكر الفتنة التي يفتن فيها المرء في قبره، فلما ذكر ذلك ضج الناس ضجة، حالت بيني وبين أن أفهم آخر كلام رسول الله r، فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله فيك، ماذا قال رسول الله rفي آخر قوله؟ قال: «قد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم قريبا من فتنة الدجال»(13).

وعن أبي هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد فماتت فسأل النبي rعنها فقالوا ماتت. قال: أفلا كنتم آذنتموني؟ دلوني على قبرها فأتى قبرها وصلى عليها(14).

وعن عائشة قالت: لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي rأن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه(15). قال النووي: والصحيح الذي عليه الجمهور أنهم صلوا على رسول الله rفرادى فكان يدخل فوج يصلون فرادى ثم يخرجون ثم يدخل فوج آخر فيصلون كذلك ثم دخلت النساء بعد الرجال ثم الصبيان(16).

“لا تمنعوا إماء الله مساجد الله”:

وغير هذه الأحاديث المذكورة أعلاه الكثير في نفس المعنى، مما يدل على أصل تواجد المرأة المسلمة في المسجد بكل الأشكال المشروعة وفي كل الأوقات وجميع أنواع الصلوات. ولكن الحديث العمدة في مسألة منع النساء من المساجد هو حديث عبد الله بن عمر قال: كانت امرأة لعمر (وهي عاتكة بنت زيد) تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله r: «لاتمنعوا إماء الله مساجد الله»(17)، قال ابن حجر: فلقد طعن عمر وإنها لفي المسجد(18).

  وفي المعجم الكبير: حدثني بلال بن عبد الله بن عمر أن أباه عبد الله بن عمر قال يوما: إن رسول الله rقال: «لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد». فقلت: أما أنا فسأمنع أهلي، فمن شاء فليسرح أهله. فالتفت إلي فقال: لعنك الله، لعنك الله، لعنك الله، تسمعني أقول إن رسول الله rأمر أن لا يمنعن، وتقول هذا؟ ثم بكى وقام مغضبا. وفي رواية قال له: يا عدو الله. وفي رواية: فمد يده فلطمه(19). وفي رواية الترمذي: كنا عند ابن عمر، فقال: قال رسول الله r: ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد. فقال ابنه: والله لا نأذن لهن؛ يتخذنه دَغَلاً. فقال: فعل الله بك وفعل، أقول: قال رسول الله rوتقول: لا نأذن لهن. وهو في الباب عن أبي هريرة، وزينب امرأة عبد الله بن مسعود، وزيد بن خالد، وحديث ابن عمر هذا حديث حسن صحيح(20).

ورد فعل عبد الله بن عمر tهنا يدل على الحرمة القاطعة لمنع النساء من المساجد خلافاً لأمر النبي r.

حديث عائشة من باب سد الذريعة لاعتبار مؤقت:

ولكن رغم صحة هذه الأدلة وإحكامها وعمومها يقدم المانعون للنساء من المساجد حججاً يرونها مطلقة تتعلق بفتنة مدّعاة في ذهاب النساء إلى المساجد، ويروون حديثين يؤيدان بهما ما ذهبوا إليه. أولهما حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: «لو أدرك رسول الله rما أحدث النساء لمنعهن (أي المساجد) كما مُنعت نساء بني إسرائيل»(21).

  وثانيهما حديث أم حميد: عن عبد الله بن سويد الأنصاري، عن عمته، امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبي rفقالت: يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك. فقال: «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي». فأمرت، فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله U(22).

أما حديث عائشة، فهي فيه لم تنكر الأصل ولكنها تعاملت بالمبدأ الذي أطلق عليه الأصوليون من بعد “سد الذريعة”، وذلك في حالة طارئة في عصرها كانت فيها نساء المدينة على ما يبدو يتساهلن في الحدود الشرعية في زيارة المسجد، ولم تقصد إلغاء الإباحة أو الندب الأصليين أبداً بما يشبه “النسخ” كما فهم بعض الفقهاء. وأعلام الفقهاء في المدينة وفي غيرها على مدار التاريخ لم ير منهم أحد أن نهي عائشة رضي الله عنها يغير الحكم الأصلي. قال إمام المدينة مالك (بعد عصر عائشة بعقود قليلة) حين سئل عن منع النساء من المساجد: لا يمنعن الخروج إلى المساجد(23).

وقال ابن حجر: وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقاً وفيه نظر إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد على ظن ظنته فقالت: لو رأى لمنع، فيقال عليه: لم ير ولم يمنع… وأيضاً فالإحداث وقع من بعض النساء لا من جميعهن فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت. والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته rإلى ذلك بمنع التطيب والزينة(24).

ولابن حزم منطق مشابه لهذا إذ قال: إن الإحداث إنما هو لبعض النساء بلا شك دون بعض، ومن المحال منع الخير عمن لم يحدث من أجل من أحدث(25).وقال ابن قدامة: سنة رسول الله rأحق أن تتبع، وقول عائشة مختص بمن أحدث دون غيرها، ولا شك بأن تلك يكره لها الخروج(26).

فتح الذرائع لتحقيق المصالح:

بل إن الذريعة في هذا العصر ينبغي أن تفتح بدلاً من أن تسد، فتيسر السبل وتذلل العقبات التي قد تعوق المرأة عن حضور المسجد. لابد أن تشجع المرأة في عصرنا على الذهاب للمسجد لأنها هناك تحقق مقاصد المسجد في الإسلام، وهي أن تذكر الله تعالى، وتتعلم العلم، وتتعارف مع غيرها من عمار المسجد، وتشارك في النشاط العام الذي يعود بالنفع عليها وأسرتها ومجتمعها ودينها بالخير.

وللشيخ عبد الحليم أبي شقة رحمه الله تعليق على هذا الحديث في نفس المعنى، فقد كتب يقول:

لو رأت عائشة رضي الله عنها ما فعل نساء زماننا من الذهاب لجميع أماكن اللهو متبرجات، ومن تعرضهن لغزو إعلامي خبيث يدخل عليهم في بيوتهن ويسيطر على عقولهن وقلوبهن، والمكان الوحيد الذي لا يذهبن إليه هو المسجد، فهل كانت تردد مقالتها تلك أم تقول: لو رأى رسول الله rما فعل النساء لأوجب عليهن الذهاب إلى المساجد؟ وذلك من باب الحض كما كان ذاك القول من باب الزجر، حتى يبتعد النساء بعض الوقت عن أجواء الفتنة ويألفن الاحتشام(27).

حديث أم حميد خاص بسياق معين وليس حكماً عاماً:

وأما حديث أم حميد، فسياق الحديث –والذي لم يرد في روايات ابن حبان وأحمد وهي الروايات الشائعة، وورد في روايات الطبراني والبيهقي وابن أبي شيبة وابن أبي عاصم وغيرهم في زيادات صحيحة – سياق الحديث كان خلافاً بينها وبين زوجها على مواظبتها على حضور الجماعات في مسجد الرسول r، ففي تلك الروايات قالت: يا رسول الله إنا نحب الصلاة معك فيمنعنا أزواجنا(28). وهذا السياق يحل التعارض بين أحاديث الباب خاصة الأحاديث العامة التي تنهى عن منع النساء من المساجد وبين هذا الحديث، لأن الرسول rهنا كان يقصد النصح لأم حميد في حل ذلك الخلاف الزوجي الخاص بأن تستجيب لطلب زوجها، ولا يقصد التشريع العام الذي يلزم كل مسلمة في كل زمان ومكان، ومقصود الرسول عليه السلام ليس مصرحاً به ولكنه هو المخرج لحل التعارض بين النصوص، وإعمال النص أولى من إهماله.

حديث “لا يراها رجل” وما في معناه ضعيف سنداً ومعنى:

وهناك عدد من الأحاديث الضعيفة التي يحتج بها المانعون مما لا ينهض كأدلة في هذا المقام ولا يقابل الأحاديث الصحيحة الكثيرة المعارضة لها، كحديث فاطمة بنت الرسول rأنه سألها: أي شيء خير للمرأة؟ قالت: ألا ترى رجل ولا يراها رجل، فضمها إليه وقال: ذرية بعضها من بعض(29)، وهو بالإضافة لضعف سنده يتعارض معناه مع عشرات الأحاديث التي أشرنا إليها سابقاً في حق الصحابيات رضي الله عنهن، بل معارض لصريح القرآن في قوله تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران: 61). فالآية تذكر فاطمة رضي الله عنها ضمناً في أهل الرسول rفي معرض المباهلة، وفي تفسير ابن كثير للآية حين ذكر قصة وفد نصارى نجران قال:… فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله rالغد بعد ما أخبرهم الخبر، أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة(30). وغير ذلك كثير من الأحاديث التي تظهر فاطمة رضي الله عنها في تعامل طبيعي مع الرجال في حدود الشرع.

ليس لولي المرأة أن يمنعها من المسجد:

وأما منع المرأة من المسجد من قبل الزوج أو الولي مثلاً، فالأصل فيه التحريم نظراً لنهي النبي rعن ذلك، ولكن نأخذ من حديث امرأة عمر وحديث أم حميد أن للزوج والزوجة أن يتشاورا ويتفاهما في تلك المسألة حسب الظروف والعوامل الأسرية والاجتماعية المختلفة.

ولا يصح أن يكون ذهاب المرأة إلى المسجد على حساب واجباتها الأكثر أولوية شرعاً تجاه أسرتها وأولادها، ولابد للزوج أن يتعاون معها بما لا يخل كذلك بواجباته الأكثر أولوية شرعاً، والمسألة تحتاج إلى توازن واعتدال. ولكن لا يجوز منع المرأة مطلقاً من المسجد لدخوله في نهي الرسول rالصريح.

خلاصة:

لابد من عودة المرأة المسلمة إلى المسجد، ولا يجوز منعها جماعياً أو فردياً، بل لابد من إيجاد مكان مناسب للنساء في المسجد وتشجيعهن على الحضور، حتى يحققن الفوائد والمقاصد المرجوة من بيوت الله، كالرجال تماماً، وخاصة في هذا العصر وخاصة في بلاد الأقليات المسلمة.

المسألة الثانية

مكان الصلاة للنساء في المسجد

الإشكالية في الواقع:

الواقع في بلاد الأقليات المسلمة أن المساجد التي تسمح للنساء بالصلاة فيها نادراً ما تسمح لصفوف النساء أن تلي صفوف الرجال بشكل تلقائي وفي نفس القاعة كما كان الحال في مسجد رسول الله r. وفي غالب المساجد في الغرب هناك قاعات أو غرف صغيرة خاصة بالنساء في الدور الأسفل لساحة الصلاة (البدروم أو الأرضي) أو شرفة عليا مغلقة أو في مبنى صغير ملحق بالمسجد الأصلي، وتنقل لهن الصلاة عن طريق مكبرات الصوت.

والإشكال هنا في حصر النساء في تلك القاعات هو من عدة نواح: أولها أن قاعات النساء تصمم بحجم أصغر كثيراً من قاعة الصلاة الأصلية وغالباً ما تضيق بالنساء في صلاة الجمعة والمناسبات الأخرى، في الوقت الذي قد لا تمتلئ فيه قاعة الرجال أو باحة المسجد عن آخرها، ورغم أن أعداد النساء تفوق أحياناً أعداد الرجال في المناسبات العامة كما هو مشاهد ومعروف. وثانياً: هذه القاعات لا تكون على نفس المستوى من ناحية البسُط أو الإضاءة أو أجهزة الصوت وبالتالي فالنساء لا يشعرن بنفس الترحيب أو الاستفادة في المسجد. وثالثاً: مكان الأطفال من كل الأعمار في كثير من تلك المساجد هو فقط مع النساء في نفس تلك القاعات مما يجعل الضجة تغلب عليها. ورابعاً: لا يسمح للنساء بالدخول من مدخل المسجد الرئيس ويخصص لهن مداخل خاصة ضيقة من جانب المبنى أو من الخلف.

وأخيراً وليس آخراً: هذه الطريقة الشائعة في تصميم المسجد تعطي انطباعاً واضحاً للزوار من غير المسلمين وكذلك للشباب والفتيات الذين نشأوا في تلك البلاد كأن الإسلام “يهمش” و”يعزل” المرأة، خاصة إذا لاحظوا ضيق وضجة وعدم جاهزية قاعات النساء، وكأن الإسلام لا يحبذ أن تتواجد المرأة في بيوت العبادة، وكأن الرجال في الإسلام لا يتحملون شيئاً من مسؤولية الأطفال، وكأن الإسلام دين للرجال فقط كما نسمع كثيراً من الغربيين، إلى آخر تلك الصور السلبية التي ينقلها ذلك التصميم إلى وعي من يشاهده.

سنة الرسول rفي تصميم المسجد:

ولكن تصميم المسجد في عهد الرسول rكان أشبه بهذا الشكل التقريبي التالي. وعليه، فالسنة في هذه المسألة التي استمرت طول حياة الرسول rأن الرجال كانوا يصطفون في صفوف تبدأ من خلف رسول الله rويملؤون الصف الأول فالذي يليه، ثم تصطف النساء في صفوف تبدأ من مؤخرة المسجد ويملأن الصف الأخير فالذي يليه، وكان الصبيان إذا حضروا الصلاة على عهد الرسول rيصطفون صفوفاً بين الرجال والنساء.

  وقد أسّس النبي rالمسجد في شهر ربيع الأول من السنة الأولى للهجرة (622م)، وكان طوله وعرضه بمقاييس اليوم 35 x30 مترًا تقريبًا، وسقفه من الجريد بارتفاع 2.5 مترًا تقريبًا، وكانت الأعمدة من جذوع النخل والجدار من اللبِن، وجعل وسطه رحبة، وفتح ثلاثة أبواب مشتركة للرجال والنساء: باب الرحمة ويُقال له باب عاتكة (في جهة الغرب)، وباب عثمان، ويُسمى الآن باب جبريل الذي كان يدخل منه النبي r(في جهة الشرق)، وباب في المؤخرة (في جهة الجنوب)، والقبلة يومئذ لبيت المقدس، ثم لما تحوّلت القبلة للكعبة في السنة الثانية للهجرة، سُدّ الباب الجنوبي وفُتح باب في الجهة الشمالية(31).

شكل يصعب رفعه على الموقع

ولم يكن بين هاتين المجموعتين من الصفوف حوائط ولا ستائررغم قدرتهم على وضعها، بل كان آخر صفوف الرجال أمام أول صفوف النسـاء مباشرة. يدل على ذلك أحاديث كثيرة،كحديث عروة بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قام فينا رسول الله rفخطبنا، فذكر الفتنة التي يفتن فيها المرء في قبره، فلما ذكر ذلك ضج الناس ضجة، حالت بيني وبين أن أفهم آخر كلام رسول الله r، فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله فيك، ماذا قال رسول الله rفي آخر قوله؟ قال: «قد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم قريبا من فتنة الدجال»(32).

  وكحديث فاطمة بنت قيس قالت: نودي في الناس أن الصلاة جامعة، فانطلقت فيمن انطلق من الناس، فكنت في الصف المقدم من النساء وهو يلي المؤخر من الرجال، فسمعت النبي rوهو على المنبر يخطب فقال: «إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر…»(33).

رؤية النساء للإمام والتلقي منه:

وكانت النساء يرين الإمام –وهو الرسول r- في نفس الساحة وهو يتكلم، مما يساعد – كما هو معروف علمياً- على التلقي والتواصل والتركيز، بل وحفظ بعضهن قرآناً من تلاوة الرسول rمباشرة، كأم هشام بنت حارثة بن النعمان التي قالت: ما حفظت (ق) إلا من في (أي فم) رسول الله rيخطب بها كل جمعة(34). وعن ابن عباس قال: إن أم الفضل بنت الحارث سمعته وهو يقرأ “والمرسلات عرفًا”، فقالت: يا بني، لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت رسول الله rيقرأ بها في المغرب(35).

  وعن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أم سلمة زوج النبي rأنها قالت: كنت أسمع الناس يذكرون الحوض، ولم أسمع ذلك من رسول الله r، فلما كان يوما من ذلك والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله rيقول: «أيها الناس». فقلت للجارية: استأخري عني، قالت: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء، فقلت: إني من الناس. فقال رسول الله r: «إني لكم فرط على الحوض، فإياي لا يأتين أحدكم فيذب عني كما يذب البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا»(36).

  وعن أبي عثمان، أن جبريل أتى النبي rوعنده أم سلمة فجعل يتحدث، فقال النبي rلأم سلمة: «من هذا؟»، قالت: هذا دحية، فلما قام، قالت: والله ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة النبي rيخبر خبر جبريل(37).

  وعن أسماء بنت أبي بكر، قالت: كسفت الشمس على عهد النبي r… ثم جئت ودخلت المسجد، فرأيت رسول الله rقائما، فقمت معه، فأطال القيام، حتى رأيتني أريد أن أجلس، ثم ألتفت إلى المرأة الضعيفة، فأقول هذه أضعف مني، فأقوم، فركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه فأطال القيام، حتى لو أن رجلاً جاء خيل إليه أنه لم يركع(38).

وعليه، فليس هناك داع لعزل النساء بحوائط ولا ستائر ومنعهن من رؤية الإمام، وقد ثبت أن رؤية الرسول rفي مسجده كان لها أثر إيجابي على تحصيل المرأة للعلم واستفادتها من حضور المسجد وحرصها عليه. ولعل الخطوط التي تعارف المسلمون على خطها في الأرض أو حاجز منخفض تكفي لتنظيم مساحات الصلاة حتى لا يحدث تنازع أو تزاحم غير مرغوب.

حديث شر الصفوف ومعناه:

  وهناك حديث ذكر فيه رسول الله rالصفوف، رواه أبو هريرة، قال: قال رسول الله r: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها»(39). وبعض الناس يتخذون هذا الحديث حجة في منع النساء من المساجد أصلاً، أو في عزلهن في قاعات النساء المذكورة، وهو عجيب؛ لأن رسول الله rكان يمكنه أن يبني قاعة أخرى خاصة بالنساء أو أن يمنعهن من المسجد أصلاً، وهو ما لم يحدث قطعًا.

والحديث معناه في تعليم أفضلية الصف الأول للرجال والصف الأخير للنساء ليس إلا، وذلك لاعتبارات وعلل معقولة، أولها أن الصف الأول للرجال والأخير للنساء هو لمن حضر مبكراً إلى الصلاة وهي فضيلة كما هو معروف، وثانيها أن هذين الصفين أقرب لعدم التشاغل ببقية المسجد ومن فيه والخشوع في الصلاة، وثالثها أمر يتعلق بأحاديث أخرى نهى فيها الرسول rالنساء عن رفع رؤوسهن قبل الرجال، والذي كانت علته –في ذلك الزمان- هو ستر بعض الرجال في وقت كانت شدة الأحوال للمجتمع المسلم الوليد لا تسمح لكل صحابي أن يمتلك إزاراً طويلاً يستره في سجوده.

فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سمعت النبي rيقول: «من كان منكن يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ترفع رأسها حتى نرفع رؤوسنا»، كراهية أن يرين عورات الرجال لصغر أزرهم، وكانوا إذ ذاك يأتزرون هذه النمرة(40).

  ومثله عن سهل بن سعد قال: كن النساء يؤمرن في عهد رسول الله rفي الصلاة أن لا يرفعن رؤوسهن حتى يأخذ الرجال مقاعدهم من الأرض من قباحة – (وفي رواية: ضيق) – الثياب. (وفي رواية: فاحفظوا أبصاركن من عورات الرجال)(41).

  ومثله حديث عمرو بن سلمة الذي قال فيه: … فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصًا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص(42). وهذه علة معقولة توضح مقصد التفريق بين الصفوف وحض النساء على الصف الأخير.

  وبالتالي فحكم الصفوف عمومًا أنه يستحب الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه إلى آخرها، وهذا الحكم مستمر في صفوف الرجال بكل حال، وكذا في صفوف النساء المنفردات بجماعتهن عن جماعة الرجال، أما إذا صلت النساء مع الرجال جماعة واحدة، فأفضل صفوف النساء آخرها للحديث المذكور(43).

شبهة قطع المرأة لصلاة الرجل بمرورها أمامه:

  وهناك من يعترض على هذا التصميم المفتوح للمسجد – إن صح التعبير– نظرًا لرأي مفاده أن مرور امرأة أمام رجل يصلي يقطع صلاته، بل ظن بعضهم أن عليه إعادة الصلاة، وهو ما يخالف المعنى المتواتر المروي عن مسجد الرسول r، بل ويروي البعض في هذا حديثًا من الصحاح عن أبي هريرة وأبي ذر أن نبي الله rقال: يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار(44).

  ولكن هذه الروايات تتناقض مع روايات أخرى على النقيض منها، بل ومن نفس رواتها:

   فعن أبي هريرة نفسه عن النبي rقال: «لا تقطع صلاة المرء امرأة ولا كلب ولا حمار، وادرأ من بين يديك ما استطعت»(45). ولم تثبت صحته.

  وإذا كانت أحاديث «يقطع الصلاة المرأة … » أصح سندًا من أحاديث «لا تقطع صلاة المرء… »، فالقول الفصل في هذه المسألة للحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقد رأت أن الروايات التي تدل على قطع المرأة لصلاة الرجل غير دقيقة:

   فعن عبد الله بن عبيد بن عمير، عن أم المؤمنين، أنه قيل لها: إن الكلب والمرأة والحمار يقطعون الصلاة، فقالت: عدلتم ذلك بالمرأة المسلمة؟ (وفي رواية: بئسما عدلتمونا بالكلب والحمار. وفي رواية: إن المرأة إذًا دابة سوء) لقد رأيتني أستيقظ ورسول الله rيصلي وأنا معترضة بينه وبين القبلة(46). وفي رواية قالت: وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة(47).

  وعلق الشافعي على هذه المسألة بقوله: وإذا لم تفسد المرأة على الرجل المصلي أن تكون بين يديه فهي إذا كانت عن يمينه أو عن يساره أحرى أن لا تفسد عليه(48).

   وقال محمد بن الحسن: لا بأس بأن يصلي الرجل والمرأة نائمة أو قائمة أو قاعدة بين يديه أو إلى جنبه، أو تصلي إذا كانت تصلي في غير صلاته، إنما يكره أن تصلي إلى جنبه أو بين يديه وهما في صلاة واحدة أو يصليان مع إمام واحد(49).

   وعند الحنابلة: تكره صلاة رجل بين يديه امرأة تصلي، وإلا – أي وإن لم تكن تصلي – فلا كراهة، لما تقدم من حديث عائشة(50).

  وقد لاحظ أبو داود تعارض الأخبار في هذا الأمر رغم فعل الصحابة yأن الصلاة لا يقطعها شيء فقال: إِذا تنازع الخبران عن رسول اللَّه r، نُظر إِلى ما عمل به أصحابه من بعده(51).

للأطفال مكان ومكانة في المسجد:

وأما الأطفال، فكان الأكبر منهم على عهد الرسول rيصطفون صفوفاً خاصة، بل يؤم بعضهم الصلاة أحياناً كما فعل عمرو بن سلمة في الحديث الذي ذكرناه، إلا أن هذا يندر جداً في عصرنا كما يعرف كل محتك بالنشاط التربوي الإسلامي في الشرق أو الغرب. ففي هذا العصر تقل نسبة الأطفال الناضجين الذين يخشعون في صلاتهم ولا يحتاجون إلى توجيه في المسجد. والأولى إذن أن يكون الطفل مع الأب أو الأم، أو في قاعات خاصة لرعايتهم وتعليمهم من قبل متطوعين ومتطوعات، خاصة في المناسبات العامة التي تكثر فيها أعداد الأطفال.

  وتوجيه البالغ للطفل خلال الصلاة له أصل من سنة الحبيب r، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قمت ليلة أصلي عن يسار النبي r، فأخذ بيدي أو بعضدي حتى أقامني عن يمينه، وقال بيده من ورائه(52).

   وعن ابن عباس كذلك قال: أقيمت صلاة الصبح، فقمت لأصلي الركعتين، فأخذ بيدي النبي rوقال: «أتصلي الصبح أربعا»(53).

  ولكن هناك عادات في بعض المجتمعات الإسلامية تقتضي أن يمنع الأطفال – خاصة البنات – من المساجد، وهو مخالف لصريح سنة الرسول r:

   ففي البخاري في باب سماه “باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة”، عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله rكان يصلي وهو حامل أمامة بنت لزينب بنت رسول الله rولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها(54).

  وقال r: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه»(55).

   وكان رسول الله rيسجد فيجيء الحسن أو الحسين فيركب ظهره فيطيل السجود فيقال: يا نبي الله، أطلت السجود! فيقول: «ارتحلني ابني فكرهت أن أعجله».

   وكان رسول الله rيصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما، أشار عليهم: أن دعوهما، فإذا قضى الصلاة وضعهما في حجره(56).

السنة أن تكون أبواب المسجد مشتركة بين الرجال والنساء:

أما الأبواب فظلت مشتركة بين الرجال والنساء في عهد النبي rوعهد أبي بكر، إلى أن رأى عمر tتخصيص باب للنساء يمنع منه الرجال الدخول إلى المسجد، ولكنه على أي حال لم يمنع النساء من الدخول من أبواب الرجال. ففي سنن أبي داود عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر ابن الخطاب t: لوتركنا هذا الباب للنساء (وفي رواية عن نافع: أن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب النساء)(57).

وبالتالي فمسألة تخصيص باب للنساء مسألة اجتهادية تنظيمية من عمر tوليست توقيفية عن الرسول r، وبالتالي فنهي عمر tأن يُدخل من باب النساء هو نهي من باب المصلحة العامة وليس نهياً شرعياً لازماً في كل زمان ومكان، ولا يعني عدم وجود أبواب مشتركة بين الرجال والنساء.

والأولى في هذا العصر خاصة في بلاد الأقليات أن يكون مدخل المسجد الرئيس مفتوحًا للجميع رجالاً ونساء، حتى لو اقتضت الظروف أن يكون هناك باب إضافي مخصص للنساء. ولكن يحرم أن يسيئ الرجال القول إلى النساء أو يعاملوهن بفظاظة إذا دخلن من ما يسمونه “أبواب الرجال” كما نرى في واقعنا للأسف.

والحق أن سوء معاملة النساء في المساجد هي إحدى الإشكاليات الكبرى التي تواجه الجيل الجديد من المسلمين في الغرب، وتصدهم عن الإسلام وأهله، وتصد غير المسلمين عن دعوة الإسلام.

خلاصة:

ليس من السنة عزل النساء في قاعات مخصوصة، ولا وضع الحوائط ولا الستائر بين الرجال والنساء، ولكن السنة في مكان صلاة النساء في المسجد هو خلف الرجال وفي نفس الساحة حيث يبدأ الرجال من الصف الأول والنساء من الصف الأخير.

وليس هناك حرج في أن تمر النساء في أرجاء المسجد في غير وقت الجماعة حيث يصلي الرجال فرادى. وليس من السنة منع البنات ولا الأولاد من المسجد ولا قصر رعايتهم على النساء. ويجوز تخصيص باب جانبي للنساء خاصة في حالة الزحام أو وضع خطوط على الأرض أو علامات لتقسيم مساحات الصلاة، ولكن دون منع النساء من مداخل المسجد الكبرى.

وينبغي أن يراعي المسلمون خاصة في بلاد الأقليات أثر مكان المرأة في المسجد على نفسية الشباب والفتيات من الجيل الجديد، وعلى صورة الإسلام ودعوة الناس إليه.

المسألة الثالثة

التعامل الطبيعي بين الرجال والنساء في المسجد

الإشكالية في الواقع:

هناك إشكالية أخرى في واقع المساجد في بلاد الأقليات التي يُسمح للنساء بدخولها على أي حال، ألا وهي الحساسية الشديدة بل والمنع المشدد أحياناً لتعامل النساء مع الرجال في الشؤون المختلفة وبشكل طبيعي داخل المسجد، رغم أن رواد المسجد من المسلمين رجالاً ونساء يتعاملون مع الرجال والنساء في مجتمع غير المسلمين في كل مناحي الحياة المهنية والاجتماعية بشكل طبيعي خارج المسجد. وغني عن القول أن نذكر أن هذه الحساسية تؤثر سلباً كذلك على مشاركة المرأة في المجتمع المسلم وعلى صورة الإسلام عند الجيل الجديد من المسلمين وعلى دعوة غير المسلمين إلى الله.

وإننا إذا رجعنا كذلك إلى سنة المصطفي rفي مسجده لوجدنا تعاملاً طبيعياً بين الرجال والنساء في المسجد في الشؤون الدينية والاجتماعية المختلفة، ونجد كذلك في ما روي في السنة حالات من التجاوزات في هذا التعامل، ولكنها بقيت محدودة وبقي التعامل معها كحالات فردية لا تستدعي تغييراً جذرياً في قواعد التعامل في المسجد ولا في صفوف الصلاة ولا في تصميم المسجد المعماري نفسه. والأحاديث التالية أمثلة قليلة لذلك التعامل في حضور الرسول rفي المسجد يرويها صحابة وصحابيات، وهي تدل على ما سواها من ما يمكن أن نسميه التعامل الطبيعي بين الرجال والنساء في المسجد.

أدلة من السنة على تعامل الرجال والنساء في المسجد في حدود الشرع:

  عن أسماء رضي الله عنها قالت: … فلما ذكر ذلك ضج الناس ضجة، حالت بيني وبين أن أفهم آخر كلام رسول الله r، فلما سكنت ضجتهم قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله فيك، ماذا قال رسول الله rفي آخر قوله؟ قال: «قد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم … »(58).

  وعن عبد الرحمن: عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: كانوا يتوضؤون جميعًا، قلت لمالك: الرجال والنساء؟ قال: نعم، قلت: زمَن النبي r؟ قال: نعم(59).

  وعن جابر موقفًا شهده فقال: كان رسول الله rيخطب إلى جذع نخلة، فقالت له امرأة من الأنصار: يا رسول الله، إن لي غلاما نجارًا أفلا آمره يصنع لك منبرًا؟ قال: «بلى»، فاتخذ منبرًا، فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر، قال: فأنّ الجذع الذي كان يقوم عليه كأنين الصبي، فقال النبي r: «إن هذا بكى لما فقد من الذكر»(60).

  وعن عائشة قالت: «نعم النساء نساء الأنصار؛ لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين ويتفقهن فيه»(61).

  ويروي عبد الله بن مسعود موقفًا شهده فقال: دخل رسول الله rالمسجد ومعه نسوة من الأنصار، فوعظهن، وذكرهن، وقال: «ما منكن من امرأة يموت لها ثلاثة من الولد إلا دخلت الجنة»، فقامت امرأة هي من أجلهن، فقالت: يا رسول الله، فذات الاثنين؟ قال: «وذات الاثنين»(62).

  ويروي جابر بن عبد الله: شهدت مع رسول الله rالصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: «تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم»، فقامت امرأة من سطة (أي أوسط) النساء سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير»، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن(63).

  وعن أسماء بنت يزيد، قالت: حدثنا رسول الله rيوما عن الدجال، فقامت امرأة فقالت: يا رسول الله، إني لأعجن عجين أهلي فما أظن يبلغ حتى تخرج نفسي، فقال: «إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي فالله خليفتي على كل مسلم»(64).

  ويروي أبو هريرة موقفًا شهده فقال: قال رسول الله r: «عسى أحدكم يخبر بما صنع بأهله؟ وعسى إحداكن أن تخبر بما يصنع بها زوجها». فقامت امرأة سوداء فقالت: يا رسول الله، إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن، فقال رسول الله r: «ألا أخبركم بمثل ذلك؟ إنما مثل ذلك كمثل شيطان لقي شيطانة فوقع عليها في الطريق والناس ينظرون، فقضى حاجته منها والناس ينظرون»(65).

  المرأة تطبب الرجال في مسجد الرسول r:

  وهذا حديث يحتاج إلى تأمل ويدل دلالة واضحة على أننا كمسلمين قد بعدنا كثيرًا عن السنة في مكانة النساء في المساجد ودورهن المنشود:

   فعن محمود بن لبيد قال: لما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فثقل، حولوه عند امرأة يقال لها: رفيدة، وكانت تداوي الجرحى، فكان النبي rإذا مر به يقول: «كيف أمسيت؟» وإذا أصبح: «كيف أصبحت؟» فيخبره(66).

امرأة أصابت ورجل أخطأ:

  واستمر الحال على هذا بعد عهد النبي r، وقصة عمر والمهور مشهورة، فقد ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله r، ثم قال: أيها الناس، ما إكثاركم في صداق النساء، وقد كان رسول الله rوأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفن رجل زاد في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال: ثم نزل، فاعترضته امرأة من قريش (وفي رواية: طويلة فيها فطس) فقالت له: يا أمير المؤمنين، نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم. فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (النساء: 20)، قال: فقال: اللهم غفرانك، كل الناس أفقه من عمر (وفي رواية: امرأة أصابت ورجل أخطأ)(67).

  واستمرت كذلك سنة ضرب الفساطيط للاعتكاف ولغيره من الأهداف الاجتماعية، فقد ضرب عبد الله بن الزبير لاحقًا فسطاطًا في المسجد، فكان فيه نساء يسقين الجرحى ويداوينهم ويطعمن الجائع، كما يروي التاريخ(68).

انحراف والتعامل التربوي معه:

  على أن الأحاديث التي أوردناها وأمثالها لا تعني أن مجتمع المدينة كان خاليًا من الانحرافات، حتى في إطار المسجد، ففي المستدرك على الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانت تصلي خلف رسول الله rامرأة حسناء من أحسن الناس، وكان بعض القوم يستقدم في الصف الأول لأن لا يراها، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع، قال هكذا، ونظر من تحت إبطه وجافى يديه، فأنزل الله Uفي شأنهم: (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) (الحجر: 24)(69).

ونلاحظ هنا أنه رغم التجاوز الذي حدث من بعض الرجال في النظر إلى تلك المرأة الحسناء أثناء الصلاة، إلا أن التعامل مع الانحراف كان بالنصيحة والتذكير برقابة الله تعالى على عباده، ولكن القواعد الحاكمة للتعامل بين الرجال والنساء في المسجد لم تتغير، فضلاً عن تصميم المسجد نفسه.

وفي عصرنا، خاصة في بلاد الأقليات وخاصة في الغرب، الواقع المعيش يقول إنه لا تحدث تجاوزات في تعامل الرجال والنساء في المسجد إلا نادراً، والنادر لا حكم له، لأن الفرد في الغرب يمكنه أن يذهب إلى أماكن محددة ومعروفة في تلك المجتمعات تتوافر فيها كل المنكرات، والعياذ بالله، ولا يحتاج الإنسان في الغرب أن يأتي إلى المسجد من أجل النظر إلى الحرام.

الذرائع كما تُسد تُفتح:

وأما من يحتج بأن احتمال فتنة الشـباب والفتيات أعلى في هذا التعامل المتاح بينهم في المسجد، فالرد عليهم أن هناك حاجة ماسة واقعية – يعرفها كل من عاش في الغرب – إلى إتاحة النظر المشـروع بين الشباب والفتيات في أجواء المسـجد، وهذه الحاجة الماسة هي في إتاحـة فرص الزواج بين شباب وفتيات المسجد. ولعل أحد أسباب زواج المسلمين من الشباب والفتيات في بلاد الغرب من غير المسلمين – وهي ظاهرة انتشرت مؤخراً للأسف كما يعرف من يعيش في الغرب – هو عدم إتاحة الفرصة للتعارف بين شباب وفتيات المسلمين وعدم التفاعـل بينهـم في إطار المناسـبات العباديـة والاجتماعية والعلميـة بما يفتح أبواب الزواج. وسـنة الرسـول rلا تسد تلك الذريعة بل تفتحهـا. فعن المغيرة بن شـعبة قال: خطبت امرأة، فقال لي النبـي: «هلنظرت إليها؟» فقلت: لا. فقال: «فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»(70).

  وإذا حدث نظر غير مشروع وخيفت الفتنة – لا قدر الله– فلا أدل على معالجة الأمر من حديث المرأة الخثعمية، فعن عبد الله بن عباس قال: أردف رسول الله rالفضل بن عباس يوم النحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئًا، فوقف النبي للناس يفتيهم، وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول الله، فطفق الفضل ينظر إليها، وأعجبه حسنها، فالتفت النبي والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل، فعدل وجهه عن النظر إليها..(71).

ولكن الواقع المعيش يدلنا على أن الشاب والفتاة إذا تعارفا في المسجد في بلاد الأقليات فإنهما لا ينحرفان– إن شاء الله – وإنما الزواج هو الشيء الطبيعي الذي يخطر على البال.

خلاصة:

الأحاديث السابقة كلها تدل على تعامل طبيعي بين الرجال والنساء، بل ووصف محايد ومن دون حرج لحسن المرأة أو وضاءة وجهها أو سواد لونها أو سَفْع في خديها أو فَطَس في أنفها أو طول قامتها، وهلم جراً. وحين حدث تجاوز من بعض الرجال في النظر إلى النساء في المسجد أو خارجه لم يأمرهن رسول الله rأن يغطين وجوههن ولم يأمر بستار ولا حائط أن يوضع في المسجد بين الرجال والنساء لتجنب الفتنة المحتملة، وإنما ظلت مصلحة أن يكون الرجال والنساء في نفس باحة المسجد أعلى من التجاوزات الفردية، وظلت أسئلة النساء وتعليقاتهن ومشاركاتهن مفيدة للجميع. بل إن التعامل الطبيعي في إطار المسجد يفتح ذريعة الزواج لشباب وفتيات المسجد وهو حل دون تكلف لإشكالية اجتماعية خطيرة وموجودة.

المسألة الرابعة

لباس المرأة في المسجد

أسئلة فرعية لاستكمال الصورة:

في ما يلي من صفحات نعرض باختصار لعدد من الأسئلة الفرعية التي تتعلق بفقه المرأة المسلمة في المسجد، رأيت أن أضمها لهذا البحث من باب استيفاء أسئلة تتعلق بالمرأة في المسجد، رغم أنها أسئلة شائعة أجاب عنها أهل العلم من السلف والخلف باستفاضة مما سأنقله هنا مختصراً للفائدة. والسؤال هنا هو: هل هناك لباس خاص للمرأة في الصلاة أو في المسجد إلا الحجاب الشرعي المعروف؟ الحق أنه ليس هناك دليل من سنة الرسول rأن لباس المرأة في الصلاة أو في المسجد يختلف عن لباسها الشرعي المعروف.

المرأة تأتي المسجد بالخمار ودون تعطر:

  فعن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور: 31)، شققن مروطهن فاختمرن بها، وقالت: كن نساء المؤمنين يشهدن مع رسول الله rصلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة(72).

  والتشديد الوحيد على خصوصية المسجد، كان نهيًا منه rعن التعطر بشكل لافت للمسجد:

   فعن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: قال لنا رسول الله r: «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا»(73).

   وفي رواية: عن أبي هريرة عن النبي rقال: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن إذا خرجن تفلات»(74).

  وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهدن معنا العشاء». وفي رواية «عشاء الآخرة»(75).

  ولقي أبو هريرة امرأة وجد منها ريح الطيب ينفح ولذيلها إعصار، فقال: يا أمة الجبار، جئت من المسجد؟ قالت: نعم، قال: وله تطيبت؟ قالت: نعم، قال: إني سمعت حبي أبا القاسم  rيقول: «لا تقبل صلاة لامرأة تطيبت لهذا المسجد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة»(76).

  ولكن هذا النهي ليس خاصًا بالمسجد على أي حال، فعن أبي موسى الأشعري tقال: قال رسول الله r: «أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية»(77).

خلاصة:

ليس هناك لباس خاص بالمرأة في المسجد ولا الصلاة فيه إلا اللباس الشرعي المعتاد.

المسألة الخامسة

حكم الجمع والجماعات للمرأة في المسجد

استقر الأمر في الفقه الإسلامي أنه ليس على المـرأة شـهود الجمع والجماعات كما هو على الرجل، لما ورد عن الرسول rمن أحاديث من قبيل: “الجمعة حق واجب على كل مسـلم في جماعـة إلا أربعة: عبد مملـوك، أو امـرأة، أو صبي، أو مريـض”، و”من كان يؤمـن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا على امرأة أو صبـي أو مملوك أو مريض”، و”ليس على النساء جمعة”، وغيرها(78). ورغم الإجماع على عدم وجوب الجمعة على المرأة، إلا أنه يستحب لها حضورها إذا سمحت لها الظروف(79).

أما الجماعات فهي مندوبة للرجال والنساء على السواء، وليس هناك دليل على التفريق بينهم في هذا، وهي تحت عموم قوله r: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة»(80). وعن أبي هريرة tقال: قال رسول الله r: «صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعًا وعشرين درجة؛ وذلك بأنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، لا ينهزه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفع بها درجة، أو حطت عنه بها خطيئة، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي يصلي فيه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه ما لم يحدث فيه، ما لم يؤذ فيه». وقال: «أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه»(81).

المسألة السادسة

بقاء الحائض في المسجد

اختلف العلماء في مسألة دخول الحائض المسجد من عدمه، ولأستاذنا الشيخ يوسف القرضاوي فتوى في هذا الشأن أنقلها هنا للفائدة. كتب يقول:

اختلف الفقهاء كثيرا في لبث الجنب والحائض في المسجد بلا وضوء، لقوله تعالى: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) (النساء: 43). ومعنى (عابري سبيل). أي: مجتازي طريق.

   وأجاز الحنابلة اللبث للجنب في المسجد إذا توضأ، لما روى سعيد بن منصور والأثرم عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله rيجلسون في المسجد وهم مجْنبون إذا توضأوا وضوء الصلاة.

  وهناك من الفقهاء من أجازوا للجنب وكذلك للحائض والنفساء اللبث في المسجد بوضوء أو بغير وضوء؛ لأنه لم يثبت في ذلك حديث صحيح، وحديث: «إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب». ضعفوه، ولا يوجد ما ينهض دليلا على التحريم، فيبقى الأمر على البراءة الأصلية.

   وإلى هذا ذهب الإمام أحمد والمزني وأبو داود وابن المنذر وابن حزم، واستدلوا بحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما: «المسلم لا ينجس».

  وكذلك قياس الجنب على المشرك، فقد أجيز للمشرك وغير المسلم دخول المسجد، فالمسلم الجنب أولى.

  وأنا أميل إلى هذا اتباعا للأدلة، وجريا على منهجنا في التيسير والتخفيف، وخصوصا على الحائض، فإنها أولى بالتخفيف من الجنب؛ لأن الجنابة يجلبها الإنسان باختياره، ويمكنه وقفها باختياره أي بالغسل، بخلاف الحيض، فقد كتبه الله على بنات آدم، فلا تملك المرأة أن تمنعه، ولا أن تدفعه قبل أوانه، فهي أولى بالعذر من الجنب. وبعض النساء يحتجن إلى المسجد لحضور درس أو محاضرة أو نحو ذلك، فلا تمنع منه(82).

والحديث الذي أشار إليه أستاذنا الشيخ القرضاوي هنا: «فإني لا أحل المسـجد لحائـض ولا جنب»، هو شـطر من حديث رواه أبو داود بإسـناده من حديث دجاجة قالت: سمعت عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تقول: جاء رسـول الله rووجوه بيوت أصحابنا شارعة في المسجد فقال: “وجهوا هذه البيوت عن المسجد”، ثم دخل النبي rولم يصنع القوم شـيئا رجاء أن ينـزل لهم رخصة، فقام إليهـم بعد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسـجد فإني لا أحل المسـجد لحائض ولا جـنب (وفي رواية: إلا لمحمد وآل محمد). ولكن هذا الحديث ضعيف كما ذكر رغم استدلال بعض الفقهاء به، فقد ضعفه البخاري وأحمـد والبيهقي، والألباني في عصرنا(83).

وقد ذكرنا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن وليدة كانت سوداء لحي من العرب، فأعتقوها… فجاءت إلى رسول الله rفأسلمت، قالت عائشة: فكان لها خباء في المسجد…(84)، قال ابن حزم رحمه الله مبيناُ وجه الدلالة من هذا الحديث على مسألة بقاء الحائض في المسجد: فَهَذِهِ امْرَأَةٌ سَاكِنَةٌ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ rوَالْمَعْهُودُ مِنْ النِّسَاءِ الْحَيْضُ فَمَا مَنَعَهَا عَلَيْهِ الصلاة والسَّلامُ مِنْ ذَلِكَ وَلا نَهَى عَنْهُ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْهَ عَلَيْهِ الصلاة والسَّلامُ عَنْهُ فَمُبَاح(85).

خلاصة:

يجوز للحائض دخول المسجد والبقاء فيه وقراءة القرآن وسائر الأعمال المشروعة إلا الصلاة.

المسألة السابعة

حكم إمامة المرأة للنساء وللرجال وأذانها وإقامتها للصلاة

الأسئلة الشائعة في هذا الباب تتعلق بإمامة المرأة إذا صلت النساء وحدهن في جماعة، وإمامة المرأة إذا صلت النساء مع الرجال. والأسئلة المتعلقة بهذه المسألة على ضربين أحدهما جماعي في المسجد والثاني فردي في البيت. أما الجماعي فهناك من ينادي خاصة في الغرب أن تؤم المرأة الصلوات الراتبة في المساجد كما يؤم الرجل، وتخطب الجمعة وتؤمها. بل إن هذا يحدث فعلاً في أمريكا وكندا في مسجدين أو ثلاثة. وأما السؤال الفردي فيأتي من أخوات عربيات يتزوجن رجالاً من غير العرب خاصة ممن اعتنقوا الإسلام حديثاً، وتقول إحداهن: أنا أقرأ القرآن جيداً وهو غير قارئ وهو لا يمانع أن أؤمه في صلواتنا معاً فهل يجوز لي أن أؤمه في الصلاة؟ وهناك مسألة تتعلق بجواز أذان المرأة وإقامتها للنساء أو للنساء والرجال.

إمامة المرأة للنساء في الصلاة:

أما إمامة المرأة للنساء في الصلاة، فقد روى الشافعي 315، وابن أبي شـيبة 2/88،وعبد الرزاق 5082 من طريقين، عن عمار الدهني، عن امرأةٍ من قومه يقال لها حجيرة، عن أم سلمة أنها أمتهن، فقامت وسطاً. ولفظ عبد الرزاق: أمتنا أم سلمة في صـلاة العصر فقامت بيننا. وقال الحافظ ابن حجـر في “الدراية” 1/166 وأخـرج محمد بن الحصين من رواية إبراهيم النخعي عن عائشة أنها كانت تؤم النسـاء في شهر رمضان، فتقوم وسـطاً. وروى عبد الرزاق 5083 عن إبراهيم بن محمد، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: تؤم المرأة النساء تقوم في وسـطهن. وقال في المغني: اختلفت الرواية: هل يسـتحب أن تصلي المرأة بالنساء جماعة؟ فروي أن ذلك مستحب، وممن روي عنه أن المرأة تؤم النسـاء: عائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو ثور، وروي عن أحمد رحمـه الله أن ذلك غير مسـتحب وكرهه أصحاب الرأي، وإن فعلت أجزأهن، وقال الشعبـي والنخعي وقتادة: لهن ذلك في التطـوع دون المكتوبة(86).

وروى الحاكم في مستدركه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانـت تـؤذن، وتقيـم، وتـؤم النساء(87).

حديث لا تؤمنّ امرأة:

عن جابر بن عبد الله رضـي الله عنهما قال: خطبنا رسـول الله rفقال:لا تؤمن امرأة رجـلاً، وفي رواية: أَلا لا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلاً، وَلا يَؤُمَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِـرًا، وَلا يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا، إِلاَّ أَنْ يَقْهَرَهُ سُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَـوْطَه(88). قال الأرناؤوط معلقاً: إسناده تالف، علي بن زيد بن جدعان ضعيف، وعبد الله بن محمَّد العدوي الراوي عنه متروك وقد اتهمه بعضهـم، والوليـد بن بكـير لين الحديـث. وعلـق محمـد فـؤاد عبدالباقي: إسناده ضعيـف لضعف علي ابن زيـد بن جدعان وعبد الله ابن محمد العدوي الراوي.

  وهناك حديث ضعيف آخر في نفس المعنى في مصنف ابن أبي شيبة: حدثنا أبو بكر قال: حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن مولى لبني هاشم عن علي، قال: “لا تؤم المرأة”(89).

أخروهن من حيث أخرهن الله:                            

  “أخروهن من حيث أخرهن الله” ليس حديثًا، ولا يصح الاحتجاج به في هذه المسألة، وإنما هو قول روي في الموطأ عن ابن مسعود قال: أخروهن من حيث أخرهن الله(90).

   وفي مصنف عبد الرزاق عن ابن مسعود قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة لها الخليل تلبس القالبين تطول بهما لخليلها، فألقي عليهن الحيض، فكان ابن مسعود يقول: أخروهن حيث أخرهن الله. فقلنا لأبي بكر: ما القالبين؟ قال رفيصين من خشب(91). وفي صحيح ابن خزيمة: قال أبو بكر: الخبر موقوف غير مسند(92).

حديث أم ورقة وكانت تؤم أهل دارها:

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا وكيع بن الجراح، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع، حدثتني جدتي وعبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم ورقة بنت نوفل: أن النبي rلما غزا بدرا قالت: قلت له: يا رسول الله، ائذن لي في الغزو معك، أمرض مرضاكم، لعل الله يرزقني شهادة، قال: «قري في بيتك، فإن الله Uيرزقك الشهادة». قال: فكانت تسمى الشهيدة. قال: وكانت قد قرأت القرآن، فاستأذنت النبي rأن تتخذ في دارها مؤذنا، فأذن لها، قال عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرًا. رواه أبو داود ولم يضعفه وحسنه الألباني(93).

  وقد اختلف أهل الحديث في سند هذا الحديث: فقد نقل الأرناؤوط أن إسناده ضعيف لجهالة عبد الرحمن بن خلاد وجدة الوليد بن عبد الله بن جميع، واسمها ليلى بنت مالك، وأخرجه مطولًا ومختصرًا ابن سعد في “الطبقات” 457/8، وابن أبي شيبة 12/ 527-528، وأحمد 27282، وابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” 3366 و3367، والطبراني 25/326-327، والحاكم 1/203، والبيهقي في “السنن” 1/406 و3/130، وفي “الدلائل” 6/381 من طرق عن الوليد بن عبد الله بن جميع، بهذا الإسناد.

  ولكن هذا الحكم فيه نظر؛ لأن الحاكم روى نفس الحديث في “المستدرك”، ولفظه: وأمرها أن تؤم أهل دارها في الفرائض، وقال: لا أعرف في الباب حديثا مسندا غير هذا، وقد احتج مسلم بالوليد ابن جميع(94)، ورواه كذلك ابن خزيمة في صحيحه وحسنه الألباني(95)، وذكر ابن حبان عبد الرحمن بن خلاد وكذلك الوليد بن جميع في ثقاته(96).

  وقال الصنعاني في سبل السلام معلقًا على حديث أم ورقة: والحديث دليل على صحة إمامة المرأة أهل دارها، وإن كان فيهم الرجل، فإنه كان لها مؤذن وكان شيخًا كما في الرواية، والظاهر أنها كانت تؤمه وغلامها وجاريتها، وذهب إلى صحة ذلك أبو ثور والمزني والطبري وخالف في ذلك الجماهير(97).

  ورد ابن تيمية دعوى الإجماع التي ادعاها ابن حزم في عدم جواز إمامة المرأة للرجال بحال فقال: ائتمام الرجال الأميين بالمرأة القارئة في قيام رمضان يجوز في المشهور عن أحمد، وفي سائر التطوع روايتان(98). وكتب كذلك يقول: جوز أحمد في المشهور عنه أن المرأة تؤم الرجال لحاجة؛ مثل أن تكون قارئة وهم غير قارئين، فتصلي بهم التراويح، كما أذن النبي rلأم ورقة أن تؤم أهل دارها، وجعل لها مؤذنا، وتتأخر خلفهم وإن كانوا مأمومين بها(99).

  وكتب ابن قدامة في المغني يقول: قال بعض أصحابنا: يجوز أن تؤم (المرأة) الرجال في التراويح، وتكون وراءهم؛ لما روي عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث أن رسول الله rجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها، رواه أبو داود، وهذا عام في الرجال والنساء، ولنا قول النبي r: «لا تؤمن امرأة رجلاً». ولأنها لا تؤذن للرجال فلم يجز أن تؤمهم(100).وقد مر الكلام عن ضعف حديث «لا تؤمن امرأة رجلاً» الذي يستشهد به ابن قدامة هنا.

  ولكن إمامة المرأة للرجال في الصلاة – وهو أمر عبادي توقيفي – لم يرد إلا في مسجد الدار وليس في المسجد الجامع، وكانت مساجد الدور منتشرة بين الناس آنذاك، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: أمر رسول الله rببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب(101). وعن أنس tقال: لما انقضت عدة زينب بنت جحش رضي الله عنها قال رسول الله rلزيد: «اذكرها علي». قال زيد t: فانطلقت فقلت: يا زينب، أبشري، أرسل رسول الله rيذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أؤامر ربي. فقامت إلى مسجدها…(102).

أذان المرأة وإقامتها:

ورد في المستدرك على الصحيحين للحاكم عن عطاء، عن عائشة، أنها كانت «تؤذن، وتقيم، وتؤم النساء، وتقوم وسطهن»(103)، وورد نفس المعنى في عدة روايات أخرى.

ولكن هناك من منـع المرأة من الأذان والإقامـة أصلاً لحديث روي عَنْ أَسْمَـاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ r، قَالَ: “لَيْـسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلا إقَامَةٌ، وَلا جُمُعَةٌ، وَلا اغْتِسَالٌ، وَلا تَتَقَدَّمُهُـنَّ امْـرَأَةٌ، وَلَكِنْ تَقُومُ وَسَطَهُنَّ”.

ولكن ابْنِ مَعِينٍ قَالَ: الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّه ِبْن ِسَعْـدٍ لَيْسَ بِثِقَـةٍ وَلا مَأْمُـونٍ، وقال الْبُخَـارِيِّ: تَرَكُوهُ، وقال النَّسَـائِيّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَكَانَ ابْنُ الْمُبَـارَك يُوهِنُـهُ، وَهَذَا الْحَدِيـثُ أَنْكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي “التَّحْقِيقِ” فَقَالَ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُـولَ اللَّه r، قَالَ: “لَيْـسَ عَلَى النِّسَاءِ أَذَانٌ، وَلا إقَامَـةٌ”، وَهَذَا لا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا، إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُرْوَى عَنْ الْحَسَـنِ الْبَصْـرِيِّ. وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِـيّ(104). وبالتالي فلا يصـح الاحتجاج به.

  قال ابن قدامة: ليس على النساء أذان ولا إقامة، وكذلك قال ابن عمر وأنس وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين والنخعي والثوري ومالك وأبو ثور وأصحاب الرأي، ولا أعلم فيه خلافًا، وهل يسن لهن ذلك؟ فقد روي عن أحمد قال: إن فعلن فلا بأس، وإن لم يفعلن فجائز … وقال الشافعي: إن أذن وأقمن فلا بأس، وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم، وبه قال إسحاق(105).

والخلاصة أنه لا يجوز أن تؤم المرأة الرجال في المسجد الجامع ويجوز أن تؤمهم في مسجد البيت حسب الظروف خاصة إذا كانت قارئة وهم غير قارئين.

المسألة الثامنة

اشتراك المرأة في النشاط الاجتماعي والاعتكاف في المسجد

اشتراك المرأة في النشاط الخيري في المسجد:

عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء، قالت: أرسل رسول الله rغداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: «من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرا، فليتم بقية يومه». فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناها إياه عند الإفطار(106).

عن عائشة قالت: أصيب سعد يوم الخندق … فضرب النبي rخيمة في المسجد ليعوده من قريب(107). وكتب ابن حجر يقول: رسول الله rجعل سعدًا في خيمة رفيدة في مسجده، وكانت امرأة تداوي الجرحى، فقال: اجعلوه في خيمتها لأعوده من قريب(108).

وعن جابر موقفًا شهده فقال: كان رسول الله rيخطب إلى جذع نخلة فقالت له امرأة من الأنصار: يا رسول الله، إن لي غلاما نجارًا، أفلا آمره يصنع لك منبرًا؟ قال: «بلى»، فاتخذ منبرًا، فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر، قال: فأنّ الجذع الذي كان يقوم عليه كأنين الصبي، فقال النبي r: «إن هذا بكى لما فقد من الذكر»(109).

اشتراك المرأة في النشاط الاحتفالي في المسجد:

عن عائشة قالت: كان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب فإما سألت النبي rوإما قال: تشتهين تنظرين؟ قلت نعم، فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال: حسبك؟ قلت: نعم(110).

اشتراك المرأة في جمع الصدقات في المسجد:

ويروي جابر بن عبد الله: شهدت مع رسول الله rالصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، بغير أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئًا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: «تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم»، فقامت امرأة من سطة (أي أوسط) النساء سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: «لأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير»، قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن(111).

اشتراك المرأة في تنظيف المسجد:

عن أبي هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد فماتت فسأل النبي rعنها فقالوا ماتت. أفلا كنتم آذنتموني؟ دلوني على قبرها فأتى قبرها وصلى عليها(112).

وعن أنس بن مالك قال: رأى رسول الله rنخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها وجعلت مكانها خلوقا، فقال رسول الله r: «ما أحسن هذا»(113).

اعتكاف المرأة في المسجد وزيارتها للمعتكف:

قال عز وجل: (وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ) (الحج: 25). وقال تعالى: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) (البقرة: ).

   وعن عائشة أن النبي rكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده(114).

   وعنها رضي الله عنها قالت: كان النبي rيعتكف في العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء، فأذنت لها، فضربت خباء، فلما رأته زينب ابنة جحش ضربت خباء آخر، فلما أصبح النبي rرأى الأخبية، فقال: «ما هذا؟» فأخبر، فقال النبي r: «ألبر ترون بهن». فترك الاعتكاف ذلك الشهر، ثم اعتكف عشرا من شوال(115).

وأَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ – زَوْجَ النَّبِيِّ r- أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ rتَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبِيُّ rمَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ المَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ، مَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ r: «عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ»، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ…(116).

خلاصة:

يجوز للمرأة أن تحضر النشاط الاجتماعي والخيري والترفيهي العام في المسجد وتجلس مع محارمها خلاله، وأن تعتكف في خباء في المسجد وتزور المعتكف.

المسألة التاسعة

إلقاء المرأة لدروس العلم للرجال والنساء في المسجد

كان النبي rهو الذي يتولى التعليم والتوجيه في مسجده في عهده r، ثم تولى صحابته من بعده تلك المهمة. ورغم أنه لم ترد بعد عهد النبي rروايات فيها صورة منظمة لتولي المرأة التدريس والوعظ في المسجد، إلا أن هناك مئات بل ألوف الروايات للحديث النبوي على صاحبه الصلاة والسلام التي دخلت في روايتها النساء، هذا فضلاً عن عشرات بل مئات الأحاديث التي تدل على أن الصحابيات خاصة أمهات المؤمنين ظللن مرجعاً لسنة النبي r. والجو العلمي الذي شاركت فيه المرأة المسلمة بعد عصر النبي rكان من سماته تتلمذ الرجال من المحدثين على الصحابيات والتابعيات اللاتي روين السنة عن رسول الله r.

  وقد كتبت الباحثة آمال قرداش كتابًا متميزًا بعنوان: “دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى”، ذكرت فيه محدثات من التابعيات وغيرهن ممن تتلمذ على أيديهن أئمة الحديث الكبار، كفاطمة بنت الإمام مالك بن أنس، وخديجة أم محمد، وزينب بنت سليمان الهاشمية، وزينب بنت سليمان بن أبي جعفر المنصور، وأم عمر الثقفية، وأسماء بنت أسد بن الفرات، وصليحة بنت أبي نعيم الفضل بن دكين، وسمانة بنت حمدان الأنبارية، وعبدة بنت عبد الرحمن بن مصعب، وأحصت في روايات الأئمة عن الصحابيات رضي الله عنهن أن البخاري قد روى عن إحدى وثلاثين صحابية في جامعه الصحيح، وروى مسلم عن ست وثلاثين صحابية في جامعه الصحيح، وروى أبو داود عن خمس وسبعين صحابية في سننه، وروى الترمذي عن ست وأربعين صحابية في سننه الجامع، وروى النسائي عن خمس وستين صحابية في سننه “المجتبى”، وروى ابن ماجه عن ستين صحابية في سننه، ثم كتبت تقول:

  لم تتراجع الرواية (عن النساء) إلا بعد وفاة أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعًا، وقد كن مزارة للنساء وملاذًا لطالبات العلم، إلا أن الرواية (عن النساء) بقيت بكثافة أخف حتى ذهاب جميع صغار الصحابة ممن تأخرت وفاتهم، كأنس، وعبد الله بن أبي أوفى، وابن عمر، وغيرهم(117).

وهذا التراجع الذي رصدته الباحثة هنا حدث في الواقع مع تراجع الحضارة الإسلامية نفسها، ولكن التفاصيل الكثيرة وراء كل هذه الأعلام من النساء في ذلك العصر الذهبي تدل على أهمية الدور الذي تؤديه المرأة المسلمة حين تتصدى للعلم والتعليم.

والخلاصة أنه ليس هناك دليل على منع المرأة من أن تلقي دروس العلم للرجال والنساء في المسجد، بل إن التاريخ يدلنا على أن نشاط المرأة العلمي كان قريناً لازدهار الحضارة الإسلامية نفسها.

المسألة العاشرة

تولي المرأة إدارة المسجد تعييناً أو انتخاباً

استقر في أذهان كثير من المسلمين – وبعضهم من أهل العلم للأسف – أن المرأة غير مؤهلة لقيادة دولة ولا مؤسسة ولا حتى سيارة. وهذا الحكم سببه الخلط بين خصوصية بعض الأحكام الشرعية التي فيها تفريق بين الرجال والنساء لاعتبارات معينة وبين أصل التساوي بين الرجال والنساء في حمل مسؤوليات هذا الدين، بل وحقيقة أن كثيراً من النساء مؤهلات للقيام بأدوار قيادية إسلامية أكفأ من كثير من الرجال، وهذا ما يؤكده بوضوح الواقع المعيش خاصة في بلاد الأقليات الإسلامية.

وقد نشر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بحثاً لأستاذنا الدكتور على محيي الدين القره داغي تحت عنوان “المرأة والمشاركة السياسية والديمقراطية”، ناقش فيه باستفاضة آراء المجيزين والمانعين لتولي المرأة المناصب القيادية، ثم كتب يقول:

والذي يظهر لي رجحانه هو أن الأصل هو التكامل من خلال توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة، دون الإحساس بأن دور أي منهما يقل عن الآخر، فالبقاء البشري مرهون بأن تقوم المرأة بالحمل والإنجاب ورعاية الأسرة، فهذا هو من أعظم الأدوار في الدنيا والآخرة، فهو دور تربية الرجال وصناعة الأجيال … ومع الحفاظ على هذا الدور العظيم المبارك فإن المرأة لها الحق في المشاركة السياسية، وفي شغل المناصب القيادية ما عدا الإمامة العظمى إذا توافرت الشروط الآتية:

* توفير الأجواء المناسبة شرعًا التي تدرأ من حيث الظاهر المفاسد والمحظورات الشرعية: من الخلوة المحرمة، والنظر، ونحو ذلك .

* التزام المرأة التي تريد الولاية بضوابط الشرع، بالأخلاق والقيم الإسلامية، وفي الملبس ونحوه.

* أن لا تكون مشاركتها السياسية وولايتها العامة على حساب أولادها وأسرتها، وبعبارة أخرى فإن أهم ولاية ودور للمرأة هي صناعة الأجيال وتربية الرجال والأبطال، وتوفير السكنى والأمن لزوجها ولنفسها ولأسرتها، أما إذا تعارضت المشاركة مع هذا الدور الأساس الأصيل، فإنها تصبح محظورة في نظري .

وبهذه الشروط الشرعية يجوز في نظري المشاركة السياسية للمرأة، وتولي المناصب القيادية المناسبة لفطرتها وبنيتها، بل إن بعض المناصب التربوية والتعليمية تكون المرأة فيها أولى من الرجال(118).

والأمر الذي نناقشه هنا حول تولي المرأة مناصب القيادة في إدارة المسجد وجمعيات الجاليات الإسلامية أهون كثيراً من المناصب السياسية والوزارية والقضائية التي رجح الشيخ القره داغي جوازها، وهو الرأي الذي يحقق استفادة الأقليات المسلمة من المرأة المسلمة وقدراتها وإسهامها الخيري والدعوي.

خلاصات البحث:

يمكن أن نخرج من هذا البحث بعدد من الخلاصات النافعة إن شاء الله تعالى، نوجزها في ما يلي:

* المساجد في بلاد الأقليات لها أهمية أكبر من المساجد في بلاد الأكثريات، إذ هي محور علاقة المسلم في هذه البلاد بالإسلام، والمرأة المسلمة في بلاد الأقليات هي سفير للإسلام وممثل له.

* منع النساء من المساجد في هذا العصر بدعة مقيتة تضر بالإسلام أيما ضرر، ولابد من عودة المرأة المسلمة إلى المسجد، ولا يجوز منعها جماعياً أو فردياً.

* نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تدل على حض المسلمين ذكوراً وإناثاً دون تمييز على عمارة المسجد وذكر الله والصلاة فيه، والصحابيات رضي الله عنهن كن جزءاً لا يتجزأ من المسجد ونشاطه العبادي والعلمي والاجتماعي.

* حديث عائشة رضي الله عنها «لو أدرك رسـول الله ما أحـدث النسـاء لمنعهن» كان من باب سد الذرائع في حالة طارئة في عصرها ولم تقصـد إلغـاء الإباحـة أو الندب الأصليين.

* الذريعة في هذا العصر ينبغي أن تفتح بدلاً من أن تسد، فتيسر السبل وتذلل العقبات التي قد تعوق المرأة عن حضور المسجد حتى تحقق مقاصد المسجد في الإسلام.

*  حديث أم حميد الذي ينص على أن صلاتها في بيتها خير من صلاتها في المسجد هو من باب النصح لها لحل خلاف زوجي خاص ولا يقصد به التشريع العام الذي يلزم كل مسلمة.

* حديث فاطمة رضي الله عنها “لا يراها رجل” وما في معناه ضعيف سنداً ومعنى.

* لا يصح أن يكون ذهاب المرأة إلى المسجد على حساب واجباتها الأكثر أولوية شرعاً تجاه أسرتها وأولادها، ولابد للزوج أن يتعاون معها بما لا يخل كذلك بواجباته الأكثر أولوية شرعاً، والمسألة تحتاج إلى توازن واعتدال.

* التصميم الشائع للمسجد الذي تقتضي عزل النساء في غرف ضيقة ومداخل خلفية للمسجد تعطي انطباعاً واضحاً للزوار من غير المسلمين وكذلك للشباب والفتيات الذين نشأوا في تلك البلاد وكأن الإسلام “يهمش” و”يعزل” المرأة، وينبغي أن يتغير هذا التصميم.

* تصميم المسجد في عهد الرسول rكان تصميماً مفتوحاً فيه يصطف الرجال في صفوف تبدأ من خلف الإمام وتصطف النساء في صفوف تبدأ من مؤخرة المسجد، ودون حوائط ولا ستائر، رغم قدرتهم على وضعها.

* كانت النساء على عهد الرسول rوما بعده يرين الإمام في نفس الساحة، مما ساعدهن على التلقي والتواصل والتركيز، بل وحفظ القرآن من تلاوة الإمام.

* حديث «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها» لا يدل إلا على أفضلية التبكير إلى الصلاة وهو أيضاً مرتبط بظرف تاريخي كان فقر الصحابـة yلا يسـمح لهم بامتلاك أزر طـويلة بما يكفـي تمام الستر في السجود.

* مرور امرأة أمام رجل يصلي لا يقطع صلاته وليس عليه إعادة الصلاة، والحديث المروي في عكس هذا المعنى ردته أم المؤمنين عائشة بناء على ما علمت من سنة الرسول r.

* للأطفال أن يصطفوا صفوفاً خاصة في المسجد ويجوز أن يؤم القراء منهم الصلاة، وتوجيه البالغ للطفل خلال الصلاة له أصل من سنة الرسول r.

* عادات بعض المجتمعات الإسلامية في منع الأطفال من المساجد تخالف صريح سنة الرسول r.

* الأصل أن أبواب المسجد مشتركة بين الرجال والنساء، والأولى في هذا العصر خاصة في بلاد الأقليات أن يكون مدخل المسجد الرئيس مفتوحًا للجميع رجالاً ونساء، حتى لو اقتضت الظروف أن يكون هناك باب إضافي مخصص للنساء.

* يحرم أن يسيئ الرجال القول إلى النساء أو يعاملوهن بفظاظة إذا دخلن من ما يسمونه “أبواب الرجال” كما نرى في واقعنا.

* سنة المصطفي rفي مسجده تدلنا على تعامل طبيعي بين الرجال والنساء في المسجد في الشؤون الدينية والاجتماعية المختلفة، والتجاوزات الفردية التي حدثت من بعض الرجال أو النساء كان التعامل معها بالنصيحة والتذكير دون تغيير في تصميم المسجد نفسه.

* إتاحة النظر المشروع بين الشباب والفتيات في أجواء المسجد تفتح ذرائع الزواج بين أولاد المسلمين وهو مهم.

* في أحاديث المساجد وصف دون حرج لحسن المرأة أو وضاءة وجهها أو سواد لونها أو سَفْع في خديها أو فَطَس في أنفها أو طول قامتها، مما يدل على حدود التعامل الطبيعي بين الرجال والنساء في إطار المسجد.

* ليس هناك لباس خاص للمرأة في الصلاة أو في المسجد إلا الحجاب الشرعي المعروف، والتشديد الوحيد على خصوصية المسجد كان نهياً منه rعن التعطر بشكل لافت.

* استقر الأمر في الفقه الإسلامي أنه لا يجب على المرأة شهود الجمع والجماعات كما هو الحال على الرجل، ولكن يندب للمرأة حضور الجمع والجماعات إذا لم يكن هناك عائق يعوقها عن حضورها.

* يجوز للحائض دخول المسجد والبقاء فيه وقراءة القرآن وسائر الأعمال المشروعة إلا الصلاة.

* إمامة المرأة للنساء في الصلاة مشروعة، وتؤذن لهن وتقيم. وحديث “لا تؤم المرأة” ضعيف.

* لا يصح أن تؤم المرأة الرجال في المسجد الجامع ويجوز أن تؤمهم في مسجد البيت حسب الظروف.

* للمرأة أن تحضر النشاط الاجتماعي والخيري والترفيهي في المسجد وتجلس مع محارمها خلاله.

* للمرأة المسلمة أن تعتكف في خباء في المسجد وتزور المعتكف.

* للمرأة أن تلقي دروس العلم للرجال والنساء في المسجد.

* للمرأة أن تتولى إدارة المسجد تعييناً وانتخاباً.

والحمد لله رب العالمين

* * *

الهوامش

(1) تفسير ابن كثير (6/ 67).

(2) مختار الصحاح (ص: 119).

(3) لسان العرب (11/ 267).

(4) البخاري كتاب الصلاة 2/195 ومسلم كتاب المساجد 2/118.

(5) مسلم كتاب الفتن 8/205.

(6) البخاري كتاب الوضوء 1/300 ومسلم كتاب صلاة الكسوف 3/32. 

(7) البخاري كتاب المغازي 8/416 ومسلم كتاب الجهاد 5/160.

(8) فتح الباري 8/415.

(9) البخاري 1/95-96.

(10) البخاري 1/173.

(11) مسلم كتاب الكسوف 3/32.

(12) مسند أحمد 44/511. قال الأرناؤوط: حديث صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام مولاة أسماء – ووقع في بعض الروايات: “مولى أسماء”، وقد ترجم له الحافظ المزيفي “تهذيب الكمال” في المبهمين من الرجال، وقال: إن لم يكن عبد الله بن كيسان، فلا أدري من هو – وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين.

(13) البخاري كتاب الجنائز 3/479 إلى كلمة “ضجة”، ثم روى الباقي النسائي 7/200 من الوجه الذي أخرجه منه البخاري.

(14) البخاري كتاب المغازي 8/416 ومسلم كتاب الجهاد 5/160.

(15) مسلم كتاب الجنائز 3/63.

(16) شرح النووي على مسلم 7/36.

(17) البخاري كتاب الصلاة 2/6، ومسلم كتاب الصلاة 1/327، وابن حبان 5/587، وفي الموطأ 1/197، وسنن البيهقي 3/199 وزاد: وليخرجن إذا خرجن تفلات، وصحيح ابن خزيمة 3/90 مثله، ومصنف ابن أبي شيبة 2/156 وزاد: ولا يخرجن إلا وهن تفلات، والمعجم الأوسط 1/178 وزاد: ولكن لا يأتينه إلا تفلات، ومعرفة السنن والآثار 4/237، وسنن الدارمي بإسناد حسن، وسنن أبي داود، وفي مسند أحمد عن أبي هريرة 15/405.

(18) فتح الباري 3/34.

(19) المعجم الكبير للطبراني 12/326 و12/399.

(20) الترمذي 1/709، ورواية البخاري 1/305: ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد.

(21) البخاري كتاب الصلاة 1/173 ومسلم كتاب الصلاة 1/328، وغيرهما.

(22) صحيح ابن حبان 2/815، وذكره ابن حجر في الفتح 2/495 وقال: أخرجه أحمد والطبراني وإسناد أحمد حسن.

(23) المدونة الكبرى 1/106.

(24) فتح الباري 2/495.

(25) المحلى 3/136.

(26) المغني 2/375.

(27) تحرير المرأة في عصر الرسالة 3/36.

(28) البيهقي 3/190، والطبراني في المعجم الكبير 25/148، والآحاد والمثاني 6/150.

(29) ضعيف الإسناد قال عنه الحافظ العراقي في تخريجه لأحاديث إحياء علوم الدين: رواه البزار والدارقطني في الأفراد من حديث علي بسند ضعيف.

(30) ابن كثير 2/54.

(31) راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد 3/609، ووفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 1/249-275.

(32) البخاري كتاب الجنائز 3/479 إلى كلمة “ضجة”، ثم روى الباقي النسائي 7/200 من الوجه الذي أخرجه منه البخاري.

(33) مسلم كتاب الفتن 8/205.

(34) مسلم كتاب الجمعة 3/13. 

(35) البخاري كتاب أبواب الأذان 2/388، ومسلم كتاب الصلاة 2/40.

(36) مسلم كتاب الفضائل4/1795.

(37) البخاري كتاب المناقب 7/442 ومسلم كتاب فضائل الصحابة 7/144.

(38) مسلم كتاب الكسوف 3/32.

(39) مسلم كتاب الصلاة 2/32، وغيره.

(40) أحمد 44/511. قال الأرناؤوط: صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لإبهام مولاة أسماء ووقع في بعض الروايات مولى أسماء، وقد ترجم له الحافظ المزيفي “تهذيب الكمال” في المبهمين من الرجال، وقال: إن لم يكن عبد الله بن كيسان، فلا أدري من هو وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين.

(41) صحيح ابن خزيمة 2/817، وموارد الظمآن 1/136.

(42) البخاري 5/150.

(43) راجع مثلاً: المجموع شرح المهذب 4/ 301، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 1/ 195، وغيرهم يقولون بنفس الحكم في نفس المسألة.

(44) مسلم 1/365، ومسند أحمد2/299، وعلق شعيب الأرنؤوط: صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين ووقع فيه اختلاف كبير على قتادة، وهو كذلك في صحيح ابن حبان 6/151 وسنن ابن ماجه 1/305، وغيرهما.

(45) سنن الدارقطني 2/196، ومثله في المعنى في سنن أبي داود والموطأ ومسند أحمد.

(46) مسند إسحاق بن راهويه 3/613، وصحيح ابن حبان 6/111، وسنن أبي داود 1/189. علق الألباني على رواية أبي داود: صحيح.

(47) مسلم 1/366.

(48) الأم 1/198.

(49) الموطأ رواية محمد بن الحسن 2/58.

(50) كشاف القناع عن متن الإقناع 1/ 330.

(51) سنن أبي داود 2/44.

(52) البخاري كتاب الصلاة 1/255.

(53) ابن حبان 6/221.

(54) البخاري 1/109.

(55) البخاري 1/143.

(56) كما ورد عن أنس tفي زوائد أبي يعلى الموصلي 3/ 202، ومثله في الصحيحين.

(57) أبو داود 1/348، باب اعتزال النساء في المساجد عن الرجال. قال الأرناؤوط: رجاله ثقات، إلا أن عبد الوارث –وهو ابن سعيد العنبري- قدخولف في رفعه (أي إلى النبي r)، فقد رواه إسماعيل ابن علية وبكير بن عبد الله بن الأشج عن نافع عن ابن عمر، وقد رجح المصنف وقفه على عمر. وأخرجه ابن حزم في “المحلى” 3/ 131، وابن عبد البر في “التمهيد” 23/ 397 من طريق المصنف، بهذا الإسناد. وأخرجه الطبراني في “الأوسط” (1018) من طريق أبي معمر، به. وأخرج البخاري في “التاريخ الكبير” 1/ 60 عن عمر قال: لا تدخلوا المساجد من باب النساء.

(58) البخاري كتاب الجنائز 3/479 إلى كلمة “ضجة”، ثم روى الباقي النسائي 7/200 من الوجه الذي أخرجه منه البخاري.

(59) الموطأ 1/24، ومسند أحمد 2/103 و 5/490 وفيها: ويشرعون فيه جميعاً، والنسائي في الطهارة 1/57 باب وضوء الرجال والنساء جميعاً، واين خزيمة في صحيحه 1/63.

(60) مصنف ابن أبي شيبة 6/319.

(61) جامع بيان العلم وفضله 1/ 375.

(62) المعجم الأوسط 6/158. ورواه النسائي عن أنس 2/400.

(63) مسلم كتاب العيدين 2/603.

(64) المعجم الكبير 24/173.

(65) مصنف ابن أبي شيبة 4/391.

(66) البخاري كتاب المغازي 8/416، وانظر فتح الباري 8/415، ومسلم كتاب الجهاد 5/160. وفي الأدب المفرد 385. قال الألباني: صحيح.

(67) مسند الفاروق لابن كثير 2/573، وزوائد أبي يعلى 2/335.

(68) المستدرك على الصحيحين للحاكم 3/634.

(69) المستدرك على الصحيحين 2/348، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي صحيح ابن خزيمة 2/818، وصحيح ابن حبان 2/126.

(70) شرح معاني الآثار 3/14، وهو في المستدرك2/179، وقال عنه الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وفي غيرهما.

(71) صحيحالبخاري 2/132 و 8/51.

(72) البخاري كتاب الصلاة 2/195 ومسلم كتاب المساجد 2/118.

(73) مسلم كتاب الصلاة 2/31. 

(74) صحيح ابن خزيمة 3/90.

(75) مسلم 1/328، والمسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم 2/65، وغيرهما.

(76) أبو داود 4/79.

(77) المستدرك على الصحيحين للحاكم وقال: وهو صحيح الإسناد ولم يخرجاه 2/430، قال الحاكم: هذا حديث أخرجه الصنعاني في التفسير عند قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النور: 30).

(78) المستدرك على الصحيحين للحاكم وقال: وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه 1/425، أبو داود 2/295، ومصنف ابن أبي شيبة 2/109، ومسند الشافعي 1/61.

(79) سبل السلام 2/58.

(80) صحيح البخاري 1/131.

(81) صحيح البخاري 3/66.

(82) القرضاوي. فقه الطهارة 100.

(83) البخاري التاريخ الكبير 1/786، والبيهقي 2/620، وأبو داود 1/60.

(84) البخاري 1/95-96.

(85) المحلى لابن حزم 1/776-777.

(86) المغني 3/37.

(87) المستدرك على الصحيحين للحاكم 1/320.

(88) سنن ابن ماجه 2/183 و 1/343.

(89) مصنف ابن أبي شيبة 1/430.

(90) الموطأ – رواية محمد بن الحسن 2/58، وأخرجه الطبراني وعبد الرزاق.

(91) مصنف عبدالرزاق 3/149.

(92) صحيح ابن خزيمة 3/99.

(93) سنن أبي داود 1/442.

(94) نصب الراية 2/32.

(95) ابن خزيمة 2/810.

(96) البدر المنير 4/392.

(97) سبل السلام 2/35.

(98) نقد مراتب الإجماع 290.

(99) القواعد النورانية 1/120.

(100) المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني 2/34.

(101) سنن أبي داود 1/342.

(102) مسلم كتاب النكاح 4/148.

(103) المستدرك على الصحيحين 1/320، ورواه البيهقي 1/600، وابن أبي شيبة 1/202، وغيرهما.

(104) نصب الراية 2/32.

(105) المغني 1/467.

(106) البخاري 3/37، وهذه رواية مسلم 2/798.

(107) البخاري كتاب المغازي 8/416 ومسلم كتاب الجهاد 5/160.

(108) فتح الباري 8/415.

(109) مصنف ابن أبي شيبة 6/319.

(110) البخاري كتاب العيدين 3/95 ومسلم كتاب العيدين 3/22.

(111) مسلم كتاب العيدين 2/603.

(112) البخاري كتاب المغازي 8/416 ومسلم كتاب الجهاد 5/160.

(113) سنن النسائي 2/52 قال الألباني: صحيح..

(114) البخاري كتاب الصوم 5/177.

(115) البخاري باب اعتكاف النساء 3/48-49.

(116) البخاري (3/ 49) في باب ما جاء في بيوت أزواج النبي، ومسلم 4/1712، والبيهقي في سننه الكبرى في باب سماه: المرأة تزور زوجها في اعتكافه 4/529، وابن خزيمة في صحيحه في باب سماه: الرخصة في زيارة المرأة وزوجها في اعتكافه 3/349، وابن حبان في صحيحه في باب سماه: جواز زيارة المرأة زوجها المعتكف بالليل، وغيرهم. 

(117) دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى, آمال قرداش بنت الحسين. كتاب الأمة. مركز البحوث والدراسات بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر.

(118) المرأة والمشاركة السياسية والديمقراطية: دراسة في الفقه والفكر السياسي الإسلامي، علي القره داغي، www.e-cfr.org/ar/bo/22.doc

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر