أبحاث

موقف النسوية الإسلامية من قوانين الأسرة

العدد 160

تمهيد:

ظهرت في العقود الأخيرة مجموعة من النسويات الأكاديميات يقدمن منهجا لتأويل النصوص الدينية المتعلقة بالمرأة للتوفيق بين الإسلام والخطاب العالمي المتمثل في حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية المعنية بالمرأة، بحيث يمثل هذا المنهج بديل إسلامي للنسوية الغربية، وتتبنى هذا المنهج مجموعة صغيرة نسبياً من النساء الناشطات المثقفات غربيا واللائي كان مطلبهن الأساسي تحسين علاقات أسلمة النوع، عبر الضغط لأجل الإصلاح القانوني داخل المجتمعات الإسلامية، فظهر جيل جديد مِنْ نِساءِ مسلمات وغير مسلمات باحثات ناشطات من بلدانِ مُخْتَلِفةِ، قامت بإعادة النظر في تفسير بعض الآيات القرآنية أَو الأحاديث النبوية بحيث يقدّمْنَ تفسيراتَ بديلةَ من خلال التحليلِ اللغويِ البديلِ، أَو إيجاد القرائن والسياقات لهذه الآيات القرآنية والأحاديث. وينظر هذا البحث إلى موقف هذا التيار النسوي التأويلي، بالتركيز على موقفه من الشريعة والأحوال الشخصية المعمول بها في البلدان العربية والإسلامية، مع التعقيب ببعض الملاحظات حول منهجية هذا التيار النسوي الاجتهادي.

وتستغل النسويات الأوساط الأكاديمية والمؤتمراتِ والمجلات النسائية وشبكة الإنترنت بصورة خاصة لصياغة الخطاب حول الجندر ضمن الإطار الإسلامي كخطاب عالمي جديد يربط هؤلاء النسوة من أجزاء مختلفة من العالم، فدراسات المرأة وأدوارها وأنشطتها وحقوقها حظيت باهتمام خاص فى السنوات الأخيرة بسبب التغير الاجتماعى على النطاق العالمى، ونظرًا لأن مجالات الاهتمام بدراسة هذا التغير وعلاقته بالعولمة والتقدم التكنولوجى وقدرة وسائل الاتصال الحديثة على اختراق الحدود بين المجتمعات، فإن النسوية الإسلامية قامت باستغلال هذه الفرصة لنشر أفكارها مدعومة بالدراسات الأكاديمية.

تعريف بالمصطلح:

بدأ استخدام المصطلح “النسوية الإسلامية” (Islamic Feminism) في مطالع التسعينات في إيران مع مقالات الصحيفة النسائية “زنان” التي أسستها شهلا شركت(1) (shahla sherkat)، وكان إصلاح الفكر الديني الإسلامي عن طريق قراءة نسوية للإسلام من أهم القضايا التي تناولتها مجلة “زنان”، وكانت مؤسِسَة هذه المجلة ترى ضرورة التغيير الراديكالي للقوانين والشرائع التي تحكم المرأة وأوضاعها وذلك عن طريق إعادة قراءة الشريعة وتأويل نصوصها، وتطالب بألا تحصر هذه القراءة في الرجال وإنما ينبغى أن تشرك فيها النساء أيضا “لأنهن لأعلم بأمورهن من الرجال”، إشارة إلى تغير فهم الدين حسب تغير الزمان، تقول: “إننا نعتقد أن فهمنا للدين يتغير حسب كل عصر تاريخي، وأن التفسيرات الدينية ينبغى أن تأخذ ذلك بالحسبان”. وقد أدت هذه الصحيفة دورا رئيسيا في نشر الأفكار النسوية في إيران، ويعود إليها الفضل في تغيير العديد من القوانين، وبذلت جهودا فذة من أجل أن تجعل القرآن والتعاليم الإسلامية موافقة لحقوق النساء وذلك بإعادة تأويلها من منظور نسائي أو نسوي”(2).

تعرف مارجو بدران(3) النسوية الإسلامية في كتابها “النسوية في الإسلام” بأنها خطاب وممارسة نسوية تشكل داخل النموذج الإسلامي وأنها تستقى تصورها وسلطتها من القرآن وتسعى لأجل الحقوق والعدالة في إطار المساواة بين النساء والرجال في وجودهم الشامل(4).

بعض النسويات العلمانيات يعارضن هذا المصطلح وما فيه من المفاهيم، وتستند المعارضة بشكل رئيسي على الحجة القائلة بأن الإسلام والنسوية، يختلف كل واحد منهما عن الآخر أساسيا وأيديولوجيا، فلا يمكن التوفيق بين التعاليم القرآنية حول المرأة وبين التزامات فكرة المساواة بين الجنسين، ولا توجد وسيلة لإجراء الإصلاح في فهم القرآن لتحقيق المساواة بين الجنسين عن طريق إعادة التفسير(5)، فتذهب هايدي موجيسي(6) (Haideh Moghissi) إلى أنه لا يمكن دمج الإسلام والنسوية، لأن الإسلام تأسس على التراتب الجندري (Gender hierarchy)، والقرآن – بدون أي شك – ضد المساواة الجندرية، والشريعة تتضارب مع مبادئ المساواة الإنسانية، فالنسوية الإسلامية – وإن كانت في انتشار سريع – لا تملك أيديولوجية محكمة ومميزة، والنساء اللاتي يروجن لهذا النوع من النسوية لسن من المجتمعات الإسلامية ولكن هن أكاديميات نسويات وباحثات من خلفيات إسلامية وعاملات في الغرب(7)، وتنتقد بعض النسويات العلمانيات في العالم العربي النسويات الإسلاميات بأنهن منفصلات عن الاحتياجات الحقيقية للنساء اللاتي يعشن في المجتمعات الإسلامية(8)، وكما يرى البعض أن التركيز على النسوية الدينية تؤدى إلى التغطية على محاولات أخرى من قبل النسويات العلمانيات اللاتي يرفعن أصواتهن ضد “الأسلمة”(9).

وعلاوة على هذا تضطر النسويات الإسلاميات إلى تحمّل هويات متعددة، ففي بعض الأحيان يقمن بدور الناشطات السياسيات، وأحيانا أخرى كناشطات نسويات، وفي بعض الوقت يتحلين دور العالمات، وأحيانا تحمل كل هذه الهويات في وقت واحد(10)، كما أن النسوية الإسلامية ليست خاصة للناشطات المسلمات ولكنها أرض خصبة ترتعي فيها كثير من الأكاديميات الغربيات من مشارب فكرية وثقافية مختلفة(11).

وتدعى النسويات أن الحركة النسوية الإسلامية تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية داخل الأمة الإسلامية وتحقيق المساواة بين الناس.جميع البشر – بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والعرقية والنوعية- متساوون عند الله، وبالتالي فالنسوية الإسلامية يمكن تطبيقها على كل إنسان، ولكن بعض الناشطات يعارضن هذه الفكرة ويرين أن النسوية الإسلامية ينبغي أن تطبق على المسلمين فقط لأن المسيحيين يختصون بالنسوية المسيحية(12) Christian Feminism)).

ولكن النسويات الإسلاميات لا يبالين بهذه الاتهامات، وهذا الموقف يسمح لهن أن ينطلقن إلى السعي لأجل الحصول على الحقوق داخل الإطار الديني، لأن مصطلح “النسوية الإسلامية” يفرض أمام رواد هذه الحركة التزامين: الأول منهما الولاء للموقف الديني، والثاني الولاء لحقوق المرأة، داخل البيت وخارجه(13). فالنسوية الإسلامية أطلقت هذا الاسم على نفسها لأهداف معينة، ولكن يجب على الناقد النظر فى مدى مناسبة هذا الإسم لهذه الحركة ومدى توافق مبادئها أو تعارضها مع المبادئ الإسلامية، ويستعمل نفس المصطلح في هذا البحث انطلاقا من مبدأ “لا مشاحاة في الإصطلاح” وإن كان لدى الباحث ملاحظات حول المصطلح(14).

تطور النسوية الإسلامية:

تهدف النسوية الإسلامية إلى إعادة تشكيل المنهجية والآلية الأساسية المستعملة لتأويل النصوص الدينية للوصول إلى مرحلة الإجتهاد والبحث المستقل في المصادر الدينية، وجاءت الطفرة السريعة لهذه الحركة مع صدور كتاب “القرآن والمرأة: إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي” لآمنة ودود، ويعد هذا الكتاب مصدر انطلاق لكثير من الأفكار النسوية الإسلامية الجديدة، وهي تختلف عن سابقتها من الحركات النسوية في العالم العربي والإسلامي في تبنيها قضايا جديدة غير مألوفة في الساحة العربية والإسلامية، مثل قضية إمامة المرأة للرجال المصلين كما تم تطبيقها في عام 1999 في كنيسة بأمريكا عندما خطبت آمنة ودود يوم الجمعة وصلت إماما (أو إمامة!!!) بالمصلين الذكور والإناث(15).

شهدت العقود الأخيرة انتشارا واسعا للدراسات النسوية كموضوع متعدد التخصصات في الجامعات في جميع أنحاء المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة وأيضا إدخال الدراسات الجندرية في دراسات الشرق الأوسطية وبرامج الدراسات الإسلامية في الدول الغربية، وتم إنشاء مراكز دراسات للمرأة في العديد من البلدان الآسيوية والأفريقية، وإطلاق الموجة الثالثة من الحركة النسوية في الغرب، فتم التداول العالمي لأعمال علمية حول مواضيع مختلفة ذات الصلة بالجندر في الإسلام(16).

ويعد مؤتمر برشلونة حول “النسوية الإسلامية” المنعقد في عام 2005م نقطة مهمة في انطلاق التيار النسوي الإسلامي الجديد، حيث شاركت فيه أربعمائة عضو من النساء من بلدان مختلفة مثل السنغال وباكستان واندونيسيا وإيران والمغرب وماليزيا وفرنسا وأمريكا، ويحكي فهمي جدعان عن هذا المؤتمر فيقول:” أثيرت أسئلة دقيقة كثيرة: لم لا تستطيع المرأة، أن تقف في الصلاة إلى جانب الرجل؟ وباسم أي أمر إلهي لا يحق لها أن تؤم الصلاة إن كانت أهلا لذلك؟ وكانت آمنة ودود…. قد قدمت قبل ذلك إجابة عملية عن هذه الأسئلة، إذ أقدمت على عمل بدا لأوساط علماء الدين وعامة المسلمين في كل مكان عملا صادما خارجا عن حدود الدين وصل عند بعضهم إلى مرتبة الكفر؛ وهذا العمل هو إقدامها على بادرة كانت في حقيقة الأمر نهاية منطقية لجهودها في إعادة قراءة القرآن قراءة نسوية، وهو إمامتها لصلاة مختلطة في نيويورك في الثاني عشر من أيار/ مايو من العام 2005″(17).

الموقف من الشريعة الإسلامية:

تذهب النسوية الإسلامية إلى أن معظم قوانين الأحوال الشخصية والممارسات المتعلقة بالأسرة في المجتمعات الإسلامية تقوم على النظريات والمفاهيم التي طورها الفقهاء على مدى طويل من الحقب التاريخية والسياقات الاقتصادية والاجتماعية، وقد اهتدى الفقهاء في تفسيرهم للقرآن والسنة بالواقع السياسي والاجتماعي الذي كان سائدا في عصرهم، إضافة إلى مجموعة من الافتراضات حول القانون والمجتمع وأدوار الرجال والنساء فيه، والتي كانت معظمها انغماسا للحالة المعرفية والقيم الأخلاقية والمؤسسات الذكورية السائدة آنذك. ولم يكن لمفهوم المساواة على أساس النوع الاجتماعي مكانا في مفهومهم عن العدل، فلم تكن المساواة بين الجنسين ذات صلة كبيرة بتصورهم عنها، بمعنى أن المساواة لم تكن جزءا من خبراتهم الاجتماعية. ويستمر الفهم غير المتساوي لحقوق الرجال والنساء – الذي كرسه الفقهاء في كتاباتهم- بسبب إعادة انتاجه بطريقة معدلة في قوانين الأسرة في الفترة الاستعمارية وما بعدها، والتي دمجت بين المفاهيم الفقهية التقليدية، وبين كل من التأثيرات الاستعمارية وبعض الجوانب السلبية للثقافة والتقاليد المحلية، فيجب أن يتم إجراء الإصلاح الكامل لهذه القوانين لأن معظم قوانين الأسرة أو الأحوال الشخصية الإسلامية الحالية تبلورت بهذه الطريقة، فهي، إذن، قائمة على افتراضات ومفاهيم لا تتعلق ولا تناسب مع احتياجات الحياة المعاصرة(18).

ترى النسوية الإسلامية أن هناك بعض التحديات في إصلاح القوانين في المجتمعات الإسلامية، من أهمها:

* تعتقد المجتمعات الإسلامية أن قانون الأسرة الإسلامي شريعة الله، وهو، بالتالي، معصوم وغير قابل للتغيير، مما يجعل أي جهد للإصلاح مخالف للشريعة.

* كثير من الناس يعتقدون أن الرجال والنساء لا يتمتعون،عموما، بحقوق متساوية في الإسلام، بحيث يتم تصوير مطالب المساواة في سن الزواج والمساواة في الحقوق في الطلاق والوصاية والإرث أنها ضد شريعة الله.

* يتمسك الأفراد والمجتمعات في كثير من الأحيان بالاعتقاد التقليدي بأن علماء الدين الإسلامي هم وحدهم يملكون السلطة للتحدث عن الإسلام.

* وبما أن العلماء ليسوا في طليعة الإصلاح، وأن مجموعات المجتمع المدني والمثقفون يحتلون هذه المكانة في قيادة حركات الإصلاح، إلا أن سلطتهم للتعامل مع الإسلام تتعرض – علنا- للتساؤلات والانقضاض فتواجه المجموعات النسائية في المجتمعات الإسلامية صعوبات في الدعوة للإصلاح عندما لا تحصل على دعم من الحكومة أو من تلك التي ينظر إليها على أنها سلطة دينية(19).

وتطلق الناشطات الإسلاميات حملة ضد قوانين الشريعة استنادا على مبادئ حقوق الإنسان، وتتهم النسويات أن العلماء الذين يعملون في إطار إسلامي لا دراية كافية لديهم بأهمية النوع، وأنهم يعارضون الحركة النسوية لظنهم أنها هيمنة المرأة على الرجل وكذا حقوق الإنسان لظنهم أنها مخالفة للتقاليد الإسلامية. فترى زيبا مير حسني أن قوانين الزنا تستمد شرعيتها من التفسيرات الأبوية لنصوص الإسلام المقدسة لأنها تعكس تفسيرات فقهية وضعها الإنسان منذ أمد بعيد، وأن هذه القوانين يمكن نقدها من خلال المبادئ الإسلامية طبقا للحقائق المتغيرة للزمان والمكان والمفاهيم المعاصرة للعدالة(20).

وتقول زيبا مير حسني: “بالكشف عن تاريخ خفي، وبإعادة قراءة الأصول الدينية، يتم التدليل على أن التفاوت (أشكال عدم المساواة) الشاخصة في الشريعة الإسلامية ليست مظاهر للإرادة الإسلامية، وإنما هي تركيبات إنسانية” والذين يروجون للفكر التأويلي النسوي يتهمون المؤسسات الإسلامية والفقه الإسلامي بالخصوص(21).

ينطق فهمي جدعان بلسان رواد النسوية الإسلامية فيقول: “لقد أعاقت أيديولوجية الفقهاء والعادات البطريقية…. عملية ممارسة المساواة التي أقرها النص بين الرجل والمرأة، وغزت هذه العادات الفقه الذي تشكل في عصر التدوين (القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي) حيث أضفت عليه الصبغة الأبوية التي ظلت سائدة إلى العصر الحاضر. وبطبيعة الحال تم تعزيز الفقه بحشد كبير من الأحاديث الموضوعة”(22).

تعتمد النسويات في قضية الأحكام الفقهية على قول من يرون أن الفقه ليس بقانون إلهي فُرِض على المسلمين اتباعه. فالفقه قانون وضعه علماؤه؛ قانون ابتناه بشر للتعامل مع تغير الأزمان والظروف، وبالتالي يمكن أن يتغير مع تغير الظروف والأزمان، والمذاهب التي تطورت على مر التاريخ ولا تزال تتطور هي نتاج لتغير اجتماعي، وأن الفقهاء بنوا آرائهم على أساس ما ظنوه عدلا في وقتهم، وكانت قراءتهم للقرآن وتفسيرهم له مستقاة من واقع رؤاهم الاجتماعية(23). وكثيرا ما يظهر تقليل دور الفقه والفقهاء في كتابات النسويات، فترى النسويات أن مفاهيم الفقهاء عن العدالة والعلاقات الجنسية مرتبطة بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السائد في عالمهم الذي عاشوا فيه، حيث كان النظام الأبوي والعبودية فيه جزء من نسيج المجتمع، وتأثر هؤلاء الفقهاء في فهمهم للنصوص المقدسة بمجتمعاتهم فتقيدوا بمجموعة من الافتراضات عن العلاقة بين الجنسين بالإضافة إلى النظريات القانونية التي عكست الحقائق الاجتماعية والسياسية في عصرهم، ولم يكن مفهومهم للعدالة مدركا لمبادئ المساواة بين الرجل والمرأة وحقوق الإنسان كما نعرفها اليوم(24).

القوانين في المجتمعات الإسلامية ليست إلا تفسيرات فقهية قائمة على أصول ذات هياكل قبلية وأيديولوجية أبوية في فترة ما قبل ظهور الإسلام بالجزيرة العربية والتي استمرت حتي بعد ظهور الإسلام في شكل مختلف، فترفض النسويات كل قانون – وإن كان مستندا على النص أم لم يستند- لا يتناسب مع حقوق الإنسان، وهذا ما يظهر في قضية رجم الزاني؛ ترفض زيبا مير حسنى حكم الرجم كحد لجريمة الزنا، مدعية أنه ليس مستندا على أدلة من القرآن الكريم وإنما من السنة النبوية، وتذهب إلى أن كافة الفقهاء من مختلف المذاهب الفقهية يعتمدون على ثلاث أحاديث لدعم رؤيتهم للرجم؛ غير أن الأسس التي أسسوا عليها الأحكام الخاصة بالرجم حتي الموت تقوضها حقوق الإنسان، وتقوضها نظرية الفقه الأصولية التي تنص على أولوية النص القرآني على الحديث الشريف، نظرا لوجود درجات من الثقة في الحديث الشريف، وعلاوة على ذلك تطالب مير حسني الأخذ في الاعتبار السياق التاريخي والاجتماعي لأحكام القرآن والسنة، فتكشف من السياق أن الرجم كان وسيلة إعدام شائعة في عهد الرسول r، تطرق إلى القانون الإسلامي كعقوبة للزنا من القوانين اليهودية، وترى مير حسني أن القرآن لم يذكر الرجم كعقوبة للزنا كما لم يذكر أي عقوبة للعلاقات الجنسية بالتراضي في الخفاء(25).

ترى النسويات ضرورة التفريق بين الشريعة والفقه، فالشريعة هي مجموع القيم والمبادئ الدينية مثلما أوحى بها إلى محمد r، وأما الفقه فهو العملية التي يحاول البشر من خلالها اشتقاق قواعد قانونية من القرآن والسنة الشريفة باعتبارهما مصدرين أساسيين للفكر والممارسة في الإسلام، وبما أن الفقه فهم بشري فهو قابل للخطأ والتغيير والتبديل(26).

موقف التأويل النسوي من إصلاح قوانين الأسرة:

تسعى النسوية الإسلامية إلى تغيير قوانين الأحوال الشخصية نظرا إلى “التحولات الاجتماعية التي شهدتها العقود المنصرمة، مثل دخول النساء سوق العمل بأعداد كبيرة، وزيادة تحملهن للأعباء المالية لأسرهن والمجتمعات التي يعشن فيها، حري بنا أن نتوقع حدوث تغييرات مماثلة في المناهج الفلسفية المتبعة تجاه النوع الاجتماعي والقوانين التي قد توجه النساء في حياتهن في أسرهن، وفي أماكن العمل وفي السوق وفي النظم السياسية”(27).

تهدف النسوية التأويلية إلى تحقيق العدل والمساواة داخل الأسرة المسلمة اعتقادا منهم أن العديد من قوانين الأحوال الشخصية وما يدعى أنها من الممارسات الإسلامية لا تتسم بالعدل ولا تلائم الأسر المسلمة، فتنادي هذه الحركة بأن التغيير ضروري وممكن من خلال تبني إطار للعدل والمساواة يتسق مع مقاصد الدين الإسلامي ومبادئ حقوق الإنسان والحقوق الأساسية والواقع الذي يعيشه كل من الرجال والنساء، وأن إصلاح القوانين والممارسات لفائدة المجتمع والمصلحة العامة كان دائما جزءًا من الفقه الإسلامي، لأن الإسلام يدعو للمساواة والعدل والمودة والرحمة والاحترام المتبادل في ما بين جميع البشر، وأن الطريق نحو التغيير ينبغى أن يكون على ضوء هذه القيم(28).

تصرح النسويات بأن مجموعة جديدة من “العلماء التقدميين” الذين يعترفون بالمساواة والعدالة في الإسلام، قد مكنت المجموعات النسائية لاستكشاف إمكانيات لإصلاح قوانين الأسرة في الإطار الديني، بعيدًا عن تحدي إدامة التمييز بين الجنسين باسم الدين من قبل التقليدين والأصوليين من العلماء والنشطاء، ومن بين أعضاء المجموعة المحورية التي ساعدت الجماعات النسائية في العمل من أجل الإصلاح عبد الكريم سروش(29)، و أسغر على انجنيير(30)(ASGHAR ALl ENGINEER) وزيبا مير حسنى(31) وآمنة ودود(32).

تكتشف النسويات أن القواعد الفقهية العتيقة والمعايير المحلية والاستعمارية في العديد من المجتمعات الإسلامية “هي السبب لتأصيل عدم المساواة بين الرجال والنساء على مستوى الأسرة وتكريسها في المجتمع الأوسع”، وأن أشكال الظلم والجور داخل الأسرة قد أثرت على النساء في العديد من المجالات بما في ذلك كرامتهن وأمنهن الشخصي وحرية حركتهن ومعاملتهن أمام القانون، إضافة إلى حقهن في التملك والمواطنة والجنسية والعمل والمشاركة السياسية(33). كما ترى النسوية الإسلامية أن “العدل في وقتنا وفي سياقنا الحاليين لا يمكن أن يفصل عن المساواة. وواقع الأمر هو إن العديد من جوانب قوانين الأحوال الشخصية والأسرة، بالطريقة التي عرفها الفقهاء القدامى وأعيد إنتاجها وتقنينها في قوانينها المعاصرة، لا هي معقولة في ضوء الظروف المعاصرة ولا يمكن حتي تبريرها أو الدفاع عنها استنادا إلى أسس إسلامية. وهذه القوانين والممارسات لا تفي – من حيث افتقارها إلى العدل بمتطلبات الشريعة فحسب، ولكنها لا تلائم حياة الأسر المسلمة وخبراتها أو تستجيب لها، بل وتُستخدم في وقتنا الحالي في حرمان النساء من القيام باختيارات كريمة في الحياة، وهو ما يعتبر السبب في عدم انسجام الزيجات وتفكك الأسر في وقتنا الحالي”(34).

تعتقد النسوية الإسلامية أن قانون الأسرة الإسلامي الحالي يحتوي على عدد كبير من الأحكام التي تميز صراحة أو ضمنا ضد النساء المسلمات، ومن ضمن نماذج التمييز:

* الحد الأدنى لسن الزواج أقل بالنسبة للنساء من الرجال.

* لا يمكن للمرأة، بغض النظر عن سنها، الزواج إلا بموافقة وليها، في حين أن الرجل لا يحتاج للحصول على موافقة ولي الأمر.

* بإمكان الرجل المسلم أن يتزوج من امرأة غير مسلمة ولكن لا يمكن للمرأة المسلمة الزواج من رجل غير مسلم.

* يجوز للرجل أن يتزوج زوجات متعددة (ما يصل إلى أربعة)، ولكن لا يمكن للمرأة أن يكون لها أكثر من زوج.

* من المفترض أن تطيع المرأة زوجها، وإخفاقها في الامتثال لرغبات “مشروعة” من زوجها يشكل “نشوز” ويعني أنه يمكن أن تفقد حقها في النفقة.

* يمكن للرجل أن يطلق زوجته عند الإرادة، خارج نظام المحكمة، ولكن يجب على المرأة أن تذهب إلى المحكمة والحصول على الطلاق القضائي على أساس وجود أي سبب من أسباب محددة والتي تتطلب أدلة كثيرة(35).

يعد النموذج المغربي للأحوال الشخصية قفزة فائقة في تطبيق الأفكار النسوية الإسلامية كما ورد في مدونة الأسرة التي أقرها البرلمان المغربي في عام 2004 والتي تبنت فلسفة جديدة بإلغاء الولاية في الزواج، والانتقال من مبدأ “الإنفاق مقابل الطاعة” إلى المسؤولية المشتركة للزوجين وإقرار المساواة بين الرجل والمرأة في عدة مجالات: سن الزواج (18 سنة) والحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين والتقييد الصارم لتعدد الزوجات واعتماد الإتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة وحقوق الطفل(36).

تدعى النسويات أن قوانين مصر قد تأثرت بالقانون النابليوني (the Code Napoléon) الذي يعتمد “بشكل خاص على حقوق الزوج وسلطته باعتباره رئيس الأسرة، وعلى الاحترام الذي يجب أن توليه له الزوجة والأبناء. اعتبر أن الزوج هو الأقدر على إدارة ثروات الأسرة، وبالتالي، وبصفته رأس الأسرة، فأحيانا ما تلغي الحقوق الممنوحة له حقوق زوجته وأبنائه”(37).

ترى النسوية الإسلامية أن قيم المساواة والعدل والمحبة، لا بد من أن تظهر في القوانين أو التعديلات التي تعرف بأنها جزء من الشريعة مستلة من قول الإمام ابن القيم الجوزية: “إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها وصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها التأويل”(38).

ولكن هناك بعض الآيات مثل:

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ * فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(39).

(وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(40).

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا)(41).

(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)(42).

فهذه الآيات القرآنية التي “تتحدث صراحة عن سلطة الرجال على النساء داخل الأسرة وعدم المساواة بينهم في المجتمع،… ينبغى فهمها في ضوء المبادئ الإسلامية الأوسع وأغراض الشريعة ومقاصدها، لا بمعزل عنها”(43)، وأن لكل المسلمين – رجالاً ونساءًا- نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات في ما يتعلق بقراءة النصوص الدينية، والمساهمة في فهم رسالة الإسلام المنـزلة من رب العالمين، والعمل من أجل تحقيق العدل والمساواة وخير البشرية داخل أسرهم ومجتمعاتهم وبلدانهم.

تهتم النسوية الإسلامية بالقوانين المتعلقة بالأسرة، فتسعي إلى فهم نشأة قانون الأسرة الإسلامي وكيف تم بناؤه في تراث الفقه الإسلامي، وتنطلق من أن قوانين الأسرة الإسلامية “التمييزية” الحالية ليست إلهية بل وضعها بشر في سياقات اجتماعية –سياسية معينة. وتقول زينا أنور عن هذا الاهتمام الزائد بقوانين الأسرة “ما انفكت الناشطات وجماعات الحقوق في المجتمعات الإسلامية، طيلة عقود مضت، تدفع في اتجاه إصلاح قانوني يعترف بالمساواة بين الرجل والمرأة وحماية المواد الإيجابية أينما وجدت. وقد ركزت الكثيرات على قوانين الأسرة لأن عدم المساواة والتمييز ضد النساء، والذي كثيرا ما يبدأ في فضاء الأسرة “الخاص” قد أثر سلبا على مشاركتهن وحقوقهن في الفضاء العام”(44).

والنسوية الإسلامية تقترح بعض الإصلاحات في قوانين الأسرة مثل:

* المساواة في الحد الأدنى لسن الزواج (ثمانية عشر عاما) للرجال والنساء.

* إلغاء شرط أن ولي الأمر يجب أن يوافق على زواج المرأة.

* عقد زواج نموذجي يحظر تعدد الزوجات، فلن يسمح بتعدد الزوجات إلا في ظروف استثنائية، ويتعرض لعقد زواج خاص ومنفصل، هذا، مع اتفاق جميع الأطراف.

* حق متساو في الطلاق ولا يحدث الطلاق إلا بقرار قضائي.

* حق متساو في الحضانة والوصاية على الأطفال(45).

بعض الملاحظات حول المنهج النسوي الإسلامي:

يعتمد المنهج النسوي التأويلي على أجزاء انتقائية من النصوص، ونـزوعها إلى المنهج التجزيئي أكثر من المنهج التكاملي في التعامل مع النصوص الدينية، كما تلجأ النسويات في غالب الأحوال إلى التاريخية، لأن تطبيق تاريخية النصوص يساعد على تحويل المسلَّمات الدينية من حقيقة موضوعية إلى تصورات متغيرة، والغرض وراء هذه التأويلات محاولة المسايرة مع الحداثة في مفهومها الغربي، وينطبق على هذا المنهج النسوي ما ينطبق على الخطاب التأويلي العربي الحديث من أن الأخير يسعى إلى تأويل ما يظن أنه “يسبب حساسية مع الآخر الغربي، أو يشكل عائقا أمام الإندماج معه، ومن هذا الباب اشتهرت تأويلات الخطاب التأويلي الحديث في جانب الأحكام، بل إن تأويلاته في جانب القضايا التي قد تسبب له حساسية مع الغرب – فيما يظن البعض- أكثر شهرة من القضايا المتعلقة بما هو أكثر أهمية دينية كتأويلات بعض أركان الإسلام وبعض الشعائر الظاهرة والمعلومة من الدين بالضرورة، وأمام هذه الشهرة لهذه التأويلات في جانب الأحكام؛ فقد خفي على كثير من متلقيها – سواء بالقبول أو الرفض- المنـزع الفلسفي لهذه التأويلات..”(46) وينظر هذا البحث إلى بعض التجاوزات المنهجية للنسوية الإسلامية.

أزمة منهجية:

إن إعادة قراءة النصوص الدينية من منظور نسوي إنما هي جزء من خطابات التجديد أو إعادة قراءة التراث التي ظهرت أواخر القرن العشرين، حيث لجأت هذه الخطابات التجديدية إلى الاستعارة من الفكر الغربي ما يخدم الأغراض التحديثية، فأصبح النص الديني، لكونه يحمل بعدا زمانيا بتعلقه بالإنسان، تراثا لارتباط حدوثه بالزمان “فتم التعاطي معه من قبل بعض الخطابات التجديدية على هذا الأساس، وإن كان الدين لا يخضع لمقولات الزمان من حيث تعلقه بالجانب الإلهي، بل إن فصل الدين عن التراث يحرر الدين من تبعات الفعل الإنساني، إلا أن الخطابات التجديدية العلمانية نظرت إلى التراث من الزاوية الزمنية فسوت بين الروحي والزمني… وتم إعادة قراءة التراث على هذه التسوية باعتبار أن الدين جزء من التراث الإنساني لا يمكن أن ينفصل عن أي عملية لتجديد التراث”(47).

تقدم النسويات الإسلاميات المنهج الهرمنوطيقي على النصوص القطعية، ويخضن في تأويلها حسب ما يردن بالإستدلال والتلقى من غير المصادر الإسلامية المقبولة(48)، واعتماد النسويات على المناهج الهرمنوطيقية الغربية، إن كان قد ساعدهن في الخوض في بحر التأويل، قد أدى إلى جلب بعض الإشكاليات المتعلقة بالهرمنوطيقا، لأن الهرمنوطيقا نشأت في الغرب بسبب التعارضات التي وقعت بين التعاليم الكنسية المستنبطة من الكتاب المقدس وبين الواقع المعاش والتجربة العلمية، فقد صعب على الناس فهم الكتاب المقدس كما هو عليه، فشرع المهتمون باللاهوت المسيحي يبذلون جهودهم لكي يقربوا الكتاب المقدس إلى عامة الناس بآليات التأويل المتنوعة، فلم ينجحوا في مهمتهم حق النجاح فبدأوا يغيرون المناهج مرة بعد أخرى حتى وجدت في الساحة اللاهوتية مناهج مختلفة ومتعددة ومتعارضة فيما بينها. ولكن الحال في الإسلام يختلف تمام الاختلاف، فالتأويل الإسلامي نشأ من ازدهار وغزارة النصوص الإسلامية مما تتطلب كثيرا من الشرح والتوضيح حتي يسع الانتفاع للناس كافة، ولم يكن هناك ولن يكون أي شبهة في الدستور الأول للإسلام، ولم يطرح أي سؤال عن مصدرية النص القرآني لأن القرآن يختلف عن سائر الكتب الأخرى دينية أو غيرها، من حيث إن جميع ألفاظ وعبارات القرآن من الله تعالى، وليس لأحد من الخلق رسولا كان أو ملكا أي حق لتبديل حرف واحد منه، وهذا الامتياز ما لا يمكن أن يزعم به أي كتاب على الإطلاق.

أما في الغرب فقد ظهرت مدارس التأويل لأسباب ومنها:

* عدم تيقن ومصداقية نصوص الكتاب المقدس عند العلماء الغربيين لعدم توفر أدلة مادية مقنعة من نصوص الكتاب المقدس في بواكيره الأولى.

* عدم وجود تقارير عن تفسيرات مقبولة لدى عامة الناس.

* عدم وجود الإحتياطات الروائية مثل الإجماع والتواتر كما هو الحال عند المسلمين.

* عدم وجود مجموعة من الناس الذين يهتمون بحفظ النصوص حتي لا تضيع على مر العصور(49).

ومثل هذه الإشكاليات ليس لها أي مكان في الثقافة الإسلامية، ويستغرب العالم كله إذا وجد اختلاف في حرف واحد في أي نسخة من نسخ القرآن، والقرآن أصبح فوق مرحلة التوثيق للنصوص التي وردت فيه.

ولكن رواد الخطاب التحديثي التجديدي يتغافلون عن هذه الحقيقة ويرون أن غادامير وهيدغر وأمثالهم هم المدخل الأساسي لتأويل القرآن، وأما الإمام الشافعي والإمام الغزالي وأمثالهم كانوا أرثوذوكسيين منخرطين في تيار الإسلام السلطوي، حيث يوصف الإمام الشافعي بأنه محتال والإمام الغزالي بأنه منافق(50) – معاذ الله- فالفهم للتراث الإسلامي كله بما فيه التفاسير والعقائد، ليس كما كرسه هؤلاء الأئمة العظماء المخلصون، فينبغى أن يتم إعادة النظر فيه على ضوء الهرمنوطيقية الغربية وما يخدمها من العلوم الحديثة “وليس من جديد في هذه النسخة العربية إلا العجرفة والادعاء، والتبجح بالألفاظ والأسماء والمصطلحات الأجنبية التي تضفي عليها هالة من القداسة والتفخيم والتعظيم، في حين تكال التهم جزافا، وتلاك الأكاذيب تباعا، وتنهال الافتراءات في حق أسلافنا الصالحين وعلمائنا المخلصين.. وإلا ففي أي قانون وفي أي منطق – من منظور المسلم المؤمن – يفسر القرآن بناء على خواطر وهواجس تحدث بها شلاير ماخر، أو هايدغر…؟”(51) وما تفعله النسوية التأويلية هي محاولة نقل الصراع التاريخي بين الكنيسة وبين رواد الإصلاح والتنوير إلى ساحة التراث الإسلامي، وهذا النقل يعد إسقاطا للواقع الغربي على الواقع الإسلامي بدون مراعاة للظروف الدينية والاجتماعية الفاصلة بين ذلك.

ويعد منهج النسوية الإسلامية في الحقيقة نتيجة تراكمية لمزيج من النظريات التأويلية الحديثة التي تتعلق بفهم النص والتي تتبناها مدارس مختلفة مثل النسوية المسيحية والنظرية النقدية الغربية والمدرسة التجديدية العربية والنظريات الشيعية، ولم تعتمد النسويات في دراستهن للمعرفة الدينية على المناهج المستخدمة والمعاد إنتاجها داخل المؤسسات الدينية التقليدية، بل انفتحن على الدراسات الأكاديمية والمناهج الحديثة في مجال العلوم الإنسانية، ويروجن لإعادة النظر في نظام التفكير الديني ككل من خلال نقد نظم إنتاج المعرفة الدينية التقليدية. إن تاريخ الإسلام في نظر هؤلاء النسويات ليس تاريخا مقدسا بل هو جزء من تاريخ الإنسانية تحكمه عوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية وجغرافية، ومنهجهن النقدي للتراث الديني يؤدى إلى التفكيك أكثر من التجديد والبناء.

تقوم المبادئ النسوية مقام الدين عند النسويات، وكل ما يعارض هذه المبادئ، تعاليم دينية كانت أو تقاليد ثقافية، يتصدين له بكل ما يملكن، والدساتير التي ترجع إليها هذه المبادئ هي منظومة حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وترى النسوية –كما يرى العلمانيون – أن العقوبات والحدود في الشريعة الإسلامية لا تتفق مع روح الإسلام وأحكامه لأنها تقرنه بالعنف والتشدد والقسوة أمام الرأي العام العالمي، ولذلك فتطبيق هذه العقوبات باسم القرآن خيانة له، وأقوم الطريق هو أن نبحث عن الجوهر إذ لا يجب التمسك بحرفية النصوص وإنما بروحها ومغزاها ومقاصدها وهو ما يكفل لنا مصداقية الإسلام وصلاحه لكل زمان ومكان ووفائه لمقتضيات الضمير الحديث”(52).

عدم أهلية النسويات لفهم النصوص:

تعترف الناشطات النسويات بل مؤسسات مجموعة “الأخوات في الإسلام” (Sisters in Islam) بأن العضوات السبعة اللاتي ساهمن في تأسيس أقدم مجموعة للدفاع عن النسوية الإسلامية، لا تجيد أية واحدة منهن اللغة العربية!! ولكن أمينة ودود علمتهن المنهج التأويلي فبدأن يضعن الآيات في جدول الزمن التاريخي، يفحصن لغة النص والبنية النحوية لها، وساعدتهن هذه العملية للوصول إلى المعاني الممكنة من الكلمات، وبالنظر إلى النص بشموليته واستخدام منهج متعدد الأوجه، استنتجن ما كان عالميا شاملا وما كان خاصا للقرن السابع في الجزيرة العربية، فهذا ما سمح لهن الدمج بين اللاهوت والتفسير من جهة، والوقائع اليومية للنساء المسلمات في سياق اجتماعي وقانوني معاصر من جهة أخرى. والغريب هنا كما تعترف النسويات أنفسهن أن كتاب آمنة ودود هو الذي علمهن أن ضرب الزوجات ليس حقا منحه الله في الإسلام لأن البحث عن السياق والمعنى اللفظي لكلمة “ضرب”، أسفر عن معاني مختلفة للكلمة مثل “السفر” و”ضرب المثل” وعلاوة على هذا فلا يوجد أي دليل فعلي أو قولي من الرسول r ليدعم هذه الفكرة وكل هذا دون الإلمام باللغة العربية!! والأعجب من هذا أن هؤلاء الناشطات النسويات الإسلاميات لم يفهمن أو يسمعن الآية (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا)(53) كاملة قبل التعرف بآمنة ودود لأنهن يدركن أول مرة بوجود “(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا” في القرآن(54) فكيف ينطلق من لا يعرف البديهيات في القرآن إلى التأويل!!

والأعجب من هذا أن هؤلاء الناشطات النسويات يتم دعوتهن إلى الجامعات الأمريكية والأوروبية تحت وصاية الأكادميين الغربيين المتواطئين مع النسوية الإسلامية، لإلقاء المحاضرات حول الموقف الإسلامي من قضايا المرأة وقوانين الأسرة(55).

ولا عجب في ذلك لأن بعض النسويات تمنح تصريح الاجتهاد للكل، فتقول أسماء برلاس: “أنا لا أنتمي إلى أي “مجتمع تفسيري” ولا أنا من الذكور، ولكن، كامرأة مسلمة لديّ الكثير من التساؤلات حول كيفية تفسير المسلمين للقرآن، وقراءته، وما زلت مع التقليد الذي يرى أن أي مسلم متأهل كمفسر، أوكمجتهد”(56)..

هذا الجهل بالتراث الإسلامي وبأساسيات الشريعة ومناهج الاستدلال في علوم الحديث والعلوم الفقهية كل هذا ساعد الناشطات النسويات في استعارتهن لنظريات التأويل الغربية، أو بعبارة أخرى أن خوضهن في الساحة الفكرية الغربية أدى إلى إقصاء دور المناهج الإسلامية لتأويل النصوص الدينية.

فهذه آمنة ودود تعارض نص الحديث الوارد في صحيح البخاري وغيره بدعوى أن السلفيين والإسلاميين يعتقدون أن الأمة في عهد النبي خير أمة وهذا يعني أن المجتمع يتردى إلى الانحطاط جيلا بعد جيل خاصة كمسلمين، وهذا لا يمكن يحدث لدى عقلها(57) ونص الحديث قوله r: “خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ فَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ، أَوْ ثَلاَثًا ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ، وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ وَيَخُونُونَ، وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ وَيَنْذُرُونَ، وَلاَ يَفُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ”(58).

والسبب لمثل هذا الجهل بالتراث الإسلامي الغزير يرجع إلى أن هذه الخطابات ليست إلا أنشطة أكاديمية تطورت في أحضان أقسام الدراسات الجندرية والمراكز الأكاديمية في الجامعات الغربية، فهذه الحركة تبقى نشطة في الأوساط الأكاديمية وتعتبر أنها مجرد نتاج الثقافة الغربية لأنه لا توجد من بين الرائدات النسويات الإسلاميات أية واحدة إلا ودرست في جامعة من الجامعات الغربية.

وينبغى الإشارة هنا إلى أن الغربيين ليسوا على نمط واحد تجاه الفكر النسوي، حيث تصدر في الغرب كتب وأبحاث كثيرة ضد الحركات النسوية، حتي كَتَب البعض أن المطالبة بالمساواة ضد الفطرة أو الطبيعة، ولكن الآراء المنتشرة في العالم العربي توهم أن الغرب جميعا متضامنون مع الحركة النسوية، لأن ما تنشر من الأعمال كرد فعل للنسوية أو ما يسمى بـ”الأعمال المعادية للنسوية (Anti feminist works) في الغرب،لا ترى نورا في العالم العربي غالبا لأن الجهات الممولة لا تدعم الأعمال المترجمة ضد النسوية كما تدعم المنظمات الأهلية لنشر الأفكار النسوية الغربية.

إشكاليات الموقف من العلوم الفقهية:

تحاول النسويات الإسلاميات إحداث قطيعة مع العلوم الفقهية بقواعدها وأصولها ومناهجها الاجتهادية بوصفها اجتهادا ذكوريا تم تأسيسه لأجل اضطهاد المرأة، فلذا يجب على المهتمين بقضايا المرأة أن يشتغلوا بإعادة قراءة النصوص الإسلامية من منظور نسوي بحت.

ترى النسويات أن مشكلة الفقه أنه ذكوري متحيز ضد الأنثى، فلذلك تتصدى له النسويات للمعالجة بقراءة أنثوية، فينقسم الفقه – بل المعرفة والتاريخ أيضاً – إلى رؤية صراعية مع الذكورة، وهذا الإتهام منبعه الجهل بالقواعد والأصول الفقهية، لأن الفقه يخضع لأسس وآليات في الاستنباط والتحليل مقررة في علم أصول الفقه، ومبنية على علوم الكلام واللغة والمنطق، وليس للذكورة والأنوثة فيها مدخل، وهذا لا ينفي أن يتخلل عملية الفهم والاستنباط هذه، موروثات ثقافية أو اجتماعية يفرزها الجو العام فتكون مشكلاتها جزءاً من مشكلة المجتمع ككل، فمشكلة الفقه الذي غلب عليه المنطق القانوني في تصوراته ومعالجاته، إن كانت هي مشكلة، أنه غيّب البعد الإنساني والاجتماعي للمرأة والرجل معاً، ولكن مهمة الفقه ليست توضيح جوانب الرحمة والرأفة في الإسلام، فهناك فروع للعلوم الإسلامية تهتم بمثل هذه الجوانب ولكن الفقه يهتم بالأحكام وتطبيقها كما ورد في الآية (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)(59).

منهج النسويات في التعامل مع الشريعة يعتمد على أفكارهن النسوية وليس على التراث الإسلامي القديم، مع إلغاء اجتهاد السلف وفقهاء الأمة في كثير من الأحيان تحت دعوى المسايرة لحقوق الإنسان، حتي تطاول لسان بعض النسويات الإسلاميات بمعارضة النص القرآني وذلك في مسألة الميراث بدعوى أن الزمان قد تغير فيجب إجراء التغييرات في القوانين المتعلقة بالميراث(60)، كما تتهم أغلب النسويات المذاهب الفقهية، فترى زيبا مير حسنى أن وضع المرأة صار هامشيا كلما ازداد الابتعاد عن عصر الرسول r، ففقدت تأثيرها السياسي وخرست أصواتها في إنتاج المعرفة الدينية وتم حجبها عن التواجد على ساحة العمل الجماهيري، وكانت النساء ضمن أهم رواة الحديث الشريف، ولكن مع ظهور المذاهب الفقهية التي ظهرت بعد وفاة النبي r بنحو قرن من الزمان، قللت تلك المذاهب من قيمة المرأة إلى درجة المتاع الجنسي وفرضت هيمنة الرجل عليها(61).

تعتقد النسويات أن تعاليم القرآن تركز على مبادئ العدل، والإحسان، وكرامة الإنسان، والتقوى، والمودة، والرحمة، ولكن هذه المبادئ لا تظهر في القوانين الإسلامية مع أن العلماء المسلمين يؤكدون على أن مفهوم العدالة متأصل في التعاليم الإسلامية ويعتبر جزءا لا يتجزأ من مفهوم الشريعة الإسلامية. وتتبع النسويات الإسلاميات في التعامل مع الشريعة المنهج الذي تبناه الخطاب العلماني والذي “يحاول فك الارتباط بين المهمة التشريعية للشريعة الموازية للقانون في العرف المعاصر؛ وبين الشريعة من حيث هي منهج عام، حيث يروم إلى نـزع المهمة التشريعية للشريعة، والإبقاء على بعض مضامينها من حيث كونها منهجا عاما ورحمة للناس وهذا التفريغ لبعض مضامين الشريعة يغلب على الخطاب التأويلي”(62) وتفرق النسويات بين الشريعة والفقه مع الإبقاء على مضامين عامة فضفاضة كأنها هي كل الشريعة ولكن الحقيقة هي جزء من الشريعة، فتتجاوز النسويات عن كثير من العقوبات الشرعية أو الحدود اتباعا للخطاب العلماني بهذا الصدد، وهذا التجاوز بسبب “عدم توافق هذه العقوبات مع الحياة المعاصرة، أو أنها لا يتناسب مع الإنسان المعاصر –حسب المفهوم العلماني – مما يسبب حرجا في الخطاب العلماني تجاه الغرب”(63) وهذا كله جزء من محاولات النسوية الإسلامية لإيجاد فقه نسوي(64) Feminist Fiqh)).

ترى مير حسني أن القوانين والممارسات الدينية ليست ثابتة وغير متغيرة ولكنها نتاج ظروف اجتماعية وثقافية محددة، كما أنها تعتبر انتشار الحجاب ظاهرة جديدة تعود إلى فترة الاستعمار في القرن التاسع عشر حينما ظهرت أدبيات إسلامية جعلت من الحجاب “رمزا للشخصية المسلمة وعنصرا من عناصر الإيمان”(65).

كما ترى مير حسني أن القرآن يبقى مشكاة يهتدي بها ومصدرا للهدى، فيؤخذ منه المقاصد والمصالح، وهذه ليست إلا عبارات حق يراد بها باطل لأن هذه الكلمات تستخدم تمهيدا لإقصاء القرآن عن الحياة والتشريع وهذا الهدف واضح في كلامهن (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)(66) حيث ترى النسويات أن القرآن كتاب هداية ورحمة وعدل وليس خزينة القوانين والأحكام التي يمكن أن يتم تطبيقها في كل زمان وفي كل مكان(67)، فهذا يدل على جهلهن بالمقاصد في الشريعة الإسلامية، لأن المقاصد في الإسلام تابعة للنص وخاضعة له ولكل توابعه كالسنة والإجماع والقياس، أما في الخطاب النسوي فإن المقاصد عبارة عن الأهواء والأغراض، ولم يكن هدف الخطاب النسوي من استخدامه للمفاهيم الإسلامية في دراساته هو البقاء في الإطار الإسلامي ولكن التحلل من المرجعية القرآنية دون مجابهة صريحة مع الرأي العام، وذلك بتوظيف مفاهيم ذات أصول قرآنية. كما تذهب النسويات إلى أن ما أنـزله الله من النصوص في القرآن والسنة لا يمكن أن تطبق كلها كما هي، مراعاة للوضع الحالي ونظرا للسياق الذي نـزل فيه الوحي، وكأن لسان حالهم يقول أن هذه النصوص قصص أو أساطير الأولين فلا تتعلق بأحوالنا (وَإِذَا قِيلَ لَهُم مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)(68) لأنهن يعتقدن أن القرآن يفهم حسب السياق التاريخي، ويعني ذلك أن بعض النصوص القرآنية هي خاصة لمن أنـزل إليهم القرآن ولا يتجاوز إلى من بعدهم، وترى بعض النسويات أن الطريق الوحيد للتخلص من التمييز ضد المرأة في النصوص القرآنية هو تجاوز التأويلات الحرفية والأصلية للقرآن وإنتاج نظرية معرفية لإعادة قراءتها طبقا للسياق التاريخي.

وفي الختام، ينبغى أن يلاحظ أن الخطاب التأويلي الذي تتبناه النسويات في الإطار الإسلامي يعد وسيلة لجلب “الشرعية” للمطالب النسوية حتي لا تطرد من الساحة العربية كمستورد غربي، فهذا يشير إلى أن ما يسمى بالنسوية الإسلامية ليس إلا “نبيذا قديما في زجاجة جديدة” ويجب أن يفهم كل من يطلق الاتهامات والانتقادات جزافا على فقهاء الأمة “أن دور الفقهاء ينحصر في فهم التشريع وتنـزيله على الوقائع المختلفة ومناهجهم في الاستنباطات الفقهية ليست وليدة الأهواء وإنما قاموا بذلك تسهيلا لفهم النصوص المؤسسة، ولما كانت النصوص فيها العام والخاص، والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ، والمجمل والمبين، وما إلى ذلك كان لا بد من قواعد ومنهج ينظم هذا الاجتهاد ويصنف مباحثه في أبواب وفصول فكان من ذلك علم الأصول… وأصبح من اللازم لكل ناظر في كل مذهب من مذاهب الأئمة أن يعرف قواعده وأصوله، وعلى كل دارس للكتاب والسنة أن يقرأ أصول هذا الفن وقواعده، وخاصة إذا أراد معرفة استنباط الأحكام السابقة أو تقديم بعض النصوص المتعارضة أو نحو ذلك مما لا يتأتى إلا عن طريق قواعد وأصول هذا الفن”(69).

 

* * *

الهوامش

(1) شهلا شركات ناشطة وكاتبة نسوية إيرانية.

(2) صفحة، 38، خارج السرب، فهمي جدعان.

(3) مارجو بدران كاتبة أمريكية وباحثة في تاريخ الشرق الأوسط والمجتمعات الإسلامية ومتخصصة في الدراسات الجندرية وزميلة في مركز الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي – المسيحي بمركز وودرو ويلسن الدولي للعلماء (Woodrow Wilson International Center for Scholars) بجامعة جورج تاون (Georgtown University) الأمريكية. كتبت كثيرا عن الدراسات النسوية في المجتمعات العربية وخاصة في مصر، ينظر صفحة: 266، A JIHAD FOR JUSTICE: HONORING THE WORK AND LIFE OF AMINA WADUD, Edited by: Kecia Ali, Juliane Hammer, and Laury Silvers

(4) See page:242, Feminism in Islam: Secular and Religious Convergences , Margot Badran, One World, Oxford, 2009

(5) See page:27, DEBATING ‘ISLAMIC FEMINISM’: BETWEEN TURKISH SECULAR FEMINIST AND NORTH AMERICAN ACADEMIC CRITIQUES, Ayca Tomac, Thesis submitted to the Department of Gender Studies for the degree of Master of Arts, Queen’s University, Ontario, Canada, September, 2011

(6) ناشطة نسوية وكاتبة من أصل إيراني ومؤسسة الاتحاد الوطني الإيراني للنساء ((Iranian National Union of Women

(7) See page:57,Women Claim Islam: Creating Islamic Feminism Through Literature, Miriam Cooke, Routledge, New York, USA, 2001

(8) See page:50, Family Law Reform and the Feminist Debate: Actually-Existing Islamic Feminism in the Maghreb and Malaysia, Brad Archer, Journal of International Women’s Studies ,Vol. 8, Issue:4 ,Bridgewater State University, Bridgewater, Massachusetts, May 2007

(9) See page:57,Women Claim Islam: Creating Islamic Feminism Through Literature, Miriam Cooke

(10) See page:26, Peripheral Feminisms: Literary and Sociological Approaches, Edited by Petra Broomans and Margriet van der Waal, Centre for Gender Studies – Euroculture – Globalisation Studies Groningen,University of Groningen, The Netherlands, 2012

(11) See page:30, Women and Gender: The Middle East and the Islamic World, Volume 9: Secular and Islamic Feminist Critiques in the Work of Fatima Mernissi, Rhouni

(12)  See page: 36, Islamic Feminist Discourse in the Eyes of Egyptian Women: A Fieldwork Study, Hana’a El- Marsafy, International Journal of Gender and Women’s Studies,Vol. 2, No. 4, American Research Institute for Policy Development, Wisconsin, USA,December 2014

(13)  See page:60, Women Claim Islam: Creating Islamic Feminism Through Literature, Miriam Cooke

(14) ينظر في المبحث الأخير من هذا البحث.

(15) ينظر صفحة:196، حركات تحرير المرأة:  الأهداف والآليات “دراسة حالة للمجتمع المصري”، د. نجلاء راتب.

(16)  See page:18, Peripheral Feminism: Literary and Sociological Approaches, Edited by Petra Broomans and Margriet van der Waal

(17) صفحة: 39، خارج السرب، فهمي جدعان .

(18) صفحة:24، المصدر السابق.

(19)  Page: 1539, Justice and Equality in Muslim Family Laws: Challenges, Possibilities, and Strategies for Reform, Zainah Anwar and Jana S. Rumminger

(20)  See page:22, Criminalising Sexuality: Zina Laws as Violence Against Women in Muslim Contexts,Ziba Mir-Hosseini

(21) ينظر صفحة:37، خارج السرب.

(22) ينظر صفحة:37، المصدر السابق.

(23) ينظر صفحة:95، اختلاف الفقهاء: تعدد الآراء الفقهية باعتبارها ابتناء اجتماعيا، محمد خالد مسعود، المساواة والعدل في الأسرة المسلمة، تحرير: زينة أنور، أخوات في الإسلام (Musawah) (SIS Forum)، ماليزيا، 2011.

(24)  See page:36, Criminalising Sexuality: Zina Laws as Violence Against Women in Muslim Contexts,Ziba Mir-Hosseini

(25) See page:38, (المصدر السابق)

(26) ينظر صفحة:25، المساواة والعدل في الأسرة المسلمة، تحرير: زينة أنور.

(27) صفحة:167، نشأة قانون الأسرة: أثر الشريعة والعرف والقوانين الاستعمارية على تطور قوانين الأحوال الشخصية، أميرة الأزهري سنبل، المساواة والعدل في الأسرة المسلمة، تحرير: زينة أنور، أخوات في الإسلام (Musawah) (SIS Forum)، ماليزيا، 2011.

(28) ينظر صفحة:22، المساواة والعدل في الأسرة المسلمة، تحرير: زينة أنور.

(29) عبد الكريم سروش (1945م) كاتب ومثقف إيراني، وكان عبد الكريم سروش أستاذا زائرا في جامعة هارفارد في موضوع الإسلام والديمقراطية والدراسات القرآنية وفلسفة التشريع الإسلامي، ودرَّس الفلسفة السياسية الإسلامية في جامعة برنستون، ينظر موقعه الخاص: (http://drsoroush.com/en/biography/)

(30) أسغر على انجنيير (1939- 2013م) ناشط إصلاحي وكاتب هندي من أسرة داوودي بوهرا الشيعية (Dawoodi Bohra) (طائفة البهرة التي تنتمي إلى الشيعة الإسماعيلية) واشتهر بلاهوتيته التحيرية (Liberation Theology) .

(31) زيبا مير حسيني (1952م) عالمة أنثروبولوجيا إيرانية تعيش في المملكة المتحدة، من أبرز المنظرات للنسوية الإسلامية، حصلت على الدكتوراه في علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية من جامعة كامبردج سنة 1980. عملت أستاذة باحثة مشاركة بجامعة لندن وأستاذة زائرة ولها عدة كتب وأبحاث حول المرأة والأحوال الشخصية، ينظر موقعها الشخصي (http://www.zibamirhosseini.com/about/).

(32) See page:1540, Justice and Equality in Muslim Family Laws: Challenges, Possibilities, and Strategies for Reform, Zainah Anwar and Jana S. Rumminger,

(33) ينظر صفحة:25، المساواة والعدل في الأسرة المسلمة، تحرير: زينة أنور.

(34) ينظر صفحة:25، (المصدر السابق) .

(35) Page: 1534, Justice and Equality in Muslim Family Laws: Challenges, Possibilities, and Strategies for Reform, Zainah Anwar and Jana S. Rumminger

(36) See page:33, Islamic Feminism: Current Perspectives, Ed:Anitta Kynsilehto,Tampere Peace Research Institute, University of Tampere, Finland, 2008

(37) صفحة: 179، نشأة قانون الأسرة: أثر الشريعة والعرف والقوانين الاستعمارية على تطور قوانين الأحوال الشخصية، أميرة الأزهري سنبل.

(38) صفحة:27، المساواة والعدل في الأسرة المسلمة، تحرير: زينة أنور.

(39) سورة البقرة: 222.

(40) سورة البقرة: 228.

(41) سورة النساء:2.

(42) سورة النساء:34.

(43) صفحة:29، المساواة والعدل في الأسرة المسلمة، تحرير: زينة أنور.

(44) صفحة:13، (المصدر السابق).

45 See page:1548, Justice and Equality in Muslim Family Laws: Challenges, Possibilities, and Strategies for Reform, Zainah Anwar and Jana S. Rumminger

(46) صفحة:269، ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر: قراءة نقدية إسلامية، د.خالد بن عبد العزيز السيف.

(47) صفحة:137، المصدر السابق.

(48) ينظر صفحة: 353، 354، النص القرآني من تهافت القراءة إلى أفق التدبر: مدخل إلى نقد القراءات وتأصيل علم التدبر القرآني، د. قطب الريسوني، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مغرب، الطبعة الأولى 2010م.

(49) صفحة:44، خطابات دعوى فلسفة التأويل العصري والهرمنوطيقي للقرآن: عرض ونقد، فهمي سالم زبير، رسالة الماجستير تحت إشراف أ.د. عبد الحي حسين الفرماوي، وأ.د.عبد البديع أبو هاشم، كلية أصول الدين، قسم التفسير وعلوم القرآن، جامعة الأزهر الشريف، ديسمبر 2007.

(50) ينظر صفحة:781، العلمانيون والقرآن.

(51) صفحة:712، المرجع السابق.

(52) صفحة:392، المصدر السابق

(53) سورة النساء:3.

(54)  AMINA WADUD AND SISTERS IN ISLAM: A JOURNEY TOWARDS EMPOWERMENT, Zainah Anwar and Rose Ismail, A JIHAD FOR JUSTICE: HONORING THE WORK AND LIFE OF AMINA WADUD, Edited by: Kecia Ali, Juliane Hammer, and Laury Silvers, 48HrBooks, The United States of America, 2012

(55)  See page:48, People Like Us” in Pursuit of God and Rights: Islamic Feminist Discourse and Sisters in Islam in Malaysia, Yasmin Moll, Journal of International Women’s Studies, Issue 1 ,Gender and Islam in Asia, State University, Bridgewater, Massachusetts, Nov, 2009

(56) See page:150, QUR’ANIC HERMENEUTICS AND SEXUAL POLITICS, Asma Barlas

(57) See page:8, Islamic Reform and the Theology of Gender, Amina Wadud,Reformist Women Thinkers in the Islamic World,Middle Eastern Women On The Move, Middle East Project,Woodrow Wilson International Center For Scholars,Washington, Dc,Spring 2009

(58) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه،كتاب فضائل أصحاب النبى r، باب فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r رقم 3650 .

(59) سورة النور:2.

(60)  SEE PAGE:38, CEDAW And MUSLIM FAMILY LAWS: In Search of Common Ground,Project Leader: Zainah Anwar

(61)  See page:35, Criminalising Sexuality: Zina Laws as Violence Against Women in Muslim Contexts,Ziba Mir-Hosseini

(62) صفحة:272، ظاهرة التأويل الحديثة في الفكر العربي المعاصر: قراءة نقدية إسلامية، د. خالد بن عبد العزيز السيف.

(63) صفحة:273، المصدر السابق.

(64)  See page:53, People Like Us” in Pursuit of God and Rights: Islamic Feminist Discourse and Sisters in Islam in Malaysia, Yasmin Moll, Journal of International Women’s Studies, Issue 1 ,Gender and Islam in Asia, State University, Bridgewater, Massachusetts, Nov, 2009

(65)  See page:33, Criminalising Sexuality: Zina Laws as Violence Against Women in Muslim Contexts,Ziba Mir-Hosseini

(66) سورة آل عمران:118.

(67)  See page:15, Secular and Islamic Feminist Critiques in the Work of Fatima Mernissi, Rhouni

(68) سورة النحل:24.

69 صفحة:8، شرح متن المنار في أصول الفقه، زين الدين عبد الرحمان بن أبي بكر المعروف بـ ( ابن العيني)، تحقيق: علاء سمير الطوخي الطواف، دار البيروتي، دمشق، الطبعة الأولى 2010م.

المراجع

  1. “خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية، فهمي جدعان، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2010م.
  2. خطابات دعوى فلسفة التأويل العصري والهرمنوطيقي للقرآن: عرض ونقدK فهمي سالم زبير، رسالة الماجستير تحت إشراف أ.د. عبد الحي حسين الفرماوي، وأ.د. عبد البديع أبو هاشم، كلية أصول الدين، قسم التفسير وعلوم القرآن، جامعة الأزهر الشريف، ديسمبر 2007.
  3. المساواة والعدل في الأسرة المسلمة، تحرير: زينة أنور، أخوات في الإسلام Musawah) (SIS Forum)، ماليزيا، 2011.
  4. النص القرآني من تهافت القراءة إلى أفق التدبر: مدخل إلى نقد القراءات وتأصيل علم التدبر القرآني، د. قطب الريسوني، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مغرب، الطبعة الأولى 2010م.

المراجع باللغة الإنجليزية:

  1. “Control and Sexuality: The Revival of Zina Laws in Muslim Contexts”,Ed: Ziba Mir-Hosseini, Vanja Hamzic (WLUML Publications, 2010).
  2. A JIHAD FOR JUSTICE: HONORING THE WORK AND LIFE OF AMINA WADUD, Edited by: Kecia Ali, Juliane Hammer, and Laury Silvers, 48HrBooks, The United States of America, 2012
  3. Feminism in Islam: Secular and Religious Convergences , Margot Badran, One World, Oxford, 2009
  4. Islamic Feminism: Current Perspectives, Ed:Anitta Kynsilehto,Tampere Peace Research Institute, University of Tampere, Finland, 2008
  5. Justice and Equality in Muslim Family Laws: Challenges, Possibilities, and Strategies for Reform, Zainah Anwar and Jana S. Rumminger, Washington and Lee University Scholarly Law Review, Vol:64, 2007
  6. QUR’ANIC HERMENEUTICS AND SEXUAL POLITICS, Asma Barlas, Cardozo Law Review, New York, 2006
  7. Secular and Islamic Feminist Critiques in the Work of Fatima Mernissi, Rhouni
  8. Women Claim Islam: Creating Islamic Feminism Through Literature, Miriam Cooke, Routledge, New York, USA, 2001
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر