كلمة التحرير

التوافق الوطني

العدد 148

مقدمة:

على التوازي مع المعارك العديدة الدائرة فيها، تشهد الساحة السياسية المصرية معركة ذات طبيعة خاصة حول عدد من المفاهيم/الشعارات التي ارتبطت بواقع الثورة المصرية وما تلاها من أحداث، حيث اشتبكت الأطراف السياسية المختلفة حول هذه المفاهيم/الشعارات، انطلاقا من رؤي سياسية متباينة وتحيزات أيديولوجية متضاربة.

من أهم هذه المفاهيم ما نحن بصدده فى هذه الورقة، ألا وهو مفهوم “التوافق الوطني”، والذي تدّعي كل الأطراف – تقريبا – إيمانها بمضمونه، واستعدادها للانخراط فيما يقتضيه من عمليات، ولكنهم عند التطبيق يختلفون ويتجادلون، ويفترقون ويتعارضون، إذ ينطلق كل طرف من قناعته الخاصة وتصوره الضيق لهذا المفهوم، حتى صار لدينا أكثر من نسخة من نسخ التوافق الوطني، وحتى أصبح الحديث عن التوافق مناسبة لاستثارة مشاعر اللاتوافق، وفرصة لاستدعاء أوجه الخلافات المزمنة والدفع بها إلى صدارة المشهد السياسي، بدلا من أن يكون مناسبة لتحقيق المضمون الذي تنطق به حروف هذا المفهوم.

وتنطلق هذه الورقة من افتراض أن مفهوم التوافق قد تم ابتذاله من قبل معظم الأطراف التي تدعو إليه، أو تدّعي تبنيه. وأن هذا الابتذال ليس ناجما عن جهل هذه الأطراف بمضمون التوافق، ولكنه ناجم عما تقوم به من تأويل مستمر لمعناه كيما يعكس قناعات معينة تؤمن بها وتتحيز لمضامينها.

فالمعارضة ترى أن التوافق لا يتحقق إلا بالعودة لنقطة الصفر، وذلك عبر الكر على كافة الخطوات التي تم إحرازها منذ بداية الثورة بالبطلان، وتوجيه الأحداث في وجهة جديدة تضمن تصدّر القوى المدنية للمشهد السياسي واعتلاءها لمؤسسات الدولة من دون الاحتكام إلى إرادة الجماهير. وقد تم الإفصاح عن هذه الأفكار منذ الأسابيع الأولى للثورة من خلال الدعوة إلى تأجيل الانتخابات التشريعية الأولى، ثم الدعوة إلى صياغة وثيقة مبادئ فوق دستورية، ثم الدعوة إلى إعادة كتابة الدستور، وإعادة انتخابات الرئاسة، ومن خلال الإلحاح على أن الديمقراطية ليست هي الصندوق الانتخابي فحسب، أو أن الديمقراطية لا تتعارض مع التفكير في استدعاء الجيش وقت اللزوم، أو حتى دعوة الغرب للتدخل في الشأن الوطني الداخلي.

العامل المشترك بين هذه الدعوات تمثل فى الرغبة في تحييد الجماهير، وممارسة نوع من الوصاية عليها، واستشعار حالة من الاستعلاء أو عدم الثقة إزاء تفضيلاتها، ومن ثم فإن معنى التوافق الذي يفصح عنه هذا التصور يتضمن نكوصا عن مباديء الفكرة الديموقراطية أو على الأقل التفافا حولها بما يفرغها من محتواها. كما يفصح هذا التصور للتوافق عن أن هاجس الهوية (التي يخشى البعض أن تصير إسلامية أكثر مما ينبغي)، يشغل المعارضة بأكثر مما تشغلها أخطاء النظام السياسي القائم، الذي تتهمه المعارضة بمحاولة الاستئثار بالحكم.

أما الطرف الموجود فى السلطة فإن ممارساته توحى أنه يستخدم التوافق والدعوة إليه كجزء من مناورة سياسية، الغرض منها استهلاك الوقت واستنفاد طاقة الخصوم، أكثر من كونه سعي حقيقي لإيجاد أرضية مشتركة. وفي أحسن الأحوال يمكن تفسير الدعوات المتكررة إلى جلسات الحوار على أنها من ضرورات الشكل الديمقراطي الذي تسعى السلطة إلى الظهور به، ولكن من دون أن تلزم نفسها بنتائجه، حتى صارت هذه الجلسات بمثابة مناسبة لعدم القيام بأي شيء ذي جدوى، فالحوار من أجل الحوار صار هو الشعار الفعلي لكثير من الفاعليات التي تعقد لهذا الغرض، والاستماع إلى المعارضين كان يتم في غالب الأحيان بغرض استيعابهم لا المشاركة معهم في إعادة تأسيس الدولة المصرية.

هذا الابتذال الذي لحق مفهوم التوافق الوطني بفعل ما مارسته الأطراف المختلفة بحقه من تشويه يجعله بحاجة إلى تحرير وتحقيق من منظور سياسي، وخصوصا بعد ان أفسح غياب التوافق المجال أمام سيطرة حالة من الصراع التي تهدد استقرار المجتمع ومقوماته الأساسية.

لماذا صار اللاتوافق يمثل الوضع السائد في الواقع المصري؟

يمثل البحث عن تفسيرات سببية لحالة اللاتوافق السائدة فى المجتمع المصري أحد المداخل المعتبرة للتوصل إلى حالة التوافق المنشود، وفي هذا الإطار تستعرض الورقة على نحو مقتضب عددا من التفسيرات المحتملة لهذه المشكلة.

التفسير الأول يربط اللاتوافق بحالة الانفراج الفكرى والسياسي التي أعقبت ثورة الـ 25 من يناير، حيث تفاجأت القوى الوطنية المختلفة بسعة فضاء الحرية وامتداد أفق الحركة أمامها، بعد أن كانت قد اعتادت العيش فى ضيق الاستبداد وقيود الحكم المتسلط. هذه الحالة من التحرر المفاجيء تولدت عنها حالة من الفوضى، التي مارس في إطارها كل طرف حريته لأقصى مداها، ولم يتوقف بها عند الحد الذي تبدأ عنده حقوق الآخرين.

تفسير آخر يُرجع حالة اللاتوافق إلى المشكلات التى ترتبت علي سياسات النظام السابق والتي يأتي في مقدمتها فشله في تحقيق معنى الرابطة الوطنية، بحيث لم تعد المواطنة بديلاً مقنعاً لأبناء الوطن الواحد، الأمر الذي ترتب عليه أن تعددت خريطة الولاءات، وأصبح لكل طرف شبكة ارتباطات فكرية وسياسية لا تتقاطع بالضرورة مع أولويات الوطن ولا مع مواقف الأطراف الأخرى.

قد يكون مرد حالة اللاتوافق أيضا ضعف خبرة أو ثقافة التعاون بين أبناء الوطن الواحد، إما بسبب التباين الحاد في الخريطة الثقافية السابق الإشارة إليه، وإما بسبب جهود النظام السابق فى إفشال أى مبادرة جماعية، وحرصه على إبقاء المصريين فى حالة من الانعزال والتربص إزاء بعضهم البعض.

من المهم أيضا أخذ التحيزات المرتبطة بمظالم العهد السابق فى الاعتبار، فكثير من الأطراف يتبنى قناعات مفادها أن من تعذب أكثر يحق له أن يرث أكثر. وقد أدى هذا إلى تنازع بين الأطراف التي يعتقد كل منها أنه الأجدر بالتعويض، والأولى بالسلطة، والأحق بالانفراد بالحكم.

يبقى القول أن ظهور وتنامي الاختلافات عبر الزمن هي فكرة لصيقة بالتكوينات الاجتماعية، فالمنظومات الاجتماعية ما لم تتدافع وتتفاعل فيما بينها على نحو يعمق التفاهم والتوافق بين عناصرها، فإنها تتحرك باتجاه الانقسام المتزايد، بل وتواجه خطر الوقوع في الفوضى. هذه الحالة تظهر بدرجة أكبر بطبيعة الحال في أعقاب الثورات والنقلات الاجتماعية الكبرى، وذلك ما لم تتوافر المشاريع الفكرية الجامعة والقادة القادرون على مواجهة خطر التشظى والانقسام.

ونظرا لأن من خاضوا غمار الثورة المصرية قد جمعهم فعل الثورة قبل أن تجمعهم فكرة الثورة، فإنهم قد افتقروا إلى مثل هذه المشاريع الجامعة، ولم يكن لديهم برنامج محدد ينطلقون منه في تظاهرهم ولا أفكار مرجعية يستلهمونها فى ثورتهم اللهم إلا مجموعة الشعارات التي تحركت بها حناجرهم، وأفرزتها اللحظة الثورية الساخنة. الآن يتعين تحقيق المتطلب السابق لنجاح الثورات؛ أي التوافق حول الأفكار المرجعية، وهي الأفكار التي تتأسس عليها أنظمة ما بعد الثورات، وتمثل البنود الأساسية في أي عقد اجتماعي يسعى الأفراد إلى بناء وطنهم على وفق بنوده.

ويرتبط بالنقطة السابقة حقيقة أن الثورة المصرية لم تكن لها قيادة واضحة تقود مسيرة البلاد فيما بعد هدوء رياح الاحتجاج مستظلة بشرعيتها الثورية، فقد تشكل الجسد الثوري فيما غابت عنه الرأس، الأمر الذي يجعل من السعي نحو تحقيق التوافق بين أطراف وأجزاء هذا الجسد ضرورة، حتى يتخلق من توافقهم جهازا عصبيا مركزيا يقود حركة جسد الوطن ويحكم خياراته المستقبلية.

وبناء عليه فإنه أيا ما كانت الأسباب التي جعلت من اللاتوافق أمرا واقعا فى حياة المصريين فإن من الضروري أن يتم البدء في البحث عن صيغة تقي من تحوله إلى داء مزمن، وتضمن ألا تتحول الاختلافات المترتبة عليه، أو المتسببة فيه، إلى شروخ دائمة، وتضع سقفاً معيناً للتنافس بما يضمن ألا يتحول إلى صراع، وترمم الشقوق قبل أن تنتهي إلى تصدعات تهدد سلامة بناء الوطن بأكمله.

التوافق الوطنى بهذا المعنى يعكس ضرورة عملية وليس مجرد جهد نظري، فكل طرف من الأطراف له حق وعليه واجب إزاء هذا الوطن، ولا يتحقق التوزيع العادل للحقوق والواجبات إلا بالتوافق، فلا يمكن إجبار طرف ان يتحمل واجبات طرف آخر، ولا يحق لطرف أن يستأثر بحقوق غيره.

* متطلبات التوافق الوطني:

ثمة متطلبات ضرورية تسبق مرحلة البحث عن توافق وطني، هذه المتطلبات يمكن تلخيصها فيما يلي:

1- استغلال المساحات المشتركة:

فأيا ما يكن عمق الخلافات، فلابد وأن هناك مساحات تتقارب فيها وجهات النظر، أو على الأقل لا تكون الخلافات فيها خلافات جوهرية أو عقائدية. هذه المساحات لابد وأن يسلط عليها الضوء، وأن تستغل، وتنمى، بحيث تتزايد رقعتها مع الوقت، كما إن من الضروري أن يتم تطوير وسائل وصيغ التفاعل المناسبة التي تضمن ألا تتآكل هذه المساحات أو تتناقص مع مرور الوقت.

2- إدراك طبيعة المرحلة الجديدة:

فقد ورثت الأطراف المختلفة خلافات عهد مضي، وهى تحملها عن وعي أو عن غير وعي إلى عهد جديد له معطياته المختلفة. وتكمن الآفة هنا فى عدم إدراك خصوصية اللحظة الجديدة، وفي عدم إدراك طبيعة النقلة التي شهدها الواقع المصري، والتي تستلزم نقلة موازية فى الإدراكات وفي القناعات، فليس من المقبول أو المعقول أن يتم الولوج إلى سياق جديد، بأفكار وخلافات ومشكلات تنتمي لسياقات قديمة.

3- الخروج من الكانتونات الفكرية:

فحالة الانعزال الإجباري التي كان النظام القديم يفرضها على الجميع، نظرا لخشيته من أى تفاعل إيجابي يحدث بموجبه استثمار لطاقات هذا الوطن على نحو جماعي، هذه الحالة قد انتفت، ولذا فإنه من غير المقبول أن تظل قوى الوطن الواحد على حالها من التربص ببعضها البعض، ومن خشيتها المتبادلة من الانفتاح على بعضها البعض.

* ما هو التوافق وما أهم المقولات المرتبطة به؟

التوافق كما يوحي اسمه يتضمن “الاتفاق” حول “المشترك”، ووضع “قواعد” التفاعل الاجتماعي والسياسي التي تضمن ألا ينهار هذا الاتفاق، وألا يخرج هذا التفاعل عن حدود معينة تأتي على أسس التكوين الاجتماعي نفسه.

التوافق بالمعنى السابق يمثل ضرورة لمرحلة البناء والتأسيس، وهو بديل للعنف الذي يهدد حاضر الأمة ومستقبلها.

ولا يتحقق التوافق إلا بين القوى التي تؤمن به وتراهن على نجاحه وتتبناه كمشروع وليس كمناورة.

ويتضمن التوافق محاولة علاج ما هو قائم وما هو محتمل من مشكلات تتهدد استقرار المجتمع وبقاءه. وذلك عبر تطوير آليات لإدارة الخلاف، وتحديد الاختلافات الأصلية والاختلافات الفرعية، والاختلافات الكلية والاختلافات الجزئية.

فالتوافق يشير إلى عملية تخص الوطن بأكمله ولا تخص فصيلاً بعينه، ولذا فإنه يصاغ حول أولويات ومصالح الوطن، وليس على أساس أولويات ومصالح فصيل أو جماعة أو فرد.

وقد يقتضي التوافق تحييد بعض الولاءات الفرعية على الأقل في مرحلة التأسيس.

وينطلق أي مشروع للتوافق من تصور للواقع بكافة تضاريسه، ومن فهم كامل لطبيعة القوى المؤثرة فيه، بأوزانها النسبية الحقيقية، والتي تصنعها قدرتها على التأثير الإيجابي في هذا الواقع.

ولا ينطلق التوافق من فراغ أو من أوضاع افتراضية، وإنما من واقع به من الفرص مثل ما به من التحديات على مستوى الداخل وعلى مستوى الخارج.

على المستوى الداخلي؛ عادة ما تكون مؤسسات وترتيبات ما قبل التوافق معيبة، ورغم ذلك يتعين الاستفادة من حقيقة وجودها لا نفيها بالكلية.

ومن ناحية أخرى فإن حسابات الداخل ينبغي ألا تغفل وجود الخارج، على ألا يتضمن هذا انبطاحاً وقائيا، وتضييعا لفرص بحجة أن الخارج قد لا يقبل بها.

* هل التوافق عملية مستمرة أم غاية نهائية؟

من الضروري الاتفاق حول ما إذا كان سيتم النظر إلى التوافق على أنه عملية مستمرة أم غاية يتم تحقيقها مرة وللأبد. وفي هذا السياق توجد وجهتا نظر:

الأولى ترى أنه فى السياق التأسيسي الذي تعيشه البلاد من المهم أن يتحول التوافق الوطنى إلى عملية ملازمة لمسار التحول نحو الدولة الجديدة، وتقترح وجهة النظر هذه أن يتم التفكير في تحويل التوافق إلى مؤسسة دائمة تتصدى للانقسامات وقت ظهورها وتستدعي للتفعيل في وقت الحاجة.

فيما تذهب وجهة النظر الثانية إلى أهمية أن يسعى مشروع التوافق الوطنى إلى صياغة نسق أخلاقي تام ونهائي، يلتزم به الجميع كميثاق شرف ملزم، بحيث لا يتم التأكيد على مفرداته فى كل مرة، وإنما يكمن فى خلفية أى تنافس أو خلاف سياسي مستقبلي.

* فيما يكون التوافق؟

يتكون التوافق بالأساس حول الموضوعات التي تحفظ للمجتمع تماسكه واستقراره، وهي موضوعات الحد الأدني، التي لا يجوز الاختلاف حولها ولا يستساغ التنازع بشأنها. مثل موضوعات الهوية، اللغة، المصلحة القومية، التهديدات الكبرى وكيفية مواجهتها.

هذا الحد الأدنى هو ما يضمن ألا يتحول أى خلاف مستقبلي إلى تناحر حول الأسس المجتمعية، وألا يتحول التنافس إلى صراع، وهو الذي يضع سقفًا معينًا للنـزاعات إذا نشبت، فتفْهم الأطراف المتخاصمة حدود نـزاعها، فلا تقوم باستدعاء أطراف خارجية مثلاً، كما تمتنع عن الاستقواء بالجهات التي تحتكر استخدام العنف، مثل الشرطة أو الجيش، على المستوى الداخلي.

* خطوات تحقيق التوافق:

1. وصف الواقع، وتحديد القوى الفاعلة فيه، وتحديد طريقة تمثيلها في إدارة التوافق.

2. تحديد قائمة بأهم الموضوعات والقضايا التي يتعين تحقيق التوافق حولها.

3. تحديد أولويات القضايا والموضوعات مثار الخلاف.

4. رسم خريطة تحدد أهم تضاريس مساحات الاتفاق والاختلاف بين القوى الفاعلة في المجتمع فى القضايا محل الاهتمام.

5. تحديد القواعد والإجراءات الخاصة بإدارة الخلاف حال ظهوره بشأن مستجدات لم يتم التوافق حولها.

* بين من يتم التوافق الوطني؟

من المهم أن تكون الأطراف التي تستدعى للحوار وللنقاش حول التوافق ذات “وجود حقيقي” فى المجتمع، وألا يكون وجودها مصطنعاً عبر القنوات الفضائية أو المنابر الإعلامية فقط.

وينبغى ألا يقاس هذا الوجود بمجرد القدرة على التأثير؛ ولكن بالقدرة على “التأثير الإيجابي”، فلا يمكن على سبيل المثال اعتبار الأطراف التي تستخدم العنف كوسيلة للتأثير من الأطراف المؤهلة لصناعة التوافق.

وفي كل الأحوال ينبغي أن يحقق مشروع التوافق قدرا من التواصل مع الشعب بوصفه رمانة الميزان الحقيقية فى واقع ما بعد الثورة (وخصوصا فى ضوء أن ثمة أطراف تحرص على أن تتجاوز الشعب أو تمارس الوصاية عليه بأى طريقة فى إطار دعوتها لتحقيق التوافق).

* ما الذي يفسد التوافق الوطني، أو ما هي عقبات تحقيق التوافق الوطني؟

1. المثالية المبالغ فيها، والتي تفترض أن التوافق يتضمن إلغاء الاختلافات، أو يقضي على التحيزات الأيديولوجية على نحو كامل.

2. أن تكون الأطراف المختلفة التي تدعو إلى التوافق أو التي تُدعى إليه لا تؤمن به أصلاً ولا تقتنع بجدواه.

3. إضمار النية فى التنصل مما يتم الاتفاق حوله، وهذا كفيل بأن يهدم كل احتمال لنجاح التوافق، على اعتبار أن انتواء التحلل من الالتزامات قبل إبرامها، يولد أزمة ثقة لا يمكن معالجتها فيما بعد.

4. ألا يكون هناك ترتيب واضح لأولويات القضايا أو التهديدات التي تتهدد الوطن والتي تقتضي تحقيق التوافق حولها.

5. أن تحترف المعارضة نقد من هم في مواقع السلطة، مع عدم تقديم البدائل، أو أن تحاول إسقاطهم بشتى الوسائل حتى لو ترتب على ذلك تهديد الوطن بأكمله.

6. ألا يعي من هم بالسلطة أن ظهور الاختلافات هو أمر طبيعي، أو أن يعتبروا أن معارضة سياستهم في إدارة الدولة نوع من الخيانة أو شق الصف أو الطعن من الخلف.

7. ألا يعي الفرقاء السياسيون مخاطر فشل التوافق، وأن الوطن بأكمله وليس شخوصهم أو جماعاتهم هو من يتحمل عاقبة هذا الفشل.

* ما هي التوابع المحتملة لفشل التوافق الوطني؟

1. من دون “توافق” لن يكون هناك سقف للنـزاعات، ويصبح من الوارد دوما أن يتحول أى خلاف سياسي إلى تصدع مزمن في بناء المجتمع.

2. من ناحية أخرى فإن ضعف الجبهة الداخلية الناتج عن غياب الحد الأدنى من التوافق يفسح المجال أمام تهديدات الخارج لكى تحدث تأثيرها، ويتيح تغلغل العناصر الهدامة، وتتفشى أنشطة جمع المعلومات لصالح الأطراف المعادية.

3. وأخيرا فإن الجماهير تعطي للفرقاء السياسيين (من هم في الحكم ومن هم في المعارضة) الفرصة لتحقيق التوافق، ولكنها عند مرحلة معينة تخلع عنهم غطاء الشرعية جميعا، وذلك إذا ما استشعرت أن الانقسامات فيما بينهم تتهدد المجتمع ككل.

* * *

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر