المادة 2 من الدستور:
1- تنص المادة 2 من الدستور المصري الصادر في 12/9/1971 على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي “المصدر الرئيسي” للتشريع. وذلك وفقا للاستفتاء الذي أجرى في 22/5/1980، وكانت المادة في صيغتها قبل التعديل تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية “مصدر رئيسي” للتشريع، أي أن التعديل أضاف أداة التعريف (ال) بما يعني حصر المرجعية في الشريعة، وكان البعض يرى عدم الحاجة إلى هذه الإضافة باعتبار أن النص في نفس المادة على أن الإسلام دين الدولة يغني عن هذه الإضافة، لأن الدولة كشخص معنوي لا يتصور أن يكون لها دين بمعنى العقيدة والعبادة وأن الدين في هذا السياق يقصد به نظام الحياة وأهم تعبيرات هذا النظام هو الشريعة التي تحكمه، فكأنه من قبيل تحصيل الحاصل الذي لا يضيف جديدا.
2- تكاد تجمع اتجاهات القوى السياسية المختلفة بما في ذلك الأقباط على بقاء نص المادة الثانية في الدستور الجديد للجمهورية الثانية.
3- ويرى الأقباط – ويوافقهم على رأيهم بعض القوى الأخرى – إضافة فقرة إلى المادة الثانية تفيد أن لأصحاب الديانات السماوية الأخرى الحق في أن يخضعوا في أمور أحوالهم الشخصية لشرائعهم الدينية. ويرى البعض أن هذه الإضافة هي من قبيل تحصيل الحاصل الذي لا يضيف جديدا باعتبار أن الشريعة الإسلامية – صاحبة المرجعية في التشريع – تنص على هذا الحق، حيث ترسي قاعدة “تركهم وما يدينون” كاستثناء من قاعدة “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”. ولا بأس بهذه الإضافة على كل حال إذا كانت تفيد في زيادة البيان والطمأنينة.
4- بقى أن نشير إلى أن معنى “مبادئ” الشريعة الإسلامية يحتاج إلى تحديد: فالمبدأ في الاصطلاح القانوني يقابله القاعدة في الاصطلاح الفقهي أي الأمر الكلي الذي يندرج تحته جزئيات عدة، مثال ذلك :
– العقد شريعة المتعاقدين.
– العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.
– الحدود تدرأ بالشبهات.
– درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
– ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فهذه كلها “قواعد” في الاصطلاح الفقهي، وهي “مبادئ” في الاصطلاح القانوني، وبهذا التحديد نستبعد التفسير الضيق الذي ذهبت إليه المحكمة الدستورية حين عرفت المبادئ بأنها الأحكام القطعية الورود القطعية الدلالة، إذ المستقر شرعا قبول الاستدلال بالنصوص الظنية الورود – كأحاديث الآحاد – والظنية الدلالة – كمعظم الآيات والأحاديث التي تحتمل أكثر من معنى
5- يطالب بعض السلفيين بتعديل المادة الثانية من الدستور بأن يكون النص على أن “أحكام” الشريعة الإسلامية – وليس مبادئها – هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وهنا ينبغي أن نوضح أن هذه “الأحكام” هي نتاج اجتهاد الفقهاء أي فهمهم البشري للقرآن والسنة.
هذا الاقتراح – بنقله مصدرية التشريع من المبادئ الكلية إلى الأحكام الجزئية – يطرح سؤالاً هامًا في حالة تعدد الأحكام الجزئية في المسألة الواحدة بصورة تختلف من مذهب إلى آخر وهو: ماذا نختار من بين هذه الآراء ليتم تقنينه، وسوف نعالج موضوع التفسير هذا لاحقا.
6- ويطالب بعض العلمانيين بتعديل المادة الثانية من الدستور بأن يكون النص على أن “مقاصد” الشريعة الإسلامية – وليس مبادئها – هي المصدر الرئيسي للتشريع.
ولا يخفى المقصد من وراء هذا الاقتراح، فهو تمييع لقضية تطبيق الشريعة وإحلال المقاصد – التي لا تختلف عليها أمة من الأمم – محلها.
لقد نص القرآن على القيم المشتركة بين الأديان السماوية (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) ولا بأس من النص على هذه القيم في الدستور أو في وثيقة مستقلة مكملة للدستور لتكون قيدًا على حرية السلطة التشريعية في إصدار قوانين مخالفة لهذه القيم، مثل إباحة المثلية الجنسية وإلغاء عقوبة الإعدام وغير ذلك مما تحرص “الحضارة” الغربية على تصديره إلينا.
وكما نص القرآن على هذه القيم المشتركة، نص كذلك على ما انفردت به كل شريعة مما يميز هويتها انطلاقا من تصريحه (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا).
لذلك فإننا ننكر حصر “مبادئ” الشريعة في مقاصدها.
وللحديث بقية