أبحاث

الفكر الكلامي عند الشاطبي وابن خلدون: مقاربة معرفية منهجية

العدد 136

مقدمة:

إن التطور التاريخي للعلوم الاسلامية يسجل بقوة حضور البعد العقدي في الكتابات العلمية لمفكري الاسلام، ولذلك ينذر- أو على سبيل القطع- بعدم وجود أحد من العلماء مجردا عن رؤية عقدية من الرؤى والاتجاهات المعروفة عبر تاريخ علم الكلام، وحتى الذين سلكوا منهم طريقا مجانبا للبحث في العلوم الأكثر ارتباطا بعلوم الشريعة، كالفقه وأصوله والحديث..، يشملهم هذا الحكم، كابن خلدون مثلا، الذي اشتهر بالكتابة التاريخية والعمرانية.

وقد تردد أكثر من باحث في تحديد الاتجاه الكلامي لكل من الشاطبي وابن خلدون، كأحمد الطيب(1) الذي احتار في إلحاق أبي إسحاق بأحد الاتجاهات المعروفة، والحيرة نفسها تملكت عمر فروخ(2) في تصنيف فكر الكلامي لابن خلدون.

تأتي هذه الدراسة للنظر في مدى كلامية الشاطبي وابن خلدون وحدود تلازم الارتباط الكلي بتلك التصنيفات التقليدية، وللبحث في أبعاد التداخل العلمي بين علم الكلام من جهة وعلمي أصول الفقه وعلم أصول التاريخ من جهة ثانية، وأخيرًا للبحث في نطاقات الاستصحاب العقدي في دراسات كل من الشاطبي وابن خلدون.

أولا:  في التداخل المعرفي

أ-  في التداخل الأصولي الكلامي

إن التداخل المعرفي الذي حصل بين المعرفتين الأصولية الكلامية، منذ البدايات الأولى لعلم أصول الفقه، كان له واضح الأثر على منهجيات الدرس الأصولي التي تفرعت وتشعبت فيما بعد، سواء على مستوى الرؤية الحاكمة في الموضوع؛ ومثال ذلك إشكال التعليل، أو على مستوى الاستدلال على المسائل الأصولية؛ كإشكال الاستقراء، تبعا للأدوات العلمية المستثمرة.

وعليه، لا يمكن للنظر الأصولي عند الإمام الشاطبي أن يخرج عن هذا الثابت التاريخي في الممارسة الأصولية، خصوصا إذا استصحبنا في أذهاننا تلك المواقف التصحيحية. والمراجعات العلمية لأساليب الدراسة والتحليل التي تزخر بها تصانيفه لمناهج النظر لدى بعض الأصوليين، الذين ترجموا لمرجعياتهم المستند إليها في مدوناتهم الأصولية ومباحثهم العلمية، و التي أثرت بكل قوة على بعض الآراء العلمية إلى حدود ترجيح حضورها على صحيح النظر المعتبر في عدد من المباحث.

وهذا الأمر ليس غريبا، ما دام قد تم التنبيه عليه مند أمد بعيد من تاريخ علم الأصول، فهذا علاء الدين الحنفي يقول: “اعلم أن أصول الفقه فرع لأصول الدين، فكان من الضرورة أن يقع التصنيف فيه على اعتقاد مصنف الكتاب”(3).

ولا شك أن هذا التباين في المرجعيات العقدية يستلزم ضرورة تباينا في المواقف النظرية من حيث اختبار الخطأ والصواب فيها، وهذا أمر في غاية الأهمية والخطورة بالنسبة لمسائل أصول العقيدة، خصوصا إذا انتقل الأمر إلى قضايا أخرى متفرعة عن العقيدة كمسائل أصول الفقه والفقه، لأن الخلاف الفقهي الناشئ عن الخلاف في اعتبار الأصول لا يقل أثرا عن الخلاف الأصولي العائد إلى الخلاف الكلامي.

كما أن دواعي النظر الكلامي المرتبطة بالعمل على حفظ الخطاب الشرعي في جانبه العقدي، والذي ستتفرع عنه أحكام عقدية جازمة وقاطعة، لا تساهل فيها مع مخالفها، هذه الدواعي ستنتقل إلى أساليب البحث ومناهجه في علم الأصول، مما ستخدم الخلاف والنزاع بين الأصوليين، وهذا ما ألمح إليه الشاطبي حين قال: “إن المخالف في أصل من أصول الشريعة العملية، لا يقصر عن الخلاف في أصل من الأصول الاعتقادية في هدم القواعد الشرعية”(4) .

وهذا في اعتقادي، كان من أهم الأسباب الباعثة على ضرورة الفصل بين المباحث ذات البعد الكلامي عن المباحث الأصولية المختصة، بالنظر إلى الاختلاف العلمي بينهما، من جانب المقاصد والأساليب والموضوع والنتائج المترتبة عن ذلك.

ب-  في التداخل التاريخي الكلامي

لا يصل مستوى التداخل المعرفي بين علم الكلام والتاريخ إلى ذلك التقاطع المعرفي والمنهجي الكبير الذي حصل بين علمي الأصول والكلام، وذلك لأسباب عدة منها:

-أن البداية المحتشمة لعلم التاريخ وغير المنضبطة، إلى أن استوت سفينتها على شاطئ الفكر الخلدوني خصوصا مع كتابه المقدمة، أجَّلت ذلك التداخل والتكامل المعرفيين وإن بدت بوادرهما من قبل بعض المحاولات التأريخية غير المباشرة مع الطبري والمسعودي، وغيرهما.

-أن علم الكلام علم مقصود ومطلوب من حيث ارتباطه المباشر مع التمثل التعبدي في حياة الإنسان، عكس علم أصول التاريخ الذي لا يحوز نفس الدرجة، لذلك فإن أوجه التداخل يصعب إدراكها ورسم معالمها.

وعلى الرغم من ذلك فلا يعدم البحث الوقوف والعثور على بعض الروابط المعرفية أو المنهجية بينهما، فالدراسات الكلامية لا يسعفها النظر في المباحث المختصة دون التحقيق في المراحل التاريخية التي مر بها علم الكلام، كما أن ذلك من شأنه الإسهام في فقه الأسس العلمية الفاعلة في تاريخ الفكر العقدي، يقول ابن خلدون: “وإذا تأملت حال هذا الفن في حدوثه وكيف تدرج كلام الناس فيه صدرا بعد صدر وكلهم يفرض العقائد صحيحة ويستنهض الحجج والأدلة علمت حينئذ ما قررناه لك في موضوع   الفن وأنه لا يعدوه”(5). أي ظروف نشأته وتطوره كما حددها من قبل.

بل إن التحقيق التاريخي لعلم الكلام سيكشف عن أسباب ظهور المذاهب الكلامية، وعوامل تطورها وانتشارها، يقول ابن خلدون:” فلنقدم هنا لطيفة في برهان عقلي يكشف لنا عن التوحيد على أقرب الطرق والمآخذ، ثم نرجع إلى تحقيق علمه وفيما ينظر ويشير إلى حدوثه في الملة، وما دعا إلى وضعه “(6)، ولعل الكتابات الخلدونية في هذا المجال خير مثال على ذلك، فحينما يتحدث ابن خلدون عن تاريخ علم الكلام في إحدى فصول المقدمة سيتكشف للقارئ ذلك الربط التاريخي والتسلسل الزمني للكتابة الكلامية وتطورها وكذا نشأة مذاهبها وتطورها، ويقول في هذا الصدد: “هذه أمهات العقائد الإيمانية معللة بأدلتها العقلية، أدلتها من الكتاب والسنة كثير وعن تلك الأدلة أخذها السلف وأرشد إليها العلماء وحققها الأئمة إلا أنه عرض بعد ذلك خلاف في تفاصيل هذه العقائد أكثر مثارها من الآي المتشابهة فدعا ذلك إلى الخصام والتناظر والاستدلال بالعقل وزيادة إلى النقل فحدث بذلك علم الكلام”(7).

وتبدو وثاقة العلاقة بين علمي الكلام وأصول التاريخ في التفسير العقدي للأحداث والتطورات التاريخية المشروطة بالرؤية والتصور الخلدوني، حيث نلمس حضور البعد المذهبي في علم العقيدة بين ثنايا الكتابات الخلدونية، لأنه كما وقع التصنيف في علم أصول الفقه على اعتقاد المصنف فلا شيء يمنع وقوعه ووروده بنفس الأثر على الكتابة التاريخية، وهذا ما يظهر على المقدمة أيضا.

كما أن النبش التاريخي في قضايا علم الكلام سيكشف لا محالة عن بعض المسائل الخاضعة لتطورها؛ كقضية الإمامة مثلا التي يطلعنا ابن خلدون كيف ارتبط تاريخها بهذا العلم رغم أنها لم تكن جزءا منه حين نشأته، يقول: “وقصارى أمر الإمامة أنها قضية مصلحية إجتماعية ولا تلحق بالعقائد، فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن وسموا مجموعه علم الكلام”(8).

ثانيا: في أهم القضايا الكلامية

أ: التحسين والتقبيح

يجدر التنبيه بداية إلى الانقسام الحاصل في هذه المسألة بين العلماء، فمن سُموا بالمعتزلة يحفظ عنهم القول بالتحسين والتقبيح العقليين، واستقلال العقل بالإدراك لمكامن الحسن والقبح في الذوات والأعيان، فالحسن والقبح ذاتيان في الأشياء والأفعال والأحكام من حيث اعتبار العقل، وهو قادر على التمييز بين الصالح منها والطالح، والعقل عندهم لقدرته النظرية بإمكانه معرفة الحسن والقبح قبل حضور النص والشرع. ثم إنهم قسموا ذلك إلى ما يستدرك بمحض العقل، وإلى ما لا يستدرك إلا بانضمام الشرع إليه، كحسن الزكوات، والصلوات وأنواع العبادات، لأن مصالحهما الخفية لا يطلع عليها بالتنبيه العقلي.

“وما يستدرك بمحض العقل على زعمهم ينقسم إلى:

المعلوم بضرورة العقل عندهم، كحسن الشكر وإنقاذ الغرقى والهلكى، وكقبح الإيلام ابتداء، أو الكذب الذي لا غرض فيه .

وإلى المعلوم بالنظر كالكذب الذي يرتبط به غرض”(9).

قال القرافي: “وعند المعتزلة هو عقلي لا يفتقر إلى ورود الشرائع، بل العقل يستقل بثبوته قبل الرسل، وإنما الشرائع مؤكدة لحكم العقل، فيما علمه ضرورة كالعلم بحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضار، أو نظرا كحسن الصدق الضار وقبح الكذب النافع، أو مظهرة لما يعلمه العقل ضرورة ولا نظرا، كصوم آخر يوم من رمضان، وتحريم أول يوم من شوال”(10).

وحجتهم في ذلك أن “الزمن الإدراكي” القبلي للعقل معلوم لاستحالة إدراكه، والعلم به في الوقت الإيرادي للشرع ما لم يكن متصورا ومعقولا، يقول الشوكاني: “واحتج المثبتون للتحسين والتقبيح العقليين بأن الحسن والقبح لو لم يكونا معلومين قبل الشرع، لاستحال أن يعلما عند وروده، لأنهما إن لم يكونا معلومين قبله، فعند وروده بهما يكون واردا بما لا يعقله السامع، ولا يتصوره ،ذلك محال، فوجب أن يكونا معلومين قبل وروده”(11).

أما من سُموا بالأشاعرة فهم على خلاف السابقين، فالشرع هو الحاكم على قيم الأشياء والأفعال والأحكام، وصفاتها، إما بالحسن أو القبح، يقول أبو منصور البغدادي: “اعلموا أن الأمور العقلية يدل عليها العقل قبل ورود الشرع، والأحكام الشرعية لا دليل عليها غير الشرع”(12)، فلا استقلال للعقل في إدراك ذلك، وإن توافق معه في إطلاق الحكم، “لأنها ليست مستعدة لأن تحكم دائما حكما صادقا، لأن الأهواء كثيرا ما تزيغ بالعقول، فتجعلها تراعي في حكمها مصلحة الجزء الأقل، وتتغافل عن مصلحة الجزء الأعظم من المجتمع، فتحكم على الفعل بحسن أو قبح حكما غير صادق”(13)، كما أنها لا تحمل صفات ثابتة ثبوتا ذاتيا، فليس الحكم المضاف إلى متعلقه صفة فيه ثابتة، “فإذا قلنا شرب الخمر محرم، لم يكن التحريم صفة ذاتية للشرب عند الضرورة، فهو كالشرب المحرم عند الاختيار، والمعنى بكونه محرما أنه متعلق النهي، وبكونه واجبا متعلق الأمر، وليس لما يتعلق به قول قائل على جهة صفو حقيقية من ذلك القول”(14).

كما أنه في المقابل “إذا كان الأمر من الله تعالى صار وجود المأمور به منا واجبا علينا لله تعالى، ولا يجوز في الحكمة أن يجب علينا إيجاده لله تعالى إلا لحسنه عند الله تعالى على الحقيقة،”(15). يقول القرافي: “وعندنا الشرائع الواردة منشئة للجميع، فعلى رأينا لا يثبت حكم قبل الشرع خلافا للمعتزلة في قولهم: إن كل ما يثبت بعد الشرع فهو ثابت قبله”(16).

وهناك من سُموا بالماتريدية، وموقفهم لا يبتعد كثيرا عن المعتزلة فهم يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين أي أن الحسن والقبح ذاتيين وعينيين(17) في الأشياء بالنظر العقلي، دون احتكام لضرورة الشرع، غير أنهم مختلفون مع المعتزلة في قضايا الأحكام الفقهية والتكاليف الشرعية، إذ يفتقر إلى النقل وإن تم إثباتها عندهم بالعقل.

غير أن أقوى الاتجاهات التي فرضت نفسها عبر تاريخ علم الكلام، الاتجاهان(18) الأولان حيث عظم الخلاف بينهما، ويشمل النزاع قضايا أصولية خارجة عن مجال علم الكلام.

ب : التعليل

يربط بين هذه المسألة والتي سبقتها ميثاق دقيق، لأن القول بالتحسين والتقبيح العقليين، أو عدم القول بهما سيتفرع عنه النظر في الأحكام الشرعية، وأفعاله جل وعلا بأنها معللة، أو غير معللة.

أما القائلون بالحسن والقبح في الذوات، فلا يسعهم إلا التزام مذهب التعليل في أفعال الله تعالى وأحكامه الشرعية، و أن لكل معلول علة، وعليه وجب تعليل أفعاله وأحكامه، وأنه لا يمكن أن يصدر عنه فعل أو حكم إلا معللا بعلة أو غرض. “وخلاصة استدلالهم: أنه لو لم تكن معللة لزم العبث عليه تعالى، وهو منفي باتفاق، ولزم أن لا يقع الفعل لانتفاء الداعي على القول بعدم التعليل، والداعي شرط لا بد منه في الوقوع، وتسليم المخالف لوجود الحكم، وأنها غير باعثة ومقصودة، يترتب عليه أن يكون نظام العالم ومحاسن الشريعة كلها اتفاقية، وفيه من إلحاق النقص بالباري جل وعلا ما لا يخفى”(19).

أما الأشاعرة فمنع تعليل الأحكام مذهبهم، على سبيل الإجمال، أما تفصيلا فإن بعضهم لا ينكر التعليل على سبيل الجواز، وتجنبا للسقوط في مذهب أهل الاعتزال القائلين بوجوبه، وبعضهم الآخر ينفيه، ويجعله ضربا من المحال تحاشيا للزلل والتقاطع مع ضرورة الحاجة إلى الغير في الاستكمال، يقول مصطفى شلبي: “وذهب الأشاعرة كلهم أو بعضهم إلى منع التعليل، على معنى استحالته أو عدم وجوبه، كما اختلف النقل والترجيح عنهم، فمن قائل: حقيقة المذهب أنه لا يجب التعليل، لأنه في مقابل قول المعتزلة بالوجوب، ومقتضى هذا أنه يجوز، وهو ما عبر عنه بعضهم بأنها معللة تفضلا وإحسانا، ومن قائل: إن مذهبهم استحالة التعليل كما نطقت به بعض الأدلة من لزوم الاستكمال بالغير، وهذا كما يلزم التعليل يلزم جوازه”(20).

بعد هذا العرض لأهم المسالك العلمية لكل من الأشاعرة والمعتزلة من أهم القضايا المرجعية، وفي ظل هذا التباين من مسألتي التحسين والتقبيح العقليين، ثم تعليل الأحكام، يمكنني  أن أتساءل:

ما هو موقف الشاطبي وابن خلدون من هذا التنوع والاختلاف؟

وماهي أصول النظر الأصولي العقدية عندهما في ظل هذا التطور العلمي والتاريخ المعرفي، الذي حصل بين علم الكلام وعلم الأصول، وباقي العلوم الأخرى؟

وأين يمكن تصنيف مذهبهما ضمن هذين الاتجاهين؟ وما حقيقته؟، أم لهما رأي آخر انفردا به؟

ثالثا: موقف الشاطبي  وابن خلدون من نظرية الأشاعرة

أ- الشاطبي ونظرية الأشاعرة

لمعرفة حقيقة موقف الشاطبي ومحددات اتجاهه العقدي، ينبغي البحث بين ثنايا سطور مقولاته، التي لم تحسم الجواب عن هذا السؤال من جانب التصريح، اللهم إلا بعض النصوص المتناثرة هنا وهناك من الموافقات والاعتصام، سأحاول الربط بين خيوطها حتى يتحصل لديّ ما يمكن أن يقطع بالجواب.

ولعل من أهم الصعوبات التي تعترض الباحث في هذا الشأن جملة أمور:

أولها: تباين موقف الشاطبي من المسائل العقدية المذكورة من موضع إلى آخر .

ثانيها: غياب نص واضح صريح يصرح فيه أبو إسحاق بمرجعيته العقدية.

ثالثها: صمت المصادر التي ترجمت للشاطبي عن تحديد مذهبه الكلامي.

رابعها: إضافة إلى ذلك، الاختلاف الحاصل بين الدارسين في اتجاهه.

وقبل البحث في حقيقة موقف الشاطبي التي أخذت طابعا إشكاليا بالنظر إلى ارتباطاتها العلمية مع انتاجاته الأصولية، تجدر الإشارة إلى أن التصنيفات العقدية لمرجعية الشاطبي تختلف لدى الدارسين.

فالأستاذ الريسوني في نظرية المقاصد علل تأثره بالأشعرية، حيث قال: “ولأن الشاطبي نفسه لم ينج من بعض الآثار السلبية لها، وأعني بالذات تأثره بالنظرة الأشعرية..”(21)، في حين احتار البعض في الأمر لتوارد المعطيات من جانبي النظريتين بشأن انتمائه العقدي، يقول عبد المجيد التركي: ” ..بل وقد يركز على المعطيات الأولى حتى ليبدو أنه منتم إلى فقهاء المعتزلة عند بحثه في شروط المعرفة اليقينية، ولكنه قد يركز بصورة خاصة على المعطيات الثانية، حتى إنه ليقترب من الظاهرية..”(22).

أما الأستاذ أحمد الطيب في مقال له بمجلة المسلم المعاصر، فلم يحسم أمر مرجعيته العقدية وتردد في تصنيفه ضمن الاتجاهات، محتجا بافتراضات تتنازع فيما بينها في انتمائه، حيث قال: “وأخيرا لم يكن الشاطبي أشعريا بالمعنى الدقيق، ولا معتزليا، و لا ظاهريا ولم يجر على سنن الفقهاء في القول بالحكمة ولا تفرد باكتشاف أصل جديد لم يعرفه القدماء، ورغم ذلك استطاع صوغ نظرية جديدة في المقاصد، ولولاها لظل جانب كبير من جماليات الشريعة ومحاسنها رهن الخفاء والاستتار”(23).

هناك عدد من النصوص التي تواترت عن أبي إسحاق تجعل بينه وبين الأشاعرة فاصلا، بل يقترب فيها من مذهب المعتزلة، وإن ورد عنه نص في مسألة مراعاة المصالح تفضلا يفهم منه ميله للأشاعرة يقول فيه: ” .. هذا لا يسوغ بناء على مراعاة المصالح في الأحكام تفضلا كما اخترناه أو لزوما كما يقوله المعتزلة”(24)، فإن ذلك غير كاف للدلالة على أشعريته، لأن نصوصا أخرى تشهد بخلاف ذلك، كما أن هذا النص لا يحمل على القطع بالمسألة.

ولعل أهم تلك النصوص، ما يتضمنه موقفه المخالف لمبدأ التعبد في أحكام الشريعة، الذي يقول به أغلب الأشاعرة في مقابل التعليل كما سبق، حيث وضع فرقا في البداية بين العبادات والعادات من جهة تعليلهما، واعتبر التعبد أساس النظر في العبادات، بخلاف العادات فلا يجزئ فيها التوقف عند النصوص والظواهر في البحث في عللها، ومقاصدها أولى في الاعتبار، قال رحمه الله: “إن الشارع توسع في بيان العلل والحكم في تشريع باب العادات كما تقدم تمثيله، وأكثر ما علل فيها بالمناسب الذي إذا عرض على العقول تلقته بالقبول، ففهمنا من ذلك أن الشارع قصد فيها اتباع المعاني لا الوقوف مع النصوص، بخلاف باب العبادات فإن المعلوم فيه خلاف ذلك”(25)، وهذا خلاف ما يقول به الأشاعرة، والأغرب من ذلك أنه استدرك بعد هذا التقرير النافي للتعليل في العبادات ليبالغ في القول بالتعليل حتى في جزء هام منها. وجاء ذلك جوابا عن سؤال جوهري فيما نحن فيه إذ قال: “فإن قيل: هل توجد لهذه الأمور التعبديات علة يفهم منها مقصد الشارع على الخصوص أم لا”(26)، ومبعث الغرابة في كلامه حين قال: “فالجواب أن يقال: أما أمور التعبدات فعِلَّتها المطلوبة مجرد الانقياد ومن غير زيادة أو نقصان”، ثم يستدرك مضيفا: “وأما العاديات وكثير من العبادات أيضا فلها معنى مفهوم، وهو ضبط وجوه  المصالح؛ إذ لو ترك الناس والنظر، لانتشر ولم ينضبط، وتعذر الرجوع إلى أصل شرعي والضبط أقرب إلى الإنقياد ما وجد إليه سبيل”(27).

وأما نفي التعبد في العاديات فأمر غريب عن نظرية أغلب الأشاعرة، وأما نفيه عن كثير من العبادات أيضا فهو الأغرب في الاعتبار من ذلك عندهم. وقد ينجلي جانب من اللبس في قوله: كثير من العبادات، إذا ما فهمنا المقصود بالكثير عند فقهاء المالكية، فالثلث كثير عندهم ارتباطا بقول النبي :r (الثلث والثلث كثير(28)) في الحديث المعروف.

وقال بعد الاستدلال على صحة التعليل: “وإذا دل الاستقراء على هذا، وكان في مثل هذه القضية مفيدا للعلم، فنحن نقطع بأن الأمر مستمر في جميع تفاصيل الشريعة”(29)، فهذا الاستمرار في ترتيب التعليل على غير المستقرأ من النصوص ينافي ما قاله الأشاعرة ابتداء، ولا يستقيم مع مذهبهم انتهاء.

لقد ثبت عن الشاطبي القول بتعليل الأحكام الشرعية في مناسبات عديدة، كما أن نظريته في المقاصد، وتوسعه فيها بشكل غير مسبوق بناها على أساس التعليل، يقول: “قبل الشروع في النظر في مسائل كتاب المقاصد” إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معا، وهذه دعوى لا بد من إقامة البرهان عليها صحة أو فسادا”، وهو يعلم قطعا بما وقع من خلاف حولها إذ قال: “وقد وقع الخلاف فيها في علم الكلام”، وليحسم الخلاف لجأ إلى إثبات التعليل باستدلال قرآني قائم على الاستقراء فيقول: “والمعتمد هو أنا استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي، ولا غيره”(30)، ثم ينطلق في سرد الآيات القرآنية الدالة على معنى التعليل في الشريعة.

فيبدو إذا من خلال هذا العرض أن التصنيف العقدي للشاطبي والمنتهي عند الأشاعرة غير سليم مع القراءة الدقيقة لنصوصه.

ب- ابن خلدون ونظرية الأشاعرة

إن ابن خلدون هو الآخر احتار الدارسون في تصنيفه العقدي كما حصل مع الشاطبي، فقارئ المقدمة يتردد أكثر من مرة في وصفه بالأشعري خصوصا إذا اطلع على ما أثبته في كتاب المحصل، ثم إضافة إلى المنطق الفكري الذي اعتمده في كتاباته التاريخية المعتمدة على قانون العلية والسببية، فعمر فروخ لم يستقر على تحديد موحد بل فصل سلوك ابن خلدون وحياته العملية عن حياته العقلية والعلمية يقول: “فابن خلدون أشعري السلوك يعتقد أن العقل قاصر عن إدراك الحقائق الماورائية والغيبية، ولذلك نراه في حياته الشخصية والعملية يعول على الشرع وحده، وأما في حياته العقلية، وفي تآليفه خاصة فإنه معتزلي التفكير يعتمد العقل والأقيسة المنطقية وطبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار”(31).

أما البعض الآخر فقد اعتبره أشعريا مقلدا للطريقة الأشعرية، يقول محمد زاهد جول: “ويظهر ابن خلدون في هذا الكتاب، أي لباب المحصل، الذي لم يذكره في مؤلفاته، مقلدا للنسق الأشعري، إذ لا نجد فيه أصالة وتجديدا، وإنما هو تكرار لما ذهب إليه الرازي الأمر الذي جعل البعض يتشكك في نسبة الكتاب إليه”(32).

وسأحاول في العناصر الآتية تقريب النظر في موقفه من نظرية الأشاعرة والمعتزلة لأخلص إلى التعرف على مذهبه الكلامي.

يمكن حسم النظر في هذا المبحث بإيراد نص صريح لابن خلدون بدعوى الانتساب إلى زمرة الأشاعرة واعتقاد مذهبهم الكلامي، لكن المسألة لا تتحرر في اعتقادنا إلا بالاستدلالات العلمية الثاوية في التوظيف المباشر وغير المباشر للرؤية العقدية في تفسير القضايا التاريخية، يقول ابن خلدون في هذا النص المتعين الذي تشير “نا” الدالة على الفاعل فيه إلى أشعريته المقطوع بها “المعتزلة قالوا: صدور الثواب والعقاب واجب لا يستلزم تركهما الجهل أو الحاجة الممتنعين، وأصحابنا قالوا: تتعلق القدرة والإرادة بالمعينات ولا تغير فهي واجبة”(33).

لم يكتف ابن خلدون بنسبة نفسه إلى الأشاعرة فحسب، بل نجده ينعت مؤسس المذهب الأشعري بإمام المتكلمين الذي واجه بدعة الاعتزال الخصم اللدود للأشاعرة حيث يقول: “وقام بذلك الشيخ أبو الحسن الأشعري إمام المتكلمين فتوسط بين الطرف ونقي التشبيه وأثبت الصفات المعنوية وقصر التنزيه على ما قصره عليه السلف وشهدت له الأدلة المخصصة لعمومه”(34).

ومن جهة أخرى يظهر ابن خلدون متأثرا أيما تأثير بالفكر الأشعري في قضايا العقيدة خصوصا مسائل السبب والمسبب والتصورات، حيث يقول: “وكل ما يقع في النفس من التصورات مجهول سببه إذ لا يطلع أحد على مبادئ الأمور النفسانية ولا على ترتيبها إنما هي أشياء يلقيها الله في الفكر يتبع بعضها بعض والإنسان عاجز عن معرفة مبادئها وغاياتها وإنما يحيط علما في الغالب بالأسباب التي هي طبيعة ظاهرة “(35).

بل إن بعض الآثار الأشعرية الخاصة بمذهب مالك تجدها حاضرة في كلام ابن خلدون كقولة مالك في قضية الاستواء: “الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة..” ومع النص الآتي يلفى ذلك مضمرا: “فوجه تأثير هذه الأسباب في الكثير من مسبباتها مجهول لأنها إنما يوقف عليها بالعادة لاقتران الشاهد بالاستناد إلى الظاهر وحقيقة التأثير وكيفيته مجهولة وما أوتيتم من العلم إلا قليلا”(36).

وانظر أيضا في هذا النص “لأن إدراكاتنا مخلوقة محدثة وخلق الله أكبر من خلق الناس والحصر   مجهول والوجود أوسع نطاقا من ذلك والله من ورائهم محيط فاتهم إدراكك ومدركاتك في الحصر”(37).

رابعا: موقف الشاطبي وابن خلدون من نظرية المعتزلة

أ : موقف الشاطبي من نظرية المعتزلة

تشهد نصوص عديدة تتكامل فيما بينها، على وجود حدود علمية بين المذهب الكلامي للشاطبي والاتجاه الاعتزالي، وتجعله أقرب إلى الأشاعرة من غيرهم، ولم يعثر على نص ضمن نصوص الشاطبي تثبت أو توحي باقترابه من المعتزلة، سواء في مسألة التحسين و التقبيح العقليين، أم في مسألة التعليل أو غيرهما، بل إنه قد وردت عنه نصوص يظهر منها مواقفه الصريحة المناقضة لآراء المعتزلة، من ذلك قوله: “كون المصلحة مصلحة تقصد بالحكم، والمفسدة مفسدة كذلك، مما يختص بالشارع لا مجال للعقل فيه بناء على قاعدة نفي التحسين والتقبيح، فإذا كان الشارع قد شرع الحكم لمصلحة ما، فهو الواضع لها مصلحة، وإلا فكان يمكن عقلا أن لا تكون كذلك، إذ الأشياء كلها بالنسبة إلى وضعها الأول متساوية، لا قضاء للعقل فيها بحسن ولا قبح”(38).

وهذا كلام في غاية الصراحة لا يمكن أن يصدر من معتزلي، أو متأثر بالنظرية الاعتزالية، ويعضد هذا المقال قوله في الاعتصام: “لا يجعل العقل حاكما بإطلاق، وقد ثبت عليه حاكم بإطلاق وهو الشرع، بل الواجب عليه أن يقدم ما حقه التقديم، وهو الشرع، ويؤخر ماحقه التأخير وهو نظر العقل، لأنه لا يصح تقديم الناقص حاكما على الكامل، لأنه خلاف المعقول والمنقول، بل ضد القضية هو الموافق للأدلة فلا معدل عنه”(39). إذ رأى أنه يعتبر مسيئا الأدب مع الله تعالى من كان معتقده: “تحكيم العقل على الله تعالى، بحيث يقول: يجب عليه بعثة الرسل، ويجب عليه الصلاح والأصلح، ويجب عليه اللطف، ويجب عليه كذا إلى آخر ما ينطق به في تلك الأشياء، وهذا إنما نشأ من ذلك الأصل المتقدم، وهو الاعتياد في الإيجاب  على العباد”(40).

كما يظهر ذلك في نقده اللاذع لبعض المواقف الاعتزالية إلى حد اعتبارها زيغا وضلالا، ويربط ذلك باستدلالات عقلية محتملة لبعضهم دون العلم بحقائق دقائق الأمور وتفاصيلها، قال رحمه الله: “وإذا سئل عن أصل هذا العمل المتأخر: هل عليه دليل من الشريعة؟ لم يأت بشيء، أو يأتي بأدلة محتملة لا علم له بتفصيلها، كقوله هذا خير أو حسن، وقد قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)(41)، أو يقول: هذا بر، وقال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى)(42)، فإذا سئل عن أصل كونه خيرا أو برا وقف، وميله إلى أنه ظهر له بعقله أنه خير وبر، فجعل التحسين عقليا، وهو مذهب أهل الزيغ، وثابت عند أهل السنة أنه من البدع والمحدثات”(43).

ويقول منتقدا المعتزلة القائلين باستقلال  العقل في النظر: “فإنا إذا دلنا الشرع على أن إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه معتبر،وأنه من الأمور التي قصدها الشارع، وأمر بها ونبه النبي r على العمل بها، فأين استقلال العقل بذلك، بل هو مهتد فيه بالأدلة الشرعية يجرى بمقدار ما أجرته، ويقف حيث وقفته”(44).

كما أن الإمام الشاطبي صنف المعتزلة ضمن أهل الابتداع في الدين، لتحكيمهم مقتضى أهواء عقولهم فاعتبر من الضلال والابتداع “رأي أهل التحسين والتقبيح العقليين، فإن محصول مذهبهم تحكيم عقول الرجال دون الشرع، وهو أصل من الأصول التي بنى عليها أهل الابتداع في الدين، بحيث إن الشرع إن وافق آراءهم قبلوه، وإلا ردوه”(45)، وفي بيانه لحقيقة البدع الحسنة والسيئة يقول: “كونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع، لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع، لا مدخل للعقل فيه، وهو مذهب جماعة أهل السنة، وإنما يقول به المبتدعة، أعني التحسين والتقبيح بالعقل، فلزم أن تكون السنة في الحديث إما حسنة في الشرع، وإما قبيحة بالشرع”(46).

ثم لا يجد الدارس كبير عناء في إيجاد النصوص التي يفهم منها بعد الشاطبي عن أهل الاعتزال، ومن أبرزها قوله: “وبيان ذلك؛ أن حظ الإنسان ليس بواجب أن يراعيه من حيث هو حظه، على قولنا إن إثبات الشرع له وإباحة الالتفات إليه، إنما هو مجرد تفضل امتن الله به، إذ ليس بواجب على الله مراعاة مصالح العبيد، وهو أيضا جار على القول بالوجوب العقلي”(47).

وبناء على ما سبق، تبين من إيراد بعض النصوص نفي الاعتزال عن أبي إسحاق، وأن بعضها يثبت في اعتماده مرجعية أخرى غير الاعتزالية، وأخرى تتجلى فيها آراؤه النقدية التصحيحية لبعض المسائل العقدية عند المعتزلة، مما يجلي بوضوح أن أبا إسحاق أبعد من أن يكون معتزليا.

ب-: موقف ابن خلدون من المعتزلة

لا يتواني ابن خلدون في وصف المعتزلة بالمبتدعة واعتبار آرائهم في قضايا العقيدة بدعا مستحدثة لم يعرفها الفكر العقدي السني، بل يجعلهم أحيانا تابعين في الذكر للملحدة، كما قال في آخر فصل علم الكلام من المقدمة: “إذ الملحدة والمبتدعة قد انقرضوا والأئمة من أهل السنة كفونا شأنهم فيما كتبوا ودونوا”(48).

وهو يتحدث في تاريخ علم الكلام وظروف نشأته، خلص إلى بداية ظهور بدعة المعتزلة كما سماها، وخاصة مع الجدل الحاد الذي ساد حول مسألة الصفات وخصوصا قضية التنزيه التي ينكر فيها على المعنزلة مذهبهم الضال، يقول الحضرمي: “ثم لما كثرت العلوم والصنائع وولع الناس بالتدوين والبحث في سائر الأنحاء وألف المتكلمون في التنزيه حدثت بدعة المعتزلة في تعميم هذا التنزيه في آي السلوب فقضوا بنفي صفات المعاني من العلم والقدرة والإرادة والحياة زائدة على احكامها لما يلزم على ذلك من تعدد القديم بزعمهم وهو مردود”(49).

وفي مسألة التقديم والتأخير للنظر العقلي في فقه الوجود والحياة من إدراك الأسباب وتفسير المسببات ينبه ابن خلدون إلى ضرورة الاحتكام إلى النقل والإيمان المطلق والاتباع الكلي لما جاء به الشرع، ومنبها الطالب لذلك بقوله: “تفطن في هذا الغلط ومن يقدم العقل على السمع في أمثال هذه القضايا وقصور فهمه واضمحلال رأيه فقد تبين لك الحق ذلك وإذ تبين ذلك فلعل الأسباب إذا تجاوزت في الارتقاء نطاق إدراكنا ووجودنا خرجت عن أن تكون مدركة فيضل العقل في بيدأ الأوهام ويحار وينقطع”(50).

وارتباطا بهذه المسألة ينظر ابن خلدون في مسألة الادراك العقلي للحق سبحانه وعلاقتها العقدية بوجوب الصلح والتحسين والتقبيح، هذه القضايا التي أخذت كثيرا اهتمامات الكلاميين وشغلتهم، يخالف ابن خلدون رأي المعتزلة و يلزم رأي الأشاعرة كما هومعروف عنه يقول: “وجوب النظر سمعي خلافا للمعتزلة وبعض الشافعية والحنفية، لنا: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ)(51)، ولأن فائدة الوجوب الثواب والعقاب ولا يجب على الله شيء فينتفي ملزومها وهو الوجوب، قالوا: لو لم يثبت إلا بالسمع ولا يصح إلا بالنظر لزم إفحام النبياء، قلنا وكذا في ثبوته بالعقل، لأن وجوبه نظري، لما مر، فكذا العلم به، والمعتمد انا الوجوب إنما يتوقف عل إمكان العلم لا عليه، وهو حاصل”(52). وقد علق المحقق علي أبو ريان على كلام ابن خلدون بقوله: “ويرد ابن خلدون على دعاة النظر العقلي وحده في الإلهيات، ويثبت أن هذه المعرفة فوق طور إدراكاتنا مثل معرفة الوحي والنبوة وكل ما يتعلق بالالهيات إنما يحتاج إلى معلم، أي وحي منزل، وإذن فهو لا يتفق مع بعض المعتزلة ومع ابن سينا بصفة خاصة في قولهم جميعا بإثبات معرفتنا بالالاهيات عن طريق الإدراك العقلي فحسب”(53).

خامسا: محل النـزاع بين المعتزلة والأشاعرة:

يتأسس الخلاف ابتداء بين المعتزلة والأشاعرة في مسألة التحسين والتقبيح العقليين، ثم في مسألة التعليل، في ارتباطهما بالنظر الأصولي، على خلفية ما يترتب عن موقف كل واحد منهما من نتائج  الأحكام، مدحا أو ذما أو ثوابا أو عقابا في الدنيا والآخرة.

أما القائلون بالتحسين والتقبيح العقليين، فلا يثبت ذلك عندهم إلا عقلا على الوجه الغالب، والأشعرية يعرف ذلك عندهم بالشرع وحسب، وقد أشار أبو المعالي إلى ذلك بقوله: “لسنا ننكر أن العقول تقتضي من أربابها اجتناب المهالك، وابتدار المنافع الممكنة على تفاصيل فيها، وجحد هذا خروج عن المعقول، ولكن ذلك في حق الآدميين، والكلام في مسألتنا مداره على ما يقبح ويحسن في حكم الله تعالى، وإن كان لا ينالنا منه ضرر، ولا يفوتنا بسببه نفع لا يرخص العقل في تركه، وما كان كذلك فمدرك قبحه وحسنه من عقاب الله تعالى إيانا وإحسان إلينا عند أفعالنا، وذلك غيب، والرب سبحانه وتعالى لا يتأثر بضررنا ونفعنا”(54).

ويلخص الإمام القرافي ذلك بقوله: “أما كون الفعل يثيب الله عليه أو يعاقب، فهو لا يعلم إلا بالشرع عندنا لا بالعقل، فمن أنقذ غريقا ففي فعله أمران، أحدهما: كون الطباع السليمة تنشرح له، وهذا عقلي، وثانيهما: أن الله تعالى يثيبه على ذلك، وهذا محل النـزاع، وكذلك من أغرق إنسانا ظلمًا فيه أمران أحدهما: كونه يتألم منه الطبع السليم، وهذا عقلي، وثانيهما: أنه يعاقبه الله تعالى عليه، وهذا محل النـزاع، فهذا تلخيص محل النـزاع”(55).

ويقول الشوكاني : “ومحل النـزاع بينهم كما أطبق عليه جمهور المتأخرين، وإن كان مخالفا لما كان عليه كثير من المتقدمين، هو كون الفعل متعلق المدح والثواب والذم والعقاب آجلا وعاجلا، فعند الأشعرية ومن وافقهم، أن ذلك لا يثبت إلا بالشرع، وعند المعتزلة ومن وافقهم أن ذلك ليس إلا لكون الفعل واقعا على وجه مخصوص، لأجله يستحق فاعله الذم، قالوا وذلك وجه قد يستقل العقل بإدراكه وقد لا يستقل”(56).

ونتيجة هذا كله أحكام شرعية وعقدية لا بالنسبة للمكلف فحسب، بل لذاته سبحانه أيضا، “فإنهم يوجبون بالعقل خلود الكافر وصاحب الكبيرة في النار، وخلود المؤمن ووجوب دخول الجنة، وغير ذلك مما هو عندهم من باب العدل وفروع الحسن والقبح، ونحن عندنا هذه الأمور كلها يجوز على الله تركها وفعلها، ولا نعلم وقوعها، وعدم وقوعها إلا بالشرائع”(57)، لذلك فإن جوهر الخلاف كما يقول الجويني، يكمن في وجوب الثواب والعقاب على الله تعالى “ولم يمتنع إجراء هذين الوصفين فينا إذا تنجز ضرر أو أمكن نفع، بشرط أن لا يعزى إلى الله، ولا يوجب عليه أن يعاقب أو يثيب”(58).

سادسا: تحرير الإمام والعلامة لمحل النـزاع

بداية، ينظر الشاطبي إلى الخلاف بين المعتزلة و الأشاعرة على أنه خلاف فيما لا أثر له، ولا ضرر على الوضع الاعتباري للمصالح والمفاسد في مسألة التحسين والتقبيح العقليين،  لأن الاختلاف في المدارك والطرق لا يستوجب بالضرورة الاختلاف في النتائج والغايات، وقد صدر عنه ذلك حين أورد إشكال القرافي اللازم للفريقين، والقاضي بتداخل المصالح والمفاسد، الذي يؤثر على صحة موقفيهما من منافع حقيقية الأصل فيها الإذن، ومضار حقيقية الأصل فيها المنع، وما يستتبع ذلك من تحسين وتقبيح بالإعمال العقلي أو النقلي، ويرتفع الإشكال بمراجعة متأنية لحقيقة الخلاف ومحله الأساس.

أما مسألة اعتبار المصالح والمفاسد عند الأشاعرة فيتحصل ذلك بـ :

استقراء لموارد الشريعة الدالة على اعتبار المصلحة و درء المفسدة.

واستقراء أحوال الجادين على الصراط المستقيم ما درئ عنهم من مفاسد.

واستقراء أحوال الحادين عن الصراط المستقيم وما فاتهم من مصالح، يقول رحمه الله: “أما على مذهب الأشاعرة، فإن استقراء الشريعة دل على ما هو المعتبر مما ليس بمعتبر، لكن على وجه يحصل ضوابط ذلك، والدليل القاطع في ذلك استقراء أحوال الجارين على جادة الشرع، من غير إخلال بالخروج في جريانها على الصراط المستقيم، وإعطاء كل ذي حق حقه من غير إخلال بنظام، ولا هدم لقاعدة من قواعد الإسلام، وفي وقوع الخلل فيها بمقدار ما يقع من المخالفة في حدود الشرع”(59).

ليؤكد في نهاية تحريره للنزاع بأنه: “لا فرق بينهم وبين الأشاعرة في محصول المسألة، وإنما اختلفوا في المدرك، واختلافهم فيه لا يضر في كون المصالح معتبرة شرعا، ومنضبطة في أنفسها”(60). وفي الشأن نفسه يقرر ابن السبكي “أن المعتزلة لا ينكرون أن الله تعالى هو الشارع للأحكام، وإنما يقولون: إن العقل يدرك أن الله شرع أحكام الأفعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها، فهي طريق عندهم إلى العلم بالحكم الشرعي.”(61). لذلك فإن “المعتزلة لا يجعلون العقل هو الحاكم، -كما قال البناني- بل يوافقوننا على أن الحاكم هو الله تعالى، وإنما محل النـزاع بيننا وبينهم في أن العقل هل يدرك الحكم من غير افتقار إلى الشرع أو لا؟ فعندهم: نعم، لقولهم إن الأفعال في حد ذاتها بقطع النظر عن أوامر الشرع ونواهيه، يدرك العقل أحكامها وتستفاد منه، وإنما يجيء الشرع مؤكدا لذلك، فهو كاشف لتلك الأحكام التي أثبتها العقل”(62).

أما اختلافهم في مسألة وجوب الصلاح والأصلح لزوما أو تفضلا، فلا يعدو كونه اختلافًا صوريًّا شكليًّا كذلك، أما من حيث جوهره وغايته، فالأصل في ذلك الوفاق، وقد ضرب لذلك مثال التخطئة والتصويب في الاجتهاد، إذ قال رحمه الله: “ويظهر أن القاعدة جارية على كلا المذهبين، لأن الأحكام على مذهب التصويب إضافية، إذ حكم الله عندهم تابع لنظر المجتهد، والمصالح تابعة للحكم أو متبوعة له، فتكون المصالح أو المفاسد في مسائل الخلاف ثابتة بحسب ما في نفس الأمر عند المجتهد وفي ظنه، ولا فرق هنا بين المخطئة والمصوبة”(63).

فكل مجتهد استحكم نظره بحسب ما ترجح عنده من أدلة في ظنه، لا بحسب حقيقة الأمر وصفته الذاتية، “وإنما يكون التناقض واقعا إذا عد الراجح مرجوحا من ناظر واحد، بل هو من ناظرين، ظن كل واحد منهما العلة التي بني عليها الحكم موجودة في المحل، بحسب ما في نفس الأمر عنده وفي ظنه، لا ما هو عليه في نفسه إذ لا يصح ذلك إلا في مسائل الإجماع فههنا اتفق الفريقان”(64).

أما الاختلاف الحاصل بينهما فلا ينهض تناقضا قادحا في اتفاقهما المبدئي، لذلك “يتفق ههنا من يقول باعتبار المصالح لزوما أو تفضلا، وكذلك من قال إن المصالح والمفاسد من صفات الأعيان أو ليست من صفات الأعيان”(65). لذلك فإن الخلاف ينحصر في مدى استقلال العقل بإدراك الحكم من عدمه، وما دمنا نجد الفرقتين ترى أن الحكم لله تعالى أصلا، وأنه لا حاكم سواه، يستوي في ذلك ما كان مدركا للعقل أو غير مدرك، فإن الخلاف يكون إلى اللفظي أقرب منه إلى المعنوي، والله اعلم”(66).

أما العلامة ابن خلدون فهو على العكس من ذلك فقد تهجم أكثر من مرة على المعتزلة ووصفهم بالمبتدعة وحذر منهم ومن الوقوع في أفكارهم، وجعل فروقا غير قابلة للقاء بينهم وبين الأشاعرة، لكن هل هذا يعني اكتمال التصنيف الكلي ضمن زمرة الأشاعرة؟

وإن بدا في بعض مواقفه الكلامية يبتعد عن آراء المعتزلة وأقرب أحيانا من آراء الأشاعرة، فإنه يظهر موفقا أحيانا أخرى بين موقفي المذهبين  كما هو الحال في مسألة الحاجة إلى المعلم في معرفة الله تعالى يقول رحمه الله تعالى: “العلم بالله تعالى مستغن عن المعلم، خلافا للملاحدة، لنا العالم له مؤثر، لأنه ممكن، كان المعلم أو لا. واعتمد جمهور المعتزلة وأصحابنا في إبطاله على أمرين:

الأول: لأنه يفتقر إلى معلم آخر ويتسلسل. ورد: يحتمل أن ينتهي إلى من عقله أكمل فيستقل كالنبي والإمام.

الثاني: أن العلم بصدقه يتوقف على العلم بالله لتوقفه على تصديقه إياه بالمعجزة فيدور, ورد: لانعزل العقل مطلقا، بل لا يستقل”(67). ويعلق مقدم تحقيق لباب المحصل على هذا الاتجاه الخلدوني قائلا: “ونراه في هذه المسألة بالذات يميز بين أساطين المعتزلة الذين قالوا بمعرفة الله بالفعل فحسب، وبين جمهور المعتزلة الذين يتفقون في تصوره مع الأشاعرة في القول بضرورة الوحي والنبوة”(68).

ومن أمثلة ذلك أيضا توفيقه بين رأي المعتزلة والأشاعرة في مسألة الإمامة بين الجواز العقلي والوجوب السمعي رابطا ذلك بالنظر المقصدي المتعلق بدفع الضرر فقال: “.. الإمامة قيل واجبة عقلا على الله، وقال الجاحظ والكعبي وأبي الحسين على الخلق، وقال جمهور أصحابنا والمعتزلة سمعا، وقال الأصم والخوارج لا تجب، لنا نصب الإمام يتضمن دفع الضرر لأن الخلق ما لم يكن لهم رئيس قاهر يخافونه لا يحترزون عن المفاسد، ودفعه واجب إما عقلا عند قائليه، أو إجماعا عندنا”(69).

سابعا: حقيقة اتجاه الشاطبي وابن خلدون

يبدو أن الإمام والعلامة يركنا إلى تفضيل الاتجاه المقتصد من الاتجاهات المذكورة سلفا، ويستفاد هذا الأمر من جملة نصوص لهما، يظهر منها ذلك المنـزع الكلامي، ومنه قول الشاطبي مثلا: فالحاصل من هذه القضية أنه لا ينبغي للعقل أن يتقدم بين يدي الشرع، فإنه من التقدم بين يدي الله ورسوله، بل يكون ملبيا من وراء”(70)، ويقول أيضا: “وذلك معنى كون العقل لا يستقل بإدراك الأحكام حتى يأتي المصدق للعقل أو المكذب له”(71).

وقد تم حصر اختيارهما الكلامي في هذا الاتجاه لاعتبارات علمية منها:

أنه مقصدي من القصد، المراد منه الوسطية والاعتدال، إذ جاء وسطا بين الاتجاه القضائي والتبعي العقديين، كما سبق بيانه في المبحث السابق، يقول الشاطبي: “الأدلة العقلية إذا استعملت في هذا العلم فإنما تستعمل مركبة على الأدلة السمعية، أو معينة في طريقها، أو محققة لمناطها، أو ما أشبه ذلك؛ لا مستقلة بالدلالة، لأن النظر فيها نظر في أمر شرعي والعقل ليس بشارع”(72). وعليه فإنه “لا يسرح في النظر إلا بمقدار ما يسرحه النقل”(73).

وهو مقصدي، من حيث نظرهما إلى المقصد المتحد للاتجاهين، وإن اختلفت مسالكهما ومداركهما في النظر.

وهو مقصدي أيضا؛ من حيث قولهما بتعليل الأحكام، لا على سبيل الكلية، وإنما في توافق مع البحث في مقاصد الشريعة، حتى لا يزيغ إلى أحكام العقل القضائية.

وهو مقصدي كذلك لأنهما يعتبران علم أصول الدين علما مقصودا بالأصالة كباقي العلوم المطلوبة شرعًا لا علمًا وسيطًا، فهو متحقق ثمراته عملاً وتنـزيلاً في مواقع الوجود الإنساني، وما التبحر في أصول هذا العلم اعتمادا على آليات الفلسفة والمنطق وتفريع المسائل فيه لا ينفع ولا يخدم المقصود، لذلك يقول ابن خلدون: “اعلم أن العلوم المتعارفة بين أهل العمران على صنفين علوم مقصودة بالذات كالشرعيات من التفسير والحديث والفقه وعلم الكلام وكالطبيعيات والإلهيات من الفلسفة وعلوم هي وسيلة آلية لهذه العلوم كالعربية والحساب وغيرهما للشرعيات كالمنطق للفلسفة وربما كان آلة لعلم الكلام ولأصول الفقه على طريقة المتأخرين”(74).

وهو مقصدي لأنهما يريان أن العلم بأصول الدين إنما يقصد به الاتصاف وتصديقه بالعمل يقول الشاطبي في ذلك: “كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها خوض في ما لم يدل على استحسانه دليل شرعي، وأعنيى بالعمل عمل القلب وعمل الجوارح، من حيث هو مطلوب شرعا”(75)، أما ابن خلدون فيقول: “إن المعتبر في هذا التوحيد ليس هو الإيمان فقط الذي هو تصديق حكمي فإن ذلك من حديث النفس وإنما الكمال فيه حصول صفة منه تتكيف بها”(76). وفي نفس السياق يؤكد أنه “ليس الاتصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقع العمل ويتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكة ويحصل الاتصاف والتحقيق ويجيء العلم الثاني النافع في الآخرة فإن العلم الأول المجرد عن الاتصاف قليل الجدوى والنفع”(77).

خاتمة:

لم يغب البعد الكلامي في الدراسة الأصولية عند الشاطبي كما لم يتجرد البحث التاريخي منه عند ابن خلدون، فإنتاجات مفكري الإسلام كانت عادة متأثرة بالرؤية العقدية، بل إنها كانت أحد الدوافع الأساسية في الكتابة عندهم، لكن الذي ينبغي تسجيله في ختام هذه الدراسة ملحظين اثنين:

الأول: هو ان مرحلة القرن الثامن كانت بداية فعلية لتحول حقيقي في الاتجاهات الكلامية القائمة، فكان حضور البعد المقصدي أثره القوي في ذلك التغير وهذا ما تبين مع الاتجاه الكلامي المقصدي لدى الشاطبي وابن خلدون.

الثاني: وهو أنه من الصعب بمكان إلحاق أحد الأعلام النظار كالشاطبي وابن خلدون بأحد المدارس الكلامية

المشهورة؛ رغم ظهور بعض مؤشرات الإلحاق الكلي، لأن التطور التاريخي الذي عرفه علم الكلام كان له تأثيره الخاص في فكر الرجلين، إضافة إلى تمايز النظر العلمي مع العملي السلوكي عندهما،  وذلك ما ولد حيرة عند الدارسين في تصنيفهما.

 

الهوامش

(1) انظر : نظرية المقاصد عند الشاطبي ومدى ارتباطها بالأصول الكلامية، مجلة المسلم المعاصر، ع103، ص39

(2) انظر: فروخ، عمر، الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون، دار العلم للملايين، بيروت لبنان ط4، 1983، ص 694

(3) نقلا عن شلبي، مصطفي ، تعليل الأحكام، دار النهضة العربية، بيروت لبنان، دت،1401/1981، ص95

(4) الشاطبي، أبي إسحاق، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان،1414/1994.، 4/128

(5) ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة، ، دار الجيل، بيروت لبنان، ص516

(6) المصدر نفسه، 507

(7) نفسه، 513

(8) نفسه، 515

(9) المنخول من تعليقات الأصول، أبو حامد الغزالي، تحقيق محمد حسن هيتو، دار الفكر، ط2 دمشق، 1400/1991 ، ص8

(10) القرافي، شهاب الدين أبو العباس، شرح تنقيح الفصول، تحقيق طه رؤوف عزت، دار الفكر ،بيروت، لبنان، ص88

(11) الشوكاني، محمد بن علي ، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق أبي مصعب محمد سعيد البدري، مؤسسة الكتب الثقافية، ط4،1414/1993،  ص27

(12) البغدادي، أبو منصور، كتاب أصول الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 1401/1981، ص34

(13) الخضري، محمد، أصول الفقه، دار الحديث، مصر، دون رقم ط، ص25، 26.

(14) الجويني، أبى المعالي، البرهان في أصول الفقه، تحقيق عبد العظيم الديب، قطر ط1، 1399، 1/79

(15) الدبوسي، أبو زيد،  تقويم الأدلة، تحقيق خليل محيي الدين الميس، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط الأولى،1421/ 2001،  ص44

(16) التنقيح، مصدر سابق،  ص88

(17) انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية، لأبي زهرة، ص179، ينظر كذلك التحسين والتقبيح العقليان، عند حنفية بخارى من علم الكلام إلى فلسفة التشريع، لعبد الحكيم بن يوسف الخليفي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، ع48، س17، ذو الحجة 1422/مارس2002، جامعة الكويت، ص157

(18) لمزيد من التفصيل، ينظر آراء المعتزلة الأصولية: دراسة وتقويما، علي بن سعد بن صالح الضويحي، مكتبة الرشد الرياض،ط3، 1421/2000.

(19) تعليل الأحكام، مرجع سابق، ص99

(20) تعليل الأحكام، مرجع سابق، ص97

(21) الريسوني، أحمد، نظرية المقاصد، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار الأمان،ط1، 1411/1991، ص 241

(22) مناظرا ت في أصول الشريعة بين ابن حزم والباجي، عبد المجيد التركي، ترجمة: عبد الصبور شاهين، راجعه: محمد عبد الحليم محمود، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1414/1994، ص498

(23) نظرية المقاصد عند الشاطبي ومدى ارتباطها بالأصول الكلامية، مجلة المسلم المعاصر، ع103، ص39

(24) الموافقات، مصدر سابق، 3/220

(25) المصدر نفسه، 2/233

(26) المصدر نفسه، 2/234

(27) نفسه، 2/234

(28) رواه مالك في الموطأ، كتاب الوصية، باب الوصية في الثلث لا تتعدى، رقمه 1521

(29) نفسه، 2/5

(30) نفسه، 2/4

(31) فروخ، عمر، الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون، دار العلم للملايين، بيروت لبنان ط4، 1983، ص 694

(32) جول، محمد زاهد، علم الكلام الخلدوني، مجلة إسلامية المعرفة، يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي،  س13 ع51، شتاء 1429/2008، ص110

(33) ابن خلدون، لباب المحصل في أصول الدين، تحقيق عباس محمد حسن سليمان، مراجعة محمد علي أبو ريان، تصدير محمد فتحي أبو عيانة، دار المعرفة الجامعية، منشورات مركز التراث القومي والمخطوطات، -2- جامعة الاسكندرية،  مصر، 1996، ص 147

(34) المقدمة، مصدر سابق، 514

(35) المصدر تفسه، 508

(36) نفسه، 508

(37) نفسه، 509

(38) الموافقات، 2/239

(39) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، عناية مكتب تحقيق التراث، وفهرسة رياض عبد الله عبد الهادي، ط1،1417/1997 2/469

(40) المصدر نفسه، 2/472

(41) سورة الزمر، آية 18

(42) سورة المائدة، آية 2

(43) المصدر نفسه، 2/485

(44) الموافقات، 1/62-63

(45) الاعتصام، 2/487

(46) الاعتصام، 1/125

(47) الموافقات، 2/149

(48) المقدمة، 517

(49) المقدمة، 514

(50) المقدمة، 509

(51) سورة الإسراء، آية 15

(52) لباب المحصل، 78

(53) مقدمة لباب المحصل، 21

(54) البرهان في أصول الفقه، 1/82

(55) التنقيح، ص89

(56) إرشاد الفحول، ص26

(57) التنقيح، ص90

(58) البرهان في أصول الفقه، 1/82

(59) الموافقات، 2/35

(60) الموافقات، 2/35

(61) السبكي، علي بن كافي، الإبهاج شرح المنهاج، تحقيق شعبان محمد إسماعيل، نشر مكتبة الكليات الأزهرية، 1/34

(62) حاشية البناني على شرح الجلال المحلي، على متن جمع الجوامع، عبد الرحمن بن جاد الله البناني، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1424/2003، 1/57

(63) الموافقات، 2/43

(64) الموافقات، 2/44

(65) الموافقات، 2/44

(66) مباحث العلة في القياس عند الأصوليين، عبد الحكيم عبد الرحمن أسعد السعدي، بيروت لبنان، ط2، 1421/2000 ص87،88

(67) لباب المحصل، ص86

(68) مقدمة لباب المحصل، ص20/21

(69) المصدر نفسه، 195

(70) الاعتصام، ص472

(71) الاعتصام، ص466

(72) الموافقات، 1/13

(73) الموافقات، 1/87

(74) المقدمة، 593

(75) الموافقات، 1/31

(76) المصدر نفسه، 515

(77) المصدر نفسه، 510

 

لائحة المصادر والمراجع

1- أبو زهرة، محمد،  تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية، دار الفكر العربي، القاهرة،  د ت.

2- آراء المعتزلة الأصولية: دراسة وتقويما، علي بن سعد بن صالح الضويحي، مكتبة الرشد الرياض، ط3، 1421/2000.

3- ابن خلدون، عبد الرحمن، المقدمة، ، دار الجيل، بيروت لبنان.

4- ابن خلدون،عبد الرحمن، لباب المحصل في أصول الدين، تحقيق عباس محمد حسن سليمان، مراجعة محمد علي أبو ريان، تصدير محمد فتحي أبو عيانة، دار المعرفة الجامعية، منشورات مركز التراث القومي والمخطوطات، -2- جامعة الاسكندرية،  مصر، 1996.

5- البغدادي، أبو منصور ، كتاب أصول الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 1401/1981 .

6- التركي، عبد المجيد ، مناظرا ت في أصول الشريعة بين ابن حزم والباجي، ترجمة عبد الصبور شاهين، راجعة محمد عبد الحليم محمود، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1414/1994، ص498.

7- الجويني، أبى المعالي ، البرهان في أصول الفقه، تحقيق عبد العظيم الديب، قطر ط1، 1399، 1 حاشية البناني على شرح الجلال المحلي،  على متن جمع الجوامع، عبد الرحمن بن جاد الله البناني، دار الفكر، بيروت، لبنان، ط1424/2003.

8- الخضري، محمد ، أصول الفقه، دار الحديث، مصر، دون رقم ط .

9- الدبوسي، أبو زيد،  تقويم الأدلة، ، تحقيق خليل محيي الدين الميس، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط الأولى،1421/ 2001.

10- الريسوني، أحمد، نظرية المقاصد، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار الأمان،ط1، 1411/1991 .

11- السبكي، علي بن كافي، الإبهاج شرح المنهاج، تحقيق شعبان محمد إسماعيل، نشر مكتبة الكليات الأزهرية.

12- السعدي ، عبد الحكيم عبد الرحمن أسعد، مباحث العلة في القياس عند الأصوليين ، بيروت لبنان، ط2، 1421/2000 .

13- الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، عناية مكتب تحقيق التراث، و فهرسة رياض عبد الله عبد الهادي، ط1، 1417/1997.

14- الشاطبي، أبي إسحاق، الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان،1414/1994.

15- الشوكاني، محمد بن علي ، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق أبي مصعب محمد سعيد البدري، مؤسسة الكتب الثقافية، ط4، 1414/1993.

16- الغزالي، أبو حامد ، المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق محمد حسن هيتو، دار الفكر، ط2 دمشق، 1400/1991 .

17- القرافي، شهاب الدين أبو العباس، شرح تنقيح الفصول، تحقيق طه رؤوف عزت، دار الفكر ، بيروت، لبنان.

18- شلبي، مصطفي ، تعليل الأحكام ، دار النهضة العربية، بيروت لبنان،دت،1401/1981 .

19- فروخ، عمر، الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون، دار العلم للملايين، بيروت لبنان ط4، 1983.

مقالات:

20- جول، محمد زاهد، علم الكلام الخلدوني، مجلة إسلامية المعرفة، يصدرها المعهد العالمي للفكر الإسلامي،  س13 ع51، شتاء1429/2008.

21- الخليفي، عبد الحكيم بن يوسف،  التحسين والتقبيح العقليان، عند حنفية بخارى من علم الكلام إلى فلسفة التشريع، ، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، ع48، س17، ذو الحجة 1422/مارس2002، جامعة الكويت.

22- الطيب، أحمد، نظرية المقاصد عند الشاطبي ومدى ارتباطها بالأصول الكلامية، مجلة المسلم المعاصر، ع103. السنة1422/2002.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر