أبحاث

الضوابط الفقهية للنوازل العصرية

العدد 128

مقدمة:

لا شك أن الفقه الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، وهذه الصلاحية تعطيه القدرة على التفاعل والوجود في ساحات الحياة كلها، فما من موقع ولا مكان إلا وللفقه حضور فيه.

وليست هناك قضية من القضايا يعجز الفقه عن الإتيان بحلها أو إيجاد حكمها، وذلك ببساطة؛ لأنه يعتمد على الكتاب والسنة وهما مصدران صالحان لكل عصر.

والمشكلة إذن – إن وجدت – فليست بسبب الفقه، وإنما بسبب حملة لوائه أو للجهل بالحادثة، أو لخفاء الحكمة، أو لغموض العلة، وقد يكون في التكييف الفقهي نفسه.

وكانت القضايا الفقهية قديما بسيطة تفرزها الحياة البسيطة، وحلها لم يكن يستغرق الكثير من الجهد والوقت، أما في العصر الحديث فقد وجدت كثير من القضايا المتشابكة، والمتشعبة، والمتداخلة بين أكثر من علم تحتاج حلا فقهيا، وهذه القضايا يمكن تسميتها “نوازل” ويمكن تسميتها “مستجدات”، وكل تسمية سائغة وموجودة.

ولأن التطور في عصرنا صار أكبر من أن يحصى فكل يوم جديد مطلوب فيه من الفقهاء أن يبينوا آراءهم في المستجدات، ولأن الأمور متشابكة معقدة أحيانا فكان لا بد من وضع الضوابط التي تحكم سير الفقيه في الحكم على النازلة، حتى يمكن من خلال هذه الضوابط أن نقلل نسبة الخطأ وأن نصل بالنازلة لحكمها الفقهي السليم.

ولأن النوازل كثيرة ومتجددة، والأمور التي تطفو على الساحة لا يمكن حصرها، فبيان الحكم الفقهي لكل نازلة صار من الصعوبة بمكان، لذا حاولت جاهدا أن أكتب هنا كلمات عن ضابط الأمر شرعا علها تضفي كضابط فقهي أمرا حاكما يرسم للفقيه طريقه في الوصول للحكم بسهولة ويسر.

تمهيد:

ونتناول في التمهيد تعريف فقه النوازل لغة واصطلاحاً. وأهمية دراسته، وحكم دراسة النازلة. ومكونات عقلية الفقيه المتصدي للنازلة (وهو المجتهد). وخطوات دراسة النازلة.

أولاً: تعريف فقه النوازل:

الفقه بداية مكون من مادة (الفاء والقاف والهاء)، وهذه المادة تعنى إدراك الشيء والعلم به والفهم له، وغلبت هذه المادة على علم الشريعة وعلم أصول الدين وفى القانون كذلك، وذلك لفضل هذه العلوم وسيادتها على سائر أنواع العلوم، وسمت هذه المادة في علم الشريعة حتى فاقت غيرها من العلوم، حتى صار الفرق بينها وبين سائر العلوم كالفرق بين الثرى والثريا.

والفقه في الأصل الفهم والفطنة، يقال أوتى فلان فقها في الدين أي: فهما فيه، ومنه قوله تعالى: ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ(1) أي ليكونوا علماء به، فاهمين له، وبه دعا النبي r لابن عباس بقوله: “اللهم علمه الدين وفقهه التأويل”(2).

وفقه فقهاً أي: علم علما، ورجل فقيه: عالم وكل عالم بشيء فهو فقيه، من ذلك قولهم: فلان ما يفقه وما يتفقه، معناه لا يعلم ولا يفهم، وفقيه العرب – عالم العرب -، وتفقه: تعاطى الفقه(3).

وقد استعمل القرآن الكريم كلمة الفقه في الفهم الدقيق فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(4).

والتفقه في الدين يعنى الفهم الدقيق له، كي يبلغوه بنفس الدقة إلى قومهم، فَهُم الواسطة بين أقوامهم وبين العلم وعنهم سيأخذ القوم.

وتوضح السنة فضيلة من يقدم على تعلم الدين والتفقه فيه، فيقول الرسول r : “من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين”(5)، فالذي يتفقه في الدين عليه أن يعترف أولا بفضل الله تعالى عليه فهو الذي أراد ولا راد لإرادته، ثم يعلم ثانيا أنه في طريق الخير حيث تستغفر له الأحياء والجمادات كلها.

الفقه اصطلاحاً:

والفقه في الشريعة يعنى مجموع الأحكام الشرعية العملية المستفادة من أدلتها التفصيلية، وموضوعه هو فعل المكلف من حيث ما يثبت من الأحكام الشرعية(6).

النوازل لغة تعني: الشدائد، وهي جمع نازلة والنزول بصفة عامة هو الهبوط من علو إلى سفْل، وهو حلول شيء جديد لم يكن من قبل(7).

وكل عصر من العصور يختلف في نوازله بحسب مستجداته، وتعقيداته، والرابط بينها جميعا هو حدوث شيء لم يكن من قبل، أو ظهور مستجدات تستدعي إعادة النظر في حكم قيل في أمر سابق.

فتطلق عند الحنفية على الفتاوى والمسائل التي استنبطها المجتهدون المتأخرون في المذهب، ولم يجدوا فيها شيئا عن أهل المذهب المتقدمون من أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه.

وعند المالكية يراد بها القضايا والوقائع التي يفصل فيها القضاء، ومن هنا أتى كتاب أبي الوليد القرطبي المتوفى 606هـ (المفيد للحكام فيما يعرض لهم من نوازل الأحكام).

واشتهر عند الفقهاء أن النوازل هي المسائل الجديدة التي تتطلب اجتهادا وبيان حكم، ويمكننا أن نخلص مما سبق أن فقه النوازل هو معرفة الأحكام الشرعية للوقائع المستجدة الملحة(8).

فالنوازل لا بد أن تتوافر فيها شروط ثلاثة:

أولا: أنها واقعة بالفعل وليست متخيلة، وإلا عدت من الفقه الافتراضي، ويمكن التوسط في الأمر أن المسائل مستحيلة الوقوع على الأقل في النظر البعيد لا جدوى من البحث فيها، ومن أمثلة ذلك ما يزرع على القمر هل نعتبره من الأرض الموات ويأخذ المزروع حكم إحياء الأرض الموات، وإرجاؤه لأن استمرار معيشة الإنسان على سطح القمر أصلا مستحيلة بدون إمكانات كثيرة كتوافر الأكسجين وغيره، أما المسائل التي يمكن استنتاج حدوثها أو توقع الحدوث كمسائل الهندسة الوراثية، أو الاستنساخ فيمكن إعطاء حكم لها وإن لم تحدث لنجاح بعض تجاربها.

ثانيا: أن تكون حالة تتطلب إجابة عاجلة؛ كالفتاوى التي تتعلق بوقت عبادة حالة، كفتاوى الإحرام وفتاوى الصوم لمن خشي فوت الوقت أو الإجهاض لمن خشيت مرور أربعة أشهر.

ثالثا: أن تكون مستجدة؛ وأعني بها الحوادث التي لم يذكر العلماء فيها حكما، فإن ذكروا فيها حكما ونظرا لتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص تغير الحكم الفقهي فليست بنازلة، ولكنه تغير الحكم في الفتوى اقتضاه تغير الزمان أو المكان أو الأحوال أو الأشخاص. أو “تلك الأمور المستحدثة، التي استجدت في العصر الحديث، ولم تكن موجودة بالفعل –كقضايا مستقلة- لدى الفقهاء القدامى، وسبب استحداثها هو العصر وما حدث فيه من تطور استدعى وجودها راحة البشرية، وسعيها دائما للتطور، والقصد نحو ابتكار ما يريحها، ويوفر لها وقتها”(9).

فالنازلة إذن وفق هذه الضوابط تعني: المسائل المستجدة التي تحتاج إلى حكم شرعي، وعندما يضاف الفقه إليها يعني أن الاهتمام كله عائد إلى البحث عن الحكم الفقهي لهذه الحادثة المستجدة.

ونجد كثيرا من الكتب قد اهتمت بالنوازل والواقعات منها:

أ- فتاوى النوازل: لأبي الليث السمرقندي المتوفى 373هـ.

ب- عيون المسائل: لأبي الليث السمرقندي.

ج- أنفع الوسائل إلى تحديد المسائل: لإبراهيم بن عليّ العرسوسي. ت/785هـ.

د- واقعات المفتين: لعبد القادر ابن يوسف الشهير بـ عبد القادر أفندي ت/1085هـ.

هـ- الفتاوى الخيرية لنفع البريّة: لخير الدين الرملي بن أحمد بن عليّ. ت/ 1081هـ.

و- الواقعات للصدر الشهير بابن مسعود.

ز- وفتاوى الواقعات السياسية للدكتور عجيل جاسم النشمي.

ح- مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

ط- مجلة البحوث الإسلامية التي تصدر عن الرئاسة العامة للإفتاء في السعودية.

ي- مجلة الأزهر. وفيها بحوث قيمة ومقالات وفتاوى تثري أحكام النوازل.

ك- الرسائل الجامعية المعاصرة التي تصدر من الجامعات.

ل- المؤلفات المفردة في مسائل وفقه النوازل.

م- فقه النوازل (كتاب الجامعة) لجنه إعداد المناهج بالجامعة الأمريكية المفتوحة.

ن- فقه النوازل د. بكر عبد الله أبو زيد.

س- قضايا فقهية معاصرة د.محمد سعيد رمضان البوطي.

ع- بحوث وقضايا فقهية للشيخ جاد الحق على جاد الحق.

أهمية دراسة فقه النوازل:

لا شك أن الحاجة لمعرفة الحكم السليم للنازلة تحقق أمور أساسية هامة:

أولهما: معرفة الحكم الصحيح أمام الناس ليكونوا على بينة من أمرهم في الإقبال على هذا الأمر والأخذ به أو تركه، على بصيرة من العلم.

الثاني: تفعيل الفقه الإسلامي ليأخذ دوره في الحياة، حتى لا يتهم بالتقصير أو العجز عن ملاحقة الأحداث.

الثالث: الأخذ بزمام الأمور والسعي لحلها.

الرابع: إحياء الاجتهاد المعاصر، وفق أسس منضبطة شرعا.

حكم دراسة النازلة:

النازلة كأي أمر يحتاج حكما فقهيا، وليس هناك أمر من الأمور إلا ولله تعالى فيه حكم علمه من وفق إليه، وجهله من جهله.

فلقد “أنزل الله شريعة الإسلام حاكمة على الناس، حتى تقوم الساعة، فكل واقعة تستجد، أو حادثة تظهر؛ لا بد فيها من حكم لله عز وجل”(10).

وحكم الله تعالى إما ظاهر بنفسه، أو يحتاج لدلالة عليه عن طريق الأدلة التبعية الكثيرة التي من شأنها أن تنضج الفقه الإسلامي وتساعد في تفعيله ليأخذ دوره في الحياة.

والنازلة لا بد لها من حكم واجتهاد وهو بصفة عامة فرض على الأمة في مجموعها لا جميعها لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ(11)، فإن قصر فيه البعض وجب على الكل.

أحكام دراسة النازلة:

1- الوجوب:

وحكم دراسة النازلة والاجتهاد فيها يتعين واجبا على المجتهد إن لم يوجد غيره “يكون الاجتهاد واجبا عينيا على المجتهد إذا استجدت واقعة عامة ليس فيها حكم شرعي بخصوصها فإنه يجب على هذا المجتهد بعينه -إذا لم يكن في البلد مجتهد سواه- أن يبحث عن حكمها الشرعي”(12).

2- المندوب:

ويكون الحكم على سبيل الندب “إذا كان استنباطا لحكم شرعي في واقعة لم تحدث، ولكن احتمال وقوعها احتمال قريب بحيث يكون الاجتهاد من قبيل الاستعداد لتنفيذ حكم الله، فيما لو حدثت تلك الواقعة التي توحي الدلائل العملية بقرب وقوعها”(13).

3- المباح:

ويكون الحكم على سبيل الكفاية إذا تعدد المجتهدون في بلدة الواقعة المستجدة، “فإنه يجب على هؤلاء المجتهدين أن يبحثوا عن حكم الله تعالى في هذه الواقعة لكن هذا الوجوب إنما هو على الكفاية إذا قام به بعض المجتهدين سقط الإثم عن الباقين، ولكن الفضل لمن اجتهد منهم وبحث عن المطلوب”(14).

4- المكروه:

أن يُتكلم في حضرة من هو أعلم منه، أو يتعالى بما توصل له من حكم ابتغاء الشهرة.

5- الحرام:

ويكمن ذلك إذا كان اجتهاده يصطدم بنص قطعي في دلالته، أو بمقصد عام، أو يتنافى مع روح التشريع الإسلامي، أو عرض نفسه للاجتهاد ولما تكتمل أدواته بعد، فلم يبلغ درجة النظر في أدلة الأحكام، وبالتالي سيصيب حكمه العور والقصور.

عقلية الفقيه:

وأقصد بها مكونات عقلية الفقيه المتصدي للنازلة (وهو المجتهد)، حيث لا يصح له بالإفتاء في النازلة إلا إن كان عالما بالحكم على سبيل اليقين أو غلبة الظن على الأقل، قال ابن القيم –رحمه الله- “إذا نزلت بالحاكم أو المفتي النازلة فإما أن يكون عالماً بالحق فيها أو غالباً على ظنه بحيث إنه استفرغ وسعه في طلبه ومعرفته أو لا، فإن لم يكن عالماً بالحق فيها ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي ولا يقضي بما لا يعلم”(15).

ولكي يحكم على النازلة لا بد أن يستكمل مجموعة من العلوم المهمة، والعلماء في هذه الأمور من بين موسع ومضيق، ولكن ضابط الجميع هو أن يكون المجتهد على دراية بما يؤهله للوصول إلى الحكم في الموضوع الذي يريد الوصول للحكم فيه.

وأهم ما تم الاتفاق عليه هو العلم بالشرع ويمثل ذلك العلوم الشرعية، والقالب الذي قدم فيه وهو العلوم اللغوية.

وأساس العلوم الشرعية الكتاب والسنة بكل علومهما وما يتصل بهما، وأساس اللغة العربية كل فنونها، ولا أريد أن أتوسع في هذه النقطة، لأن الكلام فيها سيكون مكررا وهو متاح في كل كتب أصول الفقه عند الحديث عن المجتهد.

وما يعنينا هنا هو تخريج المسألة تخريجا فقهيا سليما، وتكييفها بصورة يستطيع معها الوصول للحكم السليم.

وقد يحتاج الفقيه هنا -في عصر تشابك العلوم- لأناس من تخصصات أخرى، لبيان المقصود بالمعاملة إن كانت نازلة معاملات، أو المكتشف أو المستجد بصفة عامة في التخصصات المختلفة.

كما على المجتهد أن يتعمق في علم المقاصد الشرعية، والقواعد الفقهية، ليستطيع الوصول للحكم من أقرب طريق بصورة لا تخالف روح التشريع، ولا تصطدم بأصوله.

وعلى المجتهد كذلك أن يفهم الواقع فهما دقيقا ليعلم الظروف والملابسات المحيطة بالنازلة وكيفية التعامل معها.

والمحصلة في النهاية أن يكون لدى المجتهد القدر المناسب من المعرفة، لسبر أغوار اللغة، والوصول بفهم دقيق للمعنى المراد حتى يصل للحكم في النازلة.

ولقد تكلم الفقهاء عن مراتب المجتهدين وهي مراتب ترصد قدرتهم ومدى علمهم، ومن هذه المراتب:

1- المجتهد المطلق: وهو مَن بلغ رتبة الاجتهاد، واستقل بإدراك القواعد لمذهب معين، وترتيبه دون تقليد أو تبعية لأحد.

2- المجتهد المطلق المنتسب: وهو مَن بلغ رتبة الاجتهاد المطلق لكنه لا زال منتسباً إلى مذهب غيره، ولم يؤسس قواعد وضوابط للاستنباط.

3- المجتهد المذهبي: وهو مَن يقوم بتقرير أصول الإمام والتخريج عليها غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول ذلك الإمام وقواعده، فهو مجتهد داخل المذهب.

4- المجتهد الخاص: أو المجتهد الجزئي: وهو المجتهد في بعض أبواب الفقه أو في بعض مسائله لا في كله، وهو ما يعبر عنه بتجزئة الاجتهاد. ولذلك قال ابن قدامة في روضة الناظر: “ليس من شرط الاجتهاد في مسألة بلوغ رتبة الاجتهاد في جميع المسائل بل متى علم أدلة المسألة الواحدة وطرق النظر فيها فهو مجتهد فيها، وإن جهل حكم غيرها” ولعلّ المجتهد الخاص هو المناسب لدراسة النوازل لا سيما في هذا العصر، ولا سيما – أيضا- في الاجتهاد الجماعي الذي يضم مجموعة من العلماء قد يكون من بينهم متخصصون غير شرعيين، وإنما يستفاد منهم في كشف أكثر من علم مثل قضايا الطب ونحوها.

الفصل الأول

منهجية التعامل مع فتاوى المستجدات

نظرا لأن موضوع الفتوى في المستجدات جديد، لم يسبق من قال فيه برأيه من العلماء، كان لا بد من وجود اختلاف بين الفقهاء المعاصرين في الحكم حيث إنه غالبا ما يكون من الظني لا القطعي، وهنا تتعدد المداخل التي يسبر بها الفقيه أغوار النازلة، بتعدد الأدوات الفقهية، والأدلة الشرعية، والسعة العلمية، وكذلك تكييف الموضوع فقهيا.

ولأن للموضوع حداثته، وللنازلة ملامحها المتفردة، كان اختلاف الفقهاء واردا في التعامل معها، فمنهم من ينحو للتضييق ويستخدم في ذلك دليل سد الذرائع، ومنهم من يقصد التوسع ويستخدم في ذلك دليل المصلحة، ومنهم من يتوسط في الأمر فلا يغلق الموضوع بالكلية، ولا يفتحه أيضا بالكلية.

وأتناول هنا مناهج العلماء في تناول المستجدات العصرية والتي تنوعت بحسب تكييف العالِم للواقعة، وأدلته التي يستخدمها في أثناء التناول.

أولا: منهج تغليب التشديد وسد الذرائع:

لست هنا بصدد شرح معنى التشديد وموقف الإسلام منه، ولا بشرح دليل سد الذرائع، وإنما المقصد هو بيان أن كثيرين اتجهوا في تناول النوازل من باب السد، لكي تستريح نفوسهم، من عناء التدليل، أو لأن التكييف الفقهي انتهى بهم إلى وضع ملامح تتجه للمنع من باب الأفضلية على حساب الفتح.

ومعلوم أن التشديد المطلق ليس من الدين في شيء، والترخص المطلق ليس أيضا منه في شيء، وإنما الذي هو لب الدين وحقيقته هو التيسير ورفع الحرج بدون ترخص.

فمن شعارات ديننا الإسلامي التراحم، والتيسير، وهذه وصية الحبيب المصطفى r عندما أرسل معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري – رضي الله عنهما – إلى اليمن فقال r لهما ولنا من بعدهما: “يسِّرا ولا تعسِّرا وبشِّرا ولا تنفِّرا”(16).

كيف لا والله تعالى هو الذي أدبه، وبعثه رءوفا رحيما، يقول تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ(17)، وليس فقط بالمؤمنين، وإنما هو رحمة للعالمين يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ(18)، ويقول r عن نفسه: “إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً ميسراً”(19).

فالإسلام دين اليسر، ورسوله r بعث للناس كافة رحمة، وللإنسانية جميعا هاديا رحيما ميسرا بل معينا واضعا الأغلال التي حُمِّلها الناس دون ذنب اقترفوه يقول الله تعالى: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ(20).

وكان r يترك الأفعال التي قد يكون فيها مشقة دون أن يفرضها على الناس ومن ذلك عدم أمره للناس بالتسوك في كل صلاة فهو بالرغم من المصلحة التي فيه؛ إلا أنه يحمل مشقة في نفس الوقت لذا رفع النبي r فرضيته وبقي على ندبه يقول رسول الله r:” لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك”(21) وفي السنة كثير من الأحاديث التي يأمر فيها النبي r أصحابه رضوان الله عليهم، والمسلمون من خلفهم، بالتيسير أيضاً على الناس وعدم حملهم على الشدة ومنع التضييق عليهم.

ويمكن إرجاع أسباب التشديد لما يلي:

أولا: اتباع الهوى:

ولا أقصد بالهوى معناه المذموم وإنما ما درج عليه الإنسان ولا يريد تغييره بسهولة، فهو أقرب لمعناه اللغوي: وهو محبة الإنسان للشيء وغلبته على قلبه(22).

وشرعاً: هو ميل النفس إلى نيل شهوة تلائم طبعها أو اتباع شبهة توافق عقلها(23).

وقد ورد الهوى بهذا المعنى في كثير من الآيات في القرآن الكريم، فقال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً(24)، وقال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى(25).

فهناك نفس منَّ الله عليها فهي تلتزم بالدليل الموافق لشرع الله تعالى، ونفس أخرى تصادف الشبهة ميلا عندها، فتميل إلى ما يوافق هواها “فتدفع العقل إلى إقرارها، ويقدم عليها الدليل تلو الدليل، ويؤول ما يخالفها، ويرد من الأدلة ما يعاكسها، ثم يدافع عنها اللسان ويتخذها صاحبها علما عليه أن يدافع عنه كل حين ومقام”(26).

وهذا لا يعنى أنه لا اختلاف مطلقا، بل هناك اختلاف في الفروع لا مندوحة عنه، وهذا الاختلاف ليس مذموما ما دام مستندا إلى وجه من وجوه الاستدلال، وليس هناك دليل أرجح، “إنما يذم الاختلاف الذي يزكيه الهوى ويؤججه التعصب، فيعمى أصحابه عن الدليل، ويحول بينهم وبين الرضوخ للحق عند تعارض الأدلة، ومعرفة الراجح منها”(27).

فالاختلاف في الفروع ضروري ويكون محمودا إذا استند إلى دليل وخلا من التعصب، فإذا صادفه هوى، وتحكم فيه التعصب فيكون عندئذ مذموما.

فهذه العاطفة التي تدفع الفرد للاصطدام بالواقع نتيجة لهوى في نفسه، تجعله أيضا يفقد عناصر التمييز فلا يرى سوى رأيه، ولا يسمع إلا صوت نفسه، وهذا مذموم ويودي بصاحبه مورد الخطأ، فالعاطفة إذا سيطرت على العقل أفقدته تقويم الأمور، والحكم بها من أسباب التدهور وعدم الحكم السليم.

علاج الهوى:

ويمكن أن يعالج الهوى من خلال ما يلي:

1- اتباع الكتاب والسنة:

فيجب التقيد بالكتاب والسنة لأنهما المصدران اللذان يقوم عليهما التشريع الإسلامي، ويجب فهم مقاصدهما وأخذ الدليل منهما، والتمسك بهما دليل الفلاح فيقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا(28)، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا(29)، ويقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى(30)، ويقول الرسول r: ” تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً كتاب الله وسنتى”(31)، فالتمسك بهما يعصم الإنسان من الهوى، ويعدل كثيرا من الأفكار، وما أعنيه هنا هو الالتزام بالدليل الصحيح والبعد عن العاطفة، والتمسك برأي قد يصطدم مع مستجدات العصر بأصل.

2- اتباع منهج السلف في النظر والاستدلال:

روى البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله r: “خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”(32). ففضل الصحابة والتابعين فضل منصوص عليه فينبغي أن نسلك طريقهم ونتبع منهجهم في النظر والاستدلال فنقدم الكتاب والسنة على ما سواهما، ونرد العام إلى ما خصصه، والمطلق إلى ما قيده، والمجمل إلى ما بينه والمنسوخ إلى ناسخه، ولا نتبع المتشابه، ونجمع بين أطراف الأدلة، ولا نحتج بالضعيف والموضوع من الأحاديث ونرد الفروع الجزئية إلى القواعد الكلية.

3- اعتبار المتغيرات الواقعية:

ينبغي أن يعلم صاحب الهوى أن الأحكام منها ما هو قطعي الثبوت والدلالة فحكمه ثابت لا يتغير أبدا بتغير الزمان والمكان، ومنها ما هو ظني فيتغير بتغير الزمان والمكان فالأول مثل “وجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، والحدود المقررة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه، والثانى: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة زمانا ومكانا، كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها فإن الشرع يتنوع فيها بحسب المصلحة”(33).

4- التقوى والإخلاص:

وهما من أهم الأمور التي تعصم من اتباع الهوى فالتقوى والإخلاص ضد الهوى فلا يجتمعان في قلب عبد أبدا، وليس معنى التقوى والإخلاص كثرة العبادة فإن الخوارج أكثر الناس عبادة ولكنهم لا يخلصون، فيحقر الإنسان صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم ويقرءون القرآن لا يتجاوز حناجرهم ويخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية.

والمقصود هو “ذلك النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، إذا علم ما فيه من معاني الخوف والتوكل والرجاء والمحبة لله سبحانه، وبهذا النور ينكشف أمام العبد وجه الحق في المسألة بمجرد رؤية الدليل، فيهتدي حيث يضطرب الناس، ويعرف الدليل الصحيح حيث يشتبه الأمر على الناس، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء”(34) . فالقلب التقى الورع يجعل صاحبه دائما معلقا بالله تعالى فلا يرغب في دنيا ولا ينتظر فيها شهرة ولا سيادة ولكنه يرغب دائما في الآخرة حيث تعلق قلبه، فيراجع نفسه، ويتبع الدليل لا الهوى.

ثانيا: التعصب:

وأقصد به الوقوف عند رأي شخص معين أو حزب معين، ولا يتعداه تعصبا له، وقد يكون هذا الرأي بمنأى عن الحق، أو مرجوحا، أو لم يراع مجموع الأدلة، ومقاصد الشريعة بصفة عامة، ومع ذلك يتعصب له، ونفرق هنا بين من يتمسك بالدليل، وبين من يتعصب للرأي الذي قد يثبت أنه مرجوح.

وقد وضح الإمام ابن تيمية أصل التعصب والفرق بين المحمود والمذموم منه فقال: “وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب، أي تصير أحزابا، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة أو نقصان فهم مؤمنون، لهم مالهم وعليهم ما عليهم، وإن كانوا قد زادوا في ذلك ونقصوا مثل التعصب لمن دخل في حزبهم بالحق والباطل، والإعراض عمن لم يدخل في حزبهم سواء على الحق والباطل، فهذا من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله، فإن الله ورسوله أمرا بالجماعة، والائتلاف، ونهيا عن التفرق والاختلاف، وأمرا بالتعاون على البر والتقوى، ونهيا على التعاون على الإثم والعدوان”(35)، فوضح ابن تيمية أن أصل الاجتماع يكون على ما أمر به الله ورسوله من غير زيادة ولا نقصان، وعليهم ألا يعرضوا على من لم يدخل في حزبهم لأن هذا من التعصب المذموم، وهذا ينافى الوحدة، والتعاون الذي أمر بهما الشرع.

والتعصب “شيمة من شيم الضعف، وخلة من خلل الجهل يبتلى بها الإنسان فتعمى بصره وتغشى على عقله، فلا يرى حسنا إلا ما حسن في رأيه، ولا صوابا إلا ما ذهب إليه أو من يتعصب له”(36). فالمتعصب لا يرى إلا ما تراه طائفته، وما سوى رأيه فباطل ويستحق الهدم ولو كان صحيحا، وهذه صفة من صفات اليهود – لعنهم الله – فقال الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(37). فهم يعرفون صدق الرسول r ومع ذلك لأنه جاء من غير طائفتهم لم يؤمنوا به، فتعصبوا لآرائهم وأخذتهم العزة بإثمهم فباءوا بغضب من الله تعالى، وهذا نتيجة التعصب لطائفة أو لإمام أو لفقيه أو لرأى بالباطل.

وهذه العصبية لم تكن موجودة فى السلف الصالح، فنحن نرى من أقوالهم ما يجعلنا نجزم بتواضعهم، وأنهم كانوا يتبعون الحق أينما كان وعلى لسان من كان.

فيقول الإمام أبو حنيفة – رضي الله عنه – لا ينبغي لمن لم يعرف دليلي أن يفتى بكلامي، ويقول: “هذا رأيي وهذا أحسن ما رأيت، فمن جاء برأي خير منه قبلناه”.

ويقول الإمام مالك – رضي الله عنه -: “إنما أنا بشر أصيب وأخطئ فاعرضوا قولي على الكتاب والسنة”، وقد جاءته فرصة عظيمة للشهرة بأن يفرض الموطأ على الأمصار ولكنه رفض لما استقر في أذهان الناس فراعى الفرقة التي يمكن أن تحدث، وآثر أن لا ينشر الحق الذي معه لرأب صدع يمكن أن يحدث.

ويقول الإمام الشافعي – رضي الله عنه -: “إذا صح الحديث بخلاف قولي فاضربوا بقولي الحائط” وإذا رأيت الحجة موضوعة في الطريق فهي قولي، ومن أصح ما يروى عنه – رضي الله عنه – قوله: “رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب”(38)، فهذا سلفنا الصالح وهذه أقوالهم التي تنأى عن العصبية كثيرا.

ولهؤلاء جميعا نذكر بقول الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(39)، فإذا كانت العصبية تؤدى إلى التنازع والفشل فلا ينبغى أن تكون أبدا.

ثالثا: الجهل:

وهو من أسباب التشدد أيضا حيث من يجهل الأمور باتساعها يظن أن العلم هو ما معه فقط، أما ما مع الناس فلا، ويقول ربنا تبارك وتعالى: ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً(40)، فهناك أمور كثيرة يجهلها الإنسان، والعلم كما نعلم درجات، وفوق كل ذي علم عليم، فقد رفع الله سبحانه وتعالى العلماء درجات، فقال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(41)، وذكر سبحانه أن العلماء ممن يشهدون على ألوهيته ووحدانيته، فقال تعالى: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(42).

وورد في السنة كثير من الأحاديث التي تبين فضل العلم والحث عليه وتبين كذلك أن من علامات الساعة رفع العلم وبقاء الجهل وغير ذلك كما أورده البخاري في صحيحه(43).

والجهل إذا اقترن بالغرور قد يؤدى إلى ممارسة ما لا يصلح له من العلوم دون تأهيل لذلك اعتزازا بقدرته وخفاء عن حقيقة علمه.

ومن الجهل أن يحمل الإنسان كثيرا من العلوم دون ترتيبها وإدراك مدلولاتها فمثله في ذلك ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا(44).

والجهل يؤدى إلى الاختلاف لأنه يعنى جهل المتنازعين بحقيقة الأمر المتنازع عليه، وذلك لأن الشرع يحمل في طياته دلائل الاتحاد والألفة ولا يحمل الاختلاف، ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً(45). فلو علم المتنازعون بحقيقة الأمر المتنازع عليه وما هو أولى في هذه الفترة، لاستقر الأمر دون اختلاف، أو على الأقل يعذر بعضهم بعضا في هذه الأمور.

فهذه الأمور تؤدي للتشدد وبالتالي لرفض الجديد أو على الأقل الاحتياط التام قبل إباحته.

العلاج:

ويمكن معالجة هذه الأسباب إذا تحقق ما يأتي:

1- التجرد للإسلام:

فلا ينبغي التعصب لرأي دون آخر، بل للدليل الفقهي وهو الذي يسمو فوق كل فكرة، والأمر الإسلامي هو المقدم على كل شيء – وهذا لا يتنافى مع العمل في جماعة – فمعلوم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق – وينبغي لذلك أن يفهم الفقهاء موقع الأمر من حيث القبول والرد.

2- توظيف الطاقات:

ومعنى هذا اعتبار الفقهاء كلهم خادمين للحق، وهمهم الوصول له، ولا يتعرض للأمر إلا من استأهل له، ويناقش بعضهم بعضا فيما توصلوا له، وهذا من التوظيف الجيد للطاقات، بمعنى آخر لنسمع كل من تخصص في أمر ماذا توصل للجديد فيه، ثم يناقش من حيث فنيات الأمر لديه هل توصل للحكم الفقهي بصورة سليمة أم لا، وهل تأويله لكثير من الأمور سائغ مقبول أم لا ؟ وهنا يكون التوظيف الجيد للطاقات.

3- دراسة فقه الاختلاف وآدابه:

فمنه نعرف حجم الاختلافات التي حدثت بين الصحابة، وأبعادها، وكيف عاشوا دون تراشق أو عيب بعضهم بعضا، بل نعرف مدى أدبهم الجم الرفيع واتساع زمانهم لهم بالرغم من خلافاتهم، فبالرغم من وجود الدليل لديه كان ينزل عن رأيه احتراما لمخالفه طالما أنه حل ببلده أو بين تلاميذه.

4- الشورى وأدب الحوار:

يقول تعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(46)، ويقول: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ(47)، وترسيخ قاعدة الشورى من أهم الأمور التي تحد من الاختلاف، ففيها كلٌ يدلى برأيه ملتزما بآداب الحوار والتي منها:

السماع الجيد مع الفهم، والاجتهاد في فهم شخصية المحاور وليس فقط رأيه وحجته، وأيضا فهم المناخ النفسي والاجتماعي والعقلي الذي وجدت فيه النازلة. وكذلك تحديد الهدف المرجو وهو في نظري إيجاد حكم الشرع في كل أمر من الأمور.

ومع هذه الآداب للحوار عند الخلاف تتم المناقشات في إطار الشورى فإذا ما كان هناك رأى ورأى آخر يخالفه يعرض الأمر على العلماء ثم يؤخذ برأي الأكثرية دون اعتراض من الأقلية مع الاحتفاظ بحقهم في المخالفة، بل ويعمل المخالف بما اتفقت عليه الأكثرية بكل رضا وارتياح التزاما بمنهج الجماعة وحكم الإسلام(48).

5- الاستلهام من السيرة:

من حيث تتبع السيرة النبوية وكيف سار الرسول r وكيف تصرف في الأمور فنتخذها مثالا نرجع عليه بأمورنا، حتى لا نحكم بجهل وأمامنا المثل والعبرة، وكذلك نبحث في تعامل خيرة الفقهاء في مختلف العصور لنرى كيف تعاملوا مع مستجدات عصرهم.

6- دراسة أبواب الورع والمهلكات جيدا:

حيث إن معظم هذه الأسباب هي أمراض قلبية فإذا ما تخلص منها الإنسان، سلك السبيل القويم، ومن الالتزام بهذه الأسس يتحقق العلاج بإذن الله تعالى ويتحد الصف المسلم، وتنشط دائرة الاجتهاد، وتحاصر مناطق الخلل.

ثانيا: منهج المبالغة في المصالح:

الترخص في الفتوى لا يعني المصلحة، إذ المصلحة دليل شرعي أصولي تبعي، وهو من الأدلة المختلف عليها، والمصالح المرسلة: هي التي لم يرد عن الشارع دليل لاعتبارها أو لإلغائها(49) والمصالح بصفة عامة هي المصالح الملائمة لمقاصد الشارع الإسلامي، ولا يشهد لها أصل خاص بالاعتبار أو الإلغاء، فإن كان يشهد لها أصل خاص دخلت في عموم القياس، وإن كان يشهد لها أصل خاص بالإلغاء باطلة والأخذ بها مناهضة لمقاصد الشارع(50).

ومن هذا التعريف الأخير نعلم أن المصالح بصفة عامة أنواع: منها ما هو معتبر، ومنها ما هو ملغى. ومنها ما سكت عنه الشرع – فهو المصالح المرسلة.

وللمصلحة التي يبنى عليها التشريع شروط هي:

1- أن تكون مصلحة حقيقية لا وهمية، ويثبت ذلك بالدراسة وإمعان النظر.

2- أن تكون عامة وليست شخصية.

3- عدم معارضتها لنص أو إجماع.

4- أن يقوم بها أهل الاختصاص العدول حتى لا يغلب الهوى(51) .

فإذا ما توافرت هذه الشروط تم الحكم باعتبار المصلحة المرسلة حجة شرعية.

ومن توسع فيها أطلق العنان لكثير من المسائل المعاصرة، فأباح الكثير منها، خاصة أنها تتعلق بأصل الإذن، ومراعاتها فيما لا يضر واجب، وحقوق الناس تدور عليها مصالحهم.

ومن الأمور التي استجدت تحت دعوى المصلحة:

1- فتاوى باسم المصلحة (مصلحة المرأة) في جواز توليها رئاسة الدولة.

2- جواز تولي المرأة القضاء، على اعتبار أن القضاء ورئاسة الدولة من المؤسسات التي تحتاج لأكثر من رأي وفكر.

3- جواز الفوائد الربوية من البنوك.

4- إباحة الخمر حتى لا تتعطل السياحة..

وهكذا عشرات الفتاوى باسم المصلحة تُخرَّج . فلابد إذن من وضع الأمور في نصابها.

وفي حقيقة الأمر فإن الأخذ بالمصلحة أمر وارد، ولكن المشكلة عندما نلجأ للترخص بدون داع، ولتأويل النصوص بدون مستساغ.

ونظرا لوجود كثير من المستجدات، دعا عدد غير قليل من الفقهاء إلى التيسير بقدر المستطاع في الفتوى والأخذ بالترخص في إجابة المستفتين ترغيباً لهم وتثبيتاً لهم على طريق الحق.

وهي دعوة شرعية عليا تتواءم مع مقاصد الشريعة الإسلامية التي تتجه لرفع الحرج على الناس وجلب الخير والمصلحة لهم، وقد يجره قلة معرفة الناس بالدين، وانغماسهم في المعاصي إلى الترخص المذموم الذي يصطدم مع ثابت من الثوابت أو مقصد من المقاصد.

وقد يحاول البعض السعي وراء هذه الأمور فينسى أن للشريعة ثوابت لا يمكن المساس بها، ولها متغيرات يمكن إعادة النظر فيها والاجتهاد معها بما لا يضر الأصول الثابتة في الشرع.

وعلى كل حال فكل رأي في الشريعة يجب أن يكون مسنودا بالدليل، محاطا بالخشية، غير مصطدم بثابت، مراع فيه المقاصد وروح التشريع.

وقد يكون لهذا التيار آثارا سيئة عندما تذوب الفوارق في فتاويه بين “المجتمعات المسلمة والكافرة بحجة مراعاة التغير في الأحوال والظروف عما كانت عليه في القرون الأولى”(52).

ولقد رصد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أن هناك من يعمل بالمصلحة ولو عارضت نصا فيقول في الإفراط بالعمل بالمصلحة: “إن المصلحة المعتبرة شرعاً ليست بذاتها دليلاً مستقلاً بل هي مجموع جزئيات الأدلة التفصيلية من القرآن والسنة التي تقوم على حفظ الكليات الخمس فيستحيل عقلاً أن تخالف المصلحة مدلولها أو تعارضه وقد أُثبتت حجية المصلحة عن طريق النصوص الجزئية فيكون ذلك من قبيل معارضة المدلول لدليله إذا جاء بما يخالفه وهذا باطل”(53).

ولا أقصد بالمصلحة تلك الفتاوى التي يجتهد فيها العلماء للوصول لحكم فقهي جديد في نازلة معينة أو أمر مستجد، فهذا أمر نحمده، بل نطلبه مادامت المصلحة قد استوفت شروطها وأركانها، وإنما ما نرفضه هو ذلك الترخص المنبوذ الذي خرج عن كل شروط المصلحة بمفهومها الأصولي، ودخل في الأهواء التي لا ترضي رب العالمين، وينقصها الدليل.

وقد يدعونا هذا للتطرق إلى موضوع تتبع الرخص في المذاهب، والرخص ثابتة بالقرآن والسنة يقول r: “إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه”(54).

ولكن تتبع الرخص في المذاهب، والتلفيق بين أقوال أهل العلم فهذا منبوذ وقد يؤدي لرأي لا يرضى به جمهور العلماء.

كما أن التحايل على الشرع قد يؤدي إلى استحلال ما حرم الله تعالى أو تخصيص أحد الفئات بحكم، يقول الإمام القرافي – رحمه الله -: ” لا ينبغي للمفتي إذا كان في المسألة قولان: أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تخفيف ؛ أن يفتي العامة بالتشديد والخواص من ولاة الأمور بالتخفيف وذلك قريب من الفسوق والخيانة في الدين والتلاعب بالمسلمين، ودليل على فراغ القلب من تعظيم الله تعالى و إجلاله وتقواه، وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب إلى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين”(55).

ويقول ابن القيم رحمه الله “لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة، ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه، فإن تتبع ذلك فسق وحُرِمَ استفتاؤه، فإن حَسُن قصده في حيلةٍ جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة، لتخليص المستفتي بها من حرج جاز ذلك، بل استحب، وقد أرشد الله نبيه أيوب عليه السلام إلى التخلص من الحنث بأن يأخذ بيده ضغثاً فيضرب به المرأة ضربةً واحدة . وأرشد النبي r بلالاً إلى بيع التمر بدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمراً آخر، فيخلص من الربا . فأحسن المخارج ما خلّص من المآثم وأقبح الحيل ما أوقع في المحارم أو أسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحق اللازم”(56).

ثالثا: منهج الوسطية والاعتدال:

وهو المنهج الذي نرتضيه فلا يجنح نحو التشدد، ولا يترك العنان للمصلحة، وإنما أقصد به ما كان الدليل أساسه، والحق غايته، والحقيقة نهجه.

الوسطية في اللغة:

الوسطية لغة تعني التوسط وتعني عدم التطرف، وتعني الأجود.

ولقد تكلم الفقهاء والمفسرون عن الوسطية في إطار تفسيرهم لقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً(57) يقول ابن عاشور في التحرير والتنوير(58):

والوسط: اسم للمكان الواقع بين أمكنة تحيط به، أو للشيء الواقع بين أشياء محيطة به، ليس هو إلى بعضها أقرب منه إلى بعض عرفًا، ولما كان الوصول إليه لا يقع إلاّ بعد اختراق ما يُحيط به، أخذ فيه معنى الصّيانة والعزّة؛ طبعًا: كوسط الوادي لا تصل إليه الرّعاة والدّواب إلا بعد أكل ما في الجوانب، فيبقى كثير العشب والكلأ، ووضعًا: كوسط المملكة يجعل محلّ قاعدتها، ووسط المدينة يجعل محل قصبتها؛ لأن المكان الوسط لا يصل إليه العدوّ بسهولة، وكواسطة العقد لأنفس لؤلؤة فيه. فمن أجل ذلك صار معنى النّفاسة والعزّة والخيار من لوازم معنى الوسط عرفًا، فأطلقوه على الخيار النفيس كناية، ويقال: أوسط القبيلة، لصميمها. وأمّا إطلاق الوسط على الصّفة الواقعة عدلا بين خلقين ذميمين فيهما إفراط وتفريط، كالشّجاعة بين الجبن والتهوّر، والكرم بين الشُّحِّ والسرّف، والعدالة بين الرّحمة والقساوة، فذلك روى حديث: “خير الأمور أوسطها” وسنده ضعيف(59). وقد شاع هذان الإطلاقان حتى صارا حقيقتين عُرفيَّتين” أ.هـ.

ومن خلال ما سبق اتَّضح لنا المعنى اللغوي لكلمة (وسط)، وما تصرّف منها، وأنها تئول إلى معانٍ متقاربة، يمكن تحريرها فيما يلي:

فهي تأتي بمعنى: الخيار والأفضل والعدل. وترد لما بين شيئين فاضلين. وتستعمل لما كان بين شرّين وهو خير. وكذلك لما كان بين الجيّد والرديء، والخير والشَّرّ. وتُطلق على ما كان بين شيئين حسًّا، كوسط الطّريق، ووسط العصا. وغير ذلك من المعاني.

المعنى الاصطلاحي:

وإذا كان المعنى اللغوي يتردد بين اختيارات كثيرة، فإن المعنى الاصطلاحي كذلك ويمكن التمهيد له بما اعتقده بعض الناس أنها تعني التنازل والتساهل في أمور الدين بدعوى التحرر، وفهم آخرون أنها تعني عدم الموافقة لما يعتقده هؤلاء من أفكار ولو كانت مرجوحة فلا بد من التمسك بالأفكار، والالتزام بها أيا كان الأمر، ومن يترك هذه الأفكار المتشددة يعد متساهلا، ومن الناس من يعتقد أن الوسطية تعني التمكين في العصر وأخطأ في منهاجه لأنه لم يفهم معنى الشمولية والتكامل التي يتمتع بها دين الإسلام.

ويمكن أن أخرج بمعنى اصطلاحي للوسطية في الفتوى أراه أقرب للفهم الصحيح والإدراك السليم:

وهي تعني عندي: “الأخذ بالمنهج الأيسر في تقديم التشريع للناس عن طريق الفتوى، بما لا يصطدم بثوابت الشرع، ولا ينحرف عن هدي الوحي بتحكيم المقاصد، ولا يغفل اجتهاد العقل، بالنظر في المآلات”.

وهذا يعني أن الوسطية تعني عدم التطرف، ولأهلها منهجية في التعامل مع تقديم الفتوى، فلا يصطدمون بالثوابت القطعية، ولا يغفلون المستجدات العصرية، والنظر في مآلات الأمور بعقلية منهجية يؤدي للصواب.

يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: “المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الانحلال . والدليل على صحة هذا الصراط المستقيم الذي جاءت به الشريعة؛ فإنه قد مرّ أن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط، فإذا خرج عن ذلك في المستفتين خرج عن قصد الشارع، ولذلك كان مَنْ خرج عن المذهب الوسط مذموماً عند العلماء الراسخين… فإن الخروج إلى الأطراف خارج عن العدل، ولا تقوم به مصلحة الخلق، أما طرف التشديد فإنه مهلكة وأما طرف الانحلال فكذلك أيضاً ؛ لأن المستفتي إذا ذُهِبَ به مذهب العنت والحرج بُغِّض إليه الدين وأدى إلى الانقطاع عن سلوك طريق الآخرة، وهو مشاهد، وأما إذا ذُهِبَ به مذهب الانحلال كان مظنة للمشي على الهوى والشهوة، والشرع إنما جاء بالنهي عن الهوى واتباع الهوى مهلك، والأدلة كثيرة”(60).

فالمنهج الوسط هو المنهج الذي نرتضيه للأمة الوسط، خاصة أن الجديد محير، والنوازل كثيرة، والأمة غرقى في ملذاتها ووراء لقمة عيشها، ونسأل الله تعالى العفو إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الفصل الثاني

كيفية التعامل مع النازلة

المبحث الأول

فهم النازلة في ضوء الواقع

معلوم أن النوازل المعاصرة تحمل معها كثيرا من المشاكل التي تكون من التعقيد بمكان، حيث تتشابك فيها العلوم، وتتداخل فيها المقادير، وتتشعب فيها الأعراف، وهي أممية غالبا وليست فردية، ومن هنا كان تعقيدها الذي يستدعي فهما خاصا لتنزيلها ولتكييفها فقهيا بحيث نخرج الواقعة تخريجا صحيحا، ونصل فيها للحكم السليم.

وفهم النازلة ليس بالأمر السهل، إذ يصعب على الفقيه أن يتأملها أو يعلم مراميها ويدرك أبعادها، لأنها غالبا ما تكـون متداخلة بين أكثر من علـم، وهنا عليه لزاما أن يستعين ليفهمها من كل جوانبها بالمتخصصين الذين يدركون أهم دقائق النازلة، حتى يكون الفقيه على علم تام بها، يؤهله للحكم عليها بصورة صحيحة.

وفهم النازلة يعني ما يلي:

أولا: فهم طبيعتها:

وهذا يعني فهم طبيعتها بسبر أغوارها، لبيان ما تحويه من مواد، وما ينتج من خلالها، أو مكوناتها الأصلية، وتبعاتها التي تنزل فيها، وما يتبع ذلك من آثار أو مآلات لها، ويدخل فيها طبيعتها المكونة لها هل هي حرام أو تحوي مادة محرمة أم كل موادها من حلال.

ثانيا: فهم الواقع المحيط بها:

والمقصود بفهم الواقع أي العرف العام لهذه النازلة هل يستسيغها كعرف صحيح غير فاسد، أم أنه لا يستسيغها، وهل تفسد فيه أم تصلح، وهل فيها صلاح الناس أم فسادهم، وهل وجودها نافع أم ضار، هذا إن كانت النازلة مادية، ويمكن أن تكون فكرية، ويمكن أن تكون من إفرازات الواقع وإنتاجات العقل، المهم في الأمر كله أن تكون حادثة، مستجدة، لم يسبق فيها من الفقهاء حكم، وعلى المعاصرون لها الاجتهاد وفق أسسه السليمة.

ولعل هذا هو المقصود بالفهم في قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما قال لأبي موسى الأشعري في وصيته بالقضاء: “ثم الفهم الفهم فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك، واعرف الأمثال ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق”(61). فالمقصود بالفهم هو الدقة المتناهية في تكييف الواقعة فقهيا، وهذا لن يتأتى إلا بفهم طبيعتها وكنهها.

ويمكنني الجزم بأن أكثر الأخطاء في الفتاوى تكون نتيجة لعدم الفهم الجيد لطبيعة النازلة وبالتالي يكون التكييف الفقهي لها غير سليم مما يكون نتيجته بُعد الحكم الفقهي السليم عنها.

المبحث الثاني

التكييف الفقهي للنازلة

وأقصد به تخريج المسألة فقهيا تخريجا سليما نابعا عن علم تام بها وفهم متين لأبعادها، وهذا التخريج يجب أن يتسم بما يلي:

أولا: أن تفهم المسألة فهما دقيقا تتضح فيه جميع الأبعاد الخاصة بها، كما سبق أن بينا في المبحث السابق.

ثانيا: أن تلحق المسألة بباب من أبواب الفقه الإسلامي، وذلك يستخدم فيه القياس والمصلحة والاستحسان بصورة كبيرة.

ثالثا: أن يتم التدليل على المسألة بصورة مقنعة من خلال الأدلة الأصولية التي يستدل بها الفقيه على أحكامه.

رابعا: بعد التكييف الفقهي يجب على الفقيه أن يدرج المسألة في مكانها من الأبواب الفقهية كوضع طبيعي لها.

خامسا: على الفقيه أن يبين في أثناء بحثه الآراء المتضاربة في المسألة والمدللة، وكذلك الآراء الشاذة، فيعرض لكل منها ويحاول أن يكون محايدا فصحة الدليل هي الحاكمة، وتتبع الدليل أصل، وتنزيله على الواقع من الأسس المهمة في الأمور كلها.

وعليه أيضا أن يعرض الآراء بأدلتها التفصيلية، ثم يعارض كل دليل بما لديه من أدلة أخرى، هي أقوى في الدلالة والإسناد، ليقنع القارئ والباحث بقوة حجته وتمكن دليله.

وعليه أيضا أن يعرض دليله كأمر اجتهادي فيما له فيه علم، قد أداه علمه لهذا الاجتهاد وليس هو القول الفصل في المسألة فلا يتعصب لرأيه، ولكن له أن يدافع عنه بالحجة والبرهان، فإن جاء أحد بأحسن مما عنده أو بأدلة أقوى سلم له وأذعن لرأيه.

وليعلم أن التعصب آفة تودي بالعلماء موارد الهلاك، وذلك لأنه يعمي البصيرة عن أمور كثيرة، ويذهب الحق بركون الخلق، ويلوي أعناق الدليل على غير سبيل.

فالمقصود هو أن يكون الفقيه واعيا وهو ينزل النازلة، وأن يكون مدركا تماما كنهها وحقيقتها، حتى يستطيع أن يجعلها في بابها الفقهي السليم، وأن ينزل لها حكما هو حكمها أو الأقرب من وجهة نظره لها، وأن يدلل على هذا الحكم، وأن يستعرض آراء الآخرين بالنقد والتحليل، وبيان فساد الأدلة، وقصور الحجة، وأن يبين قوة أدلته، بوفرة إسنادها وقوة حجتها، وجلاء منطقها، وقصور الأدلة الأخرى عنها، ومن هنا تكون النازلة قد أدرجت في مكانها الطبيعي في أبواب الفقه.

ولا ريب أن الفقه الإسلامي يتسع ليشمل كل شيء ولكن القصور ليس فيه وإنما في تقصير علمائه عن الوصول للمعرفة الحقة في المسألة الحادثة.

المبحث الثالث

التمهل قبل إصدار الحكم

على النازلة

والمقصود به أن يكون لدى الفقيه المدة الزمنية الكافية حتى يستطيع أن يدرس الواقعة دراسة جيدة، يؤهله للقول الفصل فيها وفي هذه الفترة يجب ما يلي:

أولا: مراجعة مادته العلمية، وهنا لابد من التأكد أنه جمع مادة علمية متصلة بالموضوع، وأن هذه المادة تؤهله للحكم عليها.

ثانيا: مراجعة أدلته وفيها:

– يتأكد من صلة الأدلة بالنازلة أو الواقعة.

– يتأكد من صحة أدلته.

– يخرج أدلته تخريجا موثقا من مظانها في كتب الحديث والفقه والأصول، ويحسن، إن كان الدليل آية، أن تكون مشكولة وينص على رقمها وسورتها.

– يستوثق من ضعف أدلة غيره، أو عدم قوتها بجوار أدلته.

– يرتب أدلته وفق المنهج الأصولي بتقديم الكتاب على السنة وكلاهما على الإجماع وكلهم على القياس وهكذا.

ثالثا: يوضح الدلالة من الأدلة وتكون مفهمة واضحة بلغة سهلة غير موغرة، فقد درج الكثيرون على التعقيد في العبارة والإيغار في الفكرة حتى يبين أنه أوتي ما لم يؤتَ أحدا من العلم في القضية، وهذا غير مطلوب على الجملة وإنما المطلوب هو أن نعبر عن الفكرة بما يفهمها الآخرون من أقرب طريق وأقصر عبارة ممكنة.

رابعا: يعيد النظر في فكرته مرة أخرى فربما نسي أو أخطأ، وربما خانته عباراته، وربما غفل أمرا كان ذكره واجبا، أو ذكر أمرا لم يكن إلا حشوا، فهنا لا بد من إعادة النظر مرة أخرى، حتى تستقيم عباراته، وتتضح فكرته، ويطمئن لما جاء به من نتائج.

خامسا: يكتب خلاصات:

والمقصود هنا أن يكتب خلاصة لكل فكرة جاء بها، وتكون مركزة دالة خالية من الحشو والتكرار، حتى تساعد القارئ في عجالة أن يلم شتات الفكرة، ويستوعب المضمون قبل القراءة المتأنية للبحث، وهذا يدل على تمكن الباحث من حكمه الذي وصل إليه وفكرته التي يريد أن يقولها للناس، ويدل من وجهة أخرى على هضمه لأدلته وتمكنه من فهمه لها.

هذا كله يعد سبيلا للاطمئنان للحكم الفقهي للنازلة وهذا التأني ضروري قبل عرض الحكم على المتخصصين حتى يستنفد الباحث أو الفقيه كل أدواته الخاصة به.

المبحث الرابع

استشارة ذوي الاختصاص

والمقصود هنا أن لا ينفرد برأي في قضية نازلة، فمراده الوصول للحق وبيان الحكم للخلق حتى لا يضل أحد، باقترافه شيئا محرما أو يمتنع عن أمر هو مباح بحسب الاجتهاد.

ومن هنا يأتي الدور التالي على العالم أو الفقيه الذي اجتهد في النازلة، وهو أن يعرضها على أهل الاختصاص المقربين منه وأقصد من هذا أمرين:

أولا: المقصود بأهل الاختصاص:

وهم العلماء المتخصصون في النازلة فإن كانت طبية يكون أهل الدراية من الأطباء هم المختصون، وإن كانت وراثية يكون أهل التخصص هم المنوطون بذلك.

وكذلك المختصون في الفقه الإسلامي والمهتمون منهم بقضايا الواقع والمستجدات، ومن يملكون الحجة، والدراية بالاستنباط ومسائله.

ثانيا: أخذ الرأي في النازلة:

وهو الغرض الأسمى حيث يعرض النازلة والحكم الذي توصل له على المختصين ليستجلي آراءهم ويستبين أفكارهم، وغرضه من هذا الوصول للحق، فرب رأي لعالم يغير مسار بحثه، أو يصحح مجال فكره، أو يغير نتيجة جزئية في بحثه.

وهذا يقلل من جانب آخر أو يذيب مسألة التعصب للرأي، فصحيح أن لكل إنسان فكره، ومنطقه، وله الحق في أن يدافع عنه، ولكن لا يمنع هذا من أخذ آراء الآخرين وعليه أن يذعن للحق إن جاء منهم، وذلك حين يبصرونه به، أو يكشفون غمة أصابته في الدليل، أو يثبتون ضعفا في مصدر اعتمد عليه، أو يحاجونه بما لديهم من أدلة.

وعليه حينئذ أن يدافع عن رأيه، فإن لم يستطع إقناعهم، وكان ما لديهم أقوى حجة، وأرسخ يدا، وأقوى برهانا فعليه أن يرجع للحق، فالحق هو الأساس الذي انطلق من أدلته ليصل إليه، وهو ما يصبو للوصول إليه مهما كان مخالفا لرأيه، لأن المسألة في النهاية دين وحكم فقهي في مسألة نريد أن يصل الحق فيها للناس، وليست مجرد رأي أو هوى.

وهذه المرحلة هي مرحلة العرض على المتخصصين الذين مازال البحث في حوزتهم ولم يخرج للعامة من الناس، وكذلك لم يقيم في مؤتمرات علمية جادة ومتخصصة.

المبحث الخامس

التفريق بين فتاوى الأمة

وفتاوى الأفراد

وهنا يجب التفريق جيدا بين فتاوى الأمة التي يهتم فراد أمة بها وبين فتاوى الأفراد وذلك لأن كلا منهما له خصوصية معينة وكذلك المفتون فيه يتمتعون بنوعيات وقدرات بحسب ما لديهم من علم.

فتاوى الأفراد:

ففتاوى الأفراد مهمة ولكنها غير متكررة لأنها تعنى بحالات خاصة وبأفراد معينين، وهي في أمور يصعب الوصول لها بسهولة لأنها ملتصقة بأصحابها، مرتبطة بالبيئة التي يعيشون فيها، لذا كان على الفتي أن يتمهل، وأن يعرف العرف المحيط بالنازلة، وبصاحبها، وأن يدرك جيدا مدى فهمه لما ارتكبه وعليه أن يسأل ويستفيد حتى يطمئن لفتواه، ولا مانع من أن يرد المستفتي أكثر من مرة حتى يطمئن لاختياره الفقهي.

أما فتاوى الأمة:

فهذه يترك شأنها لعلماء الأمة، وينبغي ألا يتعرض لها فقيه وحده لأنه سيغفل بلا شك عن أشياء وذلك نظرا للواقع المرير الذي تعيشه أمتنا ويعيشه أفرادها، لذا وجب أن يكون معلوما أن هذا الرأي فردي فيما وصل هذا العالِم إليه، وفيما يحيط به من أمور، أما بقية المسائل فلا يحددها إلا أهل العلم بها المدركين لأبعادها العارفين لمسالكها ودروبها.

ويمكن للمجامع الفقهية أن يكون لهم دور بارز فيها، وليس معنى هذا أن يسكت العالم، ولكن دوره يقتصر على العرض، وتأييد غيره أو الرفض لما جاء به، ويمكن أن يعترض حتى على الرأي الذي تتخذه المجامع، ولكن لا يتصلب لرأيه لأنه مجرد رأي لعالم من علماء الأمة.

وبالتالي فإن كانت الفتوى تخص الأفراد فلا بأس بأن يتعرض لها العلماء الثقات العارفين بحال الأفراد ومسالكهم ودروبهم وأعرافهم في الحياة.

أما فقيه الأمة فعليه أن يدرك أنه مطالب بمهام كبيرة تجعله يدرك حقيقة واقع الأمة المهانة، وكيفية النهوض بها، وما يحاك لها، وليحذر أن يجري تجاه هواه، أو يقول ما ليس له به علم، وليعلم أنه مطالب أمام ربه بقول الحق أيا كان، ومطالب أمام علماء الأمة ببيان الأدلة.

المبحث السادس

عرض الفتوى للتقييم

ويختلف هذا المبحث عن مبحث استشارة ذوي الاختصاص في أن الأول خاص بأهل الفن الذي تبحث فيه الفتوى قبل خروجها للنور، أما هنا فالمقصود توسيع الدائرة بعرض الفتوى للتقييم من كافة أهل العلم بنشرها.

وعليه نتيجة لذلك ما يلي:

أولا: عدم التعصب لرأيه: لأن التعصب كما ذكرنا آفة من الآفات، ولكن له أن يتمسك بدليله، ويطلب الحجة على عدم إعمال الدليل أو نفيه، ولكن إذا ما ثبت صحة الدليل الآخر عليه أن يسلم به راضيا، لأن الحق أساسه، والصواب منهاجه، وإرضاء رب العالمين هدفه وغايته.

ثانيا: قبول رأي المخالف: وأعني به ما ثبت بدليله، وما استقر في عرف الفقهاء طريقا للبحث ومنهاجا قويما للوصول للحق، فإن وجد دليلا يحمل هذه الأمور فعليه أن يقبله ولو كان مخالفا له، لأن الحق كما قلنا هو الهدف.

ثالثا: من حقه أن يرد: من حقه أن يرد على الأدلة إن عنّ له ذلك، وأن يقوّمها وأن يبين المقصود منها ومن حقه كذلك أن يبين شتات الرأي الآخر، وصواب رأيه، فإن فند ما جاء به الآخرون كان له أن يتمسك برأيه، ولا يأبه للمخالف، لأن الدليل هو الحاكم، وقوة السند هي الضاربة.

وينبغي أيضا أن يعلم أن العلماء في الأمة كثر، فربما يظهر أحدهم، ولا يظهر الآخر، ومرد الأمر في هذه الأمور أن من نعرفه من العلماء ربما القليل، وهناك الكثيرون أبوا إلا عدم الظهور، وآثروا قول كلمة الحق دون أن يُذكروا، فالأهم عندهم نشر الحق، ودفع الباطل، نشر العدل ورد الظلم.

الخاتمة:

بعد هذه التطوافة السريعة تبين لي ما يلي:

أولا: الموضوع خطير وضروري للحديث فيه وبذل الوقت والجهد والمال في سبيل إتاحة الفرصة لمناقشته.

ثانيا: بينت أن كثيرين ينظرون للموضوع من وجهات نظر مختلفة منهم من ييسر وينتهج المصلحة، ومنهم من يشدد ويغلق الباب سدا للذريعة، ورجحت المنهج الوسطي البعيد عن الغلو والمغالاة والتطرف بكل أشكاله وأنواعه.

ثالثا: ضرورة فهم النازلة في ضوء الواقع، لأنه عندما تتنزل نجد أن هناك ملابسات لها فلابد من فهمها في إطار ملابساتها.

رابعا: لا بد من التكييف الفقهي للنازلة وتخريجها فقهيا حتى يتسنى الحكم عليها بسهولة.

خامسا: على الفقيه أو المجتهد في النازلة أن يتمهل قبل إصدار حكمه لأن التسرع في كل أمر آفة، فما بالنا في نازلة جديدة غير معروفة للكثيرين.

سادسا: المجتهد في النازلة عليه فهم كل أبعادها ويمكن ذلك بالاستعانة بذوي الاختصاص فيها.

سابعا: على المجتهد أن يدرك الفرق بين نازلة تخص أفرادا وبين نازلة تخص جمهور الأمة فهذه يحشد لها الفقهاء حشدا.

ثامنا: ليس هناك ما يمنع من عرض الفتوى على فقهاء الأمة وفي المجامع الفقهية لتقييمها.

الهوامش

(1) التوبة آية 122.

(2) مسلم كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد الله بن عباس وفيها بسنده قوله: “اللهم فقهه”، صحيح مسلم بشرح النووي – ج8 ص275 دار الحديث – القاهرة ط الأولى سنة 1415ه-/1994م – ورواه البخاري في كتاب العلم باب قوله r: اللهم علمه الكتاب … عن ابن عباس قال ضمني رسول الله r وقال: “اللهم علمه الكتاب”، صحيح البخاري بشرح السندي ج-1 ص25، دار إحياء الكتب العربية بدون، وفى كتاب الوضوء باب وضع الماء عند الخلاء، قوله لابن عباس: “اللهم فقهه في الدين” ج-1 ص40، وانظر سورة التوبة آية 122.

(3) انظر لسان العرب لابن منظور، مادة فقه، للعلامة أبى الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري ج-3 ص522، 523 – دار الفكر ط الأولى سنة 1410هـ /1990م، وانظر في هذه المعاني مادة فقه في المعجم الوسيط من إنتاج مجمع اللغة العربية بالقاهرة بدون تاريخ.

(4) سورة التوبة: آية 122.

(5) صحيح البخاري كتاب العلم باب: من يرد الله به خيرا يفقه في الدين، ج-1 ص24.

(6) انظر الفقه الإسلامي وأدلته، د. وهبة الزحيلى ج-1، ص16، 17 – دار الفكر ط الثالثة سنة 1989م.

(7) انظر في هذه المعاني مادة نزل في المعجم الوسيط.

(8) انظر فقه النوازل دراسة تأصيلية تطبيقية د. محمد بن حسين الجيزاني ص 18- 26 دار ابن الجوزي ط 2، 1427هـ- 2006م.

(9) المستجدات في فقه الجنايات والحدود دراسة فقهية مقارنة د. محمد عبد اللطيف البنا ص ب رسالة دكتوراه بدار العلوم القاهرة 2003م.

(10) الحكم الشرعي للدكتور يوسف قاسم ص 199 دار النهضة العربية طبعة 1413هـ، 1993م.

(11) التوبة 122.

(12) الحكم الشرعي للدكتور يوسف قاسم ص 204.

(13) الحكم الشرعي للدكتور يوسف قاسم ص 204.

(14) الحكم الشرعي للدكتور يوسف قاسم ص 204.

(15) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم 4/173دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1414هـ- 1994م.

(16) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد باب وما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب وعقوبة من عصى إمامه 4 / 79 . ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد، باب الأمر بالتيسير وترك التنفير 3 / 1358 رقمه 1732.

(17) التوبة 128.

(18) الأنبياء 107.

(19) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الطلاق، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بنية 2/ 1104، رقمه 1478.

(20) الأعراف 157.

(21) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة 2 / 5 . وأخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الطهارة، باب السواك، 1 / 220.

(22) انظر لسان العرب لابن منظور ج-15- ص371.

(23) مقدمة في أسباب اختلاف المسلمين وتفرقهم تأليف: محمد العبده، طارق عبد الحكيم ص-50- دار الأرقم بالكويت سنة الطبع 1405هـ – 1984م.

(24) سورة الفرقان: آية 43.

(25) سورة النجم: آية 3، 4.

(26) مقدمة في أسباب اختلاف المسلمين ص54.

(27) تاريخ التشريع الإسلامي مناع القطان ص243.

(28) سورة النساء آية 65.

(29) سورة الأحزاب آية 36.

(30) سورة النازعات آية 40، 41.

(31) الموطأ للإمام مالك خرج أحاديثه محمد فؤاد عبد الباقى ص 686 دار الحديث بدون تاريخ.

(32) صحيح البخارى بحاشية السندى، كتاب فضائل أصحاب النبىباب فضائل الصحابة ج-2 ص 287.

(33) عوامل السعة والمرونة فى الشريعة الإسلامية د. يوسف القرضاوى ص77 – دار الصحوة ط الأولى سنة 1406هـ/1985م، وقد ألف الدكتور صلاح الصاوى كتابا قيما فى هذا تحت عنوان الثوابت والمتغيرات فى مسيرة العمل الإسلامى ط دار الإعلام الدولى سنة 1414هـ/1994م.

(34) مقدمة في أسباب اختلاف المسلمين وتفرقهم، محمد العمدة ص82.

(35) مجموع الفتاوى لابن تيمية ج-11، ص92.

(36) مقدمة فى أسباب اختلاف المسلمين وتفرقهم، محمد العبدة ص83.

(37) سورة البقرة: آية 91.

(38) انظر: فتاوى معاصرة للدكتور: يوسف القرضاوي ج-2، ص113، وانظر: المذاهب والأفكار المعاصرة في التصور الإسلامي، محمد الحسن ص102.

(39) سورة الأنفال: آية 46.

(40) سورة الإسراء: آية 36.

(41) سورة المجادلة: آية 11.

(42) سورة آل عمران: آية 18.

(43) انظر: صحيح البخاري بحاشية السندي ج-1، ص21 وما بعدها.

(44) سورة الجمعة: آية 5.

(45) سورة النساء: آية 82، وانظر: أسباب اختلاف المسلمين وتفرقهم، محمد العبده ص108.

(46) سورة آل عمران: آية 159.

(47) سورة الشورى: آية 38.

(48) انظر: التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة ج-1 ص40، دار التراث بدون.

(49) مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه للشيخ عبد الوهاب خلاف ص86 دار القلم الكويت ط الثالثة 1972م.

(50) أصول الفقه للشيخ محمد أبى زهرة ص261 دار الفكر العربي القاهرة بدون تاريخ.

(51) مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه ص101، 103

(52) تغليظ الملام على المتسرعين في الفتيا وتغيير الأحكام للشيخ حمود التويجري ص 58 – 88، دار الاعتصام بالرياض، الطبعة الأولى 1413هـ.

(53) ضوابط المصلحة د . البوطي ص 110.

(54) أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 3 / 162 وقال: “رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجال البزار ثقات وكذلك رجال الطبراني” وانظر صحيح الجامع للألباني 1 / 383 رقم (1885).

(55) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص 250

(56) إعلام الموقعين 4 / 170 , 171 .

(57) البقرة: من الآية 143.

(58) التحرير والتنوير محمد الطاهر بن عاشور 2/17، الشركة التونسية للتوزيع – تونس 1974م.

(59) قال العجلوني في كشف الخفاء (2/391) دار الكتب العلمية بيورت 1408ه-: حديث: “خير الأمور أوسطها” وفي لفظ: “أوساطها”. قال ابن الغرس: ضعيف. وقال في المقاصد: رواه ابن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد، لكن بسند فيه مجهول عن علي مرفوعًا. وللديلمي بلا سند عن ابن عباس مرفوعًا: “خير الأعمال أوسطها”. وللعسكري عن الأوزاعي أنه قال: ما من أمر أمر الله به إلا عارض الشيطان فيه بخصلتين لا يبالي أيهما أصاب: الغلو أو التقصير. ولأبي يعلى بسند جيد عن وهب بن منبه، قال: إن لكل شيء طرفين ووسطًا، فإذا أمسك بأحد الطرفين مال الآخر، وإذا أمسك بالوسط اعتدل الطرفان، فعليكم بالأوساط من الأشياء.

(60) الموافقات 5/276-278.

(61) إعلام الموقعين لابن القيم 1 / 67.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر