أبحاث

السبيل إلى تصفية علم الأصول من الدخيل

العدد 125- 126

ماهية التجديد:

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبدُه ورسوله. اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّها النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكمُ الَذِي خَلَقَكمْ مِنْ نَفسٍ وَاحدَةٍ وَخَلَقَ منْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [سورة النساء:1].

(يا أيُهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصلِحْ لَكمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفرْ لَكمْ ذُنوبَكُمْ وَمَنْ يُطعِ الله وَرَسولَهُ فَقدْ فازَ فوْزاً عَظيماً) [الأحزاب: 71 ].

أما بعد .. فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد r وشـر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضـلالة وكل ضلالة فى النار.

فيفجأ القارئ عنوان “التجديد” فيوحشه:(1)

أولاً: عدم تقديره لأهميته.

ثانيًا: عدم وضوح ماهيته.

ثالثًا: الرهبة، لسوابق: ما حمدت دوافعها، ولا كرمت ثمارها.

أولاً: فأما سبيل الإحساس بالحاجة إلى التجديد، الذى به يسار إلى تقدير أهميته فباختبار مدى وفاء مصنفات هذا العلم بحاجات المكلفين فى مواقع مخالطاتهم المتباينة، وهى آيلة إلى ثلاثة:

الأول: درس الأصول فى معاهد التعليم.

الثانى : فهم وتمييز مسالك المجتهدين واستنباطاتهم.

الثالث: استخراج الأحكام من النصوص.

فالموقع الأول: وهو درس الأصول فى معاهد التعليم

فلما كان على ترتيب الدنيا، وكان المتعرضون له دهماء الطلاب وعوامهم: فليس من حاجتهم من هذا الدرس إيقافهم فى صفوف المجتهدين.

ولا مزاحمة آرائهم لاجتهادات السابقين.

ولا تقحمهم منصب التوقيع عن رب العالمين.

ولعل من حاجتهم:

أولاً: ذهاب الاستيحاش من الاختلاف الذى هو أمارة سعة الدين وبه رحم الله العالمين.

ثانيًا: تحصيل طرائق التعبير عن أحكام رب العالمين.

ثالثًا: تبيين مدارج سعى السابقين، ومنازل سير: قدمتهم، وصيرت الآخرين لهم تابعين.

رابعًا: اكتساب تصور جملى لمسائل الأصول:

يقصد منه تحصيل الضبط العلمى لتصرفات العقل بمقتضيات الشرع.

خامسًا: فتح أبواب الرجاء فى واسع الفضل:

ألا يفقد من الأرض قائم لله بحججه، مطرح لله تعالى راحته: يسير فى دروب السابقين.

وحظهم من هذا العلم:

صدود عن تحصيل مسائله.

وعزوف عن استيعاب دلائله.

قصرت دون فك أقفاله الهمم العاليات،

واندحرت مع تعقيداته اللذات،

وانطفأت مع ما فيه من المصاعب الأشواق،

وهان – مع تعذر الارتواء منه – الفراق.

يتعجب أحدهم – إذا دار بخلده ذكر هذا الدرس – بأى لطف – من الله تعالى – نجا.

وميراث نفسه منه: عناء الأستاذ فى فك طلسمه.

وسآمة عامة تصحب الدرس تطوف بالعقل بين أنواع معاذير بها يتسلى عما يفقد.

وترجئ قضاء أربه إلى حال يزول فيها عذره.

أو يتعوض باستظهار ما هان عليه أمره.

أو ما عهد إليه من فاقد حيلة بما لا يخلو منه فى موضع حذره.

مما يفيض به قلبه بالامتنان لسابق قدره.

والموقع الثانى: وهو فهم  وتمييز مسالك المجتهدين واستنباطاتهم..

وشأن المشغولين بذلك: الدأب ودوام السعى، فلا يلتفتون عنه إلا مغلوبين،

لا يسأمون التردد بين مسالك الناظرين، والتفكر فى معانى أحكام الدين يتوقون إلى درك ما تتميز به هذه المسالك، وما يعتذرون به إلى الله تعالى فيما به يعملون، وما إلى غيرهم يعهدون.

فقصدهم: حصول برد اليقين بما يدينون به رب العالمين.

فهم منفكون عن الانحياز إلى سبيل.. ينشدون الحق، ويرتضون الدليل.

وسعاة هذه الطبقة: يقلون بل يندرون.

وهم – وإن كانوا مادة من بعدهم من المبينين عن رب العالمين – إذ لا يبلغ مقام البيان: من فقد ذلك المقام – فإن من قبلهم ليسوا مادتهم على جهة الاطراد، لكن بسابق لطف يجدد الله به أمر هذا الدين

وهؤلاء السعاة – وإن حمدوا سير سابقيهم، وحقروا أنفسهم أن يبلغوا ولو بعض شأنهم، فإن حظ إرثهم مما دُوِّن من هذا العلم الشريف على ثلاثة أنحاء:

الأول: مطلوب موجود.

وهو تقرر حقائق هذا العلم الأساسية، وتنوع طرق التصنيف وتحرير المقال فيه بالتتبع المتحرى لمسالك المصنفين فيه وتقرير طريق الأخذ من السنة والكتاب مما يؤول إلى الحراسة لدين رب الأرباب.

الثانى: مطلوب موجود، ولكنه محبوس.

وهو دقائق هذا العلم وخفى مسالكه.

حبسه عن العقول فضل من المقول: كان من لوازم ما سبق من الزمان. وإن أضحى لا يفيد المكلفين الآن.

والثالث: مطلوب مفقود.

ما ذهب به قصور ممن سبق..ولا غفلة ممن سلف.

ولكنها حاجات جدت كان بهم غناء عنها؛ فاقتضى الحال توفير عناء التدوين لها.

ويتمثل ذلك فى الربط بين قضايا الأصول ونصوص الوحى التى من شأنها تزويد الروح بزاد اليقين، والهداية إلى السداد فى سياسة النفس.

والموقع الثالث: وهو استخراج الأحكام من النصوص

والمنوط به الواصلون إلى مرتبة الاجتهاد

البالغون الذروة العليا فى تحصيل آلاته،

الآخذون الأحكام من الكتاب والسنة من غير واسطة،

لا يعوق مطلوبهم عيب فى تصنيف،

ولا يتوقف سيرهم على تيسير فى تأليف.

عنهم أخذ المصنفون، وفى طرائق سيرهم كتب المؤلفون.

ثانيًا: وتتصور ماهية التجديد المنشود بتحقق أمور:

أولها: التصفية.

ثانيها: التحلية.

ثالثها: الوفاء بحظ القلب من التعبد.

رابعها: استخارة الله تعالى فى فتح باب جديد للبحث الأصولى.

أما التصفية:

فترتكز بالضرورة على الميزان الذى ترْجُحُ به مسائل الأصول ويطيش غيرها وهو الاعتبار – فى قواعد الأصول ومسائله – بما يتفرع عليها من الفروع –

وذلك يحتم النظر فى أمرين:

أولهما: مراجعة مصنفات تخريج الفروع على الأصول.

وتحرير القواعد، وضبط ما يندرج فى كل قاعدة وما يخرج عنها.

مع محاولة إلحاقه بما يناسبه من القواعد، أو تعليل سبب خروجه.

ثانيهما: اقتراح منهج جديد

تتسع دائرته لتشمل الخلاف الفقهى بعمومه، فلا يقتصر على فروع مذهب واحد، ولا ينحصر فيما بين الشافعية والحنفية أو المالكية من النزاع.

وتنقسم طبيعة ما يشوب درس الأصول إلى أمرين:

الأول: ما هو عارية – فى العلم – ليس من صميمه وإنما لحق به لأسباب تاريخية نتيجة الصراع العقدى بين المسلمين وغيرهم وبين كل من المعتزلة والشيعة وأهل السنة.

وتتحقق تصفية هذا النوع(2)

أولا: بنفى خلاف غير المسلمين.

ثانيًا: بنفى خلاف الفرق الضالة – كالمعتزلة والشيعة والخوارج -.

ثالثًا: بنفى خلاف الأفراد من الفرق الضالة من المسلمين كالنظام والجاحظ والجبائى وغيرهم.

والثانى: ما هو معدود من مطالب العلم فى الجملة.

لكن عدم انبناء الفروع الفقهية أو الآداب الشرعية عليه يعنى تثقيلها لكاهل العلم وزيادتها لمصاعبه ويقتضى فصلها عن مقصوده.

ويتحقق مقصود التصفية – فى هذا الباب – بأمور:

أولها: نفى ما لا قائل به من المذاهب.

فإن إثبات قول بلا قائل، واعتبار مذهب من غير منتحل له – مع أيلولته إلى كونه فرضًا عقليًا – يخرج علم الأصول عن غرضه، فبعد تتبع الأسفار الأصولية وتبين انتفاء قائل لقول ما.

فلا مناص من ترك التطويل بذكره اتقاء لعدم الفائدة، إلا على جهة الرد عليه ودفع الشبهة فى انتحاله، ويكون ذلك فى حاشية الدرس لا فى صلبه، أو يختص به الباحثون والنابهون.

ثانيها: حذف ما لا تأثير له فى الفروع.

فلا يكون من أصول الفقه ما لم يفد فروعًا فقهية، ولا آدابًا شرعية.

وثالثها: النظر فى ما لا جواب عما اعترض به عليه من الأدلة.

إذ إبقاؤه يوهم ضعف ما استدل به عليه مع إمكان الاستدلال بغيره مما لا إيراد عليه فلعل السداد: حذفه من المختصرات والإشارة إليه فى الشروح وتأخير تفصيله إلى المطولات.

رابعها: نفى الخلاف اللفظى.

وذلك ببحث جدوى الخلاف فيما وقع فيه التنازع، وحيث انتفى التباين المعنوى فيه وجب توفير العناء فى درسه.

خامسها: حذف الأمثلة الفرضية واستبدال أمثلة الكتاب والسنة بها.

وسبيل ذلك: استقراء مصنفات الحديث لتحصيل ألفاظ نبوية شريفة تكون فى موضع المثال، ويتبعه حذف ما لا مثال له من القواعد الأصولية.

سادسها: دفع إيهام التعارض بين النصوص.

إعفاء لدرس الأصول من إرساء شبهة  الاختلاف التى برَّأ الله تعالى وحيه منها بقوله: )وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً[ (النساء: 82).

ثانيًا: التحلية:

وركيزتها الأساسية نصوص الوحى الإلهى.

(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23).

التى تسبب انشراح الصدر، وترقى بالناظر إلى رفيع منازل الإيمان.

فإذ ذاك يكون أهلاً للقبول عن الله تعالى.

ولما كان حديث القرآن عما ينوب الناس من النوازل، وما يحتاجون إليه من الأحكام ذا جناحين:

أولهما: البيان الشافى لمراد الله تعالى من عباده.

وثانيهما: تهيئة النفوس لقبول تلك الأحكام، وحسن الامتثال لها.

(فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق: 2،3).

فقد أضحى سعاة الدين يتشوفون إلى ضرب من التصنيف يكون فيه الاهتداء بنور التنزيل فى طريق مخاطبة الكيان البشرى فيحيط به من جميع اقطاره ويأخذ بجميع أرجائه.

فلا يسوق الحقائق العلمية التى تأسر العقول مجردة لكن يكون ذلك فى حشد من العاطفة التى تضم قوة القلب إلى قوة العقل فتستعبد الكيان البشرى لله رب العالمين، ولا تتم حلاوة الدرس حتى يظهر لقاعدة الأصول فروع(3).

وفائدة القاعدة فروع يكون للقاعدة جمعها وحياطتها، ويكون للفروع تمييز مرتبتها

حيث ترتقى كثرة الفروع واتساعها بقاعدتها لتجعلها أصلاً وثيقًا ينتسب إليه ما دونه

وما قلت فروع تلك الأصول انحطت رتبته، حتى تنتفى صفة القاعدة عما لا يوجد له فروع،

وينضم إلى ذلك إحراز ثمراث الخلاف الأصولى بين فقهاء الأمصار ليستأنس بنعيم ذلك المتعلمون المنسوبون إلى تلك المذاهب فيما سوغت الشريعة فيه الاختلاف ليكون مناط رحمة الله تعالى بعبادة وعلامة على إعجاز تلك الشريعة.

إذ “ينطق بلسان التيسيير بيانها، ويعرف أن الرفق خاصيتها والسماح شأنها، فهى تحمل الجماء الغفير ضعيفًا وقويًا، وتهدى الكافة فهيمًا وغبيًا، وتدعوهم بنداء مشترك دانيًا وقصيًا، وترفق بجميع المكلفين مطيعًا وعصيًا، وتقودهم بخزائمهم منقادًا وأبيًا وتسوى بينهم بحكم العدل شريفا ودنيًا، وتبوئ حاملها فى الدنيا والآخرة مكانًا عليًا”(4).

وإنما تمت بذكر تلك الفروع الحلاوة إذ كانت فى مقام ما يسوغ العناء فى التحصيل، ويطيب ما يتجشم الذهن الكليل.

ثالثا: الوفاء بحظ القلب من التعبد:

وحظ القلب من التعبد له مسلكان:

أولهما: السلوك به فى مسلك التفكر فى الأسماء الإلهية والصفات الربانية، والأفعال الرحمانية والتذكير بنعم رب البرية، والتحذير مما يستوجب العقوبة والبلية،

فمنه تحصل المعرفة والمحبة والرجاء والخوف وهو أساس زاد القلب ومعظم غذائه.

الثانى: الدلالة على أخلاق الإيمان من اليقين والصبر والحلم والأناة والإيثار وبذل الجاه.

والتحذير من أخلاق الطغيان من الكبر والعجب والرياء والحقد والحسد والشحناء.

والمعادلة الصعبة فى نقل تلك المرامى من محالها من فنونها المختصة بها حتى تزاحم مصارعات العقول ومنازعات النقول.

وتوضيح القول فى ذلك أن المقصود ليس الوصول إلى أعماق تلك المعانى ولا الغوص فى طرائقها، إذ يخرج ذلك عن مقصود درس الأصول، لكن المقصود مقدار يتحصل به أنس القلب بذكر المحبوب – سبحانه وتعالى – ويتوصل به إلى الانكسار الذى يناسب أسباب اللطف الإلهى بالتفهيم والتعليم وشأن ذلك ألا يتحقق إلا ممن جمع بين خصلتين:

أولاهما: إحاطةٌ بدقيق مسالك الأصول شأنها أن تحرس زمان الدرس أن يضيق عن المقصود، فليس يحتمل ذلك أن يكون طريق تقصٍّ.

ثانيتهما: ربانيةٌ ترهف الحس شأنها أن تسير بمن رام ذلك سير المتشوق المتعطش.

وفقد ذلك يعنى أن تساق إليه تلك الفهوم على معزل من قلبه وعلى فقد من عاطفته وكأنما ينادى على قلبه منادٍ ياقلب لا تحضر ولا تسمع،

فما أسرع أن يتطرق إليه الإملال وتغالبه السآمة.

وما أكثر من تجد ممن يحوزونه ولا تبدو عليهم آثار الربانية ولا سيما التعظيم لرب البرية.

رابعًا: استخارة الله تعالى فى فتح باب جديد للبحث الأصولى:

أولا: بتطبيق قواعد الأصول على النصوص:

والذى يتمثل فى ملاحظة معنى أصولى – صح فى النظر اعتباره – وصوغ عبارة تضبط حدوده ثم السير به بين ألفاظ الوحى الإلهى وتراكيبه ليستخرج ما يختلف معه من المعانى والأحكام الآيلة إلى إظهار وجه آخر من وجوه الإعجاز(5).

وثانيا: بسوق قواعد الأصول إلى سبيل النظر فيما تقرر من أحكام واجتهادات ليحصل التحقق من موافقتها لضوابط الاستنباط.

فما أنتج النظر المطابقة فيه بين المطلوب والواقع كان موقع النظر فيه حكما فى محل القبول، وما لا يكون كذلك لزم عدم اعتباره(6).

وباتضاح ماهية التجديد المنشود وتفصيل القول فى أهميته تتضاءل دواعى الرهبة من الأخطار الموهومة حتى تؤول إلى الفناء ليحل محلها الترقب لتطبيق قواعد هذا التجديد فى الدرس العملى ولتصير منهجًا يتساند إليه المصلحون ويتعاون على تحقيقه فى مصنفات الأصول ومسائله الساعون.

هذه فصول تبين السبيل إلى تصفية الأصول..

وهو مطلب وإن أضحى – فى زماننا – ملحاً، فقد كان أملاً طالما رنا إليه الدارسون.

وليس المذكور من هذه الفصول نهاية المرام؛ إذ قد كان ثم معان أخر لم يتسع لها المقام.

وليس المذكور – هاهنا – من المسائل إلا لغرض التنبيه.

عسى أن ينفع الله تعالى كاتبه وقارئه والناظر فيه. والحمد لله رب العالمين..،،

الفصل الأول

نفى خلاف غير المسلمين

وإنما توجهت العناية إلى ذلك:

أولاً: كراهةً من القلب لذكرهم.. وتخفيفاً عن الذهن من الشغل بهم.. وتطهيراً للقرطاس من التسويد بأخبارهم.. وذا صريح توجيه التنـزيل:

)وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ[ [الحجرات: 7].

ثانياً: أن انتفاء الفائدة المترتبة على زيادة الآراء بذكرهم، وتطويل الخلاف بقولهم، يخرج ذلك عن مقصود هذا العلم، الذى هو تمهيد طريق الاستنباط للأحكام من نصوص الكتاب والسنة. حتى لو تشرفوا – هم – بذكر خلاف أهل ملتنا لباطلهم، لم يكن ذلك مسوغاً لأن نعنى – فى كتبنا – بذكرهم: )لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ[ [الحشر: 20].

وإذا كان غير المسلمين قسمين:

الأول: من لم يتشرفوا بالنسبة إلى الإسلام أصلاً. وقد ذكر الأصوليون منهم اليهود والبراهمة والسمنية.

الثانى: من انتسبوا إلى الإسلام، فخرجوا عنه ببدعة مكفرة. وقد ذكر الأصوليون منهم النظام والكعبى.

فليكن فيه مطلبان:

المطلب الأول: فى نفى خلاف اليهود والبراهمة والسمنية.

المطلب الثانى: فى نفى خلاف النظام والكعبى

المطلب الأول

فى نفى خلاف اليهود والبراهمة والسمنية

أما اليهود – قاتلهم الله ولعنهم: فمذكورون لإنكارهم جواز النسخ.

وقد رد ابن الحاجب عليهم بما يقتضى وقوعه فى شريعتهم، وبأن الوقوع دليل الجواز ثم ذكر لهم خمس شبه، أحسن سبكها، وأجاد صوغها، ونزل قائلها منـزلة حذاق المناظرين ومتقنى الأصوليين.

ثم أجاب عنها:

أولاً: بما يقتضى اطلاعه على التوراة ونظره فيها  وهو مما أغنانا الكتاب الكريم عنه، بل ونهانا رسول الله r ، بل ومما لا يقطع بسلامته من التحريف.

ثانياً: أنه كتم عنا مرجع استقائه لهذه الشبه التى يتضرر المكلفون بسردها، بل ولا يزيد إيمانهم بذكرها، وربما كانت منتحلة لا أصل لها عندهم. فيكون قد تجشم عناء الإيراد والجواب مما لا طائل تحته.

ثالثاً: أنه جوابه عن شبههم لم يقطع طريق كفرهم؛ إذ يقصر ما ذكره عن إبطال أصل كفرهم.

وأما البيضاوى: فاكتفى بالجواب الجملى بصحة نبوة سيدنا محمد r ، وصحة ذلك فى شريعته(7).

فتبرع شراح المنهاج بتفصيل مذاهب اليهود فى ذلك ، وأنهم مختلفون فيه متعرضين فى ذلك للتفرقة بينهم بذكر مقالاتهم الكفرية وإيذاء الأسماع والأذهان بذلك.. مما لا يرجع منه على استنباط الأحكام أثر، ولا ينقطع عن المكلفين منه شر.

وأما قول التاج السبكى: اعلم أنه لا يحسن ذكر هؤلاء المبعدين فى وفاق ولا خلاف ولكن السبب فى تحمل المشقة بذكرهم: التنبيه على أنهم لم يخالفوا جميعاً فى ذلك(8) ، ففيه:

أولاً: أنه تمحل لمن هاله إطباق المصنفين على ذكره، فرام الاعتذار عنهم.

ثانياً: أن ذلك لا يغنى عن صنيع البيضاوى وابن الحاجب شيئاً؛ إذ أنهما لم يتعرضا لاختلاف اليهود فى ذلك، وأنه ينفع فى حق غيرهم ممن زاد هذا التفصيل.

ثالثاً: وأى فائدة فى حصول هذا التنبيه لعلوم المكلفين وأديانهم؟

وأى ضير فى أن تعدل عبارة المختصر لتصبح هكذا:

“والإجماع على الجواز والوقوع. وأما خلاف اليهود فلا يلتفت إليه”(9).

وأى مانع فى أن تختصر عبارة المنهاج إلى:

“وفيه مسائل: الأولى: أنه واقع، ولا يلتفت إلى خلاف اليهود”.

وأما البراهمة:(10) فهم قوم يشتركون فى إنكار النبوات والشرائع وإن اختلفت مقالاتهم وفرقهم فى ذلك، وزعموا أن الله تعالى إنما كلف العباد أن يعرفوه بعقولهم وأن يشكروه على نعمه عليهم وأن لا يظلم بعضهم بعضا.

وقد ذكرهم فى المختصر(11) فى “الأحكام” منضمين إلى المعتزلة والكرامية فى ادعائهم أن الأفعال حسنة وقبيحة لذاتها، وعبارته: وقالت المعتزلة والكرامية والبراهمة: الأفعال حسنة وقبيحة لذاتها”، والمتعين حذف هذه العبارة.

وإن كان اختصاص المعتزلة والكرامية بالانحياز لهذا الاختيار جديراً بتوفير العناء فى ذكر خلافهم – لعدم جدوى ذلك فى استنباط الأحكام – فإن انضمام هؤلاء المشركين إليهم، ليحتم صرف النظر عن ذلك.

وليس فى المصادر ذكر القائل لذلك منهم، ولا مراجع ذلك من كتبهم.

وأما السُّمَّنية:(12) وهم طائفة من عبدة الأصنام، كانوا يعبدون (سومنات) وهو الصنم الذى كسره السطان محمود الغزنوى، يحصرن العلم فى الحواس ويقولون بتكافؤ الأدلة، وإبطال النظر والاستدلال.

وقد ذكرهم كل من ابن الحاجب(13) والبيضاوى(14) فى الأخبار، ناقلين خلافهم لأكثر العقلاء – كما يقول ابن الحاجب – فى إفادة المتواتر للعلم(15).

وقال البغدادى فى حكاية قول أهل السنة والجماعة:

وقالوا: إن الخبر المتواتر طريق العلم الضرورى بصحة ما تواتر عنه الخبر إذا كان المخبر عنه مما يشاهد ويدرك بالحس والضرورة، كالعلم بصحة وجود ما تواتر من الخبر.

المطلب الثانى

فى نفى خلاف النظام والكعبى

أما النظام: فهو إبراهيم بن سيار بن هانى البصرى شيخ الجاحظ، وإليه تنسب الفرقة النظامية من المعتزلة، مات سنة بضع وعشرين ومائتين، قيل: سقط من غرفة وهو سكران(16).

فإنما استحق البدء بفضح أمره، وكشف كفره، لمقالة أهل العلم فيه. وأعجب كيف غفل عنها الأصوليون حين سودوا الصحف بذكر قوله وشغلوا العقول برد شبهه، وعطلوا المسيرة، فإذا طالب الأصول مع رد ترهات الكافرين موقوف، ودون الوصول إلى الكتاب والسنة مكبل محبوس.

قال البغدادى فى الفَرْق بين الفِرَق:

وجميع فرق الأمة من فريقى الرأى والحديث – مع الخوارج والشيعة والنجارية وأكثر المعتزلة – متفقون على تكفير النظام.

ولا يهولنك هذا الحكم؛ فإنه من خبير لم يغفل ذكر الأدلة على هذا الحكم الخطير:

قال البغدادى: وأُعْجِبَ بقول البراهمة بإبطال النبوات، ولم يجسر على إظهار هذا القول خوفاً من السيف.

فأنكر إعجاز القرآن فى نظمه.

وأنكر ما روى من معجزات نبينا r ؛ من انشقاق القمر، وتسبيح الحصا فى يده، ونبوع الماء بين أصابعه ليتوصل بإنكار معجزات نبينا r إلى إنكار نبوته، ثم إنه استثقل أحكام شريعة الإسلام فى فروعها، ولم يجسر على إظهار دفعها، فأبطل الطرق الدالة عليها.

فأنكر لأجل ذلك حجية الإجماع، وحجية القياس فى الفروع وأنكر الحجة من الأخبار التى لا توجب العلم الضرورى.

ثم إنه علم إجماع الصحابة على الاجتهاد فى الفروع الشرعية.

فذكرهم بما يقرأه غدا فى صحيفة مخازيه.

وطعن فى فتاوى أعلام الصحابةy.

ثم قال: ثم إن النظام – مع ما حكيناه من ضلالاته – كان أفسق خلق الله U وأجرأهم على الذنوب العظام، وعلى إدمان شراب المسكر.

إلى أن قال ما حاصله: وقد قال بتكفيره أكثر شيوخ المعتزلة منهم أبو الهذيل ومنهم الجبائى ومنهم الإسكافى ومنهم جعفر بن حرب.

ثم قال: وأما كتب أهل السنة والجماعة فى تكفيره فالله يحصيها ولشيخنا أبى الحسن الأشعرى – رحمه الله – فى تكفير النظام ثلاثة كتب.

وقد ذكر له البغدادى ما يزيد على إحدى وعشرين مسألة من مخازيه استغرقت من صفحة 133 إلى صفحة 149.

وقد ذكر فى ثلاثة مواضع:

الأول: فى ثبوت الإجماع (17).

والثانى: العمل بالقياس(18).

والثالث: فى التنصيص على العلة(19).

قال البغدادى في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة: واتفقوا على أن أصول أحكام الشريعة: القرآن والسنة وإجماع السلف.إلى أن قال: وأكفروا النظام فى إنكاره حجة الإجماع وحجة التواتر، وقوله بجواز اجتماع الأمة على الضلالة، وجواز تواطؤ أهل التواتر على وضع الكذب(20).

وإذا افتضح كون ذلك ذريعته لما عجز عنه من إظهار دفع الشريعة المشرفة: أغنى ذلك أهل العلم عن الاشتغال بترهاته، والاحتفال بدفع باطله.

وأما الكعبى: (21) فقد نقلوا عن أبى سعيد الاصطخرى قوله: ما رأيت كافرا أجدل من أبى القاسم الكعبى(22).

وذكر ابن حزم(23) بعض مقالاته الشنيعة ثم قال: وليس كما قال الجاهل الملحد، فيما وصف به الله تعالى.

وذكر البغدادى(24) مقالة أهل السنة فى إثبات الإرادة الأزلية لله تعالى ثم ذكر مخالفة الكعبى والنظام ثم قال:وقد أكفرهم البصريون(25) مع أصحابنا فى نفيهم إرادة الله تعالى. وقد ذكر في كل من المختصر والمنهاج فى موضعين.

الأول: فى نفى المباح(26).

الثاني: في إفادة التواتر للعلم(27).

الفصل الثاني

نفى خلاف الفرق الضالة من عدا أهل السنة والجماعة

قال البغدادى(28) فى الكلام على ما أجمعت الأمة على العمل به من أخبار الآحاد فى الأحكام الشرعية: ولا اعتبار – فى مثل هذا – بخلاف أهل الأهواء من الروافض والقدرية والخوارج والجهمية والنجارية.. لأن أهل الأهواء لا اعتبار بخلافهم فى أحكام الفقه.

وقال الأشعرى: (29) وأجمعوا على ذم سائر أهل البدع والتبرى منهم وهم الروافض والخوارج والمرجئة والقدرية، وترك الاختلاط بهم.. لما روى عن النبى r فى ذلك، وما أمر به من الإعراض عنهم فى قوله: )وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ[ [الأنعام: 68].

ويختص بالذكر – هاهنا – من هذه الفرق خمس:

أولاً: المعتزلة:

عدد البغدادى – فى الفرق بين الفرق(30) – فرق المعتزلة ثم قال:

فهذه ثنتان وعشرون فرقة:فرقتان منها من جملة فرق الغلاة فى الكفر – وهما الخابطية والحمارية..وعشرون منها قدرية محضة.

وقال فى أصول الدين:(31) أجمع الفقهاء والمتكلمون – من أصحابنا – على أنه لا يصح الصلاة خلف المعتزلى ولا عليه، ولا يحل أكل ذبيحته ولا رد السلام عليه. وإن كانت بدعته كبدعة القدرية، فإن المتكلمين من أصحابنا قالوا بانقطاع التوارث بينهم وبين أهل السنة. ولذلك امتنع الحارث المحاسبى عن غنم ميراث أبيه، لأن أباه كان معتزليا.

وقال فى موضع آخر – فى الفرق بين الفرق: وقد أشار الشافعى إلى بطلان صلاة من صلى خلف من يقول بخلق القرآن ونفى الرؤية. وروى هشام بن عبيد الله الرازى عن محمد بن الحسن: أنه قال – فيمن صلى خلف من يقول بخلق القرآن: إنه يعيد الصلاة. وروى يحيى بن أكثم أن أبا يوسف سئل عن المعتزلة، فقال: هم الزنادقة إلى أن قال: وأشار – أى الشافعى – فى كتاب القياس إلى رجوعه عن قبول شهادة المعتزلة وسائر أهل الأهواء.

ورد مالك شهادة أهل الأهواء – فى رواية أشهب وابن القاسم والحارث بن مسكين.وعن مالك أنه قال فى المعتزلة: زنادقة لا يستتابون بل يقتلون.

واختلف أصحاب الشافعى فى حكم القدرية المعتزلة عن الحق فمنهم من قال: حكمهم حكم المجوس، لقول النبى r فى القدرية إنهم مجوس هذه الأمة(32)، فعلى هذا القول: يجوز أخذ الجزية منهم، ومنهم من قال: حكمهم حكم المرتدين، وعلى هذا لا تؤخذ منهم الجزية، بل يستتابون، فإن تابوا، وإلا وجب على المسلمين قتلهم.(33)

وقد أولع الأصوليون بذكر مسائلهم، وتشييد خلافهم، والرد على اعتراضاتهم، حتى نشأ ذكرهم فى كثير من مسائل الأصول ولعله انطباع تاريخى لما كان فى عصور التدوين من الصراع الفكرى بين أهل السنة والمعتزلة، الأمر الذى يليق تفصيله بكتب علم الكلام.

ومحاولة الحصر لمسائلهم جماعاتٍ وأفرادًا غير مناسب، إذ الغرض التنبيه على الأصل. وقد رام بعض الباحثين قريبا من هذا وصنف فى ذلك مصنفا، فمن أراد التوسع فليرجع إليه(34).

ثانياً: الشيعة (الروافض)

أو الإمامية الاثنى عشرية

فأما تسميتهم بالروافض فلرفضهم مقالة زيد بن على بن الحسين فى ثنائه على أبى بكر وعمر وإبائه تكفيرهما، ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم رفضتمونى.

نقل عنهم البغدادى فى أصول الدين(35) أنهم يقولون: لا حجة اليوم فى القياس والسنة، ولا فى شىء من القرآن، بدعواهم وقوع التحريف فيه من الصحابة.

قلت: وهذه الدعوى كافية فى تكفيرهم، كفيلة بإخراجهم من جماعة المسلمين.

وهذا مما لا خلاف فيه على الإطلاق.

وقال فى الفرق بين الفرق:(36) وأما أهل الأهواء – من الجارودية والهشامية والنجارية والجهمية والإمامية – الذين أكفروا خيار الصحابة، والقدرية المعتزلة عن الحق والبكرية – المنسوبة إلى بكر ابن أخت عبدالواحد – والضرارية، والمشبهة كلها، والخوارج فإنا نكفرهم كما يكفرون أهل السنة، ولا تجوز الصلاة عليهم عندنا ولا الصلاة خلفهم. اهـ .

والظاهر: أن المعول عليه – عند عبدالقاهر البغدادى – فى تكفيرهم ثبوت مقالات عنهم من شأنها إخراجهم من ملة الإسلام ومراده من قوله كما يكفرون أهل السنة، أى بتكفيرهم خيار الأمة وأفضل المسلمين بعد رسول الله r أبا بكر وعمر رضى الله عنهما.

وذكر ابن حزم طرفًا من شنيع مقالات فرقهم ثم قال:

جمهورهم أن عليا ومن اتبعه رجعوا إلى الإسلام إذ دعا إلى نفسه بعد قتل عثمان وإذ كشف وجهه وسل سيفه، وأنه وإياهم كانوا قبل ذلك مرتدين عن الإسلام كفارا مشركين، ومنهم من يرد الذنب فى ذلك إلى النبى r إذ لم يبين الأمر بيانا رافعا للإشكال. ثم قال: وكل هذا كفر صريح لا خفاء به.. فهذه مذاهب الإمامية، وهى المتوسطة فى الغلو من فرق الشيعة(37).

وقد ذكروا فى مواضع: الأفعال الاختيارية قبل البعثة:(38)، حكم العمل بخبر الواحد: (39)، عصمة الأنبياء قبل البعثة(40)، خلاف الشيعة فى الحكم بمعلومية كذب النص الذى تتوفر الدواعى على نقله ولم ينقل متواترا(41)، الخلاف فى ثبوت الإجماع(42)، الخلاف فى جواز القياس(43)، فى شروط التواتر(44).

ثالثـاً: الخـوارج:

قال الأشعرى(45): وأجمعوا على ذم سائر أهل البدع والتبرى منهم، وهم الروافض والخوارج والمرجئة والقدرية. ثم استدل – فيما يتعلق بالخوارج – بقوله r : “الخوارج كلاب أهل النار”(46). وهم مذكورون فى المختصر والمنهاج – فى موضع واحد – وهو الخلاف فى حجية الإجماع(47).

رابعاً: الكراميـة:

قال ابن حزم(48): اختلف الناس فى هل تعصى الأنبياء عليهم السلام أم لا؟

فذهبت طائفة إلى أن رسل الله صلى الله عليهم وسلم يعصون الله عز وجل فى جميع الكبائر والصغائر عمدا، حاشا الكذب فى التبليغ فقط. وهذا قول الكرامية من المرجئة. إلى أن قال: وهذا كله كفر مجرد وشرك محض، وردة عن الإسلام قاطعة للولاية مبيحة دم من دان بها وماله، موجبة للبراءة منه فى الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد.

وهم مذكورون فى موضع واحد فى الأحكام(49).

خامسـاً: المرجـئـة:

ذكر ابن حزم أن غلاتهم فرقتان: الأولى: الكرامية: أتباع محمد بن كرام السجستانى. وقد سبق الكلام عليهم. الثانية: الجهمية: وبعد ما ذكر فضائحهم وعدد شنائعهم، قال: وكل هذا كفر محض(50)، وقال – فى موضع آخر(51) – تعليقاً على بعض مقالاتهم، فكان هذا أشنع كفر وأبرده بعد كفر الغالية من الرافضة.

وقد نص عليهم الأشعرى فى رسالته إلى أهل الثغر ممن أجمع السلف على ذمهم والتبرى منهم(52). وذكرهم البيضاوى فى مخالفتهم أهل السنة وتجويزهم أن يعنى خلاف الظاهر من غير بيان(53).

الفصل الثالث

نفى خلاف الأفراد من الفرق الضالة

أولاً: الجاحظ (المتوفى 255هـ)

عمرو بن بحر صاحب التصانيف، قال ثعلب: ليس بثقة ولا مأمون. نقل عنه البغدادى(54) قوله: بإحالة عدم الأجسام. وقال الذهبى: كان من أئمة البدع(55).

ثم قال: وقول الجاحظ: كفر عند سلف الأمة، لأنه أحال أن يبقى الإله – سبحانه – فرداً كما كان فى الأزل فرداً. اهـ. وهو آيلٌ إلى تكذيب صريح القرآن فى قوله تعالى:  )كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ[ [القصص: 88].

وقال ابن كثير:(56) كان شنيع المنظر سيىء المخبر، ردىء الاعتقاد، ينسب إلى البدع والضلالات، وربما جاز به بعضهم إلى الانحلال. وهو مذكور فى مواضع: الموضع الأول: ذكره فى المختصر فى تعريف الخبر(57). الموضع الثانى: فى تصويب المجتهدين(58).

ثانياً: بشر المريسى والأصم:

أما بشر بن غياث بن أبى كريمة المريسى المتكلم شيخ المعتزلة وأحد من أضل المأمون.كان داعية للقول بخلق القرآن. قال يزيد بن هارون:(59) بشر كافر حلال الدم. وقال قتيبة بن سعيد: بشر المريسى كافر. وقال ابن حجر: قال أبو زرعة الرازى: بشر المريسى زنديق. قال الخطيب: حكى عنه أقوال شنيعة أساء أهل العلم قولهم فيه، وكفره أكثرهم لأجلها. قال ابن العماد:(60) وحكم بكفره طائفة من الأئمة.

وأما الأصم فهو عبد الرحمن بن كيسان الأصم من رؤساء المعتزلة..(61).

فقد قال البغدادى(62) – بعد ما ذكر أنواع المعاملات المجمع عليها:ومن حرم شيئا منها – وكان مما قد أجمع سلف الأمة على إباحته: كفر ولذلك أكفرنا الأصم فى إنكار صحة عقد الإجارة – التى أجمع سلف الأمة على جوازها. وأكفرناه – أيضا – فى إجازته الوضوء بالخل، كما أكفرناه فى نفى الأعراض(63).

وذكرهما ابن الحاجب فى مسألة واحدة: وهى الحكم على المجتهدين:(64).

 

ثالثاً: ابن عُليَّه (المتوفى 218هـ):

إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الأسدى البصرى. له أقوال شاذة فى الفقه وأصوله، وهو تلميذ الأصم. كان جهمياً يقول بخلق القرآن(65). قال العجلى : جهمى خبيث ملعون. قال الشافعى: هو ضال جلس بباب السوال(66) يضل الناس.

قال ابن عبد البر: له شذوذ كثير، ومذاهبه – عند أهل السنة – مهجورة وليس – فى قوله – عندهم: مما يعد خلافًا(67).

وهو مذكور فى المنهاج:(68) فى الشبه – كطريق من الطرق الدالة على العلية.

قال : واعتبر الشافعى المشابهة فى الحكم.وابن علية: فى الصورة.

رابعاً: أبو على الجبائى(69) (المتوفى سنة 303هـ)

قال عنه البغدادى فى أصول الدين وعن ابنه أبى هاشم: وقول الجبائى وابنه صريح فى الكفر.. لأنهما وصفا الله تعالى بالقدرة على فناء كل لا يقدر على فناء بعضه(70).

ونقل فى الفرق بين الفرق مناظرة بينه وبين أبى الحسن الأشعرى، قال له عقبها شيخنا رحمه الله: خالفت إجماع المسلمين وكفرت برب العالمين(71).

وهو مذكور فى مواضع: منها الموضع الأول: فى التحسين والتقبيح(72)، الموضع الثانى: فى التعبد بخبر الواحد(73). الموضع الثالث: فى أحكام الاشتقاق(74). الموضع الرابع: فى تصويب المجتهدين(75).

خامساً: أبو هاشم الجبائى (المتوفى سنة 321هـ)(76)

قال البغدادى:(77) والفضيحة السادسة من فضائحه: قوله بالأحوال التى كفره فيها مشاركوه فى الاعتزال فضلا عن سائر الفرق.

وبعد ما تعجب ابن حزم من مقالته فى الإيجاب على الله – تعالى عن ذلك – ثم حكم بأنه للكفر الصراح ووصفه كذلك بالكافر فى موضع آخر(78). وهو مذكور فى مواضع منها: الموضع الأول:  فيما تدل عليه صيغة الأمر(79). الموضع الثانى:  فى امتثال الأمر هل يوجب الإجزاء ؟(80)، الموضع الثالث : النسخ(81).

سادساً: أبو عبدالله البصرى (المتوفى سنة 367هـ)

هو أبو عبد الله الحسين بن على البصرى. مولده سنة ثلاث وثلاثمائة وقرأ على أبى هاشم(82) وهو مذكور فى موضعين: فى الإجماع (83) والثانى: فى القياس (84)

سابعاً: أبو الحسين الخياط (المتوفى سنة 300هـ)

هو عبد الرحيم بن محمد بن عثمان أبو الحسين الخياط. من معتزلة بغداد، وهو أستاذ الكعبى، وتنسب إليه فرقة الخياطية من المعتزلة(85).

قال البغدادى:(86) وكان الخياط – مع ضلالته فى القدر، وفى المعدومات – منكراً الحجة فى أخبار الآحاد، وما أراد بإنكاره إلا إنكار أكثر أحكام الشريعة، فإن أكثر فروض الفقه مبنية على أخبار من أخبار الآحاد. وهو مذكور فى شرائط الإجماع(87).

ثامناً: مويس بن عمران:

من المعتزلة من أصحاب النظام(88). وهو مذكور فى تفويض الحكم إلى النبى r(89) .

تاسعاً: عباد بن سليمان الصيمرى (المتوفى سنة 250هـ)

من معتزلة البصرة.. ومن أتباع هشام بن عمرو القوطى(90). وقد ذكر لهم البغدادى – فى الفرق بين الفرق(91) – ثمانى فضائح شنيعة ثم قال: وكان القوطى – مع ضلالاته التى حكيناها عنه – يرى قتل مخالفيه – فى السر – غيلة وإن كانوا من أهل ملة الإسلام.

فماذا على أهل السنة إذا قالوا فى القوطى واتباعه: إن دماءهم وأموالهم حلال للمسلمين، وفيه الخمس، وليس على قاتل الواحد منهم قود ولا دية ولا كفارة بل لقاتله – عند الله تعالى – القربى والزلفى، والحمد لله على ذلك؟

ذكر ابن الحاجب مقالته معرضا عن التصريح باسمه. فى ابتداء الوضع(92). وأحسن البيضاوى صنيعا إذ أغفل ذكر عبارته واسمه جميعا. لكن شراح المنهاج ذكروه كالأصفهانى(93).

عاشراً: أبو مسلم الأصبهانى (المتوفى سنة 459هـ)

كان غاليا فى الاعتزال، مولده سنة ست وستين وثلاثمائة، ومات فى جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وأربعمائة(94). قال البغدادى فى أصول الدين:(95) وزعم بعض القدرية من أهل عصرنا أنه ليس فى القرآن آية منسوخة ولا آية ناسخة، وهو أبو مسلم الأصبهانى، ولا اعتبار بخلافه فى هذا الباب مع تكذيبه لقوله الله تعالى: )مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا[ [البقرة: 106]. وهو مذكور فى النسخ(96).

الحادى عشر: الشريف المرتضى (المتوفى 436هـ)

على بن الحسين بن موسى الشريف الموسوى كان على مذهب الإمامية والاعتزال، نقل ابن الجوزى من كلامه شيئًا قبيحًا فى تكفير عمر بن الخطاب وعثمان وعائشة وحفصة رضى الله عنهم وأخزاه وأمثاله من الأرجاس الأنجاس أهل الرفض والارتكاس إن لم يكن تاب(97). وقد ذكره كل من ابن الحاجب والبيضاوى فى موضعين. الأول: فى عود الاستثناء المتعقب للجمل(98). الثانى: فى إفادة التواتر للعلم الضرورى(99).

الثانى عشر: أبو الحسين البصرى (المتوفى 436هـ)

محمد بن على بن الخطيب أبو الحسين البصرى المتكلم شيخ المعتزلة والمنتصر لهم(100). وهو مذكور فى مواضع منها: الموضع الأول: فى إعمال المشترك فى معانيه(101) .

الموضع الثانى: فى صيغة الأمر(102). الموضع الثالث: جواز تخصيص العموم بالقياس(103). الموضع الرابع: فى تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة(104).

الثالث عشـر: ابن ســينا (المتوفى 427هـ)

الطبيب الفيلسوف الحسن بن عبد الله بن سينا. حصر الغزالى كلامه فى مقاصد الفلاسفة ثم رد عليه فى تهافت الفلاسفة فى عشرين مجلسا، كفره فى ثلاث منها(105).

قال ابن حجر: وقد أطلق الغزالى وغيره القول بتكفير ابن سينا(106).

وذكره البيضاوى فى الاشتقاق: وعبارته(107): شرط كونه حقيقة دوام أصله خلافا لابن سينا وأبى هاشم.. الخ. وأهمل ابن الحاجب ذكره.

الفصل الرابع

حذف ما لا جواب له

وإنما مست الحاجة إلى التعرض لما لا جواب عنه لأن ذكره – على الاقتصار – مع ورود هذه الإيرادات عليه، موهم ضعف قضية صحيحة من قضايا النظر، صح الاستدلال عليها بغيره مما خلا عن الإيراد، ولأن ذكره مع غيره والاستطراد بذكر الأجوبة عن ما ورد، ثم التوسع بتضعيف هذه الأجوبة – وإن كان فيه تمرين عقلى، وتدريب نظرى – فإن فيه بطئا عن الوصول إلى مقصود الاستنباط، وتثقيلا لعلم مكبل عن بلوغه إلى أغراض المكلفين.

فلعل الأنسب: حذفه من المختصرات.. والإشارة إليه فى الشروح.. وتأخير تفصيله إلى المطولات.. التى هى محل اهتمام المتضلعين والعلماء المنتهين.

فصنيع ابن الحاجب – فى مختصره – بتقديم ما يرتضى من الأدلة ثم الإتباع بذكر ما ضعف منها.

وإن كان سبيلا للتعرف على هذا النوع من وجوه الاستدلال لا ينافى غرض الاختصار لزمانه إلا أن حالة العلم التى أضحى إليها – محبوساً عن عقول المكلفين مهجورا عن التطبيق فى واقع حياتهم – تجعل من الضرورة النظر فى إقصاء ذلك.

ومن أمثلته:

استدلال البيضاوى على جواز تأخير بيان العموم – بخصوصه – عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة.بقوله تعالى: )إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ[ [الأنبياء: 98].

وجه الدلالة: أن قوله: )وَمَا تَعْبُدُونَ[ يشمل من عبد وهو راض، ولا إشكال فيه ومن عبد وهو غير راض: كالملائكة والمسيح فظاهر النص يتناوله مع أنه غير مراد.

والدليل الذى ينفى إرادته من النص قوله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ[ [الأنبياء: 101].

وهذا الدليل قد تأخر(108)، فدل على جواز تأخر بيان العام من وقت الخطاب إلى وقت الحاجة.

وقد اعترض على هذا الدليل.. بأن من ذكروا على لسان المعترض مخصوصون بالعقل..

فإن العقل قاض بأنه لا يجوز تعذيب أحد بجريمة صادرة من غيره لم يدع إليها.

وهذا الدليل كان حاضرا – فى عقولهم – حالة الخطاب ثم نزلت الآية تأكيدا له.

وعلى هذا لا تكون الآية الثانية وهى قوله تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ[ مخصصة، بل تكون لزيادة بيان جهل المعترض.

وإذا ثبت ذلك لم يكن فى الآية دليل على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة.

والصواب – فى الاستدلال:

أولاً: الدليل العقلى: أن تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة لا يترتب على فرض وقوعه محال، وكل ما كان كذلك جائزا فيكون تأخير البيان إلى وقت الحاجة جائزا وأن غاية ما يترتب عليه جهل المكلف بما كلف به مدة من الزمان، ولا محظور فى ذلك، بل هو جائز، ودليل جوازه وقوعه فى النسخ، فإن المكلف لا يعرف المكلف به قبل نسخه هل هو باق إلى الأبد أو أنه سيرفع العمل به بعد مدة من الزمان، ومع ذلك فى النسخ جائز.

ثانياً: اعتماد ما اختاره ابن الحاجب(109) وهو الاستدلال بالوقوع على الجواز.. وذلك فى قوله تعالى: )وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ[ [الأنفال: 41].

والشاهد فيها فى موضعين:

الأول: قوله: )أَنَّمَا غَنِمْتُم[ فكلمة “أنما” تتكون من “أن” الناسخة، و”ما” الموصولة التى هى بمعنى (الذى) وهى من صيغ العموم، فتقدير الآية: كل ما غنمتم من شىء فحكمه وجوب تخميسه.

وظاهر الآية مقتضاه: أنه لا يجوز للغانمين أن يستأثروا بشىء من الغنائم كاملا، بل لابد أن يقتطع خمسة، فيوضع حيث أمرهم الله، ولهم أربعة أخماس ما غنموا فقسمه بينهم بالقسمة النبوية المعلومة، لكن هذا العموم ليس باقيا على ظاهره لقوله r : “من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه”.

وهو يدل على أن بعض الغنيمة – وهو السلب – لا يخمس ولما كان هذا البيان متراخيا عن الخطاب بالمجمل؛ إذ كان فى غزوة حنين سنة ثمان من الهجرة، فقد صح الاستدلال به على الوقوع.

الثانى: قوله تعالى: )وَلِذِي الْقُرْبَى[  فقد أفادت أن خمس الخمس من الغنائم مستحق لأقارب النبى r كن جاء – بعد ذلك – من الأدلة ما يقتضى تخصيص هذا العموم، بل وانحصار هذا السهم فى بنى هاشم وبنى المطلب، دون بنى عمومتهم من بنى نوفل، وبنى عبد شمس، وهذا البيان – كذلك – تأخر حتى غزوة خيبر حين قال النبى r : “إنهم لم يفارقونى فى جاهلية ولا إسلام، إنما بنو هاشم وبنو المطلب شىء واحد”.

الفصل الخامس

حذف الأمثلة الفرضيـة

والأمثلة الفرضية إنما تمس إليها الحاجة فى موضعين:

الأول: فى علم يعتمد الفروض العقلية، ورياضة الذهن فيما يرد من الاحتمالات.

الثانى: فى ابتداء علم: يرجى له مستقبل، يحصل فيه تطبيق هذه الفروض وبيان الحكم فى حق هذه الاحتمالات.

وهذان الموضعان يتباعد علم الأصول أن يصير إليهما:

أولاً: لأن المقصود من هذا العلم تمهيد طريق الاستنباط، وتقعيد ما يترتب عليه الفروع من أصول الأحكام.

ثانياً: أن هذا العلم قد استوفى الغاية – فى النضج والكمال.

فإذا لم توجد فروع عملية لبعض قضاياه وأمثلة فقهية لمقدار قواعده.

فيخشى أن يكون ذلك من علل الشيخوخة التى قعدت بهذا العلم حبيسا فى الدواوين ، بعيدا عن أعمال المكلفين.

فتكون مهمة الإصلاح: أولاً: فى استقراء مصنفات الحديث، بحثا عن ألفاظ شريفة تكون فى موضع المثال.

ثانياً: فى استبعاد ما لا أصل له – فى الحديث -، إذ كان مقصودا يترتب غرضه أن لو كان قد صدر من فم النبوة الشريف، أما وقد ثبت عدم ذلك، فقد اتضح أن لا حاجة إليه.

ثالثا: يتبع ذلك أصل آخر، وهو حذف ما لا مثال له من القواعد حيث يتضح كونه عارية، لا أثر له فى الفروع الفقهية. وفيه مسائل منها:

المسألة الأولى: (110) فى معرض الكلام على دلالة صيغة (افعل) بعد الحظر.. بعد ما ذكر الآمدى(111) مذاهب العلماء..(112)  وفى سبيل تقرير مختاره: ذكر احتمال الصيغة للإباحة ورفع الحظر ثم مثل بمثال صحيح، فقال: كما فى قوله تعالى: )وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ[ [المائدة: 2]، )فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا[[الأحزاب: 53]، )فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا[ [الجمعة: 10]..

ثم ذكر احتمال أن تكون مصروفة إلى الوجوب، فمثل بمثال فرضى فقال: كما لو قيل للحائض والنفساء: إذا زال عنك الحيض فصلي وصومي.

والصواب: فالتمثيل بما فى البخارى: فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي”(113). أو بمثل قـوله تعالى: )فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ[ [التوبة: 5].

المسـألة الثانية: وبصدد تحرير محل النـزاع فى مسألة هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب: قرر الآمدى(114) تبعية الجواب للسؤال فى عمومه وخصوصه. ثم فيما يتعلق بالخصوص قال: وأما فى خصوصه، فكما لو سأله سائل، وقال: “توضأت بماء البحر”، فقال له: “يجزئك”. فهذا وأمثاله – وإن ترك فيه الاستفصال مع تعارض الأحوال لا يدل على التعميم فى حق الغير. ويمكن أن يمثل له(115) بما فى البخارى عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال: كان النبى r يسأل يوم النحر بمنى، فيقول: لا حرج، فسأله رجل، فقال: حلقت قبل أن أذبح، قال: “اذبح ولا حرج”، وقال: رميت بعد ما أمسيت، فقال: “لا حرج”(116).

الفصل السادس

نفـى الخـلاف اللفظـى

المسألة الأولى:

خصص الآمدى المسألة الثالثة (117) – فى الفصل الخامس فى المباح وما يتعلق به من المسائل – للخلاف فى المباح، وهل هو داخل فى مسمى الواجب أو لا؟

ثم ذكر حجة من قالوا بالدخول، ومن قال بالتباين، ومناقشة الأدلة.

ثم قال: وعلى كل تقدير فالمسألة لفظية، وهى فى محل الاجتهاد.

المسألة الثانية:

وخصص الآمدى كذلك المسألة الرابعة(118) للخلاف فى المباح هل هو داخل تحت التكليف، وذكر اتفاق الجمهور على النفى خلافا للاسفرايينى وقال:

والحق: أن الخلاف – فى هذه المسألة – لفظى.

فإن النافى يقول: إن التكليف إنما يكون بطلب ما فيه كلفة ومشقة، ومن أثبت ذلك لم يثبته بالنسبة إلى أصل، بل بالنسبة إلى وجوب اعتقاد كونه مباحا.

المسألة الثالثة:

أولى المسائل فى زوائد الأصول(119) فى الخلاف فى كون المندوب مكلفا به، وقال الإسنوى: والخلاف لفظى.. أى: لأنه إن أريد بالتكليف مطلق الطلب.. أو التكليف باعتقاد ندبيته.. فالمندوب كذلك اتفاقاً. وإن أريد: الطلب المانع من النقيض.. فليس كذلك اتفاقا.

الفصل السابع

نفـى ما لا قائل به من المذاهب

المسألة الأولى:

ذكر البيضاوى(120) ثلاثة مذاهب فى الواجب المخير:

الأول: أن الواجب خصلة معينة من الخصال المخير فيها. وهو قول الجمهور.

الثانى: أن الكل واجب. على معنى أنه لا يجوز الإخلال بالجميع.. ولا يجب الإتيان به. وهو قول المعتزلة.

الثالث: أن الواجب معين عند الله تعالى دون الناس. وصدره بقوله: قيل.

قال الإسنوى: وهذا القول يسمى قول التراجم..

لأن الأشاعرة يروونه عن المعتزلة، والمعتزلة يروونه عن الأشاعرة، كما قال فى المحصول(121). ولما لم يعرف قائله عبر المصنف يعنى البيضاوى عنه بقوله: قيل.

المسألة الثانية:

ذكر الرازى فى المحصول(122) فى الواجب الموسع ثلاثة مذاهب:

الأول: قول من قال من أصحابنا: إن الوجوب مختص بأول الوقت وأنه لو أتى به فى آخر الوقت كان قضاء.

الثانى: قول من قال من أصحاب أبى حنيفة t : إن الوجوب مختص بآخر الوقت، وأنه لو أتى به فى أول الوقت كان جاريا مجرى ما لو أتى بالزكاة قبل وقتها.

الثالث: ما يحكى عن الكرخى: أن الصلاة المأتى بها فى أول الوقت موقوفة، فإن أدرك المصلى آخر الوقت، وليس هو على صفة المكلفين كان ما فعله نفلا… الخ.

وفيه أمــور:

أولها: أنه نسب إلى بعض الشافعية القول باختصاص الوجوب – فى الواجب الموسع – بأول الوقت.. وهو صنيعه فى المعالم.. وهو آيل إلى إنكار معنى كونه موسعاً.

ثانيها: تابعه على هذه النسبة:

البيضاوى فى المنهاج(123)، وعبارته: ومنا من قال بالأول فى الأخير قضاء.

والأرموى فى التحصيل(124)، وعبارته: قول بعض أصحابنا: إن الوجوب يختص أول الوقت، وما يؤتى به بعد قضاء.

وكذلك صاحب الحاصل(125)، وعبارته: فقال قوم من أصحابنا: الوجوب مخصوص بأول الوقت.. والاتيان فى آخر الوقت قضاء.

وفر الآمدى(126) وابن النجار..(127) فقالوا: وقال قوم.

قال ابن التلمسانى: هذا لا يعرف فى مذهب الشافعى.

وقال السبكى: سألت ابن الرفعة، وهو أوحد الشافعية فى زمانه، فقال: تتبعت هذا فى كتب المذهب فلم أجده(128).

وقال فى الإبهاج : وقد كثر سؤال الناس من الشافعية عنه فلم يعرفوه ولا يوجد فى شىء من كتب المذاهب.

وأما سبب الوقوع فى هذا الوهم فاحتمالات:

الأول: أن يكون سرى من قول الشافعية: إن الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعاً، ومقصودهم كون الوجوب فى أول الوقت، لا كون الصلاة فى أول الوقت واجبة

الثانى: أن يكون أحد نقله عن نقل الشافعى عن قوم من المتكلمين.

فالتبس على من بعده وظنه من مذهب الشافعى ذكرهما السبكى.

الثالث: أن يكون التبس بوجه الاصطخرى.

وهو أن الذى يفضل فيما زاد على صلاة جبريل فى الصبح والعصر يكون قضاء.

نقله الزركشى عن ابن التلمسانى.

والحاصل: أن أدلة بطلان نسبة هذا المذهب للشافعية:

أولاً: الاسـتقراء. فقد ذكر السبكى عن ابن الرفعة أنه تتبع المذهب الشافعى، فلم يجد هذا القول فى كتبه.

ثانياً: شهادة أهل الخبرة. قال ابن التلمسانى: هذا لا يعرف فى مذهب الشافعى.

ثالثاً: أن فيه خرقاً للإجماع. فقد نقل الباقلانى: الإجماع على أنه يجوز له أن يؤخر الصلاة عن أول الوقت.

وإذا بطلت نسبته للشافعية، بطلت نسبته لغيره فثبت أنه لا قائل به.

المسـألة الثالثة:

عزا ابن الحاجب(129) إلى إمام الحرمين قوله باشتراط انقراض العصر فى الإجماع المستند إلى القياس، وعبارته: وقال الإمام – رحمه الله: إن كان عن قياس.

وقد ثبت من عبارة إمام الحرمين(130) عدم قوله بذلك، وأن قوله آيل إلى عدم الاعتبار مطلقا كما قال السبكى(131). ولما لم يدع هذا المذهب أحد.. ولم يتبرع بنسبته إلى غيره شخص آخر.. ثبت كون هذا المذهب مما لا قائل به.

الفصل الثامن

نفـى إيهام التعارض

بين النصوص في الاستدلال

المسـألة الأولى:(132)

قال ابن الحاجب في الاستدلال على أن الإيمان هو الإسلام: قوله تعالى:

()فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ). فلو لم يتحد لم يستقم الاستثناء.

وقد عورض بقوله: )قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا[.

دفـع التعارض:

وقوله لو لم يتحد لم يستقم الاستثناء صحيح وهذا الموضع، لذكر الإيمان والإسلام فيه فإن ذلك يعنى ترادفها. وأما قوله تعالى: )قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا[.

فالمثبت الاستسلام الظاهر، والمنفى الإيمان الذى هو عمل القلب، ولا منافاة بين وجود الاستسلام الظاهر، خوفا من القتل. وإن كان الإيمان منفيا غير موجود.

المسـألة الثانية:

فى استدلال الشيعة على حجية إجماع العترة قال ابن الحاجب:(133)

قالوا: إنى تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتى(134).

والجواب: أن أخبار الآحاد – عندهم – ليست حجة.

وهو معارض بما روى: “كتاب الله وسنتى”. وبقوله: “أصحابى كالنجوم”.. “عليكم بسنتى وسنة الخلفاء”.. “اقتدوا باللذين”.. “خذوا شطر دينكم عن الحميراء”.

والجواب: أولاً: أن هذا الحديث ضعيف، لضعف زيد بن الحسن.. فما الحاجة إلى تكلف معارضة، بما لا حجية فيه.

ثانياً: على تقدير صحته.. فإن كلا من: “أصحابى كالنجوم”، و”خذو شطر دينكم”: ضعيف أو لا أصل له(135).

المسألة الثالثة:

فى الاحتجاج على حجية إجماع الخلفاء الأربعة.

قال ابن الحاجب:(136) قالوا: “عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين”..

والجواب: أنه عام. ثم هو معارض بقوله: “أصحابى كالنجوم”.

وفيه أمران: الأول: أن هذا الحديث ضعيف جداً وقد سبق الكلام عليه.

الثانى: أنه على تقدير صحته.

فما الذى سبب التعارض؟ وأين فى النص إذا اتبع سنة الخلفاء الراشدين ألا يتبع سنة غيرهم؟

وما المانع فى أن يعمل بسنة الخلفاء الراشدين، ويعمل بسنة غيرهم فيما لا نص عنهم فيه؟ أو يكون المراد التخيير، فيكون من جنس الواجب المخير.

المسـألة الرابعة:

فى الاستدلال على حجية إجماع الشيخين. قال ابن الحاجب: وقال الآخرون: “اقتدوا باللذين من بعدى”(137). والجواب: المعارضة. أى: مثل: “أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم”.

ورفع المعارضة: بالجمع بين النصين على تقدير صحة الثانى بصحة الاقتداء بأبى بكر وعمر، وبقية الأصحاب.

الفصل التاسع

حذف ما لا تأثير له فى الفروع

حاز السبق إلى هذا التنبيه الإمام الشاطبى.

وقرر أصلاً:

وكل مسألة مرسومة فى أصول الفقه لا ينبنى عليها فروع فقهية أو آداب شرعية، أو لا تكون عونا فى ذلك، فوضعها فى أصول الفقه عارية.

وذكر دليله: بأن علم أصول الفقه، لم يختص بإضافته إلى الفقه، إلا لكونه مفيدا له ومحققا للاجتهاد فيه.

إلى أن قال: وعلى هذا يخرج عن أصول الفقه كثير من المسائل التى تكلم عليها المتأخرون وأدخلوها فيها ثم ذكر أولا خمس مسائل.

المسـألة الأولى:

مسألة ابتداء الوضع.وهى اختلافهم فى الواضع للغة.

وفيه مذاهب: الأول: أنها توقيفية من الله تعالى. وهو اختيار الرازى، وابن الحاجب، والآمدى، وأبى الفرج، والموفق من الحنابلة، وبه قال الظاهرية، والأشاعرة.

الثانى: أنها اصطلاحية وهو قول أبى هاشم من المعتزلة.

الثالث: الألفاظ التى يقع بها التنبيه إلى الاصطلاح توقيفية، والباقى محتمل وهو قول الاستاذ أبى إسحق الاسفرايينى.

الرابع: التوقف(138). وهو قول الباقلانى، ونقله فى المحصول عن جمهور المحققين ورجحه الصفى الهندى(139).

وقد اختلفوا هل لهذا الخلاف فائدة أو لا:

فذهب جمع إلى أنه لا فائدة فيه منهم الشاطبى.

ومنهم الغزالى، قال – فى ترجيح التوقف: بعد ما ذكر احتمالات الترجيح فلا يبقى إلا رجم الظن فى أمر لا يرتبط به تعبد عملى، ولا ترهق إلى اعتقاده حاجة، فالخوض فيه – إذا – فضول لا أصل له(140).

ومنهم ابن جزى، وعبارته: ولا تبنى عليه فائدة(141).

وأما سبب ذكر هذه المسألة:

فقد قال بعضهم: إنما ذكرت هذه المسألة، لتكميل العلم بهذه الصناعة، أو جواز قلب ما لا تعلق به بالشرع، كتسمية الفرس ثورا وعكسه، وقال بعضهم: إنها جرت

– فى الأصول – مجرى الرياضيات كمسائل الجبر والمقابلة(142).

وذهب فريق آخر إلى تعلق الفائدة بذكرها.

ومنهم الإسنوى فى التمهيد(143)، وذكر سبعة فروع.

لكن قال السبكى:(144) وبنى بعضهم على الخلاف فيها ما إذا اعتقد صداقا فى السر وصداقا فى العلانية.

ويلتحق بذلك: ما إذا استعملا لفظ المفاوضة، وأرادا شركة العنان حيث نص الشافعى على جوازه.

والحق: أن بناء المسألتين على هذا الأصل غير صحيح..

فإن هذا الأصل – فى أن هذه اللغات الواقعة بين أظهرنا: هل هى بالاصطلاح أو التوقيف، لا فى شخص خاص اصطلح مع صاحبه على إطلاق لفظ الثوب على الفرس أو الألف على الألفين مثلا.

قلت: وقد ذكر الإسنوى مسألة صداق السر فى أولى مسائله.

والظاهر عموم هذا الحكم على جميع مسائله.

يزيده وضوحا: أن القائل بالاصطلاح: أبو هاشم، ولم يرو له مخالفة فى هذه المسائل.

وكيف يتصور التفريع فى المذهب الشافعى – على قول أبى هاشم المعتزلى؟

المسألة الثانية:(145)

الإباحة.. هل هى تكليف أو لا؟

والخلاف فيه بين الأكثرين وبين الأستاذ أبى إسحاق الإسفرايينى الذى جعله من التكليف: باعتبار كونه مطلوب فى الاعتقاد: بأن يعتقد إباحته، لا أنه مطلوب منه فعله.

قال الصفى الهندى: والجماهير لا يخالفونه فى كون المباح من التكليف بهذا الاعتبار، وهو لا يخالفهم فى أنه ليس منه باعتبار الفعل والترك، فالنزاع لفظى، وكذا قال الآمدى والزركشى والأصفهانى وابن عبد الشكور والرازى.

المسـألة الثالثة:

أمـر المعدوم. والمعنى: أنه لا يكلف حال عدمه بالإجماع، ويعمه الخطاب إذا وجد – كغيره ولا يحتاج إلى خطاب آخر.

وهو قول الحنابلة والأشعرية وبعض الشافعية وحكاه الآمدى عن بعض السلف والفقهاء. والخلاف فيها منسوب للمعتزلة وجمع من الحنفية.

قال الشنقيطى: اعلم أولاً أن الخلاف فى هذا المبحث لفظى؛ لأن جميع العلماء مطبقون على أن أول هذه الأمة وآخرها إلى يوم القيامة سواء فى الأوامر والنواهى.

 

 

ثبت المصادر والمراجع

أولاً: القرآن الكريم

ثانيًا: أصول الفقه:

1- آراء المعتزلة الأصولية للدكتور على بن سعد بن صالح الضويحى، مكتبة الرشد – الرياض (1417 هـ)

2- الإبهاج بشرح المنهاج لتقى الدين على بن عبد الكافى السبكى وولده تاج الدين (ت 771)  ط- التوفيق.

3- الإحكام فى أصول الأحكام لسيف الدين على بن أبى على بن محمد الآمدى (ت635هـ) ط- صبيح

4- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول لمحمد بن على الشوكانى ( ت 1255 هـ) ط- الحلبى.

5- البحر المحيط للإمام بدر الدين محمد بن بهادر الزركشى (ت794هـ) ط الكويت 1413هـ الأوقاف.

6- البرهان فى أصول الفقه لإمام الحرمين أبى المعالى عبد الملك بن عبد الله الجوينى (ت 478هـ) تحقيق الدكتور عبد العظيم الديب  ط- قطر 1399هـ .

7- بيان المختصر شرح مختصر بن الحاجب  لشمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهانى (ت 749هـ) تحقيق: محمد مظهر بقا – ط- كلية الشريعة بمكة المكرمة 1406هـ .

8- التحصيل من المحصول لسراج الدين الأرموى (ت 682هـ) تحقيق: عبد الحميد أبو زنيد ط.الرسالة .

9- تقريب الوصول إلى علم الأصول لأبى القاسم محمد بن جزى الكلبى الغرناطى (ت 741) ط دار الأقصى.

10- التلخيص فى أصول الفقه لإمام الحرمين أبى المعالى عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينى (ت478هـ) تحقيق: دكتور عبد الله جولم النيببلى وشبير أحمد العمرى ط- دار البشائر الإسلامية .

11- التمهيد فى تخريج الفروع على الأصول لجمال الدين الأسنوى (ت 772 ) تحقيق: محمد حسن هيتو ط. الرسالة .

12- تيسير التحرير شرح أمير بادشاه على كتاب التحرير فى أصول الفقه الجامع بين اصطلاحى الحنفية والشافعية لكمال الدين محمد بن عبد الواحد الشهير بابن همام الحنفى ( ت 861 هـ) ط- مصطفى الحلبى.

13- الحاصل من المحصول للإمام تاج الدين الأرموى (ت 653هـ) رسالة أعدها عبد السلام محمود أبو ناجى بكلية الشريعة والقانون 1396هـ .

14- زوائد الأصول للإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوى تحقيق: محمد سنان سيف الجلالى، ط- مكتبة الجيل .

15- شرح الكوكب المنير المسمى مختصر التحرير للشيخ محمد بن أحمد بن عبدالعزيز بن على الفتوحى المعروف بابن النجار (ت972هـ) تحقيق : دكتور محمد الزحيلى وآخر ط – كلية الشريعة بمكة المكرمة 1400هـ. طبعة أخرى تحقيق: محمد حامد الفقى ط – السنة المحمدية.

16- شرح المختصر وهو شرح عضد الدين الإيجى (ت 756هـ) على مختصر ابن الحاجب المالكى (ت646هـ) .

17- شرح المنهاج لشمس الدين محمود بن عبد الرحمن الأصفهانى ( ت 749 هـ ) بتحقيق الدكتور عبد الكريم النملة ط- مكتبة الرشد – الرياض.

18- شرح تنقيح الفصول فى اختصار المحصول فى الأصول لشهاب الدين القرافى (ت684هـ) تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد طبعة الكليات الأزهرية 1393هـ

19- عيون الأصول فى مسائل المجمل والمبين والنسخ والسنة والإجماع للدكتور أسامة عبد العظيم ط- دار الفتح.

20- المحصول فى علم أصول الفقه لفخر الدين محمد بن عمر بن الحسين الرازى (ت606هـ) ط بيروت 1408

21- المستصفى لأبى حامد محمد بن محمد الغزالى (ت505هـ) وبهامشه فواتح الرحموت ط- دار الكتب العلمية

22- منتهى السول فى علم الأصول للإمام سيف الدين على بن أبى على بن محمد الآمدى (ت635هـ) ط صبيح

23- منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضى ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوى (ت 685 هـ) بتحقيق: محمد محى الدين عبد الحميد ط- مطبعة السعادة بمصر (1951).

24- نهاية السول فى شرح منهاج الوصول  إلى علم الأصول للإمام جمال الدين أبى محمد عبد الرحيم بن الحسن الإسنوى (ت772هـ) ط- صبيح.

ثالثًا : كتب عامة:

25- أصول الدين للإمام عبد القاهر بن طاهر البغدادى ( ت 429 هـ)  ط دار الآفاق الجديدة – بيروت.

26- البداية والنهاية للحافظ أبى الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقى ( ت 774 هـ ) ط- دار الكتب العلمية.

27- رسالة إلى أهل الثغر للإمام أبى الحسن الأشعرى تحقيق ودراسة: عبد الله شاكر محمد الجندى  ط- مكتبة العلوم والحكم – المدينة  (1409 هـ).

28- شذرات الذهب فى أخبار من ذهب للمؤرخ الفقيه عبد الحى بن العماد الحنبلى (ت 1089 هـ) ط- دار إحياء التراث العربى – بيروت.

29- الفرق بين الفرق للإمام  عبد القاهر بن طاهر البغدادى ( ت 429 هـ) بتحقيق الشيخ محمد محى الدين عبد الحميد  ط- مكتبة دار التراث.

30- الفصل فى الملل والأهواء والنحل للإمام أبى محمد على بن أحمد المعروف بابن حزم الظاهرى (ت 456 هـ) تحقيق: د.محمد إبراهيم نصير ط- شركة مكتبات عكاظ.

الهـوامش

(1) ومن حق القارئ – حتى تقل وحشته أو تزول – أن يتضح له متعلق التجديد المقصود:

فإذ كان علم أصول الفقه قواعد راسخة أضاءت للصحابة والتابعين فمن بعدهم دروب التأويل وأنالتهم ثمر النظر فى كلام الجليل، فشأنه أن لا يحوم حوله ما يشوبه إذ كان وافيًا كل الوفاء بغرضه، وينفسح المجال – بعد ذلك – بحسب ما قيد هذه المعانى من قوالب المصنفات وما زاحمها من غيرها وعطلها عن بلوغ ما كان فى العصور المباركات.

(2) راجع لتفصيل ذلك كتاب (السبيل إلى تصفية علم الأصول من الدخيل) للمؤلف.

(3) راجع كتاب (نحو منهج جديد فى تخريج الفروع على الأصول) للمؤلف.

(4)  الموافقات (1/4).

(5) راجع كتاب(أسباب الإجمال فى الكتاب والسنة) و(الاشتراك وأثره فى استنباط الإحكام) للمؤلف.

(6) راجع كتاب (القصص القرآنى وأثره فى استنباط الأحكام) للمؤلف.

(7) (2/166) بشرح الإسنوى.

(8) الإبهاج (2/249).

(9) وإنما سوغ هذا التنبيه ما شحنت به كتب الأصول فى هذا الموضع من تفصيل أقوالهم، ورد شبههم. فهو مراعاة لمواقع لا يمكن تغييره، ولا يصلح مجاراته.

(10) الفصل (1/137)، أصول الدين (323).

(11) بيان المختصر (1/287).

(12) أصول الدين (320).

(13) بيان المختصر (1/640-641).

(14) الإسنوى (2/217).

(15) ونقله عنهم البغدادى فى أصول الدين (11).

(16) المعتبر (280-281).

(17)بيان المختصر (1/525)، الإسنوى (2/277).

(18) بيان المختصر (3/141)، الأسنوى (3/8).

(19) الإسنوى (3/22-23).

(20) الفرق بين الفرق (327-328).

(21) هو عبد الله بن أحمد بن محمود البلخى، كان حاطب ليل يدعى فى أنواع العلوم ولم يحظ فى شىء منها بأسراره، وخالف البصريين من المعتزلة فى أحوال كثيرة، وفاته سنة 319. شذرات الذهب (2/281). البداية والنهاية (11/175-176).

(22) المعتبر (287).

(23) الفصل (3/53).

(24) الفرق بين الفرق (181-182).

(25) يعنى من المعتزلة.

(26) بيان المختصر (1/399)، الإسنوى (1/112-113).

(27) بيان المختصر (1/644)، الإسنوى (2/217).

(28) أصول الدين (13).

(29) رسالة إلى أهل الثغر (307-309).

(30) الفرق بين الفرق (114).

(31) أصول الدين (189).

(32) ولفظ الحديث: “القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم” رواه الطبرانى فى الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى العزوى وهو ثقة (7/205) مجمع الزوائد.

(33) الفرق بين الفرق (358).

(34) وهو كتاب: آراء المعتزلة الأصولية دراسة وتقويما.

تأليف الدكتور/ على بن سعد بن صالح الضويحى طبع مكتبة الرشد بالرياض.

(35) أصول الدين (19).

(36) الفرق بين الفرق (357).

(37) الفصل (5/42)

(38) الإسنوى (1/123).

(39) بيان المختصر (1/671).

(40) بيان المختصر (1/477)، الأصفهانى (2/498)..

(41) بيان المختصر (1/662)، الإسنوى (2/226).

(42) بيان المختصر (1/525)، الإسنوى (2/277)..

(43) الإسنوى (3/8).

(44) بيان المختصر (1/652-653).

(45) رسالة إلى أهل الثغر (307-309).

(46) خرجه ابن ماجه فى مقدمة سننه (1/61) وخرجه ابن أبى عاصم (438) وقال الشيخ ناصر الدين الألبانى: حديث صحيح ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين.

(47) بيان المختصر (1/529)، الإسنوى (2/277)..

(48) الفصل (4/5).

(49) بيان المختصر (1/287).

(50) الفصل (5/73-75).

(51) الفصل (5/75).

(52) رسالة إلى أهل الثغر (307-309).

(53) الإسنوى (1/308).

(54) أصول الدين (66-67).

(55) ميزان الاعتدال (3/247).

(56) البداية والنهاية (11/22 ).

(57) بيان المختصر (1/631).

(58) بيان المختصر (3/304)، الإسنوى (3/5).

(59) لسان الميزان (2/30).

(60) قال ابن كثير: كان يقول: إن السجود للشمس والقمر ليس بكفر، وإنما هو علامة الكفر يقال إن أباه كان يهودياً صباغاً بالكوفة هلك أواخر سنة 218هـ، وعاش نيفا وسبعين سنة. شذرات الذهب

(2/44)، البداية والنهاية (10/294).

(61) المعتبر (283).

(62) أصول الدين (194-195).

(63) والظاهر أن مستندهم في التكفير – فيما ذكر- ما هو معلوم من الدين بالضرورة إذ غاية ما ذكر خطأ في الاجتهاد في الفروع، وهو مما لا يجوز التكفير به.

(64) بيان المختصر (3/307).

(65) المعتبر (283-284).

(66) باب السوال: موضع كان بجامع مصر.

(67) لسان الميزان: (1/34-35).

(68) شرح المنهاج (2/693).

(69) هو محمد بن عبد الوهاب شيخ المعتزلة وأبو شيخ المعتزلة أبى هاشم، وفاته سنة303هـ، والجبائى (بالضم والتشديد) نسبة إلى جبى (بالقصر) قرية بالبصرة.

شذرات الذهب (2/241).

(70) وعبارته: وزعم الجبائى وابنه أن الله تعالى يخلق فناء لا فى محل. فيفنى به جميع الأجسام، وزعم أن الله ليس بقادر على إفناء بعض الأجسام مع بقاء بعضها، (67) أصول الدين، بيان المختصر (1/287).

(71) وذلك لأن أبا على سمى الله عز وجل مطيعا لعبده.

فلذلك أجابه أبو الحسن: لو جاز أن يكون الله مطيعا لعبده لجاز أن يكون خاضعا له تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (183).

(72) بيان المختصر (1/287).

(73) بيان المختصر (1/668).

(74) شرح المنهاج (1/193).

(75) بيان المختصر (3/309).

(76) هو عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائى وهو ابن أبى على الجبائى المعتزلى وإليه تنسب الطائفة البهشمية بين المعتزلة، مولده سنة سبع وأربعين ومائتين وتوفى سنة 321هـ فى شعبان منها . البداية والنهاية (11/188)

(77)  الفرق بين الفرق  (195).

(78) الفصل (5/67-68).

(79) بيان المختصر (2/19)، شرح المنهاج (1/314).

(80) شرح المنهاج (1/157).

(81) شرح المنهاج (1/474).

(82) المعتبر (285).

(83) شرح المنهاج (2/626).

(84) شرح المنهاج (2/657).

(85) المعتبر (286، 287).

(86) الفرق بين الفرق (180).

(87) بيان المختصر (1/556)، شرح المنهاج (2/621).

(88) المعتبر (287).

(89) شرح المنهاج (2/773).

(90) لسان الميزان (229، 230) ، المعتبر (288).

(91) الفرق بين الفرق (159 – 164).

(92) بيان المختصر (1/276).

(93) شرح المنهاج (1/169).

(94) المعتبر (288).

(95) أصول الدين (226، 227).

(96) بيان المختصر (2/501-502) شرح المنهاج (1/467) شرح الاسنوى (2/168-169)..

(97) فقد نقل ابن كثير عن ابن الجوزى حكاية حاصلها شهادته لأبى بكر وعمر بأنهما وليا فعدلا واسترحما فرحما وأن ذلك قبيل نزع روحه. فالله أعلم. البداية والنهاية (12/56-57).

(98) بيان المختصر (2/280)، شرح المنهاج (1/391).

(99) بيان المختصر (1/644)، شرح المنهاج (2/525).

(100) البداية والنهاية (12/57).

(101) بيان المختصر (2/162)، شرح المنهاج (1/214).

(102) شرح المنهاج (1/302).

(103) بيان المختصر (1/340)، شرح المنهاج (1/415)..

(104) بيان المختصر (2/392)، شرح المنهاج (2/448).

(105) البداية والنهاية (12/45-46).

(106) لسان الميزان (2/291-293).

(107) شرح المنهاج (1/194).

(108) [بدليل ما خرجه الحاكم فى المستدرك (2/384-385)، وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبى عن ابن عباس – رضى الله عنهما – قال: “لما نزلت: )إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ[ فقال: لو كان هؤلاء الذين يعبدون آلهة ما وردوها. قال: فنـزلت: )إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُون[ : عيسى وعزير والملائكة”].

(109) بيان المختصر (2/394)

(110) إحكام الآمدى (2/165). نيل الأوطار (1/225). فتح البارى (1/487).

(111) الإحكام (2/165).

(112) ذكر قول الوجوب وعزاه للمعتزلة، وقول الإباحة وعزاه لأكثر الفقهاء، وقول التوقف وعزاه لإمام الحرمين.

(113) وسياقه: عن عائشة قالت: قالت فاطمة بنت أبى حبيش يا رسول الله إنى لا أطهر، أفأدع الصلاة؟  فقال رسول الله  r : “إنما ذلك عرق وليس بالحيضة”.

(114) الإحكام (2/218).

(115) وأما تمثيل ابن النجار بقوله تعالى: )هَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ[ يناسب لو كانت الدار دار تكليف، وتمثيله بحديث أنس: قال رجل: يارسول الله: الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحنى له؟ قال: لا، قال: أفيلزمه ويقبله؟ قال: لا، قل: فيأخذ بيده ويصافحه قال: نعم”.

فالظاهر فيه العموم، بقرينة: “الرجل منا” شرح الكوكب (3/169).

(116) فتح البارى (3/664).

(117) الإحكام (1/117).

(118) الإحكام (1/117-118).

(119) زوائد الأصول (168).

(120) الاسنوى (1/73-77).

(121) المحصول (1/742) قال: واتفق الفريقان على فساده.

(122) المحصول (1/281).

(123) شرح الإسنوى (1/88).

(124) التحصل (1/304).

(125) الحاصل (1/452).

(126) الاحكام (1/99).

(127) شرح الكوكب (1/370).

(128) نقله عنه الزركشى (1/213).

(129) بيان المختصر (1/581).

(130) البرهان (1/694 – 696).

(131) الإبهاج (2/442).

(132) بيان المختصر (1/225).

(133) منتهى السول (57).

(134) وسياقه فى الترمذى عن جابر بن عبدالله. قال: رأيت رسول الله r فى حجته – يوم عرفة – وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: “يا أيها الناس إنى قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتى: أهل بيتى” (5/662).

(135) تحفة الطالب (165 – 170).

(136) منتهى السول (58).

(137) منتهى السول (58).

(138) وهو جدير بالاستبعاد من الذكر – ههنا – إذ كان الغرض نصب الخلاف لأجل ما يترتب عليه من الفروع الفقهية، وأما قول عباد بالمناسبة الطبيعية بين الألفاظ والمعانى فمطرح – كذلك -؛ لابتداعه ولعدم ترتب أثر فقهى على ذلك.

(139) نهاية الوصول (1/81،90) التمهيد (137-138) المحصول (1/57-58).

(140) المستصفى (1/320).

(141) تقريب الوصول (130).

(142) شرح الكوكب المنير (1/287).

(143) التمهيد (138-141).

(144) الإبهاج (1/201).

(145) البحر (1/278) الإحكام (1/117) والزركشى (/278) شرح الكوكب (1/423) نهاية الوصول (2/628) فواتح الرحموت (1/113) المحصول (1/301).

(146) شرح المختصر (2/15) شرح الكوكب (1/513) مذكرة أصول الفقه (200) الآمدى (1/241).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر