أبحاث

جدالات حوار / صراع الحضارات : إشكالية العلاقة بين السياسي – الثقافي في خطابات عربية إسلامية

العدد 121

توضح نتائج مراجعة حالة علم العلاقات الدولية – خلال العقدين السابقين وخاصة منذ نهاية الحرب الباردة(1)  – التزامن بين بروز البعد القيمي في منهاجية دراسة العلاقات الدولية من ناحية (2)، وصعود الأبعاد الثقافية الحضارية في ظل عمليات وسياسات وأيديولوجيات العولمة من ناحية أخرى (3).

 لذا تجدد الاهتمام بموضوع (( الدين – الثقافة – الحضارة ))، وتأثيرها على العلاقات الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة (4)، ولقد قفز هذا الاهتمام إلى الصدارة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (5).

          ولقد كان الاهتمام بالعلاقة بين الحضارات تجسيداً واضحاً لبروز الاهتمام بالبعدين السابقين أو تجدده، فلقد ظهر مجال العلاقات بين الحضارات باعتباره مجالاً يتجسد على صعيده نمط جديد من صراعات القوى وتوازناتها. ويرجع ذلك بالطبع للعديد من الأسباب؛ على رأسها: انتهاء الصراع الأيديولوجي، وصعود دور الأديان وتهاوي الحدود بين الداخلي والخارجي من جرّاء ثورة الاتصالات والمعلومات، وبعد أن تحققت الهيمنة الغربية السياسية والعسكرية ثم الاقتصادية، فلم يتبقَّ إلا اكتمال الهيمنة على الصعيد الثقافي. ولذا فلا عجب أن يلحظ المراقب والباحث والأكاديمي صعود الاهتمام بالحضارة والثقافة والدين، بعد أن صعدت الاهتمامات وسادت في مراحل سابقة (الحرب الباردة والانفراج) بالعوامل الاستراتيجية – العسكرية ثم الاقتصاد السياسي على التوالي. ولقد أضحي هذا المجال لدراسة العلاقة بين الحضارات (والثقافات) محلاً للجدال بين المنظورات المقارنة لعلم العلاقات الدولية، كما أن هذا الجدل في حد ذاته قد أفرز التساؤل حول درجة التحول في العلم نحو منظور جديد يتخذ لنفسه – من المنطلق الحضاري أو الثقافي – مستويات للتحليل وموضوعات وأنماطاً جديدة للتفاعلات، مقارنةً بالمنظورات الكبري الأخري في العلم.

          هذا والمقصود بالبعد الحضاري – الثقافي في دراسة العلاقات الدولية: تلك الأبعاد المتصلة بآثار اختلاف الثقافة والحضارة على اختلاف الرؤى والقيم وقواعد السلوك والأخلاق، وعلى اختلاف الرؤية للعالم ودوافع السلوك وأسس الهوية، وهي ذات تأثير على المستويات التالية: أسساً جديدة لتقسيم العالم، محركاً للتفاعلات الدولية ومحدداً لنمطها ولحالة النظام الدولي، أداة من أدوات السياسية وموضوعاً من موضوعاتها، محدداً لخطاب النخب وخطابات القاعدة، عنصراً تفسيرياً أو تبريرياً للتحالفات، وأخيراً مكوناً للقوة.

          ولقد اكتسب مجال العلاقة بين الحضارات (حوار / صراع) زخماً كبيراً مع طرح هانتنجتون الشهير ومنذ نهاية الحرب الباردة ثم وصل هذا الزخم ذروته منذ 11/ 9 بصفة خاصة وما تلاها من تدعيات مبرزاً ما أضحى عليه وزن الأبعاد الدينية / الثقافية – العلاقات الدولية. ولذا؛ أضحى مفهوما حوار الحضارات وصراع الحضارات (أو الثقافات أو الأديان) وجهين لعملة واحدة، ووصل الاهتمامُ بالمفهومين إلى خلق ما يمكن وصفه ((بالحالة))، وأضحى التوقف عند هذه الحالة ضرورة أكاديمية وفكرية وعملية في آن واحد، تشبه تلك الحالة الضرورة التي أحاطت بمصطلحين سابقين ذائعي الصيت: النظام العالمي الجديد والعولمة؛ فبعد الاهتمام بهيكل القوة الجديدة في العالم (الأحادية) ونمط عملياته الجديدة (العولمة)، جاء الاهتمام بآليات ومضامين عملياته(حوارية – صراعية) في مجالات تبدو جديدة (المجالات الثقافية – الحضارية).

          ومن ناحية أخرى، فلقد تبوأت إشكالية العلاقة بين البعد السياسي والبعد الثقافي الحضاري مكانة واضحة في هذا المجال؛ ولذا تبلورت الجدالات حول أمرين: فمن ناحية أولي: أيُّ البعدين هو المتغير المستقل وأيُّهما التابع؟ ومن ناحية أخري: هل الاختلافات في الدين والثقافة والحضارة لابد أن تقود بالضرورة للصراع؟ وما تأثير طبيعة السياق الدولي على بروز حالة الصراع أو إمكانية الحوار؟ ومن ثم؛ ما هو أصل العلاقة بين الحضارات محلَّ صراع القوى التقليدية أو صراع الطبقات؟ أم يمكن اكتشاف نمط جديد للعلاقة بين البعيد المادي والقيمي فى تفسير العلاقات الدولية على نحو يكسر الحواجز بين علمانية هذا التفسير أو تديينه؟

          وسيقدم اقترابي من هذه الحالة اللاهتمام بنمط العلاقة بين الحضارات حواراً أم صراعاً نتائجَ خيرات تفاعلي مع اتجاهات عربية إسلامية في المجال خلال عقد من الزمان (1996 – 2006)(*). وتبدأ الخبرة الأولي عقب أطروحات هانتنجتون، وتتطور الخبرة الثانية أحداث 11/9/2001، وصولاً إلى الخبرة الثالثة مع سياق كلِّ من هذه الخبرات أن خطاب حوار الحضارات قد اقترن بقوة بالحديث عن صراع الحضارات، كما لم يبدأ الخطابات بعد 11/9 ولكن قبلها وإن اكتسب زخماً منذ ذلك التاريخ. ولقد كان الدافع للاهتمام بمتابعة الجدالات بين الاتجاهات المختلفة حول هذا الموضوع، تابعاً من الإيمان بضرورة المساهمة في التأصيل النظري من منظور إسلامي في مجال الدراسات الحضارية الدولية باعتبارها نظاماً فرعياً جديداً في العلاقات الدولية والعلوم السياسية بصفة عامة، ومن شأن هذا التأصيل أن يساهم في علاج حالة الغموض والفوضى والتدخل والحركة في دوائر مفرعة. وهي الحالة التي أحاطت بدراسة هذا الموضوع والحركة من حوله في الدوائر الفكرية والحركية، العربية منها والإسلامية، منذ تدشين أطروحات هانتنجتون.

          وتقدم البنود الثلاثة التالية تراكماً لنتائج خبراتي الثلاث؛ فالبند الأول يدور حول إشكالية أصل العلاقة بين الحضارات: صراع أم حوار، والثاني يتناول إشكالية مصداقية الحوار وإمكانات استمراره ومحددات فعاليته، والثالث موقفاً فكرياً وسياسياً مفاده أن الحوار قد فقد مصداقيته تحت تأثير تزايد مؤشرات العداء للإسلام والمسلمين (وليس الإسلاموفوبيا) وهي المؤشرات التي تراكمت دلالاتها بوضوح عبر الأعوام الخمسة الماضية في كافة أرجاء العالم.

اولاً- نتائج القراءة في أطروحات هانتنجتون والجدال حولها: العلاقة بين الحضارات: حوار أم صراع؟

          سجلتُ هذه النتائج في أطروحات شاركت بها في (98 – 2000)(6)، من بين تلك العديدة التي ماجت بها الساحة العربية والإسلامية في نهاية النصف الثاني من عقد التسعينات، وخاصة بعد قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في طهران 1997 التي قدم فيها الرئيس خاتمي مبارته الداعية لحوار الحضارات، وبعد أن أعلنت الأمم المتحدة عام 2001 عاماً لحوار الحضارات.

أ‌-       نتائج قراءة في أطروحات ((هانتنجتون))(7):

تمثل أطروحات ((هانتنجتون)) وأطروحات الفكر الغربي بصفة عامة حول حقيقة ((التهديد الإسلامي)) تياراً فكرياً يقدم رؤية كونية أو رؤية للعالم من منظور الغرب لهذا العالم، ولوضع الغرب فيه؛ ومن ثم رؤية للعلاقة لوضع الغرب العالمي ودوره.

          قد تكون مفاهيم الحضارة والثقافة والهوية التي طرحها ((هانتنجتون)) قد أثارت النقد لعدم دقتها ولتداخلها، وقد يكون مستقبل العالم الصراعي بين ((حضارات، وثقافات، وأديان)) لا تعرف العقل والتسوية بقدر ما تعرف التعصب للأنا ضد الآخر. قد يكون النموذج الذي يطرح هذا المستقبل مرفوضاً من أصحاب النماذج التعددية العالمية الذين يعلون من الحوار والتعاون لتفسير السياسيات الدولية. وقد يكون ترشيح ((هانتنجتون)) للحدود الإسلامية باعتبارها حدوداً دموية يتمحور حولها الصراع سواء في مستواه الكلي (بين حضارات) أو في مستواه الجزئي (بين دول من حضارات مختلفة)، قد يكون هذا الترشيح أيضاً موضوع هجوم من المدافعين الاعتذاريين عن الإسلام؛ نظراً لما يحويه من اتهامات للإسلام والمسلمين، ونظراً لتجسيده الإسلام باعتباره عدو المستقبل بالنسبة للغرب، وقد يكون تمثل ((هانتنجتون)) نموذج الحضارة الغربية (حيث يدافع عن ضرورة استمرار قوته وقيمه ومصالحه) هو موضع الهجوم والانتقاد الفلسفي من جانب هؤلاء الذين يتصدون لنقض الأسس الفلسفية والفكرية لهذا النموذج العلماني المادي ولرفض عواقبه على البشرية.

          هذه جميعها – وغيرها بالطبع – كانت القنوات الكبرى التي جرى على صعيدها الجدل والنقاش حول أطروحة ((صدام الحضارات))، ولكنني على ضوء قراءة هذا الجدل، ساهمت في تقديم إجابة عن السؤال: ((ما الجديد في موضوعات هذا الجدل؟))

وتتلخص نتائج هذه القراءة النقدية  في المجموعة التالية من النقاط:

1-            إذا كان البعض قد رفض أطروحات صراع الحضارات لأنها تقوم على منظور حضاري يفسح مكاناً للدين وليس على منظور مادي علماني، وهو الأمر غير المعتاد من الفكر والتنظير الغربي في ظل ((علمنة دراسة العلاقات الدولية)) إلا أن ((هانتنجتون)) للعامل الحضاري محركاً للحضارة يعتبر تغييراً جوهرياً في المنطلقات النظرية؛ وهو الأمر الذي يقتضي التوقف عنده والتساؤل عن مبررات هذا المنحي: هل يتصل هذا بما أضحي يدب في الحضارة الغربية من ضعف وتآكل في القوة بالمقارنة بحضارات أخري أخذت تستنهض قواها من جديد؟ وفى هذا الصدد نلحظ أن ((هانتنجتون)) في ختام تحليله لمبررات اهتمامه بالحضارات محركاً للتفاعلات الدولية، يربط بين أثر زوال الأساس الأيديولوجي للصراع العالمي وبين جهود الغرب الرامية لدعم قيمة كقيم عالمية والحفاظ على هيمنته العسكرية ودعم مصالحه الاقتصادية، ومن تولد ردود فعل مضادة من قبل الحضارات الأخرى من ناحية أخرى.

2-           وتحت عنوان خطوط التقسيم بين الحضارات فنجد أن النماذج والأحداث التي يشير إليها لتوضيح المستويين من الصدام بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وبين الأولي وحضارات أخري – ليست إلا أحداثاً ووقائع درج المحللون على تفسيرها استناداً إلى عوامل أخرى غير صدام الحضارات، ولهذا يتحدد السؤال: لماذا يسميها الآن ((هانتنجتون)) بمسماها الحقيقي الذي يصدق عليها من قبل؟ هل يعني هذا أنه بعد أن استنفد الغرب أرديته وأقنعته السياسية والاقتصادية وحقق من ورائها أهدافه لم يعد يبق له إلا القناع الحضاري؟ ألا يعني هذا أن ((هانتنجتون)) يشعر أن الهيمنة الغربية لن تكتمل بالهيمنة السياسية والاقتصادية فقط ولكن يلزم لاكتمالها الهيمنة الحضارية أيضاً وفي قلبها الهيمنة الثقافية؟

كما أن تحليل ((هانتنجتون)) السابق لأحد أسباب صدام الحضارات وهو أن الغرب أضحى في قوته – تعنيان أن الصدام إنما هو إستجابة ورد فعل للتحدي المتمثل في القوة والتوسع الغربي العلماني.

وأعتقد أن القراءة على هذا النحو لهذا الجزء من تحليل ((هانتنجتون)) قد يدفعنا إلي عدم الهجوم على مقولته عن الصدام بين الإسلام والغرب، كما فعلت بعض الانتقادات لنفس المقولة دفاعاً عن الإسلام ورفضاً أن يكون الإسلام صراعياً أو إكراهياً أو عدوانياً أو ارهابياً، بل يمكن أن نتحول على ضوء هذه القراءة أيضاً إلى هجوم من نوع آخر على هيمنة الغرب ومظاهرها التي يقرها ويعترف المؤلف بآثارها على الآخر.

وبذا ننتقل من المواقف الاعتذارية التبريرية الدفاعية إلى الهجومية، فنحن لسنا مصدر التهديد ولكننا نحن المعرضون للتهديد، ومن فإن استجابتنا ورد فعلنا هي التي تبدو مصدر ((الصراع)).

3-          بعبارة أخري؛ فإن الذي يستوجب الاهتمام في الفكر ((هانتنجتون)) هو المقولات الصريحة والواضحة والحاسمة حول الصدام بين الإسلام والغرب صداماً حضارياً دينياً وحول التضامن بين شعوب الحضارة الواحدة في مواجهة الحضارات الأخرى وحول سياسيات الغرب المرتقبة في مواجهة الحضارات الأخرى وخاصة الإسلامية، ولكن هنا يجب ملاحظة أمر هام فإن ((هانتنجتون)) لا يضع فقط الإسلام كعدو مرتقب للغرب ومن ثم ينبري البعض للدفاع عن الإسلام ولكن يبرز أيضاً ما يجب أن نفطن إليه بقوة وهو: كيف أن الغرب هو العدو الإسلام والمسلمين والحضارات الأخرى؟ وفي الحقيقة فإنه يسجل في مقالته الأولي – كما رأينا – وكذلك. في المقالة الثانية أكثر من تحذير للغرب بأن الآخر يصحو ولم يعد مفعولاً به بل أضحى فواعل تعود إلى جذورها وترغب في تشكيل العالم بطرائق غير غربية، ومن ثم يحذر بأن هناك خطراً ثقافياً يجئ من الجنوب ويحل محل التهديد الأيديولوجي الذي جاء من الشرق.

ب‌-  اتجاهات الجدل حول أطروحات هانتنجتون(8):

ولقد انقسمت هذه الاتجاهات بين ثلاثة: الأول – يؤكد مقولات هانتنجتون، ولكن يرفض إمكانية الحوار انطلاقا من حقائق اختلال توازنات القوى الدولية، وسياسات القوى الغربية تجاه الجنوب أو العالم الإسلامي، أو باعتبار أن مبعث هذه السياسات هو الأبعاد الثقافية الحضارية؛ أي مبعثها هو الصراع الحضاري من جانب الغرب تجاه عالم الإسلام والمسلمين، ومن ثم فإن الحوار لن يكون إلا سبيلاً جديداً لفرض الهيمنة الثقافية والحضارية.

واتجاه ثان– يرفض مقولات هانتنجتون: إما رفضاً أن يكون العلاقة بين الحضارات – وليس توازن القوي والمصالح – هي المفسر الأساسي للعلاقات الدولية، انطلاقاً من رؤية واقعية للعلاقات الدولية ترفق تسييس الحضارات، وإما رفضاً لإلصاق التهمة بالإسلام والحضارة الإسلامية باعتبارها مصادر للصراع والتصادم، ومن ثم دفاعاً عن الإسلام والمسلمين الذين يقبلون الآخر ولا يرفضونه، بل يتعاونون معه ومستعدون للحوار معه، وإما دفاعاً عن التعددية الثقافية والحوار بين الثقافات والحضارات باعتباره الأساس في العلاقات الدولية انطلاقاً من رؤية إنسانية عالمية، أو انطلاقاً من رؤية إسلامية تعترف بأهمية الحوار، والتعارف الحضاري بين الأمم والشعوب، وكأساس من أسس الرسالة العالمية للإسلام مجرد الدفاع والاعتذار عن الإسلام.

والاتجاه الثالث– يقول إن الحوار أو الصراع هى حالات للعلاقات بين الحضارات وفي حين يرى رافد من هذا الاتجاه أن الحالة الدولية الراهنة لا تسمح بحوار ثقافات أو حضارات حقيقي نظراً لاختلال ميزان القوى الدولية؛ بحيث لن يقود الحوار إلا إلي فرض نمط حضاري على الآخر فإن رافداً آخرين يرى أن الحوار ضروري للخروج بالعالم من أزمته الراهنة، إلا أنه لابد وأن تتوافر له الشروط لكي يحقق أهدافه الحقيقة ووفق ما يقتضيه مفهوم الحوار ذاته؛ أي باعتباره سبيلاً للتفاهم المشترك وإزالة العوائق أمام العلاقات السلمية.

بعبارة أخرى ولد اتجاه ((حوار الحضارات)) من رحم التصدي لمقولة صدام الحضارات في الدائرة العربية والإسلامية، ومن زخم الاعتراض على هذه المقولة وتفريعاتها انطلاقاً من تعريفات متنوعة للحضارة والثقافة، والعلاقة بينهما وللحوار الفكري والحضاري، وانطلاقاً من أسانيد معرفية وفكرية مختلفة تؤثر على طبيعة الرؤى للعالم، والعلاقة بين مكوناته، بل وتؤثر على الموقف من اتخاذ الحضارات، أو الثقافات وحدات للتحليل السياسي من عدمه.

خلاصة القول، قادتني هذه القراءة النقدية إلى رفض ذلك الترحيب الذي شاع حتى نهاية التسعينيات بمفهوم الحوار على اعتبار أن هذا الترحيب ليس إلا دفاعاً واعتذاراً عن الإسلام في مواجهة هجوم هانتنجتون. كذلك – من ناحية أخرى – رفضت تشخيص الحالة بأنها أسيرة الصراع الدائم والحتمي. ولذا؛ رأيت أن الانشغال على الساحة الإسلامية بهذين الطرحين المتقابلين وعلى النحو الذي جرى به إنما هو أمر يتطلب تجاوز النقد المعرفي والمنهجي والسياسي إلى تقديم رؤية بنائية.

وتتلخص أبعاد هذه الرؤية فبما يلي(9):

أولاً: إن التصور الإسلامي لا يكرس ((الصراع)) كقانون تاريخي مطلق كما تقدمه المدرسة الواقعية بروافدها المختلفة ومنها فكر ((هانتنجتون)) (الذي لم ينقض أيضاً استمرار دور الدول / الأمم) كما أنه لا يلبس صراع المصالح والقوى لباساً دينياً ثقافياً حضارياً لإخفاء دوافع ومبررات استراتيجية، ولكن الصراع في التصور الإسلامي، بمعني التدافع، ليس إلا سنّة من سنن الاجتماع البشري إلي جانب سنن الله الأخرى.

ولذا فإن الجهاد في معناه الواسع ليس صراعاً مع الآخر للقضاء عليه ولكن أداة الدعوة ونشرها نحو هذا الآخر، ومن ثم؛ فإن الحرب أحد أدواته، حيث أداة التعاون السلمي تظهر إلى جانبها ولكل من الأداتين ضوابطهما وشروطهما وليست أحدهما بديلة مطلقة للأخرى.

ولذا؛ فإن القول إن أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم في التصور الإسلامي هو الحرب أو السلام ليس قولاً منضبطاً، ولكن القول الأفضل هو: متى تكون الحرب؟ ومتى يكون السلام؟ هكذا يجب أن نقرأ المدارس والاتجاهات الفقهية المختلفة حول هذا الموضوع بحثاً عن إجابة هذا السؤال الأخير، وهو السؤال الذي يحتل في التصور الإسلامي مكانة السؤال في المنظور الغربي حول الصراع كمحرك بين من وعلى ماذا؟

ومن ناحية أخرى، فإن الصراع – في صورته العسكرية أو السلمية – ليس للقضاء على الآخر أو لتأكيد هيمنة قوم على قوم أو ثقافة على ثقافة ولايعني (وهو الأهم) أن الصراع يتولد بين الأقوام والملل لمجرد الاختلاف الثقافي أو الديني، ولكن لتحقيق أهداف الدعوة والرسالة باعتبارها رسالة للعالمين ليس بالإكراه والقسر والإجبار للشعوب والأمم (10). وعلى العكس فإن منطق صدام الحضارات في فكر ((هانتنجتون)) يعكس كل منطق التناقض بين عالمية الإسلام وبين هيمنة الحضارة الغربية ( أو عولمة – النموذج الحضاري الغربي ) حيث إنه – أي فكر ((هانتنجتون)) – يعكس تكريساً لهذه الهيمنة وكيفية استمرار قوتها بأساليب إكراهية قسرية إجبارية أفاض في تحديدها في نهاية مقالته الشهيرة صدام الحضارات، في حين أن مفهوم التدافع ينبثق عن ويرتبط بمفهوم عالمية الإسلام.

ثانياً – لماذا لا نقول إذاً إن مفهومنا – من الدائرة الإسلامية – عن نمط العلاقة بين الحضارات هو ((تعارف الحضارات))، وأنا هنا أستخدم ذلك المصطلح الذي قدمه بعض الأساتذة المفكرين مثل (( أ. زكي الميلاد ))(11)وكذلك بعض الأساتذة الأكاديميين مثل (( د. سيف الدين عبد الفتاح ))(12) وتبنته بعض المؤسسات الإسلامية العاملة في مجال حوار الحضارات(13).

وإذا كان لابد أن نسجل أن المفهوم الإسلامي عن حوار الحضارات ينبني على رؤية الأصول (قرآناً وسنة) ويعكس الأسس المعرفية للرؤية الإسلامية، ومن ثم يختلف في جوهره عن المفهوم الغربي عن الحوار – الثقافي أو الحضاري، كما لابد وأنه يختلف في غاياته ودوافعه – إلا أن استخدام هذا المصطلح ((الحوار)) من داخل الدائرة الإسلامية وفي ظلال العولمة إنما يضعنا في نطاق الدائرة الاعتذارية الدفاعية عن الإسلام والمسلمين، في حين أن مفهوم التعارف – في إطار عالمية الإسلام وطبيعة حضارته والسنن التي تحكم العلاقة بينها وبين غيرها من الحضارات سواء في مرحلة شهود هذه الحضارة الإسلامية أم أفولها وضعفها، لأنها السنن التي لايقوم على إبراز أثر العوامل المادية فقط ولكن العوامل غير المادية من قيم وأخلاق.

ومن ثم؛          فإن استخدام ((تعارف الحضارات)) وليس حوراها أو صراعها يمثل أستجابة ((إيجابية)) وليس مجرد رد فعل لما أثارته أطروحات ((صراع الحضارات)) تلك الأطروحات التي جاءت من خارج الدائرة الإسلامية تعبيراً عن الاهتمامات الفكرية والعلمية في الغرب، في حين أن الرؤية الإسلامية – على مستوى المعرفة والفكر – أسبق إلى تقديم طرح آخر، كما أن الواقع الإسلامي في ظل موقعه من توازنات القوى العالمية، لابد وأن يطرح السؤال التالي: هل يمكن للغرب أن يدخل في حوار حضاري مع حضارات غير متكافئة معه من الناحية المادية وهو المحكوم دائماً باعتبارات توازن القوى المادية؟ حتى أن ((هانتنجتون)) حين يذكر الحضارات والأديان فلم يقدمها إلا في إطار الصراع والذي يعكس كل دلالات هيمنة الغرب المادية – كما سبق التوضيح في نتائج نموذج قراءتها لفكرة – كذلك وإذا كانت أوروبا –في توجيهها المتوسطي – قد طرحت الدعوة لحوار ثقافات إلا أنه ليس هناك من الأدلة (في واقع السياسات الأوروبية والغربية الرسمية بصفة عامة) على أن حوار الثقافات هو الأساس في تشكيل رؤية هذا الجزء من الغرب للعالم، ولا أدل على ذلك من مضمون ومحتوى ((الحوار)) حول قضايا المرأة والطفل والأسرة والبيئة والأقليات وذلك في المحافل الدولية الرسمية المعنية بتقنين قواعد إدراة هذه المجالات في عصر العولمة.

ثانياً – وماذا بعد 11/9 ؟ الجدالات حول جدوي الحوار وشروطه وبروز إشكالية السياسي – الثقافي(14):

ومع أحداث 11 سبتمبر وبعدها تجددت الجدلات حول العلاقة بين الحضارات بقوة وزخم، وتم استدعاء مقولات هانتنجتون وأنصاره، والمقولات المضادة له. ولكن كان السياق أكثر تدهوراً مما كان عليه في بداية التسعينيات؛ حيث أضحى العالم الإسلامي في موقف المتهم بعد أن كان في موضع مصدر التهديد المحتمل؛ ففي حين رأى البعض في الهجمات على نيويورك وواشنطن دليلاً على ((الغضب المسلم)) ضد سيطرة القيم الغربية وضد السياسات الغربية، فإن البعض الآخر اتجه إلى النظر إلى الهجمات في سياق صراع المصالح ودور الشبكات المتشعبة الإرهاربية في العلاقات الدولية؛ ولهذا فإن الجدال حول دور العلاقة بين الأبعاد الثقافية الحضارية، وبين الأبعاد الاستراتيجية في تفسير هذه الأحداث وما تلاها من تطويرات في الخطابات الأمريكية، قد أكتسب زخماً كبيراً؛ حيث برز السؤال التالي مجدداً: هل الصراع الحضاري هو الذي يحكم العالم؟ ما هو مصدره؟ وما السبيل لمواجهته؟ وهل يقدر حوار الحضارات على إدارة هذه المرحلة؟

واستمر نفس الجدل وانقسام الاتجاهات حول وزن الأبعاد الثقافية الحضارية بالمقارنة بغيرها، ولكن اقترن في هذه المرة بسياق زماني ومكاني محدد يرتبط بالسياسية الأمريكية العالمية وتجاه عالم الإسلام والمسلمين بعد الحادي عشر من سبتمبر؛ فبالرغم من تزايد الاعتراف بوضوح المفردات الثقافية والحضارية في الخطابات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية – سواء الصدامية منها أو الحوارية – فلقد ظل هناك اتجاه يرفض التفسير الثقافوي للعالم على اعتبار أنه لن يقود إلي حل المشكلة نظراً لصعوبة تنازل الثقافات عن ثوابتها، ومن ثم لا سبيل إلا إلى الحوار بعد توافر شروطه، وفي المقابل اعتراف اتجاه آخر أن المرحلة الراهنة من السياسية الأمريكية تكشف بوضوح عن صراع حضاري تجاه الإسلام والمسلمين، يصبح معه الحديث عن الحوار من قبل الاستسلام، لأن الحوار الذي سيدور سيكون بشروط الغرب، ووفق مدركاته، ونحو غاياته ألا وهو ((الإسلام المعٌدل)) ولأن السياسية الأمريكية توظف الأبعاد الثقافية لخدمة أغراض سياسية بالدرجة الأولى في حين رأى اتجاه ثالث أن الحوار أو الصراع الفكري ليس إلا أداه أو نوعاً من التكتيك لإدارة مرحلة الأزمة التي تحتدم فيها الصراعات حول المصالح، وارتبط بهذا الانقسام انقسام آخر جدد ما سبق وثار حول أطروحات هانتنجتون، ألا وهو؛ الانقسام حول إمكانيات الحوار في مقابل الضغوط نحو الصراع في العلاقات بين الولايات المتحدة وعالم الإسلام والمسلمين.

ولكن الحوار في ماذا؟ أو الصراع في ماذا؟ وكيف؟ حقيقة تتعدد القضايا التي يتم تناولها بالتحليل المقارن بين المنظورات المختلفة: وعلى رأسها تأتي قضايا العنف، حقوق الإنسان، ثقافة السلام، ثقافة التسامح بين الخصوصية والعالمية. ولكن ظلت أدبيات العلاقة بين الحضارات تفتقد الاهتمام بأجندة حوار الحضارات المتنازع على مصداقيته وجدواه.

كما تظل الأنباء تتواتر بلا انقطاع عن مؤتمرات وندوات ولقاءات ومناظرات، على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي، وعلى الأصعدة الرسمية والمدنية والشعبية، على نحو يثير التساؤل عن مدى وجود استراتيجية كبرى لتعظيم نتائج هذه الملتقيات؟ أم أن هذه الملقتيات أضحت غاية في حد ذاتها، ومجرد استجابة – غير منظمة – لحملة العدوان المتصاعدة ضد العرب والمسلمين وضد المرجعية الإسلامية من ناحية، ولحالة التأزَم العالمي التي تهدم الأمن والاستقرار من ناحية أخري.

والجدير بالملاحظة أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قفز الاهتمام بالقضايا والآليات قفزة واضحة. حيث فرضت طبيعة تحديات هذه المرحلة، على المؤسسات الرسمية بصفة خاصة – الانتقال بدرجة أكبر إلى هذه الجوانب العملية؛ فلقد أضحت الضغوط نحو ضرورات ومتطلبات الحوار أكثر وضوحاً، ليس في نظر الحكومات فقط ولكن بالنسبة أيضاً لبعض الروافد الفكرية التي كانت ترفضه أو تتحفظ عليه.

ويمكن التمييز بين ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الليبرالي والذي تتلخص مقولات بعض نماذجه(15)كالآتي:

1-      العولمة تؤثر على شكل ومضمون واتجاهات الحوار حيث أن الديمقراطية والتعددية واحترام حقوق الإنسان هي من صميم موضوعاته.

2-      الحورا بين حضارتين غير متكافئين مادياً ممكناً بل وضرورياً، لأنه سبيل خروج الحضارة المتخلفة من دائرة التحلف والدخول في عالم التقدم الإنساني، وذلك من خلال اقتباس عديد من قيم ومؤسسات وإنجازات الحضارة الأوروبية، ولن يمنع من هذا الاقتباس كل المناظرات في العالم العربي والإسلامي باسم الخصوصية الثقافية العربية والإسلامية. ذلك لأن قيم حقوق الإنسان أصبحت تعبر عن حضارة عالمية إنسانية.

3-      في ظل إشكاليات التعريف بالذوات الحضارية فإن هدف الحوار هو التواصل إلي الاتفاق على صياغة مجموعة متناسقة من القيم العالمية التي تأخذ في اعتبارها التنوع الإنساني الخلاق.

4-      تتسع أجندة حوار الحضارات لتشمل إشكاليات معرفية، ومشاكل عالمية، وليصبح مجال العلاقة بين الإسلام والغرب هو أحد مجالاتها وليس الوحيد.

5-      يجب أن تساهم الحضارة العربية الإسلامية في صياغة الحلول للمشاكل العالمية وطرح تصورتها القيمية الإنسانية.

الاتجاه اليساري – تقترب بعض نماذجه(16)من الموضوع اقتراباً آخر مفاده الآتي:

1-      رفض أن يكون العالم وكأنه في حالة صراع بين الأفكار والثقافات والمواقف؛ لأن حالة توازن القوى في ظل آليات العولمة المادية والثقافية توفر للنظام الرأسمالي هيمنة مفرطة، وهو الأمر الذي يجعل الثقافي والفكري مجرد أداة، وليس واجهة التعبير عن الواقع ومن ثم في ظل عدم التوازن في القوي ليس هناك معنى للحوار على الصعيد الفكري والثقافي؛ لأن النظام ذو القطب الواحد لا يجعل للحوار إلا قيمه رمزية.

2-      رفض النقاش على مستوى عالمي ولكن حول جدول أعمال مختلف، ليس هو مجرد مضمون الرسائل الأمريكية أو الأوروبية حول أوضاعنا الثقافية … ولكن يجب طرح جدول أعمال، وفي إطار حركة مقاومة أمركة العالم، وذلك حول نقاط مثل: معايير العالمية المزدوجة، ورفض لأولوية حوار ثقافي وسياسي مع الشمال دون البدء بحوار جنوب .. التصدي لنزعات العنصرية والإقصاء في قضايا اجتماعية ومحلية دون تسمية أسبابها الحقيقية الصادرة عن النظام العالمي، الحوار الداخلي حول الحقوق الجماعية للشعوب في تقرير مصيرها وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وموازنتها الضرورية مع حقوق الإنسان المدنية، التفكير في برامج هجوم مضاد ضد العنصرية ((الشمالية)).

والاتجاه الثالث يمثله اقتراب بعض المؤسسات الإسلامية الرسمية(17)، وكذلك يثار من المفكرين الإسلاميين على اختلاف مواقفهم رفضاً أو قبولاً للحوار؛ بالنظر إلي اقترابهم من القضايا موضع الحوار أو الصراع، نلحظ أن بؤرة الاهتمام هي صورة الإسلام والشبهات التي يتعرض لها ومن ثم استحضارهم ما يتصل بطبيعة الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً وقيماً، وما يتصل بخصائص الحضارة الإسلامية بالمقارنة بنظيراتها الغربية وما يتصل بالممارسات الإسلامية في التاريخ بالمقارنة بنظائرها الغربية تجاه أصحاب الديانات والثقافات الأخرى.

وفي نفس الوقت الذي استمر فيه الجدل بين الاتجاهات الفكرية والسياسية حول جدوى الحوار وشروطه؛ فإن الواقع المحيط كان يفرض تحدياته على هذا الجدال؛ حيث برزت بقوة إشكالية العلاقة بين السياسي والثقافي (الحضاري – الديني).

فلقد بينت السياسات الأمريكية تجاه العالم الإسلامي – في إطار الحرب الأمريكية على الإرهاب – كيف أن أدوات القوة العسكرية والاقتصادية كانت تلعب دورها الصدامي وذلك في وقت لم تكف الأصوات الغربية عن دعوة المسلمين للحوار تحت مبررات عديدة.

ولذا ظل السؤال الحائر: ما الذي بمقدوره أن يتحقق للمسلمين من وراء الحوار الذي تسارع الجميع لتدشينه؟ بعبارة أخري لم يعد السؤال دائراً لتكييف نمط العلاقة القائمة بين حوار أم صراع؟ ولكن أضحي السؤال، بعد أن كشفت الوقائع بذاتها عن نمط السياسات الصراعية الأمريكية، هل للحوار الذي تسوِّقه بالأساس مؤسسات وهيئات غربية هل له مصداقية؟

بعبارة أخري، في ظل سياق إقليمي وعالمي متدهور، طُرح السؤال بقوة عن مصداقية الحديث عن الحوار حضاري أو حوار بين الحضارات أو الثقافات أو الأديان، في نفس الوقت الذي تتصاعد فيه لغة القوة العسكرية الغاشمة، سواء من جانب الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد عالم المسلمين.

فبعد عام على أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبداية ما يسمى الحرب ضد الإرهاب كانت الانتفاضة الفلسطينية تدخل عامها الثالث، كما أخذت طبول الحرب ضد العراق تدق يتسارع شديد حتى وقع العدوان على العراق في مارس 2003، وكانت الأسئلة تتكرر عما يحدث في أفغانستان منذ سقوط طالبان، كما أعلنت وسائل ((الدبلوماسية العامة)) التي انتهجتها الولايات المتحدة عن فشلها، وكشفت مباردة باول في ديسمبر 2003، ونظائرها عن الديمقراطية والتغيير المنشود في المنطقة عن أهداف الاستراتيجية الأمريكية الحقيقية بعد احتلال العراق، وتوالي التساؤل عن مصير عملية التسوية السلمية للقضية الفلسطينية وخارطة الطريق أو عن مصير النظام العربي برمته. في ظل فشل خارطة الطريق وبناء إسرائيل الجدار الفاصل العنصري، ومن ناحية أخرى، كان هناك تنامي في الإجراءات المضادة للحقوق المدنية والدينية لمسلمي الولايات المتحدة وأوروبا؛ أي بعبارة جامعة في حين تسارعت آليات وأدوات ما يسمي الحرب العالمية ضد الإرهاب، والتي كانت ساحتها الأساسية عالم المسلمين، ففي المقابل لم تنقطع طوال هذه الشهور الممتدة التي تزيد على العام، الملتقيات والجهود الخاصة بالحوار سواء على المستويات الوطنية والإقليمية أو العالمية.

ومن هنا، وعلي ضوء المقابلة بين زخم الوقائع والأحداث والتطورات على ساحة عالم المسلمين، والتي تنضح جميعها بالأدلة على الصراع الذي يديره الغرب مع عالم المسلمين من ناحية، وبين زخم المؤتمرات والملتقيات العالمية والإقليمية والوطنية والمتواترة والتي تنضح بخطابات المتجادلين حول جدوى إدارة حوار فعال ودوافعه من ناحية أخرى، برز السؤال التالي: ألم تقدم خبرات العامين التاليين على الحادي عشر من سبتمبر الدلالات الكافية حول ما إذا كانت الحالة القائمة من العلاقات بين عالم المسلمين وعالم الغرب هي حالة صراع حضاري أم صراع مصالح؟ وحول ماإذا كان الحوار ما إذا كان الحوار مازال ممكناً أو ما زال قادراً على أن يساهم بفاعلية في إدارة معضلات هذه العلاقات في بداية القرن الواحد والعشرين؟

ولذا؛ فإن خبرات الملتقيات التي شاركتُ فيها طيلة أربع سنوات (2002-2006) قد أفرزت اتجاهات أكثر تفصيلاً عن فلسفة الحوارات وأهدافها ومشاكل إدارتها على الجانب العربي، على النحو الذي يضع مصداقية الحوار على المحك، كما طُرِح للاختبار مدى كون الحوار قضية سياسية بالدرجة الأولي وإن كانت ذات أبعاد ثقافية تستدعي الدين. ولذا كان مطروحاً بقوة السؤال عن درجة العداء للإسلام وتأثيرها على آفاق الحوار باعتبار هذا العداء مسألة سياسية بقدر ما هي معرفية وفكرية في آن واحد. وتنوعت الاتجاهات حول القضية.

أ‌-                  فمن واقع مؤتمر عن الخبرات على الأصعدة الوطنية والإقليمية والعالمية نظمه برنامج حوار الحضارات (أكتوبر 2002)في كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، أسفرت نتائج 18 بحثاً ومناقشاتهم(1) عن الكشف عن حالة الضباب التي تحيط بمسالة الحوار؛ وهي الحالة التي تتلخص ملامحها الآتي (18):

1-               أن موضوع حوار الحضارات ليس رفاهية فكرية بل هو موضوع على جانب كبير من الأهمية، وأن أهميته قديمة جديدة.

2-               أن التصدي المؤسسي العربي الإسلامي لهذا الموضوع ليس على المستوى المرجو منه.

3-               أن الموضوع أصبح له طابع مهرجاني أكثر منه أكاديمي، ناهيك بالطبع عن طابعه الاعتذاري الدفاعي.

4-               وسط هذه الموجة العارمة من الاهتمام بحوار الحضارات على مستويات رسمية ومؤسسية عدة، إلا أن الأنشطة كلها إنما تدور حقيقة في حلقة مفرغة، لأن ماهو قائم هو حوار حول الحوار وليس حواراً بين الحضارات، هو حوار عن الموضع وليس حواراً في الموضوع.

5-               رغم أن هناك أبواقاُ كثيرة تتحدث عن الحوار، إلا أنه لا يوجد لدينا أي نوع من التنسيق بين هذه الأبواق المتعددة، ناهيك عن أنه لا يوجد لدينا رؤية واضحة لماهية الحوار ومضمونة  الحقيقي، هل هو حوار حضارات أم حوار ثقافات أم حوار أديان.

6-               هناك عدم تكافؤ واضح بيننا وبين الطرف الآخر في الحوار من حيث التنظيم والمواد المعبأة والأدوات المستخدمة. ومن ثم فإنه في حالة إذا ما انخرطنا بالفعل في حوار مع الآخر، فإنه لا يمكن إِيجابياً ولا أن يسفر عن نتيجة إِيجابية من وجهة نظرنا.

7-               موقفنا من الحوار هو دائماً دفاعي تبريري يدور حول القضايا التي يفرضها الأخر علينا– يصوغها في شكل اتهام يرمينا به فنبدأ في شحذ الهمم لدرء شبهة هذا الاتهام دون أن نقدم أنفسنا للآخر بشكل بنائي – فيؤدي حوار الحضارات في كثير من الأحيان إلى تعزيز الحواجز لا إزالتها. ناهيك عن ضرورة ملاحظة أن المبادرات الداعية للحوار إنما تأتي من الغرب أو إقليمية في الشرق – وهي مبادرات مسلحة ليس بخطابات شفوية فقط تدعوا أساساً إلي ثقافة الحوار والسلام والتسامح والتعددية – ولكنها مدعمة أساساً بآليات وبرامج عمل محددة تتجه لتنفيذ الحوار بين مستويات وقطاعات متنوعة من المسلمين والمسيحيين (الشباب – الإعلام – التعليم والتدريب). وفي المقابل فإن المؤسسات العربية والإسلامية المنخرطة في الحوار إنما تديره على مستوى الخطابات فقط مع افتقاد البرامج والخطط العلمية. وفي حين أدركت الهيئات العالمية والأوروبية كيف أن البعد الثقافي أضحي من صميم السياسات – فما زالت مؤسساتنا تفتقد هذه الرؤية عن الجدائلية بين الثقافي والسياسي في مرحلتنا الراهنة.

8-               من يحاور من؟ هل نحاور الغرب انطلاقا من منظومته أم من منظمة حضارية عربية إسلامية؟ ومن الذي يمثل تلك الأخيرة؟ ماذا عن الاتجاهات المتنوعة: اللبيرالية – القومية – الإسلامية اليسارية وموقفها من الحوار مع الغرب شكلاً ومضموناً؟ وما هي القضايا التي يجب أن يركز عليها الحوار؟

لا يجوز أن ينحصر الحوار في مناظرات أكاديمية تظهر إيجابيات الثقافات ولا في مؤتمرات يؤمها رجال الدين لإظهار حجم التسامح في الأديان – وإنما لابد من وجود إستراتيجية طويلة المدى محددة المعالم تتسم بالجدية والتواصل – وتحدد قضايا الحوار التي تنبع من دوافعنا وتلبي احتياجاتنا نحن من الحوار بدلاً من محاولة تبرير أنفسنا أمام الآخر – وتنطلق من الوعي بعدم الانفصال الراهن بين الثقافي والحضاري وبين السياسي والاقتصادي – حيث إن الغرب يوظف الحوار لأهداف سياسية تتصل بطبيعة المرحلة الراهنة من هيمنته العالمية – وعلى نحو يثير الضباب حول القضايا والمشاكل الحقيقية في علاقته مع الجنوب – ألا وهي قضايا التحرير والعدالة – في مقابل رفعه لأسهم قضايا أخري مثل العنف والإرهاب والتعددية والتسامح.

 هذه الإستراتيجية – التي تؤكد على أن الحوار هو من أجل التعايش في ظل التنوع – لابد لها من مقومات لكي تنجح:

1)               لابد من أن ندرك أن حوار الحضارات هو موضوع سياسي يقوم على قاعدة ثقافية تستدعي الدين بالضرورة. ومن ثم فعلينا أن نحسن من توظيف البعد الثقافي كأداة من أدوات السياسية الخارجية (لاحظ مثلاً الفارق بين وزن الإستراتيجية الثقافية في السياسية الخارجية المصرية وبين نظيرتها الإيرانية). وعلينا ثانياً أن ننهج سبيل الإصلاح والتجديد الديني – لا بمعني أن نتخلى عن منظومتنا الحضارية ولكن أن نقدمها في صورتها الحقيقية. وهذا يستدعي حواراً بيننا أولاً – كما يستدعي تحسيناً لصورة الإسلام (تجديد إسلامي) في دائرتنا قبل أن نتجه لتحسينها في الغرب – لأن التشوهات الذاتية تمثل منطلقاً تنبني عليها التشوهات والشبهات المقصودة والمتعمدة من جانب بعض الدوائر في الغرب.

2)               إذا كان حوار الحضارات لا يمكن أن يتم بمعزل عن حالة ميزان القوي – وإذا كانت حالة الساحة الدولية تقدم لنا الآن قطباً واحداً يتمتع بمزايا كثيرة في مجال القوي المادية – فلا أقل من أن نحاول أن نتوازن معه فكرياً وقيمياً. فنحن لدينا فكر جيد جداً ولكنه عشوائي يفتقر إلي المنهج – كما لدينا منظومة قيم أصيلة يمكن أن تساهم في التجديد الثقافي العالمي إذا ما حسن تقديمها والتعريف بها:

3)               يجب أن نسعى إلى إيجاد خيط ناظم يربط الجهود المبعثرة والمحاولات الجادة المتناثرة في شكل مؤسسي على مستوي الدولة الواحدة – يأتي مثلاً في صورة إيجاد وحدة لحوار الحضارات في وزارة الخارجية – ثم على مستوى الإقليم والأمة – وليكن بتفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي.

4)               يجب أن ندرك أن الحوار له مستويات متعددة كلها هامة ويمكن أن تلعب دوراً لابد أن نلتفت له. فهناك حوار الحياة بين البشر العاديين – حوار المشروعات المشتركة – حوار تبادل الخبرات – حوار الثقافات بين المتخصصين – حوار بين المنظمات غير الحكومية والذي يري البعض أنه المستقبل للحوار في ظل عجز المؤسسات الرسمية والقومية.

وفي هذا الصدد يرى البعض أهمية أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني في العالم الإسلامي بالتشبيك مع المجتمع المدني العالمي والانخراط في حوار يمكن أن يحّيد من محاولات قوى غربية استغلال التأثير على مسار حوار الحضارات نحو ما يحقق أهدافها هي ويفرض قيمها على العالم. بعبارة أخري – فإن تفعيل حوار الشعوب قد يكون سبيلاً للالتفاف حول ما يمارسه اختلال توازن القوى من تأثيرات سلبية على الحوارات الرسمية بين الحكومات. ومن هنا أهمية التمييز بين الحوار كقضية دولية أو أداة من أدوات السياسية الخارجية وبين كونه نشاطاً إنسانياً متواصلاً وقديماً قدم خلق الإنسان.

5)               يجب أن ندرك ضرورة عدم الخلط بين موضوعات الحوارات السياسية وموضوعات الحوارات الدينية والثقافية وبين الأبعاد الثقافية – الحضارية لموضوعات سياسية. فعلى سبيل المثال – قضايا المرأة وحقوق الإنسان والإرهاب والمواطنة والديمقراطية قضايا سياسية لا تنفصل الحوارات حولها عن البعاد الثقافية – الحضارية للدوائر التي تدخل في الحوار. ومن ناحية أخري فإن رؤية الأديان لقضايا هامة مثل العدالة – التعددية – القيم – العنف – وكذلك الدور الاجتماعي والسياسي للأديان هو أمر آخر يختلف عن الأسس الدينية للقضايا المجتمعية والسياسية والاقتصادية السابق الإشارة إليها.

6)               لابد أن نكون قادرين على أن نرتب البيت من الداخل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً ودينياً. فلا يمكن أن ننقل صورة إِيجابية عنا للآخر إذا لم تكن الصورة إِيجابية بالفعل – وهذا يستدعي ضرورة استنهاض الهمم لإعادة بناء الذات.

ويستتبع هذا أن نكون قادرين على أن ننقد أنفسنا في حوار. فسلبياتنا كثيرة – فإذا أردنا أن ندخل في حوار جاد مع الآخر لابد أن نكون منفتحين على أمر نقد الذات ومستعدين له – ولابد أن ندرك أن الحوار أسلوب وثقافة تبدأ من النفس.

7)               إن إقامة حوار بين الحضارات يسبقه أو على الأقل يوازيه ضرورة إقامة حوار داخل الحضارة – أي حوار إسلامي – إسلامي – أو حوار بيني – وكذلك حوارات وطنية بين التيارات الفكرية السياسية المتنوعة – وإن تواجدت في دائرة حضارية واحدة هي الدائرة العربية الإسلامية.

ومن ثم فإن الآخر قد يكون في الداخل أيضاً في الغرب فقط – وبالمثل على صعيد المسيحيين في الدائرة الحضارية العربية الإسلامية – حيث يمكن رصد التنوعات بين الأقباط والبروتستانت والكاثوليك.

8)               لابد أن نسعى إلى تحقيق تحالف منظم بين المسلمين والمسيحيين في الدائرة الحضارية العربية الإسلامية للتواصل لمنظومة قيمية أخلاقية تعكس المشترك الإنساني القيمي الذي يميزنا معاً كطرف متماسك في الحوار مع الآخر الغربي. ومن ثم فإذا كان الحوار الإسلامي – المسيحي في دائرتنا الحضارية ليس جديداً – والجديد الراهن هو تنظيمه المؤسسي من أعلى – فإن بعض أهم خبراته الدور الخارجي المتزايد في توظيف الحوار الإسلامي – المسيحي طوال القرن العشرين.

ب‌-           ومن واقع سلسة من المحاضرات تم تنظيمها في الموضوع (سبتمبر 2002 – يونية 2003)(1) استكمالاً لسلسة سابقة (أبريل 2002 – يونية 2002) كانت القضية الرئيسية التي سيطرت على المناقشات هي قضية جدوى الحوار وشروطه وذلك في وقت كان العدوان على العراق قد وقع وتصاعد العدوان الإسرائيلي على السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وتسارعت سياسات مكافحة الإرهاب الأمريكية والأوروبية على الأصعدة المختلفة وعلى نحو جدل بصورة بين السياسي والثقافي سواء لتفسير هذه السياسيات أو تبريرها أو تحديد أهدافها وأدواتها.

تتبلور ثلاثة اتجاهات هي (19):

الاتجاه الأول يرى أن حوار الحضارات برمته يعتبر موضوعاً مهرجانياً بدأ الاحتفاء به بصورة مفاجئة منذ التسعينات(كرد فعل) على نظرية صراع الحضارات لهانتنجتون – وانه من ثم لا يعتبر موضوعاً أصيلاً ذا جدوى حقيقية. وأصحاب هذا الفريق ما زالوا يسوقون الحجج المعتاد الاستشهاد بها في موقف التشكيك في جدوى الحوار. فأولاً: هم يؤكدون أنه لا يمكن أن يكون الحوار بين الحضارات مجدياً في ظل غياب التكافؤ بين أطراف الحوار.

فانعدام توازن القوى لابد وأن يفضي إلي وضع يملي فيه أحد الأطراف ما يريد ويبادر بالفعل في حين يرضخ الطرف الآخر ويقوم فقط بفعل الرد على المبادرة. وليس أدل على صحة هذا عند أصحاب هذا الفريق من أن الغرب هو الذي يضع أجندة الحوار ويحدد قضاياه وهي عادة تدور حول قضايا الحريات والحقوق الفردية خاصة حقوق المرأة – التعددية وضرورة احترامها – حرية الرأي والتعبير – عالمية حقوق الإنسان – التفسيرات الجامدة للشريعة الإسلامية – وهي قضايا تهم الغرب مباشرة وتستهدف صياغة الشرق على الشاكلة التي يريدها الغرب تحت حجة معالجة جذور الإرهاب الذي يهدد الحضارة الغربية في حين أن المعنى الحقيقي لقيمة التسامح – وهي القيمة التي يروج لها الغرب – هو احترام حق الآخر في الاختلاف. ويرى هذا الفريق المتشكك والرافض أن حوار الحضارات ما هو غلا واجهة تخفي وراءها صراع المصالح. ومن هنا هم غير متفائلين حتى بالدعوة إلى الحوار والتفاهم بالتنوع والتي تأتي من بعض مفكري الغرب، وذلك أنها دعوة لا يمكن أن تثمر في رأيهم، على المستوى الرسمي لأن هوى الإدارات الرسمية هو مع الصراع الذي خلاله تفرض مصالحها من خلال منطق القوة وليس الحوار. يؤكد أصحاب هذا الفريق أن مجرد الدعوة إلي الحوار التي تأتي من الغرب لا يمكن أن تحوز بشقة الشرق وذلك في ظل السياسيات الغربية التي تساند الظلم الواقع على الفلسطينيين والعراقيين إما بالمشاركة الفعلية أو بالصمت، فهذا عندهم مناخ يؤدي إلي الصراع ولا يساعد على الحوار.

أما الفريق المؤيد للحوار والمؤمن بجداوه: فينطلق من مسلمة أن العولمة حقيقة قائمة، وأن الواقع يفرض التعايش وليس الصراع. أن على الجميع أن يقبلوا هذا وبدلاً من أن يضيعوا الوقت والجهد في إحباطات لن تجدي فعليهم أن يبحثوا عن أرضية مشتركة .. عن قضايا تغذى الحوار وتساعد على ازهاره ونجاحه. وحتى يتحقق هذا هناك مسئولية تقع على عاتق طرفي الحوار المأمول. أما الغرب فعلية أن يغير من منحى سياساته الخارجية، وأن يتخلى عن منطق التحرك الأحادي على الساحة الدولية، وأن يتحمل مسئوليه في تغيير الصورة السلبية عن الإسلام في الغرب والتي تتحمل وسائل إعلامه جزءاً غير قليل من مسؤولية قيامها. أما الشرق فعلية أن يتخطى دور المتلقي السلبي. وعلى الجنبين واجب أن يحملوا هؤلاء داخل مجتمعاتهم، الذين لا يؤمنون بجدوى الحوار، على التوجه هذه الوجهة. وعليها أن يبحثاً عن أساليب جديدة غير تقليدية للحوار بين الحضارات ربما أهمها الوصول إلى المجتمعات وتقليص القنوات الرسمية للحوار مثل حوار الأديان.

هذا وتجدر الإشارة إلى أنه يمكن رصد موقف فريق ثالث بين فريقي المشككين والمدافعين وهو الذي يرى أن الطرح العربي الإسلامي لموضوع حوار الحضارات هو طرح قديم، وهو الطرح الأصيل، لأنه يبدأ من المصدر الأساسي وهو القرآن والسنة، وهو أساس من الأسس الإسلامية والأولى في التعامل مع الشعوب الأخرى أنطلاقاً من الاعتراف بالتعددية الدينية والثقافية، وفي المقابل فإن اليهودية فإن اليهودية ترفض أصلاً أي طرح للحوار سواء على مستوى الأديان أو الحضارات – كما أن الطرح الربي الراهن ليس إلا طرحاً سياسياً لتحقيق أهداف سياسية – ومن ثم فإن الطرح الإسلامي الراهن لحوار الحضارات ليس رد فعل بل طرح مفروض فرضاً من الغرب على الشرق عموماً وعلى العالم الإسلامي والعربي خصوصاً. وهذا الطرح الغربي – وهو تسييس للحضارات – هو أسوأ ما حدث للحضارات وللعلاقات بينها – حيث يجعلها موضوعاً وسبباً للحرب والصراع، في حين أن الطرح الأصيل لحوار الحضارات هو الطرح الإسلامي منذ بدايته مع الرسالة. ولهذا فيحب – فق هذا الفريق الثالث – الوعي للعلاقة بين السياسي والثقافي التي تتنامي في الإستراتيجية الأمريكية بصفة خاصة والغربية بصفة عامة تجاه العالم العربي والإسلامي في المرحلة الراهنة من تطور النظام الدولي.

ويرتبط بالجدال حول جدوى الحوار من عدمه الجدال حول قضيتين بالغتي الأهمية وهما نظرية المؤامرة والنقد الذاتي. وعن نظرية المؤامرة؛ فلقد رأى البعض – وهم غالباً المتشككون في جدوى الحوار –أن التشبث بها هام – فهي تفتح الأعين على ماحيك لنا في الماضي ومن ثم تكون عوناً على إدارك م ايحاك لنا في الحاضر – وتكون مؤشراً على ما سيحاك لنا في المستقبل.

أما البعض الآخر: فإنهم رفضوا تماماً تعليق كل أخفقاتنا على شماعة نظرية المؤامرة – وأكدوا على أن تخلفنا وتبعيتنا ترجع لعدم السير في طريق العقل والعلم والحرية والعدالة التي سار فيها الغرب فتقدم بعد طول تخلف. ويستطرد أصحاب هذا الفريق ليؤكدوا أن الإيمان بنظرية المؤامرة هذه يواكبه عاده رغبة مرضية في تنزيه الذات. فالتأكيد دوماً على أننا كنا حضارة تعرف الحوار وتنفتح على الآخر فيه قدر غير قليل من التجاوز والمبالغة، فالشرق مارس هو أيضاً المد والسيطرة والهيمنة والصراع عندما كان له اليد العليا. فموضوع حوار الحضارات عند هذا الفريق هو موضوع حمل بأكثر مما يتحمل، فالأمر كله لا يعدو على مدار التاريخ أن يكون صراعاً على المصالح، يأخذ في كل مرحلة تاريخية سمة محددة اقتصادية أو ثقافية أو عسكرية، ولكن المستمر هو أنه صراع ينجح فيه الأقوى في حين يخسر الضعيف، بغض النظر عمن هو القوى ومن الضعيف، وبغض النظر عن موضوع الصراع وأدواته: عسكرية أو اقتصادية أو سياسية، وإن كان من الواضح والجلي الآن أن الأبعاد والأدوات الثقافية قد حققت قفزة للأمام لاعتبارات عديدة، بالمقارنة بما كانت عليه من قبل.

وفي مقابل نظرية المؤامرة تظهر نظرية النقد الذاتي التي تستند إلي تأصيل ظاهرة الحوار الحضاري بالرجوع إلي الجذور الفكرية للخطابات العربية المتنوعة في عصر النهضة، وإلي اشكاليات وقضايا التفاعل بين التيارات الإسلامية والليبرالية واليسارية العربية ومواقفها من الغرب. وتقوم هذه النظرية على تحديد أسس هذه التيارات الفكرية عند بدايتها ومتابعة تطورها وتقييمه. وإذا كانت منطلقات تقييمه هو موقف هذه التيارات من قضية الحداثة، وتفسير أسباب فشل المنطقة العربية في إحداث التغيير المطلوب بأنه فشل في تقبل نموذج الحداثة. لهذا اعتبر أن من أهم شروط الحوار الحضارى الناجح هو نقد العلمانية وتقديم رؤية نقدية للحداثة من ناحية ونقد التاريخ والفكر الإسلامي من ناحية أخرى فهذا النقد مزدوج البعاد هو السبيل إلى اكتشاف منطقة القيم المشتركة العالمية بين الحضارات.

ومما لاشك فيه أنه إذا كانت نظرية المؤامرة تواجه حججاً ومبررات ناقدة أو رافضة لمنطلقاتها في رفض حوار الحضارات- فإن نظرية النقد الذاتي ذات التوجه الليبرالي تشير بدورها حججاً ومبرات ناقدة لمنطلقاتها نحو تحديد أهداف الحوار وغاياته وآلياته. ومن ثم تثور الأسئلة التالية: هل ننقد أنفسنا قرباً أم بعداً عن الحداثة أم عن نموذجنا الحضاري، وهل الحول – في نظر التيار الليبرالي – هو سبيل أخر للنقل عن الغرب من جديد؟ هل نحتاج لنقد الذات من منطلقات ليبرالية فقط أم نحتاج أيضاً للدفاع عن المرجعية الإسلامية التي أضحت تتعرض لهجوم متسع النطاق؟

ومن هنا وفضلاً عن الحاجة إلي نقد الذات؛ فنحن أيضاً في حاجة إلي اجتهاد فكري معاصر قوي وفاعل، لأن الإسلام وإن كان يتضمن تنظيرات ورؤى تأصيلية حول وحدة الإنسانية والاستخلاف والعمران والتوازن في الكون وغيرها، إلا أن بعض ممارسات تاريخ المسلمين وواقع المسلمين الراهن – في مجمله – يطرح الأسئلة حول الفجوة بين الأصل والواقع ناهيك عن الحاجة المتزايدة للدفاع عن الأصول ذاتها بعد أن ذاع وانتشر الهجوم عليها أي فبعد أن كان هذا الهجوم محصوراً من قبل دوائر الاستشراق، إلا أنه انتقل إلى دوائر العوام والصحف.

ج- وفي مؤتمر دولي تم عقده في سبتمبر 2003 تحت عنوان مسارات وخبرات في حوار الحضارات(20)، جرت مناقشة قضايا معرفية ونظرية وسياسية تقع في صميم أنماط الحوارات الدائرة ومستوياتها.

ومن أهم القضايا التي جرى طرحها من اتجاهات متنوعة ما يلي(2):

1-               أجندة القضايا محل الحوار بين رؤى غربية وإسلامية ودور الغرب في تحديد هذه الأجندة. ودور  الواقع السياسي والمجتمعي في الشرق والغرب على حد سواء في تحديد الإشكاليات الأساسية التي تطرحها كل قضية: فمثلا في قضية الدين والعلمانية: يثور التساؤل ما الفارق بين مفهوم الدين من رؤى إسلامية وأخرى علمانية، هل الاهتمام المتجدد بالدين – تنظيرا وواقعا – في الغرب الآن يعني تراجعا عن العلمانية وأزمة للعلمانية؟ وهل تجدد التدين في الغرب أو الروحانية – على الأقل – ذو أثر إيجابي أم سلبي على الحوار؟ هل تديين السياسية أم تسييس الدين الذي قد يرتبط بهذه الظاهرة، ذو آثار إيجابية أم سلبية على العلاقة بين الثقافات المختلفة؟ هل يحوي فرصاً أكبر أم أقل أمام الصراع أو السلام؟

2-            دور تيارات الاستشراق التقليدي والحديث في التأسيس المعرفي والفكري لمقولات الخطاب الغربي لصراع الحضارات التي تشوه الإسلام ورموزه، وتلك التي تناقش هل الإسلام يتضمن فعلاً أساساً معرفياً يتعارض مع العقلانية الوضعية، على أساس أن مفهوم الله في العقيدة الإسلامية – في نظر البعض – وهو المفهوم المفارق للوجود على الأرض يجعل دور العقل في الاجتهاد الإسلامي تالياً للنص الموحي به ومن ثم، وفق هذا الرأي، فإن حضور النص في العقل الإسلامي يؤدي إلى انسداد الطريق أمام الحداثة. ولهذا فلقد ظهرت أطروحات حول الفرص أمام إحياء ما أسماء البعض الإسلام التقليدي وحول آفاق المستقبل أمام الأصولية، إمكانيات طريق ثالث نحو ما يسميه البعض الآخر إسلامياً مدنياً ديمقراطياً.

كما تبلورت أطروحات أخرى حول قدرتنا الفعلية على المساهمة والمبادرة في مجال الحوار الحضاري العالمي على اعتبار أن قضية الحوار الحضاري هي ليست الدفاع عن الإسلام أو عن أنفسنا فقط بل هي الإسلام أو عن أنفسنا فقط بل هي أيضاً المساهمة في أجندة الحوار الحضاري العالمي.

3-            أبعاد حوار الحياة أو العيش المشترك بين ثقافات وأديان مختلفة. كيف تعكس المناطق المختلفة من العالم خبرات متنوعة حول طبيعة ((التعددية الثقافية)) وأنماطها؟ ما الفارق بين خبرات الهند وسنغافورة، أوروبا الغربية (وخصوصاً فرنسا)، البلقان وشرق أوروبا (خاصة البوسنة والهرسك)، وما الفارق بين نموذج ((التعددية الثقافية)) ونموذج ((الاندماج)) وما يثيره الأخير من إشكاليات وهل بمقدور المسلمين الاندماج مع الحفاظ على هويتهم الدينية؟ ما المقصود بالإسلام الأوروبي أو الإسلام العلماني؟

4-             ومن القضايا الأخري التى تبلورت في الندوة: آفاق الحوار بالنسبة للشباب: دوافعه ومحدداته ومجالاته ومآلاته على النحو الذي يجعل منهم قوة دافعة في إصلاح الذات، استنادا إلى القراءة النقدية المنفتحة للذات مقارنة بالآخرين. ومن أهم المجالات التي يتفاعل على صعيدها الشباب تأتي منتديات العولمة البديلة وغيرها.

وفيما يلي قدر من التفصيل عن هذه القضايا والوسائل والإشكاليات التي قدمتها أعمال الندوة حولها.

فلقد اتضح من القضية الأولي وهي الدين، عدة أمور مهمة فارقة بين المدركات الإسلامية عن الدين والمدركات المناظرة لدى الغربيين؛ فإن العلاقة بين الثابت والمتغير لم تعد قائمة في ظل هذه الأشكال العصرية للممارسات الدينية الحديثة في أوروبا وأمريكيا، إذن أين القاسم المشترك في الحوار دور الأديان؟

ومن هنا يتضح مدى عمق طرح السؤالين اللذين طرحها د. حسن حنفي وهو أنه في تعقيبه وهما: من الذي يصنع التاريخ، من الذي له زمام المبادرة الآن؟ ومن الذي يشرح؟ ومن الذي يضع جدول إذا كان الدين والعلمانية على رأس جدول أعمال الحوار الذي يضعه الغرب، فإن هذا يعكس من وجهة نظر د. حسن حنفي غاية وهدف الغرب من الحوار ألا وهو إقناع المسلمين بأنه طالما أن الدين جزء من الدولة فسيظهر العنف وستظهر الجماعات السرية في الداخل والخارج، وبالتالي فلا حل أمام المسلمين سوى العلمانية الغربية وفصل الدين عن الدولة.

وعن القضية الثانية؛ فلقد قدم د. رضوان السيد خبرة التعامل مع تطور الاستشراق ومدارسه وتأثيره على رؤية الغرب للإسلام وصولاً إلي المرحلة الراهنة؛ فهي تقدم دلالات مهمة للمهتمين بمجال حوار الحضارات فكرا وتأصيلا وممارسة. ومن أهم هذه الدلالات هي الأسس المعرفية والفكرية والتأصيلية السائدة في تيار من الدراسات الاستشراقية التي يتم الأخذ عنها في الحملات الإعلامية ضد الإسلام، مما يبين الأمر يتعدى أكثر من السياسة وحساباتها الواقعية ليصل إلي التأصيل والفكر وما يتعلق به من أبعاد ثقافية وحضارية تساهم بعمق في تشكيل الصورة والإدراك والسياسيات. واستدعى د. حسن حنفي في تعقيبه واحداً من أهم النقاط التى تبين أهمية الوعي بالفكر الاستشراقي حيث قدم تفسيراً لأسباب الهجوم على النص القرآني والوحي مستدعياً تاريخ رواية وتدوين كل من العهد القديم والجديد؛ حيث قال ((وكان اكتشاف عدم الصحة التاريخية للنصوص الدينية في العهد القديم والجديد دافعاً للمستشرقين إلي التطبيق على القرآن الكريم … وبذلك يصل هؤلاء المستشرقين إلي القضاء على الوحي الإسلامي، ولاسيما القرآن الذي يمثل كتلة تحمي ثقافية المسلمين)). واستكمالاً يري د. حسن حنفي أن الهدف الاستراتيجي لحوار الحضارات لدي الغرب هو التوطئة لفرض جدول الأعمال الغربي، وفي النهاية القضاء على ما تبقي للمسلمين من وحي ونص.

وهكذا يتضح لنا أن من أهم دلالات طرح رضوان السيد والتعقيب عليه من جانب د. حسن حنفي وعدد من الأساتذة، هو أن بعض مخرجات الاستشراق لم تعد تمثل فقط أساساً تنطلق منه وتستند عليه حسابات الإدارة الأمريكية اليمينية المحافظة ولكن أضحت أساساً لأمرين:

أولاً- حملات إعلامية واسعة النطاق تنال من أصول الإسلام ورموزه وعلى رأسها من أصول الإسلام ورموزه وعلى رأسها محمد (ص) وتحاول النيل من مصداقية القرآن الكريم، بل – وكما جاء في مدخلة د. فريدة جاد الحق – فإنه مع تبيان المستشرقين صعوبة التخلص من القرآن اتجهوا منحى آخر وهو محاولة تقديم قراءات جديدة من القرآن بحيث تصل بالتدريج إلى ما يأملون منه وهو قرآن جديد أو إسلام مدني ديمقراطي .

والأمر الثاني –هو سياسات الحكومات الغربية ذاتها وكيف تراوحت بين اتجاه يأمل في إحياء الإسلام التقليدي المسالم، وذلك الذي يري أن الأصولية قد أكلت قلب الإسلام. ومن ثم برز الآن اتجاه ثالث يسعى لفهم وتخطيط كيفية التعامل مع المسلمين والعرب سياسياً ودينياً والمساعدة في إخراج ((إسلام جديد)) لا هو بالتقليدي ولا الأصولي ولكن يوصف هذا الإخراج مابين الدفع بقراءات جديدة للقرآن وبين نهج يتخلي عن القرآن تماماً وينحو نحو قيم الحضارة الحديثة كمصدر لعالم جديد للمسلمين.

ومن أهم الدلالات الأخري لخبرة رضوان السيد مع الدراسات الاستشراقية هو غياب نتاجات الدارسين العرب والمسلمين عن قاعات الدرس الأكاديمي في الغربيْن الأمريكي والأوروبي. ويقصد بذلك غياب أطروحاتهم المضادة أو النافذة لأطروحات الاستشراق التقليدي أو الحديث.

ثم كانت مداخلة د. سعيد بن سعيد العلوي التي استدعت نطاق الاستشراق الحديث مبينة سلبياته وأسبابه، مبرزة قضية اتهاتهم للإسلام والمسلمين بالإرهاب في مقابل تأكيد هيمنة الحضارة الغربية بقيادة أمريكية. ولقد أكد تعقيب أ. السيد يسين على أمر مهم وهو أن الدفاع عن الإسلام والمسلمين ليس إلا قضية فرعية وأن الأساس والأهم هو كيف يمكن أن نسهم في الحوار الحضاري العالمي لحل مشكلات الإنسانية، ولإنتاج معرفة، وللمشاركة في حلف ثقافي عالمي مع المثقفين الأوروبين والآسيويين لتقديم نقد علمي موضوعي للهيمنة الأمريكية في أبعادها العسكرية والاسترايجية والثقافية.

وعن القضية الثالثة؛ فإن المقارنة بين حالة فرنسا أو أوروبا بصفة عامة أو الهند وسنغافورة تلقي الضوء على مقولة ذات وجهين: الأول هو أن العلمانية أضحت مفهوماً إشكالياً ملتبساً في السياقات التي تحترم الدين، لأنه وإن كان مفهوماً يفترض إمكانية الفصل بين المقدس والدنيوي، فإن هذا غير ممكن، والوجه الثاني هو أنه بعد أن كان هناك دائماً فصلاً فكرياً ونظرياً بين العلمانية والإسلام فإن السؤال الدائر الآن في أوروبا وأمريكا وكذلك في آسيا ليس هو أي نمط من الإسلام يوجد بين ظهرانيهم ولكن كيف يمكن الوصول إلي الإسلام العلماني؟ وهل يمكن الحديث عن إسلام علماني؟

وعلى هذا النحو نجد النحو نجد أنفسنا أمام أمرين: من ناحية – أن قضية شائكة من قضايا الحوار هي العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع بين الرؤى الإسلامية والرؤى الإسلامية والرؤى العلمانية وهو الحوار الذي يفتح ملف النظر في الثوابت الحديثة وعلى رأسها العلمانية نظراً لصعود أهمية المداخل الثقافية في التفسير والتحليل، وفي قلبها الدين، وذلك نظراً لتنامي التحديات المتصلة بالهوية في ظل تداعيات العولمة بصفة عامة ثم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر بصفة خاصة.

ومن ناحية ثانية – أن ((الدين لا يمكن فرضه أو نتزاعه بالقوة)) وأن الانتماء الديني الناتج عن القسر والإكراه لا قيمة له، وأن الفصل بين المقدس والمدني غير ممكن بصورة مطلقة، والمدني غير ممكن بصورة مطلقة، وأن الدين أضحي في صلب الهوية … إلى آخر هذه المقولات التي ترددت في هذه الدراسات، والتي تجسدت على أرض الواقع – في مناطق شتى من العالم، فارضة التحديات على سبل العيش المشترك بين أصحاب الديانات والثقافات المتنوعة والذي يجمعهم حيز مكاني واحد، وهي التحديات التي يمكن التعامل معها ولو بأشكال متنوعة في ظل مبادئ العدالة والحرية والمساواة.

وخلاصة القول، فإن أعمال المؤتمر تساعد بطريقة مباشرة على رسم خريطة للأبعاد المعرفية والفكرية والسياسية التي تطرحها الحوارات المباشر، وهي الحوارات التي تنعقد وفقا للأجندة الغربية والإسلامية. ومن ثم تساهم النتائج في رسم خريطة

الاهتمامات الفكرية والبحثية التي يجب علينا التركيز عليها: من قبيل الإسلام العلماني، الإسلام المدني، أو الرد على الشبهات الراهنة حول النص القرآني والتي تستهدف مايسمي ((قرآنا جديداً))، أو صيغ التعايش على قاعدة المساواة والعدالة بين إطار الأغلبية وإطار الأقلية المسلمة في سياقات اجتماعية وسياسية مختلفة وهي السياقات التي تطرح صيغاً من مثيل : الاندماج مع الاختلاف، التعايش مع المساواة، التعددية الثقافة …. وجميعها تحتاج فقها جديداً أوروبياً أو أمريكياً أو … ، القضايا وغيرها هي تحقيق الاستعداد الجيد لخوض الحوارات بطريقة فعالة ومثمرة، انظلاقاً من وتأسيساً على اجتهادات فكرية وفقهية تستجب للتحديات الراهنة، ليس على صعيد الحوارات فقط، ولكن أساساً وابتداء من أجل المساهمة في عملية الإصلاح المعرفي والفكري والسياسي في الأمة، فالحوار ليس غاية بقدر ماهو سبيل من سبل أخرى لإدارة شأن الأمة داخلياً وخارجياً على حد سواء.

ثالثاً: هل مازال الحوار ممكناً بعد تأسيس أعمال العداء ضد الإسلام وتكرار أعمال ((العنف باسم الإسلام))؟ صعود تسييس الأبعاد الدينية في العلاقات بين المغرب والعالم الإسلامي.

لقد صعد هذا السؤال بوضوح على ضوء مغزى حالة الرسوم الدانماركية. ولقد سبق وتردد هذا السؤال وصعد الاهتمام بمناقشته مع كل من الأزمات المتفجرة على التوالي؛ وهي نوعان: النوع الأول – من الدول الغربية تجاه العالم الإسلامي وبأدوات القوة الصلدة أساساً، ومن أهمها: العدوان الإسرائيلي المستمر منذ مارس 2002 على السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، العدوان الأمريكي على أفغانستان وتداعياته منذ أكتوبر 2001، التدخلات الدولية في الأزمة اللبنانية منذ مقتل الحريري وصدور القرار 1559(21)، الملف النووي الإيراني، التدخلات الدولية في دارفور. هذا إلى جانب أدوات التدخل بالقوة المرنة (تجديد الخطاب الديني، التربية الدينية، تطوير التعليم، تحديث الشباب والمرأة…)، في نفس الوقت الذي لم تنقطع فيه أعمال الهجوم المعرفي – الفكري وفي الإعلام ضد الإسلام والمسلمين. ولم تكن الرسوم الدنماركية بصدده إلا بمثابة قمة جبل الثلج العائم.

والنوع الثاني يأتي من قوى مارست أعمال العنف باسم الإسلام أو اتُهم فيها مسلمون ابتداءً من تفجيرات مدريد 9/3/2004، ثم تفجيرات لندن في 7/7/2005، وعنف ضواحي باريس (2005)، وقبل ذلك تفجيرات بالي في إندونيسيا(2003)، تفجرات طابا (2004)، شرم الشيخ في يوليو 2005، ودهب (أبريل 2006)، تفجيرات الأردن (2005)، تفجيرات المغرب (2004)، تفجيرات السعودية، وتفجيرات في تركيا وتونس. ويتضح من اتساع هذه الخريطة – داخل العالم الإسلامي وخارجه – كيف أن تعقد الأمور منذ 2001، قد تزايد ولم ينته، كما كانت ترجو الحملة الأمريكية ضد الإرهاب.

وبين النوعين ظلت جهود فكرية ومدنية على الجانبين تسعى لإعلاء صوت الحوار والدعوة للعدالة قبل السلام. وفي نفس الوقت، لم تستطيع الجهود الرسمية الوطنية والإقليمية (العربية الإسلامية) أن تحقق التنسيق الفاعل بينها في مجال الحوارات على نحو يحدث اختراقاً في المجتمعات الغربية، يناظرها ما حقيقته نظائرها الغربية في مجتمعاتنا، مثلاً: تأسيس مؤسسة آنا ليند لحوار الثقافات الأورومتوسطية تجسيداً للبعد الثقافي للشراكة الأورومتوسطية(22)في مقابل جمود دور مفوضية حوار الحضارات على صعيد الجامعة العربية، واستمرار تناثر جهود المؤسسات الإسلامية الوطنية منها والإقليمية وعبر الإقليمية.

وكانت ردود الفعل تجاه الرسوم الدانماركية – في الخطابات العربية والإسلامية – ذات دلالات واضحة حول مدي الشرخ الذي أصاب صورة الحوار على الساحة العربية والإسلامية. ومن ثم برزت سمتين أساسيتين؛ من ناحية، تراجع رموز إسلامية داعمة للحوار وممارسة له عن دعمها وممارساتها أمام وطأة التسييس والإهانة. ومن ناحية أخرى، اجتمعت رموز من تيارات مختلفة قومية ولبيرالية وإسلامية – وعلى نحو غير مسبوق من قبل – على إدانة الغطرسة الأوروبية وحق حرية التعبير على النمط الغربي المزعوم (أي حرية التعبير بلا ضوابط أو مسئولية).

وتتلخص أهم نتائج تحليل الخطابات العربية(1) حول تفسير أزمة الرسوم الدانماركية وتداعياتها بالنسبة لحالة الحوار ودلالتها بالنسبة لمدى ما وصل إلية من تسييس فيما يلي:

إن الأزمة التي فجرتها الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للرسول ﷺ  كانت أزمة غير مسبوقة؛ نظراً لطبيعة تطورات الحدث الذي فجرها وردود الفعل تجاهها، واتساع نطاق تداعياتها، وتعدد القضايا محل الاهتمام وتداخلها، وتعدد الفواعل الرسمية والمدنية والشعبية التي تحركت.

ولذا تشكلت صورة تدفع في مجملها لإعادة النظر والتدبر في كل ما جري وم

ا قيل بشأن الحوار على الجانبين لأن الأزمة وتداعياتها كشفت عن أن قدر((الصراع)) أكبر من قدر ((الحوار)) على ساحة امتزجت فيها المصالح بالمشاعر، العدوان بالدفاع.

وفي نفس الوقت الذي تختل على صعيدها موازين القوى المادية وغير المادية بين نموذجين معرفين ورؤيتين للعالم؛ أي بين ((العالم الإسلامي والغرب))؛ ولذا لم تكن الأزمة طارئة أو مفاجئة ولكن هي تعبير – في منشئها – عن ذروة التصاعد في العداء للإسلام والمسلمين، والذي سبق وتكررت – وبصورة متزايدة – وقائعه، ويتضح ذلك من الدلالات الوقائعية، والمعرفية والسياسية.

فمن واقع السياق السياسي للأزمة وعن موضع هذه الأحداث – سواء الفعل الدانماركي والأوروبي المتوالي أو سواء ردود الأفعال العربية والإسلامية المتمحورة حول قضية دينية وثقافية – من الإطار السياسي الراهن للعلاقات بين الغرب والعالم الإسلامي، في ظل الإستراتيجية الأمريكية والإستراتيجية الأوروبية تجاه هذا العالم، وتجاه ما يسمى الحرب ضد الإرهاب / والحرب من أجل الإصلاح والتحول الديموقراطي وحقوق الإنسان، في ظل هذا كله يمكن القول إن تعمد نشر هذه الصور عن الإسلام والمسلمين هو خطوة إضافية في مسلسل استهداف الوجود المسلم في أوروبا والولايات المتحدة ولكن هذه المرة على الساحة الإسكندنافية التي لا يعرف بعد تعقيدات مناطق أخرى فى أوروبا.

ومن ثم فإن تفجير منطقة جديدة من العداء للإسلام في أوروبا إنما يغذى أهداف ما يسمى الحرب على الإرهاب – التي تجرى معاركها الأخرى على أرضي الدول الإسلامية. مما يعني أن الأمة بجناحيها: الدول الإسلامية والمسلمين في ((الغرب)) هما وجهان لعملة واحدة في مخطط استراتيجية الإدارة الأمريكية الراهنة وحلفائها الأوروبين في الحرب على الإرهاب؛ حيث تتزايد مؤشرات التنسيق أو التقارب بين اليمين الأوروبي وبين المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يزيد من مخاطر المواجهة بين الشرق والغرب على أسس دينية وثقافية تغذى من وتخدم حرب المصالح.

هنا يكتسب التواصل بين اليمين الأوروبي واليمين الأمريكي دلالته وخطورته. إلا أن للعملة وجهة آخر بالطبع، ألا وهو السياق السياسي الذي يؤثر عليه هذا التواصل ويحيط به ونقصد الوضع المتفجر وشديد الخطورة في فلسطين والعراق ولبنان وإيران، والدور الأمريكي في إدارته بتحالف واضح مع إسرائيل بتوافق أوروبي متزايد. بحيث يمكن عدم الاكتفاء الآن بالحديث عن توزيع أدوار أوروبي أمريكي بل عن نوع من التحالف عبر الأطلنطي حول قضايا المنطقة، وهو تحالف جديد تلعب فرنسا (المستقلة) دوراً في تكريسة، أضحى يطرح التساؤل عن مآل إرث السياسية الديجولية ومصير هذا الاستقلال الفرنسي.

وعن الجانب المعرفي الفكري:

فينبثق عنه عدة قضايا فرعية ذات دلالة بالنسبة للاختلافات بين نموذجين معرفيين وحضاريين (خاصة من حيث موضع الدين في كل منها).

وقد حظي هذا الجانب بقدر كبير من التأصيل من زوايتين متقابلتين: أحداهما تسقط الدين – وكل ما يتصل به – من اعتبارها تماماً وبذا تحتج بحرية التعبير حين تقدم على ازدراء الأديان بل والله، وبالرغم من أن قوانين الدول الأوروبية التي ينتمي إليها هؤلاء تجرم هذا الازدراء إلا أنه فيما يبدو لا يستخدم هذا الجانب من القانون لحماية هذا الجانب من الوجود الإنساني إلا بشروط شديدة لم تتوافر حتى الآن، بما فيها حالة رسوم الصحيفة الدنماركية. وعلى العكس يجري مثلاً تفعيل حماية حقوق الإنسان لحماية حقوق الشواذ وغيرها … الزاوية الأخرى هي التي ترفض أن تكون حرية التعبير – مهما كانت أهميتها كعماد للنظم اليبرالية الديموقرطية – ماسة بالأديان أو ضد أعراق أو قوميات بعينها. وبعض هؤلاء تقتصر حدود الحرية لديهم على ما يتصل باليهود والسامية ولا تمتد إلي ما يتصل بالإسلام والمسلمين ولذا وفي حين يتصاعد مسلسل الإساءة للإسلام والمسلمين بصورة متعددة وعلى مستويات مختلفة، نجد أن مسلسل تجريم معاداة السامية (إسرائيل) (24) تتوالى حلقاته بصورة متزايدة.

وبذا تكون الأزمة الراهنة ساحة أكدت سمة المعايير المزدوجة للسياسيات الغربية المزدوجة بعد أن اختبرت بعض أهم سمات النموذج المعرفي والرؤية للعالم الذي تنبني عليها هذه السياسيات في مجموعها، ألا وهي: الصراع، العنصرية والمادية، وهي السمات التي تنقض عليها – ومن داخل الغرب ذاته – تيارات فكرية نقدية تحذر من مخاطر أزمة الحضارة الغربية، والتي تتولد من داخلها. ولذا، وحيث تنتقد رؤى حضارية إسلامية نقائص هذه الحضارة العربية، فإن بعض هذه الرؤى (25) يؤكد أن أزمة هذه الحضارة الغربية الراهنة لا يمكن حلها فقط من داخلها، وخاصة بعد أن وصلت إلى مرحلة متطرفة من الاستعلاء وإنكار الحضارات والثقافات الأخرى. ولذا فهي في حاجة إلى مراجعة تنظر إلى ما تقدمه – نماذج حضارية أخرى – مثل النموذج الإسلامي، من قيم الاجتماع والعمران البشري العادل والمتكافئ ومنها ما يتصل بحقوق حرية التعبير.

ومن ناحية أخرى يمكن القول أن هذه المرحلة الراهنة من التفاعل أو لنقل من أزمات الحوارات بين الأيان والثقافات، إنما تقدم – من واقع طبيعة الحالة الدانماركية ومسار تطورها – دلالة هامة. ولقد توقف عندها للتحذير منها رموز ليبرالية وقومية ويسارية وليس فقط رموز إسلامية.

أقصد بهذا التحذير من حالة بعض التيارات في الغرب فرض منظومة قيم ثقافية ورؤى للعالم تجافى خصوصيتنا الثقافية أو حاولة فرض مفهوم حرية التعبير- كما تفهمه العلمانية الغربية – أو تعمد هذه التيارات الإساءة والتحقير للمسلمين وللإسلام.

هذا واقترنت العديد من مؤشرات العمد والقصد في هذه الإساءة بمؤشرات عن القصد والعمد من أجل فرض احترام ((مفهوم حرية التعبير)) الغربي؛ ولعل من أوضح الأدلة على ذلك هي ((رفض الاعتذار)) أو ((الاعتذار المشروط)) أو التلاعب بالاعتذار أو التأكيد على حيوية ((حرية التعبير)) وتسريب مبررات حول عدم إمكانية تشريع دولي لتحريم ازدراء الأديان بحجة عدم إمكانية منع من يريد انتقاد الأديان.

وإذا كانت قضية حرية التعبير بين منظور الغربيين ومنظور المسلمين قد برزت مجدداً الآن فإن دلالاتها السابق شرحها تضيف إلى دلالات قضية أخرى متزامنة برزت مع ما حققه الإخوان المسلمين في مصر من فوز في الانتخابات البرلمانية ومع فوز حماس الكاسح في الانتخابات الفلسطينية، الا وهي قضية العلاقة بين الإسلام والسياسية والمجتمع أو قضية العلاقة بين الإسلام الديموقراطية بصفة خاصة. وذلك بعد أن تجدد أيضاً – بصورة كبيرة – منذ مابعد 9/11 الجدال حوال العلاقة بين الإرهاب والمقاومة والجهاد.

وهكذا تتوالى على المحك السياسي وفي ظل نمط توازنات القوي القائمة جدالات مفروضة من أعلى (من الهيمنة السياسية الأمريكية أحياناً ومن الهيمنة المعرفية العلمانية الحداثية المفرطة أحياناً أخرى، وكلاهما يتعرضان للتحديات الجسام الآن) نعم مفروطة من أعلى، وبانبثاق وتفرع عن الجدل الام الذي أسسه ودشنه هنتجتون – من أعلى أيضاً حول صراع الحضارات. بحيث يمكن القول الآن وبعد متابعة تطور وقائع السياسية وتفاعلاتها على الساحة الإسلامية الدولية والداخلية، ومن متابعة تطور الجدالات النظرية والفكرية والمعرفية على ساحة العلاقة بين ((الإسلام والغرب)) منذ نهاية الحرب الباردة، يمكن القول بعد كل هذه المتابعات العلمية المنظمة أن خطابات صراع الحضارات والنهايات (الدين، الايديولوجيا، التاريخ) ليس – مجرد مبررات ثقافية ودينية تستخدمها السياسيات الأمريكية والأوروبية – في نطاق ما يسمى الحرب على الإرهاب – لتحقيق أهداف ومصالح استراتيجية عليا، ولكن إحدى هذه المصالح الاستراتيجية العليا أضحت هي إعادة تشكيل عقل المسلمين وفكرهم وفرض قيم ثقافية ومعرفية على المسلمين في محاولة للتصدى للإسلام المقاوم والممانع. ناهيك عن أهداف أخرى ألا وهي التأثير على شريحة ((الغربيين)) المحايدة لتتحول نحو العداء للإسلام والمسلمين بعد ما أظهره المسلمون – في ظل هذا المناخ – من عداء لحرية التعبير (تلك الحرية المقدسة لدى الغرب). ومن ثم يسهل على السياسات الغربية تقديم مزيد من المبررات لشعوبها لما تقترفه باسم معاقبة الإرهاب الإسلامي.

حقيقة تحتاج خطابات إسلامية عديدة للتجديد، ولكن ليس بلمواصفات الأمريكية الأوروبية – أو بمعنى أدق العلمانية الحديثة – ولكن وفق متطلبات عملية النهوض اللأزمة للأمة الآن، أي التي تستطيع أن تستحث قدرات الأمة للقيام ضد كل أنواع الظلم والاستبداد والقهر الداخلي أيضاً زوداً عن الحرية والعدالة والمساوة بقدر القيام الذي حدث للزود عن الرسول (ص)، وهو الرسول الكريم الذي لا يرضيه مآل إليه حال أمته، وهو الكريم الذي أرسي قواعد الحرية والعدالة والمساواه، وسيرته الفعلية وليس أحاديثه القولية فقط خير شاهد على ذلك.

وفي المقابل يظل مشروعاً التساؤل من جانبنا متى يصبح ((الدين)) لدينا محفزاً للتغير الاجتماعي والسياسي وليس التساؤل متى يتنحى الدين ليتحقق التقدم؟ فإذا كان البعض قد وصف من خرجوا في المظاهرات بأنهم غير متحضرين ومتخلفين، ليس لهم من الإسلام إلا الشكلي منه، إلا أنه يجب علينا أن نتساءل من الذي سرق ((جوهر)) الإسلام من عقول وسلوك المسلمين طيلة عدة قرون (من الجمود الإسلامي أولاً، ثم من التغريب والعلمنة باسم التحديث)؟ وكيف يمكن أن يصبح الإسلام مصدراً للتغيير؟.

 ولهذا كله لا يجب – عند تقييم نتائج الحوار الآن – أن تقتصر على لوم أنفسنا بالتقصير في أداء ما علينا من واجبات. فبالرغم من الانتقادات لمنهج هذا الأداء والذي سجلته بحوث برنامج حوار الحضارات، إلا أنه قد آن الأوان أن نضع الآخر أمام مسئوليه أيضاً، وأن نقف ونقول له بصوت عال أنت مسئول أيضاً ولاحظ كيف تتزايد عنصريتك وإساءتك المتعمدة المقصودة ضد الإسلام والمسلمين. بعبارة أخرى آن الأوان لاستراتيجية هجومية وليس دفاعية فقط لتلقي الكرة في ملعبهم أيضاً للمطالبة بتقنين أسس ومتطلبات الحوار العادل المتكافئ، قبل أن تشرع في الاستجابة من جديد لسيل المبادرات الرسمية والمدنية الأوروبية (الجماعية والقومية) مثل أخذن تتوالي خلال الأزمة، ليس من أجل منع تكرار ما حدث ولكن من أجل مجرد رأب الصدع الذي وقع مع ((المسلمين المعتدلين)). فلقد تبين كيف كان توحد النخبة مع العامة واضحاً، وكيف انتقدت بشدة نخب عربية تؤمن بالحوار وتمارسه، ما حدث من الدانمارك وحلفائها في أوروبا واعتبرته تطرفاً ووقاحة دبلوماسية ومؤامرة أوروبية … الخ.

خلاصة القول: إن القضية (التي تقع في نطاقها هذه الأزمة وما سبقها من أزمات) ليست دعوية فقط تقتضي تقديم الإسلام وتصحيح الصورة عن أصوله ورسوله إلى الشعوب الأوروبية بواسطة الدعاة فقط، ووفق منهجهم الدعوى الذي يعلن انفصاله عن السياسية. وهي ليست قضية سياسية فقط لا علاقة لها بالأديان والثقافات وحواراتها ولكنها – دينية، تختبر أطرافها توازنات القوى والمصالح.

فإن القراءة في أحداث وخطابات وتفاعلات الأزمة ساعدت على بيان أن ركائز الحوار المطلوب مستقلاً – ليكون عادلاً ومكتافئاً – هو التقنين الدولي لتحريم تعمد ازدراء أو تحقير الإسلام والمسلمين بقدر ماتم من تجريم معادة السامية؛ فإن هذا الازدراء والتحقير للمسلمين واتهاهم بما ليس فيهم إجمالاً لم يعد من قبيل الجهل فقط أو حرية التعبير فقط ولكن توظيف سياسي يشكل بيئة صالحة لتكريس اتهام مسلمي الغرب بعدم الاندماج ولاتهام مسلمي العالم بتهديد الاستقرار والسلم. ومن ثم تبرير كل أنماط السياسات العدوانية والتدخلية ضدهم سواء لأسباب سياسية كانت أو دينية مما ينتقض من دوافع ومبررات الحوار.

إن الوضع الراهن في مجمله دفع البعض لتشبيه حال ووضع مسلمي أوروبا الآن بوضع اليهود في أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر، بكل ما يحمله هذا التشبيه معه من احتمالات حول مستقبل وضع المسلمين في أوروبا ومستقبل العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب بصفه عامة وهو الأمر الذي يتطلب تضافر جهود الجميع الآن، وتوزيع الأدوار فيما بينهم وفق رؤية استراتيجية تنظر للحوار بين الأديان والثقافات باعتباره قضية سياسية وأداة من أدوات إدارة الصراع وليس بديلاً عنه، ومن ثم تحتاج المبادرة به وإدارته وعياً كاملاً بالسياق السياسي المحيط والأهداف السياسية لأطرافه، وكل هذا دون التخلي عن الحوار كاستراتيجية ومبدأ في الأساس.

خاتمة القول في هذه الدراسة أن ((حالة)) الجدالات بين خطابات الحوار وخطابات الصراع هي ((حالة)) واضحة المعالم تتنازع على صعيدها الحجج الثقافية مع نظائرها السياسية، كما أن المتابعة المنظمة المقارنة التراكمية بين الوقائع الإقليمية والعالمية والخطابات الفكرية توضح درجة تسييس دعوات الحوار (الرسمية بصفة عامة) الآتية من الغرب، حيث تم توظيف الحوار في الاستراتيجيات الكلية أي باعتباره أداة من أدوات السياسات الدولية برمتها وقضايا الصراعات الممتدة بصفة خاصة. كما توضح هذه المتابعة من ناحية أخرى درجة تسييس أزمات الحوار أو فلنقل جولات ((الصراع)) التي توظيف فيها بعض فئات ((الغرب)) السياسية والفكرية الأطروحات الحضارية – الثقافية – الدينية (الصراعية) لأهداف سياسية . ومع استمرار وضوح هذا التسييس على هذين المستويين يصبح السؤال التالي مشرعاً: ما جدوى الحوار إذن؟ على اعتبار أن الحوار ليس مجرد أداة من أدوات استراتيجية وتعبير عن رؤية معرفية ذات تأثيرات متعددة المستويات، وخاصة المستويات المدنية والشعبية. ويظل المحك مرة أخرى ليس هو مدى فاعلية الدوائر المدنية والشعبية ((العربية والإسلامية)) في جهودها الحوارية، ولكن المحك هو مدى استجابة الدوائر المدنية والشعبية ((في الغرب)) مع هذه الجهود، وخاصة وأن تلك الأخيرة لاتقارن بنظائرها الصراعية من جانب دوائر العداء للإسلام والمسلمين، سواء في مجال الفكر أو الإعلام أو السياسية. ولذا، وبعد اتضاح درجة التسييس في توظيف الحوار أو الصراع – الحضاري – فإنه ليس فقط مقبولاً الآن الاعتذار، بالجهل بالإسلام أو لإهانة وتحقير رموزه. وعلى القطاعات المدنية والشعبية والفكرية في ((الغرب)) أن تدرك قدر الأزمة التي استحكمت حول علاقات الشعوب العربية الإسلامية مع الغرب، على نحو يقرض عليها جهوداً متزايدة لخدمة العدالة وليس الحديث عن السلام فقط.

كما على القطاعات المدنية والشعبية في ((الشرق)) أن تدرك قدر الجهد اللازم بذله لإحياء وتجديد ثقافة المقاومة جنباً إلي جنب مع ثقافة التعارف – ولا أقول السلام ولعل الدلالات الحضارية – في اشتباكها مع دلالات سياسات القوى للعدوان الإسرائيلي على لبنان من ناحية وللمقاومة الإسلامية من ناحية أخرى تزيد الرؤية وضوحاً عن من بكره من ولماذا؟ ومَنْ يقود صراعاً حضارياً وهو يدّعى العمل من أجل الحرية وحقوق الإنسان؟ ولعل هذه الدلالات تتضح لنا من المقاومة بين خطابات حسن نصرالله وخطابات كل من  بوش وبلير وأولمرت وخطابات كل من الملك عبد الله بن سعود، وعبد الله بن الحسين، والرئيس المصري حسني مبارك، ومن المقارنة بين سلوك الحرب الإسرائلية وبين روح المقاومة الإسلامية لحزب الله، ومن المقارنة بين الزخم المدني والشعبي المؤيد للمقاومة في الدول العربية والإسلامية وبين نظيره في الغرب المدين للعدوان على المدنيين في لبنان .. إن المشهد البناني والعربي والإسلامي والعالمي منذ 12 يوليو 2006 يستدعي قراءة حضارية مركبة لابد وأن تقدم مزيداً من الدلالات حول مغزى جدالات الحوار / الصراع وإشكاليات العلاقة بين الحضاري – السياسي في المرحلة الراهنة من تطور وضع الأمة الإسلامية في النظام الدولي وهي مرحلة تسطر لها الآن المقاومة الإسلامية في لبنان سمات جديدة نأمل أن يتم استثمارها في مزيد من إحياء قدرات الأمة وثقة شعوبها بأنفسها وبإمكانيات التصدي لمؤامرة الهيمنة والسيطرة الأمريكية الصهيونية، سواء بأدوات المقاومة العسكرية (مايسميه د. المسيري: الحوار العسكري) أو بأدوات الحوار النقدي وليس حوار الاستسلام.

فإن الحوار النقدي يمكن أن يكون سنداً للحوار العسكري لأن الحوار – باعتباره نمطاً من أنماط العلاقات الحضارية – ليس غاية في حد ذاته، كما أن له سياق دولي يبرز الحاجة إليه أو يواريه فضلاً عن الشروط اللازمة لتحقيق أهدافه. ومن ثم فإن قبوله كنمط من أنماط التفاعل هو قبول مشروط لا يجب أن يعني موقفاً اعتذارياً دفاعياً في مواجهة اتهامات الغرب أو في مواجهة سياساتهم الصراعية، حفاظاً على البقاء أو دراء للأخطار، واستعواضاً عن الضعف المادي، ولكن يجب أن يكون الحوار انطلاقاً من ذاتية ثوابت الأمة، ومن قضاياها وتعبيراً عن مجرد آلية بين آليات أخرى، تستجب لمتغيرات السياسية. وكذلك شريطة أن يكون مقروناً في المرحلة الراهنة بالوعي عن الأبعاد الصراعية في دواعي الطرف الأخر، حتى ولو كانت مغلقة بخطابات الحوار، ومقروناً بالوعي بحقيقة أثر توازنات القوي على تحديد قضايا الحوار، وغاياته، ونتائجه.

وشريطة أن تتوافر له شروط الحوار السوي والفاعل وعلى رأسها الحوار البيني المسبق على المستوى الرسمي والفكري، وأخيراً شريطة ألاتنتقل ضغوط الواقع على الرسميين إلي النخب والمفكرين. فهم مطالبون بالحوار؛ لأنه من بين أساليب جهاد العصر وليس اعتذار العصر.

ولايكون الحوار أحد سبل جهاد العصر إلا من خلال تحري نموذج المقاصد الشرعية، وقيم الاستخلاف والتزكية والعمران والتعارف. هو جهاد في العصر يتحدث عن المقاومة والعدالة في مقابل لغة السلام التي يتحدث بها الداعون إلي الحوار من الدائرة الغربية. فإن السلام لايتحقق بالحوار إذا كانت العدالة مفقودة وإذا ماتت المقاومة. بعبارة أخري فإن ثقافة الحوار – لدينا- يجب أن تنطلق من مفهوم العدالة كغاية وحتى لا يكون ثمن السلام هو الاستسلام، أو الاعتذار أو الدفاع عن براءة الذات الحضارية.

الهوامش

(*)أستاذ العلاقات الدولية ومدير برنامج حوار الحضارات – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.

(1) For similar arguments see for example: Heba R.Ezzat: Co- Citizenship: Bringing religion back, Paper Presented to the International Consultations on and Muslims in dialogue and beyond, Convened by World Church Council, Geneva, October 2002 .

(2) The role of value in studying International Relations was studied at various Level, for dir-ferent purposes and from different perspectives. See for example:

– Charles R. Beitz, Recent international Thought- International Journal, Spring, 1988.

– Keen Booth, Security in anarchy: Utopian realism in theory and practice, International af-fairs 67, 1991, pp. 527- 545.

– P. Viotti, M. V. Kauppi, opcit, 1993 ( Ch 5, Normative Considerations and international rela-tions theory ), pp. 533- 545.

– Martha Finnemore, Norms, culture and world politics: insights form sociology’s institution-alism, International Organization 50, 2. Spring 1996, pp. 325- 345.

– Robert Jackson: Is there a classical international theory (in) K. Booth, S. Smith. and iiiiiii… (eds) op.cit.

Miles Kahler: Rationality in international relations.International Organizations, 52. 4, Au-tumn 1998.

–     Seymon Brown:International Relations in a changing global system: Toward a theory of the world polity, Westview press (1992).

Seif Eldin Abdel Fttah: The values as the frame of reference for studying international rela-tions in Islam, (in) Nadia M. Mostafa (ed): The project of international relations in Islam (12 volumes). The international Institute for Islamic Thought, Cairo, 1996. Volume 2 (in arabic).

 انظر أيضاً مراجعة نقدية للقيم في المنظورات الغربية كمدخل للتأصيل الإسلامي المقارن للقيم في د. سيف عبد الفتاح: مدخل القيم: إطار مرجعي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام (في) د. ناية محمود مصطفي (إشراف وتحرير): مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة، 1996، الجزء الثاني.

(3)حول مراجعة للأدبيات الغربية في موضوع العولمة، وبيان إشكاليات التعريف وتحديد مستويات المفهوم وتحليل العواقب وخاصة على اوضاع الجنوب بصفة عامة والعالم الإسلامي بصفة خاصة انظر:

د. نادية محمود مصطفي: العولمة وحقل العلاقات الدولية (في) د. سيف عبد دالفتاح، د. حسن نافعة (إشراف وتحرير) العولمة والعلوم السياسية، سلسلة محاضرات الموسم الثقافي (1) العام الجامعي 1998-1999، قسم العلوم السياسية كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، 2000.

– د. نادية محمود مصطفي: التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي (في) مشروع رابطة الجامعات الإسلامية: التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في القرن الجديد، 1999، الجزء الثالث، (الفصل الأول).

(4)On the role culture. see for example:

– Ali Mazruie: Culture Forces and World Politics. London. 1999.

– Youssef Lapid (ed), The return of culture and identity in international relations theory, Lynne Rienner publishers, 1996.

– Fred Halliday, Culture and international relations: A new reductionalism?.(in) Michi Ebata Beverly Neufeld (eds), Confronting the political in international relations, Millennium press Ltd, 2000.

– Marysia Zalewski, Cynthia Enloe. Questions about Identity on international relations (in) K. Booth. S. Smith (eds), international relations theory today, Pennsylvania State University press, 1995. Pp. 279- 305.

– Simon Murden Culture and world politics (in) S. Smith and K. Booth (eds), Globalization and world politics, 1997.

– Valerie M.Hudson (sds), Culture and Foreign Policy, Lynne Rienner Publishers, London. 1997.

– Martin W. Sampson, influences on foreign policy (in) Charles F. Hermann. Charies W. Kegley, James N. Roseneau (eds), New Directions in the s.udy of foreign policy, 1987.

– Naeem Inayatullah and David L. Blaney. International Relations and the problem of differ-ence (N.y, Routledge, 2004). =

= – R. James Ferguson, The contested role of culture in International relations.

www.international-relations.com

–     For a comprehension perspective on the debates related to the impact culture and religion on the field of International Relations theory see: Amany Ghanem: The cultural aspect in studying international relations: A study on the discourse about conflict between civilizations, a Master Thesis in political science department, faculty of economics and political science, Cairo university, 2005, (in Arabic).

On the role of religion, see for example:

–     Barry Rubin, Religion and International Affairs, The Washington Quarterly, Spring 1990.

–     Jeff Haynes, Religion in the third world politics, Lynne Rienner publishers, 1994 (Ch. 5, Links between religion and foreign policy in the third world) pp. 122- 145.

–     Georges Weigel, Religion and peace: an argument complexified (in) Brad Roberts (ed.) Order and Disorder after the cold war (1996).

–     Jeff Haynes Religion, (in) Brian White, Richard Little, Michael Smith (eds), Issues in world politics. Palgrave, England, 2001, Second edition, pp. 153- 170.

–     Paylos Hatzopoulos, Fabio  Petito (eds), Religion in international relations: The return from exile, Palgrave/ Macmilan England, 2003.

–     Peter L. Berger (ed): The desecularization of  the world: Religion and world politics, 1999.

–     John D. Carlson, Erik C. Owen: The sacred and the sovereign: Religion international politics, George Rown University press. 2003.

–      Jonathan Fox, Shmuel Sandler, Bringing religion into international relations, NY Palgrave Macmillan, 2004.

–               وحول رؤية كلية عن وضع البعد الثقافي في دراسة العلاقات الدولية انظر: أماني غانم: البعد الثقافي في دراسة العلاقات الدولية، دراسة في خطاب صراع الحضارات، رسالة ماجستير في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2005 (إشراف) أ.د. نادية محمود مصطفي (غير منشورة).

(5) وحول بروز الأبعاد الثقافية والحضارية بعد الحادي عشر من سبتمبر انظر:

د. نادية محمود مصطفى، أولى حروب القرن الواحد والعشرين، السياسية الدولية، يناير 2003

وحول أبعاد رؤية إسلامية للتحديات الثقافية والحضارية التي تواجة العالم الإسلامي في ظل العولمة وعالم مابعد الحادي عشر من سبتمبر انظر:

–         د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي: بروز الأبعاد الحضارية الثقافية (في) د. نادية محمود مصطفى، د. سيف عبد الفتاح (محرران) – الأمة في قون، العدد الخاص من حولية أمتي في العالم: مركز الحضارة للدراسات السياسية، دار الشروق الدولية (2002)، الكتاب السادس.

د. نادية محمود مصطفى تحديات العولمة والأبعاد الثقافية الحضارية والقيمية (رؤية إسلامية) (في) مجموعة باحثين: مستقبل الإسلام. دار الفكر العربي، دمشق، 2004.

د. نادية محمود مصطفى: أولي حروب القرن الواحد والعشرين ووضع الأمة الإسلامية: صعود التحديات الحضارية الثقافية وشروط استمرار حوار (في) أعمال مؤتمر، (( كيف نواصل حوار الحضارات)) يناير 2002؟ مركز العلاقات الإيرانية، دمشق، 2003.

(*)هوامش الدراسة تشير للأعمال التي شاركتُ فيها وكل منها يتضمن قائمة من المصادر التي لايمكن تسجيلها جميعاً في الدراسة ناهيك عن مصادر أخرى في هذا المجال صدرت خلال العقد مضى.

(6)انظر على سبيل المثال:د. نادية محمود مصطفى: حوار الحضارات على ضوء العلاقات الدولية الراهنة (في)، محاضرات في حوار الحضارات، أعمال المؤتمر الذي نظمه معهد العلاقات العربية الإيرانية ( كيف سندخل عام حوار الحضارات) في دمشق في 2000، ودمشق 2001.

(7)انظر تفاصيل القراءة النقدية المقارنة في أعمال مقالتين أساسيتن لهانتنجتون وهي: صدام الحضارات (1993)، الغرب وليس عالمياً (1996)، (في) د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية الخارجية للعالم الإسلامي، مرجع سابق، الفصل الثاني تحت عنوان: ((وضع العالم الإسلامي في الفكر الاستراتيجي الغربي، من إطروحات هانتنجتون إلى إطروحات التهديد الإسلامي: خرافة أم حقيقية)).

(8)السياسة، القاهرة، 2003.

انظر أيضاً: أماني غانم: البعد الثقافي في دراسة العلاقات الدولية، مرجع سابق.

د. نادية محمود مصطفى: التحديات الخارجية للعالم الإسلامي، مرجع سابق.

(9)حول مزيد من التفصيل عن هذا التأصيل لمفهوم الدعوة باعتبارها أصل العلاقات بين المسلمين وغيرهم، مقارنة بالاتجاه الذي يرى أن الحرب أو السلم هو الأصل، وكيف يمثل مدخل الدعوة إطاراً مرجعياً لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام انظر: د. سيف الدين عبد الفتاح: مرجع سابق، كذلك انظر: د. أحمد عبد الونيس: الأساس الشرعي والمبادئ الحاكمة للعلاقات الخارجية للدولة الإسلامية، (في) د. نادية محمود مصطفي (إشراف وتحرير) مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سابق، ضمن الجزء الأول وحول مزيد من التفصيل عن كيفية إعادة تقديم مفهوم الجهاد لمواجهة الشبهات حوله انظر:

Nadia M: Moustafa: How to comprehend El Gihad:

موقع إسلام أون لاين:

http://www.islamonline.net/Contemporary/2003/03/Article02.shtml

–     Nadia M: Moustafa: The missing Logic in the discourse of peace and Violence in Islam, presented toCotemporary Islamic Synthesisconference Organized by Mohamed Farsi chair of Islamic peace, American University Center for Global Peace, Library of Alexandria October 2003 (forthcoming).

(10)زكي الميلاد: تعارف الحضارات. مجلة الكلمة، بيروت، العدد 16، صيف 1997م/ 1408ه

(11)د. سيف الدين عبد الفتاح: العولمة والعالمية (في) د. منى أبو الفضل، د. نادية محمود مصطفى (محرران) التأصيل النظري للدراسات الحضارية، أعمال مشروع بحثي، برنامج حوار الحضارات، جامعة القاهرة، (تحت الطبع).

(12)مثل جمعية الدعوة العالمية الإسلامية في طرابلس التي نظمت مؤتمراً عالمياً في سبتمبر 2004، وصدرت أعماله 2005، وذلك تحت عنوان: ((لتعارفوا)).

(13)د. نادية محمود مصطفى: خطابات عربية ……، مرجع سابق.

–       د. نادية محمود مصطفى، ود. سيف الدين عبد الفتاح: مقدمة حولية أمتي في العالم (2001-2002)، العدد الخامس، مركز الحضارة للدراسات السياسية، القاهرة، 2003.

–       د. نادية محمود مصطفى (محرر) السياسية الأمريكية تجاه الإسلام والمسلمين: إشكالية العلاقة بين الأبعاد الاستراتيجية والأبعاد الثقافية، برنامج حوار الحضارات كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2003.

(14)ومن نماذجه أطروحات السيد ياسين، انظر على سبيل المثال: السيد ياسين:حوار الحضارات: تفاعل

(15) انظرعلى سبيل المثال:

حلمي الشعراوي : في رده على مبادرة أ. السيد ياسين الداعية لتوجية خطاب مصري للمثقفن الأمريكين وذلك ضمن سياق ردود الفعل على هذه المبادرة على صفحات الأهرام يوليه – أغسطس 2002.

انظر أيضاً على سبيل المثال: فخري لبيب (محرر): صراع الحضارات أم حوار الثقافات؟ منظمة الشعوب الأفريقية والآسيوية، القاهرة، 1997.

(16)انظر على سبيل المثال: أعمال المؤتمر العام الرابع عشر للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية مايو 2002 تحت عنوان: ((حقيقة الإسلام في عالم متغير)).

(17)د. نادية محمود مصطفي، ود. علا أبو زيد (محرران): من خبرات حوار الحضارات: قراءة في

(18)د. نادية محمود مصطفي، ود.علا أبو زيد: قضايا واتجاهات المناقشة(في) المرجع السابق، ص

(19)د. نادية محمود مصطفي (محرر)، مسارات وخبرات في حوار الحضارات: رؤى متنوعة في عالم متغير، برنامج حوار الحضارات، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة، 2005.

(20)تم إعداد هذه الدراسة قبل العدوان الإسرائيلي على لبنان في 12 يوليو 2006.

(21)د.نادية محمود مصطفى: الرسوم الدانماركية وتدعياتها – أزمة في مسار حوار الأديان والثقافات: قراءة في مغزى العلاقة بين الثقافي/ السياسي وشروط حوار عادل ومتكافئ،

http://www.hewaronline.net/denmark/2lrosom2ldenemarkya.htm

–       كما رصدتها من واقع متابعة صحيفتي الأهرام والحياة طوال شهري فبراير ومارس 2006.

(22)حول تحليلات ومواقف نقدية ونقضية لقانون تجريم معاداة السامية الذي إصدار الكونجرس الأمريكي في أكتوبر 2004، انظر: د. نادية محمود مصطفى (محرر): معاداة السامية بين القانون والسياسة والإيديولوجيا، أعمال الندوة التي نظمها مركز البحوث والدراسات السياسية في كلية الاقتصاد، بالتعاون مع الجمعية المصرية للقانون الدولي والجمعية العربية لمناهضة التمييز في مارس، 2005 (تحت الطبع) .

(23)انظر على سبيل المثال: أحمد أوغلو: الإسلام الحضاري، ترجمة د. إبراهيم البيومي غانم، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة 2006.

(24)د. علي الشامي: الحضارة والنظام العالمي أصول العالمية في حضارتي الإسلام والغرب، بيروت، دار الإنسانية، 1995.

(25)د. أحمد صدقي الدجاني: عمران لاطغيان: تجددنا الحضاري وتعمير العالم، القاهرة، دار المستقبل العربي،1994.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر