المقدمة:
هذه واحدة من الممارسات البحثية والمنهجية والتي تدربت عليها كباحث في أكثر من موضوع، وهي تتعلق بتفعيل وتشغيل أداة مهمة تتعلق بتحليل النصوص، خاصة تلك النصوص التي يعتبرها الباحث ضمن معايير متعددة ((نصوصاً حضارية)) جديرة بالاهتمام وجديرة بالبحث والتنقيب.
خاصة حينما تتعلق هذه ((النصوص)) بتحديات الأمة الجوهرية والحقيقة، وقضايا التي ظلت محل عقلية سجالية أفضت إلى التنافي والتناقض، أو عقلية دفاعية تبريرية، في بعض أدوارها اعتذارية، وفي بعض أحوالها افتخارية.
ومن هنا تتجه هذه الدراسة إلى مؤَلِف ومؤَلَف، إلى كاتب ونص، يجمع بينها وبين القارئ قضية محورية ((قضية المرأة)) وتحدَّ جوهري ضمن حزمة التحديات الفكرية والثقافية والواقعة، لايمكن التعامل معها بالواد المعنوي والفكري، أو بالقتل والبتر لقضايا حضارية كثيرة، كانت من جملة المؤشرات الدالة على أخطاء فادحة في مناهج التفكيرالتدبير والغيير. ﴿وإذا الموؤدة سئلت: بأي ذنب قتلت…﴾ إن التفكير التبسيطي أو المختزل أو الذي يري في قضايا عاراً وعورة وجب سترها – بل وأدها – إنما يعر ليس فقط عن خطأ في مناهج التفكير بل عن خطيئة تستحق الجزاء من جنسها، في واقع المعيشة الضنك الذي نعيشة أو الفصام النكد الذي نتنفسه ها هي النصوص الحضارية ترفض منطق ((الوأد الفكري والمعنوي والثقافي)) تطل علينا لتقدم استجابة حضارية عميقة لهذه القضايا وتلك التحديات، فإذا كانت الحضارة حضوراً، فإن النص الحضاري حضور في قضايا الأساسية والحضارية والاستراتيجية الممتدة، حضور فاعل وكاشف وفارق وناقد ومقوم وبان… هو بهذا الاعتبار مسار لفهم معمار النص وإسهامه في عمارة الحضارة والكون والإنسان والحياة.
النص موضع الاهتمام والدراسة هو للدكتور محمد عمارة حول ((التحرير الإسلامي للمرأة: الرد على شبهات الغلاة)). هو مجال مَعْلِمَنَا التجريبي لمنهجية تحليل المصوص، ومجال لإحياء قضايا، صادفها الوأد في أحيان كثيرة؛ إذ صار للوأد أشكال وتجليات.
أولاً- وصف النص وتسكينه: النص الحضاري:
في هذا المقام نقدم هذا النص عن ((التحرير الإسلامي للمرأة: الرد علىٍ شبهات الغلاة)) باعتباره نصاً حضارياً بما يعنيه ذلك من معان، فليس معنى النص الحضاري هو التعامل الترائي الذي يشكل واحداً من أهم أنماط دراسة ((النص الحضاري))، فلماذا الوصف الذي نعتبر على أساس منه أن هذا الكتاب ((النص حضاري)). إن النص الحضاري تقع أهميه من خلال ما يعالجه من قضايا تؤثر في تأصيل وصياغة الرؤية حول جملة القضايا التي تسهم في البناء الحضاري، ووضوح الرؤية التي هي القاعدة الأساسية لحزمة القضايا والتي تسهم في تحديد الرؤية الكلية ((للمفاهيم الحضارية)) الأساسية الكبري، والرؤية الواعية لمفاهيم العلاقات مثل: ((الإسلام والمرأة)) أو مفاهيم الموقف مثل: ((موقف الإسلام من المرأة)) أو ((التحرير الإسلامي للمرأة)).
ولاشك في أن هذه الرؤية الإدراكية تمثل للوعي بمشكلات العمارة الحضارية، والقدرة على تسكين هذه القضايا ضمن معمار على تسكين هذه القضايا ضمن معمار العلاقات في ما بين عناصرها وأشكالها ومناهجها.
والنص الحضاري هنا لايكون حضارياً بقدمه ولكن يكون حضارياً بفكره ومنهجه موضوعه وهدفه، ومن هنا فإنه لايهمل عناصر ذاكرة حضارية تعين في وضوح التصور ووعي العلاقة، سواء كان ذلك على مستوى ((الخيرة المفاهيمية)) أو ((النماذج التاريخية)) أو هو لايهمل الغاية في دراسة هذه القضية وموضعها من عموم البيئة الحضارية.
والنص الحضاري لايكفي في تحليله التحليل اللغوي، بل هو أبعد من ذلك بكثير لرؤية النص ضمن سياقاته الحضارية (الفكرية والعملية)، وتحريك النص ضمن واقعة الفكري والتاريخي (ذاكرة النص) وتحريك النص إلى واقعنا (قراءة التفعيل)، ضمن إمكانيات النص وما يقدمه من قيمة مضافة فاعلة، في تقويم الواقع وحالته وأشكال الممارسة فيه.
فالنص الحضاري إذ يمثل في البدء حالة دراسية، إلا أنها حضاريته في النهاية يستمد منها ذاتية يجب أن تراعى عند الشرح والتحليل. وهي الرؤية التي تدفعنا إلى الإقرار بأن النص حينما يوصف بالحضاري فإن ذلك يؤكد أن المقاربة لابد أن تكون حضارية وهي على تمايز مع المقاربة الأدبية للنص تعاملاً وتناولاً؛ فبينما تسعى الأخيرة إلى أدبية النص جوهراً، فإن الأولى تستطيع مواطن الأفكار فيه بوصفها تُحيل على الواقع الإنساني والامتداد الحضاري في إطار مخصوص. وتجعل عناصر القراءات المتداخلة والمتكاملة والمتواصلة حركة فاعلة بين القراءات.
وأنساق القراءة للنص الحضاري ضمن مقاربة حضارية تتوسل نسق القراءة المفتوحة المتضمن لإحسان القراءة والتفاعل بين القراءة العاملة والجامعة والفاعلة، وقراءة النص كعملية اتصالية هادفة إلى التوصيل والتأثير، حاملة الرسالة والهذه منها في آن. كما هي قراءة في أفق النص: بيئته وسياقه، مؤلفه ومبدعه، متلقية ومخاطبه، إسهامه التجديدي حركة وفاعلية.
شكل يصعب تحميله على الموقع
ثانياً- واجهة النص: العنوان- الاستهلال – الختام:
في إطار التعامل مع واجهة النص والتي تمثل المداخل إلى النص والتعرف عليه؛ فإن العنوان والاستهلاك الذي تشكله المقدمة، وكذلك الختام للنص الموصول بمقدمة والمحرر للهدف الكامن في العنوان، مجالات بعضها من بعض لابد أن تشكيل معاً النص في صدر وواجهة.
(1) صدر النص وتحليل العنوان: يتكون عنوان النص الذي يُشَكَّل من خلال النص من أهم مداخله الواجبة للتعامل معها بالتحليل الذي يصل بين عنوان النص ومقدمته ومتنه وواسطته وخاتمته.
التحرير |
الإسلامي |
للمرأة |
الرد على شبهات |
الغلاة |
. دواعي استخدام الكلمة تحرير في صدر العنوان. . محاولة تحرير مفهوم التحرير الوارد في العنوان وتحرير. . مناطه النافي لعملية سرقة المفاهيم أو إغتصابها أو احتلالها والتلبيس بها. . تحرير المرأة بالإسلام لا تحرير المرأة من الإسلام. . التحرير من الإصر والأغلال: أغلال الغلو الديني وأغلال الغلو اللاديني |
.الإسلام دعوة تحرير وتعمير. .الإسلامي تعبير عن الوسطية والنموذج الوسطي. . الاجتهادات المعاصرة في مجال المرأة التي تجد محاضنها في اجتهادات. . تراثية وفقية رصينة وتأويلات وتفسيرات قرآنية قلية رصينة . . الاستلهام من المرجعية الإسلامية . . التحرير الإسلامي في مواجهة التحرير العلماني. |
.القضية والإشكالية والتحدي المحدد لمجال فاعلية عملية التحرير وفلسفته. . المرأة بين مطرقة الغلو الديني وسندان الغلو العلماني. . رد محاولة حصر عملية التحرير في أنماط وأساليب وتوجهات النموذج الغربي والتعريبي العلماني. . النموذج الحافز للمرأة وتحريرها إسلامياً: غير مقطوعة من مجتمعها ولا ممنوعة عن فاعليتها. |
.المنهجية الدفاعية. .الشبهة والرد. .صناعة الصورة المضادة: صورة في مواجهة صورة. . منهاجيتان: المنهج الدفاعي والمنهج البنائي وحقائق المنظور الحضاري. . حصر الشبهات وتقديم الإجابات والاستجابات: (الميراث- الشهادة ناقصات عقل ودين الولاية، القوامة) |
. الغلو العلماني. . الغلو الغربي. الغلو التغريبي (التبيعية والتقليد للغرب وعملية التغريب). . الغلو الديني وتيار التطرف والجمود، الهادف إلى رفض عملية التجديد، والاجتهاد المعاصر. . تحويل العادة إلى شرعة ودين. . ميراث الجاهلية الذي يطل من حين لآخر. . النظرة الدونية والمهمشة لفاعليات المرأة. |
نصف الأمة والمجتمع ((المرأة)) هل تنحصر خياراتنا المستقبلية بين: صورتها ((المملوكية)) المتخلفة؟، وصورتها الأوروبية ((المتحللة))؟! أم أن صورتها الإسلامية هي شئ آخر غير هذا… وذاك؟!
تصور العلم والباحث والمفكر لرسالة ووظيفة استقصاء من المرجعية ((يحمل هذا العالم من كل خلف عدوله ينفون عنه: تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)).
(2) يتكامل هذا المدخل بتحليل العنوان، والذي بفصح عن أن الخطاب رؤية وفحوى يبين من عنوانه تلك البراعة في مقدمته، مما يمكن أن نسميه استمداداً من المجال التراثي، وطرائق معمار النصوص وهندستها ((براعة الاستهلال))
تبدو تلك البراعة التأثيرية في حكاية تصويرية تحمل عناصر تصوير حادثة مرت به في شبابه دالة في مجال اهتماهه وتاليفه الذي يتعلق بقضية المرأة وبدا الكتاب يشكل مجموعة من المفاهيم البصرية التي تترك دلاتها ضمن التصورات الذهنية ليتحدد من خلالها رأي الكاتب ورؤيته من المقدمة التي مدخله، وفحوى الحادثة: حضوره لندوة يستمع فيها إلى ما أسماه ((خطاب الزعيمة)) لواحدة من أبرز ((قيادات الحركة النسائية)) وكيف أن هذا الخطاب شكَّل مسخاً مشوهاً لتقليد الغرب ((رؤيةً وسلوكاً))، ويحاول أن يربط بين نموذج خطاب الزعيمة، والخطاب النسوي المعاصر في العالم العربي والإسلامي، ومآلات هذا الخطاب الذي يمثله النموذج الغربي للحركات النسوية، والدعوات التي تصاعدت منذ هذا الزمن من تحرير المرأة وفق النمط الغربي العلماني الاديني.
وبراعة الاستهلال التي استخدم فيها د.عمارة أسلوب ((اللقطة)) العائدة إلى مسيرة تاريخية تملك جحيتها ورسوخها في عقل القارئ بمقدار تواصلة واتصاله بحسن الختام؛ فرغم أننا نتحدث عن واجهة النص وصدوره إلا أن الأكثر رسوخاً في ذهن القارئ دائماً هو ما يتعلق باستهلاله وقدرته على حسن التقديم وفاعلية التأثير، وإلا أن دائرة الرسوخ في الايتهلال تكتمل مع رسوخ تقدمة حسن الخاتمة بما تحمله من كلمات شافية للغليل والعليل على حد سواء فيما يتعلق بالقضية موضع الاهتمام.
العبارة الأخيرة شكلت كثافة في المبنى والمعنى، وتشير إلى تعميم يتضمن المهمة والدور الرسالي للمرأة، والوظيفة والعبء المتضمن للرعاية رؤية ومنهجاً وسلوكاً، والمحرك لمسئولية المرأة وأهلية وطاقات المرأة والتي تمثل الطريق إلى مساهمات وأشكال الانحراط في العمل العام، وفاعلية المرأة في النهضة، وبيئة الحقوق والواجبات وبنيتها، والموازنة بين الأدوار الخاصة والعامة، وميزان الضوابط الشرعية وفاعليات المرأة… كل ذلك شكَّل جملة من الإجابات مما أثارته اللقطة الأستهلالية الأولي؛ فوافق الختام الاستهلال في اتساق وتناسق كان أدعى لرسوخ المقصود بالاستهلال والختام معاً في ذهنية القارئ.
ضمن هذا المقام يحسن بنا ونحن نتحدث عن حسن الختام الموصول ببراعة الاستهلال أن نقدم خريطة بمنظومة الأىفكار المتكاملة والتي تضمنها الخاتمة حتى تَوَّجَب بالعبارة الأخيرة والتي شكلت الرأي والرؤية، والمدخل والمنظور للتحرير الإسلامي للمرأة.
(3)حسن الختام
التحرير الإسلامي للمرأة (6) شكل يصعب تحميله على الموقع
ثالثاً- محاولة تسكين النص ضمن الخريطة الفكرية:
تبدو معرفة مكانة النص، في معرفة الأرض التي نقف عليها… وإذا كانت معرفة الأرض وطبيعتها وتخومها شأناً من شؤون الخريطة الجغرافية وأهدافها فغالب الظن أن الخريطة الفكرية لا تبتعد كثيراً عن ذات الأهداف، إلا أن مجالها الفكر؛ أو إن جاز التعبير: ((الأرضية الفكرية))؛ فهي محاولة لوضع رسم دقيق يحدد التخوم الفكرية والقضايا والعناصر الداخلية فيها وتنوعاتها ومستويات تناولاتها، ومساراتها وتوجهاتها.
(أ) النموذج الوسطي: محاولة للتعريف:
يحدد الكاتب ومنذ الوهلة الأولي في مقدمة كتابه ما أسماه بالنموذج الوسطي، يبدو ذلك في استعراضه للمنوذجين (الشقاء) و(البلاء) على ماأسيناهما، فيبرز النموذج الثالث أو الطريق الثالث ((على حد تعبيره)) … الذي نحسه النموذج السطي، المعبر عن روح التحرير الإسلامي للمرأة … ثم يحدد منطلقاته ومرجعيته.
ينطلق هذا النموذج الوسطي من نصوص منطق وفقه القرآن الكريم،الذي جعل الرجل بعضاً من المرأة، والمرأة بعضاً من الرجل.. وكذا فإن هذا النموذج الوسطي، الذي يمثل وسطية الإسلام في تحرير المرأة وإنصافها يتعلق بنماذج ريادات نسائية حررهن الإسلام منذ عصر النبوة وحتى العصر الذي نعيش فيه. والنموذج الوسطي ليس مجرد كلمة، بل هو ((نموذج معرفي)) يتحرك صوب القضايا ومنها ((تحرير المرأة بالإسلام)) و((.. لرد الشبهات التي يثيرها على هذا النموذج غلاة الإسلامين وغلاة العلمانيين، يصدر هذا الكتاب..)) والتيار الوسطي في عرف عمارة: هو ((تيار التجديد)) الذي يقف في مواجهة ((.. المتعبدين بوقائع التاريخ والمتغربين، دعاة (( التحديث على النمط الغربي)) .. فكان تيار التجديد وسطاً بين هذين الفريقين بما تعنيه ((الوسطية الإسلامية)) من العدل بين ظلمين، والحق بين باطلين، والاعتدال بين تطرفين … والنظرة الشاملة التي تؤلف بين العوامل المختلفة والأقطاب المتقابلة لتخريج بمزيج جديد، برئ من النظرة القاصرة وحيدة الجانب)) .. وهذه ((الوسطية الإسلامية)) التي وازنت بين ((العقل)) و((النقل)) حتى لقد ألفت بينها)) … قد وازنت كذلك بين ((الفكر)) وبين ((الواقع))… والوسطية الإسلامية، قد برهنت على براءة حضارتنا من هذا الانفصال الحاد والانقسام العنيف … ((الوسطية الإسلامية)) لدى تيار التجديد الإسلامي:- إسلام يهيمن على فكرية الأمة وواقع تتمثل فيه ((المصلحة)) التي جعلها الإسلام هدفاً تتحقق برعايته إرادة الله، إذ ما رآه المسلمون حقاً فهو حسن عند الله)).
إن ((الوسطية الإسلامية)) قد رفضت وترفض الصوفية التي ((تفنى)) الإنسان في الله … كما وترفض المادية التي تجعل الإنسان محور الكون الوحيد… وهي تقدم للإنسانية المذهب الوسط… الخلافة… والوسطية… والتوازن والاعتدال… بما تعنيه هذه النظرة من ربط الوسائل بالغايات وإحكام الروابط بين العلم والغاية منه.
وإقامة الصلات بين العمران وبين الإيمان … وتأسيس العلاقة الودية بين الإنسان وبين الطبيعة …. إلخ…إلخ.
إنها الحضارة العمرانية والتمدين بهذا المنهج المجدد وبهذه الوسطية الإسلامية بتأسيس تقدمنا المنشود على ((التمدن الإسلامي)) فيبرأ من جمود الذين يتعبدون بوقائع التاريخ … ومن تغريب الذين أرادوه تحديثاً على النمط الغربي!…))
النموذج الوسطي يَعرف بأضداده من تجليات وأشكال الغلو ((… موقف الإسلام من ((الغلاة)) … أن الإسلام هو دين اليسر، لأنه دين ((الوسطية أو التوسط)) والتي تعني: الاعتدال ورفض التطرف في سائر الأمور… ﴿يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر﴾ وهو في هذا المقام يقوم بتحرير مصطلحات، تصنيف التوجهات والتيارات ((تيار الجمود))، و((تيار التغريب)) و((تيار التجديد)).
وهناك من يؤسس لهذا التيار ولفكرة ((الوسطية)) و((الاعتدال))؛ فالإسلام وفق من تبنوا النموذج الوسطي: ((… منهجٌ وسط للأمة الوسط، وهو يمثل (الصراط المستقيم) في كل مجال من المجالات ويجسد التوازن والاعتدال في كل شئ: في العقيدة، وفي المعاملات والتشريعات كلها بعيداً عن الغلو والتفريط ..))، ويبدوا أن الشيخ القرضاوي الذي يعد بتأسيس هذه الفكرة وذلك التيار يريد تحويل الفكرة إلى مؤسسة (( … وأنا الآن أسعى إلى تكوين جمعية ثقافية، أسميتها (جمعية الأمة الوسط في الفكر والثقافة ) مهمتها: أن تورث (الفكر الوسطي) للأجيال الصاعدة عن طريق الدعوة والتثقيف والتعليم والتربية، بطريقة مؤسيسة عصرية… وأنا أرى أن الإعراض عن هذه الوسطية هو الهلاك بعينه والضباع في الدين والدنيا معاً … ((جانب التفريط والتقصير))… و((جانب الإفراط أو التطرف كما يسمونه اليوم))… والخير كل الخير في التوسط والتوازن بين الغلو والتقصير، أو بين الإفراط والتفريط، أو بين الطغيان والإخسار … وهو ضمن هذا السياق يحدد ((معالم تيار الوسطية)) و((معالم الفكر الوسطي)) و((المعالم الأساسية بمعني السمات والخصائص – لتيار الوسطية))… وجعل من تلك المعالم الأساسية ((إنصاق المرأة باعتبارها شقيقة الرجل …))… وقد يستطرد البعض لتحديد ما أسماه بمزايا الوسطية وأهمها ((الاستقامة والخيرية والأمان والقدرة والتقبل؟…(( وللوسطية مستلزمات)).. تأكد وسطية الاعتقاد، فلا نصل بين التشريع الإسلامي والعقيدة، وتعميق وسطية الإسلام والعقيدة، وتعميق وسطية الإسلام في العبادات، وتكريس وسطية الإسلام في الأخلاق وإشاعة التوازن بين الروحية والمادية وخامساً الانطلاق من منهج رباني واضح .. ((ثم يضيف حول بعض مظاهر الوسطية في التشريع…))
الوسطية شكل يصعب تحميله على الموقع
الوسطي: محاولة للتاريخ: البحث في الذاكرة الحضارية:
ضمن دراسات ملف مجلة ثقافية أسمي نفسه ((إشكالية النهوض في العالم العربي والإسلامي: وجهات نظر)) يؤكد أمزيان؟ على سؤال المرجعيات في خطاب النهوض؛ فإنه مع ((سقوط الدولة العثمانية ككيان سياسي تكون الحضارة الإسلامية قد استكملت دورتها الكبري، وبهذا السقوط تكون الحضارة الإسلامية قد غابت عن الأحداث العالمية ليبقى حضورها كثقافة مختزلة ومعزولة عن واقع الحياة، وتعيش في ذاكرة الأمة ووجدان الأفراد هذا الموقف الذي تغيب فيه الذات كمركز ينتظم كل أشكال الوعي بالوجود تتحول فيه الذات (الحضارية) إلى مجرد لواحق وهوامش تدور في فلك الآخر ويسود الشعور بالضياع … وينقلب الوعي الجماعي، وعي الأمة إلى ذاته يسترد أحداثها ويترصد محطاتها ويقرأ منعطفاتها بحثاً عن مركز الثقل للذات كان ولايزال يشكل المحور الذي بقيت خطابات النهضة بشقيها الإسلامي والعربي تدور في فلكة بغض النظر عن توجهاتها الايدلوجيةوالمذهبية ولكن ماهو مقياس الصلاح والإصلاح؟! … وكيف نجد في مجموع الأجوبة (من مورثنا الحضاري) بعض مايَصلُح جواباً عن إشكالاننا وهمومنا المعاصرة، ولكنها بالتأكد لن تكون ملجأ يؤمن كل حاجاتنا…؟!.
انطلاقاً من هذا الواقع الثقافي المحكوم بمنطق التبيعية والإلحاق، بوعي أو بغير وعي، نجد قيمنا ومفاهيمنا وتصوراتنا لقضايا المركزية في حاجة لإعادة تاسيس؛ ذلك أننا بغض النظر عن الموقع الفكري الذي ننطلق منه – أصبحنا نتفق على ضرورة تحقيق استقلاليتنا التاريخية.
إن رغبتنا الملحة في التخلص من هيمنة المرجعية الغربية ينبغي ألا تسقطنا في هيمنة المرجعية التراثية؛ فالمرجعية التراثية بالنسبة لنا جزء من تاريخ الثابتة، والمطلوب ليس استعادة تجرية السلف بل إعادة التجرية، تجرية المعاناة والتفاعل المطلق في لحظتنا التاريخية الراهنة، وهو شرط أساس لتحقيق مشروع النهوض، لايمكن تجاهلة أو القفز عليه…)).
إنه خلل أساسي وقفنا فيه على ذات المسائل ولم نقف على المناهج، أو على مسائل ليست مسائلنا واعتبرناها مسائل تخصنا، وبين هذا وذاك تاهت قضية المرجعية.
والسؤال الذي يثار الآن حول إشكالية النهضة –أو بالأحرى تساؤلات – حول كيفية انتزاع الريادة التاريخية من الغرب، تستدرج العقل العربي المسلم (الذات) إلى منطق تحصر في عينيه إمكانات الوجود في الكون في إمكانية الالتحاق بالغرب.. كما انحسرت إشكاليات النهضة في طلب زحزحت الغرب عن موقعه طمعاً في احتلال هذا الموقع، صار الغرب يمثل ثقف طموحنا !؛ فضاقت سبل الإبداع أمامنا، وصرنا نلهج بذكر مقاصد غيرنا في الكون، وسَهُل علينا اقتباس وسائل لا تخدم مقاصدنا بقدر ما تملي علينا مقاصد غريبة عنا.
إن الاستقراء والاستكشاف التاريخي لفكر وتيارات النهوض، وللحركات الإصلاحية والتغييرية ليظهران كيف شكّل الغرب جاذباً قطبياً للتفكير النهضوي في أغلب مطارحاته، في مسألة النهوض والتغيير؛ إذ تكفي مراجعة المعجم التداولي للمقولات والمفردات والمفاهيم والتراكيب الثقافية المختلفة للتأكد والتحقق من كونية هذه الخطابات، إنا خطابات مستلبة وجوديًا من حيث إنها – عمومًا وربما غالباً – ترتد في قراءتها لمسألة النهوض إلى مبدأ قياس مفارق، يتمثل في النازلة الحضارية الغربية، باعتبار حالتها أصلاً قياسياً: لقد تحكم هذا المبدأ القياسي في سائر المقترحات النهضوية بما في ذلك كثير من المقترحات التراثية والتي جعلت من الإسلام والتراث سنداً ومنطلقاً لها…
لقد شكَّل خطاب محمد عبده عقدة حضارية مهمة وانتجت مدرسة – بل مدارس فكرية – وتوجهات برزت حاولت في معظمها أن تصل نفسها «بمدرسة الإمام» وخرجت من تحت عباءته تيارات فكرية، بدت في بعض تجلياتها متناقضة ومتنافرة، وبدت تسميات تظهر إلى الوجود مثل «الاتجاه الوسطي»، «النموذج الوسطي»، «الوسطية في الإسلام»، هذا الاتجاه أفرزته ظواهر عملية (الغلو الديني) و(الفكر العلماني) أكثر مما أفرزته دواعي معرفية، وبدت الوسطية تعرُّفاً على توجه يختلف عنهما.. وهو في حقيقة الأمر يمثل رؤية من المفترض أن تكون سابقة ومؤصلة معرفياً وحضارياً قبل هذه الدواعي التي برزت على الساحة الحركية والثنائية.
وبدت قضايا تعاود الظهور ضمن ثنائيات فكرية تمثل الغلو وحالة وسطية بينهما، وانتشرت الكتابات ذات الطبيعة الدفاعية إما انتحارية أو اعتذارية، وتحركت صوب كل القضايا مجزأة ومجتزأة، وصار السجال الاقتتالي هو القاعدة، بينما ظلت مجتمعاتنا تواجه من التحديات التي ما هو أكبر بكثير من الاستجابات الفكرية حيالها.
إن ما يعرض أي مجتمع ما للخطر أثناء المنعطفات الأكثر حسماً في تاريخه لا يعود إلى ضعف الإمكانيات بقدر ما يعود إلى الفقر المدقع الذي يعانيه في أفكاره، وفي مناهج التفكير، ومناهج التسيير، ومناهج التدبير، ومناهج التغيير، والتأثير والتمكين.
إنها قضايا يدور حولها نقاش لم يغلق أبداً يستمر منذ قرن من الزمن في تحريك أفضل الطاقات؛ إنها الطاقات الفكرية… للقيام بمهمة عقيمة وغير مجدية مقطوعة الصلة بتطور الفكر ومساراته.
في كل مرة سيمتشق الفرقاء كل أسلحة الترسانات الفكرية، وسيمارس حوار الطرشان … وستخرج علينا أطراف أخرى بعد حين تستهلك نفس الحجج دون أدنى تقدم… بل إن مشاكلنا بدلاً من أن تنخفض ستزداد بقدر ماتنتجه هذه العلمية من آثار على المستوى الفكري… نحن مدعوون في المرحلة الراهنة لنمونا أن نحرك أصول ((تيار أساسي))؛ هذا التيار الأساسي يسند إلى قواعد كلية ورؤية كلية، نشهد حولها عالم أفكار أصيل يحدد عناصر ثقافة سفنية فكرية وحضارية جامعة دافعة رافعة.
إن المعارك الفكرية بين أبناء الوطن وتياراته هي التي تمكَّن لعمليات اقتلاع حضارية صرنا على أبوابها، ونحن نتناوش على قواعد أصلية واضحة، ولكن نؤولها كل حسب مزاجه دون احتكام أو إحكام منهجي، هذا التناوش وجدل بيزنظة والأعتداء على الأرض وبعضها يُبني على الأرض وبعضها يبني بالسلاح والوعي يزيف بمؤسسات التضليل الإعلامي، وقضية المرأة ليست بعيدة عن كل ذلك، وعن أمراض ومناطق خلل طالت فكرنا الإصلاحي.
رابعاً- القراءات وتحليل النص: “التحرير الإسلامي للمرأة…الرد على شبهات الغلاة”:
إن أي قراءة لا بد أن تكون قراءة هادفة بهذا يجب أن تتفاعل مع مرجعيتها، ومع واقعها، ومع الأغراض القاصدة لها. فإذا كانت القراءة العالمة تهدف إلى التعرف على النص كينونه ومكنونه، بنية وبيئة، عناصر وسياقاً؛ فإن القراءة الجامعة تقصد تحقيق مستوى من مستويات فاعلة القراءة بالجمع بين نصوص أو مفكرين، الجامع بينها وبينهم والناظم لنماذج متنوعة منها هو القضية موضع البحث أو التحليل. هاتان القراءتان (العالمة والجامعة) تعبر عن قراءات في سياق النص، أما القراءة الفاعلة من الواجب تمييزها عن القراءتين العالمة والجامعة. أنها ترتبط برؤية القارئ وإعادة إنتاج النص مجدداً وتأثيراته في الواقع بكل عناصره، ولكن وهي مرتبطة برؤية القارئ يجب ألا تنفصل عن النص الأصلي، كما أنه من الواجب ألا تحمّل النص أكثر من طاقته، أو تتعسف بقراءته باسم القراءة الفاعلة.
ضمن هذا المسار لابد من أن يشرع البحث في تقديم ثلاث من القرءات المتكاملة للنص:
القراءة العالمة، والقراءة الجامعة والمقارنة، والقراءة الفاعلة والمتفاعلة.
وينضم للقرءات الأساسية تلك قرءات تكميلية يمكن توظيفها ضمن إحدى هذه القرءات حسب النص ومعمار بقائه وإمكاناته، واحدة تتعلق بقراءة النص كرسالة اتصالية، وقراءة إجمالية تلخيصية يمكن تسميتها بالقرءاة في أفق النص.
هكذا تتكافل القراءات، وتتعدد وتتنوع، ينتظمها النص، ويعيد نظم النص بما يحقق أصول الفهم والتدبر للنص وارتباطه بالواقع المعاش، هذا شأن النصوص الحضارية والمقاربات الحضارية لها، إن تحليل هذه النصوص تستأهل عملاً منهجياً في مستواها دون تفقد إمكاناتها النقدية.
(1) القراءة العالمة للنص:
القراءة العالمة للنص تعني: التعلم من النص، وعنه، وعليه، حتى يصير القارئ عالماً به (سماته الأساسية ومفاصله الفكرية، وينيته الكلية وأهدافه القريبة والبعيدة)، كما تعني الدخول مع النص وفيه في حالة معايشة تجعل كل الأطراف ضمن حالة اتصالية وتواصلية كاملة. ضمن نظريات القراءة والتلقي.
كذلك تشتمل هذه القراءات العالمة على جملة- أو إن شئت الدقة- حزمة أو مصفوفة أو منظومة من القراءات الفرعية التي تكون في مجموعها أقصى درجات الكفاءة والكفاية في التعرف على مضمون ومكنون النص وحركة أفكاره، والإمكانات التي يحملها النص من أفكار وسياقات وقضايا ومفاهيم وعالم أفكار وحجج وغير ذلك من أمور.
تباشر هذه القراءات البحث في خرائط النص وطبوغرافيته، والبناء المفهومي، وأنساق الحجج والعبارات المرجعية، والمسكوت عنه وفيه، فضلاً عن تحليل السياقات ما أمكن، عمليات بعضها من بعض تسهم في بناء وعي القارئ بنصه موضع التحليل.
(أ) خرائط طبوغرافيا أفكار النص:
يتحرك عمارة في مجمل كتابه بين ثلاثة نماذج مهمة ناقداً الأول والثاني منها، ومقدماً النموذج الثالث في محاولة لمواجهة النموذجين بما يتضمانه من مناطق خطأ وخطر على قضية المرأة في مناهج النظر والتعامل والتناول جميعاً:
(النماذج والتوجهات) (وتحرير المرأة)(21)شكل يصعب تحميله على الموقع
(النموذج الغربي والتغريبي (نموذج الشقاء))(22) شكل يصعب تحميله على الموقع
نموذج الإحلال وتجلياته شكل يصعب تحميله على الموقع
(نموذج الغلو والجمود الديني (نموذج البلاء))(23) شكل يصعب تحميله على الموقع
}النموذج الوسطي (التحرير الإسلامي للمرأة) (نموذج الشقاء){(24) شكل يصعب تحميله على الموقع
{أهلية المرأة للمشاركة في العمل العام ضمن النموذج الوسطي للتحرير الإسلامي للمرأة } (25) شكل يصعب تحميله على الموقع
{النماذج الثلاثة : ودواعي تأسيس النموذج الوسطي في التحرير الإسلامي للمرأة } (26) شكل يصعب تحميله على الموقع
(ب)التحليل الحججي للنص خمس شبهات حول النموذج الإسلامي لتحرير المرأة نموذجاً:
يمكننا وبيسر تطبيق عناصر التحليل الحججي للنص في سياقات مباشرة وردت بالنص تشير ومن أقرب طريق إلى الطريقة الحجاجية ومنهاجية الحجاج التي توسلها النص قي إيصال فكرته المحورية، وقد بدا للقارئ هذه الطريقة من خلال استخدام مباشرة لمفاتيح مشيرة إلى ذلك من قبيل:
((الشبهة)) و((الرد)) وهي غالباً مصطلحات دائرة في علوم المناظرة، وهو أمر يبدو محورياً في جملة الطرائق التي يتوسلها د. محمد عمارة في معظم كتاباته؛ ما تعلق منها بالمرأة، وما تعلق منها بقضايا أخري.
وربما في البداية يحسن أن تشير إلى منظومة القضايا ضمن هذا البناء الحججي والتي تمثلت في خمس شبهات شاعت؛ استدعت الرد والتوضيح والبيان بما يتوافق مع أصول المنهج الحجاجي.
شكل يصعب تحميله على الموقع
ويحدد عمارة قيمة هذا النهج في إبراز النموذج الوسطي لتحرير المرأة في الإسلام وبالإسلام؛ إذ يؤكد ((أن هذه الرؤية التي قدمناها هي الوسط – أي الإسلامية الحقة… كما نحسب – فلقد اتفق أطراف الغلو على ما أثير ويثار ضدها من شبهات! … فصدقت في هذا الإتفاق الذي جمع طرفي الغلو… على الجمود والتقليد لتراث عصر تراجعنا الحضاري … وغلو الجمود التقليد العلماني للنموذج الغربي الوضعي اللاديني – صدقت في هذا الاتقات والاجتماع المقولة السياسية المعاصرة التي تقول: إن أقصى اليمين وأقصى اليسار إنما يجتمعان على الأرض المشتركة للموقف الخاطئ!…)).
ومن هنا رأينا طرفي الغلو الديني واللاديني يجتمعان على إثارة خمس شبهات… يحسبها الإسلاميون الغلاة، الذين حملوا العادات والتقاليد الراكدة على الإسلام، فجعلوها دينا… يحسبونها مانعة دينياً من اكتمال أهلية المرأة، ومن مشاركتها في العمل الاجتماعي العام … ويحسبها غلاة العلمانية عقبات إسلامية تحول دون اكتمال أهلية المرأة فتجعل منها – من ثم – نصف إنسان … ولذلك كانت دعوتهم إلى إسقاط الحل الإسلامي لتحرير المرأة، وإلى التماس هذا الحل في النموذج الغربي لهذا التحرير…))
{الرؤية الإسلامية للتحرير الإسلامي للمرأة } (31) شكل يصعب تحميله على الموقع
{شبهات في مجال المثيراث } (32) شكل يصعب تحميله على الموقع
{ شبهة في مجال شهادة المرأة }(33) شكل يصعب تحميله على الموقع
{شبهة أهلية المرأة وطبيعتها (النساء ناقصات عقل ودين)} (34) شكل يصعب تحميله على الموقع
{شبهة المرأة والولايات العامة }(35) شكل يصعب تحميله على الموقع
{الشبهة المتعلقة بمفهوم القوامة} (36) شكل يصعب تحميله على الموقع
تعليق عام علة البناء الحججي وتحليل أنساق الجج في النص:
*من الجدير بالذكر أن نسق الحجج لم يقتصر في النص على ((فصل الشبهات)) فحسب، بل امتد إلى معظم موضوعات النص، يتبين ذلك من ((هدف النص الأساسي))، و((عنوان النص)) الذي يشير بطبيعه إلى قضية تراكمت بصددها السجالات الحوارات والخطابات، على مدى امتداد زمني لانستطيع بأي حال من الأحوال إهمال تراكماته ومفرداته ومكوناته كخطاب شكَّل خلفية لمثل هذا النص وتصور إداركي لطبيعة القضية.
*محاولة استقراء النسق الحججي يمكننا من النظر إلى مجموعة من عناصر (تصنيف الحجج) (وبناء الحجج) (وطرق الإقناع).
* إن الشبهة والحجة في فصل الحجج شكَّل وفرض إطاراً منهجياً كما فرض شبكة المصادر المرجعية، ومن الملاحظ أن الشبهات الخمس عبرت في منطوقها عن أجزاء من ((آيات قرآنية)) أو كلمات مثل أحاديث نبوية: ﴿للذكر مثل حظ الأثنين﴾ في الميراث، ﴿فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان﴾ في الشهادة، ﴿والرجال قوامون على النساء﴾ في القوامة، هذه أجزاء من آيات قرآنية.
وبدا الأمر ضمن كلمات انتقلت إلى دائرة الشعارات السجالية أكثر من كونها مؤشراً على إدارة حوار منهجي.
غالباً ما تعول على آليات ((الاقتطاع والابتسار))، ((إهمال السياق))، ((إهمال أسباب الورود في الحديث)) ((استغلال عملية التأويل))، ((اقتناص الدليل)). وشكلت هذه المجالات خصباً لحالة سجالية فقدت كثير من منطقيتها، ومزيد من استقامتها العلمية وموضوعيتها.
تصنيف الحجج وإمكانات توظيفها (38)
حجج المنهج |
حجج المصدر والتوثيق |
الحجج الموضوعية |
*حجج التأويل القواعد والضوابط * الحجج المتعلقة بالمنهاجية المقارنة (المقارنة الداخلية عبر الحضارة والثقافة الواحدة، والخارجية عبر الحضارات) * حجة المقابلات والمفارقات (الغلو الديني والغلو اللاديني العلماني) * حجة الأشياء والنظائر وعلم الفروق * الحجج المتعلقة بالبحث الاجتماعي وأصول دارسة الظواهر الاجتماعية (دراسات علم النفس في الفروق) * حجة وشهد شاهد من أهلها تحكيم أئمة السلف في تابعتهم (ابن القيم، ابن تيمية) * الحجج المنطقية العقلية وعمليات القياس. |
* الحجة اللغوية (مفهوم الولاية والنصرة) * الحجج والمنقول المعتبرة (إذا كننت ناقلاً فالصحة والصدقة) * الحجج المستندة إلى المصادر المرجعية (القرآن والسنُّة) * الحجج التاريخية (ونماذج الأسوة والقدوة في خبرة المسلمين) * الحجج التي تتعلق بالشعر (ناقل للصورة وصناعتها في الثقافة) * مؤشرات مشاركة المرأة في إطار أبواب الكتب العمدة (كتب التراجم، كتب الحديث وتصنيف أبوابها) * الحجة الإحصائية (الصفوة النسائية) (دراسة علم النفس) (علم الفرائض وأنصبة أو الميراث) * حجج الإسناد لاجتهادات معاصرة ووصلها باجتهادات قديمة * حجج الاستدعاء لكتابات معينة في إيضاح رؤيته وموقفه * الحجج الفقهية والأصولية (الضبط الوسطي لقاعدة سد الذرائع) (الحجج الشرعية الواردة في كتابات العلماء والفقهاء) |
* الحجة الواقعية (واقع المرأة العربية المسلمة) * الحجة السفنية (المرأة وسفنية الأمة) * الحجة الوسطية وحجية النموذج الوسطي * الحجة المفاهيمية (مفهوم القوامة) (مفهوم الميثاق الغليظ) (الرعاية) * الحجة الإسلامية التدرجية في إزالة الأخطاء والانحرافات وخلل التفكير والتدبير والغيير * الحجة الحقوقية (ارتباط الحقوق بالواجبات) * الحجة المؤسسية (سلطان الفرد وسلطان المؤسسة) * الحجج المقاصدية (مقاصد وفلسفة التوريث) * الحجج والدفاعية (مباحث الشبهات والرد عليها في موضوعات خمس “الميراث، الشهادة، الأهلية، الولاية، القوامة”. |
ضمن هذه الملاحظات يحسن الإشارة كذلك إلى فحص وسبر محتوى الحجة، والذي كما سبقت الإشارة إليه بأن ((الحجة والشبهة والرد)) فرضت الشكل الحجاجي، وتنازع عملية التفسير والتأويل، وكان أسلوب حشد الحجج وتساند الأدلة والنظر الفقهي الشامل والتعرف على منظومة الأدلة عملية حاول د. عمارة بأقصى طاقته أن يتحرى جوانبها المنهجية.
ومن المهم كذلك أن نشير ضمن منطق الشبة والرد، فقد التزم طريقة استقصاء حجة الخصم، واستقصاء بيان الإجابة والرد، على ما أوضحنا من أشكال سابقة رصدت الشبه الخمس وطرائق التعامل والرد عليها.
وبدا شكل المناظرة والجدال والحججاج كشكل قديم موروث مهيمناً على أداء النص، وفي إطار استخدام بعض الآونة توليد الأسئلة وتوليد الحجج، واللجوء إلى حجج رئيسة وأخرى فرعية وأخرى تأسييسة تمثل قواعد ومناهج النظر والتعامل والتنازل.
وقد حاول كاتب النص مع رصد الحجج المختلفة، وتتنوع أساليب عرضها، أن يقدم حججاً ضمن عرضه على نحو وظيفي؛ فالبعض منها مؤسس، والبعض الآخر كاشف والبعض الآخر فارق، ومجموعة منها اتجهت نقدياً، أو مقوماً لحقيقة الأفكار، وبدأ يستخدم- وإن كان ذلك قليلاً- قدراً من الحجج البنائية أو التركيبة، إلا أنها غالباً ما أتخذت الطبيعة الدفاعية ورد الشبهات كما يبين ذلك من هدف النص والمؤلف.
وضمن هذه التعقيبات التي رتبناها على عملية التحليل الحججاجي للنص يحسن كذلك الربط بين هذا النسق الحججي وما يمكن تسميته بشكبة الإسنادات المرجعية، والتي ارتأت في المقام الأول أن يكون أصل الحجة من جنس الشبهة، وما أدته أصول الشبهة المرجعية في تحقيق عملية إسناد وإسنادات غاية في الأهمية ((القرآن، والسنُّة، والسيرة النبوية)) مصادر مرجعية، مناهج التفسير والتأويل، المصادر المرجعية المساندة والخادمة (اللغة، التاريخ، الشعر، النصوص الفقهية كتابات الاجتهادات المعاصرة، النماذج التاريخية…إلخ)، هذه الممارسة الشبكية مورست على تفاوت في الإسناد والاستناد، حسبما رأى مؤلف النص مما يحسن إثباته، فضلاً عما أحدثه من تناص (لنصوصه) مؤلفاته السابقة، وركَّب بينهما في محاولة بناء رؤية متكاملة للنموذج الوسطي للتحرير الإسلامي للمرأة كما أراد بيانه وتبيينه.
وارتبط بكل ذلك- في نهاية هذه الملاحظات- طرائقه ومنهجه في عملية أداء الحجة وصياغتها وتحقيق هدف الإقناع بها؛ فاستخدم (عناصر التكامل الحججي وتكامل الحجج، المناجية الدفاعية ورد الشبهات، تحديد خريطة الاهتمامات بقضية المرأة خاصة قضايا الشبهات، الحجج الأصلية والفرعية، محاولات الإقناع الرقمي واستخدام بعض المؤشرات العامة، أسلوب اللقطات والنماذج التاريخية، أسلوب الاسترجاع والاستدعاء، عمليات يطول بنا المقام لو أثبتنا بعض مايؤيدها.
(جـ) التحليل السياقي للنص:
التحليل السياقي للنص عملية تتعلق بالوسط المتعلق بالنص، والوسط هنا معنى واسع ومركب يشتمل على معنى السياق، الذي يتبعه في الاتساع والامتداد، منه ما يتعلق بالمؤلف وسياقاته النفسية والمعرفية والثقافية والحضارية، ومنها ما يتعلق بالنص: وتتابعاته ومكوناته (مقدماته وتركبياته ومنهجيه وعباراته) أي بمعني السياقات الداخلية للنص، ومنها كذلك مايتعلق ببيئة النص الخارجية، والوسط التاريخي، والحالة الحضارية التي يتحرك فيها (من زمان ومكان وبشر وأحوال)، من ظروف اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وفكرية؛ وبالجملة حضارية، ومن هنا يحسن الربط بين هذه القراءة السياقية وتحليل النص كعملية اتصالية، وربط قراءة النص كعملية اتصالية بدورها بالهدف من النص، كما أن عالم أشخاص النص المباشر وغير المباشر ليس بعيداً عن هذا التحليل السياقي، أكثر من هذا وقبل كل تلك السياقات هناك سياقات تتعلق بالأطر المرجعية؛ إذ أن إنتاج النص يتحرك ضمن أطر فكرية عامة، وجماعة متلقية تعد مستهدفة بخطابه.
ضرورات الرؤية السياقية للنص موضع التحليل تفرض اتساع مستويات هذه الرؤية تتكون من:
(1)المستوي السياقي داخل بنية النص والبناء المنهجي الكامن في النص وخلفه.
(2) المستوي السياقي المتعلق بوسط النص المحيط به، أن بيئة النص والأجواء المحيط به والتعرف عليها تأثيراً عملية مهمة.
(3) المستوي السياقي المتعلق بالسيرة الذاتية لكاتب النص، مؤلف النص لم يمت بمجرد انفصال النص عنه، انه عمد النصوص الحضارية؛ فهي ترتبط بالكتاتب وعصره منظومة أفكاره وتمتد في التأثير والإسهام مع قصدها للأمة والتي تعطي لخطاب الكاتب البقاء والاستمرارية.
(4) والمستوى السياقي للنص يتعلق بتصوره كرسالة اتصالية لا يمكن فهمها إلا في سياق عناصرها المختلفة والمتنوعة والمتفاعلة. يقع على رأسها ((المخاطب بالنص)) سواء تحدد بشكل مباشر أو لم يتحدد، وقد يشار إليه بشكل غير مباشر، أو من الممكن استنباط أنواع من المخاطبين وفق قواعد منهجية تدل على ذلك من توجهات ووجهات وموجهات الخطاب. ويرتبط بذلك الهدف من النص الذي يحدده الكاتب والذي لا يبتعد كثيراً عن معاني التحليل اليساقي.
(5) بل قد يكون من المهم الإشارة إلى عناصر سياق خامته بالمؤلف حينما يمثل حالة فكرية من مثل ((النماذج الفكرية المتحولة)).
هذه المستويات جميعاً تتكامل في تحليل السياقات المختلفة، وبالضرورة سيكون لها تأثيراتها المهمة في فهم النص وتحليله.
من المهم في التحليل السياقي لنص د. محمد عمارة أن نتعرف على نشأته الدينية، وممارسته السياسية، وتعلمه بالأزهر الشريف، وتخرجه في دار العلوم، وممارسته الكتابة حول القضايا الوطنية، وكذلك من المهم في هذا السياق أن نشير إلى ((التحولات والتطورات)) التي طرأت على نسقه الفكري من أهتمامه بالفكر القومي والتراث والفكر الاشتراكي؛ حيث رفدت كل هذه المصادر اتجاهه الوطني، وكان اطلاعه على التراث حاضراً في كل مراحله الفكرية، إلا أن مااختلف لديه هو منهج التعامل والتنازل لتلك المعلومات التراثية التي توفرت لدية وشكلت مخزوناً فكرياً، وجعل مشروعه الفكري متمثلاً في دارسة الفكر العربي والإسلامي فيما أُسمي فكر أعلام اليقظة الإسلامية الحديثة، وأعلام التجديد الإسلامي، وكذا أعلام الصحابة، وكذا أعلام التراث؛ فاهتم بأعملهم الكاملة أو المترجمة لهم في كتاب تحليلة مهمة، وتناولت كتبه التي تجاوزت المائة والخمسين ((السمات المميزة للحضارة الإسلامية، والمواجهة مع الحضارات الغازية والمعادية، وتيارات العلمنة والتغريب، وصفحات العدل الاجتماعي الإسلامي، وكذلك القعلانية الإسلامية.
وبدت تطوراته الفكرية ما بين ((الفكرة الاشتراكية)) و((الفكرة القومية)) و((الفكرة الإسلامية)) وتنوعت كتاباته في هذا المقام، كتاباته في هذا المقام، إلا أنها في غالب أمرها تعلقت بالتراث أو الفكر اليقظة، وهو ثابت مهم، وكذلك يتعلق بلاستقلال الحضاري، إلا أن خطابه تطور بشكل مهم مستخدماً مفردات الفكر الإسلامي، بينما توارث المفردات الاشتراكية أو القومية إلى حد كبير، وإن ترجمت الفكرة الاشتراكية إلى فكرة العدل الاجتماعي، وترجمت الفكرة القومية إلى الاستقلال الحضاري، وبدت مؤلفاته تهتم بالقضايا الإسلامية التي طرحت مع الصحوة الإسلامية، وتصدي لها وتصدر فيها.
ومع نهاية الثمانينيات وطيلة التسعينيات وحتى الآن بدت كتاباته تتخذ منحى واضحاً في الرؤية الإسلامية واستخدام المفردات الإسلامية دون غيرها، وبدأ يقدم نفسه ضمن تيار وسطي إسلامي في الفكر والثقافة والحضارة.
هذه الرحلة الفكرية حملت تطورات وتحولات مهمة. ومن ثم فإنه ضمن رؤيته للمرأة يجب النظر إلى مقدماته للأعمال الكاملة ((لمحمد عبده)) و((قاسم أمين)) بحسبان؛ خاصة طبعاتها الأولي، كما يجب التوقف عند كتاباته حول قاسم أمين: تحرير المرأة والتمدن الإسلامي والذي تشر في عام 1985م، أما كتابيه المتأخرين (الإسلام والمرأة في رأي الإمام محمد عبده) وكذا (كتاب التحرير الإسلامي للمرأة: الرد على الشبهات الغلاة) والذي نشر في عام 2002م، ومع تعدد الطبعات لبعضض الكتابات مثل: ((الإسلام والمستقبل)) سنرى تفاوتاً في بعض الأفكار، إلا أنه في واقع الأمر قد يصعب على البعض تنسيب أفكاره للزمن الذي صورت فيه خامته في مثل تلك النماذج الفكرية التي طالها التحول.
هذه عناصر مهمة تعود إلى سياق المؤلف والوسط الذي أحاط بجملة تأليفاته، تشير إلى واحدة من الظواهر الفكرية وآثارها المهمة على قضية التناول المنهجي، في تحليل النصوص.
يصل الأمر في هذا المقام – أي عمارة – نقصد عند التأليف أو التحليل أو الكتابة عن بعض مؤلفاته أو أفكاره، أو رصد بعض التطورات التي طالب أراءَه أو موافقه، وتبلورها في سياق علو وهيممنة المرجعية الإسلامية عما عداها من مصادر مرجعية لأفكار سبقت شكلت جزءاً من تكوينيه الفكري والثقافي والسياسي.
وفي هذا المقام تعد واحدة من الشواهد الدالة في هذا المقام احتفاء اليسار العربي، وكذا بعض القوميين والعلمانيين بكتاباته في بادئ الأمر، ثم اتهامه من بعض هؤلاء ((بالردة))، هكذا قد يسمي البعض هذه التحولات الفكرية ((بالردة)) ومن العحيب حقاً أن يُستخدم هذا اللفظ المحمّل بدلالات دينية ليطلق على هذه الظاهرة، ولكنه هذا حال الحالة السجالية التي سيطرت ولا تزال على توجهات واتجاهات الفكر العربي… ولاشك أن أحد مؤشرات ذلك التحول الفكري يرجع إلى احتفائه بقاسم أمين من قبل في مؤلفه عن ((تحرير المرأة والتمدن الإسلامي))، وغياب الإشارة إلى قاسم أمين من أي طريق في كتاب عن ((التحرير الإسلامي للمرأة))، وهو مايمكن الإشارة إليه عند الحديث عن المسكوي عنه.
وضمن هذه الرؤية للتحليل السياقي؛ فإنه لايمكن أن نغفل سياق المرجعية وما يتفرع عنها من جماعة مرجعية شكلت جماعته الجديدة بعد تحوله، وهي ماتشكل أعمدة مهمة في التيار الوسطي السابق الإشارة إليه، يشهد لذلك تأليفه لكتاب حول الشيخ الغزالي، وكذلك الشيخ القرضاوي، واختياره لنماذج سابقة يعدها هو من إرهاصات ذلك النموذج الوسطي مثل السنهوري.
وضمن هذا السياق يمكن أن يشكل اجتهاد الدكتور محمد سليم العوا ضمن تأصيلات هذا التيار الوسطي خامته حول قضية المرأة في كتاب نشرته دار الوفاء، وفي كتاب آخر ضمَّنه معظم أفكاره ((الفقه الإسلامي في طريق التجديد)) في طبعته الأولي والثانية. وضمن هذا التحليل السياقي في مستوياته المختلفة يأتي ليكمل عناصر الجماعة المرجعية وافكاره وأنساقه المعرفية في سياق التعرف على عالم أشخاص النص، وكذلك تلك المحاولة لمعالجة النص كرسالة اتصالية متعددة العناصر تتم فيما بينها دورة اتصالية وتواصلية، يترافق معها الهدف من النص موضع التحليل والذي يشكل مؤشراً مهماً ضمن تبنيه لأصول مرجعية تشير إلى النموذج الوسطي، أو الفكر الوسطي، أو التيار الوسطي.
وقيل هذا كله من المهم أن نشير إلى ظاهرة التحولات الفكرية التي شهدتها خريطة الفكر العربي مع توالي أزماته، وهو أمر جدير بالبحث والتقصى.
ظاهرة التحول الفكري وإمكانات التحليل السياقي: ضرورات الوعي المنهجي:
برزت في حياتنا الثقافية والفكرية ظاهرة تستحق الـتأمل والرصد والتحليل ولتفسير والتقويم، ألا وهي ظاهرة التحولات الفكرية بين اتجاهات التصنيف المختلفة التي استقرت عليها العرف الثقافي العربي. وهذه الظاهرة لم تلق الاهتمام الكافي على رغم أهميتها، مع أن النماذج التي تمثلها في ازدياد مستمر يلفت الانتباه ويستفز النظر العلمي.
يبد أن الخطاب حول هذه الظاهرة ظل يخلد إلى المنهج السجالي ويركن إلى الطريق القتالية والاقتتالية، في ظل فتن شهدتها المنطقة العربية (نكسة يونيو 1967)، ونكبات أخري مثل حروب الخليج الثلاث، تسويات السلام مع إسرائيل.. كل ذلك جعل كثيراً من المفكرين العرب يراجعون موقفهم وأفكارهم وطرائق وأفكارهم وطرائق تفكيرهم ومناهج نظرهم.
وهنا اختلطت ظواهر التحول في ظل حالة من (الأدلجة)، فرفاق الأمس في الفكرة أصبحوا خصوم اليوم، وصل الأمر إلى حد الاقتتال في لغة اتهامية واضحة وعالية النبرة، فهذا اتهام بالانتهازية الفكرية، أو تنويه إلى من يأكلون على كل الموائد الفكرية، وهذا المفكر يلبس لكل الموائد الفكرية، وهذا المفكر يلبس لكل زمن لبوسه ويتدثر بالأفكار ويغيرها كما يغير الثياب، وهذا اهتدى من بعد ضلال، وهذا ارتد على الفكر المستنير… وهذه توبات فكرية أنت على بعض ألسنة المفكرين وبعضهم لم يتب، وغاية الأمر فقد تحرك السجال ضمن المعايرة والاتهام، ودخلت هذه الظاهرة الفكرية إلى سوق المزيدات والحالة السجالية من أوسع الأبواب، واختلطت ظواهر التحول الأصيل في البحث عن الجامع الحضاري الذي لا يفرق، والتيار الأساسي الواجب الذي لايفرق، والتيار الأساسي الواجب أن يؤسس وبين ظواهر تحول باسم ((الواقعية))، والتي لم تكن إلا وقوعاً في براثن ذلك الواقع مهما كان مهيناً وظالماً. فاحتلط التحول الأصيل الناهض بالتحول التابع الناكص. فبين متحول إلى الكتلة الحضارية الأساسية، وبين متحول لوقوعيته. هذه الظاهرة يمكن أن تترك آثاراً منهجية فيما نحن فيه بصدد التحليل السياقي:
الأول- ضرورة متابعة تطور الأفكار وتحولها ومسيرتها وسيرورتها لدى نفس الكاتب.
الثاني- ضرورة متابعة المفردات والمفاهيم المستخدمة والتحول الحادث في دائرتها.
الثالث- ضرورة اكتشاف مناهج النظر والتعامل والتنازل والتطور الذي أصابها في المؤلفات المختلفة.
الرابع- ضرورة تنسيب الأفكار إلى ومنها، حتى لايصيب الباحث خلل في الاستنتاج أو التعميم
الخامس- ملاحظة تبدل السياقات المرجعية سواء تعلق ذلك بـ:
شبكة الإسنادات المرجعية – تحولات الجماعة المرجعية – تحولات المرجعية ذاتها.
ضمن هذا السياق يمكن اعتبار البحث في عالم أشخاص النص مؤشراً مهماً في البحث والتحليل السياقي، واتخاذها مؤشراً على عملية التحول الفكري.
ود. عمارة يمثل نموذجاً مهماً في هذا المقام ونحن بصدد تحليل واحد من آخر كتبه حول قضية المرأة.
عالم أشخاص النص والتحليل السياقي:
من المهم في سياق الأطر المناهجية لعملية تحليل النص أن نتعرض إلى عالم أشخاص النص المقصود بالتحليل، وعالم أشخاص النص وورودها بالنص بالنسبة لأي كاتب ليست عملية تحدث مصادفة، ولكنها إشارة مقصود تشير إلي أكثر من مستوى، وفي نص د. عمارة يمكننا ملاحظة هذا العالم على أكثر من ضمن هذه الخريطة يمكن ملاحظة محورية السيرة النبوية لدي د. عمارة في استقاء أصول ونماذج للتحرير الإسلامي للمرأة وهو أمر يلحظة كل من يقرأ الكتاب حتى لو كانت القراءة خاطئة، وهو أمر يجد مسوغاته في الجمع بين التنظير والتطبيق والذي تبناه عمارة في إبراز موقفه من قضية المرأة. وضمن هذه النماذج المرجعية، كانت نماذج الأسوة والقدرة في عملية التحرير، وهو أمر حدا بعمارة أن يقدم ليست ترجمة لكل نموذج وإنما ماحمله واداه وابرزه من ((أفكار))؛ فهو في هذا المقام يحول ((الأشخاص)) إلى ((أفكار)) تسند موفقه من نماذج التحرير الإسلامي للمرأة، أما في عالم الأشخاص الذي ورد في استهلاله؛ فإنما يشير إلى واحد من شيوخه ((الشيخ- الشاعر)) بما يدل فيما يريد من إشارة إلى استنارته، وكذلك أشار إلى اخراطه في العمل السياسي العام في حرب مصرر الفتاة ((كنت أشتغل بالسياسية- بالحزب الاشتراكي- مصر الفتاة…)) وهي إشارة إلى بعض من تطور مسيرته الفكرية ومرجعيته ومجالات حركته الفكرية والثقافية، وكذلك يشير إلى الأزهر … لم أكن ((أزهرياً تقليدياً كحال الكثيرين من طلاب الأزهر وشيوخه في ذلك التاريخ…)) وهو يشير إلى نماذج نسائية سلبية واحدة هي ((زعيمة)) حزب بنت النيل)).. وكانت المفاجأة ((بتهيئة)) الزعيمة، وأخرى ((الزعيمة الأدبية)) التي كتبت عن ((الصفعة)) التي صفعتها لزوجها النموذج الذي ترشحه هذه الأجهزة الغربية لجائزة نوبل..))، أما عن الشخصية التي لم ترد ضمن عالم شخصياته في موضوع المرأة مثل قاسم أمين والذي ألف عنه كتاباً سابقاً عن تحرير المرأة، فإن التساؤل عند عدم إيرادها قد تفضل فيه في الحديث عن المسكوت عنه في نص عمارة. كما يعد دراسة عالم أشخاص النص موضع التحليل كاشفاً عن سياق يعبر عن نقاط مهمة في تشكيل مساره الفكري وتطوره.
عالم أشخاص النص شكل يصعب تحميله على الموقع
النص كرسالة اتصالية: والإسهام في تحليل السياقي للنص:
في إطار اعتبار النص كرسالة اتصالية وتواصلية في آن، يمكن الإشارة إلى نموذج وضعه رومان جاكسون لأركارن هذه العملية يتعلق بالرسل والمتلقي أو المستقبل بينما يتوسطها (السياق والرسالة، وقناة الاتصال، والشفرة). وضمن هذه الرؤية يمكن تطوير هذا التصور في
النص رسالة اتصالية شكل يصعب تحميله على الموقع
الهدف من النص والرسالة الاتصالية:
النص كرسالة إتصالية يحمل عناصر السياق جمعياً:
۞ سياق المؤلف
۞ والسياق المحيط بالرسالة
۞ وسياق النص
۞ وسياق المرجعية
كما أن النص يحدد جمهور خطابه وذلك من خلال سياق كتابه وتأليفه، وتأثيرات الوسط المحيط به في تحديد جمهور خطابه (المستقبل)، كما أن الهدف يحدد سياقات جمهور الخطاب كذلك النص في كل تضميناته وباعتباره نصاً حضارياً يحمل رسالة اتصالية هادفة إلى تحقيق دائرة الاتصال والتواصل لا يمكن أن تنفصل عن سياق القراءة العالمة بكل مكوناتها وعناصرها.
ضمن هذه الرؤية الاتصالية يمكن تحديد الهدف من النص كرسالة اتصالية يحدد فيه كيفية بلوغ الهدف الذي يتعلق بالتحرير الإسلامي للمرأة:
الهدف من النص والرسالة الاتصالية وتحليل السياق (52) شكل يصعب تحميله على الموقع
ضمن هذا السياق وتحديد الهدف ضمن الشكل السابق؛ فإن هذا يترك آثاره على عملية التحليل السياقي بما تحدده من عناصر المخاطب المباشر وغير المباشر في هذا المقام لدي عمارة في النص موضع التحليل هناك أكثر من مخاطب:
1- تيار الغلو العلماني اللاديني الذي يستند للنموذج الغربي.
2- تيار الغلو الديني والجمود.
3- ضرورات تأسيس وبناء التيار الوسطي والنموذج الوسطي.
4- كما يعبر النص الحضاري عن فاعليته باستهداف مخاطب ثابت يتمثل في الأمة على مر أزمانها وفئاتها.
(د) التحليل المفاهيمي للنص (عالم أفكار النص)
في إطار التعرف على الخريطة الكلية للنص، فإن البناء المفهومي يقع في مرتبة مهمة ضمن هذه القراءة العالمة بالنص والتعرف على خريطته الكلية. المفاهيم في نص د. عمارة : عائلة ذات علائق ووشائح، أو شجرة ذات جذر وساق وفروع وثمار، وهي بهذا الاعتبار تشكل منظومة النص المفاهيمية؛ فهناك مفاهيم ذات دلالات منهجية تشير إلى عملية بناء النص، والأدوات المنهجية الني اعتمدها الكاتب أو نبّه إليها.. وهناك المفاهيم الكلية والفرعية، والمفاهيم المفتاحية، وكذلك مفاهيم الموقف والأهداف.
الجهاز المفاهيمي للنص (54) شكل يصعب تحميله على الموقع
شجرة المفاهيم:
من الجدير بالذكر أن منظومة المفاهيم الكلية والفرعية على تعدد مفرداتها لم يتوقف د. عمارة عندها أو عليها جميعاً بذات القدر من الاهتمام، وبدا له ضمن النظر لها كعائلة مفاهيم أو أسرة يتحرك صوب مفاهيم الأصل التي يرتكز عليها ومفاهيم الوصل التي تولدت عنها، المفاهيم بهذا الاعتبار يمكن تصورها باعتبار أنها شجرة.
شجرة المفاهيم (55) شكل يصعب تحميله على الموقع
(هـ) العبارات المرجعية وتحليل النص:
العبارات المرجعية هي التي تشكل مفاتح النص من خلال مقولات أساسية، تعتبر المرجع بالنسبة لكاتب النص، هي أقرب ماتكون إلي الفروض الكلية التي يستند إليها، والمسلمات التأسيسة التي يؤسس عليها النص، والنص في مجمله، في بعضه أو كله، يكون شارحاً لها أو مفصلاً، وهي تتسم بكل التأكيد سواء بتكرراها داخل في أكثر من موضع أو بالتأكيد على معانيها ومغاويها.
وهي- أي العبارات المرجعية- بمعني آخر إِطاراً المرجع لكاتب النص سواء مثلت له هذه العبارات مرجعاً فكرياً أو واقعياً أو حكمياً أو موقياً، إجمالياً أو نصنيفياً.. وهذه العبارات تقوم بجملة من الوظائف والأدوار من استكشاف موقف صاحب النص تجاه قضية بعينها، إنها وفق خرائط النص وتضاريسه، هي أعلى بقعة في النص يستطيع منها الكاتب والقارئ استكشاف الصورة العامة للنص في تضاريس الظاهرة، ومكنوناته العميقة، وإمكانات النص الفاعلة.
ومن ثم فهي لا تقف عند حدود وظيفة الاستكشاف؛ بل هي عبارة مدخل مهمة تحرك النص نحو وجهاته ومترتباته وعناصره وبنياته ومقاصده وأغراضه، ولذلك فهي عبارة مفتاحية تجعلنا ننفتح على كامل النص ومكوناته ومستوياته، وهي تحقق عناصر الاستكشاف والاستدعاء لبقية أفكار النص.
وهي بهذا الاعتبار أساسية إذا افتقدها النص فقد الشئ الكثيرمن معانيه ومغازيه، وهي تمتلك من الأوصاف فمنها مايشكل مدار النص وبؤرته، ومنها مايشكل وجهته وقيمته، ومنها التصنيفية والمقارنة والإجمالية والموقفية والحكمية والمقومة وغير ذلك كثير ويمكن التعرف على كل ذلك من هذا الشكل:
شكل يصعب تحميله على الموقع
يمكننا الإشارة إلي العبارة المرجعية التي تشكل النقطة المركزية في النص ((التحرير الإسلامي للمرأة))، وهذه العبارات تمثل جوهر الكتاب ومن ثم كان الكاتب أن يضمنها العنوان باعتبارها واجهة النص، وهي محور لفصول الكتاب وأقسامه (مقدمته: في شكل التمهيد الذي يحدد طبيعة هذا التحرير ومنطلقاته ومساراته ومقارنته بغيره، قسمه الأول: يتحرك صوب ((أهلية المرأة للمشاركة في العمل العام))، أما قسمه الثاني: فيعالج ((الشبهات التي تتعلق بالنموذج الإسلامي لتحرير المرأة)).
العبارات المرجعية (المنطلق) ((النموذج الوسطي)) هذا التركيب يصف المنهج والطريقة التي يتوسلها الكاتب في الوصول إلى مقاصده الأساسية وأهدافه الكبرى التي حددها في الكتاب النموذج الوسطي (الخصائص والسمات، وطرائق وأساليب وأداوات) بغرض الوصول إلى تأصيل ((التحرير الإسلامي للمرأة )) في الوعي والسعي.
بينما تشكل تلك العبارة المرجعية ((أننا أمام فصام نكد أفرز في حياتنا الاجتماعية – بخصوص قضية إنصاف المرأة وتحريرها – نماذج متعددة وأحياناً متنافرة في هذا الميدان))، هذه العبارة تحاول توصيف الحالة الفكرية والسجالية بالنسبة لقضية المرأة.
بينما تمثل عبارة ((ضرورة تقديم النموذج الوسطي في تحرير المرأة بالإسلام))، عبارة مرجعية تشكل الداعي لتسويغ تقديم هذا النموذج، وكذلك الرد على شبهات الغلو الديني والعلماني إنها العبارة المرجعية الداعي.
بينما تشكل عبارات مرجعية موقفية واستنتاجية في آن حرص الكاتب على إثباتها لبيان موقفه من قضايا متنوعة تتعلق بالقضية الأساس ((قضية المرأة)) من قبل ((أن علو صوت هذا النموذج التغريبي، وتزايد غلوه في التبيشير بهذه الدعوات المغالية في فجاجتها وفجورها؛ إنما يزيد من رصيد الاتجاه التقليدي الجامد المتحصن بالراكد من العادات والتقاليد…)) ومن هذا فقد رأى أن ((الغلو الديني .. والغلو اللاديني وجهان لعملة واحدة، إنها عبارة مرجعية جامعة لصنفي الغلو على تباين فيما بينهما، وهو في إطار مقارن يورد عبارة مرجعية فارقة بين مرجعتين ومسارتين ونهجين ((.. الحفاظ على فطرة التمايز بين الأنوثة والذكورة لتتم نعمة (وسنة) الزوجية ..))، هذه العبارة الفارقة تلاها عبارة جامعة تؤكد أن التمايز لا ينفى ((… التضامن في فرائض العمل الاجتماعي العام …)).
وضمن شبكة العبارات المرجعية تلك تبدو لنا تلك العبارة المرجعية الكاشفة والفارقة والموقفية والاستناجية الجامعة على تنوع صفاتها تلك لتشير إلي نتيجة أو تعميم ((.. مساواة تكامل الشقين المتمايزين لا مساواة الندين المتماثلين والمتنافرين..))، وفي ذات السياق نشهد في النص عبارة مشابهة تعبر عن عبارة مرجعية موقفية وموقومة ((.. تميز التكامل لا الأنداد والأضداد..)) وهو في ذلك السياق الجامع يشير إلى عبارة مرجعية قاعدة ((.. تنوع التكامل وتكامل التنوع..)) وهي عبارة لافتة لاختلاف التنوع المفضي للتكامل، وكأنه يشير إلى سنة قائمة قاضية قد تغيب عن تصور البعض حينما يُعد كل اختلاف هو مفضي للصراع والتناقض والتضاد. إنه يشير إلى الفهم العميق لسنة الاختلاف.
وضمن هذه العبارات المرجعية الموقفية ما يؤكده الكاتب من أن ((.. الآفاق واسعة وفسيحة لأنها من المرأة بالإسلام وليس بتجاوز الإسلام… كما يريد المتغربون من غلاة العلمانيين…)) بل إن هذه العبارات المرجعية الموقفية قد تتجاوز المواقف الفكرية والثقافية العامة إلى مواقف منهجية يرتبط فيها المنهجي بالفكري بالحضاري فتقدم عبارة مرجعية فارقة وكاشفة ومقومة وناقدة وبانية تؤصل موفقاً منهجياً (منهج النظر والتعامل والتناول) على تكامل فيما بين هذه المستويات جميعاً من مثل إشارة الكاتب إلى ضرورة ((… النفاذ إلى فقه النصوص التي تصَوَّرها البعض شبهات وعقبات على طريق تحرير المرأة وإنصافها…)).
وكذا فإنه على المستوى المنهجي ستشهد إحدى العبارات المرجعية التي تشير وبشكل واضح إلى ما يمكن تسميته بشبكة الإسنادات المرجعية حينما يتحدث عن ((… الإطار النظري .. وتطبيقات مجتمع النبوة .. ونماذج المشاركة .. والفكر الفقهي ..)) وضمن هذا الاعتبار يمكن الإشارة إلى عبارة مرجعية تشير إلى نماذج فكرية واقعة تاريخية ((… نماذج جسدت توعية بالتحرير الذي أنجزه الإسلام للمرأة منذ فجر البعثة ..)) لتعبر عن عبارة مرجعية عن إجمال سبقه استعراض تلك النماذج.
وضمن استعراض نماذج القدوة والصفوة يؤكد الكاتب في عبارة مرجعية حكمية تتضمن تعميماً وتشير إلى عبارة حجية ((.. أن التحرير الإسلامي دفع المرأة إلى مراكز الريادة والقيادة … واحدة من بين كل ثمانية من الصفوة في أقل من ربع قرن من الزمان .. (تلك) تعد … أعلى نسبة للرايادات النسائية في أي ثورة من ثورات التحرير أو نهضة من النهضات ..))، وضمن العبارات المرجعية الموقفية والتعميمية والتي شكلت بذلك الاعتبار منطلقاً لتأسيس بناء حججي ((… مشاركة المرأة في العمل العام سائر ما تطيق وما تحس..)) ((.. فيم استطعتن وأطقتن..)) و(( المشاركة فيما هي أهل له وقادرة عليه من ميادين العمل العام ..))، وضمن عبارة تقريرية جامعة للحقوق والواجبات مثلت عنصراً مهماً في صياغة ختام النص، وقد سبق الإشارة إليها ضمن دراسة واجهة النص، وهذه عبارة مرجعية مفتاحة يمكن أن يكتب فيها بحوثاُ متعددة ((.. الأمة هي الصورة الأكبر للأسرة ..))(( سفينة الأسرة …)) و(( المشاركة في العمل الاجتماعي العام .. يندرج تحت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر…)) وهي عبارة مرجعية تؤسس موقفاً وتسند الموقف في سياق حجة تأسيسية شرعية.
وهناك كذلك عبارات مرجعية تصنيفية (إجمال بعد تفصيل)(( خمس شبهات حول النموذج الإسلامي لتحرير المرأة ..)) وتضمنت وعملية الرد على الشبهات، عبارات موقفة وحجاجية يمكن الوقوف عليها ضمن التحليل الحججي الذي أفردنا له أحد مستويات التحليل الداخل في عناصر القراءة العالمة.
(و) المسكوت عنه وتحليل النص:
تتميز النصوص ذات الطابع السياسي أوو الثقافي بضرورة تضمنها للسكوت عنه إلا نادراً، وقد يعتبر المسكوت عنه في النص خفياً بحيث إن إخفاءه يجعل من يقرأ النص في حيرة عند تحليله وتفهم معانيه. غير أن البعض الذي يتحرك صوب دراسة ((المسكوت عنه)) ربما بهذه الدعوى يحاول توسيع مساحة المسكوت عنه في النص، فالسكوت عنه نسبة قول لقائل لم يقله، وهو بهذا المعنى قد يكون أحد المداخل التي تتزيا بثوب العلم ((لتحميل النص)) أكبر من طاقته في المعني والمقصود، وذلك وفق عناصر تقديرية وذوقية ووجدانية من القارئ للنص. بل قد يكون ذلك مدخلاً للتحميل الأيدلوجي للنص في إطار تلوين النصوص ضمن عملية تأويل نظن أنها قد تستخدم هذه الآلية ةتسئ استعمالها ضمن تحليلها للنصوص.
.. وربما المسكوت عنه يفترض عدة تساؤلات والإجابة عليها ضمن المعلومات المتوافرة ضمن صياغة منهجية لا تعتسف أو ترتكب أياً من المسالك التي تؤدي إلى تشويه النص لا تحليله ؟!، وأهم هذه التساؤلات ماذا ؟، متى؟، لماذا؟، كيف؟، وتنظم التساؤلات والإجابة عنها ضمن النص ومقولاته ضمن عملية استدلال منضبطة عن السكوت عنه.
عملية ضبط المسكوت عنه منهجياً ليس هذا البحث مقامها أو موضع التفصيل فيها، ومن ثم يحس إفراد دراسة مستقلة ضمن عمليات تحليل النص ((للمسكوت عنه)) أشكالاً واتساقاً وضوابط أما عن تفعيل آلية المسكوت عنه ضمن قراءة وتحليل النص موضع الدراسة؛ فإنه يحمل ثلاث ملاحظات على الأقل:
الأولىأن نهج الكتاب فَرَضَ ألا تتسع دائرة المسكوت عنه، إن غاية الكتاب الأساسية كما يرد في العنوان الفرعي للكتاب (رد شبهات الغلاة) والرد على الشبهة لاتحتمل المسكوت عنه، لأنه نهج يقوم على إزالة الشبهة ومحاولة تفنيدها واستقصاء الحجج والحجج المضادة، واستقصاء الأدلة ونظمها بما يبدد الشبهة وتأثيراتها على التفكير أو بناء الرؤية، ومن ثم لا حجة للمسكوت عنه في هذا المقام.
الثانيةتتعلق بالاستهلال للكتاب والمسكوت عنه، كما أكدنا من قبل، فإن استهلال المؤلف كان بقصة واقعية وحادثة مرت بالمؤلف، هذه القصة حملت بعض الإشارات من طرف خفي أو دلالات التضمن فيما يريد أن بوضح فيه المؤلف هدفه من الكتاب؛ فهو يتحدث عن ((زعيمة حزب بنت النيل))، ويتحدث عن ((الزعيمة الأدبية))، فإنه يتحدث عما يمكن أن تنتجه الحركة النسوية الهادفة إلى تحرير المرأة في سياق النموذج الغربي أو محاكاته.
الثالثةتتعلق بهذا الكتاب موضع التحليل الذي لم يرد فيه حتى اسم ((قاسم أمين)) على الرغم من قيام المؤلف نفسه بتأليف مبكر عن قاسم أمين وتحرير المرأة .. هذا قد يوحي إلينا بالتساؤل عن التحرير الإسلامي للمرأة عند قاسم أمين؟!، ويبدو لنا أن عمارة أراد أن تشير – ومن طرف خفي – إلى أفكار قاسم أمين التي أسهمت في تطور الحركة النسوية على النمط الغربي، يساند هذا الأمر الحكاية التي استهل بها كتابه الأخير.
(2)القراءة الجامعة والمقارنة للنص مقترحات في ظل القراءاة الإيجابية البانية:
هناك مداخل عدة للقراءة الجامعة وأشكال متنوعة للعيبر عنها؛ فمنها: القراءة المقارنة، ومنها: القراءة المتراكمة للنص والقضية المتعلقة بها (آلية الاستدعاء .. والنص المغناطيسي)، ومنها: القراءة الجامعة للمفكر ونصوصه المتعددة (النص الجامع – جامع النص – سيرة الأفكار)، خاصة حينما يكون المفكر له رؤية فكرية واحدة في ظل متنوعة الأداء والأشكال، وقد يحدث ذلك في أطر القراءة المقارنة الداخلية بين الأفكار لذات المؤلف وأخرى تحوَّل إليها، ومنها: قراءة يدفع إليها مقتضيات عملية ((التناص))، ومنها: القراءة المفتوحة للنص لا المغلقة عليه أو المقتصرة هذه القراءات الجامعة في الشكل التالي:
القراءة للجميع (80) شكل يصعب تحميله على الموقع
القراءة الجامعة كما حددناها كقراءة مكملة للقراءة العالمة لا تقف عند حدود النص موضع القراءة والتحليل، ولكنها تمتد إلى أبعد من ذلك. هذا الامتداد ضمن القراؤة الجامعة يتخذ أشكالاً وتجليات متنوعة بين جامعية المؤلف أو جامعية الفكرة أو القراءة المقارنة .. إلخ.
۞ أما عن جامعية المؤلف: فإن د.عمارة في تأليفه حول هذه القضية لا يعد النص موضع التحليل أول تعرضه لها بل سبقته محاولات تأليفية وفكرية عدة ارتبطت اثنتان منها باثنين من المفكرين، أولهما: قاسم أمين، والثاني: الإمام محمد عبده، أما المحاولة الثالة: فقد كانت ضمن كتاب ((الإسلام والمستقبل)) إلا أن النص موضع التحليل يعد آخر المحاولات وأكملها في تأصيل رؤيته (أي الكاتب) حول قضية المرأة، وسبقت إرهارصات هذه المحاولة في نقد النموذج الغربي لتحرير المرأة في دراسات مثل: صراع القيم بين الغرب وللإسلام، ومخاطر العولمة على الهوية الثقافية، وكذلك ((ممستقبلنا بين العالمية الإسلامية والعولمة الغربية)). نظم محاولات التأليف حول هذا الموضوع لدي عمارة يمكن أن يسهم من مستويات تحليل النص حول قضية المرأة:
تطورات الفكرة لدى المؤلف، تحولات الفكرة، تفعيل الفكرة، الفكرةالناظمة لمؤلفاته، محاولات ملاحظة عناصر الثبات والتغير في رؤيته. هي قضايا من الأهمية بمكان، ويعد التعرف على السياقات الزمنية للتأليفات المختلفة، عمليات كما نظن ضرورتها فإننا نؤكد على منهجيتها وتأثيراتها في بناء الرؤية خاصة حينما نعلم أن د. عمارة من النماذج الفكرية التي أصابها التطور ضمن مسيرتها الفكرية، وربما قد يرى البعض أنها ضمن نماذج فكرية متحولة، وسواء كان عمارة هذا وذاك، فإن هذه النماذج جديرة بالبحث والتحليل في إطار قضايا بعينها، وهذه ربما تكون موضع دراسة تبحث في سيرة الأفكار ومسيرتها وسيرورتها، كذلك فإنه ضمن تطور نسق تأليفات عمارة يمكن اتخاذ نص ((التحرير الإسلامي للمرأة والرد على الشبهات الغلاة)) نصاً مفتاحياً – يستدعي بمناسبة النصوص الأخري سواء للمؤلف أو لغيره – النص المغناطيس، أو النص التاج (الذي توَج رؤاه وتطورها حول المرأة).
صراع القيم بين الغرب والإسلام شكل يصعب تحميله على الموقع
وفي إطار جامعية النص والتي تشير إلى ((جامع النص)) و((النص الجامع))، فإن جامع النص: يتمثل في الفكرة المتعلقة بالمرأة وعملية تحريرها وإنصافها، أما النص الجامع فإنه يتمثل في هذه الدراسة ((التحرير الإسلامي للمرأة))، وبين جامع الفكرة والنص يمكن تفعيل آلية الاستدعاء في ذات القضية، وتصنيف الاتجاهات حول هذه القضية التي يعد ملفها من الملفات السجالية المفتوحة، فضلاً عن رؤية خريطة الاتجاهات المختلفة حول القضية موضع البحث. جامعية النص، جامعية الفكرة، استدعاء النصوص .. كلها مداخل مهمة يمكن تفعيلها بشأن القراءة الجامعية في مجال قضية المرأة.
۞ وضمن عناصر الجامعية يمكن القيام بدراسة في قراءة النماذج الفكرية ومقارنتها ضمن قراءة جامعة مقارنة، وجامعية النماذج مدخل مهم يستدعي أصول المقارنة وعمليات التقويم (نموذج الشقاء، نموذج البلاء، نموذج الشقاء).
۞ وكذلك فإنه ضمن جامعية الفكرة (قضية المرأة) وتفعيل المقارنة المناهجية بين الحضارات إنما يشير إلى إمكان إجراء دراسات معمقة حول قضية المرأة والتحدي المعولم والذي يفرض بدوره ضرورة الاستجابات البنائية ضمن رؤية كلية متكاملة وتجاوز عناصر الرؤية الدفاعية.
۞ ويبدو كذلك من الأهمية بمكان الإشارة إلى الجامعية من خلال تفعيل أداة نرى أهميتها على قيامها على أسس افتراضية، وهي بناء نماذج محاكاة تشكل عناصر امتداد الاجتهاد وتراكمها في بناء رؤية لقراءة جامعة: ابن تيمية، أبن القيم، البشري، عمارة، عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، الإمام محمد عبده، قاسم أمين، الشيخ محمود شلتوت، منى أبو الفضل هذه بعض شخصيات مهمة يمكن نسخ نموذج محاكاة بما يمثل رؤاها وافتراض حلقة نقاشية حول هذه الشخصيات، التاريخي منها والتراثي، المعاصر منها والحديث.
۞ وضمن هذا السياق فإنه في الإمكان تطوير فكرة جامعية المرجعية وصياغات الاتجاه الوسطي (النموذج الوسطيٍ) وهذا يمكن أن يمثل مفهوماً مفتاحياً دالاً على تيار متنامٍ يمكن أن يفرز عناصر قراءة جامعة تتغيا الربط، المقارنة، زوايا الاهتمام، قراءة التكامل التكافل(قراءات التكميل).
هذه بعض نماذج القراءات الجامعة والمقارنة نذكرها كمقترحات دون القيام بجهد بحثي تطبيقي، ولكن غاية أمرنا أن نشير ضمن عناصر الرؤية البنائية الإيجابية إلى أنماط تلك القراءات الجامعة التي تسهم في تأصيل رؤية حول قضية المرأة.
(3)القراءة الفاعلة وتفعيل القراءة مؤشرات لرؤية نقدية
إن أي قراءة لابد أن تكون قراءة هادفة، وهي بهذا يجب أن تتفاعل مع مرجعيتها ومع مرجعيتها ومع واقعها ومع الأغراض القاصدة لها، فإذا كانت القراءة العالمة تهدف إلى التعرف على النص كينونةً ومكنوناً، بنيةً وبيئةً، عناصر وسياقاً، فإنن القراءة الجامعة تقصد تحقيق مستوي من مستويات فاعلية القراءة بالجمع بين نصوص أو مفكرين، الجامع بينها وبينهم والناظم لنماذج متنوعة منها هو القضية موضع البحث أو التحليل.
هاتان القراءتان(العالمة والجامعة) تعبر عن قراءات في سياق النص، أما القرءاة الفاعلة فهي تتوجه بالنص إلى الواقع المعيش، أي انها تعمل بصورة أو بأخري خارج سياقات النص المباشرة، وهي نرى أن فاعلية النصوص والقراءة الفاعلة المرتبطة بها تكمن في أصالة أفكارها وقدرتها على أن ترتبط بالواقع المعاصر، وهي قراءة تستثمر مقدرات النص، وتعتبر منها، فتؤصل حقائق قراءتي الاستثمار (توظيفاً وتفعيلاً)، والاعتبار (تعلماً من الواقع وتدبر وتدبيراً فيه)، وأنه في المقابل يوجد النص الذي لايملك فاعلية داخلة، أو مدخل للقراءة يتمثل في قراءة الإهدار، إهدار النص رغم إمكانات فاعليته وتفعيله.
القراءة الفاعلة من الواجب تمييزها من وعن القراءتين العالمة والجامعة، إنها ترتبط برؤية القارئ وإعادة إنتاج مجدداً وتأثيراته في الواقع بكل عناصره، ولكن وهي مرتبطة برؤية القارئ يجب ألا تنفصل عن النص الأصلي، كما أنه من الواجب ألا تُحمّل النص أكثر من طاقته أو تتعسف باسم القراءة الفاعلة.
إن تفعيل القراءة (عالمة وجامعة ومقارنة) يعد مقدمة ومتطلباً أساسياً للقراءة الفاعلة. فالقراءة الفاعلة وإن تعلقت بالنص، إلا أنها لا تركز على النص إلا بمقدار ارتباطه بالواقع الفكري والثقافي والحضاري بالأمة ونهوضها، ومن هنا فإنها قراءة في جانب القارئ ورؤيته أكثر من كونها في قلب النص. القراءة الفاعلة تدلي بدلوها في إشكاليات مزمنة أصابت الفكر العربي ومساراته وتوجهاته، وضمن هذا السياق يمكن أن نشير إلى أكثر من ملاحظة:
الأولى– الطبيعة السجالية للفكر العربي والبنية الدفاعية، وتبدو هذه الطبيعة هي التي تجلت بعد استعمار معظم البلاد العربية وبروز سجال استمر طيلة قرن أو يزيد، بصدد حزمة من القضايا ضمن عقلية تجتر القضايا والمفردات والاتجاهات مع اختلاف فقط في القائمين بالسجال وفاعلياته، ورغم أن هذه القضايا سُميت في بعض الكتب التي تؤرخ للفكر العربى ((أسئلة النهضة)) إِلا أنها في غاية أمرها أنشبأت أسئلة حول قضايا مع مراكمة السجال حولها صارت ((مزمنة)) تطل برأسها كل حين. هذا التصور لخريطة توجهات ومسارات الفكر العربي وقضاياه يحيلنا إلى ضرورة أمرين:
(1) القراءة المنهجية للفكر العربي وقضاياه: فإن القراءة المنهجية لخطاب الفكر العربي من أهم أسباب تقديم الحلول للإشكالات التي ترتبط به، فالمنهج هنا كالعقد بين أطراف الرسالة الاتصالية، وأصول العقد تنفي كل ما يؤدى فيه من إكراه أو غش أو تدليس، وتقصى عناصر الانفعال والافتعال والإغفال والانفصال.
(2) البناء المنهجي للقضايا المزمنة، وتوظيف البنية الدفاعية ضمن بنية كلية بنائية وإيجابية تؤصل لمناهج النظر، مناهج التعامل والتناول لها، الوقوف عند المنهاجية الدفاعية والتمحور حول قضاياها الجزئية (الشبهات والرد) أمر يجب تجاوزه، ومن المهم التحديد الدقيق لمعركة الدفاع ومساحتها ووسائلها، وهو الأمر الذي لايجوز أن يستغرق جهودنا ويستنفذ طاقاتنا، فإن المواقف الدفاعية والاستمرار في مواقع الفكر الدفاعي لا تعني تقدماً ولا بصارة بالأمور، ولا شمولية في الرؤية، وإنما تعني مرواحة في المكان الواحد ولو بذل كل الجهد، وتعني فعلاً، (قد) تعني إثارة ولا تعني ثورة تغييرية للواقع غير الإسلامي … ومن ثم حسن التصرف واختيار المواقع الفاعل، وعدم استنزاف الطاقة والقدرةعلى التحكم. إن الاستمرار في حالة الدفاع يجعل الزمام في يد أعداء الإسلام والمسلمين، ويبقى التحكم بالمعركة في صالحهم زماناً ومكاناً ومضموناً؛ فيكون الاستنزاف، يكون الإنهاك، ويتحقق الاستهلاك، وقد يتقن ((العدو)) اللعبة، فيحسن إثارة المشكلات في الوقت المناسب ويتحكم بمسار المسلمين الفكري والكتابي.
ويبدو لنا أن هذه الحالة الأخيرة هي التي ساهمت في الحالة الاجترارية والتكرارية فإلى متى نفتقد زمام المبادرة في الطرح، ويستمر الفكر العربي مسارات وتوجهات في معالجة ومواجهة ما يُطرح، على الساحة، ونعجز عن الطرح؟!، وإلى أي مدى يجب أن تبلغ المعركة الدفاعية التي كثيراً ما تكون مدخلاً لصرف المفكرين والمثقفين والعلماء عن معالجة قضايانا الأصلية في العملية التي تتعلق بالبناء الحضاري، يراوح هؤلاء في المكان، وبنحصر الجهد في اجترار المعارك القديمة والدخول فيها بعد أن استنفدت جهدنا ولا تزال. وقد يكون ماقدم إليها فيه الكفاية؛ فمن المفروض أن تكون تلك القضايا انتهت في شكل طرحها السابق، ولم يبق منها إلا القيمة التاريخية. وألا تُسْتَدْرَج إلى حال اصطناع وإثارة قضايا ومشكلات، وهم لايزالون يبعثونها من مرقدها ليصرفوا الجهود، أو يشغلون بقضايا جزئية ليمرر ما يشاءون هؤلاء من أمور كبرى تتعلق بأمن البلاد وحياة العباد.
وقد يكون من هدف هؤلاء: استلام زمام المبادهة، فيقذفون الأمة بمجموعة من المشكلات والقضايا قد تحيط الكثير من مناطق الافتعال، بما يحقق حال الانشغال الذي يستوعب فاعليتها ويستهلك جهدها ويتحكم بمساراتها العقلية ونشاطاتها الثقافية، أي أنه يسيطر على ساحة الفاعلية ويتحكم بعطائها مسبقاً، حالاً واستقبالاً. بل أكثر من ذلك الاستنزاف المستمر للطاقات الفكرية، والاستهلاك الدائم للنشاطات الذهنية لمجموع الأمة، بحيث لا يترك لها من الوقت ما هو كافٍ للنظر في مشكلاتها الحقيقية والقدرة على تصنيفها، ومن ثم صرف الجهود إلى معالجتها والتفرغ لها، بحيث إنها كلما حاولت الانتصار على مشكله أو كادت، قُذف إليها بغيرها لتبدأ من جديد في مواجهة الخروق الجديدة، التي قد تكون موهومة.
في كثير من الأحيان تطرحها مراكز متخصصة لصناعة الاهتمامات على البلاد والمفكرين والمثقفين لإبقائهم جميعاً على الساحة الفكرية نفسها، يراوح فيها ولا يستطيع تجاوزها. إن إعادة النظر من حين لآخر بسلم المشكلات والقضايا وإعادة تصنيف هذه المشكلات وترتيب الأولويات حماية للجهد والطاقة في التفكير والتدبير.
الثانية – النقطة السابقة تؤدي بنا إلى مفاد هذه النقطة، كيف يمكن أن تتحرك فكراً وسعياً لبناء الرؤية الإيجابية الكلية في محاولة لتجاوز (الشبهات والردود) بما تفرضه من تناول تجزيئي، إلى تناول يتعلق بمناهج النظر التي يفرزها ((المنظور الحضاري))، و((أصول الفقه الحضاري)) ضمن بناء رؤية فاعلة وواعية، وعلينا أن نحسن بناء ومنظومة الأسئلة لنهضة الأمة، وتقديم الإجابات الحقيقية عليها. المنظور الحضاري منفتح غير تابع، نابع من رسالة إنسانية عالمية، يمثل في جوهرة ضرورة تطوير هذا المنظور للإسهام في ترشيد الفكر الإنساني ومواجهة نزعات التطرف الفكري والحركي في قضية المرأة، سواء في الشرق أو في الغرب.
إن رؤية قضايا المرأة والعمل من أجلها وفقاً لمنظور حضاري إسلامي يجب أن ينطلق من الإسلام بأحكامه وقيمه وسننه وخبرات تاريخه إِنما يقدم نموجاً معروفياً مهماً وإطاراً مرجعياً واضحاً.
هذه الرؤية تربط المستويات الأربع وفق منظومة من القيم تعرَّف وتحدد وضع المرأة ككيان إنساني واجتماعي في علاقة حميمة مع: الأمة والمجتمع والأسرة، ومع الآخر، تنفي هذه العلاقة المفهوم التجزيئي الإنسلاخى عند تشخيص مشاكل المرأة وتحذيد سبيل العلاج.
إن الحديث من منظور حضاري لدراسات المرأة إنما يعبر عن الوعي بحقيقة الذات الحضارية وقدر التحديات التي يجب عليها أن تواجهها وأن تضطلع بالجهود اللازم استنفادها من أجل الربط بين القيم المعنوية والمادية، وبين الذاكرة التاريخية والواقع، وانصافاً للمرأة من ناحية، وحماية للأسرة والمجتمع من ناحية أخرى، كوحدات فاعلة وأساسية في نهضة الأمة. من هنا استند المنظور الحضاري إلى عبارة مفتاحية ((الأم والأمة صنوان بينهما وثاق يشد الأصل إلى الفرع، وعلى منواله تنسج العمارة، التي هي الحضارة)).
الثالثة– وضمن معمار هذه الملاحظات تأتي ملاحظة تتولد عن سابقتها في ضرورة توليد آليات وأدوات ومداخل للتعامل مع قضية المرأة، يحفظ على المرأة أن تكون غير مقطوعة أو ممنوعة، لامقطوعة عن مجتمعها وأمتها، وممنوعة عنها لفاعليتها وطاقاتها، وتخرج المرأة من حشرها بين مطرقة وضعها المتدني في عالم المسلمين ضمن حالة تدين عامة، وسندان فتنتها إلى نموذج تحريري غربي ظاهرة الرحمة وباطنه العذاب، إن تمكين المرأة يتم عبر تمكين الأسرة، وتمكين المواطنة في الدولة والمجتمع (حركة الفاعلية الناهضة الدافعة والرافعة).
ضمن هذا التصور يمكن تفعيل المداخل المقاصدي في حفظ كيان المرأة وفاعليتها في الأسرة والدولة والأمة والحضارة والنفس والنسل والعقل والمال ضمن إطار يحفظ للأولويات بمقامها.
وكذلك تفعيل المدخل السفني في دراسات المرأة والأسرة وحقيقة الوعي به والتمكين له بما يتيح عمران الأسرة والدولة والأمة.
الرابعة– هذه الملاحظات الثلاث السابقة غير متانعة بإبداء بعض عناصر نقدية لدراسة عمارة على قيمتها ضمن ما حددته من هدف، ذلك أن غلب عليها الفكر الدفاعي من ناحية والبناء الذي يقوم على قاعدة منه، ومن ناحية أخرى فإن كثير من الدراسات ذات الطابع الإسلامي لا تزال تخضع للضغوط الحضارية، خاصة ضغط الواقع في ظل حالة عولمة وهو أمر حمل تعميمات لم تتول بالضبط الكافي، خاصة في تعميم الآراء والاتجاهات المختلفة، كما أن ذلك دفع إل ى استخدام عبارات ذات طبيعة اسقاطية تصل إلى حد الإيهام.
وضمن هذه القراءة الفاعلة يبدو من الضروري أن نفرد نقطة خاصة لتحليل النص ووحدة التحليل، لأهمية هذا الاعتبار، خاصة في حال تسييس أمر هو بطبيعته منهجي، فإذا به يتحول إلى حالة تبشرية من المهم الوقوف على مكامنها ودوافعها ودواعيها.
تحليل النص ووحدة التحليل:
افرزت المعاجات لقضية المرأة وحدة تحليل صاعدة – تصاعدت بل وتعملت – ضمن الدراسات والبحوث المختلفة، خاصة حينما جعلت النظرية المعرفية الغربية موضوع المرأة مدخلاً حيوياً لعملياتها التبشيرية التي تشن المزيد منها على العالم، في ظل عولمة هادفة إلى التنميط. أفرزت هذه الحالة العلمية (أفكار ونظريات ومعارف ومواثيق وبيانات ومؤتمرات، بل مناهج وأدوات تحليل، وأكثر من ذلك: حركات اجتماعية تهدف إلى التمركز حول الأنثى).
وغاية الأمر ضمن اهتمامنا هذا أن نتحدث عن مسار تحليل هذا النص ضمن قراءته الخمس بوصفه اتخذ من ((المرأة)) وحدة تحليلة إما باعتبارها جنساً، أو وحدة تحليل فكرية تشير إلى جملة التحديات الفكرية التي تفاهمت مع عمليات صناعة الصورة ضمن صناعة فكر عالمية، وصناعة إعلام هدفت ضمن ما هدفت إلى التلاعب بالعقول والتدليس عليها.
وربما هذا الواقع الذي لعب دوراً في تسييس القضية بل وأدلجتها، أسهم بدوره في تعقيد قضية المرأة ومناهج النظر والتعامل والتنازل لهذه القضية سواء كان ذلك داخل عالم المسلمين أو خارجه.
وتطرق ذلك التسييس إلى عمليات هي بطبيعتها ((منهاجية))، والمنهج كالمنطق آلة تعصم الذهن من الزلل والخلل في التفكير والتدبير.
فإذا كان ذلك دور المنهج كآلية ضابطة للباحث مُرَشَّدة في آن، فإن تدليس باسم المنهج يصير أعلى درجات التحيز الذي يضر بالبحث والباحث؛ بل بالجماعة بأسرها.
وحدة التحليل بين التقليد والتبديد والتجديد:
وحدة التحليل رغم أنها عمل منهجي بعين الباحث على تحديد موضوعه وهدفه ومنهجه ومقصده الأساسي من بحثه إلا أنها في الآية الأخيرة حينما اختلطت مجالات العلم والإعلام السياسة، وبدا هذا الاختلاط يتفاقم بحيث تراجع العلم على أن يشكل القاطرة للمجالات الأخري، وصارت مجالات مثل: الجوقة والإعلامية، وغطرسة القوة في مجال السياسة هي القاطرة التي ألحقت العلم بها، ضمن عملية اختطاف العلم والمعرفة إلى دائرة التسييس والأيدلوجيا، في زمن أعلن فيه زوراً، – بل وتضليلاً – وتعمية عن ((موت الأيدلوجيا)).
لايستطيع أن نلحظ هذه الظارهة المعرفية والتطبقية في دقة أكثر ما نلحظه في مجال ((المرأة)) واتخاذها وحدة للتحليل.
المرأة وحدة تحليل شكل يصعب تحميله على الموقع
ضمن هذه الرؤية لابد إذن من التمييز قياساً على ما أثبته التحكيم البشري جينما تحدث عن الإصلاح الضال، أو الإصلاح المخروق الذي تحدث عنه الرافعي بين وحدات التحليل الصالحة، ووحدات التحليل الضالة أو المخروقة التي تستند إلى رؤي جامدة أو وافدة. علينا أن نسهم في تشكيل التصور لوحدات تحليل تتسم بالفاعلية وتملك قابليتها للتفعيل. وحدة التحليل تشير مع إساءة استخدامها ضمن مسارات أرادت اقتلاع المرأة وتحريضها على أمتها وهويتها وأدوراها ووظيقتها، بل وأسرتها. هذا التراكم الصراعي الكامن في الخبرة الحضارية الغربية لا يزال يحتاج من علمائنا وباحثينا مزيد من التأمل والفحص والتبين.
ورغم أن تكريس وضع المرأة في أعلى مصادر المرجعية وجعلها وحدة تحليلة أصلية عميقة وراسخة بفعل الخلق والدور ولوظيفة؛ فإن القرآن الكريم قد أفراد سورة سُميت بسورة ((النساء)) وها القرآن يجعل من علاقة الزوجية إعمالاً لتلك السُّنة ((ميثاقاً غليظاً)) شأنه عقد التوحيد، وظت السور القرآنية التي تعرضت لأوضاع المرأة وأحولها تذكر بمنعى ((الغلطة)) في هذا الميثاق، ومعنى العروة الوثقى في العقد، وظل يصور أوضاعاً تسيء في التعامل مع هذا الميثاق الغليظ لجنس المرأة أو لمقام حرماتها، ومجال حقوقها وواجباتها.
وأتى النبي ﷺمؤكداً ومبيناً في بيان ختامي ((خطبة حجة الوداع))، مبلغاً عن الله مُشْهِداً له سبحانه وتعالى على بلاغه وبيانه، وليؤكد معنى العموم في البلاغ والامتداد في الإبلاغ ((فليبغ الشاهد منكم الغائب))، وبدا في كلمات عميقة وكثيفة تملك قدرات ومزية تؤصل لمعنى البلاغ والإبلاغ للشعار والمشاعر والشعائر بأنه المكان والزمان الذي يتمتع باعلى درجات الحرمة، والكلام الذي يصدر في هذا المقام يوافق معاني الميثاق الفليظ ((استوصوا بالنساء خيراً..)) و((النساء شقائق الرجال)) إن كل تلك تصورات لرسم جوهر وحدة تحليل بانية لا هادمة، عمرانية لا مدمرة، روح سارية، وأعصاب واصلة، ودم دافق يحفظ للأمة عافية الكيان وصحة البنيان ومقام الإيمان للأمان ((إذا الإيمان ضاع فلا أمان)).
وحدة التحليل (المرأة) (104) شكل يصعب تحميله على الموقع
أفق النشاط الفرائي للنص
القراءة في أفق النص قراءة إجمالية (105)
ماهي مرتكزات النص؟ العنوان الاستهلاك الختام |
الواجهة |
التحرير الإسلامي للمرأة رد شبهات الغلاة (انظر تحليل العنوان) براعة الاستهلال: القصة والمدخل حسن الختام: عبارة كثيفة تحمل الموقف من القضية التي تشكل مدار النص |
ماذا يقول النص؟ |
الخريطة |
خرائط النص وطبوغرافية – خرائط الحجاج خرائط المفاهيم…إلخ (انظر خرائط النص) |
من يقول النص؟ |
المؤلف |
د. محمد عمارة (السيرة الفكرية والنماذج الفكرية المحولة) |
كيف يقول النص؟ |
المنهاجية والأدوات |
المنهاجية الحجاجية (الشبهة والرد) – المقارنة المنهاجية (الغلو الديني – الغلو اللاديني – النموذج الوسطي) |
لمن يقول النص؟ |
المخاطب |
تيار الغلو الديني، تيار الغلو العلماني، بناء التيار الوسطي، المرأة، الأمة |
متى يقول النص؟ |
الزمان |
يعد هذا الكتاب تنويجا لرؤي عمارة السابقة حول المرأة (النموذج الفكري وعالم الأفكار والمنهاج) |
أين يقول النص؟ |
الفضاء البيئة |
الوسط المحيط بالنص(البيئة التراثية – البيئة الدينية – بيئة الفكر الغربي – بيئة السجال الفكري… ) |
لم يقول النص؟ |
الرسالة والوظيفة |
انظر: تحليل النص كرسالة إتصالية (الرسالة ومحتواها – الهدف – جهود الخطاب .. إلخ) |
من أين يستقي النص؟ |
المصادر |
(المصادر المرجعية التأسيسية: فقه القرآن – التطبيقات النبوية) – الاجتهادات الإسلامية الفقهية النراثية والمقاصد |
لماذا أقيم النص؟ |
الأسباب الداعية |
رد الشبهات – رد الغلو الديني واللاديني- – تأصيل وتاسيس الاتجاه الوسطي |
ماهي أهداف النص؟ غايات مقاصد |
المصادر |
انظر: الهدف من النص في التحليل النص كرسالة اتصالية تحرير المرأة بالإسلام لا تحررها من الإسلام |
ما الذي لم يقله النص؟ |
المسكوت عنه |
لماذا لم يضمن نصه حول المرأة أى إشارة لقاسم أمين؟ ذاكرة النص وتحريك وتفاعل أفكاره |
ماهي إمكانيات قـــــــــدرات النص؟ |
الوزن والمكانة |
علية المنهاجية الدفاعية على المنهاجية البنائية – ضرورات تأصيل الؤى الكلية من منظور حضاري تجزئة الإسلام مقدمة لنقده |
ماهي جــوانب فاعلية النص؟ |
القيمة والتأثير والتحديد |
المساهمة في الساحة – لقدرات التأثيرية والإقناعية البناء التحديدي وضرورات جَدْل وجَدَل النصوص |
ماهي إسهامات النص في بناء تراكم الأجندة البحثية؟ |
الإشكالات |
خطوة على طريق التأصيل الكلي- محاولات لسد مناطق الفراغ في الرؤية الدفاعية الأجندة الحقيقية للمرأة – تمكين المرأة غير تمكين الأسرة – المدخل السفني والمقاسي والمقاصدي |
خاتمة حول
النصوص الحضارية بين المنظور الحضاري وأصول الفقه الحضاري والمنهاجية الدفاعية: جَدْل النصوص ونسجها، وجَدَل النصوص وتفاعلها
ومن الملاحظ أنه منن أسلوب أغلب منتقدي ((الإسلام)) أو الرؤى المتوالدة عنه، أنهم يسددون سهامهم إليه جزءاً جزءاً. فيأخذون هذا الجزء أو ذاك منفرداً وحده، ضمن أسلوب المعازل الفكرية، ثم يعمدون إلى نقده وتجريحه، خصوصاً حين يحاكمونه على أساس منظور آخر يقوم على منطق غير منطق الإسلام، أو حين يتم تصور غعل ذلك الجزء ضمن كل آخر غير الكل الإسلامي، وبهذا يستطيع أصحاب المستوى الأول يسجلوا نصراً سهلاً، ويضعوا المدافع عن الإسلام في الجزء، خصوصاً حين يجر إلى منافسته كجزء قائم بذاته معزولاً عن كله الإسلامي. بل إن هذا الوضع والمنزلق النهجي يضع أصحاب الرؤية الإسلامية في موقف التبرير المتهافتة، أو مواقف الاعتذار المتخاذلة.
ومن هنا كان من الضروري – بحثياً ومنهجياً وواقعياً – البحث فيه كالجملة الواحدة، والتعامل معه كوحدة متكاملة تتماسك أجراؤها بعلاقة عضوية حية متفاعلة ((كالبنيان يشد بعضه بعضاً…)) إذ تساعد هذه النظرة الكلية التي تتناول مجموع الجوانب في آن وترى الجانب الواحد ضمن علاقته بالكل واستطرقها في التأثير والتأثر، … وامتلاك معيار في التعامل مع الإجزاء، ومن ثم امتلاك معيار في عدم السماح بالهجوم على الإسلام من خلال عزل أي جزء من أجزائه، أو من خلال إبراز أجزاء وتجاهل أجزاء أخرى … قضية المرأة واحدة من أهم النماذج في هذا المقام، ومناقشة هذه القضية جزءاً غير ممكنة إلا من ضمن الرؤية الإسلامية ككل، وما من جزء من أجزاء الإسلام يمكن مناقشته معزولاً عن الكل، وهكذا يلاحظ أن أخذ بعض الإسلام وترك البعض والتخلى عن روحه ونهحه هو الطريق إلى شن الهجمات عليه، أو إلقاء الشبهات حوله، أو الانحراف عن جادته، والأخذ به كلاً يقيم وحدة بين كل أجزائه تقوم على إعطاء كل ذي حق حقه، فلا يبالغ بحق هذا ولا يبخس بحق ذلك، وهو أمر يحتاج لفهم دقيق وعميق، إنها منظومة العدل بكل متطلباتها من وضع النسب على حقيقتها وإحداث التوزان من دون طغيان أو إخسار.
تناول الجزء من خلال الكل يتطلب استحداث وتأسيس آليات وأساليب وطرائق تبلغ المقصود وتنجز الغايات ((المنظور الحضاري)) و((أصول الفقه الحضاري)) أدوات مهمة تتجاوز منهاجية الدفاع إلى عملية التأصيل الكلية في منظومة وشبكة، تهدف ضمن ما تهدف إلى تفعيل آلية مهمة يعكف الباحث على التصور آلياتها وتوظيف فاعلياتها وهي ((جَدْل النصوص ونسجها، وجَدَل النصوص وتفاعلها، عمليات بعضها من بعض يجب تسكينها ضمن مشروع بحثي ممتد ومتكامل يتحرك صوب تأليف نص حضاري فوق النصوص يتلافى كل أوجه القصور أو معظمها في النصوص الحضارية الجزئية.
إنها قضايا يجب أن تُسكَّين ضمن جدول أعمال ينبع من أصول الدواعي والاحتياجات النابعة لا التابعة.
الهوامش
(*)أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة.