(1) موارد السنن:
لا شك أن معطيات الوحي تضمنت خلاصة السنن التي تحكم الحياة والأحياء بشكل أشبه ما يكون بالقوانين التي تحكم عالم المادة ليعتبر أولو الأبصار.
وكان الأساس في هذه المعطيات أن التماثل في الأسباب يقتضى التماثل في المسببات؛ إذ أن حقيقة الاستدلال بسنته تعالى وفعله المطرد هو اعتبار الشيء بنظيره، والتسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين، وهو الاعتبار المأمور به في القرآن، كقوله تعالى في شأن مشركي قريش: (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ)(1)، وقوله تعالى في شأن يهود المدينة: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِــينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَـارِ)(1).
وقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ)(2). وإنما تكون العبرة به بالقيــــاس والتمثيل(3).
وقد كثرت الآيات التى تقضي بالتسوية بين المتماثلين، وإلحاق النظير بنظيره، واعتبار الشيء بمثله.
ومن ذلك قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَـئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ ، كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(4).
وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)(5).
وقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًــا بِمَا كَــانُواْ يَكْسِبُونَ)(6).
وقوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(7).
وقوله تعالى: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ)(8).
وقوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا)(9).
وقوله تعالى: (أَلَمْ نُهْلِكِ الأَوَّلِينَ ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ ، كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ)(10).
وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِين)(11).
وثمت أمثلة كثيرة من هذه الآيات التى تخبر أن حكم الشيء فى حكمة الله وعدله حكم نظيره ومماثله، وضد حكم مضاده ومخالفه(1).
مظاهر موارد السنن في القرآن :
من أغزر موارد السنن في القرآن:
– القصص القرآني عن نهوض الأمم والحضارات وسقوطها.
– والأمثال القرآنية المتعلقة بكيفية معاملة الله البشر بناء على سلوكهم وتصرفاتهم.
– والآيات الوارد فيها ربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائج فيما يخص نظام الحياة الذي وضعه الله بحكمته في معاملة البشر لربهم، أو فيما بينهم.
هذا على وجه الأجمال، وإذا استطردنا في بيان هذه الموارد فإننا نقول:
أولاً: القصص القرآنى:
إن أحداث التاريخ تتكرر وتتشابه إلى حد كبير؛ لأن وراءها سننًا ثابتة تحركها وتكيفها، وهو ما عناه العرب بقولهم: ما أشبه الليلة بالبارحة. وعبر عنه الغربيون بقولهم: التاريخ يعيد نفسه. و أفصح عنه القرآن في قوله تعالى: (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)(2).
وقد أشار القرآن إلى تشابه المواقف والأقوال والأعمال، نتيجة لتشابه الأفكار والتصورات التى تصدر عنها، وفي هذا جاء قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ)(3). وقال تعالى عن مشركي قريش: (كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ، أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُون)(4) أي: أن هذا الاشتراك والتشابه في الموقف من الرسل بين الأولين والآخرين، والمسارعة إلى الاتهام بالسحر أو الجنون، لم ينشأ نتيجة تواص بين هؤلاء وأولئك، بل السبب أنهم جميعًا طغاة ظالمون، فلما تشابهوا في السبب، وهو الطغيان، تشابهوا في النتيجة، وهي الاتهام المذكور(5).
وقال تعالى عنهم أيضًا: (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَـؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ)(1)، أي: ما يعبدون شيئًا إلا مثل الذي عبده آباؤهم من الأوثان، وقد بلغك ما لحق آباءهم بسبب ذلك، فيلحقهم مثله؛ لأن التماثل في الأسباب يقتضي التماثل فى المسببات(2).
على أننا لا نعني بالتاريخ تاريخ المسلمين فحسب، بل تاريخ البشرية حيثما عرف، وتاريخ الأمم في أي أرض كانت، وفي أي عصر كانت، وعلى أي ملة هي، مسلمة أو غير مسلمة، فالعبرة لا تؤخذ من سير المؤمنين وحدهم، بل تؤخذ من المؤمن والكافر، ومن البر والفاجر؛ لأن الفريقين تجري عليهما سنن الله بالتساوي، ولا تحابي هذه السنن أحدًا، شأنها شأن السنن والقوانين الطبيعية. فقوانين الحرارة والبرودة، والغليان والانصهار، والضغط والانفجار، قوانين كونية عامة، تتعامل مع الموحدين تعاملها مع الوثنيين.
بل نحن لا نفهم القرآن كما ينبغي، ولا نعرف فضل الإسلام تمامًا، ما لم نعرف ماذا كانت عليه الجاهلية من ضلال، أشار إليه القرآن بمثل قوله تعالى: (وإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)(3)، وقوله تعالى: (وكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا)(4). وهذا سر ما ورد عن عمر tحين قال: (إنما تنقض عرى الاسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية)(5).
ولذلك فالتاريخ هو المرآة التي تتجلى فيها سنن الله تعالى في الكون عامة، وفي الاجتماع البشري خاصة، ولهذا عنى القرآن عناية بالغة بلفت الأنظار وتنبيه العقول إلى قصص الأمم السابقة، وأورد كثيرًا منها على وجه التفصيل فيما هو متعلق بالاتعاظ والعبرة.
فإذا عُرفت قصص الأنبياء ومن اتبعهم ومن كذبهم، وأن متبعيهم كان لهم النجاة والعاقبة والنصر والسعادة، ولمكذبيهم الهلاك والبوار- جعل الأمر في المستقبل مثلما كان في الماضي، فعُلم أن من صدّقهم كان سعيدًا، ومن كذّبهم كان شقيًّا. وهذه سنة الله وقانونه، ولهذا يقول سبحانه في تحقيق قانونه وسنته وأنه لا ينقضها ولا يبدلها: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلائِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ)(1)، أي: إذا لم يكونوا خيرًا منهم فكيف ينجون من العذاب مع مماثلتهم لهم؟! هذا بطريق الاعتبار والقياس، ثم قال: (أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) أي: معكم خبر من الله بأنه لا يعذبكم، فنفى الدليلين العقلي والسمعي، ثم ذكر قولهم: (نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ)(2) وإنا نغلب من يغالبنا، فقال تعالى: (سَيُهْزَمُ الجَمْعُ ويُوَلُّونَ الدُّبُرَ )(3). وهذا مما نبأ الله به رسوله eمن الغيبفي حال ضعف الإسلام واستبعاد عامة الناس ذلك، ثم كان كما أخبر(4).
إن الله تعالى لم يقص علينا في القرآن قصة أحد إلا لنعتبر بها، وإنما يكون الاعتبار إذا قسنا الثاني بالأول، وكانا مشتركين في المقتضى والحكم، فلولا أن في نفوس الناس من جنس ما كان في نفوس المكذبين للرسل- فرعون ومن قبله- لم يكن بنا حاجة إلى الاعتبار بمن لا يشبهه قط، لكن الأمر كما قال الله تعالى: (مَا يُقَالُ لَكَ إلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ)(5)، وقال تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ)(6)، ولهذا احتج من احتج بسنة الله وفعله في مكذبي الرسل كقول شعيب: (ويَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ومَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ)(7)، وقال مؤمن آل فرعون: (يَا قَوْمِ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُممِّثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ(30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وعَادٍ وثَمُودَ والَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ومَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ)(8).
ولذلك كثر بعد إيراد القصص في القرآن أن تختم بآيات تدعو إلى الاتعاظ والعبرة، ومن ذلك قوله تعالى: (تِلْكَ القُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ولَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الكَافِرِينَ (101) ومَا وجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وإن وجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)(1)، وقوله تعالى: (فَاقْصُـصِ القَصَـصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون)(2)، وقوله تعالى: (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهَا إلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ ولا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إنَّ العَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)(3)، وقوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وحَصِيدٌ (100) ومَا ظَلَمْنَاهُمْ ولَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ومَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101) وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وهِيَ ظَالِمَــــةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَــــدِيدٌ (102) إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ)(4)، وقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى ولَكِن تَصْدِيقَ الَذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(5). وغير ذلك من الآيات الدالة على الاعتبار بقصص السابقين.
إن من مقاصد القرآن في ذكر هذه القصص أن يعتبر بها المسلمون في الخير والشر، ولذلك قال ابن عباس – رضي الله عنهما: (إن كل ما ذم الله أهل الكتاب عليه فالمسلمون محذرون من مثله).
ثانيا: الأمثال القرآنية:
المقصود بالأمثال القرآنية هنا هي تلك الأمثال التي وردت في سياق قصة، أو جاءت منفردة، مع الإلحاح على الاتعاظ بها وأخذ العبرة منها. قال ابن قيم الجوزية: فإن النفس تأنس بالنظائر والأشباه الأنس التام، وتنفر من الغُربة والوحدة وعدم النظير.
ففي الأمثال من تأنيس النفس وسرعة قبولها وانقيادها لما ضُرب لها مثله من الحق أمر لا يجحده أحد ولا ينكره، وكلما ظهرت لها الأمثال ازداد المعنى ظهورًا ووضوحًا، فالأمثال شواهد المعنى المراد، ومزكية له، وهي (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ)(1)، وهي خاصة العقل ولبه وثمرته(2).
وقد وردت آيات كثيرة دالة على ضرب الأمثال للاعتبار والتذكر وقياس الشيء بنظيره.
ومن ذلك قوله تعالى: (ولَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(3)، وقوله تعالى: (وتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ومَا يَعْقِلُهَا إلاَّ العَالِمُونَ)(4)، وقوله تعالى: (وتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(5)، وقوله تعالى: (ولَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا القُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ)(6)، وقوله تعالى: (وكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ (6) ومَا يَأْتِيهِم مِّن نَّبِيٍّ إلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7) فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً ومَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ)(7) قال الزمخشري: (ومَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ) أي: سلف في القرآن في غير موضع منه ذكر قصتهم وحالهم العجيبــة التي حقها أن تســير مسير المثل(8).
ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ والضَّرَّاءُ وزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)(9).
ومن الأمثال أيضًا التى وردت في سياق قصص القرآن الكريم للعبرة والتفكر قوله تعالى: (وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) ولَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ وهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً واشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إن كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(1). وقد ذكر أكثر السلف أن المقصود بالقرية هنا مكة(2). ومن ثم فالاعتبار بالآيات هو على مستوى الأمم.
ومثلها قوله تعالى: (واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ إذْ جَاءَهَا المُرْسَلُونَ (13) إذْ أَرْسَلْنَا إلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إنَّا إلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنتُمْ إلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِن شَيْءٍ إنْ أَنتُمْ إلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) ومَا عَلَيْنَا إلاَّ البَلاغُ المُبِينُ (17) قَالُوا إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19) وجَاءَ مِنْ أَقْصَا المَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وهُم مُّهْتَدُونَ (21) ومَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَذِي فَطَرَنِي وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِـن دُونِهِ آلِهَةً إن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَـــفَاعَتُهُمْ شَيْئاً ولا يُنقِذُونِ (23) إنِّي إذاً لَّفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ (24) إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَــمُونَ (26) بِمَا غَفَـــــرَ لِي رَبِّـي وجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ (27) ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28) إن كَانَتْ إلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإذَا هُمْ خَامِدُونَ)(3 ).
وعلى مستوى الأفراد ورد قوله تعالى: (واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وجَعَلْنَا بَيْنَهُمَـا زَرْعاً (32) كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ ءاتَتْ أُكُلَهَا ولَمْ تَظْلِــم مِّنْهُ شَيْئاً وفَـجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً (33) وكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَــالاً وأَعَزُّ نَفَراً (34) ودَخَلَ جَنَّتَهُ وهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) ومَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ولَئِن رُّدِدتُّ إلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّاْ هُوَ اللَّهُ رَبِّي ولا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) ولَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ إن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً ووَلَداً (39) فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ ويُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ويَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) ولَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ ومَا كَانَ مُنتَصِراً)(1).
وكذلك جاء قوله تعالى: (واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ (175) ولَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ولَكِنَّهُ أَخْلَدَ إلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(2).
وسواء على مستوى الأمم والأفراد فإن للأمثال واستحضار النظائر شأنًا عظيمًا في اهتداء النفوس بها وتقريب الأحوال الخفية إلى النفوس الذاهلة أو المتغافلة، لما في التنظير بالقصة المخصوصة من تذكر مشاهدة الحالة بالحواس، بخلاف التذكير المجرد عن التنظير بالشيء المحسوس(3).
وبذا اتضح أهمية الأمثال في القرآن، خاصة الواردة في سياق القصص المحكي للاعتبار والذكرى، لذلك قال النبي e: (إن القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال،وحرام، ومحكم، ومتشابه، وأمثال. فاعملوا بالحلال، واجتنبوا الحرام، و اتبعوا المحكم، وآمنوا بالمتشابه، واعتبروا بالأمثال)(4).
وقد عد الشافعي العلم بالأمثال القرآنية مما يجب على المجتهد معرفته من علوم القرآن، فقال: (ثم معرفة ما ضُرب فيه من الأمثال الدوال على طاعته المبينة لاجتناب نواهيه)(5).
ويتابع العلماء الشافعي في هذا القول ويرون أن من أعظم علوم القرآن علم أمثاله، والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال وإغفال الممثَّلات، والمثل بلا ممثل كالفـرس بلا لجام، والناقة بلا زمام(1).
القرآن يحث على السير في الأرض:
من الآيات التي تلفت النظر وتنبه العقول إلى الوقوف على السنن الإلهية الخاصة بالبشر هي تلك الآيات التي تحث على السير في الأرض لمعرفة أحوال الأمم السابقة و إدراك عواقبها في القيام والسقوط، والإصلاح والإفساد، والعدل والظلم، وما هي السنن التى كانت تتقلب فيها هذه الأمم حال قوتها وضعفها، وسعادتها وشقائها. لذلك وردت عدة آيات في أكثر من سورة تدعو إلى السياحة بالأبدان أو الأذهان، بالعيان أو بالاخبار. يقول الراغب الأصفهاني: (وأما قوله: (سِيرُوا فِي الأَرْض)(2) فقد قيل: حث على السياحة في الأرض بالجسم، وقيل: حث على إجالة الفكر ومراعاة أحواله، كما روي في الخبر أنه قيل في وصف الأولياء: أبدانهم في الأرض سائرة، وقلوبهم في الملكوت جائلة)(3).
وقد ذكر الأمر بالسير في القرآن سـت مرات فيما يخص موضوع دراستنا(4)، ووردت مادة السير بصيغة الاستفهـام المتعدد الأغراض ســبع مرات(5)، وكلها حثٌّ على الاعتبار بعواقب الأمم السابقة التي حادت عن الطريق، وأخذت في الانحراف والتكذيب، وسيقت هذه الآيات للحذر مما وقع فيه أهلها، حتى لا تدور علينا رحى السنن الإلهية التي طافت بهم. وبالمقابل ففى معرفة سنن الله من السير في الأرض ما يطمئن القلوب المؤمنة أن العاقبة لها.
وعلى أثر معرفة هذه السنن في الفريقين يتجاوب الناس مع نداء الحق فيدركون النتيجة.
والآية الأم العامة في هذا السياق هي قوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وهُدًى ومَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِين)(1) فالآية الأولى هي الآية الوحيدة في القرآن التي قرنت بين الإشارة إلى سنن الله في الأمم وبين الأمر بالسير فى الأرض للوقوف على هذه السنن أو بعضها، ومن ثم الاعتبار بها.
فقوله:(قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ)، أى: مضت قوانين إلهية مما سنه الله من السنن التي تجري على خلقه وبإرادته وقدرته، ومنها ما هو خاص بالأنبياء والمرسلين، ومنها ما هو خاص بالمؤمنين، وما هو عام في شئون الأمم وتقلباتهم نحو الوحدة والتفكك، والتحضر والتخلف، والسعادة والشقاء. وهذه حقائق واردة في الكتاب لا يعرفها إلا عالم به، ومن اكتشفها استطاع أن يعرف الحاضر ويتحسس المستقبل، وأن من سننه تعالى أن جعل العاقبة للمتقين وجعل النهاية تدور على المكذبين الظالمين، ولهذا قال تعالى: (فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ) أى: نهايتهم وهي العذاب والهلاك، والفوز والتمكين للمتقين.
وفي قوله تعالى: (هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ) أى: هذا القرآن فيه توضيح وتوجيه في كل ما تحتاجه الإنسانية(2).
وقال الزمخشرى في تفسير الآيتين: (إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه- أى الكفار- من التكذيب، يعني حثهم على النظر في سوء عواقب المكذبين قبلهم، والاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم (وهُدًى ومَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) يعنى أنه مع كونه بيانًا وتنبيهًا للمكذبين، فهو زيادة تثبيت وموعظة للذين اتقوا من المؤمنين)(3).
المعاني التي تحملها بعض آيات الحث على السير في الأرض :
لقد نبهت الآية السابقة إلى أصل عظيم من أصول العلم الذي يستفاد من السياحة واختبار أحوال الأمم، وهو العلم بسنن الله في شئون البشر العامة المعبر عنه في هذا العصــر بعلم الاجتماع(4).
ونبهت آية العنكبوت: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ)(1) إلى أصل آخر، وهو البحث فيما يتعلق ببدء الخلق من الآثار ليكون من فوائده قياس النشأة الآخرة على النشأة الأولى، فالسير يدني إلى الرائي مشاهدات جمة من مختلف الأرضين بجبالها وأنهارها وسائر محتوياتها، ويمر به على منازل الأمم؛ حاضرها وبائدها، فيرى كثيرًا من الأشياء والأحوال التي لم يعتد رؤية أمثالها، فإذا شاهد ذلك جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جولانًا لم يكن يخطر له ببال حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات في ديار قومه، لأنه لما نشأ فيها من زمن الطفولة فما بعده- قبل حدوث التفكير في عقله- اعتاد أن يمر ببصره فيها دون استنتاج من دلائلها، حتى إذا شاهد أمثالها مما كان غائبًا عن بصره جالت في نفسه فكرة الاستدلال(2).
وقوله تعالى: (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(3)، وقوله تعالى: (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ ولا فِي الأَرْضِ إنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيرا)(4)، وكذلك قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وأَشَدَّ قُوَّةً وآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(5).
في هذه الآيات حديت عن مصارع الغابرين من الأمم التى بعضها ما تزال لها آثار باقية تحكى قصتها وإنجازاتها الحضارية في النقوش والمتاحف، وبعضها الآخر حوته الكتب والروايات. وفى القرآن الكريم دعوات توجه العقول إلى التأمل والسير فى الأرض للكشف عن دلائل الوجود ومعرفة حقائق التاريخ وسنن الله في الخلق والقرآن، وتخاطب النفس البشرية في أنقى حالاتها وأطهر طبيعتها وفطرتها، وتذكر كيف كانت عواقب الظالمين الذين اغتروا بالقوة المادية والعددية (كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وأَشَدَّ قُوَّةً وآثَاراً فِي الأَرْضِ) وهنا جاءت الآيات تصوب رأي الذين يرون الكثرة والقوة المادية من أسباب التحضر وعوامل الصمود والثبات أمام عاديات الزمن والدهر.
فهؤلاء المخبر عنهم قد أصبحوا قصصًا تُحكى وأخبارًا تُروى رغم قوتهم المادية (فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) وأثبتت التجارب التاريخية أن هذه العوامل عادة هي عوامل غرور وزهو بباطل إن لم تكن أسباب شقاء وتعاسة لكثير من الأمم(1).
وفي تكرار قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْض) حث على الدعوة إلى الاعتبار بالسير في الأرض، والبحث في علل هلاك الأقوام الظالمة الكثيرة. وفي هذه الدعوة ما يشبه التحذير والإنذار لكل المكذبين أن يكون مصيرهم مصير هؤلاء السابقين.
وللرباط الوثيق بين السير في الأرض وأثر ذلك في الوقوف على سنن الله في الأمم، جاءت آيات الحث على السير في الأرض مقترنة بالآيات التي بها بيان سنة الله فى الأولين، خاصة في آية سورة فاطر التي عرضنا لها، حيث يقول تعالى قبلها: (وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ ومَكْرَ السَّيِّئِ ولا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)(2). أما آية سورة غافر التى أوردناها في الحث على السير في الأرض فيقول الله بعدها: (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُم مِّنَ العِلْمِ وحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وحْـدَهُ وكَفَرْنَــا بِمَــا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُونَ)(3). وما آية آل عمران التي ذكرناها – وقرنت بين الأمرين- منا ببعيد.
ومن هنا تتضح أهمية السير في الأرض للوقوف على سنن الله في الأمم في الماضي والحاضر، ولكن ليس المهم لمن يسير في الأرض وينظر في آثار الأمم أن يراها بعين رأسه، ويسمع أخبارها بأذنه، إنما المهم هنا هو عين القلب وأذنه، كما قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُور)(1).
ثالثا: الآيات المشتملة على ربط الأسباب بالمسببات:
من مظاهر موارد السنن في القرآن تلك الآيات الوارد فيها ربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائج فيما يتعلق بالجزاء الإلهي المترتب على فعل البشر، إذ مجال السنن الإلهية الحقيقي قائم على قدم وساق بقانون السببية الذي مؤداه أن الأخذ بالسبب(2) يؤدي إلى الوصول للنتيجة إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع بإذن الله تعالى.
ومن هذه الآيات قوله تعالى: (ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(3) في سنة الرزق، وقوله تعالى: (ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(4) في سنة التيسير. وقوله تعالى: (إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)(5) في سنة الهداية، وقوله تعالى: (إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(6) في سنة النصر، وقوله تعالى: (ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ)(7) في سنة الرزق، وقوله تعالى: (وتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)(8) في سنة الإهلاك. وقوله تعالى: (ورَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)(9) في سنه التفاوت. وقوله تعالى: (وإن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا لايَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)(1)، وكذلك قوله تعالى: (بَلَى إن تَصْبِرُوا وتَتَّقُوا ويَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)(2)، وقوله تعالى: (إنَّهُ مَن يَتَّقِ ويَصْبِرْ فَإنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ)(3) في سنة النصر والتمكين. وغير ذلك من الآيات التى يتعلق فيها فعل الله وجزاؤه بالسلوك البشرى.
وسوف يأتي مزيد بحث في هذه المسألة في الصفحات التالية الخاصة بضوابط استخراج السنن، والصيغ اللفظية المستخدمة في ذلك.
(2) ضوابط استخراج السنن :
يصلح المبحث السابق لأن يندرج تحت اسم ضوابط استخراج السنن في القرآن من خلال الموارد التى ذكرناها، سواء القصص القرآنى، أو الأمثال القرآنية، أو الآيات الوارد فيها ربط النتيجة بالمقدمات، ولكن الضوابط هناك كانت على وجه الإجمال، والمقصود منها في هذا المبحث ما كان منها على وجه التفصيل والبيان من الناحية اللفظية و الأسلوبية.
ومن خلال التتبع والاستقراء للآيات القرآنية نجد أن الله قد يخبرنا عن سننه وقانونه الذي وضعه لحكم سلوك البشر وأفعالهم وما يصيبهم بأحد طريقين أصليين:
الطريق الأول: أن ترد لفظة (سنة) أو مشتقاتها بعد تقرير حكم أو قبله، أو في سياق تقرير نتائج متعلقة بالسلوك البشري و التصرف الإنساني.
والآية الأصل في ذلك هي قوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ)(4) قال البغوي(5) في معناها: قد مضت وسلفت مني سنن فيمن كان قبلكم من الأمم الماضية الكافرة بإمهالي واستدراجي إياهم حتى يبلغ الكتاب فيهم أجلي الذي أجلته لإهلاكهم وإدالة أنبيائي عليهم.
وقوله تعالى: (فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ) أي آخر أمر المكذبين. وهذا في حرب أُحُد يقول الله عز وجل: فأنا أمهلهم وأستدرجهم حتى يبلغ أجلي الذي أجلته في نصرة النبـي eوأوليائه وإهلاك أعدائه(1).
وقد تلا هذه الآية قوله تعالى: (هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّــاسِ وهُدًى ومَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ)(2) للدلالة على أن ما ذكر في الآية السابقة سنة عامة لا تتعلق بعقيدة أو جنس، ولكن الموعظة والاهتداء بها خاصة بأهل التقوى، لأنهم هم الذين يعملون حواسهم ويشغلون عقولهم في التماس سنن الله في الحياة باجتناب المحارم والتزام الاستقامة، وهي طاعة الله(3).
ويقول تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ويَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَذِينَ مِن قَبْلِكُم ويَتُوبَ عَلَيْكُمْ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(4) أي: يريد الله أن يهديكم إلى ما شرع لكم من الأحكام والآداب الموافقة لمصالحكم المحتوية لمنافعكم، وتلك سنته تعالى في الذين أنعم عليهم من الأمم السابقة(5).
كما يريد سبحانه أن يبين لكم ما خفي عنكم من مصالحكم وأفضل أعمالكم. وقوله تعالى: (ويَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَذِينَ مِن قَبْلِكُم) أي: مناهج وطرق حياة من كان قبلكم من الأنبياء والأمم الصالحة العادلة الذين سلكوا المنهج القويم، منهج التوازن الذي به تسعد الأمم ويقوى ملكها، وعليه تبنى الحضارات وتزدهر. (ويَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أى: يوفقكم للتوبة، و هي مراجعة النفس والاعتراف بالذنب والخطأ أو النقد الذاتي بالتعبير الاجتماعي الحديث. وتوبة الأمم كتوبة الأفراد تبدأ بترك الآثام والإجرام والندم على ما ارتكب من الأخطاء في سالف الزمان، وردّ المظالم إلى أهلها. وهذا هو العدل والتوازن. (واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) عليم بمصالح الخلق، حكيم عادل فيما شرع وأحكم وأجرى من قوانين وسنن(6).
وآية الباب مسبوقة بآيات ثلاث طوال في آداب النكاح وما يحل منه وما يحرم، وكذا تتكلم عن حد الزنا الخاص بالإماء والعبيد، على وجه يقصد به إلحاق هذه الأمة بمزايا الأمم التي قبلها من كليات الشرائع ومقاصدها(1).
ويقول تعالى: (ولَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ (10) ومَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ المُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ)(2).
يخبرنا الله عز وجل في هذه الآيات أن رسوله محمدًا eليس بدعًا من الرسل الذين لقوا الاستهزاء والسخرية والمعارضة من المجرمين والمتكبرين وغيرهم من طوائف أهل الباطل.
ولكن هذه سنة معروفة وموقف متكرر في الرسالات، وهي ظاهرة من الظواهر المرضية في هؤلاء المنحرفين والمفسدين الذين واجهوا أهل الحق، ولا ينقصهم الدليل والبرهان، ولكنه العناد والتكبر الصادر عن الأمراض النفسية، المانع من اتباع الحق والتزام الطاعة طريقة ومنهجًا في الحياة(3).
وكثيرًا ما يكون أهل الجهل أقوى من غيرهم في التمسك بباطلهم حتى ولو علموا ما صار إليه نظراؤهم وأقرانهم السابقون، لأن الجهل يعمي عن رؤية الحق.
ولقد شهد التاريخ بوجود هذه الظواهر والحالات في الأمم الماضية، وظهرت آثارها في حقب التاريخ التالية، فكانت عوامل هدم وتخريب، وأسباب تدهور وانحطاط حرمت أمـمًا من نيل رضا الله، والوصول إلى السعادة في الدنيا والآخرة، والأمر أكثر حيرة وقلقًا.
والمؤسف حقًّا أن تجارب البشرية العريقة في القدم قد ضاعت في أحقاب التاريخ، وخاصة جانب الهداية والضلال. ولعل الذين يدرسون التاريخ لا ينظرون إليه نظرة تدبر واعتبار وتأمل واستقراء لما جرى للأمم وما عرفت من سعادة وشقاء على قدر موقفها من دعوة الحق والتوحيد، ولذلك لا زالت كثير من الأمم تقدم ثمن إغفال هذه الحقيقة.
وسنة الله جارية ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وكل المعاصرين سيتحولون يومًا إلى أولين، وكل جديد سيصبح قديمًا.
ومن الأخطاء الفادحة أن يتحول تاريخ الأمم إلى أحداث ووقائع متراكمة ومتكدسة دون استفادة واستقراء(1).
وتأكيدًا لسنة الله في المشركين المعرضين عن دعوة الحق واتباع الرسل يقول تعالى: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وإن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ)(2).
أى: (قل يا محمد للذين كفروا من مشركى قومك: إن ينتهوا عما هم عليه مقيمون من كفرهم بالله ورسوله، وقتالك وقتال المؤمنين، فينيبوا إلى الإيمان، يغفر لهم ما قد خلا ومضى من ذنوبهم قبل إيمانهم وإنابتهم إلى طاعة الله وطاعة رسوله بإيمانهم وتوبتهم.
وإن يعد هؤلاء المشركون لقتالك بعد الوقعة التى أوقعتها بهم يوم بدر، فقد مضت سنتى في الأولين منهم ببدر ومن غيرهم من القرون الخالية؛ إذ طغوا وكذبوا رسلي، ولم يقبلوا نصحهم من إحلال عاجل النقم بهم، فأحل بهؤلاء إن عادوا لحربك وقتالك مثل الذين أحللت بهم)(3).
والآية خطاب للذين كفروا في كل عصر ومصر، والمعنى أن الفرصة أمام أهل الكفر سانحة لينتهوا عما هم فيه من تجمع وتحزب لمحاربة أهل الحق والإيمان. وفي الآية ما يشبه الإنذار والوعيد. والنذر سنة من سنن الله تسبق التعذيب والهلاك، وتأتي بعد التبليغ والنصح(4).
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فالأمر على سبيل الخيار، فلا جبر ولا قهر، لا على الكفر والعصيان، ولا على الإيمان والطاعة، وللكفار أن يفعلوا ما أمروا به ويلتزموا منهج الحق ويتركوا الصد عن سبيل الله والاعتقاد بالباطل والسلوك الخاطئ، و إلا فسنة الله ماضية، أي سائرة في الأولين والآخرين، وهي إنزال العقاب و إحداث الدمار بأهله ومستحقيه(5).
ويصب في معنى السنة السابقة- أيضاً- قوله تعالى: (ومَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إذْ جَاءَهُمُ الهُدَى ويَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُـمْ إلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ قُبُلاً)(1).
قال الزمخشري: ما منع الناس عن الإيمان والاستغفار إلا انتظار سنة الأولين؛ وهي الهلاك أو انتظار العذاب يعني عذاب الآخرة(2).
ماذا صدهم عن الإيمان وقد جاءتهم أسبابه ورأوا أدلته في الواقع بالخوارق والمعجزات؟ ولمسوها وعرفوها حيث لم يبق مانع ولا حجة، ولكنها طبيعة الجحود وحالة النفوس المريضة والعقول الضالة التي تأبى التصديق والاستقامة إلا إذا رأت العذاب حين لا ينفع نفسًا إيمانها إن لم تكن آمنت من قبل.
وقد جبلت الأمم على ألا تصدق بالنذر ورؤية الآيات في النفس والآفاق، وهي كثيرة لا تحصى، تتنوع بمشيئة الله وقدرته (ومَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلاَّ هُوَ)(3).
فهذه أمراض نفسية واجتماعية أو أزمات اقتصادية أو أوجاع بدنية أو كوارث طبيعية كالسيول والزلازل والبراكين، وكلها مسٌّ بالبأساء والضراء، ولعل القوم يحذرون ويرجعون، ولكن طبيعة الكفر والتكذيب دائمًا تحول دون إدراك السنن والوقوف على العبر، والرجوع إلى الطريق المستقيم، طريق التوازن والاعتدال، ولله شأن في خلقه(4).
قيل: وإسناد منعهم الإيمان إلى إتيان سنة الأولين- أى سنة الله في الأولين- أو إتيان العذاب إسناد مجاز عقلي، والمراد: ما منعهم إلا سبب إتيان سنة الأولين لهم أو إتيان العذاب. وسبب ذلك هو التكبر والمكابرة والتمسك بالضلال، أي لا يوجد مانع يمنعهم الإيمان، يخولهم المعذرة به، ولكنهم جروا على سنن من قبلهم من الضلال. وهذا كناية عن انتفاء إيمانهم إلى أن يحل بهم أحد العذابين(5).
وفي المعنى نفسه يأتى قوله تعالى: (وأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إلاَّ نُفُوراً (42) اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ ومَكْرَ السَّيِّئِ ولا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)(1). يخبر تعالى عن قريش والعرب أنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم قبل إرسال الرسل إليهم (لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إحْدَى الأُمَمِ) أى من جميع الأمم الذين أرسل إليهم الرسل، كقوله تعالى : (أَن تَقُولُوا إنَّمَا أُنزِلَ الكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وإن كُنَّـا عَن دِرَاسَـــتِهِمْ لَغَافِلِينَ (156) أَوْتَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وهُدًى ورَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ)(2). قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ) وهو محمد e بما أنزل معه من الكتاب العظيم (مَّا زَادَهُمْ إلاَّ نُفُوراً) أى ما ازدادوا إلا كفرًا إلى كفرهم، وما ذلك إلا لاستكبارهم عن اتباع آيات الله، ومكرهم بالناس في صدهم إياهم عن سبيل الله، وسيعود وبال ذلك عليهم أنفسهم دون غيرهم؛ لأن سنة الله قد جرت في الأولين بأن يحيق بهم العذاب وينزل عليهم عقابه بالهلاك لتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره (وإذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ)(3).
وتلفت الآيات تصور البشر لإدراك ارتباطات مفردات الحياة ومكوناتها بسنن الوجود كله، وليعرف الإنسان أيضاً ما لحق بالأجيال السابقة وما حلّ بالأمم الخالية الذاهبة وما نزل بها من عذاب، وكيف توارت وراء الوجود وصارت إلى العدم المادي أو المعنوي، ثم يعيد النص القرآني الذهن البشري إلى تلك الحقيقة الكبرى في السنن، وهي أنها لا تتحول ولا تتبدل سنة الله (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ولَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً)(4).
وعن سنة الله في المشركين المكذبين – أيضًا – قال تعالى: (وإن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وإذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إلاَّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ولا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً)(1) والاستفزاز: الحمل على الترحل، ومعنى الآية: (الإخبار أن سنة الله تعالى في الأمم الخالية وعادته أنها إذا أخرجت نبيها من بين أظهرها نالها العذاب واستأصلها الهلاك فلم تلبث بعده إلا قليلاً)(2)؛ لأن إخراج الرسل كبيرة تستحق الانتقام المادي المباشر، والكون تدبره سنة الله المطردة التى لا تتحول أمام أي اعتبار فردي أو جماعي أو نسب أو غيره.
وسنة الله فيمن يخرج رسله قديمة حيث لا يبقون بعدهم، فقد خرج هود من ديار عاد إلى مكة، وخرج صالح من ديار ثمود، وخرج إبراهيم ولوط وهلكت أقوامهم.
يقول الشيخ ابن عاشور(3) في هذا المقام: وإنما سن الله هذه السنة لرسله لأنّ تآمر الأقوام على إخراجهم يستدعي حكمة الله تعالى لأن تتعلق إرادته بأمره إياهم بالهجرة لئلا يبقوا مرموقين بعين الغضاضة بين قومهم وأجوارهم بشبه ما كان يسمى بالخلع عند العرب(4).
وخرج رسول الله eإلى دار هجرته بأمر ربه لحكمة تشريعية من مكة إلى المدينة، وكلاهما بلاد العرب، ولهذا لم يستأصلهم الله بالهلاك، وإنما أهلك كبارهم وسادتهم من رؤوس الشرك يوم بدر، وفي غيرها من الغزوات.
وعن سنة الله تعالى في المنافقين وذوي القلوب السقيمة يقول تعالى: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلا قَلِيلاً (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وقُتِّلُوا تَقْتِيـلاً (61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ولَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)(5) والمعنى: لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم، والفسقة عن فجورهم، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء، لنأمرنك بأن تفعل بهم الأفاعيل التي تسوؤهم وتنوؤهم، ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة وإلى أن لا يساكنوك فيها إلا زمنًا قليلاً ريثما يرتحلون ويلتقطون أنفسهم وعيالاتهم، فإن الله قد سن فى الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا حيثما وجدوا. وعن مقاتل: يعنى كما قُتلأهل بدر وأسروا(1).
وفي الآية وعيد من الله للمنافقين والمرجفين وذوى القلوب المريضة والأخلاق الدنيئة، الذين ينشرون الشائعات والأباطيل عن أهل الحق ويفترون عليهم الكذب.
وهؤلاء – مرجفو المدينة المنورة – إن لم ينتهوا عن أعمالهم وسعيهم السيـئ فإن الله يسلط عليهم من يشاء من عباده وخلقه ليسوموهم سوء العذاب، كما سلط على من سبقهم في التاريخ ممن سعوا في الأرض بالبغي والفساد، كبني إسرائيل وغيرهم من الأمم المنحرفة.
وقد تحققت هذه السنة في اليهود حين أخرجهم الله من المدينة فطهرت من كيدهم ورجسهم، وطردوا من مساكنهم ومزارعهم، وأبيحت دماؤهم، وخربت بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين عبرة لأولي الأبصار.
وهذه سنة ثابتة في الذين مضوامن قبل، عرفتها الأمم بمعرفتها لتاريخ أسلافها، ولن تجد لسنة الله تبديلاً(2).
والآية تقرر هذه السنة وتبين أن المرجفين هم مروجو الشائعات المضللة والسياسات الكاذبة.
وتتمة لسنة الله في المشركين، يبين لنا القرآن الآيات الدالة على حلول عذاب الله بالمكذبين، وأنهم لن تقبل توبتهم إذا عاينوا العذاب؛ لأن وقت المعذرة قد أفل، وأوان التذرع بالحجج الواهية قد ولى، وفي ذلك يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وأَشَدَّ قُوَّةً وآثَاراً فِي الأَرْضِ فَمَــــا أَغْنَى عَنْــهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُم مِّنَ العِلْمِ وحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وحْدَهُ وكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وخَسِرَ هُنَالِكَ الكَافِرُونَ)(1).
يخبر تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل في قديم الدهر، وماذا حل بهم من العذاب الشديد مع شدة قواهم وما آثاروه في الأرض وجمعوه من الأموال، فما أغنى عنهم ذلك شيئًا، ولا ردّ عنهم ذرة من بأس الله، وذلك لأنهم لما جاءتهم الرسل بالبينات والحجج القاطعات والبراهين الدامغات، لم يلتفتوا إليهم ولا أقبلوا عليهم، واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل، فأحاط بهم ما كانوا يستبعدون وقوعه، ولما حل بهم العذاب وعاينوه وحدوا الله عز وجل وكفروا بالطاغوت، ولكن حيث لا تقال العثراث ولا تنفع المعذرة(2).
وظاهر صدر الآيات أن الخطاب كان لقريش، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوصية المناسبة، فطبق عليهم قوله سبحانه: (فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) عندما حل بهم بأس الله، لأن هذه العوامل مع التكذيب والاستهزاء والتكبر وعدم الإيمان والطاعة والاستقامة على طريقة الرسل، عوامل مغشوشة لا تثبث أمام أحداث الزمان. وسنة الله أن الإيمان بالله ومحاولة اتباع الحق عند رؤية البأس حيلة ومخادعة لا تنفع مع عدل الله، ولا تنجي صاحبها من أمر الله، وفي الحديث: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)(3). وتوبة الأمم كتوبة الأفراد، لها شروطها وآدابها، وأولها الندم والصدق والإخلاص في كل ما ظهر وما بطن، وما الأمم إلا مجموعة أفراد وأسر.
ومن الآيات التى صرحت بسنة الله ما ورد من عادة الأمم الضالة المكذبة التي تنكر أعمال الرسل وسلوكهم في الحياة، غافلين عن أن هذه الأعمال إنما هي وحي من الله مقدرًا ومفروضًا، قال تعالى: (وإذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ واتَّقِ اللَّهَ وتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وتَخْشَى النَّاسَ واللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُـنَّ وطَـــراً وكَــانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (37) مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً)(1).
ورد لفظ السنة في هذه الآية موضوعًا موضع المصدر، أى سنة الله فيك يا محمد كما هي سنته في الأنبياء الماضين، وهي أن لا يحرج عليهم في الإقدام على ما أباح لهم ووسع عليهم في باب النكاح وغيره، وقد كانت تحتهم المهائر والسرائر(2).
فكانت الآية إقرار مبدأ وحكم، وإزالة عنصر غريب في الفهم، اعترى عقول المؤمنين حين رد الله أمر الزواج بنساء الأدعياء إلى أصوله الأولى، وأبطل عادة الجاهلين العرب، وهى تحريم الزواج بنساء الأدعياء. وليس موقف النبي محمد eهذا جديدًا ولا بدعًا في الأمر، بل قد مضت سنة الله فى الأولين من المؤمنين في إباحة الزواج بنساء الأدعياء. والإنسانية كلها أمة واحدة، وسنة الله فيها واحدة. ولقد كان الأمر أو الحكم موقوفًا على إحانة الوقت المناسب لإقراره وبيانه رغم استحياء النبى eمن بيانه.
وفي سنة نصر الله الحق على الباطل، ودحض الطغيان وتثبيت أولياء الرحمن، يقول تعالى: (ولَوْ قَاتَلَكُمُ الَذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ ولِياً ولا نَصِيراً (22) سُــنَّةَ اللَّهِ الَتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ولَن تَجِــدَ لِسُــنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)(3). يبشر الله عباده المؤمنين بأنه لو ناجزهم المشركون لَنَصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم ولانهزم جيش الكفار فارًّا مدبرًا، لا يجدون وليًّا ولا نصيرًا؛ لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين، وسنة الله في خلقه اقتضت أنه: ما تقابل الكفر والإيمان في موطن فصل إلا نصر الله الإيمان على الكفر، فرفع الحق ووضع الباطل، كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين، حيث نصرهم على أعدائه من المشركين، مع قلة عدد المسلمين وعُددهم وكثرة المشركين وعُددهم(4).
وقد وردت لفظة سنة هنا في موضع المصدر المؤكد، أى سنّ الله غلبة أنبيائه وأوليائه سنة، وهي قوله تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا ورُسُلِي)(1)، وقوله تعالى: (إنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا)(2)، وقوله تعالى: (ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ (171) إنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ (172) وإنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ)(3).
وكان المسلمون يعرفون أن نصرهم وهزيمة أعدائهم يجري وفق سنة عادية تبذل فيها الجهود العظيمة، ويستعمل العقل قواه بالتفكير والتدبير، فلم يتقاعسوا أو يتواكلوا، بل بذلوا النفس والنفيس من أجل نيل نصر الله وإلحاق الهزيمة بأعدائه.
وإذا أراد الله إحقاق الحق وإبطال الباطل هيأ لذلك أسبابًا تتعلق بمشيئة الإنسان نفسه، فينشئ الله في نفوس أهل النصر عوامله، ويوجد في أهل الهزيمة أسبابها النفسية والاقتصادية، كالذي نجده بالنسبة لليهود في قوله تعالى: (هُوَ الَذِي أَخْرَجَ الَذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَارِ)(4).
ومن سنة الله في الأمم السابقة واللاحقة أن ينصر أهل العدل والإيمان والحق في مواطن الفصل ومواقف تقرير المبادئ وتثبيت الحقائق والقيم، ويهزم أهل الظلم والكفر والباطل ويوليهم الأدبار، ويرفع الله وفق سنته الجارية بإرادته المطلقة راية الحق الذى عليه أقام السماوات والأرض. كما سيأتي بيان ذلك في سنة الله في النصر والهزيمة.
وبعد عرض الآيات التي وردت فيها لفظة (السنة) ومشتقاتها في القرآن يتبين لنا أنها كالجنس والأصل للآيات التي وردت فى كافة السنن الإلهية التي لم يصرح فيها بهذه اللفظة أو مشتقاتها، إذ إنها تشتمل في الجملة على ما فُصِّل من سنن في الآيات الكثيرة المبثوثة في القرآن، وهي ما ورد: في المكذبين بالرسل وبما جاءوا به من الحق من عند الله(1).
وفيمن يظهرون الإسلام وباطنهم مملوء بالحقد عليه وعلى أهله، بل ويحاربونه من طرف خفي أو جلي(2).
وكذا تلك السنن التي وردت في تشريع الأحكام والآداب الموافقة لمصلحة الإنسان وغايته التي وجد على هذه الأرض من أجلها(3).
ومنها أيضًا تلك السنن التى قصت علينا مصير الباطل وأهله وعلو الحق وأوليائه، وأن الباطل مهما قوى في الظاهر فمآله إلى الزوال(4)؛ لأن الحق قديم بقدم الله عز وجل، وكيف يتأتى للحادث الزائف – الباطل- أن يقف في وجه الثابت -الحق- الذي يتعلق بصفة من صفات الأول والآخر؟!
وفي بعض السنن يخبرنا الله تعالى كيف كتب النصر لأوليائه، والاندثار لأعدائه المحاربين لدينه وأصفيائه(5).
وغير ذلك مما دلت عليه آيات السنن التي تعرضنا لها بشيء من الإيجاز فيما صُرِّح فيها بلفظ (السنة) أو مشتقاتها. ولذلك كانت الآية الأم في هذا الصدد هي قوله تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وهُــدًى ومَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ)(6) لأننا إذا وقفنا على سنن الله في المكذبين أهل الباطل وقفنا على سننه في أهل الحق والاستقامة، من قبيل قولهم: (وبضدها تتميز الأشياء) ولذلك جاءت الآية الثانية (هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وهُدًى ومَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ)؛ لأن من انتفى عنه وصف الباطل والكفران تحقق بوصف الحق والإيمان (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(7).
الطريق الثاني لاستخراج السنن :
هذا الطريق مستقى من معنى الطريق الأول، وذلك أن لفظ (السنة) -كما أسلفنا- يعني اطراد فعل الله، والاطراد مبني على التكرار وإعطاء النظير حكم نظيره، والتساوي بين المتماثلين، ومن ثم فهذا الطريق الذي نعرض فيه الضوابط اللفظية والتراكيب الأسلوبية سوف ينبني على هذا الأساس، وهو التكرار أو العموم، على ألا يغيب عن أذهاننا أن المعيار في هذه الضوابط أن يتحقق طرفا السنة – كما سبق في التعريف – وهما أن يكون هناك سلوك أو تصرف بشري بموجبه تكون معاملة الله عز وجل للبشر، فى صورة مقدمة من البشر ونتيجة من الله عز وجل. وهذه الضوابط هي:
1- ورود فعل الله مع تعليله(1)، في سياق الآيات التى وردت في وضع نظام الحياة والأحياء، والاعتبار بالأمم السابقة.
وترد آيات هذا الضابط مقيدة بأحد أمرين:
(أ) التعليل:
ومن ذلك: قوله تعالى في سنة الابتلاء: (ورَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ)(2)، وقوله تعالى: (ولَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ والضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)(3)، وقوله تعالى: (ذَلِكَ ولَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ ولَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)(4).
– وفي سنة الفتنة يقول تعالى: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ومَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنفُسِهِمْ ومَا يَشْعُرُونَ)(5)، ويقول تعالى : (وأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ومَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً)(6).
– وفي سنة تداول الأيام بين المسلمين وغيرهم يقول تعالى: (إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ولِيَعْلَمَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) ولِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الكَافِرِينَ)(7).
– وفي سنة التعارف بين البشر يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأُنثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)(1).
– وفي سنة الإمهال والاستدراج يقول تعالى : (ولا يَحْسَبَنَّ الَذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لُهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إثْماً ولَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)(2).
– وفي سنة الإعذار والإنذار يقول تعالى: (ورُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ ورُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً (164) رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ ومُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)(3).
– وفى سنة تنازع الحق و الباطل يقول تعالى: (وإذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ويُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ويَقْطَعَ دَابِرَ الكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الحَقَّ ويُبْطِلَ البَاطِلَ ولَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ)(4).
– وفي سنة التمييز يقول تعالى: (إنَّ الَذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ والَّذِينَ كَفَرُوا إلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ويَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ)(5).
– وفي سنة الهداية والضلال يقول تعالى: (ومَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إلاَّ مَلائِكَةً ومَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ ويَزْدَادَ الَذِينَ آمَنُوا إيمَاناً ولا يَرْتَابَ الَذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ والْمُؤْمِنُونَ ولِيَقُولَ الَذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ والْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ ويَهْدِي مَن يَشَاءُ)(6).
(ب) التعليق بالسبب:
وحروف السببية متعددة:
– فمنها (الباء)، وشواهدها في القرآن كثيرة:
– ففي سنة الهلاك والاستئصال يقول تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ)(1)، ويقول تعالى: (وأَخَذْنَا الَذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)(2)، ويقول تعالى: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ)(3)، ويقول تعالى :(وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى الهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ العَذَابِ الهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(4)، ويقول تعالى: (ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ ولَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(5)، ويقول تعالى في هلاك فرعون وقومه: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بَآيَاتِنَا وكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ)(6)، ويقول تعالى بعد أن ذكر إهلاكه للأمم المكذبة السابقة: (فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً ومِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ ومِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ ومِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا)(7).
– وفي سنة التدافع يقول تعالى: (وكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(8).
– وفي سنة الغلبة والتمكين يقول تعالى: (وأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسْنَى عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ودَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ ومَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)(9).
– وفي سنة زوال النعمة يقول تعالى: (وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ والْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)(10).
ويقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ(15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إلاَّ الكَفُورَ)(1).
– ومن حروف السببية (الفاء) ولها شواهد كثيرة في الآيات الخاصة بالسنن:
– ففي سنة زوال النعمة وتغييرها يقول تعالى عن أهل سبأ: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ)(2).
– وفى سنة الإهلاك يقول تعالى في تحذير ثمود قوم صالح عليه السلام: (قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(3).
– وفي سنة العقاب الدنيوي يقول تعالى: (ولا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(4)، ويقول تعالى: (كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ولا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)(5).
– وفي سنة النصر والهزيمة يقول تعالى: (ولا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)(6).
– ومن حروف السببية – أيضًا- حرف (إنَّ) المشددة ذات الهمزة المكسورة، ففد ذكرها الزركشي(7) في الطرق الدالة على العلة، واستشهد لها بقوله تعالى: (ومَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(8)، وبقوله تعالى: (فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إنِّي آنَسْتُ نَاراً)(9)، وبغيرها من الآيات(10). وقد نص على ذلك أيضًا السيوطي، فبيّن أن من معاني (إنَّ) المشددة: (التعليل، أثبته ابن جني(1) وأهل البيان، ومثلوه بنحو: (واسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(2)، (وصَلِّ عَلَيْهِمْ إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ)(3)، (ومَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(4) وهو نوع من التأكيد)(5).
وهناك آيات قرآنية كثيرة شاهدة على ذلك، خاصًّة في نطاق السنن:
– ففي سنة الإهلاك والاستئصال يقول تعالى عن قوم لوط : (ولَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ القَرْيَةِ إنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ)(6)، ويقول عن مشركي مكة: (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إنَّهُـمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ)(7)، ويقول تعالى: (وأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًاً الأُولَى (50) وثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وأَطْغَى)(8) سواء أكان الضمير في قوله: (كَانُوا) عائدًا إلى قوم نوح، أى كانوا أظلم وأطغى من عاد وثمود، أم كان عائدًا إلى عاد وثمود وقوم نوح. والمعنى: إنهم أظلم وأطغى من قومك الذين كذبوك يا محمد(9).
– وفي سنة نصر الأنبياء وأتباعهم يقول تعالى: (ونُوحاً إذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ (76) ونَصَرْنَاهُ مِنَ القَوْمِ الَذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)(10).
2- من الضوابط اللفظية والتراكيب الأسلوبية: ورود فعل الله في سياق جملة الشرط، وترتب الجزاء من الله على الفعل البشري، أو امتناعه بسبب ذلك الفعل. خاصة أن الشرط من صيغ العموم التى يتحقق فيها جواب الشرط بمجرد التلبث بفعله(1).
والآيات الدالة على هذا الضابط تأتي على وجهين:
الأول: وقوع الجزاء لوقوع الفعل:
والآيات الدالة على ذلك هي:
– في سنة الهداية والإضلال يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)(2)، ويقول تعالى: (ومَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)(3)، ويقول تعالى: (ومَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى)(4)، ويقول تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقَى)(5).
– وفي سنه الرزق يقول تعالى: (ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)(6)، ويقول تعالى: (ومَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وسَعَةً)(7)، ويقول تعالى: (ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ)(8)، وفى نفس المعنى يقول تعالى: (وأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً)(9).
– وفي سنة العقاب الدنيوي بزوال النعمة يقول تعالى: (ومَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ)(10)، ويقول: (ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)(1).
– وفي سنة التداول والتبديل يـقول تعالى: (إن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ)(2)، ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ ويُحِبُّونَهُ)(3)، وفي المعنى نفسه يقول تعالى: (إلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ويَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ)(4).
– وفي سنة النصر والتمكين يقول تعالى: (إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(5).
الوجه الثانى: امتناع الجزاء لوجود الفعل:
والآيات الدالة على ذلك هي:
– في سنة التدافع يقول تعالى: (ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ)(6)، وفي معناها يقول تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً)(7).
ويدخل في أسلوب الشرط الجمل المشتملة على اسم (لـمَّا) الداخلة على الماضي وبشرط أن يكون الفعل بعدها شرطًا في تحقق الفعل الآخر مثل قوله تعالى: (وتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)(8)، وفي معناها قوله تعالى: (ولَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا)(9)، وكلاهما في سنة الإهلاك. وقوله عن بني إسرائيل: (وجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)(10) فى سنة النصر والتمكين. وقوله تعالى عن فرعون وملئه: (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ)(11) في سنة الإهلاك.
و(لـمَّا) وإن كانت اسم زمان بمعنى حين على التحقيق، وتضاف إلى الجملة فإن العرب قد أكثروا في كلامهم تقديم (لـمَّا) في صدر جملتها فأُشمَّت بذلك التقديم رائحة الشرطية، فأشبهت الشروط؛ لأنها تضاف إلى جملة فتشبه جملة الشرط، ولأن عاملها فعل مضى، فبذلك اقتضت جملتين فأشبهت حروف الشروط(1).
ولعل ما يفرِّق بين غالب الآيات الواردة في هذا الضابط، من كونها سننًا وبين أن تكون وعدًا أو وعيدًا، هو أن الآيات هنا لا تختص بفئة دون أخرى كالوعد والوعيد، وإنما هي عامة، وإن كان يمكن تقسيمها من ناحية أخرى بأن بعضها سنن عامة للناس جميعًا، وبعضها خاص بالمؤمنين.
3- ورود فعل الله عز وجل أو امتناعه منوطًا بحال أو صفة أو غاية.
وغالبًا ما تتصدر الجمل الواردة بآيات هذا الضابط بنفى، أو كون منفى، أو لفظة (كم)، أو (كأين).
وقبل إيراد الآيات الدالة على هذا الضابط سوف نعرض للألفاظ التى غالبًا ما تأتي معها، وهي الكون المنفي، وكم، وكأين.
– أما الكون المنفي فإن ألفاظـه مثل (ما كان، لم يكن، ما كنا) وغيرها من مشتقات فعل الكون، والمقصود مجيئها هنا في تركيب يكون الفاعل فيه هو الله عز وجل، والخبر اسم فاعل أو فعل يعود إلى الله عز وجل، وفائدة دخول كان بين أداة النفي والفعل – أو غيره من المشتقات- هي المبالغة في نفي الفعل الداخلة عليه بتعديد جهتي نفيه: عمومًا باعتبار الكون، وخصوصًا باعتباره في هذه الآيات مثلاً، فكأنه نُفي مرتين(2).
وقد يكون خبر الكون المنفي فعلاً مضارعًا مقرونًا بلام الجحود، وفائدة هذه اللام توكيد النفي، أو المبالغة في النفي، بحيث ينفي أن يكون وجود المسند إليه مجعولاً لأجل فِعل كذا، أي فهو برئ منه بأصل الخلقة، ولذلك سميت جحودًا.
فمجيء الكون المنفي بـ (ما) أو (لم) وبعدها لام الجحود أبلغ من أن لا يأتي بلام الجحود، فقولنا: ما كان زيد ليقوم. أبلغ من: ما كان زيد يقوم؛ لأن في المثال الأول هي نفي للتهيئة والإرادة للقيام. وفي الثاني هو نفى للقيام. ونفي التهيئة والإرادة للفعل أبلغ من نفي الفعل، لأن نفي الفعل لا يستلزم نفي إرادته، ونفي التهيئة والصلاح والإرادة للفعل يستلزم نفي الفعل، فلذلك كان النفى مع لام الجحود أبلغ.
وهكذا القول فيما ورد من هذا النحو في القرآن وكلام العرب، وهذه الأبلغية إنما هي على تقدير مذهب البصريين، فإنهم زعموا أن خبر كان التي بعدها لام الجحود محذوف، وأن اللام بعدها أن مضمرة ينسبك منها مع الفعل بعدها مصدر، وذلك الحرف متعلق بذلك الحرف المحذوف، وقد صرح بذلك الخبر في قول بعضهم:
سموت ولم تكن أهلاً لتسمو
ومذهب الكوفيين أن اللام هي الناصبة، وليست أن مضمرة بعدها، وأن اللام بعدها للتأكيد، وأن نفس الفعل المنصوب بهذه اللام هو خبر كان، فلا فرق بين: ما كان زيد ليقوم. وبين: ما كان زيد يقوم. إلا مجرد التأكيد الذي في اللام(1).
ومحصل المذهبين من حيث المعنى واحد، وهو الأبلغية والتأكيد. ولذلك كان لتصدير الآيات بها موقعها في إثبات سننية الآية الواردة فيها.
– وأما (كم) فهي اسم(2)، مبني لازم الصدر(3)، مبهم(4)، مفتقر إلى التمييز(5). وهي قسمان هما:
استفهامية: تحتاج إلى جواب، بمعنى أى عدد؟ فينصب ما بعدها نحو: كم رجلاً ضربت؟
وخبرية: لا تحتاج إلى جواب بمعنى عدد كثير، فيجر ما بعدها، نحو: كم عبد ملكت، وقد تدخل عليها (من) كقوله تعالى: (وكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا)(6)، وقوله تعالى: (وكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ)(7)، ولم تستعمل الخبرية غالبًا إلا في مقام الافتخار والمباهاة، لأن معناها التكثير، ولهذا ميزت بما يميز به العدد الكثير، وهو مائة وألف. فكما أن مائة تُميز بواحد مجرور فكذلك كم.
و(كم) مفردة اللفظ ومعناها الجمع، فيجوز في ضميرها الأمران بالاعتبارين. قال تعالى: (وكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ)، ثم قال تعالى: (لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ)(1)، فأتى به جمعًا. وقال تعالى: (وكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا)، ثم قال تعالى: (أَوْ هُمْ قَائِلُونَ)(2).
وتمييز (كم) الخبرية مفرد أو مجموع، فالإفراد لمشابهة (كم) للمائة والألف في الدلالة على الكثرة، ومميزها مفرد مجرور. وأما الجمع فيكون في اللفظ تصريح بما يدل على الكثرة(3).
ومما سبق يتضح أن شاهدنا في هذه المسألة هو (كم) الخبرية التي تدل على الكثرة والتكرار.
– و(كأين) بمعنى (كم) الخبرية، ومعناها أن ما دخلت عليه كثير؛ لأنها كناية عن العدد.
قال الألوسي: وقد اختلف في هذه الكلمة (كأين). فقيل: إنها بسيطة، وضعت كذلك ابتداءً والنون أصلية، وإليه ذهب أبو حيان وغيره، وعليه فالأمر ظاهر موافق للرسم، وقيل -وهو المشهور- إنها مركبة من (أي) المنونة وكاف التشبيه. و اختلف في (أى) هذه. فقيل: هي (أي) التي في قولهم: أى الرجال. وقال ابن جني: إنها مصدر أوى يأوي إذا انضم واجتمع، وأصله أوى، فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت وأدغمت مثل: طي، وشي. وحدث فيها بعد التركيب معنى التكثير المفهوم من (كم) كما حدث في (كذا) بعد التركيب معنى آخر.
فكم وكأين بمعنى واحد، قالوا: وتشاركها في خمسة أمور: الإبهام، والافتقار إلى التمييز والبناء، ولزوم التصدير، و إفادة التكثير، وهو الغالب، والاستفهام، وهو نادر، ولم يثبته إلا ابن قتيبة وابن عصفور وابن مالك، واستدل عليه بقول أُبَيّ بن كعب لابن مسعود رضي الله عنهما: كائن تقرأ سورة الأحزاب آية؟ فقال: ثلاثًا وسبعين.
وتخالفها في خـمسة أمور أيضًا: أحدها: أنها مركبة في المشهور وكم بسيطة فيه خلافًا لمن زعم أنها مركبة من الكاف وما الاستفهامية ثم حذفت ألفها لدخول الجار وسكنت للتخفيف لثقل الكلمة بالتركيب.
والثاني: أن مميزها مجرور بمن غالبًا، حتى زعم ابن عصفور لزوم ذلك. ويرده نص سيبويه على عدم اللزوم، ومن ذلك قوله:
اطرد اليأس بالرجاء فكائن
ألما حم يسره بعد عسر
والثالث: أنها لا تقع استفهامية عند الجمهور.
والرابع: أنها لا تقع مجرورة، خلافًا لابن قتيبة وابن عصفور حيث أجازا: بكأين تبيع الثوب.
والخـامس: أن خــبرها لا يقع مفردًا(1).
وإثبات تنوين (كأين) على القول المشهور في الوقف والخط على خلاف القياس لما أنه نسخ أصلها، حتى قال ابن فارس(2): (سمعت بعض أهل العربية يقول: ما أعلم كلمة تثبت فيها النون خطًّا غير هذ5)(3).
وقد ورد في (كأين) لغات، وما قرئ بها في القرآن ثلاث:
(إحداها: (كأيِّن) بالتشديد على الأصل وهي اللغة المشهورة، وبها قرأ الجمهور.
والثانية: (كائن) بألف بعدها همزة مكسورة من غير ياء على وزن كاعن كاسم الفاعل، وبها قرأ ابن كثير(4)، ومن ذلك قوله:
وكائن لنا فضلاً عليكم ومنة
قديمًا ولا تدرون ما من منعم
والثالثة: (كأي) بياء بعد الهمزة، وبها قرأ ابن محيصن(5))(6).
وقد قال الزجاج(1) إلى اللغتين الجيدتين: كأين وكائن(2).
والمراد أن (كم) و(كأين)، بلغاتها المختلفة يفيدان التكثير بلفظيهما، ومن ثم ففيهما معنى التكرار المبنيّ عليه إثباث السنن، ولهذا الملحظ أفردناهما بشىء من التفصيل.
وعودًا إلى أصل الضابط المذكور، وهو ترتب الجزاء من الله أو امتناعه منوطًا بحال أو صفة أو غاية.
– أما ربطه بالحال: فالشواهد عليه كثيرة، منها:
– في سنة الإهلاك يقول تعالى: (ومَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)(3)، ويقول تعالى: (ومَا كُنَّا مُهْلِكِي القُرَى إلاَّ وأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)(4)، ويقول تعالى: (ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وأَهْلُهَا غَافِلُونَ)(5)، ويقول تعالى: (ومَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إلاَّ ولَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ)(6) .
– وفي سنه الإنذار يقول تعالى: (ومَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إلاَّ لَهَا مُنذِرُونَ)(7).
– وفي سنة التيسير يقول تعالى: (ومَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وأَنتَ فِيهِمْ ومَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(8).
– وأما ربطه بالصفة: فمن شواهد ذلك:
– في سنة الإهلاك يقول تعالى: (وكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا)(9)، ويقول تعالى: (وكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ)(10)، ويقول تعالى: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا)(11).
– ويقول تعالى: (وكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ)(1).
ومثله في قوله تعالى: (وكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا ورُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً (8) فَذَاقَتْ وبَالَ أَمْرِهَا وكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً)(2)، باعتبار أن جمله (عَتَتْ) صفة لقرية، وخبر (كَأَيِّن) جملة: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً)(3).
– وفي سنة الإمهال يقول تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإلَيَّ المَصِيرُ)(4).
– وأما ربطه بالغاية: فمن شواهده:
– في سنة الإنذار يقول تعالى: (ومَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا(5) رَسُولاً)(6)، ويقول: (ومَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(7).
– وفي سنة التمييز يقول تعالى: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْـهِ حَتَّى يَمِــيزَ الخَبِـيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(8).
– وفي سنة تغيير النعم يقول تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)(9)، ويلحق بهذه الآية قوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)(10).
4- ورود لفظة (كذلك) أو “(وكذلك) في سياق قصة أو حكم من الله عز وجل.
ويستقي هذا الضابط ثبوته من معنى المشابهة الموجودة في هذه اللفظة، مما يفيد بذاته تكرار الحكم لتكرار الظروف والحيثياث والأسباب.
ولكن بالاستقراء وُجد أن (كذلك) لها استعمالان في القرآن، باعتبار ما يشير إليه اسم الإشارة (ذا)، وهذان الاستعمالان هما:
الأول: أن يشير اسم الإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعده، كما في قوله تعالى: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطاً)(1)، وقوله تعالى: (وكَذَلِكَ نُرِي إبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ)(2)، وقوله تعالى: (وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ)(3)، وقوله تعالى: (كَذَلِــكَ وقَدْ أَحَطْنَـا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً)(4)، وقوله تعالى: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُواً شَيَاطِينَ الإنسِ والْجِنِّ)(5)، وقوله تعالى: (وكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ولِيَقُولُوا دَرَسْتَ ولِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)(6)، وقوله تعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله عَلَى قُلُوبِ الَذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(7).
وعن هذا الاستعمال يقول الألوسي: ((كذلك) كثيرًا ما يقصد بها تثبيت ما بعدها؛ وذلك لأن وجه الشبه يكون كبيرًا في النوعية والجنسية، كقولك:(هذا الثوب كهذا الثوب) في كونه خزًّا أو بزًّا، وهذا التشبيه يستلزم وجود مثله، وثبوته في ضمن النوع، فأريد به على طريق الكناية مجرد الثبوت لما بعده، ولما كانت الجملة تدل على الثبوت كان معناها موجودًا بدونها(8) وهي مؤكدة له)(9).
وبمعنى آخر فقد يكون المراد من هذا الاستعمال للفظة (كذلك) هو التنويه بالخبر، فيجعل كأنه مما يروم المتكلم تشبيهه ثم لا يجد إلا أن يشبهه بنفسه وفي هذا قطع للنظر عن التشبيه في الواقع. ومثله قول أحد شعراء فزارة في الأدب من الحماسة:
كذلك أُدِّبْتُ حتى صار من خلقي
أني رأيتُ مِلاكَ الشِّيمة الأدبا
أى: أدبت هذا الأدب الكامل العجيب. ومنه قول زهير:
كذلك خِيمهم ولكُلِّ قوم
إذا مسَّتْهم الضراء خيمُ
وقوله تعالى: (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسَطاً)(1)، من هذا القبيل عند شراح الكشاف، وهو الحق، وأوضح منه في هذا المعنى قوله تعالى: (وكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ)(2)، فإنه لم يسبق ذكر شيء غير الذي سماه تعالى فتنة أخذًا من فعل (فَتَنَّا).
والإشارة على هذا المحمل المشار إليه مأخوذ من كلام متأخر عن اسم الإشارة، لأنه الجعل المأخوذ من (جَعَلْنَاكُمْ). وتأخير المشار إليه عن الإشارة استعمال بليغ في مقام التشويق كقوله تعالى: (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وبَيْنِكَ)(3). والحاصل أن تشبيه الشيء بنفسه مبنيًّا على دعوى المغايرة وهو يفيد نوعًا من التأكيد.
وقد نقل أبو حيـان عن ابن الأنباري(4) -في مثل هذا الاستعمال- أن يكون (وكذلك) مستأنفًا غير مشار به إلى ما قبلـه فيكون المعنى: (وهكذا)(5).
وهذا الاستعمال غير مقصود في دراستنا.
الثاني: من استعمال (كذلك) أو (وكذلك) -وهو المراد في بحثنا هذا- أن يدل علىتشبيه شيء بشيء والمشبه به ظاهر مشار إليه، أو كظاهر ادعاءً، فقد يكون المشبه به المشار إليه مذكورًا مثل قوله تعالى: (وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وهِيَ ظَالِمَةٌ)(6)، إشارة إلى قوله تعالى قبلها: (ومَا ظَلَمْنَاهُمْ ولَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَتِي يَدْعُــونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ)(7).
قال ابن عاشور: (ومثله قول النابغة:
فألفيت الأمانة لم تخنها
كذلك كان نوح لا يخون
وقد يكون المشبه به المشار إليه مفهومًا من السياق فيحتمل اعتبار التشبيه ويحتمل اعتبار المفعولية المطلقة، كقول أبي تمام(1):
كذا فليجل الخطب وليفدح الأمر
فليس لعين لم يفض دمعها عُذر
قال التبريزي في شرحه: الإشارة للتعظيم والتهويل، وهو فى صدر القصيدة لم يسبق له ما يشبه به، فقطع النظر فيه عن التشبيه واستعمل في لازم معنى التشبيه. أهـ . يعني أن الشاعر أشار إلى الحادث العظيم وهو موت محمد ابن حميد الطوسي)(2).
الفارق بين الاستعمالين :
مما سبق يتضح أن الفرق بين استعمال صيغة (كذلك) أو (وكذلك) هو أن الإشارة في الاستعمال الأول تتعلق بما بعدها نفسه، ولا تعلّق لها بما قبلها، وفي الاستعمال الثاني تتعلق بما قبلها لتشبيه ما بعدها به، وإن كان حال ما بعدها أعم وأشمل من حال ما قبلها ليندرج ذلك الأخير تحته.
وبالاستعمال الثاني- المقصود في بحثنا- وردت آيات كثيرة تدل إلى ما أشرنا إليه، ومنها:
(1) فى سنة الإهلاك والاستئصال: وشواهدها هي: نجزى القوم
قوله تعالى: (ولَقَدْ أَهْلَكْنَا القُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ومَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ)(3)، والمشار إليه بالكاف في قوله تعالى: (كَذَلِكَ) هو هلاكهم بسبب تكذيبهم للرسل وإصرارهم عليه بحيث تحقق أنه لا فائدة في إمهالهم(4).
قوله تعالى: (وكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذَا أَخَذَ القُرَى وهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)(5)، أي: مثل ذلك الأخذ والإهلاك الذى مرَّ بيانه في حكاية قصص الأنبياء وإهلاك معانديهم، وختمت بقوله تعالى: (ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّـهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وحَصِيدٌ (100) ومَا ظَلَمْنَاهُمْ ولَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ)(1).
وقوله تعالى في عاد قوم هود عليه السلام: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي القَوْمَ المُجْرِمِينَ)(2)، والإشارة تعود إلى الإهلاك الذي حل بقوم هود عليه السلام(3).
قوله تعــالى: (أَلَمْ نُهْــلِكِ الأَوَّلِينَ (16) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ (17) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ)(4)، والمشار إليه فعل الله المتعلق بإهلاك الأولين(5).
(ب) في سنة العقاب الدنيوي: وفيها يأتي:
قوله تعالى: (إنَّ الَذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا واسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ولا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ وكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ)(6)، والعقاب الدنيوى هنا متمثل في حرمانهم من الخيرات الإلهية الروحية، المشتمل على عدم استجابة الدعاء، وعدم قبول الأعمال والعبادات، وغير ذلك من الخيرات الإلهية المحضة(7).
و الإشارة فى قوله: (وكَذَلِكَ) تعود إلى عدم تفتُّح أبواب السماء الذى تضمنته الآية. والمعنى: ومثل ذلك الانتفاء -أى الحرمان- نجزي المجرمين لأنهم بإجرامهم -الذي هو التكذيب والإعراض- جعلوا أنفسهم غير مكترثين بوسائل الخير والنجاة، فلم يتوخَّوها ولا تطلَّبوها، فلذلك جزاهم الله عن استكبارهم أن أعرض عنهم، وسدّ عليهم أبواب الخير(8).
قوله تعالى: (ومَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَــرْتَنِي أَعْمَــى وقَدْ كُنـــتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى (126) وكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ولَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ)(1)، والعقاب الدنيوي هنا متمثل في المعيشة الضنك التى لا طمأنينة فيها ولا انشراح لصدر صاحبها، بل هو في قلق وحيرة وشك.
و المشار إليه في قوله تعالى: (وكَذَلِكَ) الأخيرة هو مضمون قوله تعالى قبلها: (فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)، أى: وكذلك نجزي في الدنيا الذين أسرفوا ولم يؤمنوا بالآيات(2).
(جـ) فى سنة التمكين فى الأرض: وشواهدها:
قوله تعالى عن يوسف عليه السلام: (ولَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وعِلْماً وكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ)(3)، إذ لا يتصور تمكين صحيح مستمر بدون حكم صحيح وعلم نافع.
والمشار إليه مضمون الآيات السابقة في الصبر والرضا بالمقادير(4).
قوله تعالى عن موسى عليه السلام: (ولَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وعِلْماً وكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ)(5) وهي في معنى سابقتها.
(د) فى سنة الجزاء بجنس العمل: وفيها يأتي:
قوله تعالى: (وكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاَ)(6)، والمشار إليه هو قوله تعالى قبلها: (ويَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإنسِ وقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ الإنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ)(7)، المعنى: (وكما ولينا ما بين هؤلاء المشركين وبين أوليائهم نولى بعض الظالمين كلهم بعضهم مع بعض)(8).
(هـ) فى سنة التزيين: وشاهدها:
قوله تعالى: (ولا تَسُبُّوا الَذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ)(9)، والمشبه به هنا هو تزيين سنة الله لهم(1).
(و) في سنة تغيير النعمة وسلبها: وفيها يأتي:
قوله تعالى بعد ذكر سلب النعمة التى حباها الله لأصحاب البستان، بسبب عدم تأدية حق الله والفقراء، فيقول تعالى: (كَذَلِكَ العَذَابُ ولَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(2).
والمشار إليه هنا هو ما تضمنته القصة من تلف جنتهم وما أحسوا به عند رؤيتها على تلك الحالة، وتندمهم وحسرتهم. والمعنى: مثل ذلك المذكور من سلب النعمة والحرمان منها يكون العذاب في الدنيا(3).
وعلى هذه الوتيرة تأتي آيات السنن في القرآن، ومما يؤكد ذلك أنه لا تخلو آية من التي سردناها من تصريح للمفسرين بأنها من السنة الإلهية، وإن كانت قلــة منها لم يصرحوا فيها بلفظ (السنة) فإنهم يلمحون معناها في ثنايا كلامهم، ويبثون مفهومها في مطويات ألفاظهم وتفسيراتهم.
ضوابط استخراج السنن أغلبية:
من كل ما سبق – فيما يتعلق بضوابط استخراج السنن – يتبين لنا أن المهيع الأساس والطريق الأصيل في إثبات هذه الضوابط إنما يتمثل في (الاستقراء) الذي به تستخرج القوانين والصفات المشتركة التي تربط بين الأشياء، وتجعل لها حكمًا واحدًا مع تعدد ذواتها وأشخاصها.
وقد اعتمدنا في إثباث هذه الضوابط على معنى (التكرار)؛ لأن الدلالة غير العقلية يتطرقها احتمال عدم الملازمة بأن يكون ما تحقق من نتيجة في إحداها إنما وقع على وجه الاتفاق، فإذا تبين تكرر أمثالها مع نفس أسباب الأولى ضعف احتمال الاتفاقية، لأن قياس التمثيل لا يفيد القطع إلا بانضمام مقومات له من تواتر وتكرار(4).
هذا ولا يخفى علينا أن الضوابط اللفظية المذكورة في هذا المبحث هي على وجه الغلبة في كيفية استخراج السنن والوقوف عليها، بل إنها تساعد -إلى حد كبير- الباحثين فى مجال الدراسات القرآنية الخاصة بالسنن الاجتماعية والقوانين الإلهية في معاملة الله للبشر.
(1) سورة آل عمران، الآية 13.
(1) سورة الحشر، الآية 2.
(2) سورة يوسف، الآية 111.
(3) كتاب النبوات، لابن تيمية، ص 249.
(4) سورة آل عمران، الآيتان 10، 11.
(5) سورة الأنعام، الآية 112.
(6) السورة نفسها، الآية 129.
(7) سورة يوسف، الآية 22.
(8) سورة القمر، الآية 43.
(9) سورة محمد، الآية 10.
(10) سورة المرسلات، الآيات 16-18 .
(11) سورة المجادلة، الآية 5 .
(1) شفاء العليل، لابن قيم الجوزية، ص 408.
(2) سورة آل عمران، الآية 140.
(3) سورة البقرة، الآية 118.
(4) سورة الذاريات، الآيتان 52، 53.
(5) الصحوة الاسلامية بين الجحود والتطرف، للدكتور يوسف القرضاوي، ص140 .
(1) سورة هود، الآية 109.
(2) روح المعاني، للألوسي (12/ 147).
(3) سورة آل عمران، الآية 164. وسورة الجمعة، الآية 2.
(4) سورة آل عمران، الآية 103.
(5) لم أجد هذا الأثر في كتب تخريج الأحاديث والآثار، وقد أورده ابن تيمية في مجموع الفتاوى (10/ 301) وفي منهاج السنة النبوية (398/2)، (4/ 590)، وابن قيم الجوزية فى مدارج السالكين (1/ 343) ومفتاح دار السعادة، ص295.
(1) سورة القمر، الآية 43.
(2) السورة نفسها، الآية 44.
(3) السورة نفسها، الآية 45.
(4) كتاب النبوات، لابن تيمية، ص 249.
(5) سورة فصلت، الآية 43.
(6) سورة آل عمران، الآية 137.
(7) سورة هود، الآية 89.
(8) سورة غافر، الآيتان 30، 31.
(1) سورة الأعراف، الآيتان 101، 102.
(2) السورة نفسها، الآية 176.
(3) سورة هود، الآية 49.
(4) السورة نفسها، الآيات 100-103.
(5) سورة يوسف، الآية 111.
(1) سورة الفتح، الآية 29.
(2) أعلام الموقعين عن رب العالمين (239/1، 240).
(3) سورة الزمر، الآية 27.
(4) سورة العنكبوت، الآية 43.
(5) سورة الحشر، الآية 21.
(6) سورة الإسراء، الآية 89.
(7) سورة الزخرف، الآيات 6-8 .
(8) الكشاف (3/ 478).
(9) سورة البقرة، الآية 214.
قال ابن كثير في قوله: (مَّثَلُ الَذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم) أي: (سنتهم)، كما قال تعالى: (فَأهلَكْنَا أشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا ومَضَى مَثَلُ الأوَّلِين) (سورة الزخرف: 8). تفسير القرآن العظيم (251/1).
(1) سورة النحل، الآية 112-114.
(2) جامع البيان، للطبري (14/ 242).
(3) سورة يس، الآيات 13- 29.
(1) سورة الكهف، الآيات 32-43.
(2) سورة الأعراف، الآيتان 175، 176.
(3) التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور (9/ 179).
(4) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (2/ 427) عن أبي هريرة.
(5) الرسالة، للإمام الشافعي، ص41.
(1) الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (2/ 131).
(2) سورة الأنعام، الآية 11. وسورة النمل، الآية 19. وسورة العنكبوت، الآية 20. وسورة الروم، الآية 42.
(3) معجم ألفاظ القرآن، مادة (سير).
(4) المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، لمحمد فؤاد عبد الباقي، مادة (سير).
(5) المرجع السابق، المكان نفسه.
(1) سورة آل عمران، الآيتان 137، 138.
(2) الأساس في التفسير، لسعيد حوى (2/ 880).
(3) الكشاف (1/ 465).
(4) تفسير المنار، لرشيد رضا (8/ 290).
(1) الآية : 20.
(2) التحرير والتنوير، للطاهر بن عاشور (230/20).
(3) سورة الروم، الآية 9.
(4) سورة فاطر، الآية 44.
(5) سورة غافر، الآية 82.
(1) في ظلال القرآن، لسيد قطب (3101/5).
(2) سورة فاطر، الآيتان 42، 43.
(3) سورة غافر، الآيات 83- 85.
(1) سورة الحج، الآية 46.
(2) المقصود بالسبب في دراستنا هذه ما هو أعم من الشرط والعلة والمقتضى.
(3) سورة الطلاق، الآيتان 2، 3.
(4) السورة نفسها، الآية 4.
(5) سورة الأنفال، الآية 29.
(6) سورة محمد، الآية 7.
(7) سورة الأعراف ، الآية 96.
(8) سورة الكهف، الآية 59.
(9) سورة الأنعام، الآية 165.
(1) سورة آل عمران، الآية 120.
(2) السورة نفسها، الآية 125.
(3) سورة يوسف، الآية 90.
(4) سورة آل عمران، الآية 137.
(5) هو: أبو محمد محيي السنة الحسين بن مسعود بن محمد الفراء، أو ابن الفراء، البغوي نسبة إلى (بغا) من قرى خراسان، بين هراة ومرو، فقيه، محدث، مفسر، وُلد سنة 436 هـ، توفى بمرو الروذ سنة 510 هـ. له تصانيف مفيدة، منها: (شرح السنة)، فى الحديث، (التهذيب) في فقه الشافعية.
(وفيات الأعيان 1/ 145، تاريخ ابن عساكر 54/ 384، طبقات ابن السبكي 75/7، سير أعلام النبلاء 19/ 439).
(1) معالم التنزيل في التفسير والتأويل (553/1).
(2) سورة آل عمران، الآية 138.
(3) تفسير القران العظيم (1/ 408). وبحث السنن الإلهية في القرآن، لأستاذنا الدكتور مصطفى الشكعة. ص 811.
(4) سورة النساء، الآية 26.
(5) تفسير المنار، لرشيد رضا (5 /36)، وتفسير القرآن العظيم (1/ 479).
(6) الأساس في التفسير، لسعيد حوى (1039/2).
(1) السنن الإلهية في القرآن، لأستاذنا الدكتور مصطفى الشكعة، ص 812.
(2) سورة الحجر، الآيات 10-13.
(3) الأساس فى التفسير، سعيد حوى (6/ 2864).
(1) حتى يغيروا ما بأنفسهم، لجودت سعيد، ص 131.
(2) سورة الأنفال، الآية 38.
(3) جامع البيان، للطبري (9/ 326).
(4) الكشاف، للزمخشري (2 /157)، وفي ظلال القرآن، لسيد قطب (1508/3).
(5) حتى يغيروا ما بأنفسهم، لجودت سعيد، ص 129.
(1) سورة الكهف، الآية 55.
(2) الكشاف (2/ 489).
(3) سورة المدثر، الآية 31.
(4) الأساس في التفسير (3199/6).
(5) التحرير والتنوير (15/ 351).
(1) سورة فاطر، الآيتان 42، 43.
(2) سورة الأنعام، الآيتان 156، 157.
(3) سورة الرعد، الآية ا ا. وانظر: تفسير القرآن العظيم (562/3).
(4) سورة فاطر، الآية 43 .
(1) سورة الإسراء، الآيتان 76، 77 .
(2) تفسير المحرر الوجيز، لابن عطية الأندلسي (3/ 477).
(3) هو: محمد الطاهر بن عاشور، رئيس المفتين المالكيين بتونس، وشيخ جامع الزيتونة وفروعه بتونس، ولد عام 1296 هـ، عين شيخًا للإسلام هناك، وهو من أعضاء المجمعين العربيين في القاهرة ودمشق، توفى سنة 1393هـ. له مصنفات جليلة، منها: تفسير التحرير والتنوير، مقاصد الشريعة الإسلامية، أصول النظام الاجتماعي فى الإسلام.
(الأزهرية 7/ 198، الأعلام 6/ 174).
(4) التحرير والتنوير (15/ 180).
(5) سورة الأحزاب، الآيات 60- 62.
(1) الكشاف، للزمخشري (3 / 274، 275)، والجامع لأحكام القرآن، للقرطبـي (14/ 159).
(2) في ظلال القرآن، لسيد قطب (5/ 2880).
(1) سورة غافر، الآيات 82-85.
(2) تفسير القرآن العظيم (4/ 89).
(3) أخرجه أحمد في مسنده (2/ 153) والترمذي في سننه (5/ 547) وابن ماجة في سننه (2/ 1420) وأبو يعلى في مسنده (9/ 462) وعبد بن حميد فى مسنده (267/1) و ابن حبان في صحيحه (2/ 394) والطبرانى في مسند الشاميين (1/ 124) والحاكم فى المستدرك (4/ 286) والبيهقي في شعب الإيمان (395/5) كلهم عن ابن عمر. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (5/ 160): هذا حديث عال صالح الإسناد.
(1) سورة الأحزاب، الآيتان 37. 38.
(2) الكشاف، للزمخشري (3/ 264) وتفسير القرآن العظيم (3/ 492) والتحرير والتنوير (22/ 40).
(3) سورة الفتح، الآيتان 22، 23. (4) تفسير القرآن العظيم (4/ 192).
(1) سورة المجادلة، الآية 21.
(2) سورة غافر، الآية 51.
(3) سورة الصافات، الآيات 171- 173.
(4) سورة الحشر، الآية 2.
(1) كما مر في سورة الحجر، الآيات 10-13، وسورة الأنفال، الآية 38، وسورة الكهف، الآية 55، وسورة فاطر، الآيتان 43،44، وسورة الإسراء، الآيتان 76، 77.
(2) كما مر في سورة الأحزاب، الآيات 60-62.
(3) كما مر في سورة النساء، الآية 26، وسورة الأحزاب، الآيتان 37، 38.
(4) كما مر في سورة غافر، الآيات 82-85.
(5) كما مر في سورة الفتح، الآيتان 22، 23.
(6) سورة آل عمران، الآيتان 137، 138.
(7) سورة الأنفال، الآية 42.
(1) المقصود بالتعليل هنا ما يشمل العلة والسبب.
(2) سورة الأنعام، الآية 165.
(3) السورة نفسها، الآية 42.
(4) سورة محمد، الآية 4.
(5) سورة الأنعام، الآية 123.
(6) سورة الجن، الآيتان 16، 17.
(7) سورة آل عمران، الآيتان 140، 141.
(1) سورة الحجر ات، الآية 13.
(2) سورة آل عمران، الآية 178.
(3) سورة النساء، الآيتان 164، 165 .
(4) سورة الأنفال، الآيتان 7، 8 .
(5) السورة نفسها، الآيتان 36، 37.
(6) سورة المدثر، الآية 31 .
(1) سورة الأنعام، الآية 6.
(2) سورة الأعراف، الآية 165.
(3) سورة الأنفال الآية 54.
(4) سورة فصلت، الآية 17.
(5) سورة الأعراف، الآية 96.
(6) السورة نفسها، الآية 136.
(7) سورة العنكبوت، الآية 40.
(8) سورة الأنعام، الآية 129.
(9) سورة الأعراف، الآية 137.
(10) سورة النحل، الآية 112 .
(1) سورة سبأ، الآيات 15-17 .
(2) سورة سبأ، الآية 16.
(3) سورة الأعراف، الآية 73.
(4) سورة هود، الآية 113.
(5) سورة طه، الآية 81.
(6) سورة الأنفال، الآية 46.
(7) هو: بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، وُلد في مصر سنه 745 هـ من أصل تركي، وكان فقيها أصوليًّا محررًا، وأديبًا محدِّثًا، وهو شافعي المذهب، توفى سنة 794هـ. له مصنفات قيمة، أهمها: البرهان في علوم القرآن، البحر المحيط في أصول الفقه. (الدرر الكامنة 17/4، حسن المحاضرة 437/1، طبقات المفسرين للداودي 3 / 157).
(8) سورة يوسف، الآية 53.
(9) سورة طه، الآية 10.
(10) البرهان في علوم القرآن، للزركشي (96/3).
(1) هو: أبو الفتح، عثمان بن جني الموصلي، من أئمة الأدب والنحو، كان أبوه مملوكًا روميًّا لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي، توفى سنة 392 هـ. من تصانيفه: (شرح ديوان المتنبـي)، و(المحتسب) في شواذ القراءات، و(سر صناعة الإعراب)، و(الخصائص) في اللغة، و(اللمع) في النحو.
(إرشاد الأريب 5/ 15-32، وفيات الأعيان 313/1، شذرات الذهب 3/ 140، يتيمة الدهر 77/1).
(2) سورة البقرة، الآية 199، وسورة المزمل، الآية 20.
(3) سورة التوبة، الآية 103.
(4) سورة يوسف، الآية 53.
(5) الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (1/ 157). و انظر كذلك: البرهان، للزركشى (4/ 229).
(6) سورة العنكبوت، الآية 31. وانظر: أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي (99/1).
(7) سورة الدخان، الآية 37. وانظر: التحرير والتنوير (25/ 310).
(8) سورة النجم، الآيات 50-52.
(9) روح المعاني (27/ 70) ومدارك التنزيل وحقائق التأويل، للنسفى (4/ 200).
(10) سورة الأنبياء، الآيتان 76، 77. و انظر: روح المعاني، للألوسي (17/ 73).
وقد جاء الشاهد نفسه فى قوله تعالى عن فرعون وقومه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف: 55)، وفيه قال الطاهر بن عاشور: (وجملة (إنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِين) في موضع العلة لجملة (فَأَطَاعُوهُ) كما هو شأن (إنَّ) إذا جاءت فى غير مقام التأكيد، فإن كونهم قد كانوا فاسقين أمر بيِّنٌ ضرورة أن موسى جاءهم فدعاهم إلى ترك ما كانوا عليه من عبادة الأصنام، فلا يقتضى في المقام تأكيد كونهم فاسقين، أي: كافرين). التحرير والتنوير (233/25).
(1) البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي (3/ 73، 123). وانظر: السنن التاريخية في القرآن الكريم لمحمد باقر الصدر، ص 101-106، حيث ذكر هذا الضابط ولكن بطريقة علم المنطق، وهي ما يسمى بالقضية الشرطية التي تربط بين حادثتين أو مجموعتين من الحوادث على الساحة التاريخية، وتؤكد العلاقة الموضوعية بين الشرط والجزاء، وأنه متى ما تحقق الشرط تحقق الجزاء.
(2) سورة الأنفال، الآية 29.
(3) سورة آل عمران، الآية 101.
(4) سورة النساء، الآية 115. قال البيضاوي في قوله تعالى: (نُولِّهِ مَا تَولَّى) أي: نجعله واليًا لما تولى من الضلال ونُخْل بينه وبين ما اختاره. أ هـ، من أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1 /134).
(5) سورة طه، الآية 123.
(6) سورة الطلاق، الآيتان 2، 3.
(7) سورة النساء، الآية 100.
(8) سورة الأعراف، الآية 96.
(9) سورة الجن، الآية 16.
(10) سورة البقرة، الآية 211. قال أبو حيان: (ولفظ (ومَن يُبَدِّل) عام، وهو شرط فيندرج فيه مع بني إسرائيل كل مبدل نعمة ككفار قريش وغيرهم، فإن بعثة محمد eنعمة عليهم، وقد بدلوا بالشكر عليها وقبولها الكفر). البحر المحيط (128/2).
(1) سورة طه، الآية 124.
(2) سورة محمد، الآية 38.
(3) سورة المائدة، الآية 54.
(4) سورة التوبة، الآية 39.
(5) سورة محمد، الآية 7.
(6) سورة البقرة، الآية 251.
(7) سورة الحج، الآية 40.
(8) سورة الكهف، الآية 59.
(9) سورة يونس، الآية 13.
(10) سورة السجدة، الآية 24.
(11) سورة الزخرف، الآية 55 .
(1) تفسير التحرير والتنوير، لابن عاشور (113/11) والإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (ا/ 173، 174) ومغني اللبيب لابن هشام (1/ 219) والكليات، لأبي البقاء الكفوي، ص 791.
(2) حاشية ابن المنير على الكشاف (3/ 440).
(1) تفسير البحر المحيط، لأبي حيان (1/ 426، 427).
(2) هى اسم لجرها بالحرف والإضافة.
(3) هى مبنية لشبهها الوضعي بالحرف، وهي مبنية على السكون.
(4) وهى مبهمة؛ لأنها موضوعة للعدد المبهم.
(5) وهي مفتقرة للتمييز، لأنها يفسرها التمييز بها. انظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (196/1) وحاشية الشمنى على مغني اللبيب (16/2).
(6) سورة الأعراف، الآية 4.
(7) سورة الأنبياء، الآية 11.
(1) سورة النجم، الآية 26.
(2) سورة الأعراف، الآية 4. وانظر: البرهان في علوم القرآن للزركشي (4 /328، 329).
(3) حاشية الشمني على مغني اللبيب (16/2) وحاشية الدسوقي على المغني (1/ 197).
(1) روح المعانى، للألوسى (4/ 81، 82).
(2) هو: أبو الحسين، أحمد بن فارس القزويني الرازي، إمام في اللغة والأدب، بصير بفقه مالك. ومذهبه في النحو على طريقة الكوفيين. توفى سنة 395 هـ. من مؤلفاته: (مقاييس اللغة) و(المجمل)، و(الصاحب) في العربية، و(جامع التأويل) في تفسير القرآن.
(ترتيب المدارك 4/ 610، نزهة الألباء، ص 320، وفيات الأعيان 1 /118).
(3) البرهان في علوم القرآن، للزركشى (4/ 312).
(4) هو: أبو معبد عبد الله بن كثير الداري، الإمام العلم، مقرئ مكة، وأحد القراء السبعة، فارسي الأصل، تحفّه السكينة، ويحوطه الوقار، توفى سنة 120هـ.
(التاريخ الكبير 5/ 181، سير أعلام النبلاء 5/ 318، طبقات القراء 1/ 433).
(5) هو: محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي مولاهم المكي، مقرئ أهل مكة مع ابن كثير، ثقة، عرض على مجاهد بن جبير ودرياس مولى ابن عباس وسعيدبن جبير، وعرض عليه شبل بن عباد وأبو عمرو بن العلاء. توفى سنة 123هـ، وقيل: سنة 122 هـ.
(طبقات القراء لابن الجزري 2/ 167).
(6) روح المعاني، للألوسي (4/ 82). وانظر: المحرر الوجيز، لابن عطية (518/1- 520).
(1) هو: ابو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل، عرف بالزجاج؛ لأنه كان في شبيبته يخرط الزجاج ثم رغب في النحو، فلزم (المبرد). جعله عبيد الله بن سليمان -وزير الخليفة المعتضد- مؤدبًا لابنه القاسم، فلما وزر القاسم بعد وفاة أبيه اتخذ الزجاج كاتبًا له. توفى نحو سنة 311 هـ. من مؤلفاته: كتاب (سر النحو)، و(فعلت وأفعلت)، و(معاني القرآن وإعرابه).
(تاريخ بغداد 89/6، نزهة الألباء، ص 244. تهذيب الأسماء واللغات 2/ 170).
(2) معاني القرآن وإعرابه، للزجاج (1/ 419). وانظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور (4/ 116).
(3) سورة هود، الآية 117 .
(4) سورة القصص، الآية 59 .
(5) سورة الأنعام، الآية 131.
(6) سورة الحجر، الآية 4.
(7) سورة الشعراء، الآية 208.
(8) سورة الأنفال، الآية 33.
(9) سورة القصص، الآية 58.
(10) سورة الأنبياء، الآية 11.
(11) سورة الحج، الآية 45.
(1) سورة محمد، الآية 13. وانظر: روح المعاني، للألوسي (46/26).
(2) سورة الطلاق، الآيتان 8، 9.
(3) السورة نفسها، الآية 10. وانظر: روح المعاني، للألوسي (28/ 141).
(4) سورة الحج، الآية 48.
(5) أي: أصلها ومعظمها. انظر: مدارك التنزيل وحقائق التأويل (3/ 241).
(6) سورة القصص، الآية 59.
(7) سورة الإسراء، الآية 15.
(8) سورة آل عمران، الآية 179.
(9) سورة الأنفال، الآية 53.
(10) سورة الرعد، الآية 11.
(1) سورة البقرة، الآية 143.
(2) سورة النعام، الآية 75.
(3) السورة نفسها، الآية 53.
(4) سورة الكهف، الآية 91.
(5) سورة الأنعام، الآية 112.
(6) السورة نفسها، الآية 105.
(7) سورة الروم، الآية 59.
(8) أي بدون كاف التشبيه في (كذلك).
(9) روح المعانى، للألوسي (3/2) عند تفسير قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعلْنَاكُمْ أُمًّة وَسَطًا) (البقرة: 143).
(1) سورة البقرة، الآية 143. وانظر: الكشاف، للزمخشري (317/1) وتفسير البحر المحيط، لأبي حيان (1/ 421).
(2) سورة الأنعام، الآية 53.
(3) سورة الكهف، الآية 78. وانظر: تفسير التحرير والتنوير (2/ 17). وتفسير الميزان، للطباطبائي (363/13). والكليات، لأبي البقاء الكفوي، ص461.
(4) هو: أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، الأنباري، من أعلم أهل زمانه بالأدب واللغة، ومن أكثر الناس حفظًا للشعر والأخبار، وُلد في الأنبار (على الفرات)، وكان يتردد إلى أولاد الخليفة الراضي بالله يعلمهم، توفى ببغداد سنة 328 هـ. له مصنفات جمة، منها: (شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات)، (إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله عز وجل)، (الأضداد).
(وفيات الأعيان 1/ 503، غاية النهاية 2/ 230، تذكرة الحفاظ 3/ 57، بغية الوعاة 91).
(5) تفسير البحر المحيط، لأبي حيان (4/ 229). وانظر: قطف الأزهار في كشف الأسرار، للسيوطي (2/ 943).
(6) سورة هود، الآية 102.
(7) السورة نفسها، الآية 101.
(1) هو: أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، الشاعر الأديب، أحد أمراء البيان، وُلد في جاسم من قرى (حوران) بسورية، ورحل إلى مصر، واستقدمه المعتصم إلى بغداد فأجازه وقدمه على شعراء وقته، فأقام في العراق حتى توفى بها سنة 231 هـ. وقد اختُلف في التفضيل بينه وبين المتنبـي والبحتري. له مصنفات عدة، منها: (ديوان الحماسة)، (نقائض جرير والأخطل).
(وفيات الأعيان 121/1، نزهة الأدباء 38/1، خزانة الأدب 1/ 172).
(2) تفسير التحرير والتنوير (2/ 16).
(3) سورة يونس، الآية 13.
(4) أنوار التنزيل وأسرار التأويل، للبيضاوي (237/1) وتفسير الجلالين (337/2).
(5) سورة هود، الآية 102.
(1) سورة هود، الآيتان 100، 101. و انظر: روح المعاني (12/ 137) وتفسير المنار (155/12).
(2) سورة الأحقاف، الآيتان 24، 25.
(3) جامع البيان (36/26) والجامع لأحكام القرآن (16/ 138).
(4) سورة المرسلات، الآيات 16-18.
(5) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (252/2) والبحر المحيط، لأبي حيان (8/ 405).
(6) سورة الأعراف، الآية 40.
(7) الكشاف (78/2) وتفسير التحرير والتنوير (8/ 2/ 126).
(8) تفسير التحرير والتنوير (8/ 2/ 128).
(1) سورة طه، الآيات 124-127.
(2) الكشاف (2/ 558) وتفسير القرآن العظيم (3/ 168) وروح المعاني (16/ 278، 279) والتحرير والتنوير (333/16).
(3) سورة يوسف، الآية 22.
(4) معالم التنزيل، للبغوى (3/ 269)، البحر المحيط، لأبي حيان (293/5) روح المعاني (209/12)
وقال الشيخ رشيد رضا في تفسير المنار (274/12): لا شك أن هذه السنة في جزاء المحسنين عامة ولكل محسن منها بقدر إحسانه.
(5) سورة القصص، الآية 14.
(6) سورة الأنعام، الآية 129.
(7) السورة نفسها، الآية 128.
(8) تفسير التحرير والتنوير (8/ 73).
(9) سورة الأنعام، الآية 108.
(1) أنوار التنزيل و أسرار التأويل (179/1).
(2) سورة القلم، الآية 33.
(3) معالم التنزيل (5/ 434) والتفسير الكبير (15/ 666) وروح المعانى (29/ 40).
(4) كتاب ابن حزم، للشيخ محمد أبي زهرة، ص 170. وتفسير التحرير والتنوير (103/19).