مقدمة:
لا حاجة بنا إلى القول بأن الفكر الاقتصادي الإسلامي لم يكن له وجود قبل ظهور الإسلام ، وهذا أمر بدهي أخذًا من الاسم، كما أنه لم يظهر منذ اللحظة الأولى التى ظهر فيها الإسلام، فظهور الإسلام سابق لظهور الفكر الاقتصادي الإسلامي
، فقد مضت فترة زمنية يمكن تسميتها بفترة إظهار وتبيان مصادر الفكر الإسلامي، ومنه الفكر الاقتصادي . هذه الفترة الزمنية هي زمن النبوة، فكان الرسول (ص) يتنزل عليه القرآن خلال هذه الفترة، والقرآن هو المصدر الأول للفكر الاقتصادي الإسلامي، فيقوم (ص) بتبليغه للصحابة {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } (المائدة: 67) ثم يقوم صلوات الله عليه بتبيينه وتوضيح هداياته من خلال الأقوال والأفعال والتقريرات، أي من خلال سنته الشريفة بشعبها الثلاث {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِـــــمْ وَلَعَلَّهُـمْ يَتَفَكَّـــــرُون} (النحل:44).
وبالتالي فقد ظهر في هذه الحقبة الزمنية المصدر الثاني من مصادر التشريع والفكر الاقتصادي الإسلامي وهو السنة.
وهكذا نجد أن هناك فترة زمنية تبدأ بظهور الإسلام وتنتهى بوفاة الرسول (ص) كانت فترة مصادر للفكر الاقتصادي وليست فترة فكر، فحاشا لله أن يكون القرآن فكرًا اقتصاديًّا أو فكرًا من أي نوع، طالما كنا واعين جيدًا بالمفهوم اللغوى والعلمي لمصطلح الفكر، كما أن السنة النبوية هي الأخرى بعيدة تمامًا عن أن تكون فكرًا تحت أي وصف أو مسمى، فلم تخرج ولم تقع من الرسول (ص) نتيجة إعمال عقله ونظره في هذه المسألة أو تلك(1) ، وإنما هي وحي من الله تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (النجم : 3، 4) وما كان الرسول (ص) -كما ذهبت بعض الفرق الضالة- رجلاً مفكرًا تمكن بفكره وعبقريته من القول بما قال .
ويلاحظ أنه في تلك الحقبة لم يظهر للصحابة فكر اقتصادي، فما وجدناهم يواجهون القضايا والمسائل الاقتصادية معملين فيها نظرهم وعقلهم، مدلين فيها بمرئياتهم وأفكارهم، اللهم إلا ما كان منها داخلاً في نطاق التجارب والحسيات والمشاهدات والنواحي الفنية، وبفرض قيامهم بذلك في غير هذا النطاق فكان يعرض على الرسول (ص) فيقره أو يرفضه أو يعدله، وبالتالى يتحول الأمر من موضوع فكر إلى موضوع مصدر للفكر .
ومعنى ذلك أن فترة النبوة كانت مرحلة تعلم واكتساب للمعرفة الصحيحة اللازمة فيما بعد للصحابة لإنتاج وتوليد الفكر لديهم .
وهذا أمر منطقي، فأولاً يكون التعلم، ثم بعد ذلك يكون التعليم والتفكير العلمي، فلابد من الإحاطة الجيدة والمعرفة الحسنة بمصادر الفكر، ثم بعد ذلك يجيء الفكر. وهذا ما كان ، إذ بمجرد انتهاء فترة النبوة سرعان ما تفجرت الأفكار الاقتصادية وغيرها من قبل الصحابة رضوان الله عليهم .
وبذلك يمكن القول: إن بداية ظهور الفكر الاقتصادي الإسلامي كانت مع بدء عصر الخلافة. وهنا نجدنا أمام المرحلة الأولى المبكرة للفكر الاقتصادي الإسلامي .
والسؤال المطروح هو : إذا كانت هذه هي بداية المرحلة الأولى للفكر الاقتصادي الإسلامي فما هي نهاية هذه المرحلة ؟
هنا ندخل في مسألة تحتمل العديد من الآراء . ولكنى أرى أن هذه المرحلة قد استغرقت عصر الخلافة الراشدة بالكامل، وكذلك عصر الأمويين بكامله، ويمكن إدخال السنوات الأولى من عصر العباسيين في هذه الحقبة.
وبعبارة أخرى نقول: إن هذه المرحلة بدأت منذ وفاة الرسول (ص) وانقطاع الوحي، وامتدت حتى بداية عصر التدوين العلمي في العالم الإسلامي، إذ ببداية هذا العصر بدأت العلوم الإسلامية المختلفة في الوجود والظهور، وظهر علماء متخصصون في العلوم والفنون المختلفة، ومنها ما يدخل تحت نطاق الدراسات الاقتصادية .
ومن الواضح أن البداية الفعلية القوية والجادة لهذه الظاهرة العلمية ظهرت في أوائل العصر العباسي .
وتساؤل آخر قد يرد هنا هو: هل يمكن أن نطلق على ما قدمه الصحابة والتابعون في هذا المجال إرهاصات للفكر الاقتصادي الإسلامي؟
لا نستطيع أن ندخل ما حدث في هذه المرحلة تحت مسمى الإرهاصات إلا بقدر كبير من التجوز؛ لأن القول بذلك يخرج ما قدم منهم من نطاق الفكر الاقتصادي، فالإرهاصات في أصل معناها أمور تنبئ عن قرب مجيء شيء مغاير لهذه الأمور، مثل إرهاصات النبوة وإرهاصات البلوغ، وهكذا.
وأيضًا مع أن ما حدث في هذه الفترة كان فكرًا اقتصاديًّا بكل معنى الكلمة، وإن كان ذا سمات متميزة، لكن إذا ما نظرنا للفكر الاقتصادي على أنه فكر علمي مدون ومنهج صادر عن علماء محترفين أو متخصصين فعند ذلك يمكن اعتبار فكر مرحلتنا هذه هو بمثابة إرهاصات للفكر الاقتصادي الإسلامي .
ترى ما هي طبيعة الفكر الاقتصادي في هذه الحقبة؟ وما هي أهم سماته؟ وما هي أهم مقولاته واهتماماته، هذا ما تحاول الورقة الإجابة عليه، بادئة في ذلك بالتعريف السريع بالقرآن الكريم والسنة المطهرة ، بوصفهما مصدرين للفكر الاقتصادي الإسلامي، وذلك بعد التعريف بالفكر الاقتصادي الإسلامي.
تعريف الفكر الاقتصادي الإسلامي:
الفكر لغة اسم لِفَكَرَ بمعنى أعمل العَقل في شيء، ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول. وفكّر مبالغة في فَكَرَ ، فكَّر في المشكلة أعمل عقله فيها ليتوصل إلى حلها، فهو مفكر، والتفكير إعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها، ويقال: لي في الأمر فكر أي نظر ورؤية ، وهو إعمـــال الخاطر في الشيء(1).
وقال الراغب: (الفكرة قوة مطرقة للعلم إلى المعلوم، والتفكير جولان تلك القوة بحسب نظر العقل، وذلك للإنسان دون الحيوان، والفكر فرك الأمور وبحثها طلبًا للوصول إلى حقيقتها)(2).
وفي المصباح المنير: الفكر ترتيب أمور في الذهن يتوصل بها إلى مطلــوب يكــون علمًا)(3).
وهذه المفاهيم تتفق على عدة أمور، على رأسها أن الفكر نشاط عقلي، بمعنى أن أداته هي العقل . وبذلك خرج القرآن وخرجت السنة، وثانيًا: أنه قد ينتج علمًا ومعرفة، وثالثًا: أنه قد نظر له على أنه عملية أو نشاط عقلي، وهذا هو المعنى المصدري للفكر. وقد ينظر له من حيث ثمرته ونتيجته، أي ما ينجم عنه من معلومات ومعارف ومقولات، وهذا هو المعنى الاسمى للفكر.
ومن الواضح أن النشاط الذي يعنينا هنا هو هذا المعنى الاسمى، فنحن نفتش عن المعلومات والأفكار والمقولات الاقتصادية التى قال بها بعض الناس من خلال إعمال عقولهم وأذهانهم في بعض القضايا .
وعرفه بعض العلماء بأنه إعمال الذهن تدبرًا وتأملاً في أي من شئون الدين والدنيا، فهو نشاط بشري، أداته العقل، وثمرته الرأى والعلم والمعرفة التى تنتج عن هذه العمليات العقلية(4) .
وقد عُرف الفكر الاقتصادي الإسلامي بأنه (اجتهاد علماء المسلمين في مجال بحث وتحليل المشكلة التى واجهت مجتمعاتهم في العصور المختلفة، ومحاولة استنباط العلاج الملائم لها داخل إطار الشريعة الإسلامية، وأخذًا في الاعتبار مقاصد الشريعة وأهداف الأمة الإسلامية(1) .
كما عُرف بأنه (المحاولات العقلية من علماء الاقتصاد في إطار المصادر الأصلية للتشريع الإسلامي)(2).
وعُرف بأنه (الاجتهاد البشري العقلي في بحث وتقصى النواحي الاقتصادية المحكومة بالشق الثابت المتمثل في القرآن الكريم والسنة الصحيحة)(3) .
ويمكن تعريف الفكر الاقتصادي الإسلامي بأنه (اجتهاد العقل البشري في المسائل الاقتصادية في إطار الهدى الإسلامي) فنحن مع عملية عقلية، وما ينجم عنها، مجالها الاقتصاد، وإطارها الإسلام. أو أداتها العقل في نور الوحي.
تمييز الفكر عن مصادر الفكر:
في ضوء العرض السابق يمكن الإشارة إلى تمييزات أساسية بين الفكر الاقتصادي الإسلامي ومصادر هذا الفكر.
1- مصادر الفكــر النقلية (الوحي) (القرآن والسنة) وهي معصومة من الخطأ، لكن الفكر يرد عليه الخطأ ، بحكم كونه عملاً عقليًّا إنسانيًّا لفهم الوحي.
2- مصدر ومنبع ومنشأ الفكر هو العقل الإنساني، لكن المصادر منشؤها ومصدرها الوحي، أو ما يطلق عليه النقل.
3- مصادر الفكر مطلقة، لكن الفكر نسبـي .
4- مصادر الفكر ليست زمنية أو تاريخية، فهي وإن ظهرت في زمن معين، لكنها من أجل كل زمن ،بينما الفكر زمنى تاريخي .
ما قدمه الخلفاء الراشدون: بين الفكر والمصادر:
بمناسبة التمييز بين الفكر ومصادره تواجهنا مسألة تتطلب التحرير أو على الأقل التبصر بها، لما لها من آثار مهمة، وهي أن ما قاله وعمل به الخلفاء الراشدون هو بنص الحديث سنة تتبع، ففي الحديث الشريف (عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)..
ومعنى ذلك في قضيتنا هذه أننا أمام فكر من جهة، وأمام ، في الوقت نفسه، مصادر للفكر من جهة ثانية، فما قدمه هؤلاء بحكم كونه إعمالاً للعقل في ضوء الوحي هو فكر، وهو بحكم هذا الحديث سنة، أي مصادر للفكر .
وملاحظة هذه المسألة مهمة لما لها من آثار، سواء فيما يتعلق بالصواب والخطأ، أو ما يتعلق بلزوم الاتباع، أو بالمطلق والنسبي، والمسألة تحتاج إلى تحرير وتدبر لا تتحملها هذه الورقة .
القرآن الكريم مصدرًا للفكر الاقتصادي الإسلامي
المهمة هنا تتحدد بوضوح في التعرف الإجمالي على مدى اهتمام القرآن الكريم بالقضايا الاقتصادية، وجوانب وأبعاد هذا الاهتمام، والتوجيهات القرآنية التى على الفكر أن يرسمها ويسير في ضوئها .
الخاصية الكبرى للقرآن الكريم أنه كتاب هداية، وإذا كانت الهداية خاصته الكبرى فهي أيضًا وظيفته الأساسية، وما أكثر الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة التى تصف القرآن بهذه الصفة وتحدد له تلك الوظيفة، وقد بلغت هذه السمة وتلك الوظيفة من الأهمية ما جعل بعض الباحثين يعتبرها بحق المعجزة القرآنية الكبرى، بمعنى أن معجزة القرآن أو إعجاز القرآن يتمثل أول ما يتمثل في هدايته(1) . وليس في ذلك أدنى عجب إذا ما قرأنا أول سورة البقرة : {الم(1)ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِين} (البقرة : 1،2)
وهداية القرآن الكريم هي هداية عامة شاملة، هداية للعقل، وهداية للحواس ، وهداية للقلب والوجدان، وهداية للروح والنفس. وهي هداية عامة ومحيطة بكل ما للإنسان فيه موقف، هداية في المال والاقتصاد، هداية في الاجتماع، هداية في السياسة، هداية في التربية ، هداية في المعارف والعلوم، هداية في القيم والعقائد والأخلاق. أليس هو مصدر للدين الجامع الخالد؟!
لقد تناول القرآن الكريم المجال الاقتصادي تناول إحاطة وتحديد للأسس والمنطلقات الكبرى التى لا يستغنى عنها نشاط اقتصادي كفء، ولا سلوك اقتصادي جيد، مكتفيًا في الكثير منه بالأسمى والمبادئ العامة، مفصلاً كأدق ما يكون التفصيل في بعضها، وهو في إجماله معجز، كما أنه في تحديده وتفصيله معجز ، وقد برهنت الحوادث والأيام على أنه لو لم يحدد ويفصل ما فصله ، ولو لم يجمل ما أجمله لكان وراء ذلك شر مستطير للإنسان .
ومن وجوه الإعجاز القرآني في المجال الاقتصادي أنه مع هذا الاهتمام الزائد بهذا المجال، كمًا وكيفًا، ومع هذه التوجيهات والهدايات المتعددة والمتنوعة لا يختلج في صدر القارئ الاقتصادي له – ناهيك عن غيره – أنه أمام كتاب في الاقتصاد ، وهذه منزلة لا يرقى لها إلا كتاب الله تعالى .
وهكذا نجد أن القرآن الكريم لم يترك قاعدة ولا أصلاً مما يحتاج إليه النشاط الاقتصادي ويحتاجها المفكر ليستهدى به ويسير في ضوئه إلا وتناوله إن بإجمال أو بإيجاز ، تاركًا للسنة الكريمة التبيين والتوضيح والتفسير، والتكميل إن لزم الأمر.
إن القارئ الاقتصادي إذا نظر في القرآن الكريم لا يخطئ نظره ما يلي :
1- الاهتمام القرآني الكمي الزائد بهذا المجال، فلا تكاد تخلو سورة من سوره العديدة من التعرض المتكرر لهذا المجال من جوانبه المختلفة .
2- وجود العديد من المصطلحات القرآنية الاقتصادية .
3- إضفاؤه قيمة كبيرة على المال والاقتصاد، معتبرًا المال والاقتصاد عصب الحياة .
قال تعالى : {َولاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُــمُ الَّتِي جَعَــلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} (النساء:5) ومن ثم كان خيره كبيرًا وشره أيضًا كبيرًا .
4- تحدث القرآن عن مختلف القطاعات الاقتصادية ، من زراعة وصناعة وتجارة وخدمات، مشيرًا بصور متعددة لأهمية كل قطاع في حياة الإنسان .
5- كذلك فقد تحدث عن الأنشطة الاقتصادية المتنوعة، من استهلاك ، وإنتاج، وتوزيع، وتبادل، مبينًا قواعد وضوابط كل نشاط بما يجعله نشاطًا وسلوكًا اقتصاديًّا جيدًا .
6- وتحدث عما يسمى بالسياسات الاقتصادية ، من تجارية، ومالية، ونقدية، مقدمًا الهدايات الضرورية لترشيد كل سياسة .
7- كما تناول مسألة الملكية وطبيعتها وأنواعها، ودور الدولة، والحرية الاقتصادية.
8- وتحدث عن علاقة الاقتصاد بالعقيدة والأخلاق والتشريع.
9- وهو في العديد من هداياته نجده يقدمها من المنظورين المعروفين في الدراسات الاقتصادية بالمنظور القيمي أو المعياري(Normative) والمنظور الوضعى(Positive) .فهناك الترغيب والترهيب أو الحث أو الأمر والنهى، وهناك التفسير والتعليل والنظر للواقع المترتب علي الامتثال أو عدمه .
قال تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (الإٍسراء: 29) هنا توجيه من جهة، وكشف وإظهار للواقع من جهة أخرى .
هذه مجرد إشارات أو لمحات خاطفة ترينا، على سرعتها ووجازتها، ما هنالك من قواعد ومبادئ وأصول، بل وبعض السياسات التى ينهض عليها الاقتصاد الإسلامي، ومن ثم فعلى رجالات الإسلام أن يعملوا عقولهم في هذه القواعد والأصول، أو بالأحرى في هذه الآيات لاكتشاف القواعد والأصول، والبناء عليها .
وباختصار كبير لا يغنى عن تفصيل وتحليل، يمكن القول: إن القرآن الكريم قدم للاقتصاد قواعده وأصوله ومبادئه الكبرى وبعض سياساته والكثير من مصطلحاته(1) . فهناك الملكية المزدوجة، وهي كلها ملكية استخلافية، وهناك الحرية الاقتصادية المنضبطة ، وهناك الدور الاقتصادي المهم للدولة، وهناك ضوابط الاستهلاك المتنوعة ، وكذلك الإنتاج ، وكذلك التبادل ، وأيضًا التوزيع، والتكافل الاجتماعي.
وبعبارة جامعة: إن النظرة الاقتصادية في القرآن الكريم تكشف بوضوح عما فيه من هدايات في تخصيص الموارد وفي توزيع الدخول والثروات، وما فيه من توجيهات تحقق عند الفهم الجيد والتطبيق السليم كفاءة التخصيص وعدالة التوزيع ، وهي الهدف النهائي الذي ينشده الاقتصاد الوضعي بكل مدارسه ونظمه .
السنة الشريفة مصدرًا للفكر الاقتصادي الإسلامي
السنة بيان للقرآن الكريم وتفريع عليه، بل وتكملة له . ولا عجب في ذلك، فإذا كان القرآن وحيًا من عند الله بلفظه ومعناه فإن السنة هي أيضًا وحي من عند الله بمعناها. فالكل من عند الله وإن تنوع وتميز، قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ(17)فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ(18)ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَه} (القيامة: 17 ،18 ،19) .
فهي في معظم شأنها تشبه – مع الفارق الكبير في المرتبة، ولله المثل الأعلى- اللائحة التنفيذية أو التفسيرية للقانون .
وعلينا حيال السنة أن نجيب على التساؤل الذي سبق أن أثرناه عند حديثنا عن القرآن الكريم بوصفه مصدرًا للفكر الاقتصادي الإسلامي، وهو: ما مدى اهتمام السنة النبوية الشريفة بالشئون الاقتصادية؟ وما هي جوانب وأبعاد هذا الاهتمام؟ ثم ما هي التوجيهات النبوية في هذا المجال والتى على الفكر الاقتصادي كي يكون إسلاميًّا أن يترسمها ويسير في ضوئها؟
أما أن السنة النبوية بشعبها المتعددة؛ القولية والفعلية والتقريرية قد اهتمت اهتمامًا فائقًا بالشأن الاقتصادي فهذا أمر يدركه بيسر وسهولة كل مطلع على هذه السنة، وخاصة إذا كان من الاقتصاديين . فلو ذهبنا نتقصى الأحاديث النبوية ذات الظلال الاقتصادية لما استطعنا إلى ذلك سبيلاً ، لكثرتها وتنوع جوانبها.
ومن الملاحظ أن السنة بدورها اهتمت بكل القطاعات الاقتصادية ، فللزراعة عندها شأن ومكانة، وللتجارة عندها أيضًا شأن ومكانة، وكذلك الصناعة والحرف . وترغيب الرسول (ص) في ممارسة الزراعة أو التجارة أو الصناعة يوحي للقارئ أن هذا هو القطاع المحبب والمرغوب فيه إسلاميًّا، فإذا ما انتقل إلى قطاع آخر يتملكه هذا الإحساس.
إن معنى ذلك اهتمام السنة بالإنتاج بشعبه ومجالاته المتعددة والتوجيه النبوي بالالتفات الجاد إلى التوازن القطاعي ، وقيام الاقتصاد الإسلامي على العديد من المرتكزات الإنتاجية.
كذلك نلاحظ أن النشاط التجاري بالنسبة للعرب عمومًا هو النشاط الأهم، والمدينة لا تشذ عن ذلك. وخــاصة بعد دخول الإسلام فيها(1).
ومما يلفت النظر أن الرسول (ص) بمجرد استقراره بالمدينة كان من أوائل ما التفت إليه هو إنشاء سوق للمسلمين يجرى فيه التبادل طبقًا للهدي الإسلامي.
وهكذا وجد المكان ووجد الإطار والتنظيم والتشريع من خلال العديد من الأحاديث الحاكمة والضابطة للتبادل، فلا غش، ولابيع على البيع ، ولا احتكار، ولا تلقى للركبان، ولابيع حاضر لبادٍ، وغير ذلك من كل ما لا يولد عملية تبادلية رشيدة وذات كفاءة.
ومما يلفت نظر الدارس للسنة الشريفة أيضًا قيام الرسول (ص) في بداية قدومه المدينة بعملية المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، والظلال الاقتصادية للمؤخاة عديدة ومهمة ، فهناك نصف المجتمع المدني معدم لا شيء له، وهم المهاجرون ، وهناك النصف الثاني له بعض الأموال والملكيات، وهم الأنصار ، فضم الرسول (ص) كل مهاجر إلى أنصاري . وعرض الأنصار على الرسول (ص) أن يقسم ثرواتهم الإنتاجية، وقد تمثلت أساسًا في التحصيل بينهم وبين المهاجرين ، لكن الرسول أبى ذلك. فعرضوا أن تجرى بينهم مشاركة زراعية، ويوزع الناتج بينهم فقبل الرسول (ص) .
وبهذا حلت إلى حد كبير مشكلة عويصة تجمع بين البطالة من جهة والفقر والعوز من جهة ثانية .
وعندما تطورت الأوضاع المالية في الدولة وظهر الفيء قدم الرسول (ص) علاجًا جديدًا لهذه المشكلة ، حيث وزع الفيء على المهاجرين وفقراء الأنصار، وردّ على الأنصار أموالهم.
كذلك فقد اهتم الرسول (ص) باستغلال الموارد وعدم تركها معطلة، فشرّع الإقطاع وشرّع الإحياء، وظهرت واضحة معالم الملكية الخاصة والملكية العامة في الأراضي والمعادن وغيرها.
كذلك ظهر بوضوح طبيعة الدور الاقتصادي للدولة وحدوده، وعلاقتها بالقطاع الخاص، فمارس القطاع الخاص الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية بحرية في إطار الهدى الإسلامي، ولم تزاحمه الدولة في ذلك لا في الزراعة ولا في التجارة، ولا في الصناعة ، وسنت التشريعات اللازمة للقيــام والنهــوض بهذه الأنشطة (1).
وقد حرص الرسول (ص) على أن يحدد للصحابة بوضوح علاقة الاقتصاد بالعقيدة والأخلاق والقيم. وكذلك أهمية النشاط الاقتصادي وموقعه من الدين، كذلك حرص ما وسعه الحرص على علاج مشكلات الفقر والبطالة، وأن يكون المدخل في ذلك هو الإنتاج وليس مجرد التوزيع .
واهتمت السنة الشريفة بالاستثمارات والمحافظة على رءوس الأموال وتوفير متطلباتها، فقد نهى الرسول (ص) عن ذبح الحلوب وعن بيع العقارات وإنفاق ثمنها في غيرها.
كما رغب وحبب في الادخار (رحم الله رجلاً اكتسب طيبًا وأنفق قصدًا، وقدم فضلاً ليوم فقره وحاجاته)(1) وكما ظهر ذلك في حديث الحديقة والسحابة(2) ، وفي أحاديث ذم الاكتتاز وذم الإسراف وذم إضاعة الأموال. وبينت السنة معالم وجوانب عملية الربا التى حرمها القرآن الكريم. فحررت النقود من هذا السلوك المختل، وحمت عمليات الاستثمار الحقيقية، وأغلقت كل المنافذ المعوقة والمثبطة لها.
وباختصار فإن الدارس للسنة الشريفة يجدها قد أفسحت للمجال الاقتصادي رقعة متسعة على خريطتها، بحيث ما تركت شأنًا من الشئون الاقتصادية المهمة إلا وقدمت فيه الهداية اللازمة لرجالات الإسلام كي يقيموا على أساسها فكرهم الاقتصادي المستمر والمتنوع عبر الزمان والمكان .
إن دراسة الظلال الاقتصادية للسنة الشريفة بشكل مفصل مهمة ينوء بعبئها الباحثون الكثر. وهذه ليست مهمتنا هنا وإنما هي مجرد الإشارة السريعة إلى الملامح الرئيسية لجوانب وأبعاد اهتمام السنة بهذا الجانب، بهدف الرجوع إلى الهدى النبوي ليكون نورًا وهاديًا لعقول الباحثين في الاقتصاد الإسلامي. ومصدرًا لتكوين وتشكيل الفكر الاقتصادي الإسلامي لديهم .
الفكر الاقتصادي الإسلامي
في مرحلة النشأة – نماذج وعينات
بانتهاء زمن النبوة، كملت مصادر التشريع النقلية، من كتاب وسنة، وتأسست مصادر التشريع الأخرى، وأتم الصحابة فترة التعلم والمعرفة بهذه المصادر النقلية، ومن الآن فصاعدًا على الفكر الإسلامي أن يشق طريقه في مختلف حقول المعرفة والعمل، مهتديًا بهذه المصادر وما تعلمه ويتعلمه منها.
وقد تبين لنا أن المصادر النقلية قد أوضحت ورسمت وحددت القواعد والأسس والأصول، بل والكثير من السياسات في المجال الاقتصادي، بحيث أصبح الاقتصاد الإسلامي ذا سمات وخصائص ومقومات معروفة، ويمكن لمن يأتي من علماء المسلمين، على مر التاريخ أن يتعرفها ويبنى عليها، كل ما يستطيع بناءه من أفكار ومقولات.
وفي حقبة دراستنا هذه كان هناك واقع اقتصادي بسماته ومشكلاته وقضاياه، وكانت هناك مصادر ذات هداية، وهناك الصحابة ذوو العقول والبصيرة والرأي، وبالتالي فكل مكونات ومقومات الفكر الاقتصادي الإسلامي متوفرة .
ومع ذلك فإن هناك بعض الأمور التي يجب التنبه لها لمن يتصدى لمعرفة ودراسة الفكر الاقتصادي في هذه الحقبة، حتى تأتى دراسته على مستوى طيب. ومن ذلك أن هذه الحقبة لم تشهد ظاهرة التدوين العلمي بالمعنى المعروف، وبالتالي لم تشهد علماء محترفين مهمتهم التدوين وتأليف الكتب. وليس معنى ذلك عدم المعرفة بالقراءة والكتابة، فكان هناك العديد من الصحابة والتابعين ممن يكتب ويقرأ، لكن ذلك شيء ووجود تأليف علمي ممنهج شيء آخر .
ويترتب على ذلك أن الكثير من هذا الفكر هو فكر شفهي، وما كتب منه في هذه الحقبة لم يكن من قبيل التدوين العلمي، وإنما كان في شكل وثائق أو خطابات متفرقة . ومن ذلك أيضًا أن خلفاء أو رؤساء هذه الحقبة كانوا في معظمهم من ذوي الفكر والرأي، ومن ثم العلم، أي أنهم جمعوا مع الحكم الفكر، انظر على سبيل المثال عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وعمر بن عبد العزيز والوليد وأبو جعفر المنصور.. الخ . ولذا فلا عجب إن عددنا من كبار رجالات الفكر الاقتصادي في هذه الحقبة الخلفاء والحكام .
ومن ذلك أننا أمام مرحلة تعج بالقضايا الاقتصادية، وأمام نشاط اقتصادي واسع، وبالتأكيد فإن هذا النشاط وهذا السلوك وهذه المؤسسات والتنظيمات الاقتصادية كان وراءها فكر لدى الخلفاء والحكام، ربما أفصحوا عنه كلامًا أو لم يفصحوا. وبالتالي فعلي الدارس لفكر هذه الحقبة ألا يغفل هذه الحقيقة، وإلا فقد ظلم هذا الفكر، وإنما عليه أن يستبطن ما وراء كل هذا الواقع الاقتصادي بنظمه وتنظيماته ومؤسساته من فكر اقتصادي.
ومن الأمثلة القوية هنا ما نجده في زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان من إصلاحات كبرى في المجال النقدي، وفي الوقت ذاته لا نجد له فكرًا مرويًّا أو مكتوبًا يفصح مباشرة عن فلسفة هذه الإصلاحات، فهل في ضوء غياب هذا الفكر يمر الباحث دونما اهتمام أو التفات ، بذريعة عدم وجود كلمات وأقوال لهذا الخليفة، متجاهلاً هذه الأعمال الاقتصادية الكبرى؟
وقس على هذا بقدر من الفارق حال الخليفة عمر بن عبد العزيز، والوالي الصحابي الجليل عمرو بن العاص ، والخليفة هشام بن عبد الملك ، والخليفة أبو جعفر المنصور، وأيضًا العديد من الصحابة والتابعين الذين لم تدون أفكارهم.
في ضوء هذه التنبيهات يمكن الدخول في استعراض نماذج وعينات من هذا الفكر بالقدر الذي يمكننا من تعرف خصائصه ومقوماته.
ومعروف لدى دارسي الفكر الاقتصادي أن هناك أكثر من مدخل لدراسته، ونظرًا لطبيعة الفكر الاقتصادي الإسلامي في هذه الحقبة من حيث انتشاره وعدم تدوينه في مدونات علمية ووروده على ألسنة الناس متنوعي الأنشطة والاهتمامات فقد يكون من أيسر مداخل تعرف هذا الفكر طرح العديد من المسائل الاقتصادية الشهيرة في الأدبيات الاقتصادية وبيان موقف هذا الفكر حيالها. وبالطبع فإن هذه المسائل من الكثرة من جهة والتداخل من جهة أخرى، الأمر الذي قد يعقد من تقديم دراسة علمية وافية عنها، ومع ذلك فالذي نحرص عليه أن تكون كافية في تبيان ملامح ومقومات هذا الفكر.
1- مسألة اكتساب الأموال والغنى، أو بعبارة أخرى، النظرة إلى النشاط الاقتصادي الإنتاجي:
لقد تعرض الفكر الاقتصادي في هذه الحقبة بشكل مكثف وموسع لهذه المسألة ، وفي تعرضه لها بين أهمية الأموال واكتسابها وتنميتها، وبين الأهداف والمقاصد المتوخاة من ذلك، والتى تتضمن أهدافًا خاصة وأهدافًا عامة. أو بعبارة أخرى تتضمن تحسين المستوى المعيشي للفرد ولذريته ولورثته، ومعها الإسهام في تحسين الأوضاع المعيشية للغير، والإسهام في المصالح العامة. ومعنى ذلك أن جمع المال وتنميته، وإن كان عملاً إنتاجيًّا ، فإن البعد التوزيعي بارز فيه ، فمن بواعث هذا الإنتاج التكافل الاجتماعي، والإسهام في توفير توزيع عادل يفيد الجميع.
ولعلنا هنا نلاحظ عدة ملاحظات:
أولاً: عدم انفصال الإنتاج عن التوزيع.
وثانيًا: عدم وجود بواعث المظهرية والتكاثر والتفاخر .
وثالثًا: شيوع مضمون هذه الفكرة لدى جماهير الصحابة والتابعين، فقد كثرت واتفقت أقوالهم في هذه المسألة بشكل لافت للنظر.
ورابعًا: بهذا الموقف الشائع للرعيل الأول من المسلمين تبين للجميع أن الإسلام مع الثروة والغنى وتنمية الأموال، طالما كانت الوسائل والأهداف والمقاصد حسنة ، وهذه عينة صغيرة من أقوالهم في هذه المسألة .
– يقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): (حَسَبُ الرجل ماله)(1) ، (يا معاشر العرب أصلحوا هذا المال، فإنه خضرة حلوة، وإن هذا المال يوشك أن يصير إلى الأمير الفاجر أو التاجر النجيب)(2). (أيها الناس، أصلحوا معايشكم فإن فيها صلاحًا لكم وصلة لغيركم)(3) .
ويقول التابعي الجليل القاسم بن محمد راوي هذا الأثر: إنه لما كان زمن عمر فكثر المال وحدثت الأعطية وكف الناس عن طلب المعيشة قال عمر ذلك القول.
– ويقول عبد الرحمن بن عوف (رضي الله عنه): (يا حبذا المال، أصل منه رحمى وأتقرب به إلى ربي عز وجل)(4) .
– ويقول الزبير بن العوام (رضي الله عنه) : ( إن المال فيه صنائع المعروف، وصلة الرحم، والنفقة في سبيل الله، وعون على حسن الخلق، وفيه مع ذلك شرف الدنيا ولذتها)(1) .
– ويقول علي (رضي الله عنه) : (الفقر الموت الأكبر)(2) ، وقال لابنه محمد بن الحنفية: ( يا بني إني أخاف عليك الفقر فاستعذ بالله منه، فإن الفقر منقصة للدين، مدهشة للعـــقل، داعية للمقت)(3).
– ويقول الصحابي سعد بن عبادة (رضي الله عنه) : (اللهم ارزقني مالاً أستعين به على فعال، فإنه لا فعال إلا بمال )(4) . (اللهم هب لي حمدًا ، لا حمد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال، اللهم لا تصلحنى بالقليل ولا أصلح عليه)(5) .
– ويقول الصحابي قيس المتقري (رضي الله عنه): (عليكم بالمال فاستصلحوه، فإنه منبهــة للكريم، ويستغنــى به عن اللئيم)(6).
– قال معاوية للأحنف بن قيس رضى الله عنهما: (ما تعدون المروءة فيكم؟ قال: النفقة في الدين وبر الوالدين، وإصلاح المال) فأرسل معاوية إلى يزيد فقال: اسمع من عمك)(7) .
– سئل عمرو بن العاص (رضي الله عنه) عن المروءة فقال : ( أن يكرم الرجل إخوانه ويصطنع لماله)(8) .
– وسئل أبو هريرة (رضي الله عنه) عن المروءة فقال: (الثبوت في المجلس والغذاء والعشاء في أفنية البيوت، وإصلاح المال)(9) .
– ويقول الصحابي الأشعث بن قيس (رضي الله عنه) : ( يا بني أصلحوا المال لجفوة السلطان وشئوم الزمان)(10) .
– ويقول معاوية: المروءة إصلاح المعيشة(11) .
– ويقول التابعي الجليل سعيد بن المسيب: (لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يكف به وجهه عن الناس، ويصل به رحمه، ويعطي منه حقه)(12) . (ينبغي للعاقل أن يحب حفظ المال في غير إمساك، فإنه من المروءة ، يكف به وجهه، ويكرم نفسه، ويصل منه رحمه)(13) وعندما حضرته الوفاة وترك دنانير كثيرة قال : (اللهم إنك تعلم أني لم أجمعها إلا لأصون بها ديني، وأصل بها رحمي، وأكف بها وجهي، وأقضي بها ديني. لا خير فيمن لا يجمع المال ليكف به وجهه، ويصل به رحمه، ويقضي به دينه، ويصون به دينه)(1) .
– ويقول التابعي خالد بن صفوان: (خصلتان إذا حفظتهما لا تبالي ما صنعت بعدهما : دينك لمعادك، ودرهمك لمعاشك)(2) .
– ويقول التابعي دهب بن أسود الثقفي : (المروءة : العفاف، وإصلاح المال)(3) .
– وقال عبد الملك بن مروان لرجل من قريش : ( إنا نعد القيام على المال وإصلاحه مروءة)(4) .
هذه الأقوال، وإن ظهرت أنها كثيرة، فإنها قلة من كثرة تفيد بجلاء موقف الرعيل الأول من الأموال ومن جمعها وتنميتها والأهداف المتوخاة من ذلك .
وقد برز مصطلح اقتصادي إسلامي هو إصلاح المال، بمعنى تنميته، وسوف يشيع هذا المصطلح السليم في الفكر الإسلامي عبر العصور .
وجمع المال وتنميته والنظرة الإيمانية حياله هي مقولة أو فكرة وضعية أكثر منها فكرة أو مقولة معيارية، وفيها يتفق هذا الفكر الإسلامي مع الفكر الاقتصادي الوضعي، وإن كان يختلف معه اختلافًا بينًا من حيث ضوابط اكتساب المال وتنميته، ومن حيث الأهداف والمقاصد .
(2) مسألة حسن استثمار وتنمية الأموال والتصرف فيها والتعامل معها:
هذه المسألة شديدة اللصوق بالمسألة السابقة، كما أن كثيرًا مما قيل في المسألة السابقة ينطبق على هذه المسألة، ومع ذلك فإفرادها بالعرض أمر مهم؛ لأهميتها من جهة، ولاهتمام الفكر الإسلامي بإبرازها مستقلة من جهة أخرى، ونحن نعرف أنه ليست العبرة بكثرة المال أو بالمزيد من الاستثمارات وإنما العبرة بكفاءة استخدام المتاح وضرورة رفع مستوى إنتاجيته بقدر الإمكان. فالكثير بدون ذلك سرعان ما يزول، والقليل مع ذلك سرعان ما يكثر. ويكفي أن نعلم أن أهم جوانب مشكلة التخلف الاقتصادي التي تضم غالبية سكان العالم اليوم هي مشكلة سوء استخدام ما لديها من موارد وأموال. وغلطة الفكر التنموي الوضعي في الماضي أنه ركز على المال وزيادته وأغفل حسن استخدامه .
– يقول عمر (رضي الله عنه) : (الخرق في المعيشة أخوف عندي عليكم من العوز، لا يقل شيء مع الإصلاح، ولا يبقى شيء مع الفساد)(1) .
– ويقول عتبة بن أبي سفيان لعامله على أمواله : (يا سعيد، تعاهد صغير مالي يكبر، ولا تهمل كبيره فيصغر)(2).
– ويقول الحسن البصري: (السؤال نصف العلم، والرفق نصف العيش، وما على امرئ في اقتصاد)(3) .
– وكتب عبد العزيز بن مروان لابنه عمر يقول : ( لا مــال لمن لا تدبير له)(4).
– ويقول عبد الله بن عمر y: (إذا لم يرزق أحدكم في بلد فليتحول إلى بلد غيره)(5).
– ويقول عمر (رضي الله عنه): (من اتجر في شيء ثلاث مرات فلم يصب فيه فليتحول إلى غيره)(6)، (إذا اشتريت بعيرًا فاشتره ضخمًا، فإن لم توافق كرمًا وافقت لحمًا)(7)، (فرقوا بين المناياة إذا اشتريتم الحيوان -أو غيره- فلا تغالوا في الثمن، واشتروا بثمن الرأس الواحد رأسين، فإن مات أحدهما بقى الآخر، فكأنكم فرقتم ما لكم عن المنية)(8).
– ويقول سهل بن حنيف (رضي الله عنه): (ابن أختي، إني أوصيك بوصية إن أخذت بها فهي خير لك من مال أبيك لو خلوت به، اعلم أنه لا مال لأخرق، ولا عيلة على مصلح …)(9).
– وعدّ الحسن البصري من علامات المؤمن الكياسة في المال والقصد في الغنى(10).
– وقال معاوية : (القصد قوام المعيشة، ويكفي عنك نصف المؤنة)(11).
هذه مجرد أمثلة ترينا كيف كان الفكر الاقتصادي في هذه الحقبة مدركًا بوضوح قضية حسن التدبير واستخدام الأموال، وأنها لا تقل أهمية بل تزيد عن توفر المال .
(3) المسألة الثالثة: ترشيد الاستهلاك:
وهذه المسألة ليست ببعيدة عن المسألة السابقة، بل هي في الحقيقة فرع من فروعها، فقد جاءت نظرة هذا الفكر في ترشيد الاستهلاك على أنه يعني عدم الإسراف، وأيضًا عدم البخل والتقتير، وكذلك الاستغلال الأمثل للسلع الاستهلاكية المعمرة، مثل الملابس. ولأهميتها وجدنا فكر هذه الحقبة يتناولها مستقلة بعد أن تناولها ضمن غيرها.
والمعروف أن ترشيد الاستهلاك أمر على جانب كبير من الأهمية؛ لما له من آثار على المدخرات والاستثمارات والاستقرار الاقتصادي، بل والتوزيع .
– يقول الصديق (رضي الله عنه) : (إني لأبغض أهـل البيت ينفقـون رزق الأيام في يوم)(1).
– ويقول عمر (رضي الله عنه): (كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما يشتهي)(2). (ما هذا يا جابر؟ فقال: لحم اشتهاه أهلي فاشتريته. فقال: أكلما اشتهيتم اشتريتم؟ وكررها. أما يريد أحدكم أن يطوي بطنه لجاره وابن عمه؟ وأين تذهب عنكم هذه الآية: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}(3). (إياكم والبطنة فإنها مفسدة للجسم متلفة للمال. وعليكم بالقصد في قوتكم، فهو أدنى من الإصلاح وأبعد من السرف وأقوى على عبادة الله)(4) .
وعندما مر رجل على عمر وعليه بردة، سأله عمر بكم ابتعت بردك هذا؟ قال: بستين درهمًا. قال: كم مالك؟ قال: ألف درهم. فقام إليه بالدرة فجعل يضربه ويقول: رأس مالك ألف درهم وتبتاع ثوبًا بستين درهمًا!!؟ رأس مالك ألف درهـم وتبتاع ثوبًا بستين درهمًا!!؟(5). الله الله يا عمر تربط بين الدخل والاستهلاك بهذا الشكل الدقيق.
(لا جديد لمن لا خلق له)(6) قال هذه المقولة عندما أعطى امرأة ثوبًا جديدًا وقال لها: لا تطرحي القديم، بل استخدميه في بعض الحالات والأعمال.
– وتقول السيدة عائشة -رضي الله عنها- لمن دخل عليها وهي تخيط معطفًا لها، فقال يا أم المؤمنين: لو حدثت الناس بهذا عدوه بخلاً، قالت : (امض لشأنك ، فإنه لا جديـد لمن لا خلق له)(1). ويقول مجاهد: (إذا رزق الله أحدكم ألفًا من الدراهم فلا ينفقها ويقول إن الله سيرزقني، ولكن يبتغي فيها من فضل الله)(2).
– وعندما طلب ابن عمر إزارًا؛ حيث إن إزاره قد خَلِقَ، قال عمر: (اذهب فاقطعه ثم صله، فإنه سيكفيك، أما والله إني أرى ستجعلون ما رزقكم الله في بطونكم وعلى جلودكم، وتتركون أراملكم ويتاماكم ومساكينكم)(3).
اكتشف عمر أهمية التوازن الإنفاقي وعدم وجود خلل في الاستهلاك، وإلا أثر سلبًا على الإنفاق الاجتماعي. وإذا كان هذا هو موقف الفكر من الإفراط في الاستهلاك، فإن موقفه من التفريط فيه جاء على الوتيرة نفسها .
فعمر نفسه أنكر على رجل الإفراط في الاستهلاك، وعندما فرط فيه أنكره عليه أيضًا(4).
وعلي (رضي الله عنه) يقول: (اعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة … سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت)(5).
وعندما رأى رجلاً ترك الاستفادة من الطيبات أنكر عليه قائلاً: (أفترى الله سبحانه قد خلق هذا إلا لينتفع به الناس ويستفيدوا منه)(6).
(4) المسألة الرابعة: تراكم رأس المال العيني وعدم التوجه إلى التراكم النقدي:
وقد ظهر هذا بوضوح لدى الصحابة والتابعين، ومن ذلك ما قدمه عمر من أفكار وتوجيهات للناس عندما زادت أعطياتهم وخشى عليها الضياع والإنفاق غير المفيد فكانت توجيهاته كما يلي:
سأل عمر أحد أصحابه، ما مالك؟ فقال له: عطائي ألفان، فقال له عمر: (اتخذ منه الحرث والسائبات)(1). أي استغله في الزراعة والإنتاج الحيواني.
وسأل معاوية أحد الشيوخ: (أخبرني أي المال أفضل؟ قال: عين خرارة بأرض خوارة، تعول ولا تعال، قال: ثم ماذا؟ قال: فرس في بطنها يتبعها فرس. فقال: فما تقول في الذهب والفضة؟ قال: يا أمير المؤمنين، جبلان يصطكان، إن أنفقتهما نفدا، وإن تركتهما لم يزيدا)(2).
تأمل تجد فكرة تخصيص الموارد، والابتعاد عن التراكم النقدي بارزة واضحة. وأهمية هذه المسائل في الدراسات الاقتصادية المعاصرة لا تحتاج إلى بيان .
(5) المسألة الخامسة: البطالة والاعتماد على العوائد الريعية والتذرع ببعض المفاهيم الإسلامية:
لسنا مبالغين إن قلنا: إن الفكر الاقتصادي الإسلامي في تلك الحقبة قد أولى هذه القضية القدر الزائد من الاهتمام، لاسيما وقد جدت بعض ظروف قد تعمل عند البعض على استفحال مشكلة البطالة، فهناك قلة فهمت بعض العقائد الإسلامية فهمًا يؤدي إلى ترك العمل الاقتصادي، مثل : التوكل، والزهد، والرزق المضمون عند الله. كما أن كثرة العطاء منذ زمن سيدنا عمر جعل الكثير من الناس تعتمد عليه، ولا ترى ضرورة لممارسة النشاط الاقتصادي. وفي ظل هذا الواقع كان على الفكر الاقتصادي الإسلامي أن يهتم بهذه القضية موضحًا الموقف الصحيح حيالها من الناحية الشرعية والناحية الاقتصادية .
وفي ذلك يقول عمر: (لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني ، وقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، وإن الله تعالى يرزق الناس بعضهم من بعض)(3) .
ويقول : (المتوكل الذي يلقي حَبَّهُ في الأرض ويتوكل على الله)(4) . ( يا معشر الفقراء، ارفعوا رءوسكم فقد وضح الطريق، فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالاً على المسلمين)(5) .
ويقول : ( إني لأرى الغلام فيعجبني فإذا قيل: لا حرفة له سقط من عيني)(1) .
وقد دخل السوق فلم يجد فيه عربًا، وإنما رأي فيه تجارًا من أطراف شبه الجزيرة، فاغتم لذلك، وعندما اجتمع الناس كلمهم في ذلك، فقالوا: إن الله أغنانا عن السوق بما فتح علينا فقال: والله لئن فعلتم ليحتاج رجالكم إلى رجالهم ونساؤكم إلى نسائهم)(2) .
6- المسألة السادسة: ما يتعلق بدور الدولة في المجال الاقتصادي، وما تجريه من سياسات اقتصادية:
من الملاحظ أن الفكر الاقتصادي في هذه الحقبة قد اهتم كثيرًا بهذه المسألة ، وخاصة على ألسنة الخلفاء المفكرين من أمثال عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وأبي جعفر المنصور .
ومجمل ما ورد من فكر في هذا الجانب – فيما أطلعنا عليه – يفصح عن تأكيده على مسئولية الدولة عن التوازن الاجتماعي، وعن توفير المرافق العامة والبنية الأساسية، وعن دعم وتشجيع القطاع الخاص، وأيضًا تقويمه والأخذ على يديه عند انحرافه ، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وخاصة ما يتعلق فيه بالمستوى العام للأسعار ، وإقامة سياسات اقتصادية جيدة .
وفي ذلك يقول عمر في بداية خلافته:(.. ولكم عليّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها ، لكم عليّ ألا أجتبي شيئًا من خراجكم، ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليّ إذا وقع في يدي ألا يخرج إلا في حقه، ولكم عليّ أن أزيد أعطياتكم وأرزاقكم إن شاء الله وأسد ثغوركم ، ولكم عليّ ألا ألقيكم في المهالك)(3).
كما يقول لأحد عماله: (إن الله قد استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفتهم ..(4) ويأمر أحد عماله بأن يعين مزارعًا على زراعة أرض جديدة له)(5) .
وأمر أحد عماله بحفر نهر تحتاجه إحدى مناطق الدولة(6).
ورفض المصادقة على إقطاع أقطعه أبو بكر؛ لأنه رآه كبيرًا يخل بعملية التوازن الاقتصادي والاجتماعي، قائلاً: أهذا كله لك دون الناس !!؟ وأيده الصديق في ذلك(1) .
واسترد أرضًا مقطعة من رسول الله (ص) لأحد الصحابة عندما عجز عن استغلالها(2). وكثيرًا ما أعلن مسئولية كحاكم عن توفير مقومات الحياة لكل من وما على الأرض الإسلامية، وإن كان في أطرافها.
كذلك نجد في معاهدات ومصالحات خالد بن الوليد (رضي الله عنه) ما يفيد صراحة مسئولية الدولة في الإسلام عن الضمان الاجتماعي ، وتوفير المقومات الأساسية لحياة الجميع، بغض النظر عن عقيدتهم، وهذا ما سبق أن قرره بوضوح رئيس الدولة عمر (رضي الله عنه) .
وهناك الموقف الجماعي من الصحابة بقيادة عمر حيال أرض الفتوح وملكيتها، وأسلوب استغلالها، وحقوق الدولة في عوائدها، وقد برزت من خلال أقوالهم فكرة ضرورة حسن التشغيل والتوظيف من جهة، وعدالة التوزيع من جهة ثانية، والنظر لمستقبل الأمة من جهة ثالثة، وتوفير مصدر للتمويل العام من جهة رابعة، وفي هذا الموقف وحده ما ينبئنا عن هوية وملامح هذا الفكر في تلك الحقبة.
ثم هناك موقف الدولة من الحمى، وتوسيع نطاقه، وتخصيصه لبعض المرافق العامة، والسماح للفقراء دون الأغنياء باستخدامه تأمينًا لمتطلبات حياتهم، وتصريحًا بمسئولية الدولة عن توفيرها(3).
ونلتقى في هذا العصر بأعظم وثيقة مكتوبة ومدونة، تكشف بوضوح عن الفكر الاقتصادي في هذه الحقبة، وعن دور الدولة في المجال الاقتصادي وغيره. إنها وثيقة أو كتاب الإمام على (رضي الله عنه) لعامله على مصر الأشتر النخعى، والموقف لا يتسع هنا لدراستها وتحليلها بشكل مفصل (4) ، وقد تكفى الإشارة إلى بعض محاورها. لقد أوضحت وظائف ومهام الدولة، ومن مهامها الكبرى إنجاز التنمية الاقتصادية، كما ركزت على ضرورة إعمال مبدأ الثواب والعقاب إعمالاً كاملاً. وأشارت إلى ما هنالك من ترابط عضوي بين الوضع الاقتصادي والوضع العسكري ، واهتمت اهتمامًا خاصًّا بالزراعة، وضرورة المعاملة المالية الجيدة معها. وأكدت على ضرورة تحقيق المساواة التامة بين الناس في الحقوق، وتطبيق القانون على الجميع. وأخيرًا ضرورة قيام الدولة بتوفير الحياة الكريمة للفئات المحتاجة(1) .
وفي عهد عثمان (رضي الله عنه) ولدت فكرة الخصخصة . فقام بتحويل إدارة أراضى الصوافي من إدارة واستغلال عام إلى استغلال خاص، حيث أقطعها إلى إقطاع تأجير، كما يقول الماوردي(2) . وبذلك زادت عوائدها للدولة بما يزيد عن خمسة أضعاف .
وجاء عمر بن عبد العزيز وسار على نفس النهج، فأمر عماله قائلاً: (انظروا ما قبلكم من أرض الصافية فأعطوها بالنصف، وما لم تزرع فأعطوها بالثلث، فإن لم تزرع فأعطوها حتى تبلغ العشر، فإن لم يزرعها أحد فامنحوها، فإن لم تزرع فأنفقوا عليها من بيت مال المسلمين)(3) .
نلاحظ إصرار الخليفة على الاستغلال الخاص لهذه الأراضي ذات الملكية العامة مهما كان العائد منها، حتى لو منحت مجانًا. وفي النهاية لا تترك عاطلة، بل تستغل استغلالاً عامًّا .
كذلك نجد لدى عمر بن عبد العزيز الاهتمام الزائد بما يعرف بالنفقات العامة التحويلية ؛ الاجتماعية والاقتصادية معًا. فعندما وجد فائضًا في الموازنة العامة لأحد الأقاليم أمر عامله بما يلي: ( انظر كل من إدان في غير سفه ولا سرف فاقض عنه، ثم انظر كل بكر ليس له مال فشاء أن تزوجه فزوجه وأصدق عنه، ثم انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين)(4) .
إضافة إلى ما أمر به من إصلاحات مالية جوهرية فيما تتعلق بالإيرادات العامة وضرورة تخفيف الأعباء عن الممولين، فكتب لعامله على الكوفة:(إن قوام الدين العدل والإحسان.. لا تحمل خرابًا على عامر، ولا عامرًا على خراب. انظر الخراب فخذ منه ما أطاق وأصلحه حتى يعمر، ولا يؤخذ من العامر إلا وظيفة الخراج في رفق وتسكين لأهل الأرض، ولا تأخذ في الخراج إلا وزن سبعة ولا أجور الضرابين ولا هدية النيروز والمهرجان ولا ثمن الصحف..)(1) .
ويوضح مسئولية الدولة عن التوازن الاجتماعي وتوفير متطلبات الحياة لكل الفئات المحتاجة قائلاً: إنى قلدت أمر هذه الأمة فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والغازي، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثيرة والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم محمد (ص) إلى الله.. )(2) .
ومن مشاهير ذوي الفكر الاقتصادي في هذه الحقبة المبكرة الخليفة أبو جعفر المنصور، المؤسس الفعلي للدولة العباسية. وفيه يقول ابن طباطبا: (كان المنصور من عظماء الملوك وحزمائهم وعقلائهم وعلمائهم وذوى الآراء الصائبة منهم والتدبيرات السديدة)(3) .
كما يقول فيه المسعودي: (وكان من الحزم وصواب الرأي وحسن السياسة على ما تجاوز كل وصف، وكان يعطي الجزيل والخطير ما كان إعطاؤه حزمًا ، ويمنع الحقير اليسير، ما كان إعطاؤه تضييعًا)(4) .
وهذه بعض أفكاره الاقتصادية (لولا أن الأموال حصن السلطان، ودعامة للدين والدنيا، وعزهما وذريتهما، ما بت ليلة وأنا أحرز دينارًا ولا درهمًا ، لما أجد لبذل المال من اللذائذ ، ولما أعلم في إعطائه من جزيل المثوبة)(5) .
ويوصي ابنه قائلاً: (واحكم بالعدل ولا تشطط فإن ذلك أقطع للشعب.. وعف عن الفيء فليس بك إليه حاجة مع ما أخلفه لك. وإياك والأثرة، والتبذير لأموال الرعية، واشحن الثغور واضبط الأطراف وأمن السبل، ووسع المعاش، وسكنى العامة، وأدخل المرافق عليهم واصرف المكاره عنهم، وإياك والتبذير فإن النوائب غير مأمونة)(1) .
ومن القصة التالية نتفهم إلى أي مدى كان فكره الاقتصادي ناضجًا. فقد خرج بنفسه يرتاد الأماكن ليختار مكانًا يقيم فيه مدينة بغداد، فرأى موضعًا طيبًا فقال لجماعة من أصحابه: ما رأيكم في هذا الموضع؟ قالوا: ما رأينا مثله، هو طيب صالح موافق. قال: صدقتم. هو هكذا ، ولكنه لا يحتمل الجند والناس والجماعات، وإنما أريد موضعًا يرتفق الناس به، ويوافقهم مع موافقته لي، ولا تغلو عليهم فيه الأسعار، ولا تشتد فيه المئونة ، فإني إن أقمت في موضع لا يجلب إليه من البر والبحر شيء غلت الأسعار، وقلَّت المادة، واشتدت المئونة، وقد مررت في طريقي على موضع فيه مجتمعة هذه الخصال، وأنا نازل فيه)(2) .
ويقول ناصحًا ابنه المهدي:(لا يصلح السلطان إلا بالتقوى، ولا تصلح رعيته إلا بالطاعة، ولا تعمر البلاد بمثل العدل، ولا تدوم نعمة السلطان وطاعته إلا بالمال)(3) .
وفي عهده ظهرت أول رسالة علمية مدونة في المجال المالي، وهي رسالة الصحابة لابن المقفع تتعلق بالخراج وحسن تنظيمه(4) .
وفيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية نجد الكثير من الأفكار الاقتصادية التى طرحت في هذه الفترة. ومن ذلك ربط السلوك الأخلاقي في العمل بمستوى الأجور. وتبيان أن قلة الأجر مدعاة لانحراف السلوك الوظيفي. لقد ظهرت هذه الفكرة على لسان الصحابي الجليل أبي عبيدة عندما طلب من الخليفة عمر كفاية المرتبات للعاملين قائلاً: (إذا استعملتهم فأغنهم بالعمالة حتى لا يخونوا)(5) .
ومن ثم كانت السياسة الداخلية تستهدف تحقيق مستوى المعيشة اللائق للجميع، ثم التفاوت فيما بعد.
كذلك نجدهم حيال العطاءات التى كانت توزع على الناس سنويًّا في شكل نقدى قد نهجوا مسلكين؛ مسلك التساوى فيها وذلك في عهد أبى بكر وعلى، ومسلك التفاوت وذلك في عهد عمر وعثمان(1) .
وكثيرًا ما أكد هذا الفكر على أهمية وضرورة سلامة السياسة المالية وحسن استخدام الإيرادات وحسن تحصيلها، فلا إيراد إلا بحق، ولا إنفاق إلا بحق. وتصريحات عمر (رضي الله عنه) في ذلك واضحة وصريحة وحاسمة، ومنها: (إنى لا أجد هذا المال يصلحه إلا خلال ثلاث: أن يؤخذ بالحق، ويعطى في الحق، ويمنع من الباطل.. ولكم عليّ أيها الناس خصال أذكرها لكم فخذوني بها. لكم عليّ ألا أجتبي -من الجباية- شيئًا من خراجكم ولا مما أفاء الله عليكم إلا من وجهه، ولكم عليّ إذا وقع في يدي ألا يخرج مني إلا في حقه)(2) .
هنا تبرز بوضوح فكرة الرقابة الشعبية على الأموال العامة؛ إيرادًا وإنفاقًا. وكان عمر يحلف ويقول (والله ما أحد أحق بهذا المال – المال العام – من أحد، وما أنا أحق من أحد ، والله ما من المسلمين إلا وله في هذا المال نصيب)(3) .
كذلك نلاحظ اهتمام الفكر بالسياسة التجارية الخارجية والداخلية، فقننت العشور، مراعية المتطلبات الداخلية، وقدمت التسهيلات العديدة للتجارة، وخاصة الخارجية والبينية، وحورب الاحتكار لما يمارسه من ارتفاع مصطنع في الأسعار، ومن ثم جلب لمزيد من الأعباء والنفقات على الناس. ولذا فقد كانت قضية الأسعار في ربوع الدولة الإسلامية من أول ما يسأل عنها الخليفة. ويحدثنا التاريخ أن (ولاة البريد في الآفاق كلها كانوا يكتبون إلى المنصور أيام خلافته في كل يوم بسعر القمح والحبوب والأدم وبسعر كل مأكول.. فإذا رأى الأسعار علىحالها أمسك، وإن تغير شيء منها عن حاله كتب إلى الوالى هناك، وسأل عن العلة التى نقلت ذلك عن سعره. فإذا ورد الجواب بالعلة تلطف لذلك برفق حتى يعود ذلك إلى حاله .. )(4) .
ومما يلفت الانتباه أن الفكر الاقتصادي في هذه الحقبة كان من النضج بحيث يكتشف ما هنالك من علاقات وروابط بين التوقعات – العوامل النفسية – والسلوك الاقتصادي ، وما ينجم عنه من آثار . فنجد عمرو بن العاص (رضي الله عنه) يقول عن أهل مصر: (إن فرط الاستشعار يدعوهم إلى الاحتكار، ويدعو الاحتكار إلى تصاعد الأسعار بغير قحط)(1) .
فالتخوف الزائد من المستقبل يدعو إلى المزيد من التحوط، فيزيد الطلب من جهة، ويقل العرض من جهة أخرى، فترتفع الأسعار، برغم أن الأوضاع في حقيقتها طبيعية عادية .
وهكذا نجد الجوانب المالية والجوانب التجارية والجوانب السعرية قد نالت عناية واهتمام هذا الفكر. وهذا عكس ما نراه من شح في الأقوال والأفكار حيال النقود والمسائل النقدية. فعلى الرغم من كثرة أقوال عمر (رضي الله عنه) في المجال الاقتصادي لم نجد – فيما اطلعنا عليه – أقوالاً له في الجانب النقدي تذكر. وبالتنقيب في أقوال غيره من أهل هذه الحقبة لم نجد أقوالاً ذات بال في هذا الجانب . وليس معنى ذلك عدم الاهتمام بالنقود وإهمالها ولا عدم وجود مشكلات وقضايا تتعلق بها. وإلا ما كان عمر قد همّ – كما حدثنا التاريخ – بأن يجعل النقود من جلود الإبل، ولولا تنبيهه إلى ما يحدثه ذلك من نفاد هذه النوعية من الأموال الضرورية لنفذ ما هم به(2). يضاف إلى ذلك ما ورد من إصلاحاته النقدية، ثم ما ورد من إصلاحات نقدية على أيدي الخلفاء بعده، وخاصة خلفاء بني أمية(3). ومع تلك الجهود الكبيرة في هذا المجال النقدي فإننا لم نر كلامًا لهم يوضح فلسفة ومضامين هذه الجهود العملية، وأرجو أن يكون مرجع ذلك قلة ما اطلعت عليه من كتابات عن هذه الحقبة .
الفكر الاقتصادي في مرحلة ما قبل التدوين – سمات ومقومات
هذه بعض النماذج لما قدمه الفكر الاقتصادي الإسلامي في هذه الحقبة الأولى من عمره، وقبل أن يدون على ألسنة علماء محترفين متخصصين . وهي مجرد عينات ونماذج غير كاملة، ونأمل أن تكون كافية، فالإحاطة بالفكر في هذه الحقبة أمر متعذر إن لم يكن مستحيلاً ، لتشتته وتفرقه، واختلاف هوية ومواقع القائلين به .
وما قدم في ضوء هذه الملاحظات يمكن اعتباره كافيًا في المساعدة على التعرف على أهم ملامح ومقومات هذا الفكر. ومن ذلك ما يلي :
1- من حيث الشمول يمكن اعتباره قد تطرق إلى معظم الجوانب الاقتصادية، على الأقل من حيث مبادئها وأصولها.
2- كان في صف الإنتاج والتنمية والمزيد من الاستثمارات ، كما كان في صف عدالة التوزيع والتكافل الاجتماعي.
3- من حيث الوضعية والمعيارية. المتوقع في فكر اقتصادي لهذه الحقبة أن يكون فكرًا معياريًّا يقوم على التوجيه والإرشاد والتحبيب والتنفير . ولكن هذه النماذج تكشف لنا عن وجود الكثير من الأفكار الوضعية، رغم غلبة الأفكار المعيارية. فكثيرًا ما كنا نصادف وصفًا وتفسيرًا وتعليلاً لظواهر اقتصادية. الأمر الذي يعنى به الاقتصاد الوضعي . فوجدنا، على سبيل المثال، الربط بين التوقعات وتخزين السلع وارتفاع الأسعار، ووجدنا الربط بين دخل الموظف وسلوكه الوظيفي، ووجدنا الربط بين خفة الأعباء على المستثمرين وتشجيع الاستثمار. ووجدنا تأثير التجارة الخارجية في الاقتصاد القومي، ووجدنا الكشف عن المنافع التى تنتج عن التجارة والصناعة، ووجدنا تأثير المزيد من العطاء على النشاط الاقتصادي والبطالة، أو علاقة الريع بالعمل وتأثيره السلبي فيه. ووجدنا بواكير تخصص الموارد ودراسات الجدوى الاقتصادية للمشروعات. وقد طرح سؤال: أي المال أفضل؟ وجاءت الإجابة عليه . والسؤال والجواب يكشفان عن اهتمام الفكر بهذا اللون من المعرفة، حيث برزت في الإجابة تكاليف كل نشاط وعوائده، وهذه محل اهتمام الدراسات الوضعية .
4- أوجد الفكر توازنًا طيبًا بين القطاع الخاص والدولة، أو بين الحرية الاقتصادية والدور الاقتصادي للدولة.
5- ربما كان من أهم ما التفت الفكر إليه ربطه القوى بين الاقتصاد وغيره من الجوانب الحياتية الأخرى، من دين، وسياسة، واجتماع، وأمن، وعدالة .. الخ، بحيث لا يمكن النهوض بعنصر في غيبة بقية العناصر .
وفي النهاية : أوصى بأهمية الاهتمام بفكر هذه الحقبة من قبل الباحثين الاقتصاديين، وخاصة بفكر بعض خلفاء بني أمية مثل الوليد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، وبعض خلفاء العباسيين، مثل المنصور، والمهدي، وهارون الرشيد، والمأمون، وكذلك أفكار علماء آل البيت. فهذه من المناطق قليلة الارتياد من الباحثين المعاصرين، ومن ثم فهي تمثل ثغرة من ثغرات الفكر الاقتصادي الإسلامي في حاجة إلى أن تملأ وتسد.
المراجع:
(*) عميد كلية التجارة – جامعة الأزهر – الدقهلية .
(1) وقد ترد هنا مسألة تتعلق بالاجتهاد في حق الرسول، وهل وقع منه أم لا؟ وهل يعتبر اجتهاده مصدرًا للتشريع شأنه شأن غيره من امته. وهناك خلاف مطول بين العلماء في ذلك. وما نميل إليه أن الاجتهاد وإن كان قد وقع من الرسول في بعض المسائل فإنه لم يكن بذاته مصدرًا للتشريع، بل إما أن ينزل الوحي مقرًّا له على اجتهاده، وعند ذلك يكون المصدر هو الوحي ، أو ناقضًا لاجتهاده، ومن ثم فلا أثر له . انظر : محمد سعيد البوطي، السنة مصدرًا للتشريع، مجلة المسلم المعاصر، العدد (58) ، 1991م .
(1) المعجم الوسيط، مادة فكر، مجمع اللغة العربية.
(2) الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، بيروت: دار المعرفة. ص 384.
(3) المصباح المنير، مادة فكر.
(4) د. حمدى عبد الهادي، الفكر الإداري الإسلامي المقارن، نقلاً عن د. عبد المنعم خميس (الفكر الإداري الإسلامي) ضمن (الإدارة في الإسلام) المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة، 1995، ص 43.
(1) د. عبد الرحمن يسرى، تطور الفكر الاقتصادي، الاسكندرية ، دار الجامعات المصرية، 1988، ص 33.
(2) د. محمد البهي، الفكر الإسلامي في تطوره، القاهرة، مكتبة وهبة ، 1981، ص 6 .
(3) د. زينب الأشوح، الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي – نظرة تاريخية مقارنة، القاهرة، نشر عين للدراسات والبحوث الإنسانية، 1997، ص 145 .
(1) الشيخ محمد صادق عرجون، القرآن العظيم – هدايته وإعجازه، دمشق : دار القلم، 1981ص 14 وما بعدها .
(1) لمعرفة موسعة يراجع د. شوقي دنيا، القرآن والتنظير الاقتصادي، مجلة مصر المعاصرة ، العدد 451 / 452 (1998).
(1) لمعرفة موسعة انظر: د/ إبراهيم بيضون، تجارة المدينة في صدر الإسلام، ندوة (مالية الدولة في صدر الإسلام) جامعة اليرموك، الأردن، 1987.
(1) لمزيد من المعرفة انظر: د/ شوقي دنيا، الدولة والاقتصاد في الفكر الإسلامي، مؤتمر الاقتصاديين المصريين، رقم 21 ، 1999 .
(1) رواه البخاري .
(2) انظر نص الحديث في صحيح مسلم شرح الإمام النووي، جـ18 ، ص 114 .
(1) ابن أبي الدنيا، إصلاح المال، تحقيق ودراسة مصطفى القضاه، المنصورة، دار الوفاء للطباعة والنشر، ط1، 1990ص 167.
(2) نفسه ص 174.
(3) نفسه ص 175.
(4) نفسه ص 264.
(1) نفسه ص 191.
(2) الشريف الرضى ، نهج البلاغة ، ص 598 ، بيروت: دار الأندلس ، 1980.
(3) نفسه ، ص 630.
(4) إصلاح المال ص 170. (5) نفسه ص 170.
(6) نفسه ص 169. (7) نفسه ص 201.
(8) نفسه ص 202. (9) نفسه ص 202.
(10) نفسه ص 209. (11) نفسه ص 114.
(12) نفسه ص 171. (13) نفسه ص 171.
(1) نفسه ص 177. (2) نفسه ص 178.
(3) نفسه ص 212. (4) نفسه ص 214.
(1) أبو بكر الخلال، رسالة في الحث على التجارة، دمشق: مطبعة الترقي، 1348هـ ، ص 9.
(2) ابن أبى الدنيا، مرجع سابق، ص 214.
(3) نفسه ص 228.
(4) نفسه ص 238.
(5) نفسه ص 254.
(6) نفسه ص 255.
(7) نفسه هامش ص 273.
(8) ابن قتيبة، عيون الأخبار، مطبعة دار الكتب، القاهرة ، 1925.
(9) ابن أبى الدنيا، مرجع سابق، ص 289.
(10) نفسه ص 305.
(11) نفسه ص 306.
(1) عباس العقاد ، عبقرية الصديق، القاهرة ، دار نهضة مصر ، ص 144.
(2) السيوطي، تاريخ الخلفاء، القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى، الطبعة الرابعة، ص 129.
(3) ابن الجوزي، تاريخ عمر، القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى بدون تاريخ ص 177.
(4) نفس المصدر .
(5) نفسه ص 331.
(6) نفسه ص 333.
(1) نفسه ص 333.
(2) الخلال، رسالة في الحث على التجارة، مرجع سابق، ص 15.
(3) إصلاح المال، ص 334.
(4) عباس العقاد، عبقرية عمر، ص 117، الرياض : طبعة الرئاسة العامة لتعليم البنات، 1984، ص 197.
(5) الشريف الرضى، نهج البلاغة، ص 465.
(6) نفسه ص 400.
(7) الماوردي، أدب الدنيا والدين، ص 189، القاهرة، مكتبة الحلبي قارن البلاذري، فتوح البلدان، ص 440.
(1) الماوردي، أدب الدنيا والدين، ص 189، القاهرة، مكتبة الحلبي قارن البلاذري، فتوح البلدان، ص 440.
(2) إصلاح المال ،ص 286 .
(3) ابن عبد ربه، العقد الفريد، جـ1 ص 311، قارن: البلاذري ، فتوح البلدان، ص 440.
(4) ابن القيم، مختصر منهاج القاصدين، ص 350.
(5) ابن الجوزي، تلبيس إبليس ، ص 283 ، بيروت : دار الكتب العلمية .
(1) عبد الحي الكتاني، التراتيب الإدارية ، جـ2 ص 23 بيروت : نشرأمين ومج .
(1) عبد الحي الكتاني، التراتيب الإدارية ، جـ2 ص 23 بيروت : دار الكتب العلمية.
(2) نفسه ، جـ20 ص 2 .
(3) أبو يوسف ، الخراج، بيروت: دار المعرفة، ص 127 .
(4) محمد الغزالي، ظلام من الغرب، القاهرة: دار الكتاب العربي، ص 139.
(5) أبو عبيد، الأموال، القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1967م ، ص 392.
(6) البلاذري، فنوح البلدان ، ص 357.
(1) أبو عبيد ، ص 391.
(1) أبو عبيد ، ص 391.
(2) لمعرفة موسعة بهذه القضية وما دار فيها ينظر د. شوقي دنيا، الإسلام والتنمية الاقتصادية، القاهرة، دار الفكر العربي 1979، ص 336 وما بعدها .
(3) أبو يوسف ، الخراج ، ص 125 .
(4) هناك دراسة لها لدى د. يوسف إبراهيم، تكنيك واستراتيجية التنمية الاقتصادية في الإسلام، طبع الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، القاهرة : 1401هـ .
(1) نص الوثيقة في نهج البلاغة للشريف الرضى، شرح الشيخ محمد عبده، بيروت، دار الأندلس ، ص 517 وما بعدها .
(1) نص الوثيقة في نهج البلاغة للشريف الرضى، شرح الشيخ محمد عبده، بيروت، دار الأندلس ، ص 517 وما بعدها .
(2) الماوردي، الأحكام السلطانية ، القاهرة ، مكتبة الحلبي، ص 193.
(3) يحيي بن آدم ، الخراج، ص 62 – بيروت: دار المعرفة.
(4) أبو عبيد، الأموال ، ص 357 .
(2) أبو يوسف ، الخراج، ص 17.
(1) أبو يوسف، الخراج، ص 86 .
(2) أبو يوسف ، الخراج، ص 17.
(3) ابن طباطبا، الفخري في الآداب السلطانية، ص 141، بيروت، دار المعرفة.
(4) المسعودي، مروج الذهب، جـ 2 ص 175 .
(5) الطبري، تاريخ الطبري، جـ9 ، ص 209.
(1) نفسه ، جـ9 ، ص 321.
(1) نفسه، جـ9 ، ص 321 .
(2) نفسه، جـ9 ، ص 293 .
(3) نفسه، جـ9 ، ص 299 .
(4) هذه الرسالة مذكورة كاملة في كتاب جمهرة رسائل العرب للدكتور أحمد زكي صفوت وفي ضحى الإسلام للدكتور أحمد أمين. وتعد أول بحث علمي، بالمعنى المألوف في هذا الموضوع، يليها مباشرة كتاب (الخراج) للوزير أبي عبيد الله في عهد الخليفة المهدي بن المنصور، ثم بعد ذلك جاء كتاب (الخراج) لأبي يوسف .
(5) أبو يوسف ، الخراج، ص 122 .
(5) د. محمد ضياء الدين الريس، الخراج والنظم المالية في الدولة الإسلامية ، بيروت: دار الأندلس، ص 141 وما بعدها .
(1) د. محمد ضياء الدين الريس، الخراج والنظم المالية في الدولة الإسلامية ، بيروت: دار الأندلس، ص 141 وما بعدها .
(2) أبو يوسف، مرجع سابق، ص 127 .
(3) ابن الجوزي، تاريخ عمر، ص 101 .
(4) الطبري، تاريخ الطبري، جـ9، ص 299 . نقلاً عن د. ضياء الريس، الخراج، ص 391.
(4) عباس العقاد، عمرو بن العاص، القاهرة: مكتبة نهضة مصر، ص 72 .
(1) عباس العقاد، عمرو بن العاص، القاهرة: مكتبة نهضة مصر، ص 72 .
(2) البلاذري ، فتوح البلدان، ص 659 حيث يقول : لقد هممت أن أجعل النقود من جلود الأبل .
(3) د. ضياء الريس، الخراج، ص 204، د. طاهر راغب، النقود الإسلامية الأولى .
المراجع مرتبة حسب ورودها في البحث
1- د/ محمد سعيد البوطي، السنة مصدرًا للتشريع، مجلة المسلم المعاصر، العدد(58) 1991م.
2– المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية .
3- الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، بيروت: دار المعرفة .
4- د/ عبد المنعم خميس، الفكر الإداري الإسلامي، ضمن (الإدارة في الإسلام) المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة، 1995 .
5- د/ عبد الرحمن يسرى، تطور الفكر الاقتصادي، الإسكندرية ، دار الجامعات المصرية، 1988 .
6- د/ محمد البهي، الفكر الإسلامي في تطوره، القاهرة، مكتبة وهبة، 1981م.
7- د/ زينب الأشوح، الاقتصاد الإسلامي والاقتصاد الوضعي / القاهرة : عين للدراسات والبحوث الإنسانية ، 1997 .
8- الشيخ محمد الصادق، القرآن العظيم، دمشق: دار القلم، 1981.
9- د/ شوقي دنيا، القرآن والتنظير الاقتصادي، مجلة مصر المعاصرة ، العدد 451/ 452، 1998 .
10- د/ إبراهيم بيضون، تجارة المدينة في صدر الإسلام ، ندوة (مالية الدولة في صدر الإسلام) .
11- د/ شوقي دنيا، الأخلاق الإسلامية في مجال التجارة والأسواق، ندوة(القيم الأخلاقية الإسلامية والاقتصاد) مركز صالح عبد الله كامل للاقتصاد الإسلامي، جامعة الأزهر 2000م.
12- الإمام النووي، صحيح مسلم بشرح النووي .
13- د/ محمد خريسات، القطائع في صدر الإسلام، ندوة (مالية الدولة في صدر الإسلام) .
14- د/ شوقي دنيا، الدولة والاقتصاد في الفكر الإسلامي، مؤتمر الاقتصاديين المصريين الحادي والعشرون، القاهرة، جمعية الاقتصاد ، 1991م.
15- ابن أبى الدنيا، إصلاح المال، ودراسة مصطفى القضاة، المنصورة، دار الوفاء، 1990.
16- الشريف الرضى، نهج البلاغة، بيروت: دار الأندلس ، 1980.
17- أبو بكر الخلال، رسالة في الحث على التجارة، دمشق، مطبعة التركي، 1348هـ .
18- عباس العقاد، عبقرية الصديق، القاهرة: دار نهضة مصر .
19- السيوطي، تاريخ الخلفاء، القاهرة: المكتبة التجارية الكبرى .
20- ابن الجوزي: تاريخ عمر، القاهرة، المكتبة التجارية الكبرى .
21- عباس العقاد، عبقرية عمر ، الرياض: الرئاسة العامة لتعليم البنات، 1984م.
22- الماورودي، أدب الدنيا والدين، القاهرة ، مكتبة الحلبي .
23- البلاذري، فتوح البلدان :طبعة ليدن، 1866م.
24- ابن الجوزي، تاريخ عمر، القاهرة، مكتبة الحلبي .
25- عبد الحي الكتاني، التراتيب الإدارية ،بيروت : دار الكتب العلمية .
26- أبو يوسف، الخراج، بيروت: دار المعرفة .
27- الشيخ محمد الغزالي، ظلال من الغرب، القاهرة: دار الكتاب العربي .
28- أبو عبيد، الأموال، القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية 1967.
29- د/ شوقي دنيا، الإسلام والتنمية الاقتصادية، القاهرة: دار الفكر العربي 1979.
30- يحيي بن آدم، الخراج، بيروت ، دار المعرفة .
31- ابن طباطبا ، الفخري في الآداب السلطانية، القاهرة: المطبعة الرحمانية .
32- الطبري، التاريخ الكبير .
33- المسعودي، مروج الذهب .
34- د/ محمد ضياء الدين الريس، الخراج والنظم المالية في الدولة الإسلامية، القاهرة: دار الأنصار .
35- عباس العقاد، عمرو بن العاص ، القاهرة: مكتبة نهضة مصر .
36- د/ طاهر راغب، النقود الإسلامية الأولى، القاهرة: بدون ذكر ناشر .