مقدمة :
الإسلام دين هداية شاملة ، وشمولها يمتد على مستوى الدنيا والآخرة ، وعلى مستوى علاقة الإنسان بنفسه وعلاقته بربه وعلاقته بغيره من بني الإنسان ومن كل مخلوقات الله . كما ينتظم كل جنبات ومجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها . ثم إنها هداية رعاية وتنظيم وتوجيه وإرشاد ، وليست هداية قهر وقسر واضطرار. قال تعالى : {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} ، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} ، {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}، . ثم إنها هداية تحترم عقل الإنسان ، وتناديه وتناجيه ، كما تحترم حواسه وملاحظاته وتجاربه، ومقصود الهداية الإسلامية تحقيق وحماية مصالح الإنسان الأخروية والدنيوية ، بحيث يهنأ في دنياه بالأمن والرخاء والاستقرار ، ويسعد في أخراه بثواب الله ورضوانه ، وهداية الإسلام للإنسان تحترم الحقائق الكونية وتصادق عليها، فهما معًا نبع معين واحد. الكون دين الله الصامت، والإسلام دينه الناطق. ومن هذه الحقائق الكونية تتحقق حاجة العالم المتبادلة لبعضه البعض ، فالكل محتاج إلى الكل، والكل في خدمة الكل .
الناس للناس من بدوٍ وحاضرة
بعضٌ لبعض وإن لم يشعروا خدم
ومن هذه الحقائق الكونية أن العالم الإسلامي _ على ما هو عليه من اتساع ومن تعدد لدوله _ هو مجرد عالم في مواجهة ومقابلة ومجاورة عوالم بشرية أخرى، هو أمة ضمن العديد من الأمم التي تعيش على ظهر الأرض . وفي ضوء الحقائق السابقة نجدنا أمام حقيقة أخرى مفادها استحالة عزلة العالم الإسلامي عن بقية العوالم البشرية ؛ إذ ذلك مناقض لسنن الله في الكون من جهة ومناقض لمقصود الإسلام من جهة أخرى .
ونخلص بذلك إلى أن وجود هداية إسلامية في مجال علاقات الدول الإسلامية بغيرها من الدول هو أمر مقرر شرعًا . والبحث الراهن يحاول التعرف على هذه القواعد في مجال واحد من مجالات هذه العلاقات هو المجال الاقتصادي ، مع الإيمان بأن كل مجالات العلاقات الدولية تؤثر في بعضها البعض. منطلقًا في ذلك من مسلمات تتجسد في الحقائق السالفة ، محتويًا على الأقسام التالية :
القسم الأول : التعريف بالعلاقات الاقتصادية الدولية.
القسم الثاني : التعريف بأهم القواعد الشرعية المنظمة للعلاقات الاقتصادية الدولية.
القسم الثالث : التعريف بالحكم الشرعي لبنود العلاقات الاقتصادية الدولية.
القسم الرابع : الواقع المعاصر وإعمال القواعد الشرعية .
الخـاتمة .
القسم الأول
التعريف بالعلاقات الاقتصادية الدولية
1- مفهوم وصور العلاقات الاقتصادية الدولية:
تجري بين الدول العديد من التصرفات الاقتصادية المنشئة لعلاقات بينها ، يستوي في ذلك قيامها بين أفراد هنا وهناك وكذلك بين الحكومات ، ومن أهم صور هذه العلاقات التجارة الدولية في السلع والخدمات ، وتحركات رءوس الأموال أو الأصول المالية ، وتنقلات العنصر البشري(1) . والمفترض أن بين هذه الصور درجة عالية من الارتباط ، وكان ذلك هو الواقع فعلاً فيما مضى ، لكنها اليوم أخذت تستقل _ إلى حد كبير _ عن بعضها البعض ، وأصبح كلٌّ منها بمفرده يكاد يشكل عالم العلاقات الاقتصادية الدولية(2) .
ثم إن وجود هذه العلاقات يتطلب _ ولا سيما في أيامنا هذه _ العديد من الأجهزة والسياسات وآليات التنفيذ ، فهناك الأسواق الدولية المتنوعة للسلع والخدمات والأصول المالية والعمل ، وهناك الأجهزة الفنية المتطورة الرابطة والموصلة بين الأطراف ، وهناك الأطراف العديدة الفاعلة في هذه العلاقات .
2- أهمية العلاقات الاقتصادية الدولية(3) :
كما أشرنا فإن العالم الإنساني يعيش على الحاجة المتبادلة بين أجزائه ودوله المختلفة في كل مجالات الحياة، وخاصة المجال الاقتصادي ، فما من دولة إلا وهي في حاجة إلى إبرام علاقات اقتصادية مع غيرها ، بغض النظر عن كبرها وصغرها ، وتقدمها وتخلفها . والوقائع تبرهن على أنه كلما ارتفع المستوى الاقتصادي كلما قويت العلاقات الاقتصادية الدولية وزادت أهميتها . تحتاج الدولة إلى غيرها في تصدير ما لديها من فائض في السلع والخدمات والأصول المالية والبشرية ، كما تحتاج إلى غيرها في استيراد ما ينقصها من هذه السلع والأصول والخدمات . فالسوق المحلي عادة ما لا يستطيع امتصاص كل المتوفر محليًّا من السلع والخدمات ، مما يعني – ضمن ما يعني – مجابهة المشروعات الإنتاجية بعقبة ضيق السوق ، الأمر الذي يحول دون قيام الكثير منها أو قيام بعضها دون مستوى عالٍ من الكفاءة ، وبهذا يتدنى مستوى الدخل ، وتتعطل الموارد والطاقات ، ويهبط مستوى المعيشة. ثم إن مصادر الثروة الوطنية قد لا تنهض بتزويد السوق المحلي باحتياجاته من عناصر الإنتاج على الوجه المطلوب . إضافة إلى كل ذلك فإن قيام العلاقات الاقتصادية الدولية يمكن العالم من الاستفادة من ميزات التخصص وتقسيم العمل.
وقد اكتسبت هذه العلاقات أهمية متزايدة في عالمنا المعاصر بفعل العديد من العوامل التي على رأسها ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات(4). فغدا كل شيء في العالم معروفًا في بقاع العالم المختلفة ، وغدا أي شىء في العالم سهلاً وسريع الانتقال إلى أي مكان فيه. الأمر الذي ولد مزيدًا من الطلب من جهة ومزيدًا من العرض من جهة أخرى، ومن ثم مزيدًا من تغلغل وهيمنة الاقتصاد الدولي في كل جنبات الحياة داخل الدول المختلفة ، فالكل يبغي الاستفادة أو تقليل المضار التي كثيرًا ما تنجم عن هذه العلاقات(5) .
3- نظرة الإسلام للعلاقات الاقتصادية الدولية :
لم يكتف الإسلام بتعرف الإنسان من خلال حياته وتصرفاته على أهمية وضرورة العلاقات الاقتصادية على المستوى الوطني والمستوى الدولي ، بل قدم له ، إضافة إلى ذلك معرفة إلهية تؤكد على ما لديه من معرفة ذاتية ، وذلك من خلال إرشاداته العديدة في القرآن والسنة وعلى ألسنة رجاله ، فوجدنا القرآن الكريم يتناول في أكثر من سورة وأكثر من آية البحار وتسخيرها للإنسان في الأغراض المختلفة وعلى رأسها التجارة ، كذلك تناول السفن وصناعتها ومدى ما يمكن أن تصل إليه ضخامة وقوة واستقرارًا {وَمِنْ ءَايَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ}(6) . كذلك نجد الإشارات القرآنية العديدة إلى الطرق العديدة التي تربط أجزاء العالم ببعضها ، ومن ثم إمكانية انتقال السلع والأفراد ، ثم نجد تمنن الله تعالي على عباده بأن يسر لهم الرحلات التجارية الدولية والتي أسهمت في توفير العديد من السلع والخدمات لإشباع احتياجات الناس .
وفي المقابل توعد الله تعالى الخارجين على أمره وهددهم بتعطيل كل ذلك ، ومن ثم الحرمان من إشباع العديد من الحاجات سواء من خلال سكون حركة الريح {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ}(7) ، أو من خلال العواصف المدمرة {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ }(8) .
ثم إن القرآن الكريم أشار إلى ما هنالك من حقيقة كونية تتمثل في اختلاف الدول والمناطق فيما لديها من موارد وطاقات ومنتجات ؛ حثًّا للناس على التعاون وإقامة التبادل الاقتصادي. قال تعالى : {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِين}(9). وفي تفسيرها يقول عكرمة : <<قدر في كل بلدة منها ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد>>(10) ، وقال البقـــــاعي : <<ومن ذلك أن خص بعض البلاد بشىء لا يوجد في غيرها؛ لتنتظم عمارة الأرض كلها باحتياج بعضهم إلى بعض>>(11) .
ولم يقف الإسلام في تنويهه بشأن التجارة الدولية عند ذلك ، بل قدم توجيهاته بممارسة هذه العلاقات بين الدول الإسلامية وغيرها ، تجسيدًا للتعاون البشري والمودة وحسن استغلال الموارد والطاقات والاستفادة المثلى منها، واعتبارها إحدى السبل المهمة في تبليغ الدعوة ونشرها ، والمعروف أن دولاً إسلامية كاملة دخلت الإسلام من خلال التجارة والتجار، وحسن معاملتهم، وقد شجع الرسول صلى الله عليه وسلم العلاقات الاقتصادية الدولية، فمنع العشور وأجاز استخدام النقود الخارجية كنقود داخلية(12)، ودعا بالرزق والبركة لمن يمارس هذه التجارة <<الجالب مرزوق>>(13) ، وحض على الانتقال البشري للعمل الاقتصادي <<البلاد بلاد الله ، والعباد عباد الله ، فأي موضع رأيت فيه رفقًا فأقم>>(14) .
وأعلنت الدولة الإسلامية في عهد عمر رضى الله عنه أن التجار الجالبين للسلع إلى الأسواق الوطنية ضيوف على الدولة بل على رئيسها نفسه <<أيما جالب يحمل على عمود كبده في الشتاء والصيف حتى ينزل سوقنا فذلك ضيف عمر ، فليبع كيف شاء ويمسك كيف شاء >>(15) . وجاء الفكر الإسلامي مشددًا على أهمية التجارة الخارجية ، مشيدًا بفوائدها ، محذرًا من أية سياسات اقتصادية تضر بها ، يقول الماوردي : <<ولا يقتصر _ يقصد الحاكم _ على حماية ما يستمده من بلاده وسواده . فلم يستقم أمر بلاد كانت المسالك إليها مخوفة ؛ لأنها تفتقر إلى مجلوب إليها ومجتلب منها ؛ ليكثر جلبهم فيما ليس لهم ، وتخصب بلادهم بما ليس عندهم ، فيكون نفعهم عامًّا وخصبهم دارًّا >>(16) كما يقول : << والتجارة نوعان : تقلبٌ في حضر من غير نقلة ولا سفر ، وهذا تربص واحتكار ، وقد رغب عنه ذوو الأقدار ، وزهد فيه ذوو الأخطار ، والثاني تقلبٌ في الأسفار ونقل المال إلى الأمصار ، فهذا أليق بأهل المروءة ، وأعم جدوى ومنفعة ، غير أنه أكثر خطرًا وأعظم غررًا(17) .
وفي تحليله للوضع الاقتصادي المزرى الذي كان قائمًا في عصره وتبيانه لمسئولية السياسات الاقتصادية الفاسدة عن هذا الوضع وجدنا محمد الأسدى يتناول الآثار السلبية لتلك السياسات على قطاع التجارة الخارجية ، من هروب لرءوس الأموال والتجار ، ومن ثم تدهور في الوضع الاقتصادي الناجم عن تدهــور العلاقات الاقتصادية الدولية(18) .
ومن الأمور الجديرة بالاهتمام تشديد الفقهاء على ضرورة المعاملة الحسنة للقائمين بالتجارة الخارجية تصديرًا واستيرادًا ، مواطنين وأجانب(19) . وكذلك تشديدهم على عدم انقطاعها حتى في حال الحرب مع دولة غير مسلمة ، اللهم إلا في سلع محددة ذات أثر جوهرى في نتائج الحرب الدائرة(20) ، بل وتأكيدهم على إتاحة الفرصة للتجار الأجانب لدخول بلاد الإسلام ومخالطة أهلها في الحسبان عند تقرير السياسة التجارية ، بمعنى أن الاعتبارات الاقتصادية كانت محكومة بالاعتبارات الأخرى ، وليس العكس ، كما هو شائع اليوم . يقول الإمام الكاساني في معرض تفسيره وتوضيحه للسياسة الجمركية وعدم المغالاة فيها بل أن تكون على أقصى تقدير لها في حدود المعاملة بالمثل: << إن ذلك أدعى لهم إلى المخالطة بدار الإسلام ، فيروا محاسن الإسلام فيدعوهم ذلك إلى الإسلام(21) .
وقبل أن ننهى الحديث في هذا القسم من البحث نجد من المهم _ إن لم يكن من الضروي _ التأكيد على أنه إذا كانت للعلاقات الاقتصادية الدولية هذه الأهمية العملية ، وإذا كانت تحظى بهذا الاهتمام الكبير من الإسلام ، فليس معنى ذلك أنها نشاط اقتصادي خَيِّر على طول الخط ، ولا على أنها القطاع القائد والمهيمن على بقية القطاعات الاقتصادية الوطنية أو بالأحرى على الاقتصاد الوطنى . الأمر غير هذا تمامًا ، فالعلاقات الاقتصادية الدولية كما هي مفيدة _ وهذا هو الأصل فيها _ هي كذلك في حالات عديدة بالغة الضرر والخطورة . والعلاقات الاقتصادية الدولية _ وإن مثلت قطاعًا اقتصاديًا مهمًا ورئيسًا _ فإنها مع ذلك لا تعدو أن تكون مجرد قطاع من قطاعات عديدة تشكل الاقتصاد الوطنى. ومعنى ذلك أنها يجب أن تكون في خدمة الاقتصاد الوطنى خاصة وخدمة المجتمع عامة ، لا أن يكون الاقتصاد الوطنى في خدمتها . إنها قطاع خادم للدولة ، ومن حقها على الدولة أن تكون مرعية من جانبها ، وفي ضوء ذلك كله كانت القواعد الشرعية المنظمة لهذه العلاقات محققة لكل تلك الاعتبارات ؛ كونها قطاعًا مفيدًا لا ضارًّا وكونها قطاعًا في خدمة الكل ، وكونها قطاعًا في حاجة إلى رعاية قوية من قبل الدولة .
القسم الثاني
القواعد الشرعية المنظمة للعلاقات الاقتصادية الدولية
تمهيد :
قبل الدخول في تناول هذه القواعد قاعدة قاعدة نجد من المفيد التنبيه على بعض سمات وطبائع هذه القواعد . فهي في غالبها قواعد عامة تنظم كل العلاقات الاقتصادية ؛ الوطنية منها والدولية ، سواء كانت بين مسلمين وبعضهم أو بينهم وبين غيرهم أو حتى بين غير المسلمين وبعضهم ، ومن ذلك قاعدة العدل وعدم الظلم ، وقاعدة الوفاء بالالتزامات والاتفاقيات والعقود ، وقاعدة المشروعية . ولكنها مع صفة العموم الغالبة تعتريها الخصوصية في بعض أنواعها ، مثل قاعدة عدم تقوية الدولة المعادية ؛ إذ هي فقط تنظم علاقة الدولة المسلمة بدولة غير مسلمة في حالة حرب بينهما .
ثم إن هذه القواعد لم ترد في الشريعة على سبيل التحديد والحصر ، وإنما جاءت في ثنايا العقود والعهود والالتزامات ، ومن ثم فإن تحديدها يخضع في جانب كبير إلى اجتهاد الباحث ونظره .
ثم هي قواعد كلية يندرج تحتها العديد من المفردات في ضوء الملابسات المحيطة، فمثلاً من هذه القواعد عدم إضعاف الدولة الإسلامية ، وقد تمثل ذلك في الماضي في تصدير سلع حربية ، واليوم نجد إضعاف الدول الإسلامية لا يتمثل في ذلك _ أساسًا _ بل يتمثل في جوانب أخرى ، وغالبًا ما لا تكون على جبهة التصدير . كذلك نجد هذه القواعد تتسم بقدر كبيرة من المرونة والتعامل مع الظروف المتغيرة ومراعاة مقتضى الحال . قد ظهر ذلك بوضوح في التمييز بين حال الضعف وحال القوة للدولة الإسلامية ، وفي التمييز بين ما تكون عليه علاقة الدولة المسلمة بالدولة الأخرى من سلم أو عداء(22) .
وأخيرًا ، فإن هذه القواعد واجبة الالتزام والتطبيق من قبل الدولة المسلمة، حكومة وأفرادًا .
بعد هذا التمهيد الموجز نعرض لأهم ما نراه من قواعد شرعية منظمة للعمل في هذا المجال .
1_ قاعدة العدل :
تعد هذه القاعدة من القواعد الكبرى الحاكمة لهذه العلاقات ولكل شئون المسلم وتصرفاته . والنصوص الإسلامية في ذلك أكثر من أن تحصى ، وهي قاعدة شاملة جامعة ، فلا يجوز لمسلم أن يلحق ظلمًا أو يعتدى على غيره في نفسه أو حقوقه أو أمواله ، غنيًّا كان أو فقيرًا، مسلمًا كان أو غير مسلم ، وطنيًّا أو غير وطنى ، صديقًا كان أو عدوًّا ، قريبًا كان أو غريبًا . قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُواوَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}(23) .
وقال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون}(24) .
وموقف الصاحبي عبد الله بن رواحة _ رضى الله عنه _ من يهود خيبر عندما ساوموه على الخيانة والرشوة ليخفف عنهم _ بغير حق _ بعض ما هو مطلوب منهم في زراعاتهم فقال لهم : <<أتطعمونني السحت؟ والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلى ، ولأنتم أبغض الناس إليَّ من أشباهكم من القردة والخنازير ، ولا يحملنى بغضي إياكم وحبى إياه ألا أعدل عليكم . فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض >>(25) هذا الموقف يبين بوضوح مدى حرص المسلمين على التزام العدل حتى مع أبغض الناس إليهم.
ويقول ابن تيمية لمن اشترى سلعة من التتار ، عليه وجوبًا دفع الثمن لهم(26) . وضد العدل هو الجور والظلم ، وصور الظلم في العلاقات الاقتصادية الدولية أكثر من أن تحصى ، منها الغش والاختلاس وبخس الناس حقوقهم وأموالهم وغبنهم فيها والرشوة والربا والسرقة والخديعة والتدليس والسرقة والإغراق .. الخ(27) . وقد بالغ الإسلام في منع الظلم والاعتداء من قبل المسلمين على غيرهم ، لاسيما الأجانب منهم، إلى حد أنه لو سرق مسلم مالاً من أحدهم فلا يجوز لمسلم آخر أن يشتريه منه(28) .
وهكذا ترسخت في الإسلام قاعدة العدل وعدم الظلم ، حاكمة مهيمنة على كل علاقة اقتصادية بين دولة مسلمة ودولة غير مسلمة(29) . ولعل مما يثير الانتباه أن التوجيه الإسلامي انصرف في معظمه إن لم يكن في جميعه إلى تحذير المسلمين من ظلمهم لغيرهم ، علمًا بأن العدل ذو اتجاهين ؛ عدم ظلم الغير وعدم الظلم من الغير، لكن التأكيد انصب على عدم قيام المسلمين بظلم غيرهم، تمسكًا بالفضيلة ، ونشرًا لها بين ربوع العالم . وفرق كبير بألا أظلم غيري وبين أن أخضع له وأخنع وأهون ، فإذا كان الأول مفروضًا فإن الثاني محرمًا . وحسب تعبير ابن تيمية فإن الظلم نوعان: تفريط في الحق وتَعَدًّ للحد(30) .
وقد جمع القرآن الكريم بين الوجهين بشكل معجز في قوله {لا تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُون}(31) . ولقاعدة العدل أثرها البارز في توطيد دعائم العلاقات الاقتصادية الدولية ، والعمل على نموها وازدهارها واستقرارها ، ومن ثم تحقيقها لمقصودها من توفير الحياة الاقتصادية الطيبة لجميع الدول ، من مسلمة وغير مسلمة .
2_ قاعدة المعاملة بالمثل :
لهذه القاعدة صدى واسع ، خاصة في أيامنا هذه في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية ، ومضمونها يتجسد في : كما تعاملنى أعاملك ، إن خيرًا فخير مثله ، وإن شرًّا فشرًّا مثله . لكنها في الإسلام ذات شأن آخر بل ذات مدلول ومضمون مغاير . ففي جانب الخير يرغب المسلم في الإحسان إلى الغير وألا يقف عند حد العدل أو المعاملة بالمثل {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}(32) ، {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِم}(33) فالبر أكبر من العدل وهو مقدم عليه . وفي جانب الشر أو الإساءة نجد الإسلام يميز بين الحالات وبعضها ، ففي حالات لا يسوغ للمسلم أن يعامل غيره بمنطق المعاملة بالمثل ، فلو سرق غير المسلم المسلم أو غدر به أو خانه أو غشه أو دلس عليه فلا يجوز للمسلم أن يعامله بالمثل(34) .
وقد تناول علماء المسلمين حالة موغلة في العلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية وغيرها ، وهي قيام الدول غير الإسلامية بفرض رسوم جمركية باهظة الارتفاع على صادراتنا لهم ، فهل يحق للمسلمين أن يفرضوا مثل ذلك على وارداتهم معاملة بالمثل ؟ قالوا: لا(35) .
وفي حالات أخرى يسوغ للمسلم أن يعامل غيره بالمثل دون زيادة ، وإلا كان عدوانًا واعتداء، وهذا مرفوض شرعًا ؛ لأنه تجاوز للحد الذي هو المثل. وفي المجال الاقتصادي فرضت الدولة المسلمة في عهد عمر على الواردات من الدول الأجنبية رسومًا جمركية، بحد أقصى ما كانت تفرضه الدول الأجنبية على الصادرات الإسلامية دون أن تتجاوز ذلك(36)، ودون أن يكون ذلك ملزمًا لها، فلها أن تفرض أقل مطلقًا ، ولها أن تقلل على بعض السلع دون بعض، وعلى بعض البلاد دون بعض(37).
وهكذا فإن تطبيق هذه القاعدة يكون في إطار قاعدة العدل وعدم الظلم، وقاعدة المشروعية، وفي ضوء مايترتب عليها من مصالح ومفاسد. وربما كان من الأمثلة الواضحة على مجال تطبيق هذه القاعدة ما إذا رأت الدولة الإسلامية أنه لا مناص من استخدامها ؛ حملاً للدولة الأخرى على العدول عن الممارسات التي تلحق الضرر
بالدولة المسلمة.
والأثر الإيجابي لهذه القاعدة على العلاقات الاقتصادية واضح وقوي، ولا سيما عندما تبدو لدى بعض الدول نزعة ما يعرف بإفقار الغير، ففي تلك الحالة قد لا يحول دون سريان هذا التوجه إلا موقف المعاملة بالمثل، مع العلم بأن الإسلام ، كما سبق أن أشرنا ، يرشد إلى أنه في مثل تلك الحالة لا ينبغي الجري وراء مبدأ المعاملة بالمثل ؛ لما قد يرتبه من مضار بالغة تلحق بالمجتمع، كما هو معروف من وقائع التاريخ، وهنا تتجلى عظمة التوجيه الإسلامي.
3- قاعدة عدم الإضرار بالدولة الإسلامية:
إذا كان من قواعد التعامل الاقتصادي مع الدول غير الإسلامية التزام العدل معها وعدم إلحاق ضرر أو ظلم بها فمن القواعد كذلك عدم تمكين الغير من الإضرار بمصالح الدولة المسلمة، وفي الحقيقة تعد هذه القاعدة الوجه الثاني لقاعدة العدل المتمثل في عدم التفريط في الحق ، على حد تعبير الإمام ابن تيمية. وقد ورد الكلام حول هذه القاعدة عند تناول الفقهاء التجارة مع دولة محاربة، فقالوا : إنه لا يجوز شرعًا تصدير سلع تؤدي إلى تقوية هذه الدولة المحاربة على الدولة المسلمة ، واختلفوا في تحديد هذه السلع ما بين مضيّق كثيرًا وما بين موسع إلى حد ما ، فمنهم من قصر ذلك على الأسلحة ، ومنهم من ألحق بالأسلحة ما في معناها أو ما هو مصدر لها مثل الحديد، ومنهم من عمم القول في كل سلعة يلحق تصديرها ضررًا بالدولة المسلمة(38) .
ومما يجب التنبيه إليه أن ذلك كان مقصورًا على حال واحدة هي الحرب والعداء، وليس حال السلم والموادعة، كما أنه لم يمتد حتى في تلك الحالة ليشمل كل السلع والخدمات ، فلم يقل أحد من الفقهاء بذلك ، بل لقد اعتبروا ذلك خارجًا على نطاق المألوف والمعهود والمعتاد(39) .
ومن الواضح أنه كان من وراء ذلك مقصد عام ، هو عدم إلحاق ضرر بالدولة المسلمة، ولم يكن يتصور الضرر آنئذ إلا في حالة الحرب ومن خلال قيام الدولة المسلمة بتصدير سلعة استراتيجية في ذلك الحين. وحيث إن الصورة اليوم قد تغيرت كثيرًا ، وأصبح مجال إلحاق الضرر بالدولة المسلمة واسعًا ، ولم يقف عند حالة الحرب ، كما لا يقف عند حد تصدير سلعة ما ، بل أصبح يتمثل غالبًا في حالات السلم ، ومن خلال الاستيراد ، وفي مجالات عديدة غير عسكرية، فإن ذلك يدعونا إلى إعادة صياغة القاعدة بشكل يجعلها عامة، تصدق في كل الحالات ، وبدلاً من القول بعدم تقوية الدول الأخرى نقول: عدم الإضرار بالدولة المسلمة. وينبغي أن يكون التمييز واضحًا بين عدم الإضرار بنا وعدم نفع الآخرين، فما قامت التجارة إلا بهدف تحقيق المنافع.
ومن المعروف أن قاعدة عدم ترتب ضرر من جراء العلاقات الاقتصادية الدولية هي قاعدة تعمل بها كل الدول وتحرص عليها ، فما من دولة رشيدة تسمح بأن يكون هذا القطاع مصدرًا للإضرار بها . والضرر مفهومه متسع متعدد الصور والمفردات والمجالات ، فهناك الضرر السياسي والضرر الأمني والضرر الاجتماعي والضرر الاقتصادي والضرر الديني(40) ، كما أنه يتولد من عمليتى الاستيراد والتصدير ، بل من ناحية الاستيراد ربما كان أكثر . وخاصة بالنسبة للدولة المسلمة المعاصرة. ومراعاة هذه القاعدة تنعكس على العديد من السياسات والإجراءات الاقتصادية والإدارية والتشريعية . ويجب النظر في كل ذلك إلى مآلات الأمور، حسب التعبير الفقهي ، أو إلى الآثار المستقبلية أو غير المباشرة، حسب التعبيرات المعاصرة . فقد تنجم بطالة ، وقد ينجم تضخم أو ركود، وقد ينجم إغراق ، وقد ينجم تدهور في الإيرادات العامة أو سوء في النفقات العامة ، وقد تنجم تبعية سياسية أو اقتصادية، وقد ينجم تدهور اجتماعي أو انحطاط أخلاقي ، وقد ينجم تلوث او استنزاف للبيئة ، وقد ينجم سوء توزيع للدخول والثروات وغير ذلك . وعلى الدولة الإسلامية أن تسترشد في سياساتها هنا بالقواعد الشرعية المعروفة مثل قاعدة ارتكاب أخف الضررين، وقاعدة تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة عند عدم إمكانية التوفيق ، وقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .
ومن الواضح أن تطبيق هذه القاعدة، بالإضافة إلى قاعدة العدل، كفيل بتغيير جذري في نمط العلاقات الاقتصادية القائم ، والذي يعتبر ، بغير خلاف كبير، مسرحًا للاستغلال الاقتصادي ، والحرص على تحقيق المكاسب الخاصة ، بغض النظر عما يلحق الأطراف الأخرى من مضار .
4- قاعدة المشروعية <<الحلية>>(41):
مضمون هذه القاعدة أن تتم العلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية وغيرها في إطار الشرعية من كل نواحيها ، من ناحية موضوع التعامل من سلع وخدمات ومعلومات وأصول مالية، ومن ناحية الصيغ والعقود المبرمة، ومن ناحية الأساليب والإجراءات المتبعة. ومن أبهى جوانب عظمة الإسلام في هذا المجال أنه يعمل هذه القاعدة من كلا وجهيها ، وفي مقابلة كلتا الدولتين المسلمة وغير المسلمة ، فالالتزام بذلك سارٍ على جبهة التصدير كما هو سار على جبهة الاستيراد، فلا يجوز للدولة الإسلامية أن تستورد سلعًا وخدمات لا يجوز استخدامها في الاستهلاك أو في الانتاج ، مثل الخمور والمخدرات والسلع الفاسدة وأفلام الجنس والأفكار والمعلومات الضارة وكذلك الأموال القذرة ، كما لا يجوز لها أن تصدر ذلك لغيرها ، وقد شدد الإسلام في ذلك إلى حد منع تصدير سلع مباحة طيبة طالما أنها ستستخدم في إنتاج سلع خبيثة محرمة ، مثل تصدير العنب لمصانع الخمور، وكذلك قيام أفراد مسلمين بالعمل في هذه المصانع . وكذلك لا يجوز للدولة المسلمة أن تبرم عقودًا ممنوعة شرعًا مع الدولة غير الإسلامية، مثل عقود الغرر وعقود الربا وعقود المقامرات وكل أنواع العقود الفاسدة شرعًا(42) .
وأيضًا لا يجوز أن تمارس هذه العلاقات من خلال أساليب وإجراءات وآليات مرفوضة شرعًا ، مثل الغش والتدليس والاحتكار والرشوة .. الخ .
ولا شك أن هذه القاعدة لو أحسن تطبيقها فإنها كفيلة بتطهير ساحة العلاقات الاقتصادية الدولية من كل الشوائب والأوضار ، والتي تكاد تودي بمصالح الأطراف المتبادلة(43) ، المسلمة وغير المسلمة. وتحيلها إلى أداة صالحة تزيد من رفاهية المجتمعات كلها .
5- قاعدة الوفاء بالعقود والالتزامات والاتفاقيات :
ربما لم يصل الإسلام في تشدده في الالتزام بمبدء من مبادئه مثل ما وصل إليه في تشدده في الوفاء بالعهود والالتزامات والعقود والاتفاقيات(44) . قال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ …}(45) وقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا …}(46) ، وقد عدَّ الإسلام عدم الوفاء بالعهد علامة من علامات النفاق المذموم إسلاميًّا كأبلغ ما يكون الذم، ففي الحديث الشريف من علامات المنافق <<إذا عاهد غدر>> وقد وصل في ذلك إلى حد أنه لو كان هناك اتفاقية بين الدولة المسلمة والدولة غير المسلمة ثم دخلت الدولة غير المسلمة في حرب مع دولة مسلمة أخرى فإنه لا يجوز للدولة المسلمة التحلل من التزاماتها ونقض الاتفاقية المبرمة مع هذه الدولة غير المسلمة ، قال تعالي:
{..وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ..}(47) . وفي حال استشعار الدولة المسلمة أن الدولة غير المسلمة قد عزمت على نقض الاتفاقية المبرمة أو قامت بنقضها بالفعل فعلى الدولة المسلمة قبل قيامها بنقض الاتفاقية والتحلل منها أن تعلن الدولة الأخرى بذلك(48)، قال تعالى : {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}(49) . وعلى الدولة المسلمة أن تلتزم بما أبرمته من اتفاقيات مهما كلفها ذلك من متاعب وتضحيات . يقول صلى الله عليه وسلم في مناسبة قريبة مما نحن بصدده <<وفوا لهم بعهدهم واستعينوا عليهم بالله>>(50) ، كما رفض بإصرار نقض الاتفاق من جانبه قائلاً <<أنا أحق من وفىَّ بذمته>> . ولو زالت مبررات الاتفاق فإنه لا ينقض، طالما أن مدته مازالت سارية ، قال تعالى: {.. فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ ..}(51) ، ولا يقف الالتزام ببنود الاتفاقية عند المسئول الموقع عليها بل يمتد لمن خلفه ، فعليه الالتزام بما التزم به السابق عليه ، قال الماوردي: <<إذا اجتهد الإمام في الهدنة – وكذلك أي اتفاقية – حتى عقدها ثم مات أو خلع لزم من بعده من الأئمة إمضاؤها إلى انقضاء مدتها، ولم يكن له فسخها، وإن استغنى المسلمون عنها ؛ لقوله تعالى : {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ}>>(52) ، ومن أبلغ ما قيل في ضرورة احترام المسلمين للاتفاقيات المبرمة مع غيرهم قول سيدنا على رضي الله عنه لواليه على حكم مصر <<وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة ، أو ألبسته منك ذمة ، فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جُنَّة دون ما أعطيت . فإنه ليس من فرائض الله شىء، الناس أشد عليه اجتماعًا مع تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود.. فلا تغدرن بذمّتك، ولا تحنثن بعهدك ، ولا تختلن عدوك .. ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه لغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته>>(53) .
والقضية ليست في وفاء الدولة المسلمة بما أبرمته من عهود واتفاقيات، فهذا أمر مفروغ من فرضيته في الإسلام، ولكنها في الإقدام على إبرام العقود والاتفاقيات مع غيرها من الدول غير الإسلامية . والإسلام خوّل للدولة الحق في إبرام المعاهدات والاتفاقيات ، بل رغّبها في ذلك ، وخاصة في المجال التجاري والاقتصادي ، وقد أبرمت الدولة الإسلامية على مر العصور العديد من هذه الاتفاقيات ، ومن ذلك الاتفاق الذي عقده الرسول صلى الله عليه وسلم مع اليهود عندما نزل بالمدينة ، وكذلك اتفاقه مع يهود خيبر على زراعة ماكان لهم من أراضي ، وغير ذلك من الاتفاقيات على مر التاريخ الإسلامي(54) .
والقيد الوحيد في ذلك ألا تتضمن بنود الاتفاقية بندًا متعارضًا مع القواعد والأحكام الشرعية، فلا يجوز – مثلاً – إبرام اتفاقية على قيام تجارة المخدرات ، أو على ما يؤدي إلي تبعية الدولة المسلمة لغير الدولة المسلمة أو على ما يلحق ضررًا بطرف آخر أو بالمجتمع العالمي . وفي إطار ذلك الالتزام الشرعي فقد ترك الإسلام للدولة حرية تقدير الموقف في ضوء الملابسات المحيطة(55).
ولسنا في حاجة إلى توضيح أهمية الاتفاقيات في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية وأهمية الالتزام الصارم بما جاء فيها، فمن المعروف أن كثيرًا من صور هذه العلاقات تنتج آثارها مستقبلاً ، أو بعبارة أخرى تولد حقوقًا والتزامات مستقبلية ، ومن المعروف أن المعول عليه في إنجاز ذلك كله هو ما هنالك من اتفاقيات منظمة وملزمة ، وثقة كل طرف في قيام الطرف الآخر باحترام وتنفيذ ما اتفق عليه.
القسم الثالث
الحكم الشرعي لبعض صور
العلاقات الاقتصادية الدولية
لم يقف تنظيم الإسلام للعلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية وغيرها عند حد وضع القواعد العامة ، وإنما قدم أحكامًا شرعية لمفردات هذه العلاقات . وفي هذا القسم نعرض لبعض هذه الأحكام مع بيان آثارها على العلاقات الاقتصادية الدولية ، وصلتها بالقواعد العامة التي سلفت الإشارة إلى بعضها .
1- موقف الإسلام من انتقالات العنصر البشري:
يعد انتقال العنصر البشري بين دولة وأخرى لأي غرض من الأغراض أحد الجوانب الرئيسية للعلاقات الاقتصادية الدولية ، خاصة في أيامنا هذه ، فما من دولة إلا وفيها العديد والعديد من الأجانب من عمال وخبراء وزوار وسياح. والإسلام يجيز العمل الاقتصادي للمسلم لدى غير المسلم ، مثل عمله في مزارعه وصناعاته وتجاراته ، طالما كان موضوع العمل أو مجاله سلعًا وخدمات مباحة شرعًا ، وطالما أن ممارسة النشاط الاقتصادي لا تتم بأساليب وصيغ محرمة.
كما يجيز عمل غير المسلم لدى المسلم، بل إنه ليطالب المسلمين بالاستفادة من خبرات ومهارات وقدرات ومعلومات غيرهم ، طالما أنها غير متوفرة لديهم، وقد استعان صلى الله عليه وسلم بمشرك لديه خبرة بالطرق الصحراوية خلال هجرته، كما استفاد من خبرة اليهود في زراعة أرض خيبر، واستعان ببعض اليهود والمشركين في بعض غزواته(56) . وكذلك استفادت الدولة الإسلامية قديمًا في تدوين الماليات والحسابات وفي زراعة أراضي الفتوح بغير المسلمين .
وقد أباح الإسلام استقبال الدولة الإسلامية الأفراد والوفود من الدول غير الإسلامية للسياحة والزيارة ، وكذلك العكس(57) .
2- موقف الإسلام من التجارة والبيع والشراء والتأجير :
الإسلام ، من حيث المبدأ يجعل الأمر في ذلك مثلما هو تمامًا بين المسلمين وبعضهم، فكما يجوز البيع والشراء والتأجير بين المسلمين يجوز ذلك بين المسلمين وغيرهم . وما يمنع من ذلك بين المسلمين يمنع بينهم وبين غيرهم . وقد سئل ابن تيمية عن حكم التعامل التجاري مع التتار فقال : <<أما معاملة التتار فيجوز فيها ما يجوز في أمثالهم ، ويحرم فيها ما يحرم من معاملة أمثالهم ، فيجوز أن يبتاع الرجل من مواشيهم وخيلهم ونحو ذلك ، كما يبتاع من مواشي التركمان والأعراب والأكراد وغيرهم . ويجوز أن يبيعهم من الطعام والثياب ونحو ذلك ما يبيعه لأمثالهم>>(58).
والمهم في ذلك كله نوعية السلعة والخدمة والأصل المستورد أو المصدر ، ومدى احتياج الدولة الإسلامية لذلك ، ومدى تأثير ذلك على القيم والأخلاق والأعراف الإسلامية، ومدى تأثيره في الإنتاج الوطني. فالقضية ليست قضية حلية البيع والشراء وإنما هي قضية مآلات الأمور ، وما يترتب على ذلك من آثار غير مباشرة متنوعة . وقديمًا نظر الفقهاء في الآثار المترتبة على تصدير بعض السلع في بعض الحالات وقدموا لها الحكم الشرعي، فرفضوا بيع السلع الحربية للدولة غير الإسلامية في حال الحرب، رغم أن المسألة من حيث المبدأ لا غبار عليها . واليوم نجد للعديد من السلع والخدمات تأثيرات جوهرية واسعة الانتشار على ساحة المجتمع كله، وبالتالي فعلى القائم بهذا النشاط التقيد بذلك ، وعلى الدولة مراعاة ذلك في تصريحها أو رفضها لممارسة هذا النشاط.
3- موقف الإسلام من المشاركات والاستثمارات الدولية :
جمهور الفقهاء على حلِّية قيام مشاركات ومضاربات بين المسلمين وغيرهم، على أرض الدولة المسلمة وعلى أرض الدولة الأخرى(59) طالما كان ذلك في إطار القواعد الشرعية، وروعي فيه ما يحدثه من آثار على العمالة وتوظيف الموارد ، وعلى الجوانب السياسية والأمنية والثقافية والدينية ، وعلى مصالح المجتمع الإسلامي بوجه عام .
4_ موقف الإسلام من التمويل الدولي :
لا يمنع الإسلام من قيام قروض ومداينات بين الدولة الإسلامية وغيرها لمجرد كونها بين مسلم وغير مسلم ، وإنما يمنع ذلك إذا أخل بشرط شرعي ، كأن يكون بفائدة أو يكون مالاً حرامًا بعينه أو تم من خلال صيغ وأساليب غير مباحة شرعًا . وعلى الدولة المسلمة أن تراعي في ذلك مقدرتها على السداد ، وكذلك ما يكون لهذه المداينات من آثار سلبية في المجال السياسي وفي المجال الاقتصادي . ومن المفضل ترغيب الأجانب في إتمام هذه العمليات من خلال الصيغ التمويلية المقبولة شرعًا مثل المشاركة وغيرها(60) .
والإسلام لا يرفض أسلوب أو مبدأ المساعدات المالية بين الدول الإسلامية وغيرها ، قال تعالى : {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين}(61) وقد قدمت الدولة الإسلامية في عصر الرسول صلىالله عليه وسلم المساعدات المالية لقريش عندما ضربتها المجاعة(62) .
ومن الواضح أن هذه الأحكام الشرعية تحقق للعلاقات الاقتصادية الدولية النمو والازدهار ، وتفتح الباب واسعًا أمام قيام القطاع الخاص في الدولة الإسلامية بممارسة دوره المؤثر في العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى.
ومما يجب ملاحظته مدى الارتباط الوثيق بين هذه الأحكام وبين القواعد السالفة ، فالقيد العام في جواز هذه التصرفات هو عدم مناقضتها لقاعدة من القواعد الشرعية المنظمة لهذه العلاقات . وإلا أصبحت ممنوعة شرعًا .
القسم الرابع
الواقع المعاصر وإعمال القواعد الشرعية
سبق أن أشرنا إلى أن القواعد الشرعية المنظمة للعلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية وغيرها هي قواعد كلية شاملة، تندرج تحتها العديد من المفردات التى تتغير في ظهورها من عصر لعصر ومن حال لحال . كذلك فقد سبق أن أشرنا إلى أن العلاقات الاقتصادية الدولية المعاصرة قد اتخذت أبعادًا كمية ونوعية جديدة لم تكن معروفة من قبل، ومقصد هذا القسم هو التعريف الخاطف بالواقع المعاصر في ميدان الاقتصاد الدولي وكيفية التعامل الصحيح معه في ظل القواعد الشرعية المنظمة .
أولاً : الملامح العامة للواقع المعاصر(63) .
من ملامح هذا الواقع ذات الصلة نشير إلى ما يلي :
1_ الزيادة المفرطة في درجة تنوع السلع والخدمات والأصول المالية التى بات يجرى تداولها دوليًّا ، إضافة إلى ذلك الكم الهائل من المعلومات المتطورة المتزايدة ، وقد ساعد على ذلك ما أصبح يعرف بالعولمة وبالثورة الكبرى في عالم الاتصالات والمعلومات .
2_ وجود عناصر فاعلة مؤثرة في مجال العلاقات الاقتصادية الدولية ، وعلى رأسها الشركات متعددة الجنسيات ، والمؤسسات الدولية وبخاصة صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية .
3- قيام تكتلات اقتصادية إقليمية بعضها على درجة عالية من القوة والضخامة ، فهناك التكتل الأوربي ، وهناك التكتل الأمريكي ، وهناك التكتل الآسيوى ، وهناك غيرها(64) .
4_ ضعف الدول الإسلامية وهشاشة العلاقات الاقتصادية القائمة بينها ، فمن الملاحظ أن الدول الإسلامية المعاصرة تمر بمرحلة ضعف عام وشديد وخاصة في المجال الاقتصادي ، كما أن علاقاتها الاقتصادية البينية هي الأخرى يعتريها وهن قوي ، حيث لا تتجاوز 10% من جملة علاقاتها الخارجية(65) .
معنى هذا كله أن الاقتصاد الدولى المعاصر أصبح بالغ التأثير في الاقتصاديات الوطنية إيجابًا وسلبًا على السواء ، وسلبياته على الدول النامية عمومًا _ والتى يندرج تحتها الدول الإسلامية _ هي باتفاق جمهور الباحثين أقوى من إيجابياته ، والمسألة هنا ليست في حاجة إلى استقراء يؤكدها ، فدلالة المنطق والاستنباط واضحة بينة ، أنها منافسة حرة مفتوحة مقصدها تحقيق أقصى المنافع، وبالطبع فإنه في حالة التفاوت الشديد بين القوى _ كما هو قائم اليوم _ فإن معظم المكاسب تئول إلى الدول الصناعية وشركاتها ، كما تئول معظم الخسائر إلى الدول النامية(66).
ثانيًا : تأثير الوضع الراهن في إعمال وتطبيق القواعد الشرعية
في البداية تجدر الإشارة إلى أن الفكر المعاصر يحتوى ثلاثة اتجاهات لموقف الدول النامية ومنها الدول الإسلامية حيال الواقع المعاصر ، اتجاه يقوم على فكرة الحتمية والنظر إلى ما يجرى _ على أنه حقيقة وواقع قائم لا مراء فيه ولا يتوقف في قيامه ووجوده على نظرتنا وتقويمنا ولما هو عليه من خير أو شر ، وليس أمامنا إلا الانصياع له ، بل والجرى وراءه . واتجاه معاكس للسابق تمامًا يذهب إلى أن ما يجرى وإن كان واقعًا وقائمًا _ قابل للتقويم ، بل قابل للرفض لما يحمله من مضار بالغة في كل جنبات الحياة في الدول النامية وليس هناك من حتمية تحتم علينا قبوله والانصياع له .
والاتجاه الثالث يذهب إلى أن ما يجرى هو بالفعل واقع ، لكنه واقع قابل للتأثر والتعديل ، وتمتلك الدول النامية إمكانية ذلك ، طالما توفرت لها بعض المتطلبات ، معنى ذلك أن الرفض المطلق غير ممكن ، لأننا ضعفاء ، وغير مقبول لإمكانية الاستفادة ، كما أن الانصياع التام غير مقبول ؛ لما فيه من ضرر بالغ ، حيث إننا الطرف الضعيف(67) .
وهكذا يتبلور هذا الاتجاه ، الذى نراه أكثر صوابًا من غيره ، في أنه ليس كل ما يردنا من الخارج نبسط له أيدينا فرحين مهللين ولا أن نرفع له أيدينا خائفين مستسلمين ، وليس كل ما يردنا من الخارج ندير له أظهرنا ونرفضه من غير نظر فيه ، فلسنا في وضع يمكننا من ذلك وإن رغبنا فيه .
فإذا ما جئنا لإعمال القواعد الشرعية في ظل هذا الواقع نجد قدرًا من المشقة والمعاناة من جانب ، وقدرًا من تغاير الصور والمفردات من جانب آخر . فمثلاً قاعدة العدل وعدم إلحاق ظلم بالغير ، مع احترامنا لها وتمسكنا بها ، لم يعد لها اليوم رصيد واقعي يذكر ، فظلمنا لغيرنا وإضرارنا به غير وارد في ظل الوضع الراهن ، وإذن فعلينا الاستمساك جاهدين بهذه القاعدة من زاويتها الثانية المتمثلة في عدم تمكين الغير من إلحاق ضرر أو ظلم بنا من جراء هذه العلاقات الاقتصادية . فالوضع الراهن يجعلنا نركز في تعاملاتنا مع الغير على الوجه الآخر لقاعدة العدل ، والمتمثل في ألا يلحقنا ظلم أو ضرر من الغير ، من خلال هذه العلاقات ، مع عدم الإخلال بالوجه الأول وهو ألا نلحق بالغير ظلمًا أو ضررًا .
كذلك فإن ما قد يلحقنا من مضار لا يتمثل أساسًا في تصدير ما يقوى الدول الأخرى عسكريًّا ، فلا تمتلك الدول الإسلامية سلعًا تصديرية ذات تأثير بارز في الصناعات الحربية القائمة اليوم .
كما أن الضرر قد يلحق بنا أساسًا من خلال الاستيراد لا من خلال التصدير ، علمًا بأن التصدير هو الآخر قد يرتب العديد من المضار سواء من قبل المصدرين الوطنيين أو من قبل ما تمارسه الدول الأخرى من قيود وعرقلات لدخول صادراتنا إليها ، كما هو مشاهد في أمثلة عديدة .
إن تحرير التجارة وفتح الباب على مصراعيه للواردات قد يلحق ضررًا بالغًا بالإنتاج القومي في مجال الصناعة والزراعة وحتى الخدمات ، كما أن تحرير انتقال رءوس الأموال وإن كان فيه العديد من الفوائد إلا أنه يحمل بين طياته العديد من المخاطر العنيفة ، والتى منها الهروب السريع عند أول هزة تحدث(68) . وكذلك القدرة الفائقة على التهرب من الضرائب وعلى ابتزاز الحكومات في تقديم المزيد من الخدمات المجانية ، وحملها على التخلى عن الكثير من التشريعات والقوانين الوطنية(69). كذلك فإن تحرير انتقال الأيدى العاملة قد يجلب مضار قوية على العمالة الوطنية.
وهكذا أصبح الاقتصاد الدولي في ظل ما يعرف بالعولمة يحدث العديد من التأثيرات الجذرية في المجتمع والاقتصاد الوطنى ، تأثيرات تطول هياكل الإنتاج وأنماط التوزيع وأوضاع الاستقرار وقيم العملات كما تطول القيم والأفكار والثقافات والمعتقدات ، وكذلك سلطات الحكومات على رعاياها وحمايتها لهم ولحقوقهم وأموالهم ، ومن الجوانب السلبية المدمرة الجديدة ما قدمته العولمة من تسهيلات كبيرة لأرباب الجرائم المختلفة ، والتى أصبحت بدورها جرائم معولمة ، وقد صدق من قال : <<إن ما هو في مصلحة التجارة الحرة هو في مصلحة مرتكبي الجرائم أيضًا>>(70). فتجارة المخدرات ارتفعت في بعض مواردها إلى خمسين ضعفًا خلال العشرين سنة الماضية ، كذلك فقد راجت التجارة في المهربات والمسروقات وفي العمالة؛ حتى أضحت تنافس اقتصاد السراديب المظلمة من حيث ما تدره من عوائد(71) .
ويواصل صاحبا <<فخ العولمة>> إلى القول: << إن النتائج المترتبة تثير الرعب بلا شك، ففي منظور الخبراء أصبحت اليوم الجريمة المنظمة عالميًّا أكثر القطاعات الاقتصادية نموًّا ، إنه يحقق أرباحًا تبلـغ 500 مليــار دولار في العام>>(72).
وهكذا نجد بصمات الواقع المعاصر تفرض نفسها بقوة على العلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية وغيرها، بشكل تجعل الدول الإسلامية أمام مستجدات جديدة تحتم عليها التحرى الجيد في استخدام وتطبيق القواعد الشرعية المنظمة لهذه العلاقات . وعليها أن تتمسك بشدة بقاعدة عدم إضرار الغير بها أو إضرار بعض أفرادها بها من خلال تجارتهم الخارجية وعلاقاتهم الاقتصادية بالخارج ، وقد حالت الدولة الإسلامية قديمًا بين مواطنيها وقيامهم بتصدير سلع في أوقات معينة ؛ لأنها رأت أن ذلك يضر بها ويضعفها في مواجهة الدولة الأخرى ، والدول الإسلامية اليوم مطالبة بالقيام بذلك ، مع الأخذ في الحسبان الأوضاع المستجدة وما جلبته من تأثيرات في تشكيلة السلع والخدمات والأصول المتعامل فيها ، وفي أنواع الضمان المترتبة من خلال كل من التصدير والاستيراد على حد سواء .
كذلك فقد أكد الإسلام على ضرورة احترام الدولة المسلمة لتعهداتها والتزاماتها وحتمية وفائها بما أبرمته من اتفاقيات ، واليوم أعتقد أنه _ بالإضافة إلى ذلك وليس بالتخلى عنه _ يجب التشدد والإصرار على قيام الدول الأخرى باحترام تعهداتها وتنفيذ اتفاقياتها ؛ حيث يشهد الواقع صورًا عديدة من تخلى الدول الأجنبية عما التزمت به ووقعت عليه .
وأخيرًا فإنه بإزاء عولمة الجريمة وتنوع وتضخم جوانبها وأبعادها فلا يسع الدول المسلمة إلا أن تتمسك بإصرار بقاعدة المشروعية في علاقاتها الاقتصادية بالدول الأخرى ، مهما تحملت في ذلك من مشاق . ويعين الدول الإسلامية المعاصرة في تطبيقها لهذه القواعد توفر بعض المتطلبات التى نشير إليها في الفقرة التالية .
ثالثًا : متطلبات عملية لتطبيق القواعد الشرعية في ظل الظروف الراهنة:
مما سبق اتضح لنا أن الدول الإسلامية تواجه صعوبات وتحديات قوية وصعبة في جعل علاقاتها الاقتصادية الدولية على النحو المحقق لمصالحها ، كما أنها في الوقت نفسه تواجه العديد من المصاعب في تمسكها بالقواعد الشرعية المنظمة لهذه العلاقات . فهل يكون المخرج هو اعتبار الوضع الراهن من الأوضاع الاستثنائية التى مرت بالدولة الإسلامية قديمًا وعبر عنها الفقهاء بمرحلة الضعف ، بل والضعف الشديد ؟
إن ذلك قد يكون مقبولاً من الناحية الشرعية ، لكنه عمليًّا وكمواجهة فعالة لهذه الأوضاع الراهنة لايصح الركون إليه ، وإلا عشنا دائمًا في حال من الضعف المتزايد الذي قد يصل إلى الفناء، فنحن في وضع يصدق عليه تمامًا ما قاله سكوت مك نيلي : <<إما أن تأكل أو تؤكل>>(73) .
ومعنى ذلك أنه لابد من وجود منهج أو استراتيجية تجعل من الدول الإسلامية قادرة على جعل علاقاتها الاقتصادية الدولية في صفها ، أو على الأقل غير ملحقة بها من المضار ما يتفوق على ما تحمله لها من منافع . وفي اعتقادي أن هناك عناصر مهمة لابد من توفرها ، وهي :
1_ قيام تكتل اقتصادي إسلامي(74):
ولا بأس ، بل قد يكون من المهم اتباع الخطوات المتدرجة في تحقيق هذا التكتل ، على كل من المستوى الأفقى والمستوى الرأسى ، والمهم الإدراك الجيد بأن قيام ذلك يتطلب جهودًا منظمة من جهة ومستمرة من جهة أخرى ، وأمامنا تجربة أوروبا تستحق النظر والتدبر .
وقد أصبح تحقيق هذا التكتل مسألة حياة أو موت ؛ إذ به تتمكن الدول الإسلامية من الحفاظ بقدر الإمكان على حقوقها وأموالها ، وذلك لما يقدمه لها من عناصر قوة متعددة في نشاطها الاقتصادي ، حيث الطلب المتزايد وكذلك العرض المتزايد ، ومن ثم السوق الواسعة ، وحيث إمكانية التخصص والتقسيم الجيد للعمل والاستفادة المثلى مما هو متاح لديها من موارد وعناصر إنتاجية ، ثم إنه فوق ذلك يحقق لها المزيد من الاستفادة من ظاهرة العولمة ، حيث الإقبال المتزايد من المستثمرين الأجانب على المناطق ذات الطلب المتزايد والعرض الوفير لخدمات عناصر الإنتاج . وإذن فقد أصبح قيام هذا التكتل الاقتصادي من أهم الفرائض الإسلامية . ومن المعروف أن الإسلام ، من خلال مبادئه وأحكامه ، قدم المزيد من العناصر الضرورية لإقامة هذا التكتل، فمنع فرض الرسوم الجمركية بين مناطق الأمة الإسلامية ، حتى ولو أخذت شكل الدول ، كما هو الحال الآن ، واعتبر العالم الإسلامي دارًا واحدة ، من حق المواطن فيها أن يتنقل ويستقر في أية بقعة منها ممارسًا لنشاطه الاقتصادي ، موظفًا لما لديه من أموال ، وهكذا فقد وفر الإسلام حرية انتقال العمل ورءوس الأموال والسلع والخدمات وأزال الحواجز الجمركية ، ثم وحد موقفها حيال العالم الآخر من الناحية الاقتصادية . وفي ضوء ذلك وفي ضوء صعوبة الواقع المعاصر فإن مسألة التكتل الاقتصادى الإسلامي لم تعد اليوم، من الناحية الشرعية ، خاضعة لهوى الحكام ورغباتهم ، وإنما هي حق الله تعالى وحق الشعوب الإسلامية ، وللشعوب ، بل عليها حمل الحكام على تحقيق ذلك ، تمامًا كما أن لهم عليهم حق توفير الأمن والعدالة والدفاع ، وغير ذلك من كل ما تتوقف عليه المصالح العامة للمسلمين .
2_ المشاركة الشعبية الجادة في إدارة شئون الدولة :
مما لا خلاف يذكر حوله أن تحجيم الآثار السلبية للواقع المعاصر على الدول الإسلامية يتوقف ، ضمن ما يتوقف ، على إصلاحات سياسية عميقة ، من أهمها قيام مشاركة شعبية حقيقية في سياسة الدول وإدارة شئونها ، بدلاً <<من قيام نظام الحكم والإدارة فيها على حاكم فرد يقبض على زمام الأمور تسانده عادة جماعة مسلحة تسيطر على كل مقدرات البلاد ، أو فئة معينة تشكل صفوة تحوز كل المقدرات في بلدها>>(75) وأقصى ما تمنحه السلطة في هذه البلاد بوجه عام من مشاركة لمواطنيها ما تعلنه بين الحين والحين أنها تعمل بمفردها وفي غيبة المواطنين لصالح مواطنيها . هذا اللون السائد من نظام الحكم والسلطة في ربوع البلاد الإسلامية المعاصرة لا يمكن الدولة ولا المجتمع من مواجهة التحديات العاتية التى باتت مفروضة عليه في ظل الواقع القائم ، فالدولة بهذا الشكل باتت أكثر الدول <<قابلية للتأثير فيها من القوى الخارجية ، بل من السيطرة عليها>>(76) . والأفراد أو بعبارة أخرى النخبة منهم أصبحت تشكل ما يشبه الطبقة التى ترتبط مصالحها ارتباطًا وثيقًا بفروع ومؤسسات الاقتصاد الأجنبي داخل الدولة ، أي أنها باتت تشكل تحالفًا غير مرئي لترسيخ أقدام فروع الاقتصاد الأجنبي على حساب المصالح الوطنية ، كما أن أفراد هذه الفئة المالكة القادرة غالبا ما تقوم بتصدير أو بتهريب ما يمتلكه من مليارات الدولارات إلى الخارج لتوظيفها هناك ؛ لأنها أول من يدرك مدى هشاشة الأوضاع داخل دولها(77) . ثم إن الكثير من الفئات سوف تصاب بأضرار إقتصادية قد تكون بالغة القسوة من بطالة للعديدين ، ومن إفلاس للكثير من رجال الأعمال ، ومن إغلاق متزايد للمصانع والمشروعات . والسؤال الذي يجب أن تواجه به السلطات نفسها في هذه البلاد هو: هل ستبقى هذه الفئات المضارة مكتوفة الأيدى حيال ما لحقها أم أنها ستثير الكثير والكثير من القلاقل(78) ؟ وبالطبع فإن إنجاز مثل هذا الإصلاح السياسى يتطلب بدوره العديد والعديد من المقومات والآليات ، ولا أظن أننا هنا في حاجة إلى إثارتها .
3_ التقدم العلمي :
فرس الرهان حاليًّا هو التقدم العلمى عامة والتقدم التكنولوجي خاصة . فقد باتت مقدرة الدول على الصمود والمنافسة في المجال الاقتصادي متوقفة على ما عليه الدولة من تقدم علمي في جميع المجالات(79) ، وليس هذا فقط ، بل إن المقدرة العلمية باتت شرطًا ضروريًا لحسن استغلال الموارد والطاقات ، وقد صدق من قال : <<غدا امتلاك العلم والتكنولوجيا بحيث لا يقل أهمية وسطوة عن امتلاك المزارع والمناجم والمصانع>>(80) ثم إن هذا التقدم العلمي هو الذي يمكن الدولة من الاستفادة الحسنة مما تتيحه العولمة من فرص على أرض الدولة وخارج أرضها. والدول الجادة اليوم تعى ذلك حق الوعي ، وتبذل قصارى جهدها في جعله واقعًا قائمًا بدلا من كونه مجرد أماني وأحلام . والملاحظ أن نظم التعليم والبحث العلمي القائمة حاليًا في العالم الإسلامي _ بوجه عام _ في حاجة ملحة إلى إصلاحات عميقة . وقد لا يعرف الكثير أن توفير نظام تعليمي جيد من الفرائض الشرعية التى يجب توافرها في المجتمع(81) والدولة مسئولة عن ذلك مسئوليتها عن توفير الأمن والعدالة ، وقضية التعليم أكبر من أن يسند الأمر فيها إلى شخص واحد مهما كانت قدراته ، كما أنها أكبر من أن تتولى أمرها وزارة عادية من بين الوزارات .
4_ قيام الدولة بإشرافها على العلاقات الاقتصادية الدولية :
بالرغم من أن الوضع الراهن يعمل وينادي برفع يد الدولة عن المجال الاقتصادي عامة وقطاع العلاقات الاقتصادية الدولية خاصة فإنه لا مناص من وجود قوى للدولة في هذا المجال حتى تحقق ، على حد قول روبرت كارسون _ الأمان والحماية للاقتصاد القومي ضد التيارات الخارجية العاتية(82)، ولو رفعت الدولة يدها ، كما يراد ، فإن البلد يتحول إلى مرتع يفعل فيه كل من يريد حتى من أبنائه ما يحقق له مصالحه الخاصة ، بغض النظر عما قد يلحقه ذلك من أضرار بالغة بالمصالح العامة للمجتمع ، فكثيرًا ما يحدث التعارض بين حرية التجارة الدولية وحماية الصناعات الوطنية ، وبين حرية انتقال الأيدي العاملة وتوظيف العمالة المحلية ، وبين حرية انتقال الأصول المالية وحماية الاستقرار الاقتصادي القومي ، ومن ناحية أخرى فإن الوجود القوى للدولة في قطاع العلاقات الاقتصادية الدولية هو شرط ضروري لإمكانية الوجود القوى للقطاع الخاص في هذا القطاع ، إن العلاقات الاقتصادية اليوم باتت محكومة إلى حد كبير بالاتفاقيات والتكتلات ، فمن الذي يقوم بذلك ؟ إنها الدولة ولا أحد غيرها(83) .
وليس معنى إشراف الدولة على هذا القطاع أن تسن ما يحلو لها من سياسات اقتصادية، أيًّا كانت درجة كفاءتها ورشدها ، ولا أن تمارس هي النشاط في هذا القطاع بدلاً من القطاع الخاص، وإنما هو الإشراف الرشيد الذي يوفر الدعم للقطاع الخاص من جهة ويوجهه الوجهة الصحيحة المحققة لمصالحه ومصالح المجتمع كله من جهة أخرى. فإذا كان وجود الدولة قيدًا على القطاع الخاص في بعض الحالات فهو مطلب له في حالات أكثر . وليس من قبيل المبالغة ما يذهب إليه البعض من أن الدعوة إلى تحرير العلاقات الاقتصادية الدولية وإبعاد الدولة عنها إنما مبعثها القوي هو افتراس القطاع الخاص الوطني في الدول النامية.
والدولة في الإسلام من حقها ، بل في الحقيقة من مهامها ومسئولياتها تأمين المجتمع ومصالحه من المخاطر الاقتصادية الخارجية.
5- التطبيق الجيد للتوجيهات الإسلامية في المجال الاقتصادي خاصة وفي كل المجالات عامة:
قد يعتري البعض شعور بالضيق من إدخال فقرة كهذه في موضوعنا ؛ حيث لا يرى لها علاقة به. مع أنه عند التحقيق نجد علاقة قوية، ونجد أن القول بذلك والعمل به يمثل أحد المخارج الجيدة من أزمة المواجهة مع الواقع القائم بظلاله الكثيفة. فمن المعروف أن العولمة لا تقف عند حد المجال الاقتصادي ، ومن المعلوم أيضًا أن عولمة الاقتصاد تحمل في طياتها عولمة ما هو غير الاقتصاد ، ومن المعلوم ثالثًا أن أحد السدود الواقية من طوفان العولمة يتمثل في قيم الأفراد ومعتقداتهم وأنماط سلوكياتهم. ومن هنا فإن تطبيق المنهج الإسلامي يكتسب أهمية في موضوعنا هذا . فشيوع النمط الاستهلاكي الإسلامي يقي المجتمع من أن يتحول إلى سوق فسيحة للمنتجات الأجنبية بعجرها وبجرها ، وخيرها وشرها . هي باعتراف الكثير من الاقتصاديين والاجتماعيين تحتوي على الكثير والكثير من السلع والخدمات غير المفيدة ، بل الضارة(84) وشيوع النمط الاستهلاكي الإسلامي يفعل في الحيلولة بين المجتمع وهذا الطوفان من السلع والخدمات ما لا تفعله السياسات الحكومية(85) ، والتي ترفض الكثير منها الاتفاقيات الدولية القائمة . وشيوع النمط الإنتاجي الإسلامي بما يرتكز عليه من قيم تدعو إلى الجودة والإبداع والتحسين المستمر في جودة المنتجات ، هو الآخر يوفر عناصر عديدة لقيام منافسة جيدة مع المنتجات الخارجية . دون الحاجة الماسة إلى فرض المزيد من الرسوم أو تحمل المزيد من المعونات والدعم، والتي قد لا تحوز القبول في ظل الاتفاقيات القائمة.
هذه إشارة خاطفة إلى رءوس بعض المتطلبات العملية، والتي تسهم بفاعلية في تمكين الدول الإسلامية المعاصرة من مواجهة ما يفرضه عليها الواقع من تحديات وأعباء. ومن المعروف أن كل متطلب من هذه المتطلبات يحتاج إلى دراسة مفصلة تتناول أبعاده المختلفة ، ولسنا هنا بصدد ذلك، وإنما بصدد التنبيه على ما يجب التركيز عليه من قبل الدول الإسلامية. أما كيفية ذلك ومقوماته ومشكلاته فهذا أمر آخر .
ومما تجدر الإشارة إليه أن هناك العديد من الباحثين من يشاركنا في القول بضرورة توفير هذه المتطلبات أو بعضها(86) ؛ لتحقيق تعامل فعال وإيجابي مع الواقع المعاصر، يؤمن لها على الأقل بعض حقوقها الاقتصادية ، وفي الوقت ذاته يمكنها بقدر من اليسر من تطبيق القواعد الشرعية . وبدون ذلك فلن تحافظ على مصالحها الاقتصادية، ولن تحافظ في الوقت نفسه على التزامها الإسلامي .
خـــاتمـــة
استهدف هذا البحث بيان القواعد الشرعية التي تحكم العلاقات الاقتصادية بين الدول الإسلامية وغيرها من الدول ، وقد تناول التعريف بهذه العلاقات وبأهميتها والتعريف بأهم القواعد الشرعية المنظمة لهذه العلاقات ، ثم التعريف بالحكم الشرعي للعديد من صور هذه العلاقات . وأخيرًا التعريف بالواقع المعاصر وضغوطه الثقيلة على الدول الإسلامية وتأثيره القوي في كيفية وإمكانية تطبيق الدول الإسلامية لهذه القواعد الشرعية، ومن ثم بيان بأهم المتطلبات اللازم توفرها لتمكين الدول الإسلامية من القيام بذلك على الوجه المقبول.
وأهم ما خلص إليه من نتائج هي :
1- الإسلام يولي اهتمامًا كبيرًا بالعلاقات الاقتصادية للدول الإسلامية مع غيرها من الدول ، ويرى أنها ضرورية لمصلحة الدول المسلمة والدول غير المسلمة على السواء .
2 – وانطلاقًا من ذلك ، وحرصًا على تأدية هذه العلاقات لمقصودها على الوجه الأمثل دونما ظلم أو غبن أو ضرر يلحق بأي طرف من الأطراف قدم الإسلام العديد من القواعد المنظمة لهذه العلاقات ، والتي تحدث فيها أثرًا بارزًا من ناحيتين ؛ النمو والازدهار، والصلاحية .
ومعنى ذلك أن تمسك العالم كله بهذه القواعد كفيل بتدعيم وازدهار العلاقات الاقتصادية الدولية ، وبوضعها في الموضع الصحيح ، وعلى النهج السليم المحقق لمصالح كل الأطراف .
3- وقد جاءت الأحكام الشرعية لمفردات هذه العلاقات من بيع وشراء وتأجير ومشاركات ومداينات وتمويل مؤكدة على الموقف المبدئي للإسلام حيال هذه العلاقات وضرورتها ، فقد أباح قيام هذه التصرفات بين الدول الإسلامية وغيرها بضوابط تجعلها محققة لمصالح جميع الأطراف .
4 – العالم الإسلامي المعاصر يعيش واقعًا ثقيلاً بأعبائه ، فدوله ضعيفة من جهة ، ومفككة الأوصال من جهة ثانية، في الوقت الذي تواجه فيه تحديات خارجية عنيفة من جهات بالغة القوة، وشديدة الحرص على تحقيق أقصى ما يمكن من مكاسب. ومعنى ذلك أن الكثير من مصالح الدول الإسلامية بات معرضًا لمخاطر جسيمة ، كما أنه بات من الصعب عليها تمسكها بالقواعد الشرعية المنظمة لهذه العلاقات، وليس أمام هذه الدول للتعامل الفعال بد من توفير بعض المتطلبات من تكامل اقتصادي ، وإصلاحات سياسية وتعليمية، وحسن رعاية واهتمام بتطبيق التوجيهات الإسلامية في المجال الاقتصادي خاصة وفي المجالات كلها بوجه عام . ثم تحمل الدولة الإسلامية لمسئوليتها الإشرافية الجادة الرشيدة على قطاع العلاقات الاقتصادية الدولية ، حماية وتأمينًا لمصالحها ، ودعمًا وتقويةً لما لديها من قطاع خاص .
والله أعلم
(1) د. صلاح نامق، تطور التجارة الدولية، القاهرة : مكتبة عين شمس 1974، ص4، د. محمد زكي شافعي، مقدمة في العلاقات الاقتصادية الدولية ، القاهرة : دار النهضة العربية ، 1967، ص3 .
(2) د. فؤاد مرسي، الرأسمالية تجدد نفسها ، الكويت : سلسلة عالم المعرفة رقم 147، ص242وما بعدها .
(3) جون هدسون ، العلاقات الاقتصادية الدولية ، ترجمة د. طه عبد الله منصور ، الرياض ، دار المريخ ، 1997 ، ص 11 .
(4) د. فؤاد مرسي ، مرجع سابق ، ص7 وما بعدها .
(5) د. حازم الببلاوي ، على أبواب عصر جديد ، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1997، ص247 وما بعدها .
(6) سورة الشورى : الآية 32 .
(7) سورة الشورى : الآية رقم 33 .
(8) سورة يونس : الآية رقم 22 .
(9) سورة فصلت : الآية رقم 10.
(10) الإمام الماوردي، أدب الدنيا والدين، بيروت: دار مكتبة الحياة، 1986، ص210.
(11) الإمام البقاعي، نظم الدرر في ترتيب الآيات والسور، الهند، دار المعارف العثمانية، جـ17، 150 .
(12) د. محمد طلعت الغنيمي ، قانون السلام في الإسلام، الإسكندرية، منشأة المعارف، ص640، د. عيسى صالح العمري، دور المعاهدات في حكم العلاقات الدولية في الشريعة الإسلامية، دكتوراه، كلية الشريعة ، جامعة الأزهر، 1994، ص160 وما بعدها .
(13) جزء من حديث شريف ، رواه ابن ماجة ، سنن ابن ماجة، القاهرة : دار إحياء الكتب العربية، 1953، جـ2، ص728.
(14) رواه الطبراني ، انظر العجلوني ، كشف الخفا ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1985، جـ1، ص342.
(15) د. محمد رواس قلعة جي ،موسوعة فقه عمر بن الخطاب ، الكويت : مكتبة الفلاح ، 1981 ، ص 23 .
(16) تسهيل النظر ، بيروت : دار النهضة العربية ، 1981 ، ص 158 .
(17) أدب الدنيا والدين ، مرجع سابق ، ص 213 .
(18) محمد بن خليل الأسدي ، التيسير والاعتبار .. ، القاهرة : دار الفكر العربي ، ص 83 _ 85 ، قارن بالماوردى ، تسهيل النظر ، مرجع سابق ، ص 165 وما بعدها ، ابن خلدون ، المقدمة ، بيروت : دار القلم ، 1986 ، ص 286 وما بعدها .
(19) وزارة الاوقاف والشئون الإسلامية ، الكويت، الموسوعة الفقهية ، جـ30 ، ص 114 .
(20) السرخسي ، المبسوط ، بيروت : دار المعرفة ، جـ10 ص 88 ، ابن قدامة ، المغنى ، الرياض : مكتبة الرياض الحديثة ، جـ8 ص 523 وما بعدها ، محمد أبو زهرة ، تنظيم الإسلام للمجتمع ، القاهرة : دار الفكر العربي ، 1965 ، ص 52 .
(21) الكاساني ، بدائع الصنائع ، بيروت : دار الكتاب العربي ، 1982 ، جـ2 ، ص 38 .
(22) أبو يوسف ، الخراج ، بيروت : دار المعرفة ، 1979 ، ص 207 ، الماوردي ،ا لحاوى الكبير ، بيروت ، دار الفكر، 1994 ، جـ18 ص 406 وما بعدها ، ابن قدامة ، المغنى ، مرجع سابق ، جـ8 ص 460 ، الدسوقي ، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ، القاهرة : دار إحياء الكتب العربية ، جـ2 ص 205 .
(23) سورة النساء : الآية رقم 135 .
(24) سورة المائدة : الآية رقم 8 .
(25) ابن القيم ، أحكام أهل الذمة ، بيروت : دار الكتب العلمية ، 1996 ، جـ1 ، ص 146 .
(26) مجموع الفتاوى ، الرياض ، توزيع رئاسة البحوث العلمية والافتاء ، جـ29 ، ص 229 .
(27) ابن قدامة ، المغني ، مرجع سابق ، جـ8 ص 458 .
(28) السرخسى ، المبسوط ، مرجع سابق ، جـ10 ، ص 88 .
(29) د. محمد أحمد ، أسس العلاقات الدولية في الإسلام ، دكتواره ، كلية الشريعة ، جامعة الأزهر ، 1978، ص 120 وما بعدها ، أبوا لأعلى المودودي ، نظام الحياة في الإسلام ، 1977 ، ص 28 ، د. وهبة الزحيلى ، العلاقات الدولية في الإسلام ، بيروت : مؤسسة الرسالة 1981م ، ص 19الشيخ محمد أبو زهرة ، العلاقات الدولية في الإسلام ، القاهرة ، دار الفكر العربي .
(30) مجموع الفتاوى ، مرجع سابق ، جـ29 ص 278 .
(31) سورة البقرة : الآبة رقم 279 .
(32) سورة النساء : الآية رقم 86 .
(33) سورة الممتحنة :الآية رقم 8 .
(34) ابن قدامة ، المغني ، مرجع سابق ، جـ8 ص458 .
(35) السرخسي ، المبسوط، مرجع سابق ، جـ2 ص200 ، ابن عابدين، رد المحتار، بيروت: دار الفكر ، جـ2 ص314، الموسوعة الفقهية، مرجع سابق، جـ30 ص104 .
(36) ومن جميل ما قيل في تفسير التمسك بذلك : <<إذا عاملناهم بمثل ما يعاملوننا به كان ذلك أقرب إلى مقصود الأمان واتصال التجارات>> السرخسي، المبسوط، مرجع سابق، جـ2 ص199 .
(37) أبويوسف ، الخراج ، مرجع سابق، ص135، أبو عبيد، الأموال، القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية 1968، ص711وما بعدها، الماوردي، الحاوي الكبير ، مرجع سابق ، جـ18 ص394وما بعدها، ابن القيم ، أحكام أهل الذمة ، مرجع سابق جـ1 ص129 ومابعدها ، الموسوعة الفقهية، مرجع سابق، جـ30 ص104 .
(38) الكاساني، بدائع الصنائع، مرجع سابق، جـ7ص102، أبو يوسف ، الخراج ، مرجع سابق، ص188، الكمال بن الهمام ، شرح فتح القدير، بيروت: دار إحياء التراث العربي، جـ5 ص209، سحنون، المدونة ، بيروت: دار صادر، جـ4 ص270، الدسوقي ، حاشية الدسوقي، مرجع سابق ، جـ3، ص7، د/عيسى العمري، مرجع سابق، ص163 .
(39) وقد تنبه الفكر الإسلامي إلى ما في ذلك من مضار على الدولة المسلمة ، لما هنالك من احتياجات لها لا تشبع إلا من عند الغير، ولو أوقفنا تصديرنا لهم هم بدورهم يوقفون تصديرهم لنا ، انظر تحليلاً رائعًا لذلك عند السرخسي، المبسوط مرجع سابق، جـ10ص92، قارن بابن قدامة ، المغني، مرجع سابق ، جـ8 ص523 .
(40) من أوسع المراجع في تبيان تلك المضار في عصر العولمة الراهن كتاب هانس بيتر مارتين وآخر، فخ العولمة، ترجمة د. عدنان علي ، الكويت : سلسلة عالم المعرفة(238) 1998، وكذلك كتاب العولمة للدكتور جلال أمين، القاهرة : دار المعارف، 1998، إضافة إلى العديد من الكتب التقليدية في العلاقات الاقتصادية الدولية .
(41) اقتبسنا هذا المصطلح من الأخ الدكتور رفعت العوضي في بحثه <<الإسلام والتعاون الاقتصادي الدولي – مدخل أخلاقي>> ندوة التنمية من منظور إسلامي ، البنك الإسلامي للتنمية ، جدة 1993، جـ1، ص363.
(42) ابن قدامة ، المغني ، مرجع سابق، جـ8، ص458 .
(43) لمزيد من المعرفة انظر فخ العولمة، مرجع سابق، وانظر فرانك فوجل ، الرشوة الدولية، مجلة التمويل والتنمية، صندوق النقد الدولي، يونيه، 1996.
(44) د. وهبة الزحيلي ، العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سابق ، ص133، د. محمد عبدالله دراز، دراسات إسلامية في العلاقات الاجتماعية والدولية ، الكويت : دار القلم، 1974، ص146ومابعدها، الشيخ محمد أبوزهرة، تنظيم الإسلام للمجتمع، مرجع سابق، ص41 .
(45) سورة المائدة : الآية رقم 1.
(46) سورة النحل : الآية رقم 91.
(47) سورة الأنفال : الآية رقم 72 .
(48) أبو عبيد ، الأموال ، مرجع سابق ، ص237 .
(49) سورة الأنفال : الآية رقم 58 .
(50) د. محمد عبدالله دراز، مرجع سابق، ص147، الشيخ أبوزهرة، مرجع سابق، ص43.
(51) سورة التوبة : الآية رقم 4.
(52) الماوردي ، الحاوي الكبير، مرجع سابق، جـ18 ص427.
(53) الشريف الرضي ، نهج البلاغة ، بيروت : دار الأندلس، 1980، ص536 .
(54) د: وهبة الزحيلي ، مرجع سابق ، ص150 وما بعدها، د: عيسى العمري، مرجع سابق، ص167 وما بعدها .
(55) الدسوقي ، حاشية الدسوقي ، مرجع سابق ، جـ2 ص206 .
الماوردي ، الحاوي الكبير ، مرجع سابق، جـ18 ص411 .
د: وهبة الزحيلي ، مرجع سابق ، ص143 وما بعدها .
(56) الماوردي ، الحاوي الكبير ، مرجع سابق، جـ18 ص145 وما بعدها. ابن قدامة ، المغني، مرجع سابق، جـ4 ص293، الموسوعة الفقهية، مرجع سابق، جـ1 ص288، جـ4 ص18 .
(57) ابن القيم ، أحكام أهل الذمة، مرجع سابق، جـ1 ص137 .
(58) مجموع الفتاوى ، مرجع سابق ، جـ29 ص 275 ، قارن بالكاساني ، بدائع الصنائع ، مرجع سابق ، جـ7 ص 132 ، وبالنووي ، المجموع ، المدينة المنورة ، المكتبة السلفية ، جـ9 ص 359 ، وبالموسوعة الفقهية ، مرجع سابق ، جـ7 ص 131 .
(59) ابن قدامة ، المغنى ، مرجع سابق ، جـ5 ،ص 3 ومابعدها .
(60) د/ شوقي دنيا ، تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي ، بيروت : مؤسسة الرسالة ، 1984 ص503 وما بعدها ، د/ عبد الرحمن يسرى ، تعبئة الدولة للموارد الخارجية ، ندوة موارد الدولة في المجتمع الحديث من وجهة النظر الإسلامية ، البنك الإسلامي للتنمية ، 1989 ، جدة ، ص 229 .
(61) سورة الممتحنة ، الآية رقم 8 .
(62) الشيخ أبو زهرة ، تنظيم الإسلام للمجتمع ، مرجع سابق ، ص 52.
(63) لمعرفة موسعة يمكن الرجوع إلى :
د/ حازم الببلاوى ، التغيير من أجل الاستقرار ، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1998 ، ص 16 وما بعدها .
د/ فؤاد مرسى ، الرأسمالية تجدد نفسها ، مرجع سابق ، ص 105 وما بعدها .
د/ جلال أمين ، العولمة ، مرجع سابق ، ص 13 وما بعدها .
د/ جودة عبد الخالق ، الاقتصاد الدولي ، القاهرة ، دار النهضة العربية ، 1996 ، ص 311 وما بعدها ، كارولس بريموبراجا ، تدويل الخدمات وتأثيره على البلدان النامية ، مجلة التمويل والتنمية ، مارس 1996 .
(64) د/ جودة عبد الخالق ، مرجع سابق ، ص 69 وما بعدها ، كلينتون شيلز ، التكتلات التجارية الإقليمية هل تخلق التجارة أم تحول اتجاهها ؟ مجلة التمويل والتنمية ، مارس 1995 .
(65) البنك الإسلامي للتنمية ، جدة ، التقرير السنوى (20) لعام 94 / 1995 ، ص 49 .
(66) د/ إبراهيم العيسوى ، تقييم النظام الجديد للتجارة العالمية من منظور التنمية العربية ، المستقبل العربي ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت : العدد 194 ، د/ مجدى شهاب ، الاقتصاد الدولي ، الاسكندرية ، دار المعرفة الجامعية ، 1996م ، ص 189 وما بعدها ، مانويل جويتيان ، كيف تدار التدفقات العالمية لرؤوس الأموال ، مجلة التمويل والتنمية ، يونيه 1998م ، ضيا قريشي ، العولمة، فرص جديدة وتحديات صعبة ، مجلة التمويل والتنمية ، ديسمبر 1998م ، د. جودة عبد الخالق ، مرجع سابق ، ص 272 وما بعدها، د. فؤاد مرسى ، مرجع سابق ، ص 107 وما بعدها ، هانس بيتر مارتين ، فخ العولمة ، مرجع سابق ، ص 258 وما بعدها ، د. محمد نظير بسيوني ، دور منظمة التجارة العالمية على اقتصاديات الدول الإسلامية ، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، العدد الأول ، 1418هـ / 1997م .
(67) هانس بيتر مارتين، فخ العولمة ، مرجع سابق ، ص 33 وما بعدها ، د/ جلال أمين ، العولمة ، مرجع سابق ، ص 38 وما بعدها، د/ محمد ربيع ، أين موقعنا من العولمة ؟ جريدة الأهرام القاهرية في 5 / 6 / 1998م ، د/ حازم الببلاوي ، العرب والعولمة ، جريدة الأهرام ، في 30 / 12 / 1997م ، السيد ياسين ، التجليات المتعددة للعولمة ، جريدة الأهرام في 29 / 1 / 1998 .
(68) مانويل ، كيف تدار التدفقات العالمية لرءوس الأموال ؟ مرجع سابق .
(69) هانس بيتر مارتين ، فخ العولمة ، مرجع سابق ، ص 32 وما بعدها ، ص 356 وما بعدها .
(70) راجع فخ العولمة ، مرجع سابق ، ص 367 _ 370 ، د/ حمدى عبد العظيم ، غسيل الأموال في مصر والعالم ، القاهرة ، توزيع مؤسسة الأهرام ، 1997 ، بول كنيدي ، الاستعداد للقرن الواحد والعشرين ، القاهرة ، مكتبة مدبولي ، 1994 ، ترجمة مجدى نصيف ، ص 79 وما بعدها ، أسامة غيث ، قاطرة العولمة هل تقود العالم إلى حافة الهاوية ؟ جريدة الأهرام في 21 / 11 / 1998 .
(71) المرجع السابق مباشرة .
(72) المرجع السابق مباشرة .
(73) فخ العولمة ، مرجع سابق ، ص 26 .
(74) د/ لحسن الداودي ، التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية ، ندوة التنمية من منظور إسلامي ، مرجع سابق ، جـ2 ص 939 وما بعدها ، د/ إسماعيل شلبي ، التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية ، القاهرة ، الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية ، 1980 .
(75) د/ عبد الله هدية ، إشكاليات السلطة والحرية ، القاهرة بدون ذكر ناشر ، 1998 ، ص 237 .
(76) نفس المصدر ، ص 237 .
(77) هانس بيتر مارتين ، فخ العولمة ، مرجع سابق ، د/ عبدالله هدية ، إشكاليات السلطة والحرية ، مرجع سابق ، ص 237 .
(78) ويعلق على ذلك صاحبًا فخ العولمة قائلين : << إن المنظرين السذج والسياسيين قصيري النظر فقط هم الذين يعتقدون أن بإمكان المرء أن يسرح سنويًّا ملايين من العاملين من عملهم ويحجب عنهم وسائل التكافل الاجتماعي من دون أن يدفع في يوم من الأيام ثمن هذه السياسة >> ص 36 .
(79) د/ جلال أمين ، العولمة ، مرجع سابق ، ص 51 وما بعدها ، ولمعرفة أوسع ينظر د/ أبو بكر متولى، التكنولوجيا والعلاقات الاقتصادية الدولية ، مكتبة عين شمس ، 1984 .
(80) د/ فؤاد مرسى ، الرأسمالية تجدد نفسها ، مرجع سابق ، ص 8 .
(81) للمزيد من المعرفة تراجع أقوال الفقهاء ، فيما يعرف بفروض الكفاية ، قال ابن عابدين : << وأما فرض الكفاية من العلم فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا ، كالطب والحساب والنحو واللغة وأصول الصناعات والفلاحة ، كالحياكة والسياسة والحجامة>> رد المحتار ، مرجع سابق ،جـ1 ص 42 .
(82) ماذا يعرف الاقتصاديون عن التسعينيات وما بعدها، ترجمة د/ دانيال رزق ، القاهرة ، الدار الدولية للنشر والتوزيع ، 1994 ، ص311 .
(83) والعجيب أننا نرى الدول الرأسمالية المتقدمة لها وجودها القوى في ميدان علاقاتها الاقتصادية الدولية . انظر د/ فؤاد مرسى ، الرأسمالية تجدد نفسها ، ص 377 وما بعدها .
(84) د. جلال أمين ، العولمة ، مرجع سابق، ص67 وما بعدها .
(85) د. فؤاد مرسي، الرأسمالية تجدد نفسها، مرجع سابق،ص166 ومابعدها، د.مجدي شهاب، الاقتصاد الدولي، مرجع سابق،ص79.
(86) د. إبراهيم نصر الدين، العولمة وانعكاساتها على دول العالم الثالث، جريدة الأهرام في 3/19/ 1999م، د. أبوبكر متولي، التكنولوجيا والعلاقات الاقتصادية الدولية، مرجع سابق، ص150 ومابعدها.