الحمد لله ،والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد .
فإن القرآن الكريم كان شغل المسلمين الشاغل وقضيتهم الأساسية الكبرى في عصر التنزيل ،وظل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يرشد إلى منهج التعامل معه ،ويحث على تفهم معانيه والعمل به ، ولم يكن أحد من أصحابه يفرق بين القراءة والفهم والعمل ؛ فتحقق في جيل الصحابة قدر كبير من فهم حقائق القرآن ومعانيه ، مكنهم من إقامة الحياة على أسس القرآن وهديه .
وظل هذا المنهج على مستوى الجيل أو مجموع الأمة تندرس معالمه تدريجيًا حتى شغل الناس برسم القرآن والنظر في ظاهر معانيه وتتبع غريبه أو الاشتغال عنه بغيره ، وغاب الفهم القرآنى على ذلك المستوى ، فلم يتحقق بالرؤية القرآنية إلا فئة مخلصة ليس بمقدورها أن تسير مركب الحياة وشؤونها … فطمع فيها الطامعون ، وتوجهت نحوها – تنقض من عرى دينها ، وتضيق عليها أمور دنياها – زخوف الصلبيين بحملات ضارية على ديارها ومقدساتها ، ليس في بلاد الأندلس الإسلامية كذلك . كل ذلك بسبب غياب الرؤية القرآنية على مستوى مجموع الأمة . وبسبب التراكمات المعرفية الكثيرة التى حجبت نور الهداية القرآنية عن قلوب الناس ، كالاشتغال بالموضوعات ، وشيوع الإسرائيليات ،وغلبة علم الكلام …
وعلم التفسير الذى انشغل أيضاً في مواجهة الانحرافات السائدة عند الفلاسفة وبعض أهل الكلام في منهج فهم العقيدة الإسلامية ، فالفلاسفة زعموا بأن الله لا يعلم الجزيئات ، وقالوا بقدم العالم ،وببعث الروح دون بعث الجسد … فقام العلماء إزاء هذا الوضع ووقفوا في وجه هذه التيارات الفكرية المنحرفة والدخيلة على فكر الأمة وعقيدتها ، فردوا عليها وأبطلوا حججها .
وشاء الله للإمام الغزالي (450-505 ) أن يشهد بعض هذه الأحداث ..، وصنف كمًا هائلاً من الكتب والمؤلفات ،كان من اهمها كتاب “إحياء علوم الدين ” الذى تضمن نظريات في علم النفس والأخلاق والتربية ، وكان مما تضمنه نظرية في قراءة القرآن وفهمه وتفسيره ، وأشار الغزالي إلى شئ من معالمها في بعض كتبه الأخرى ،كجواهر القرآن ، والمقصد الأسنى في شرح معانى أسماء الله الحسنى ،وهما من الكتب التى صنفها بعد الإحياء ، وقد ذكر أنه كتب تفسيراً للقرآن الكريم بلغ اربعين مجلداً سماه ياقوت التأويل في تفسير التنزيل(1) ولا يعرف وللأسف – مصيره .
ومنهجنا في بيان نظريته وتقويمها – ونعنى بالنظرية هنا وجهة نظره أو منهجه وتصوره لطريقة التعامل مع القرآن من هذه النواحى : القراءة والفهم والتفسير – سيقتصر على ما ذكره الغزالي في هذه الكتب الثلاثة ،فهى كافية لإعطاء تصور واضح عنها ،خاصة فما يتعلق بقراءة والفهم اما ما يتعلق بمنهجة في التفسير فلعل ما في كتاب – الإحياء الذى أفرغ فيه جل جهوده في استخدام كثير من الآيات القرآنية وتفسيرها والاستدلال بها على منهجه في تربيه النفس وتزكيها – يعطينا صورة واضحة أيضاً ،كذلك الجو الذى عاش فيه يوضح معالم منهج التفسير ، وسأعرض لبيان كلام بعض العلماء لتوضيح بعض ما ذهب إليه الغزالي من أفكار .
وأعترف أن البحث في فكر الإمام الغزالي بوجه عام تعترضه عقبات كثيرة ؛ لأنه لم يسر في فكره على نسق واحد من المبدأ إلى المنتهى ، ولكن – شأن الباحث عن الحق ناصر له – أن ينتقل في مراحل فكرية متتالية حتى يرسو في النهاية على يقين ، وهذا ما جرى للإمام الغزالي ، وقد يجد الباحث صعوبة أخرى تتمثل في ترتيب كل مؤلفاته على نحو تدريجى ؛ ليقف على معالم فكره بصورة قطعية .
والهدف من ذلك كله محاولة الإشارة إلى التعامل مع القرآن ، يستفاد فيه مما كتبه الأوائل ، ويبنى عليه بما تقتضيه شمولية القرآن وأهدافه ومقاصده ،والله ولى التوفيق ، عليه توكلت وإليه أنيب .
نظرية الغزالي في التعامل مع القرآن قراءة فهماً وتفسيراً
تمهيد : يبدو من وصف الغزالي لأحوال الناس ، ومن ممارسته لمهام التدريس والتعليم أن الناس باتوا لا يقيمون للقرآن قدره ، ولا يطلبون العلم ابتغاء وجه الله تعالى ،واقتصروا على الاهتمام بالرسوم الظاهرة من إحسان النطق بالتلاوة ، واتخذوا من القرآن وسيلة للتكسب والمماراة والجدل والشهرة …
أو انشغلوا عنه بعلوم أخرى كالفقه والكلام والشعر …وهو وضع أورث الأمة الخمول والانحطاط ،وبعد تجربته الميدانية الطويلة في معايشه المجتمع رأى الغزالي أن منهج التعامل مع القرآن يحتاج إلى إحياء وتجديد ، وبعث الروح فيه من جديد .
لقد أدرك الغزالي – بعد بحث وطول عناء – أن معرفة الله تعالى هى أشرف العلوم وأعظمها وأجلها ،وهى غاية الخلق ،وقرر أن سر القرآن ولبابه ومقصده دعوة العباد إلى الله تعالى ، وأن سوره وآياته انحصرت في التعريف بالله تعالى ،والتعريف بالسراط المستقيم الذى تجب ملازمته في السلوك إليه ،تعريف الحال عند الوصول إليه ،هذه الأصول يتممها تعريف أحوال المجبين ، وحكاية أحوال الجاحدين ، وتعريف عمارة منازل الطريق ، وكيفية أخذ الأهبة والاستعداد (2) .
لذا ،ارتكزت نظريته على هذا الأساس ، وقامت على هذه النظرة الجامعة ، وساهمت معارف الغزالي كلها من فلسفة وكلام وتصوف وفقه وتفسير … في وضع أصولها ،ورسم معالمها فجاءت في بعض جوانبها على درجة من العمق والقوة – رغم ما اعتورها من هنات وثغرات هذا إضافة إلى أسلوبه في عرض النظرية الذى ينسجم مع مقصود الغزالي من تصنيف هذا الكتاب أعنى “الإحياء ” مما جعلها ميسورة الفهم لدى العامة والخاصة .
ليست السعادة عنده إلا في معرفة لغة العرب والتفسير والفقه والأخبار – وسائل إلى تحقيق هذة المعرفة ، فالكمال في معرفة الله ومعرفة صفاته وأفعاله ، وينطوى فيه جميع المعارف المحيطة بالموجودات ، إذ الموجودات كلها من أفعاله ، فمن عرفها من حيث هى فعل لله تعالى ، ومن حيث ارتباطها بالقدرة والإرادة والحكمة فهى من تكملة معرفة الله تعالى(3) هذا الأساس كان له أثر بالغ في رسم منهج قراءة القرآن وفهمه وتفسيره .
توضحت نظرية الغزالي في كتاب “آداب تلاوة القرآن ” الذى شمل أربعة أبواب ، هى : باب فضل القرآن وأهله وذم المقصرين في تلاوته باب آداب التلاوة في الظاهر ، باب الأعمال الباطنة عند التلاوة ، باب فهم القرآن وتفسيره بالرأى وغيره ، وأول ما يلاحظ على هذا التقسيم تأثير المعرفة الصوفية في التمييز بين الأعمال الباطنة ، ليس فقط في تلاوة القرآن ، بل في أكثر موضوعات العبادات . ويبدو أن هذا التقسيم ضرورى في نظر الغزالي ؛ نظرًا لانصراف الناس إلى مجرد القشور والرسوم في قرآة القرآن . ولبيان فضل العارفين في المقربين في تعاملهم مع القرآن عموماً . .
منهج قراءة القرآن وفهمه عند الإمام الغزالي
بعد أن أورد عدة آثار في فضل قراءة القرآن وتلاوته وفضل أهل القرآن وأقوالاً كثيرة لعلماء الأمة في ذلك- بين أن تلاوة الغافلين مذمومة : ويعنى بها تلك التلاوة المتخلفة عن العمل ، فرب تال للقرآن والقرآن يلعنه ، وأن القرآن ينبغى أن يتلقى بالعظمة والهيبة والإجلال (4) . ويبدو أنه يقيم كلامه على خلفية القارئ الذى ينبغى أن يكون مسلماً بهذا الأمر فلا يحتاج إلى مزيد إقناع بالشرح والتفصيل ، وإيراد الحجج والبراهين ، لذا ، كان يقتصر على تذكيره بذكر آيات القرآن والأخبار والآثار التى تدل على المنهج القويم في التعامل مع القرآن .
وتعتمد قراءة القرآن عند الغزالي كما يتضح من الباب الثانى (5) على أمرين :
الأول : القارئ وما يلزمه من أداب مع القرآن ؛ فيشترط له الطهارة الكاملة ، والتوجه للقبلة ، والاستعاذة . وإذا مر بآية تسبيح سبح وكبر ، وإذا مربآية دعاء واستغفار دعا واستغفر ، وإن مر بمرجو سأل ، وإن مر بمخوف استعاذ ، وإن مر بآية سجدة سجد ، والجهر بالقراءة إلى حد يسمع نفسه ،وأما إسماع الآخرين فمستحب ، ومكروه إن جره إلى الرياء ، وكذلك تحسين القراءة وترتيلها من غير تمطيط يغير النظم ،ويهدف الغزالي من هذا كله إلى الحد من أثر العوامل الخارجية التى تشتغل القارئ عن تلاوة القرآن ؛ ليبقى حيا معه ،ويتضح تأثر الغزالي بمذهب الشافعى في اشتراطه الطهارة إن عند التلاوة ،وإن عند السجود لها .
الأمر الثانى : ما يتعلق بالقراءة ، فيستحب لها الترتيل لما له من أثر في التفكر ، وهى صفة قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :واعلم أن الترتيل مستحب لا لمجرد التدبر ، فإن العجمى الذى يفهم معنى القرآن يستحب له في القراءة أيضاً الترتيل والتؤدة ؛ لأن ذلك أقرب إلى التوفير والاحترام ، وأشد تأثيًرا في القلب من الهذرمة والاستعجال ، وتوقير القرآن واجب على نساخ المصحف بإحسان كتابته وتزيينها كذلك .
وقد فات الغزالي بعد شمولى له أثر جلى في بناء الثقافة والتعاليم القرآنية في نفوس الناس جميعاً بما فيهم الأميين والعجم ، وهو ما قرره الأستاذ الإمام محمد عبده بقوله : إن من كان أمياً أو عجمياً ، فهو مطالب بأن القارئين أن يقرأوا له القرآن ويفهموه معناه (6) .
ويؤكد الغزالي على جانب نفسى تربوى في القراءة ، وهو أن يصاحبها بكاء لما ورد في ذلك من أخبار ، وإن لم يبك فليستحضر الحزن بأن يذكر تقصيره وتفريطه في جنب الله ، وذكر هذا الأمر الأئمة قبل الغزالي وبعده .
ثم ذكر حد الأعتدال في مدة ختم المصحف – بحسب مراتب الناس وأفهامهم – وتتراوح بين ثلاثة أيام وشهر . وعلى هذا فالغزالي يهدف إلى أن تكون الصلة بالقرآن قوية ، فالانقطاع عن مصيبة في الدين عظيمة ، ولا ينبغى أن تزيد مدة القراءة على شهر ، كما ذكر غيره من العلماء ، وأكد القرطبى رحمه الله على ذلك ، فذكر أن من حرمة القرآن ألا يخلى – القارئ – يوماً من أيامه من النظر في المصحف مرة ، وينبغى أن يفتتحه كلما ختمه ؛ حتى لا يكون مثل المهجور (7) ، هذا كله من الأعمال الظاهرة ، وهى لا تنم إلا عن الباطن عند التلاوة ، وهى : (8)
(1،2) يؤكد الغزالي على ضرورة فهم عظمة الكلام ، ومعرفة عظمة المتكلم ، فالله تعالى تفضل ولطف بخلقه في إيصال معانى كلامه الذى وصفة قديمة قائمة بذاتة إلى أفهامهم ، إذا يعجز البشر عن الوصول إلى فهم صفات نفسه ،يؤكد الغزالي على هذا ليبطل زعم المعتزلة في قولهم :”كلام الله مخلوق ” وفي قولهم :”ليست الصفات سوى الذات ” وكذا زعم الفلاسفة في الصفات .
كذلك استحضار تعظيم المتكلم عند القراءة , فالقارئ يقرأ كلام الله ؛ فليتطهر عن كل رجس ظاهر أو باطن , وليعظم الله تعالي ,واستحضار التعظيم يكون بالتفكر في صفات الله وجلاله وأفعاله , فإذا حضر بباله العرش والكرسي والسماوات والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار …. قلت : الناس مختلفون في طريق استحضاره ,ولا يصلح إرشاد العوام إلي التفكر في جلاله وعرشه وكرسيه , فقد يسبب هذا الطريق حرجاً كبيراً لهم ,لكن يبدو أن الغزالي يتكلم مع فئة معينة .
(4,3) حضور القلب وترك حديث النفس, وأن يكون منصرف الهمة إليه , متجرداً له عند قراءته , وهذه الصفة تتولد عن صفة التعظيم , والتدبر هو وراء حضور القلب , والمقصود من القراءة التدبر , فلا خير في عبادة لا فقه فيها , ولا في قراءة لا تدبر فيها .
(5) التفهم , وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها , إذ القرآن يشتمل علي ذكرصفات الله وذكر أفعاله, وذكر أحوال الأنبياء , وذكر أحوال المكذبين وكيف هلكوا ,وذكر أوامره وزواجره وذكر الجنة والنار .. قال: فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لتنكشف له أسرارها , فتحتها معان لا تنكشف إلا للموفقين , وفي هذا تقرير لمبدأ من مبادئ الكاشفة علي رأي الغزالي ,فيتفهم القارئ صفات الله من خلال أفعاله حتي يشهد في الفعل الفاعل دون الفعل, فمن عرف الحق رآه في كل شئ وحتي لا يحمل كلام الغزالي علي غير محمله , فقد دلل بمثال علي ذلك , وهو قوله تعالي : {أفرأيتم ما تمنون }{الواقعة : 58}فيتأمل القارئ في المني , وهونطفة متشابهة الأجزاء , فلينظر في كيفية انقسامها إلي اللحم والعظم والعروق والعصب , وكيفية تشكل أعضائها بالأشكال المختلفة من الرأس واليد والرجل والكبد والقلب , ثم ما ظهر فيها من الصفات الشريفة والمذمومة من السمع والبصر والعقل والغضب والشهوة والكبر والجهل والتكذيب …. فيتأمل هذه العجائب ليترقي منها إلي عجب العجائب , وهو الصفة التي صدرت منها هذه الأعاجيب , فلا يزال ينظر إلي الصنعة فيري الصانع (9).
(6) ويرى الغزالي أن منهج الفهم لا يتم إلا بالتخلي عن موانع الفهم ؛ ليتمكن من الاسفادة من هدي القرآن , وهي أربعة :
أ- الاشتغال بتحقيق الحروف بإخراجها من مخارجها ، فمن يكون تأمله مقصوراً على مخارج الحروف فأنى تنكشف له المعانى .
ب – التعصب لمذهب وتقليده ، وذلك بأن لا يخطر المقلد شيئاً في قلبه من تأمل معانى القرآن يخالف مذهبه .
ج_ أن يكون مصراً على ذنب أو متصفاً بكبر أو مبتلى في الجملة بهوى في الدنيا مطاع ، فإن ذلك سبب ظلمة القلب وصدأه ، وكلما كانت الشهوات أشد تراكماً كانت معانى الكلام أشد احتجاباً .
د – أن يكون قد قرأ تفسيًرا ظاهًرا واعتقد أن لا معنى لكلمات القرآن إلا ما تناولة النقل عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما .
( 8،7) التخصيص والتأثر ، وهو أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن ، فإن سمع أمراً أو نهياً قدر أنه المنهى والمأمور .. وأن يتأثر قلبه بحسب كل فهم له من الآيات ..فإذا قال : {إنى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم}[يونس :15] ولم يكن بهذه الصفات ،ولم يتردد قلبه بين هذه الحالات كان حظه من التلاوة حركة اللسان مع صريح اللعن علي نفسه في قوله تعالي :
{ألا لعنة الله علي الظالمين }(هود :18), وكان داخلاً في معنى قوله تعالى :{ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أمانى }[البقرة :78] ،يعنى التلاوة المجردة .
(9) الترقى : وهى أن يترقى أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا من نفسه ، فدرجات القراءة ثلاث : أدناها :أن يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله تعالى واقفاً بين يديه … والثانية : أن يشهد بقلبه كأن الله تعالى يراه ويخاطبه بألطافه ، ويناجيه بإنعامه وإحسانه …
والثالثة : أن يرى الكلام المتكلم وفي الكلمات الصفات ،فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته … بل يكون مقصور الهم على المتكلم موقوف
الفكر علي , كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم , وهذه درجة المقربين, وما خرج عن هذا فهو درجات الغافلين , وواضح أن الغزالي يخص بهذا التوجيه أهل التصوف فحسب , فما هو نصيب العامي من هذه النقطة المنهجية في تطبيقه للقراءة والفهم , ثم ما السبيل إلي تحصيل ذلك ؟ الجواب : التراب طريق أهل التحقيق العرفان .
(10) التبري: وهو أن يتبرأ من حوله وقوته والالتفات إلي نفسه بين الرضا والتزكية ، فإذا تلا بآيات الوعد والمدح للصالحين ، فلا يشهد نفسه عند ذلك ، بل يشهد الموقنين والصدقين فيها ويتشوف إلى أن يلحقه الله تعالى بهم ، وإذا قرأ أيات المقت وذم العصاة والمقصرين شهد على نفسه هناك ، ويهدف الغزالي من ذلك إلى أن لا يركن العبد إلى الدعة والخمول ، بل يبقى دائم الطلب لرحمة الله تعالى ، وهو من يبقى دائم الطلب لرحمة الله تعالى ،وهو من مئنة فكره التربوى .
منهج فهم القرآن وتفسيره عند الإمام الغزالي
الفهم القاسم مشترك بين القراءة والتفسير ؛ لأن القارئ يتفهم ما يقرأ ، والمفسر كذلك ، لكن ليس كل متفهم للقرآن مفسراً ، وقد أصل الإمام الغزالي قواعد مهمة في فهم القرآن وتفسيره في الباب الرابع (10) ، وأكد على أن التفسير بالرأى لا يفهم منه أبداً الاقتصار على النقل المسموع وترك الاستنباط والاستقلال بالفهم ، وبين أن من زعم أن لا معنى للقرآن إلا ما ترجمه ظاهر التفسير فهو مخبر عن حد نفسه ، ومخطئ إن رد الخلق إلى درجة فهمة ؛ لأن الأخبار والآثار تدل على أن في معانى القرآن متسعاً لأرباب الفهم . والمنقول من ظاهر التفسير ليس منتهى الإدراك فيه ، وأما النهى عن التفسير بالرأى فإنه ينزل على أحد وجهين :
الأول :أن يتأول آيات القرآن على وفق رأيه وهواه ، بعلم أو بغير علم ،فالمقصود بالرأي الرأي الفاسد ، وهو أن يكون غرضه ورأيه تقرير أمر وتحقيقه فيستجر شهادة القرآن إليه ، من غير أن يشهد لتنزيله عليه دلالة لفظية لغوية أو نقلية .
والثانى : أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة وما فيه من الاختصار والحذف والاضمار والتقديم والتأخير ، فمن لم يحكم بظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعانى بمجرد فهم العربية كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسر بالرأى ، فالنقل والسماع لا بد منهما في ظاهر التفسير؛ ليتقى بهما مواضع الخطر ، ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط .
قال القرطبى : وما عدا هذين الوجهين فلا يتطرق النهى إليه (11) .
أما التفسير الباطن فلا مطمع في الوصول إليه قبل إحكام التفسير الظاهر ، وكما أنه لا يصح التهاون بالتفسير الظاهر ، فإن الذى يقنع بالتفسير الظاهر مغبون ؛ لأنه من علم الصدف ، وهو أقرب العلوم إلى علم اللباب ، قال : “وهو الطبقة الأخيرة من الصدفة القريبة من مماسة الدر ، ولذلك يشتد به شبهه حتى يظن الظانون أنه الدر ،وليس وراءه أنفس منه ، وبه قنع أكثر الخلق ، وما أعظم غبنهم وحرمانهم إذا ظنوا أنه لا رتبة وراء رتبتهم (12) . ويذم كثيراً التوقف عند حد التفسير الظاهر (13) .
ويرى الغزالي أن القرآن قد تضمن الإشارة إلي جميع العلوم , وأن ظاهر التفسير لا يكشف عنها , فقال : “وبالجملة فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته ,وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته , وهذه العلوم لا نهاية لها , وفي القرآن إشارة إلي مجامعها , والمقامات في التعمق في تفصيله راجع إلي فهم القرآن , ومجرد ظاهر التفسير لا يشير إلي ذلك , بل ما أشكل فيه علي النظار واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات ففي القرآن إليه رموز ودلالات عليه يختص أهل الفهم بدركلها , فكيف يفي بذلك ترجمة ظاهره وتفسيره (14) .
حتي العلوم الدنيوية تتشعب من القرآن , قال : والعلوم الدنيوية كالطب والنجوم وهيئة العالم .. فليست أوائلها خارجة عن القرآن, فإن جميعها مغترفة من بحر واحد من بحار معرفة الله تعالي , وهو بحر الأفعال (15).
وفيه إشارة ذكية تؤكد أن القرآن الكريم هو مصدر المعرفة لا فرق في ذلك بين معرفة شرعية أو طبيعية أو إنسانية أو اجتماعية أو اقتصادية , لكن هذا المبدأ لم ينتظم في منهج .
وقد وظف منجزات العلم في فهم معاني القرآن (16), وسلك هذا المسلك في الإحياء بصورة مقتضية نظرآ لطبيعة هذا الكتاب (17) .
وهو مسلك ينم عن فهم شمولي .
ويتحدد منهج التفسير وشروط المسفر عند الغزالي بناء علي الغاية من علم التفسير , وهي معرفة الله , ودور المفسر في التفسير لا يتوقف عند حدود اللفظ الظاهر , بل يتجاوز ذلك إلي الكشف عن أسرار القرآن ؛ لذا يري الغزالي أن المفسر حتي تتكشف له أسرارالقرآن لابد له من غزارة العلم , وصفاء القلب , وتوفر الدواعي علي التدبر والتجرد للطلب .
وهناك عدة أسس وقواعد يراها الغزالي ضرورية لفهم القرآن وتفسيره وهي :
(1) الوقوف علي دلاله العربية في فهم معاني الألفاظ , ففي عرض رده علي أباطيل الباطنية , قال : قد يكون للمتفهم غرض صحيح فيطلب دليلاً له من القرآن , كمن يدعو إلي مجاهدة القلب القاسي , ويستدل بقوله تعالي : { اذهب إلي فرعون إنه طغي }(طه : 24)
ويشير إلي قلبه ويومئ إلي أنه المراد بفرعون , وهذا الجنس ممنوع , وقد تستعمله الباطنية لتغرير الناس ودعوتهم إلي مذهبهم الباطل (18)
فكل لك حرام وضلالة وإفساد للدين على الخلق ، ولم ينقل شئ من ذلك عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن الحسن البصرى مع إكبابه على دعوة الخلق ووعظهم ،فلا يظهر لقوله صلى الله عليه وسلم :”من فسر برأيه فليتبوأ مقعده من النار ” معنى إلا هذا النمط ،… ومن يشطح إلى ذلك فهو كمن يستجيز الاختراع والوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه يدخل في مفهوم قواه صلى الله عليه وسلم :”من كذب على متعمدأ فليتبوأ مقعده من النار ” بل الشر في تأويل هذه الألفاظ أطم وأعظم ؛ لأنها مبدلة للثقة بالألفاظ ، وقاطعة طريق الاستفادة والفهم من القرآن بالكلية ، وأن اتباعهم من غير التفات إلى ما عرف في العصر الأول يكون مثل من يطلب الشرف بالحكمة باتباع من يسمى حكيماً ؛ فإن اسم الحكيم صار يطلق على الطبيب والشاعر والمنجم في هذا العصر ، وذلك بالغفلة عن تبديل الألفاظ (19). وهذا الضبط لدلالة اللفظ وإن تجاوزه الغزالي في تفسيره أحياناً .
(2) معرفة أسلوب العرب وعادتهم في الخطاب ، فمن عادتهم التعبير عن الشئ بما يلازمه (20). وهو شرط منهجى .
(3) الأهتمام بالسياق القرآنى في بيان المعنى (21) . وهو شرط ضرورى ومهم في التفسير ، ولكن الغزالي لم يطبقه في منهج التفسير ، كما سيأتى بيانه .
(4) نفي وجود التكرار في القرآن ، إذا حدد المكرر ما لا ينطوى على مزيد فائدة (22).
(5) نفي الترادف عن أسماء الله الحسنى ، فليس هناك اسم يعطى معنى أسم آخر (23) . ونفي الترادف والتكرار يشى بوقوف الغزالي على علم أعجاز القرآن وتذوقه لبلاغة نظمه .
(6) انتهاج التفسير الباطن ضرورى للوصول لحقائق معانى القرآن التى تستمد من بحر عظيم من علوم المكاشفات لا يغنى عنه ظاهره التفسير ، وللتأويل العقلى مدخل كبير في هذا الفهم (24) ، أو بعبارة أدق التأمل العقلى في آيات القرآن ،فالتدبر والتأمل من الأسس المهمة في فهم القرآن وتفسيره عند الغزالي ، فمثلاً في سياق الحديث عن بيان تمييز ما يحبه الله تعالى ذكر أن طريق معرفة ذلك السمع ، وبصيرة القلب ، وهو النظر بعين الاعتبار ، فالاقتصار في المال على دفع الزكاة لا يدل على أنه غاية الحق أن لا يأخذ أحد من مال الله إلا بقدر زاد الراكب ، فمن أخذ زيادة عليه ثم منعه عن راكب آخر محتاج إليه فهو ظالم تارك للعدو ، وخارج عن مقصود الحكمة وكافر نعمة الله تعالى عليه بالقرآن والرسول والعقل ، وسائر الأسباب التى عرف أن ما سوى زاد الراكب وبال عليه في الدنيا والآخرة (25).
منهجه في التفسير
استخدام الغزالي الآية القرآنية للدلالة على معانيها الخفية أو توجيهاتها العلمية ، وهو في معظمه استدلال صحيح لأن الذين يتلون الكتاب حق تلاوته الذين لا يجاوزون فنا حتى يحكموه علماً وعملاً (26) ، وصنيعه في شرح معانى أسماء الله الحسنى كان من أهدافه بيان حظ العبد منها ليتأسى بها .
ويرى أن هذا هو الفقه الحقيقى ، فكلمة “الفقه ” في العصر الأول كانت تطلق على علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال ، وقوة الأحاطة بحقارة الدنيا ، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب ؛يدلك على قوله تعالى : {ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم }[التوبة :122] . وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه دون تعريفات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة ؛ فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف ، بل التجرد له على الدوام يقسى القلب وينزع الخشية منه كما نشاهد الآن من المتجردين له .
وللغزالى نظرات كلية إلى القرآن الكريم قد تصلح أن تكون بذوراً للتفسير الموضوعى ؛ يتضح ذلك من خلال جمعه لآيات القرآن التي تتحدث في موضوع معين عند إبراده كل باب من أبوب الإحياء , ومن نظراته الكلية , قوله مثلا :” كل ما ذكر في القرآن من التوحيد فهو تنبيه علي قطع الملاحظة عن الأغيار والتوكل علي الواحد القهار (28) .
وفي سياق التفريق بين العلم والمال ذكر أن الله تعالي ذم المال في القرآن في مواضع وإن سماه خيراً في مواضع (29) .
وأن القرآن أكثر من ذكر الأرض ليتفكر في عجائبها , ويقول في سياق الحديث عما يجلب الخوف : ” والقرآن من أوله إلي آخره مخاوف لمن قرأ وتدبر (30) “.
اتجاهه الأثرى في التفسير
لا يمكن لمفسر مهما كان اتجاهه أن يتجاوز تفسير القرآن بالمأثور , سواء فهم آيات القرآن علي ضوء بعضها البعض أو فهمها علي ضوء ما نقل عن رسول الله صلي الله عليه وسلم , والغزالي كان يفعل ذلك أحياناً , وأكثر ما تركز عليه اهتمامه بيان أسباب النزول , وهو في معظمه حالات داخلة في عموم الآية (31) .
وليس سبب النزول هو ما يتوقف عنده في فهم الآية , بل إن كل خطاب في القرآن موجه إلي القارئ حتي وإن كان قد نزل في غير المؤمنين .
ويذكر أقوالاً عن جل الصحابة والتابعين وتابعيهم , والإحياء يعج بهذه الأقوال , لكن الإمام الغزالي لم يتحقق في كل قول من نسبته إلي قائله إلا نادراً _مثلاً _ في بعض القضايا التي يريد أن يثبت بها موقف أهل السنة كرؤية الله تعالي (32) .
ومن الأمثلة لذلك أنه كان يتحدث عن السجود , وبين أن المراد بقوله تعالي :” واسجد واقترب ” (العلق : 19 ) هو قوله عليه الصلاة والسلام :” إن أقرب ما يكون العبد من الله تعالي أن يكون ساجداً ” (33) .
لكن ذلك لا يجعل الغزالي في مصاف المفسرين الأثريين , فما عنده من ذلك لا يشكل منهجاً له , ولا يخص هذا الحكم الغزالي وحده ، بل الاتجاه الصوفي كله .
اتجاهه الصوفي في التفسير
ظهرت ثقافة الغزالي واضحة في تعامله مع آيات القرآن وفهمه لها ، فقد كان علما من أعلام الأخلاق ؛ يستشف ما ترمى إليه الآيات من توجيهات وحكم وأسرار ، ويتوجه بها إلى النفوس كى تصلح وتتأدب وتسير على الصراط المستقيم ، فهو يشترط للمتعلم المتفهم للقرآن أن يخلص باطنه ، ويصلح نيته حتى يشرق نور القرآن على قلبه ، ففي قوله تعالى :{إنما المشركون نجس }[التوبه :28 ] تنبيه للعقول على أن الطهارة والنجاسة غير مقصورة على الظواهر بالحس ، والنجاسة عبارة عما يتجنب ويطلب البعد منه ، وخبائث صفات الباطن أهم بالاجتناب ؛ لأن القلب بيت منزل الملائكة ومحل استقرارهم ، والصفات الرديئة كالغضب والحقد والحسد والكبر والعجب … كلا ناتجة ، فأنى تدخله وهو مشحون بالكلاب ، ونور العلم لا يقذفه الله في القلب إلا بواسطة الملائكة (34) .
ويحثه على الإسراع إلى التوبة قبل أن ينسد بابها بالتسويف ، لقوله تعالى :{وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً }[يس :9] أى : انسداد في باب وجه من سوف فيها فتراكمت عليه الذنوب (35) .
ويحث المتعلم على الجد والا ستمرار في تحصيل العلم : لقوله تعالى :{إنك بالواد المقدس طوى }[طه :12] أى : دم على ما أنت عليه بالبحث والطلب ، فإنك على هداية ورشد . والواد المقدس عبارة عن مقام الكليم موسى عليه السلام مع الله تعالى في الوادى ، وإنما تقدس الوادى بما أنزل فيه من الذكر ، وسمع كلام الله تعالى (36) .
وأن كل متعلم واستبقى لنفسه رأيا واختياراً دون اختيار المعلم فمحكموم عليه بالإخفاق والخسران ، وهو ما اشترطه الخضر على موسى عليهما السلام : {فإن اتبعتنى فلا تسألنى عن شئ حتى أحدث لك منه ذكراً}[الكهف :70 ] ، وأن حد السؤال المسموح هو يأذن به المعلم (37) .
والاتجاه التربوى الصوفي يضيق بالدنيا ذرعاً على وجه يشبه أن يجعل بينها وبين الآخرة فصاماً وخصاماً ، فيشترط الغزالي للعلم والتعلم أن يقلل من علائقه من الأشتغال بالدنيا ، يبعد عن الأهل والوطن ، فإن العلائق شاغلة وصارفة ، لقوله تعالى :{وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه }[الأحزاب :4] (38) والتاجر ينبغى له أن يشفق على دينه فلا تمنعه أسواق الدنيا عن أسواق الآخرة ، وهى المساجد ، قال تعالى :{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاه }[النور :37] . وقال تعالى : {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه }[النور:37] فينبغى أن يجعل أول النهار إلى وقت دخول السوق لآخرته ، فيلازم المسجد ويواظب على الأوراد ، كان عمر يقول :”اجعلوا أول نهاركم لآخرتكم وما بعده لدنياكم ” وكان صالحوا السلف يجعلوا أول النهار وآخرة للآخرة والوسط للتجارة (39) ، بل قد خصص باباً لذم الدنيا باعتبارها مشغلة عن الله تعالى . والدنيا بحزافيرها عند العارف لهو ولعب . (40) إلا باعتبارها مزرعة للآخرة ، فلا ينس نصيبه منه للآخرة .
ويرى الغزالي أن الله خلق الشمس والقمر وسيرهما بحساب منظوم ، وخلق الظل والنور والنجوم ، ليستعان بها على أمور الدنيا ، بل لتعرف بها مقادير الأوقات فيشتغل بيها بالطاعات والتجارة للدار الآخرة ؛ ويدلك على ذلك قوله تعالى : { وهوالذى جعل الليل والنهار خلفي لمن أراد أن يذكر أو أرادشكوراً}[الفرقان :62 ] ، أى : يخلف أحداهما الآخر ليتدارك في أحداهما ما فات في الآخر وبين أن ذلك للذكر وليشكر لا غير (42) .
وأن العبد ينبغى أن يتجاوز له كل الحجب التى تحجبه عن الله تعالى ، فقوله تعالى :{فلما جن عليه الليل رأى كوكباً ..}
الآيات [الأنعام76 -78 ] يدل على أن ابراهيم كان يعلم أن هذه ليست آلهة ، بل أنوار ، وهى من حجب الله تعالى ، وهى على طريق السالكين ، ولا يتصور الوصول إلى الله تعالى إلا بالوصول إلى هذه الحجب … وأول الحجب بين الله وبين العبد هو نفسه ، وهى وهو نور من أنوار الله تعالى ويعنى سر القلب الذى تتجلى فيه حقيقة الحق (43).
والمجاهدة هى السبيل إلى الوصول إلى معرفة الله تعالى ، والمجاهدة هى الجهاد الأكبر ، بل إن قوله تعالى :{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا }[العنكبوت 69] يعد من الشواه على صحة طريق أهل التصوف في اكتساب المعرفة لا من التعلم ، ولا من الطريق المعتاد ، فكل حكمة تظهر من القلب بالمواظبة على العبادة من غير تعلم فهى بطريق الكشف والإلهام (44) .
والنتيجة ، أن العارفين هم المقربون ، وغيرهم ممنوع من ذروة الكمال ، ولهم النجاة والسلامة :{فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة ونعيم ، وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين }[الواقعة : 88-91] (45). وهم المخصوصون برؤيته تعالى يوم القيامة (46).
ويستشهد الغزالي كثيراً أثناء إيراده لآيات القرآن بكلام علماء الصوفية ، وكتابه الإحياء فيه حشد هائل من أقوالهم ، أما استشهاده بأقوال المفسرين قبله فهو نادر ، وان حصل فيقول : قال بعض المفسرين (47) .
اتجاهه العقائدى في التفسير
الغزالي من كبار متكلمى الأشاعرة وفلاسفة الإسلام ، اشتغل بالدفاع عن العقيدة في مواجهة مذاهب الفلاسفة والمعتزلة والرافضة وغيرهم من الفرق المبتدعة باستخدام أساليبهم حتى في كتبه اللاحقة ، ولذا كان الغزالي في تفسيره حريصاً على الذب عن العقيدة الناصعة ، ويشتد دفاعه حتى تراه أخيراً يدافع عن مذهب الأشاعرة وينصره ويبطل آراء المذاهب الأخرى ، وقد كان من أهدافه في شرح معانى أسماء الله الحسنى ترجع إلى ذات واحدة وسبع صفات عند أهل السنة ، وبيان زعم المعتزلة والفلاسفة في أنها ترجع إلى ذات واحدة (48) .
ومن القضايا التى احتد فيه النقاش والجدل قضية التأويل في صفات الله على وجه الخصوص ، والأشاعرة مذهبهم التأويل حين يؤدى ظاهر هذه الصفات إلى محال ، والغزالي يقرر هذا في الأحياء ، فعند تفسيره لقوله تعالى
: {إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون }[النحل :40] ذكر أن هذا الاقتدار ؛ فإن ظاهره ممتنع ، إذا قوله “كن ” إن كان خطاباً للشئ قبل وجوده فهو محال ، إذا المعدوم لا يفهم الخطاب حتى يمثل ، وإن كان بعد الوجود فهو مستغن عن التكوين ، ولكن لما كانت هذه الكنايه أوقع في النفوس في تفهيم غاية الاقتدار عدل إليها ، وأما المدرك بالشرع فهو أن يكون إجراؤه على الظاهر ممكناً ، ولكنه يروى أنه أريد به غير الظاهر كما ورد في تفسير قوله تعالى : {أنزل من السماء ماء فسالت أوديه بقدرها }[الرعد :17 ] وأن معنى الماء هنا هو القرآن ، ومعنى الأودية هى القلوب ، قال : وفي هذا القسم تعمق جماعة فأولوا ما ورد في الآخرة من الميزان والصراط وغيرهما ، وهو بدعة ؛ إذا لم ينقل ذلك بطريقة الرواية ، وإجراؤه على الظاهر غير محال ، فيجب إجراؤه على الظاهر (49) .
ومن ذلك مثلاً : تأويله الاستواء بالقهر والاستيلاء ؛ لأنه لو ترك عل الاستقرار والتمكن للزم كون المتمكن جسماً مماساً للعرش ، وإما مثله أو أكبر منه أو أصغر ، وذلك محال ، وما يؤدى إلى المحال فهو محال (50) .
ورؤية الله تعالى يوم القيامة ثابتة عند أهل السنة ، وقد أنكرها المعتزلة وغيرهم ، ويرد الغزالي عليهم رداً قاسياً ، ويصفهم بالغباوة
والجهل (51) وعذاب القبر حق ، لا ينكره إلا مبتدع محجوب عن نور الله تعالى (52).
ويستشهد بالآيات القرآنية لإثبات صحة مذهب الأشاعرة وخطأ مذهب المعتزلة في أن افعال الإنسان مخلوقة لله تعالى (53).
وأن لله تعالى يكلف الخلق ما يطيقونه ،ولو ولم يجز ذلك لاستحال دفعه ،وقد سألوا ذلك فقالوا :
{ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به [البقرة 276] ، وأن الله لا يجيب عليه رعاية الأصلح لعبادة ؛ لأن الله لا يجيب عليه شئ ، بل لا يعقل في حقه الوجوب ،فإنه :{لا يسأل عما يفعل وهم يسألون }[الأنبياء 23] (54). وفي أن مرتكب الكبيرة غير مخلد في نار جهنم ، وأن الإيمان يزيد وينقص ، وأن الجنة والنار مخلوقتان (55) .
ويواجه الغزالي الأفكار الإلحادية في بيان صفات الله تعالى ؛ فيقول : العلم بأن الله صانع العلم قادر ، وأنه تعالى في قوله :{وهو على كل شئ قدير }[الملك 1] صادق ؛ لأن العالم محكم في صنعته … فمن توهم صدوره من غير الله كان منخلعاً عن غريزة العقل ، ومنخرطاً في سلك أهل الغباوة والجهل (56). ويرى أن الراسخين في العلم يعلمون المتشابه ، ويرى أن منه ما يجوز ، أن يسطر في الكتب ، ومنه ما لا يجوز ، بل يترك تحت غطاء الغبرة حتى يعثر عليه السالكون للطريق إذا استكملوا شرط السلوك (57).
اتجاهه الفقهى في التفسير
الغزالي من أئمة الشافعية في الفقهة والأصول ، صنف العديد من الكتب ، وبدا تأثره بمذهب الشافعى واضحاً في تفسيره لبعض الآيات ، فعند استشهاده بقوله تعالى :{ إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة }[الجمعة :9] ذكر أن صلاة الجمعة لا تجب على ذكر بالغ عاقل مسلم حر مقيم في قرية تشتمل على أربعين جامعين لهذه الصفات (58) .
والتصوف لون اصطبغ به الفقهه عند الغزالي ، ففي قوله تعالى :{ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون }[النساء :43]
قال : قيل سكارى من كثرة الهم ، وقيل : من حب الدنيا . وقال وهب : المراد به ظاهره … وكم من مصل لم يشرب خمراً وهو لا يعلم ما يقول في صلاته . أى إن هذا مطرد في الغافل المستغرق الهم بالوسواس وأفكار الدنيا (59) .
واشترط على المزكى أن يقسم ماله بعدد الأصناف الموجودين في بلده ، فإن استيعاب الأصناف واجب ؛ لظاهر قوله تعالى : {إنما الصدقات للفقراء والمساكين .. الآية }[التوبة :60 ] (60) وفي حديثه عن صفات آخذى الزكاة ذكر :” أن يكون معيلاً أومحبوساً بمرض أو بسبب من الأسباب فيوجد فيه معنى قوله عز وجل :{للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله }[البقرة : 273] . أى حبسوا في طريق الآخرة بعيلة أو ضيق معيشة أو إصطلاح قلب (61) . ويشير إلى حكم العبادة وأسرارها ؛ فقد أورد قوله تعالى :
{إن تنصروا الله ينصركم } [محمد : 7 ] في سياق الحديث عن الصيام ، وذكر وجه تخصيصه بنسبته إلى الله ؛ وهو أن الصيام فيه قمع لعدو الله ، وفي ذلك نصرة لله سبحانه ، وناصر الله موقف على النصرة له ، فالبداية بالجهد من العبد ، والجزاء بالهداية من الله عز وجل (62) .
ويرى أن الصلاة الأوابين هى المراد بقوله تعالى :{ تتجافي جنوبهم عن المضاجع }[السجدة :16] مع أن هذه الآيات مكية ! ومع أن الغزالي يذكر عن سعيد بن المسيب قوله تعالى :{أنه كان للأوابين غفوراً}” في الرجل يذنب ثم يتوب (63) .
وربما مزج الفقه بالكلام ، ففي قول العبد : وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض “ذكر أن ليس المراد بالوجه الوجه الظاهر ، فإنك إنما وجهته إلى جهة القبلة ، والله تعالى يتقدس عن أن تحده الجهات حتى تقبل بوجه بدنك عليه ، وإنما وجه القلب هو الذى تتوجه به إلى فاطر السموات والأرض (64) .
اتجاهه اللغوى في التفسير
يقلل الأتجاه الصوفي إلى حد كبير من الاعتماد على قضايا اللغة كالنحو والإعراب والاستشهاد بالشعر …ويكتفي منها بما يوضح ظاهر التفسير ؛ لينطلق بعد ذلك إلى حقائق المعانى المستورة في ثنايا آيات القرآن ، لكن أهمال قضايا اللغة لحساب تلك المعانى قد يؤدى إلى خلل في منهج التفسير ، والغزالي رحمة الله قد وقع مثل هذه الأمور ، فهو يفسر بعض مفردات القرآن بغير المتبادر منها أحيانا أو يخصصها أو يكتفي بالتمثيل لها في معان معينة على وجه يتحرر فيه من معانى اللغة ؛ فقد فسر في قوله تعالى :{والناشطات نشطاً} بأنهن كلاب في النار تنشط الحم والعظم ، باعتماده على حديث موضوع . وفسر الباقيات الصالحات بالعلم والحرية التى تبقى كمالاً في النفس . وفسر الفضل بالعلم (66) .
ومما يدعو للعجب من عقلية كعقلية الغزالي استشهاده بغريب التأويل الذى يخالف معناه ما تقرر في اللغة ،مع اعتراف الغزالي بأنه غريب فقد نقل أن اللحية هى المقصودة بقوله تعالى :{يزيد في الخلق ما يشاء }[فاطر:2 ].
ومن ذلك استشهاده بما يسمى نوادر التفسير مع تصريحه بذلك ، وهى تفسيرات متنوعة من سياقها ، ظاهرة البطلان ، وإن رويت عن الصحابة والتابعين (68) .
وعلى العموم ، فرجوعه إلى اللغة في غالبه قليل ؛ لأن اللغة لا تؤدى إلا إلى ظاهر المعنى ، والغزالي ليس ممن يتوقف عند مجرد الألفاظ .
علوم القرآن عند الغزالي
إعجاز القرآن ، ذهب الغزالي مذهب الباقلانى في أن القرآن الكريم إنما صار معجزا لوجوه ثلاثة ، هى : جزالة القرآن ونظمه ، وما فيه من أخبار الأولين مع كونه أمًيا غير ممارس للكتب ،والإنباء عن الغيب تحقق صدقه فيها في الاستقبال ، ووجه دلالة المعجزة على صدق الرسل أن كل ما عجز عنه البشر لم يكن إلا فعلا لله تعالى (69) . وهو مذهب الاشاعرة في إعجاز القرآن .
ولذلك يحاول الغزالي بيان أسرار النظم بقدر مايتيح له المقام ، من ذلك مثلاً قوله : أمر الله بأكل الطيب وهو الحلال ، وقدم النهى عن الأكل بالباطل على القتل تفخيماً لأمر الحرام وتعظيماً لبركة الحلال ، فقال تعالى :{يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل …ولا تقتلوا أنفسكم }[النساء :29 ] (70)
وبين سر التعبير في قوله : {والكاظمين الغيظ }دون قوله والفاقدين الغيظ ، وبين سر التعبير في قوله :{قد أفلح من زكاها }. ومعنى الحصر في قوله تعالى :{والله الغنى وأنتم الفقراء}[محمد :38 ] . وذكر بلاغة النظم في بيان نعيم المقربين ونعيم أصحاب اليمين . وبين سر النظم في قوله تعالى :{ وإن عصوك فقل إنى برئ مما تعملون }[الشعراء :216 ] (71) .
مشكل القرآن يشير الغزالي إلى ما يوهم التعارض بين الآيات ، أو ما يسمى بمشكل القرآن ، ويحاول دفع ذلك الوهم .
ويعول على قراءة ابن مسعود ، في قوله تعالى :{وأقيموا الوزن بالسان ولا تخسروا الميزان }[الرحمن :9] (73) وفي حديثه عن الشواهد الشرع على صحة طريق أهل التصوف في اكتساب المعرفة لا من التعلم ولامن الطريق المعتاد استشهد بقراءة ابن عباس ، وهى : {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى ولا محدث }[الحج : 118] يعنى الصدقين ، والمحدث هو الملهم ، والملهم هو الذى انكشف له في باطن قلبه من جهة الداخل لامن جهة المحسوسات الخارجة (74) . ولاشك أن الغزالي ليس من أهل القراءات ، وعليه فمسلكه غير سديد في هذا .
وير الغزالي وجود المعرب في القرآن ، ففي قوله تعالى :{وأنتم سامدون }[الشعراء :61 ] قال :قال ابن عباس : هو الغناء بلغة حمير ، يعنى السمد (75) .
اعتماده على الإسرائيليات
يورد الغزالي كثيراً من الإسرائيليات دون أن يتعقبها ببيان حقيقتها في الغالب ، فمثلاً ؛ ذكر أن المراد بقوله تعالى :{واتل عليهم نبأ الذى آتيناه آياتنا فانسلخ منها .. الآية}[الأعراف : 175] هو بلعام بن باعوراء . وذكر ما جاء في قصة عوج بن عناق . وما ذكر في قصة داود عليه السلام . وما ورد في قصة داود عليه السلام . وما ورد في قصة صاحب الجنتين (76) .
وفي عرض حديثه عن العفو عن زلات الإخوة وهفواتهم بين أن طريقة أبى ذر رضى الله عنه هى مقاطعة الصديق إن ارتكب معصية في الدين . وذكر قصة أخوين – مروية في الإسرائيليات، كما قال هو نفسه – أن أحداهما ارتكب معصية الزنا ، ومع ذلك بقى أخوه على وئام معه ثم بنى الغزالي على ذلك حكماً ، وهو أن هذه الطريقة ألطف وأفقه من طريقة أبى ذر ، لكن طريقة أبى ذر أحسن وأسلم (77).
وهذه المرويات هى حصيلة قراءته في الإنجيل ، كما ذكر نفسه ذلك . وحصيلة نقله عمن سبقه ، ومع تصريحه أحياناً بأن ما ينقله من الإسرائيليات ظناً منه أنها لا تخالف ما عندنا ، إلا أن الحال يشهد بأن منها ما كان بالغ الضرر ، وذلك ما أورد في شأن الأنبياء (79) .
الغزالي وواقع عصره
شهد العام الإسلامى شرقاً وغرباً حملات صليبية حاقدة على دياره في عصره ، ووقع المسجد الأقصى أسيراً في يد الإفرنج الصليبيين ، وارتكبوا فيه ما ارتكبوا من سفك الدماء ونهب للأموال … ولا يعرف للغزالى تعليق عن تلك الأحداث ، ومفهوم الجهاد في رأيه اتخذ أبعاداً أخرى ، ولابأس بإلقاء الضوء على هذا المفهوم عند الغزالي .
لا يخرج مفهوم الجهاد في حديثه عن جهاد النفس ، فقد أعطاه الأهمية المطلقة ، والعناية الفائقة ، ففي سياق حديثه عن العزلة بين الغزالي أن من أنس بذكر الله لا يزال الموت أنسه ، إذا لا يهدم الموت محا الأنس والمعرفة ، بل يبقى حيا بمعرفته وأنسه فرحا بفضل الله عليه كما قال الله تعالى في الشهداء : {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله }[آل عمران :196-170 ] وكل متجرد لله في جهاد نفسه فهو شهيد مهما أدركه الموت مقبلا غير مدبر ، فالمجاهد من جاهد نفسه وهواه ، والجهاد الأكبر هوجهاد النفس (80) . والشهيد إنما حصل هذه المنزلة ؛ لأن روحه قبضت في حالة لم يبق في القلب سوى حب الله تعالى (81).
ويحاول الغزالي أن يوصل مرتبة العارف بمجاهدته لنفسه مرتبة الشهيد ، بل أعظم من ذلك ، فقال :”ولا تظنن أن هذا مخصوص بالمقتول في المعركة ، فإن للعارف بكل نفس درجة ألف شهيد ، ثم يستشهد بحديث صحيح في أن الشهيد بتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل ..”
وأن الشهداء يتمنون لو كانوا علماء لما يرونه من علو درجة العلماء (82) .
واعتمد الغزالي على حديث ضعيف وهو : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر (83) ، ولهذا الحديث أثر سلبى في مفهوم الجهاد عند مسلمى الملايو .
ومما لاشك فيه أن أشاعة هذا المفهوم في ذلك العصر سيؤدى قطعاً إلى آثار سلبية ، إذا فيه صرف للناس عن الجهاد واشتغال بتهذيب النفس الذى تنقطع الأعمار دون بلوغ كماله ،والغزالي ملوم في هذا الصنيع ؛ إذا ينبغى أن يعطى الجهاد الأكبر الذى هو القتال في سبيل الله أهمية خاصة ؛ نضراً للأوضاع السيئة التى تمر بها الأمة ، وقد قرر الغزالي أمراً مهماً جاء بخلافه ، وهومعرفة حقيقية ما كانت تدل عليه هذه الألفاظ وقت نزولها ، فهل كان الجهاد أيام النزول يعنى جهاد النفس !
وقد حاول أحد الباحثين الدفاع عن الغزالي في هذا السياق فذكر أن الغزالي تناول محتوى الجهاد ، وعده أحد أشكال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وأن موقف الغزالي منه اتصف بأمرين ، الأول : أنه وسيلة لحمل رسالة المر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فبسبب توقف المجتمع عن حمل الرسالة ، فإن أية دعوة للجهاد العسكرى لن تكون ذات فائدة ! والثانى : أن الغزالي كان واعياً بمفهوم الجهاد الشامل ومراحله التطبيقية ومظاهره الثلاثة على حد قول الباحث ، الجهاد التربوى ، والجهاد التنظيمى ، والجهاد العسكرى ، والغزالي قد وجه اهتمامه الشديد لإخراج أمة جديدة تحمل رسالة الأمر بالمعروف والحسبة ؛ لأن حث أمة متوفاة على الجهاد لن يفلح (84) .
لاأحد ينكر دور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأثره في بناء المجتمع ، لكن يجب أن لانبدل مصطلحات القرآن ونعممها أو لتنصرف بعد ذلك إلى معان أخرى ؛ فذكر القرآن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد ، يعنى أنهما اصطلاحان متغايران ، وكل منهما يؤدى معنى ، والاصطلاح القرآنى يقرر أن الجهاد هو قتال أعداء الله تعالى . وقررت السنة أنه ماض – لا ينقطع – إلى يوم القيامة كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ، فهل نقول لشعب البوسنة والهرسك : ألق السلاح ودع الصرب يسرحون ويمرحون واشتغل بمجاهدة النفس حتى تصل إلى ذروة الكمال الخلقى والروحى !! وهل نقول مثل هذا للشعب المسلم في الشيشان !! نظراً لأن أحوال العلم الإسلامى تملا في فترة شبيهة بفترة الغزالي ؟ وهل الاشتغال بالعلم والمجاهدة مدعاة للانقطاع عن الأمة واعتزال همومها وأحوالها .
تقويم نظرية الغزالي في التعامل مع القرآن
لقد نبعت نظرية الغزالى في التعمل مع القرآن من فهمه لغاية القرآن من فهمه لغاية القرآن الكريم ومقصده ، وتجربته في رحلته الطويلة في المعرفة .. وعملية تقويم هذه النظرية تفترض الإجابة عن سؤالين تتضح مكانة هذه النظرية وقيمتها : الأول : ما موقع هذه النظرية مما تقدمها ، وما أثرها فيمن جاء بعد الغزالي ؟ والسؤال الثانى : هل يمكن أن تكون هذه النظرية صالحة عموماً في التعامل مع القرآن :قراءة وفهماً وتفسيراً ؟
هناك علماء كثيرون – قبل الإمام الغزالي وبعده – عالجوا موضوع التعامل مع القرآن ضمن ما كتبوه في فضل القرآن وما يلزم القارئ في قراءته ، فقد صنف الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام ( ت : 224 ) هجري كتاب فضائل القرآن ، وكذلك الإمام النسائى صاحب السنن . وصنف الإمام أبو بكر الاجرى (ت : 360 ) هجرى كتاب أخلاق حملة القرآن ، وقدم الإمام القرطبى ( ت : 671) هجرى تفسيره ببيان فضائل القرآن وآداب التلاوة … وصنف الإمام النووى (ت :676 )هجرى التبيان في آداب حملة القرآن ، والحق الإمام ابن كثير ( ت 774) هجرى تفسيره بييان فضائل القرآن .. وتناول الزركشى والسيوطى ذلك الموضوع في علوم القرآن ؛ وغيرهم …
وهذه المؤلفات منها ما غلب عليه طابع الرواية ، ومنها ما غلب عليه الطابع الفقهى . ومنها ما غلب عليه الجمع والتلخيص ، لكننا إذا دققنا النظر في صنيع الغزالي وجدنا أسلوباً آخر مبيناً على التحليل العميق وبسط الأفكار ، إضافة إلى حشد كثير من أقوال العلماء وحكاياتهم تعمق مفهوم الفكرة التى يطرحها ويعطى أمثلة عملية لها . وهنا تكمن المفارقة في الأسلوب والمنهج والهدف والغزالي وبين غيره من العلماء ؛ فقد كان يعتمد على التحليل وطرح الأفكار الجديدة والتدليل عليها إما نقلاً وإما منطقاً وعقلاً ، وأكثر ما أورده في الأعمال الباطنة كالتفهم والتخلى عن موانع الفهم والتأثر والترقى والتبرى يؤيد صحة هذا الحكم ، فقد أضاف الغزالي على كلام من تقدمه شيئاً كثيراً ، أما الآخرون فقد كانوا يذكرون النصوص ويبينون ما بإيجاز ما ترشد إليه ، إضافة إلى بيان أقوال الأئمة ، نعم ، قد أعتمد الغزالي على من سبقه ، فكثير مما ذكره في الأبواب الثلاثة الأولى قد تعرض إلى أمامه أبو بكر الآجرى (85) وغيره ، لكن الأمام الغزالي كان يفصل فيهما القول ويؤكد على ضرورة ربط القراءة بالعمل ويصف من يترك العمل بالففلة ، يظهر هذا من حشده لأقوال كثير من العلماء … من أجل أن يصل إلى هدفه الذى يريد من إيجاد حيل يرتقى إلى مستوى الخطاب القرآنى .
ولئن توقف الإمام الآجرى بحد قراءة القرآن إلى غاية الائتمار بأمره ، والانتهاء عن زجرة للفوز بالجنة ، إذا قال :”المؤمن العاقل إذا تلى القرآن استعرضه فكان كالرآة يرى بها ما حسن من فعله ، وما قبح منه فيما حذره مولاه حذره ، وما خوفه به من عقابه خافه ، وما رغبه فيه مولاه رغب فيه ورجاه ، فمن كانت هذه صفته أو ما قارب هذه الصفة فقد تلاه حق تلاوته ، ورعاه حق رعايته ، كان له القرآن شاهداً وشفيعاً وأنسًيا وحرزًا، ومن كان هذا وصفه نفع نفسه ونفع أهله وعاد على والديه وعلى ولده ، كل خير في الدنيا والآخرة (86) ؛ فإن الأمام الغزالي عد هذه مرحلة متقدمة من مراحل القراءة ، وهى مرحلة التخصيص ” ، لكنه عمم ذلك بحيث أن كل خطاب في القرآن موجه إلى القارئ ليفهمه ويعمل بمقتضاه . وقد تجاوز هذه الغاية كثيراً ، ويضيف إليه التأثر والترقى والتبرى ليتمم بذلك منهجه التربوى الإصلاحى ، ولئن وجه الآجرى وغيره الناس جميعاً إلى هذا النحو من القرآة ، فإن الغزالي يفرق – كما يبدو – بين العوام والخواص ، ويطرح نظريته على مستوى العارفين الذين هم أرفع الناس في رآيه ، دون أن يهمل بقية الناس ، فكل له فيه نصيب .
أما من حيث تأثير هذه النظرية على الأئمة من بعده ، وهو جواب الشق الثانى من السؤال الأول : فإن الإمام النووى رحمه الله هو أكثر من أهتم بكلام الغزالي في الإحياء نقلاً وتأييداً وكان يصرح بالنقل عنه في أغلب المواطن (87) .
أما القرطبى فقد نقل عنه – دون أن يشير إلى اسمه – ما تعلق بتفسير القرآن بالرأى (88) . واكتفي بذلك لأسباب أعيانى تطلبها (89) .
أما ابن كثير فقد حرص على أن يظل مع نص القرآن والسنة على نمط ما جرى عليه في تفسيره ، واكتفي بالتعليق الموجز المختصر ، واستخلاص ما ترشد إليه النصوص ، وأما السيوطى في الإتقان فقد نقل نصين ونسبهما إلى الإمام النووى مع أن الإمام النووى قد صرح بنقلهما عن الإمام الغزالي (90) .
هذا ، وقد تأثر صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا بما كتب في الإحياء عموماً .
ويتضح من هذا ، أن حجم تأثر العلماء بما كتبه الغزالي قد ظل محدوداً ، ومقتصراً على ما أيده النص في الغالب ، إلا في بعض التحليلات التى جادت بها خبرة الغزالي وقريحته ، لقد ترك العلماء كثيراً من كلامه المتعلق بالأعمال الباطنة ، فلم يشر أحد منهم إلى موضوع التفهم أوالتأثر أو الترقى أو التبرى ؛ ليس لم أنه على عقلية اتصفت – في آخر أمرها – بصفاء الذهن واستقرار الفكر(91) . بل لعل الجواب يكون في ذلك أن ما قرره الغزالي ليس ميسوراً حمل الناس عليه لما فيه من الشدة والمشقة ، وما يتطلبه من الرياضة والتدريب ، فبقى الأمر عند حدود ما جاءت به نصوص القرآن والسنة ، وينبغى أن يعلم أن كلام الغزالي هذا لم يؤلفه تأليفاً ، بل نطق به عن تجربة وخبرة وممارسة ، فهل نكذب الرجل فيما يقول !
أما جواب السؤال الثانى ، وهو : هل يمكن أن تكون هذه النظرية صالحة في تأصيل منهج النعامل مع القرآن : قراءة و فهمًا وتفسيراً ؟ الجواب عن ذلك يكون بطرح سؤال أخص ، وهو : ما مدى صلاحية هذه النظرية للتعامل مع القرآن ؟ وبذا يثبت أن صلاحها على وجه العموم غير مقبول قطعاً ، بل المقبول أن يقال : إنها تضمنت جوانب كثيرة مهمة يصلح أن تكون من الأسس القويمة للتعامل مع القرآن ؛ لأنه قد تشكل على هذه النظرية غبش وضباب حال دون رؤيتها فأدى ذلك إلى بقائها في بطن الإحياء لا في قلوب الأحياء ؛ ويرجع ذلك إلى سببين ، الأول : تأثرها بالاتجاهات الفكرية والعلمية التى كانت سائدة في عصره ، كالاتجاه الصوفي التربوى والاتجاه الفقهى المذهبى ، ومن ثم كانت المعرفة بهذه الاتجاهات قد أثرت على بناء هذه النظرية ودعمت بعض أصولها . والسبب الثانى : المصدر الذى غذى هذه النظرية لم يستخدم فيه منهج ناقد يجعل وجودها قائما على أرضية صلبة وأساس متين ؛ فالأحاديث الضعيفة أو التى لا أصل لها والإسرائيليات ورؤى الموتى … كل ذلك هذه النظرية وانتشارها ، وتوضيح ذلك :
أولاً : لقد تحسس الغزالي من فهم المعتزلة وأزعجه أمرهم في قولهم بخلق القرآن وفهمهم للصفات ؛ مما جعله يقرر خطوتين أساسيتين في منهج قراءة القرآن هما : تعظيم الكلام ، وتعظيم المتكلم ، وما يقتضيه الأمر من المسلم أن يكون معظماً لله تعالى ولكلامه ، مستحضراً ذلك التعظيم في كل أحواله ، وليس عند قراءة القرآن فحسب ، حتى وإن كان استحضار التعظيم عند قراءة القرآن فيه أهمية خاصة . ولم يكن هذا مؤثراً على منهج القراءة فحسب ، بل على منهج التفسير كذلك ، فقد رأينا كيف يستدل الغزالي بآيات القرآن لتقرير عقيدة أهل السنة من وجهة نظر أشعرية ، وكيف يبطل ما عليه المخالفون في ذلك من معتزلة وشيعة وفلاسفة وغيرهم ، وليس ينكر على الغزالي دفاعه عن الحق ونصرته له ، لكن الذى يؤخذ عليه – كواحد من المفسرين – أن يجعل آيات القرآن ميداناً للصراع الفكرى المذهبى ، أو أن ينقل الصراع الفكرى المذهبى إلى الساحة القرآنية ، فيعمد كل فريق إلى القرآن باحثاً عن دليل لمذهبه الكلامى أو الفقهى ، وينشغل المفسرون وغيرهم عن أهداف القرآن ومقاصده وهداياته .
وتأثره بالثقافة الصوفية جعله يقرر أموراً في قراءة القرآن وتفسيره تنسجم مع منهجه التربوى الإصلاحى للنفوس والقلوب في تعاملها مع القرآن الكريم من تلك الزاوية ، فلابد من اشتراك اللسان والعقل والقلب في قراءة القرآن كما يقول الغزالي نفسه (92) . وهذا ينم عن عقلية تهدف إلى الوصول بالنفس إلى كمالها وصفائها ، فالغزالي قد أكسب بعض الجوانب في نظريته عمقاً وقوة بسبب خبرته بعلم النفس وتضلعه بمعارف متعددة . لكن هذه الثقافة كان لها سلبياتها كذلك ؛ كالتفريق بين علم الظاهر وعلم الباطن إلى ، وهومن القضايا التى كان له أثر سلبى على الفكر الإسلامى عموماً ، ومن هذا الباب دخلت الباطنية وغيرها من الفرق الضالة إلى الناص ، فالتفريث بين الأعمال الظاهرة والباطنة في القراءة أمر لا داعى له إذا أريد لهذه النظرية أن يخاطب بها الجميع ؛ ولذلك أهمل العلماء – قبل الغزالي وبعده – هذا التفريق فهى ثنائية غير مستساغة .
أما من حيث منهج الفهم والتفسير ، فإن للغزالى فيه نظرة اجتهادية ، وهى أن التفسير المعتمد على النقل والسماع ليس هو التفسير المطلوب لفهم معانى القرآن ، بل هو شرط مهم من شروط التفسير ، وذلك لأمرين ؛ الأول : أنه يتقى به مواضع الغلط في فهم الآيات ، والثانى : أنه يجرى مجرى تعليم اللغة التى لابد منها للفهم ، وبعد إحكام التفسير الظاهر يتسع المقام للتفهم والاستنباط .
ومن هنا يتضح تركيز الغزالي وعنايته بالتفسير الباطن ، حيث قصر فهم القرآن وتفسيره – للوصول إلى حقائق معانيه ومتشابهه – على “الموفقين ” الساكلين طريق معرفة الله تعالى ، فهم الذين تنكشف لهم أسرار المعانى . هذا ، إضافة إلى تحصيلهم العلوم من غير الطريق المعتاد ، بل من طريق “الكشف ” الذى لا يمكن تحديد معالمه أو الاتفاق على نتاج معرفته ! وهذا ما دفع بعض العلماء إلى اتهام الغزالي بخداع نفسه وخداع الناس ؛ لقوله بأن بالخلوة ينكشف للإنسان العلم العقلى ويرى الأمور الإلهية فيلتذ لذة كبيرة (93) .
وقد رأينا في المنهج التطبيقى للتفسير كيف أثر هذا الأمر على فهم الغزالي لآيات القرآن بما يؤيد ما يذهب إليه ، أو يدل على الطريق الذى يسلكه ، لكن الذى نقوله هنا – وكما شرط الغزالي نفسه – أن ما وافق منها الحق واللغة والسياق فيقبل ، وما خالف ذلك فمرفوض .
فالباطن عند الغزالي هو نوع من الأفكار العميقة والمعانى الدقيقة التى يصل إليها المرء بالتأمل وطول النظر والتدبر ، لا تخالف ظاهر التفسير ، بل هى من قبيل التمثيل والإشارة . ولا ندرى مدى تطبيق الغزالي لهذا المبدأ في تفسير القرآن في كتابه الضائع “ياقوت التأويل ” أيكون قد أطلق العنان للخيار والكشف !! من هنا جاء البلاء على الغزالي خاصة وعلى الصوفية عامة ، فقد شدد ابن الجوزى النكير على التفسيرات الغزالي الصوفية (94) رغم عدم مخالفة بعضها لظاهر التفسير ، فهل تفسير الغزالي للأصنام في قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام :{واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام }[إبراهيم 35] بالذهب والفضة (95) . بمدعاة لهذا النكير ، إن الغزالي لم يقل إن الصنم في اللغة هو الذهب أو الفضة . ولكنه أراد أن يمثل للأصنام نظراً للمعانى المشتركة بين الأصنام وبين الذهب والفضة في الانصراف عن عبادة الله وتوحيده ،وإن شئت فانظر كيف صار الذهب والفضة آلهة تعبد من دون الله تعالى ، هذا الذى أفهمه من صنيع الإمام الغزالي .
وقال بعضهم : لقد كان أبو حامد بدراً في ظلمة الليالى ، وعقداً في لبة المعانى ، حتى أوغل عن التصرف ، وأكثر معهم التصرف ، فخرج عن الحقيقة ، وحاد في أكثر أقواله عن الطريقة (96) . وهو قول شديد وحكم قاس .
ثانياً : لم تبن هذه النظرية على منهج استقرائى يقوم بجمع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة لبلورة منهج التعامل مع القرآن الكريم مع أن الغزالي له نظرات استقرائية ذكية ، لكنها لم تشكل منهجاً له . وإن استعرضنا منهج التفسير وجدنا عدة قضايا شاغبت على هذا الجانب من النظرية ؛ فإيراده لكثير من الأحاديث الضعيفة أو التى لا أصل لها ، وذكر الإسرائيليات ورؤى الموتى ، وإيراده لغريب التفسير ونوادره .. دون أن يعتمد النقد العلمى المنهجى حال دون شيوع هذه النظرية ، ورغم أن هذا – في رأيى – لم يؤثر على صلب النظرية ، فلو حذفنا كل هذه الأمور ليس فقط من هذا الباب ، بل من كتاب الإحياء كله لظلت مادة الإحياء التى ترجمت عن فكر الغزالي ومنهجه في الغالب هى هى ، لكن البضاعة القيمة إن لم تغلف بحلة قشيبة ستفقد شيئاً من قيمتها ، بل ربما تفقد قيمتها كلها .
ثالثاً : هناك بعد غائب في هذه النظرية يتعلق بجانب الفهم والتفسير ، وهو العناية بشؤون الواقع واللجوء إلى القرآن لحل قضاياه ومشكلاته ، فلم يتحدث الإمام الغزالي عن الجهاد ، فهل يعقل أن تكون أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد عدم فيها الخير ، وصح الحكم عليها أنها ميتة !! صحيح أن الغزالي تحدث عن بعض قضايا عصره ، كفساد العلماء حيث طال حديثه عنهم بحسب أصنافهم ، كذلك تحدث عنهم الرازى والنيسابورى ، لكنه حديث نظرى ، يقول الشيخ رشيد رضا رحمه الله منتقداً هذا الوضع : ومن العجيب أن هؤلاء العلماء الأفراد الذين تنبهوا في القرون الوسطى إلى سوء حال علماء الإسلام الذين يلقبهم الغزالي ب “علماء السوء ” لم يحاولوا معالجة هذا الداء واصطلام أرومته ، وهى تفرق المذاهب والتعصب لها بالدواء الذى وصفه الله تعالى في كتابه ، وهو تأليف أمة تدعو إلى الاعتصام وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، بل اكتفي بعضهم بالشكوى من ذلك وإنكاره في الكتب التى يؤلفها (97) . فالقضية – إذن – تحتاج إلى معالجة منهجية ، وليس مجرد وصف المشكلة وبيان أنها خطيرة .
رابعاً :ويلاحظ على هذه النظرية أنها لم تأخذ أبعاداً حضارية قائمة ويلاحظ على تحقيق منهج الخلافة الإنسانية على وجه الأرض وعمارتها ، وبيان السنن الإلهية في ذلك ، إن في منهج القراءة ، وإن في منهج التفسير ، فالقراءة أخذت الطابع الفردى ، فكيف تكون قراءة الأمة ؟ والتفسير أخذ الطابع الفردى إذا غايته معرفة الله تعالى ، فهل يتبع هذه المعرفة تحقيق منهج الخلافة على الأرض وعمارتها ؟ وكيف ذلك ؟ أو بعبارة أخرى ؛ كيف نقرأ القرآن بوصفنا خلفاء لله تعالى ؟ لم أجد – بحسب اطلاعى – جواباً شافياً على ذلك في كلام الغزالي ، نعم ، الدنيا ليست إلا مزرعة الآخرة ، لكن العمل الصالح يأخذ أبعاداً أخرى ، فالطيب يقدم عملاً صالحاً للأمة ، والمهندس والفلكى والجغرافي والبيطرى وعالم النفس ولاجتماع … والعلم الشرعى ، كل أولئك ينبغى أن يقرأوا القرآن ويفسروه لتحقيق منهج الخلافة على الأرض وعمارتها ، ولا داعى لإهمال العلوم الأخرى أو الحط من شأنها .
وقصر مفهوم السنن الإلهية في القصص القرآنى على تحقيق العبرة للشخص الفرد الذى ينبغى أن يستشعر منها الخوف من سطوته ونقمته تعالى ، في حين ينبغى أن يفهم القصص القرآنى فهماً حضارياً ، يقوم على بيان سنن الله تعالى في الأمم والمجتمعات ، وتحقيق العبر والفوائد منها على مستوى الفرد والأمة في مختلف الصعد ؟
خامساً : وينبغى أن نؤكد على أن هناك جوانب ذات قيمة كبيرة في هذه النظرية ، من أهمها مطالبة الغزالي بالخروج في منهج التفسير عن حد التقليد ، والاستقلال بالفهم والاستنباط على ضوء معطيات اللغة ، بل يجعل من يعتقد بأن لامعنى للنص إلا ما روى عن ابن عباس ومجاهد في عداد المجوبين عن هدى القرآن وحقائق معانيه ، لقد أراد الغزالي أن يتجاوز طور التقليد في فهم القرآن ، وهو مسلك عظيم ،لكن ذلك لايتم إلا وفق منهج ينبنى على أسس صحيحة دون التأثر باتجاهات معينة .
ومن تلك الجوانب ، اللفتة الذكية من الغزالي في ذلك العصر المبكر إلى القرآن الكريم ، حيث عده منبع العلوم وأسرارها ، فلكل علم في القرآن إشارات إليه ، ورموز تدل عليه ، وهذا الأساس من القوة والوضوح بحيث يجعل الانطلاق من القرآن في ترشيد العلوم وتقويمها وتدعيم أسسها سواء الإنسانية منها والاجتماعية أو الطبيعية – يسير في مسار صحيح الاتجاه ، محكم الحظى ، مأمون الزلل .
كذلك ما قرره الغزالي رحمه الله تعالى في دفاعه عن معانى القرآن في وجه الباطنية وغيرهم ، وهو الحفاظ على الثقة بالألفاظ وتفسيرها على حسب ما كانت تفهم عليه في عصر النزول ، وتتبع النقل في معرفة معانيها ، وكأن الغزالي يساهم في رسم منهج النظر في فهم مفردات القرآن لأصحاب المدرسة الأدبية الحديثة في التفسير بما اشترطه من تطلب البحث عن استعمال القرآن لمثل هذه المفردات للوقوف على معانيها (98) وكذلك ما اشترطه من أسس لفهم ظاهر التفسير معتمده على السماع كمعرفة الإيجاز والحذف والإضمار ، والمنقول المنقلب ، والمكرر القاطع لوصول الكلام ، والتدريج في البيان ، بل كل ما اشترطه من أسس يعد من لوازم التفسير وأدواته ، فلن يحكم التفسير أحد تجاوزها .
وجانب آخر مهم ينبغى أن يلحظ في هذه النظرية ، وهو عناية الغزالي المركزة على قارئ القرآن ، حيث يحمله مسؤلية عظيمة في تفهم معانيه ، والعمل بما فيه من أمر ونهى … بل إن الغزالي يقرر أن كل آية في القرآن فإن للقارء منها حظاً ونصيباً ، وثمرة ذلك معرفة الله تعالى ، وصنيع الغزالي في شرح معانى أسماء الله الحسنى حيث بين المعانى العملية المستفادة من فهم أسمائه تعالى بالنسبة إلى العبد ؛ لتسوقه تلك المعانى إلى طريق معرفة الله تعالى (99) وإذا لم يشترك العقل والقلب واللسان جميعا في قراءة القرآن كانت تلك القراءة عديمة الفائدة ضعيفة الأثر لا تقرب العبد من الله ، بل تحجبه عن هداية القرآن وحقائق معانيه ؛ ولذا استحق صاحبها أن يوصف بالغفلة ، إن الثمرة العملية من هذه القراءة بهذه الواصفات تنحصر في دائرة الفرد بحيث يكون حسن المظهر والمخبر ، وهذا العبد ينبغى أن يعطى أولوية كبيرة ، فهو من بركة العلم وثمرته ، فإن لم تورث القراءة سلوكاً والتزاماً فلا خير فيها.
كذلك تركيز العلماء بوجه عام ، والغزالي بوجه خاص على ضرورة التأمل والتدبر أثناء القراءة وما له من أبعاد تربوية ، ورأى أن هذا هو المسلك الصحيح في تربية الجيل ؛ فإنه لو تمكنت المؤسسات والمعاهد العلمية من التركيز على هذا الأمر جنبا إلى جنب مع التركيز على الحفظ في المدارس على اختلاف مستوياتها – لكان لذلك أثر لا يخفي في إدراك معانى وحقائق أيات القرآن الكريم .
إنها محاولة جادة من الغزالي لإقامة الشخصية الإسلامية على نمط معين .
ولله الحمد في الأولى وفي الآخرة ، وهو يتولى الصالحين .
○○○○
مصادر البحث ومراجعه
(1) الآجرى ، أبو بكر محمد بن الحسين ؛ أخلاق حملة القرآن ، تحقيق محمود النقراشى ( 1987) ، مكتبة النهضة ، السعودية .
(2) ابن تيمية ، أحمد بن السلام ؛ منهاج السنة النبوية ، تحقيق محمد رشاد سالم (1998) مكتبة ابن تيمية ، القاهرة .
(3) ابت تيمية ، أحمد بن عبد السلام ؛ مجموع الفتاوى (1398) دار الإفتاء السعودية ، الرياض .
(4) ابن الجوزى ، أبو الفرج عبد الرحمن ؛ تلبيس إبليس (بلا تاريخ ) ، مكتبة المتنبى القاهرة .
(5) الذهبى ، محمد حسين ؛ التفسير والمفسرون ( 1976) ،دار الكتب الحديثة ، مصر .
(6) رضا ، محمد رشيد ؛ تفسير المنار (بلاتاريخ ) دار المعرفي ، بيروت .
(7) السيوطى ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر ؛ الإتقان في علوم القرآن (1973) المكتبة الثقافية ، بيروت .
(8) الطبرى ، محمد بن جرير ؛ جامع البيان عن تأويل آى القرآن (1983) ، دار المعرفة ،بيروت .
(9) ابن عاشور ، محمد الطاهر ؛ التحرير والتنوير (1983) الدار التنوسية للطباعة والنشر ، تونس .
( 10) عاصى ، د . حسن ؛ التفسير القرآنى والفلسفة الصوفية في فلسفة ابن سينا (1983) المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ،بيروت .
(11) العراقى ، زين الدين عبد الرحيم بن الحسين ؛ المغنى عن حمل الأسفار في الأسفار مطبوع بهامش إحياء علوم الدين للغزالى
( 1986) دار الكتب العلمية ، بيروت .
(12) العيدروس ، عبد القادر بن شيخ عبد الله ، تعريف الإحياء بفضائل الإحياء ، ملحق بكتاب الإحياء للغزالى ( 1986) ، دار الكتب العلمية ، بيروت .
(13 ) الغزالي ، أبو حامد ؛ إحياء علوم الدين (1986) دار الكتب العلمية ، بيروت .
(14) الغزالي ، أبو حامد ، الإملاء عن إشكالات الإحياء ، ملحق بكتاب الإحياء للغزالى ( 1986) ، دار الكتب العلمية بيروت .
(15) الغزالي ، أبو حامد ؛ جواهر القرآن ، تعليق خليل إبراهيم (1992) دار الفكر اللبنانى ، بيروت .
(16) الغزالي أبو حامد ؛ المقصد الأسنى في شرح معانى أسماء الله الحسنى (1987) الجفان والجابى ، قبرص .
(17) القرطبى ، أبو عبد الله بن أحمد الأنصارى ، الجامع لأحكام القرآن (1967) ،دار إحياء التراث العربى ، بيروت .
(18)القرطبى ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصارى ؛ فضائل القرآن وآداب تلاوته ، تحقيق د . أحمد السقا (1989) ،المكتبة الثقافية ، القاهرة .
(19) الكيلانى ، د. ماجد عرسان ؛ هكذا ظهر جيل صلاح الدين ، وهكذا عادت القدس (1994) نشر المعهد العلمى الفكرى الإسلامى ، فرجنييا الولايات المتحدة .
(20) النووى ، أبو زكريا يحيى بن شرف ؛ التبيان في آداب حملة القرآن ، تحقيق عبد العزيز السيروان (1987) ،دار النفائس ،بيروت .
○○○○
الهوامش
(1) عبد القادر بن شيخ بن عبدالله العيدروس : تعريف الإحياء بفضائل الإحياء ملحق بكتاب إحياء علوم الدين للعزالى : 5/11
(2) أبو حامد الغزالي : جواهر القرآن ، تعليق خليل إبراهيم ( 1992) دار الفكر اللبنانى ، بيروت . ص 14 : المشكل في هذا التقسيم تفضيله ما تضمنه بعض القرآن على بعض فيرى أن الطبقة السفلى من علم اللباب معرفة قصص القرآن ، وما يتعلق بالأنبياء ، وما يتعلق بالجاحدين والأعداء ، ويتكلف بهذا العلم القصاص والوعاظ وبعض المحدثين ، وهذا علم لاتعم إليه الحاجة (ص 26) ومعلوم أن هذه الطبقة قد شكلت مساحة واسعة من نصوص القرآن فكيف تكون من شغل القصاص وغيرهم ، وكيف لا تعم الحاجة إلى أكثر من نصف القرآن !! مع أنه قرر الإحياء – الذى صنفه قبل جواهر القرآن _ كلاما عن القصص القرآني مغايرا لهذا الكلام , وهو عين الصواب , فقال:” هذه القصص وردت في القرآن لتعرف بها سنة الله في عباده الذين خلوا من قبل , فما في القرآن شئ إلا وهو هدي ونور, وتعرف من الله تعالي إلي خلقه ,فتارة يتعرف إليهم بالتقديس ” سورة الإخلاص “وتارة يتعرف إليهم بصفات جلاله .. وتارة يتعرف إليهم في أفعاله المخوفة والمرجوَة فيتلو عليهم سنته في أعداته وفي أنبيائه … ولا يعدو القرآن هذه الأقسام الثلاثه , وهي : الإرشاد إلي معرفة ذات الله ونقديسه , أو معرفة صفاته وأسمائه ,أومعرفه أفعاله وسنته في عباده , انظر : إحياء علوم الدين , (1986) دار الكتب العملية ,بيروت 4/361_363.
(3) الإحياء:3/300.
(4)المصدرنفسه :1/322_324.
(5)المصدر نفسه : 1/325 _330 .
(6) محمد رشيد رضا ؛ تفسير المنار (بلا تاريخ ) دار المعرفة , بيروت 1/450.
(7) أبو عبدالله محمدبن أحمد القرطبي ؛ فضائل القرآن وآدب تلاوته , تحقيق أحمد السقا (1989), المكتبة الثفافية , القاهرة ص :38’41.
(8)الإحياء : 1/331_340 .
(9) المصدر نفسه :1/334.
(10) الإحياء : 1/341_347.
(11) القرطبي : فضائل القرآن ص :46.
(12)الغزالي , جواهر القرآن ص 24_25.
(13) أبو حامد الغزالي ؛ المقصد الأسني في شرح معاني أسماء الله الحسني(1987) الجفان والجاني , قبرص ص : 45.
(14) الإحياء : 1/341.
(15) الغزالي , جواهر القرآن ,ص :30 _31 .
(16) انظر الإحياء :2/18 _19.
(17) يري د.محمد حسين الذهبي أن الغزالي أكثر من استوفي بيان القول بالتفسير العلمي للقرآن الكريم أنظر : التفسير والمفسرون (1976) دار الكتب الحديثة , مصر 2/474_477 .
(18) الإحياء:1/49’ 343 .
(19) المصدر نفسه :1/ 49_‘5.
(20) المصدر نفسه :4/171.
(21) المصدرنفسه :4/205 , 312 .
(22)الغزالي ، جواهر القرآن ، ص : 46، 48
(23) الغزالي ، المقصد الأسنى ، ص : 63 ،113
(24) الإحياء : 1/ 66
(25) انظر : المصدر نفسه : 4 /95-100 وأما المثال فهو في :4 /100
(26) الإحياء :1 /66
( 27) المصدر نفسه :1/44
(28) المصدر نفسه4 /260
(29) المصدر نفسه 4/106
(30) المصدر نفسه ، انظر :4/ 466،471،179
(31) المصدر نفسه ،انظر:3/137،138،159،161،170،207-209،247،273،287
(32) الإحياء :4/577-578
(33) المصدر نفسه :1/77
(34) المصدر نفسه :1/62
(35) المصدر نفسه :3/65
(36) أبو حامد الغزالي :الإملاء عن إشكالات الإحياء ، ملحق بكتاب الإحياء :5/38
(37) الإحياء :1/64
(38) المصدر نفسه :1/63
(39) المصدر نفسه :2/92
(40) الغزالي ، جواهر القرآن ،ص :59
(41) الإحياء :2/94
(42) المصدر نفسه :1/393
(43) الإحياء : 3/ 428-429
(44) المصدر نفسه :،انظر : 3/ 15، 25،71،4/ 114،125
(45) المصدر نفسه : 1/67
(46) المصدر نفسه :4 / 331
(47) المصدر نفسه : 4/ 363،489
( 48) المقصد الأسنى ،ص : 157-162
(49) الإحياء : 1/122
(50) المصدر نفسه : 1/128
(51) المصدر نفسه : 1/ 129، 4/577
(52) المصدر نفسه : 4/183
(53) المصدر نفسه :1/131-132
(54) المصدر نفسه : 1/ 133
(55) المصدر نفسه :أنظر :ا / 137- 144
(56) الإحياء :1 /129
(57) المصدر نفسه ، انظر : 4/ 103،324
(58) المصدر نفسه :1 / 178،189
(59) المصدر نفسه : 1/ 178،189
(60) المصدر نفسه : 1/ 252
(61) المصدر نفسه : 1/ 260
(62) المصدر نفسه : 1/ 274
(63) المصدر نفسه ، انظر : 1/ 404،4/ 15
(64) المصدر نفسه : 1/ 197
(65) المصر نفسه : 3/ 313، انظر قول الراقى في تخريج الحديث .
(66) المصدر نفسه :3 / 301، 1/ 219
(67) المصدر نفسه : 1/ 170،: 2/ 185
(68) المصدر نفسه ، انظر : 2/ 32. 3/ 107
(69) المصدر نفسه : 1/ 135وانظر 2 / 418- 419
(70) المصدر نفسه : 2/ 4
(71) المصدر نفسه ، انظر على التوالى : 3/ 62، 410، 202/279/- 20280/200
(72) المصدر نفسه : 2/29
(73) المصدر نفسه : 2/88،انظر:4/ 154
(74) المصدر نفسه : 3/ 26-27
(75) المصدر نفسه : 2/ 310 وقض رفض الإمام الطبرى هذا المسلك ، ورأى أن هذا مما تعارف عليه اللغات ، انظر : جامع البيان (1983) دار المعرفة ؛ بيروت 10 / 6
(76) انظر : 1/ 47، 3/ 383، 394- 395، 403، 4/ 35،398
(78) المصدر نفسه : 4/ 75
(79) المصدر نفسه : 4/ 55، 190- 139
( 80) المصدر نفسه : 2/ 265- 266
(81) المصدر نفسه :4/188،348
( 82) نفسه : 4/ 327 وهذه الزيادة ليست من الحديث كما ذكر العراقى ، انظر : هامش الإحياء
( 83) أخرجه البهيقى في الزهد كما ذكر العراقى ، انظر : المغنى عن حمل الأسفار مطبوع بهامش الإحياء 3/ 8
( 84) ماجد عرسان الكيلانى : هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس (1994) نشر المعهج العالمى للفكر الإسلامى فرجينيا ، الولايات المتحدة ، انظر :ص : 129- 132
(85) في كتابه “أخلاق حملة القرآن ” تحقيق محمود النقراشى ( 1987) ، مكتبة النهضة ، السعودية ص 129-222
( 86) المصدر السابق ،ص :146
(87) فقد نقل عنه تسع مسائل ، واشتمل المبحث الذى عقده للتفسير على خلاصة كلام الغزالي انظر : التبيان في آداب حملة القرآن ، تحقيق عبد العزيز السيروان (1987) ، دار النفائس ، بيروت ص : 48،57- 58،62،68، 68، 72، 72،57،109
(88) القرطبى ، فضائل القرآن ، ص: 44- 46
(89) لقد استغرق الكشف عن سر إبهام القرطبى لاسم الغزالي منى جهداً وبحثاً طويلاً حتى عثرت في هذه التفسيرات منه تطرق خبيث إلى تشويش عقيدة المسلمين ، وكان يحذر منه ، قائلاً : فالحذر الحذر منه ، وهو الموطن الوحيد في تفسير القرطبى الذى يتعرض فيه لذكر اسم الإمام الغزالي صراحة ، انظر : الجامع لأحكام القرآن (1976) دار إحياء التراث العربى ، بيروت : 14/196-197
(90) وهما قوله في استحضار الحزن والبكاء ، وقوله في بيان الجمع بين الجهر والإسرار ، انظر : الإتقان في القرآن (1973 م) المكتبة الثقافية ، بيروت 1/ 107، 108 ونقل عنه ما تعلق بالتفسيربالرأى دون أن يذكر اسمه : 2/ 185
(91) وإن ذكر ابن تيمية أن الغزالي استقر أمره على التوقف والحيرة ، أو رجع إلى طريقة الحديث ، ولعل ذلك الاستقرار يعنى تركه للكلام والفلسفة . انظر : أحمد بن عبد السلام ، ابن تيمية : مناهج السنة النبوية ، تحقق :محمد رشاد سالم (1989) ، ومكتبة ابن تيمية القاهرة :5/ 269. وانظر : مجموع الفتاوى (1398) ، نشر دار الإفتاء السعودية . الرياض . 4/ 72
(92) انظر . الإحياء :1/ 339
(93) انظر : حسن عاصى ؛ التفسير القرآنى والفلسفة الصوفية في فلسفة ابن سينا (1983) المؤسسة الجامعي للدراسات والنشر ، بيروت ص : 38 “هامش ” . نقلاً عن تدبير المتوحد لابن باجة .
(94) أبو فرج عبد الرحمن بن الجزورى ؛ تلبيس إبليس ( بلا تاريخ) مكتبة المتنبئ ، القاهرة . انظر :ص: 166، 323،333
(95) المصدر نفسه ،ص :333
(96) نسب ابن عاشور هذا القول إلى القاضى أبى بكر بن العربى في كتابه :” العواصم من القواصم ” ورجعت إلى الكتاب المذكور ، فلم أجد فيه ذكراً لهذا القول : انظر : التحرير والتنوير (1983) الدار التونسية للطباعة والنشر ، تونس 1/35
(97) تفسير المنار ، مرجع سابق : 4/ 50
(98) انظر : الإحياء : 1/ 345″ المبهم “
(99) انظر : المقصد الأسنى ،ص: 62