بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وعلى صحبه ومن دعى بدعوته من المسلمين . وبعد نرحب بكم أجمل ترحيب فى هذه الندوة المباركة التى يحدثنا فيها الأخ الأستاذ الدكتور جمال عطية عن موضوع مهم وله آثاره البعيدة فى حياة الأمة الإسلامية ،وسنتبين من خلال العرض والمناقشة مدى هذه الآثار التى يمكن أن تكون محور النقاش إن شاء الله ،خاصة مع وجود أستاذنا الجليل داعية العصر الشيخ محمد الغزالى مد الله فى عمره ومتعه بالصحة .
نرجو من الأخ الأستاذ الدكتور جمال عطية أن يبدأ حديثه الذى عنوانه ((نحو عرض معاصر للإسلام ))فليتصل مشكوراً .
د . جمال الدين عطية :
بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .
الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا هدنا الله .
الموضوع الذى أتحدث فيه الليلة يتعلق بالدعوة لأن الإسلام هو جزء من الدعوة الإسلامية وأول ما يقال فى اختيار هذا الموضوع هو مدى مناسبة هذا الاختيار فى الوقت الحالى الذى كشفت فيه الأحداث عن أنياب القوى المعادية للإسلام ،ما يجعل الأمر من الوضوح الذى لا مجال للشك حوله ،إن علاقتنا بالآخر هى أولاً وقبل كل شئ هى علاقة موجهة .
ولكن هل يدفعنا ذلك إلى إهمال الدعوة ؟
وهنا أقول أن الدعوة هى هدف هذه المواجهة من قبل القوى المعادية للإسلام ،وما كان لها أن تعادى الإسلام لولا هذه الخصيصة فى الإسلام وهى خصيصة الدعوة . الأمر الآخر أن من أهم أسلحتنا فى المواجهة مع هذا الآخر هو الدعوة فالدعوة هدف المواجهة من قبلهم ،وهى من قبلنا من أمضى أسلحة المواجهة وفى تصورى أنه لا مجال لأن يصرفنا الاهتمام بالمواجهة – بكل ما تحمل من معانى – عن الاهتمام بشؤون الدعوة . ومن بين هذه الشؤون هذا الموضوع الذى اخترته لحديث الليلة . ولا أقصد بالحديث الليلة أن أتناول أو أعالج أساليب عرض الإسلام ،وإنما أقصد أن أعالج مضمون أو مادة ما يعرض ،وإن كان موضوع أساليب عرض الإسلام يحتاج منا إلى وقفات كثيرة ،ولكنى آثرت ألا أتعرض لها ؛لأنها قرب إلى أساليب التقنية التى من المناسب يقوم بها المختصون فى علوم الإعلام لاتصال ؛ولذلك فليس من مهتمى الليلة أتكلم فى الأساليب . وإن كنت أقف وقفة قصيرة عند أربع نقاط قد يكون لها انعكاس على ما أعرض له بعد ذلك .
النقطة الأولى :هى أننا حينما نعرض فكرة أو رأى أو دعوة أو دينا ،فإنه يلزمنا فى البداية أن نحدد الخصائص والفوارق ،أكثر مما نتحدث عن المتشابهات بين هذه الدعوة أو الفطرة وغيرها من المبادئ والأفكار . ويلزم لذلك أن نوضح هذه الفروق حتى يتبين الفرق بين ما ندعو إليه وما هو موجود على الساحة ويعرضه الآخرون .
النقطة الثالثة: أن من أساليب العرض ما يتعلق بالدعوة الفردية الأساليب الجماعية . فالمتبادر إلى الذهن دائماً نفر محدود وقليل من الناس ،ويتصل بهم صلة خاصة ويؤثر فيهم بشخصه تأثيراً مباشراً . وما يتصل بذلك من فرص اللقاء والقدوة الحسنة أو السيئة من هذه الداعية تجاه المخاطبين . وهذه الندوة هى الصورة التقليدية التى تكون أشمل وأجمع ما يكون فى خطب الجمعة وخطب العيدين ،ولكننا – دون إهمال هذه الوسيلة وبالغ أهميتها – لا يجوز أن ننسى الأساليب الجماعية بوسائل الاتصال المعاصر التى أصبحت تصل إلى الملايين بل مئات الملايين ،كما فى حالة شبكات التليفزيون الدولى مثل (CNN) حيث يستطيع المرسل أن يوصل فكرته إلى مئات الملايين من البشر الذين يشاهدون ما يبثه إليهم .
فهذه الأساليب الجماعية من الضروري أن نستخدمها فى إيصال دعوتنا .
النقطة الأخيرة: فى هذه الوقفة هى ما يتبين لنا جميعاً من أن أسلوب الوعظ التعليمي المباشر لم يعد بالأسلوب المؤثر فى حياتنا المعاصرة . وهناك أساليب غير مباشرة تكون أحب إلى النفوس وأكثر تأثيراً من الأسلوب المباشر . لقد أردت أن أقف هذه الوقفة مع هذه الأمور الأربعة وإن كانت تتعلق بأساليب العرض ، وهذا كما قلت ليس موضوعى وإنما أريد أن أتحدث فى مضمون ما يعرض .
فى مجال بيان مضمون ما يعرض هناك ثلاث مسائل أحب أن أشير إليها حينما نعرض أمراً على العامة أو حتى على جمهور المثقفين فإن ما يتطلبه الموقف فى غالب الأحيان مد الجانب التطبيقى فى هذه الدعوة وليس الجانب التنظيرى . فإذا كنا بصدد بحث أكاديمى فلا شك أن الجانب التنظيرى له أهمية بالغة ،أما إذا كنا بصدد عرض فكرة لكسب الأنصار لها ،فإن عرض الجانب التطبيقى لها أهم بكثير من عرض الجانب التنظيرى ،هذه واحدة . والثانية أننا لا يجوز أن نعرض الصور التقليدية وإنما يلزمنا أن نعرض الصور المعاصرة لهذه الفكرة أو هذه الدعوة وهذا أمر واضح لأننا فى طريقة العرض وفى مضمون العرض ، وإنما نريد كسب الناس لدعوة لها أثر مباشر على حياتنا ،ومن هنا كان الحديث عن الماضى وعن التاريخ وعن الصور التقليدية غير وارد تقريباً . ثالثاً وكنقطة متصلة بالنقطة الثانية أننا حينما نعرض للمشاكل المعاصرة يلزمنا أن نتنبه إلى وجوب معالجة مشاكل الآخرين وليس مشاكلنا نحن . وهذا خطأ يقع فيه كثير من الإسلاميين حينما تتاح لهم فرصة الحديث فيعرضون مقولاتهم وقضايهم ويشكون مما يلاقون من عنت وتضييق وهذا أمر لا يهم الآخرين كثيراً ،وإنما يهم الآخرين أن نعالج مشاكلهم وأن نوضح لهم ما لدينا من حلول لهذه المشاكل .
وأتوقف عند كلمة عرض ،عرض الإسلام . وأقصد بالعرض هذا المعنى الذى يستخدم فى الأسلوب التجارى حينما يعرض التاجر بضاعته فى ((الفاترينة)). فنحن لدينا محل فيه بضائع من جميع الأشكال هى مادة الإسلام الشامل المتكامل . ولكننا لا نتحدث عن هذا الآن وإنما نتحدث عما نقوم بعرضه فى هذه ((الفاترينة))حتى نشد اهتمام المارين فيعرجون على هذا المحل ويرون ما فيه . إذن نحن هنا أمام أختيار لسنا فى فسحة من الوقت ولا من الفرصة بحيث نعرض جميع ما لدينا من بضاعة ،وإنما علينا أن نعرض ما يشد انتباه الآخرين ،وهما يكون لدينا مجال لإعمال فكرة الأولويات فى تقديم وتأخير ما يعرض .
فعملية الاختيار هنا أساسية ،وعنصر الأولويات له مكان فى التطبيق فى هذه الحالة . ثم هناك – وكما يفعل التاجر فى ((الفاترينة))– التجديد بحيث لا يظل دائماً معروض فى ((الفاترينة))نفس الأنواع التى يراها الناس دائماً حتى يلموا رؤيتها ،وإنما هناك التجديد الذى يطرأ على هذه ((الفاترينة)).
لعل قائلاً يقول إن هذه الأفكار بدعة غير مسبوقة . وأحب أن أعرج قليلاً على بٌعدٍ تاريخى فى هذا الموضوع نحن جميعاً نعرف الأحاديث النبوية التى عرفت الإسلام بأركانه الخمسة ((شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ،وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت))،وكلنا نعلم الحديث الذى يتكلم عن الإيمان بعناصره الستة ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ))هذه الأحاديث منضبطة تعرف الأمور تعريفاً منضبطاً يصلح للبحث الأكاديمى ولكن لا ينفى هذا أننا فى ظروف كثيرة نقرأ فى السيرة وفى السنة أن أعرابياً يأتى فيسأل الرسول صلى الله عليه وسلم : قل لى قولاً فى الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك . أو قل لى قولاً يكفيني ،أو غير ذلك فيطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الكلمة الموجزة التى لا يستعير فيها من أركان الإسلام الخمس ،ولا من عناصر الإيمان الست وإنما يقول له مثلاً ((قل آمنت بالله ثم استقم ))أو ((الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل ))وغير ذلك مما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويعتبر مدخلاً لعرض الإسلام من زاوية معينة وهذا هو عين ما قصدت معالجته فى هذه الكلمة .
كما نجد عبر التاريخ صورة غريبة حينما سأل ملك الفرس أحد المسلمين ماذا تريدون ؟ لم يقل له نحن جئنا برسالة الإسلام التى فيها عناصر الإيمان كذا أو عناصر الإسلام كذا ،وإنما قال قولته المشهورة ((لقد جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله ،ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ،ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة . وهكذا قدم الإسلام وصوره على أنه رسالة تحريرية للناس من عبادة العباد ومن الظلم ومن ضيق الدنيا بكل ما فى هذه الكلمة من ماديات ودنيويات .
هناك أيضاً كلمة الإمام الشاطبى الجامعة حينما قال :((أن تكون عبداً لله اختياراً كما أنت عبداً لله اضطراراً)).
وبهذه الكلمة جمع بين سنن الله فى الأنفس والأكوان ،حيث يكون الناس وجميع المخلوقات عباداً لله اضطراراً بموجب عنصر التكليف الموجه إلى البشر والذى أذا اختار أن يلتزمه يكون عبداً لله اختياراً ،فهذا موجز محكم . وفى عصرنا الحاضر مداخل نعلمها جميعاً مثل كتابات الأستاذ حسن البنا التى تعرض فيها لصفات وخصائص فى الإسلام كانت هى التى تشد الناس إلى اتباعه وهناك كتاب الدكتور محمد حميد الله ((مدخل إلى الإسلام ))الذى ترجم إلى عدة لغات ،وهناك كتابات الشهيد سيد قطب ،وكتابات الأستاذ محمد المبارك ، والشيخ على طنطاوى وله كتاب عن ((الدعوة إلى الإسلام ))،وكتاب الشيخ القرضاوى عن ((خصائص الإسلام ))كل هذه مداخل تصل الإنسان بالإسلام من أحد الأبواب ثم إذا ولجه فإنه يتعرف على كامل البضاعة الموجودة داخل هذا المحل .
وكما كنا نلمس فى حركة الإخوان كانت هناك مداخل عملية متعددة ،البعض يدخل لأن النشاط الرياضى أو الكشفى يشده ،والبعض يدخل لأن النشاط السياسى أو الأهتمام القومى بشده ،وهناك من يدخل بدافع التدين وغير ذلك ،ولكنهم بعد أن يدخلوا تصهرهم بوتقة العمل وتكتمل عندهم هذه العناصر جميعاً وفى يومنا هذا ،هناك مداخل أخرى نلمسها لدى بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة التى يركزون فيها على جوانب معينة لعلها أقرب إلى المظاهر أو لها مرتبة ثانوية فى رأى الآخرين ،كاهتمامهم باللحية والجلباب والنقاب وغير ذلك ،أو كالدعوة للإسلام على انه تنطبق الحدود ،ووضع الأمور الأخرى فى زاوية أقل أهمية من هذه الزاوية . لعلى بهذه النبذة التاريخية أكون قد أوضحت ما أريده فى هذا الموضوع .
حينما نبحث عن المنطلقات التى نجد فيها العرض المناسب والمعاصر للإسلام ،أجدنى مشدوداً إلى اختيار خصيصة معينة من خصائص الإسلام فى خصيصة العالمية كمنطلق لتحديد العرض المعاصر له . فلا شك أننا فى عصر أصبح فيه العالم قرية صغيرة ،وأصبحت وسائل الاتصال تجعل ما يحدث فى ركن من أركان العالم يصل إلى باقى أركانه فى نفس اللحظة والتو ،وما أمر ال (CNN) الذى ذكرته من قبل ببعيد بل لا أبالغ إذا قلت أننا نعيش عصر ال (CNN) من ناحية صورة الاتصال ووسائل الإعلام . ومن ناحية أخرى فلا يوجد – فى تصورى – ما يلزمنا شرعاً بأن نتصور أو أن نضع فى تخطيطنا أن الإسلام ستبدأ نهضته من جديد من العالم الإسلامى أو من العالم العربى أو من مصر أو من السودان أو من بلد معين . فلا ندرى أين يضع الله سره ونصره فى مرحلة الإسلام الحالية .
وبالتالى وبحكم الطبيعة العالمية للدعوة الإسلامية يلزمنا أن نهتم بهذا الجانب . قد يقال إن هناك تنظيمات دولية للحركة الإسلامية ،ليس فقط للحركة الإسلامية الشعبية ،ولكن أيضاً للأجهزة الحكومية ،كالأزهر والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ،ورابطة العالم الإسلامى ،ودائرة الإفتاء بالسعودية وإيران .. فكل هذه الدول فيها تنظيمات دولية توصل عن طريقها دعوة الإسلام إلى العالم . ولكن أحب أن أشير هنا إلى مجرد وجود تنظيم لا يغنى عن المنظور الدولى . فالتنظيم هو الرسول الذى يحمل الرسالة ولكننا نريد للرسالة ذاتها أن تكون رسالة عالمية . وبالتالى فإن وجود تنظيم دولى لا يغنى عن وجود منظور دولى للإسلام .
أنتقل بعد هذه المقدمات – وإن كنت أعتبرها لب الموضوع – إلى ضرب أمثلة لعلها توضح المقصود . وأضرب هذه الأمثلة عن مختلف المجالات ولا أقصد بذلك أن أعرض الرأى الإسلامى فى كل نقطة أن أنبه إلى بعد عالمى معين فى قضية عالمية معينة يلزم للمسلمين أن يكونوا حضوراَ وشهوداً فيها . وأن يقولوا رأى الإسلام فيها .
ففى مجال التدين فإن أول عنصر فى موضوع التدين هو الإيمان وأمامنا الآن فرصة نادرة عبر عنها الكتاب الأخير الذى نشرته سلسلة عالم المعرفة فى الكويت ((العلم فى منظوره الجديد))فبعد أن كان الكلام – لقرن أو أكثر من الزمان – عن أن الدين يعنى معارضة العلم . وكان العلم يعنى الإلحاد ،أصبح العلم الآن يؤدى إلى الإيمان . وهذه فرصة ناردة لأن ننطلق وأن نتحدث من منطلق العلم الحديث الذى يدعو إلى الإيمان بكل ما يتضمنه ذلك ،ليس فقط من متابعة ما ينشر فى الخارج ولكن من المساهمة الجادة لعلمائنا فى هذا المجال حتى نربط العلم بكافة اكتشافاته بالإيمان . هناك أيضاً فى مجال التميز وبيان الفوارق بين الإسلام كدين وبين غيره من الأديان . ولنأخذ اليهودية والنصرانية . فمن خلال الحوارات مع القساوسة أمام مشهد من الناس يناقشون فيه آيات القرآن وآيات الإنجيل وغير ذلك من التفاصيل ،أتصور أن هناك نقاط نستطيع أن نركز فى حوارنا مع كل ما الديانتين عليها . فبالنسبة لليهودية ،فإن اليهودية قامت على فكرة شعب الله المختار وفكرة الشعب المختار ،أى امتياز شعب على شعب ،والإسلام لا يعترف بامتياز شعب على شعب ولا جنس ،فهنا مفرق أساسى بين رأى الإسلام فى هذا الموضوع وبين أساس حيوى من أسس اليهودية . والعصر الحاضر مهيأ جداً لسماع أى حديث فى هذا الموضوع . وبالنسبة للمسيحية. فإن عقيدتها تقوم على معنى أساسى هو الخطيئة الموروثة ،وهذا يعنى أن المسؤولية غير شخصية وكل ما ترتب على هذه الخطيئة الموروثة . والعالم مهيأ أيضاً الآن لتقبل فكرة المسؤولية الفردية وأنه حاشا لله العادل أن يٌحاسب إنسان على خطيئة إنسان آخر .
إذا ذهبنا إلى مجال الأخلاق أجد أمرين أساسيين يشدان الانتباه وهما فى تصورى محوران رئيسيان فى موضوع الأخلاق من الناحية العلمية . الموضوع الأول هو الدور التربوى لوسائل الإعلام ،فمهما كان اهتمامنا بالتربية والأخلاق فسنظل دائماً نحن نبنى وغيرنا يهدم . فالقضية الرئيسية التى عرض لها فى بعض المناسبات هى العلاقة بين التربية أو بين الأخلاق وبين وسائل الإعلام ،وهل من دور تربوى وأخلاقى لوسائل الإعلام . إن الدور الحالى الذى تقوم به وسائل الإعلام هو دور إيجابى مكانه ،وهذه قضية مفصلية يجب أن نوليها الاهتمام . ويرتبط بذلك قضية أخرى مثارة منذ مدة فى الأوساط الغربية وانتقلت إلينا وهى قضية الالتزام فى الآداب والفنون ،فقضية الأدب للأدب والفن للفن قضية مهمة إذا قلنا فيها رأينا ووجهنا إليها اهتمام الأدباء والكتاب ،لكى يكون أدبهم وفنهم موجهاً وهادفاً وبذلك نكون قد أحدثنا تغيراً جذرياً .
إذا انتقلنا إلى مجال الصحة ،نجد أن القضية الرئيسية التى تشغل العالم الآن ليس مصر فقط ومن فترة طويلة هى قضية المخدرات والمسكرات والتدخين ،حتى إن هناك ولايات فى الولايات المتحدة تحرم المسكرات وتعاقب على ذلك ،وهناك جميعاً مؤتمرات وصحف ومجلات متخصصة فى فى أمور المخدرات والمسكرات والتدخين وغير ذلك . وهذه قضية إسلامية ولا يصح أن ننظر إليها كمترجين ،وإنما يجب أن يكون لنا حضورنا فيها ،ونبلغ فيها رأينا وأن نكون موجودين دائماً كلما كان هناك مؤتمر لعلاج هذا الموضوع أو حديث فيه وهناك أيضاً قضايا التلوث وهى من صميم اهتمامنا كإسلاميين فليست هذه من مسؤوليات الدولة أو من مسؤوليات أجهزة معينة ولكنها تتصل اتصالاً مباشراً بالإسلام ،وعنصر الضرر والضرار الموجود فيها لا يمكن أن يخرجها عن دائرة الاهتمام الإسلامى .
إذا انتقلنا إلى المجال الاجتماعى نجد قضية مضى عليها الآن ما يزيد على العشرين أو الثلاثين عاماً . فهى مطروحة منذ أواخر الستينات ،وهى ثورة الشباب والطلاب ،وهذه الثورة تقابل إلى حدما ما يحدث لشبابنا ،وإن كان الأمر عندنا يلتبس أحياناً ببعض المظاهر الدينية . ولكنها قضية عامة مثارة منذ حوالى الثلاثين عاماً .. والسؤال المطروح هو ماذا يريد الشباب حينما يثور ؟. والأمر واضح لمن اهتم بهذا وكتب فيه وحاول أن يعالجه . فهناك شعور عام منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية بأن الأمور لن تتحسن ،وأن الجيل الماضى الذى يسلم الآن الرسالة للجيل الصاعد قد ترك له ديوناً وحروباً ،وترك له التخلف والبطالة وهذا ورث ثقيل يجعل الشباب غير راض وغير مقتنع وغير واثق فى الجيل الذى سبقه . وهذا مدخل أساسى يجب أن نهتم به هناك أيضاً – فى هذا المجال – قضية أساسية هى قضية أوقات الفراغ . ففى فرنسا أنشأوا وزارة خاصة لأوقات الفراغ تهتم بهذه المشكلة التى تعد مشكلة رئيسية .
وما منع الناس فى أمريكا أن يجعلوا العطلة الأسبوعية ثلاثة أيام إلا الخوف مما يترتب على الفراغ من زيادة فى معدلات الجريمة وفى حوادث المرور وغير ذلك .
فأوقات الفراغ مشكلة رئيسية يهتم بها العالم ولها انعكاساتها عندنا ،ومن الطبيعى أن يكون لنا فيها رؤية وكلام .
وهناك بطبيعة الحال المشكلة الحيوية المهمة التى تحدث فيها الغرب ،هى العائلة الممتدة أو الموسعة فى مقابلة العائلة النووية أو العائلة الضيقة المكونة من الوالدين والأبناء ،فهذه المشكلة يشعرون بآثارها الوخيمة ويتحدثون عن هذه الآثار ويودون لو استطاعوا بصورة أو بأخرى أن يعالجوا هذه الآثار . وهنا مدخل من الطبيعى أن ندخل إليه خاصة وأن الحياة الصناعية التى انتقلت إلينا نقلت معها هذه الصور للعائلة النووية الصغيرة مع ما يترتب على ذلك من مشاكل بالنسبة للعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة . وإذا كان من الصعب أن تعود مرة أخرى إلى العائلة الممتدة فى صورتها التقليدية (وأقصد العائلة الممتدة مكانيا ،أى التى يضم كافة أفرادها مكان واحد) فلا أقل من أن نوضح الامتداد العلائقى فيما بين أفراد الأسرة الواحدة والعلاقات المتبادلة والحقوق والواجبات التى تربطهم .
إذا انتقلنا إلى المجال الاقتصادى ،لاأجد من المناسب أن ندخل إليه بالحديث عن الربا وعن الزاة كما يعتاد معظمنا أن يفعل . وإنما سنجد أنفسنا نتحدث أنفسنا نتحدث فى صميم الزكاة وفى صميم الربا إذا ولجنا الباب الطبيعى الذى يثير عدة مشاكل فى الغرب .
فهناك قضية الديون الدولية وهى قضية أساسية تهم العالم كله . أيضاً الحركة التعاونية وهى حركة مهملة من جانبنا بينما هى الصورة المقابلة للشركات الرأسمالية والنظام المؤسس عليها الذى يتيح الاحتكار وما يترتب عليها من مساوئ وأضرار . وهناك حركة الضمان الاجتماعى ودولة الرفاهية Wealthy state>><<وما يتريت على ذلك من أنظمة للنظام الاجتماعى والتأمينات الاجتماعية . هنا يكون المدخل للحديث عن الزكة وتطوير أجهزة الزكاة من حيث مصارفها وهناك أيضاً الكثير من المشاكل الاقتصادية العالمية التى هى فى صميم اهتمامنا ،مثل علاقة الشمال بالجنوب ،ومشكلة البطالة ،ليس فقط الطاقة البترولية ولكن الطاقة الشمسية وطاقة الفحم وغير ذلك من أنواع الطاقة المختلفة . وهناك قضية التعريفة الجمركية والاتفاقية التى تختص بال<<G. A . T>>وهى البوتقة التى تم فيها تحديد أسعار المواد الأولية فى العالم التى تنهب من خلالها ثروات العالم الثالث نتيجة فرض أسعار متجنية للمواد الأولية .
ما أ كل ما يطرأ على العالم من مجاعات وجفاف وكوارث وغير ذلك . يعد فى صميم اهتمامات الإسلام ويجب بالتالى أن يكون فى صميم اهتمام المسلمين أو الداعين إلى الإسلام .
وفى المجال السياسي نجد قضية تصفية الدكتاتورية وإشاعة الشورى فى نظم الحكم وهى قضية أساسية نادوا بها بعد الحرب العالمية الثانية على أساس مقولتهم أن هذه الحرب قامت بدافع من النم الشمولية الدكتاتورية – هذه مقولتهم ولكن أفعالهم تنافى ذلك . حيث نجد أكبر الدول الديمقراطية تؤيد الدول الشمولية والدكتاتورية الموجودة فى العالم . وهذه قضية مفصلية يلزمنا أن نعزف على أوتارها وأن نتدخل فيها بمناسبة وبغير مناسبة لأن خصمنا لا يستطيع أن يدافع عن الديكتاتورية وهذه نقطة ضعف يجب أن نستغلها .
ثم هناك القضية الكبرى وهى قضية حقوق الإنسان – ليس بالمداخل التى دعت إليها المنظمات الدولية ،وإن كانت مداخل يمكن أن تفتح أمامنا الحديث فى هذه القضية ويجب أن نستغلها ،ولكن بمداخل جديدة نطرح فيها رؤيتنا لحقوق الإنسان وواجبات الإنسان وما يلزم من نقل هذه الحقوق والواجبات لتصبح واقعاً حقيقياً ،لا لتبقى شعاراً جميلاً تزخف به الدساتير والإعلانات الداخلية والدولية .
وأخيراً فى مجال استعمال القوة لحل المنازعات الدولية هناك عدة مداخل يلزم أن نهتم بها مثل موضوع الدفاع الشرعى وفى المشكلة الأخيرة لحرب الخليج كان هذا هو الاهتمام الرئيسى لكل التدخلات التى حدثت ، فالدفاع الشرعى الفردى والجماعى هو ما تبقى لنا من القانون الدولى العام بصورته القديمة قبل أن تطرأ عليه أنظمة هيئة الأمم المتحدة . وهناك أيضاً تعاريف الإرهاب الدولى ،فالقضية أو المشكلة الرئيسية التى وقفوا أمامها حيارى أنهم يريدون محاربة الإرهاب ،ولكنهم لا يستطيعون تعريفه لأن أى تعريف سوف يدخل صوراً لا يريدون محاربتها . وهناك مجال كبير للحديث عن الإرهاب الذى تقوم به الدول والحكومات وليس فقط الإرهاب الذى تقوم به مجموعة من الأفراد هم غالباً من ضحايا الإرهاب الذى تقوم به الدول والحكومات وهناك قضية تصفية الاستعمار التى أطلقوا شعارها بعد الحرب العالمية الثانية ،وهاك مبدأ حل المشاكل بالطرق السليمة .
وكل هذا يجب أن يكون للإسلام فيه كلام كثير . كما أن هناك قضية نزع السلاح ،تحديد وتحريم الأسلحة الجماعية ومعاهدات جنيف . فكل هذه قضايا جوهرية تشغل العالم ليلاً نهاراً والإسلام والمسلمون فى الصميم من هذه القضايا ؛لأنها موجهة أصلاُ لتحجيم الإسلام والمسلمين ،ولأن الإسلام له رأى فى كل هذه القضايا . وقد آن الأوان
لأن نعيد النظر فى التقسيمات التقليدية التى مازال كثير منا يرددها عن تقسيم العالم إلى دار إسلام ودار حرب وما يترتب على هذا التقسيم من أحكام ،فى الوقت الذى أصبح للعالم فيه قرية صغيرة كما قلت ،وأصبحت هناك من وسائل الاتصال ما يزيل هذه الحدود ،ويلزمنا – رؤية جديدة – أن ننطلق لمعالجة هذه القضايا التى ينشغل بها وأن تكون مدخلنا لتبليغ رأى الإسلام فيها .
حتى يكون لنا وجه مكان وحتى يكون لنا شهود . فالله أمرنا أن نؤدى أمانته .
آمل أن لا يكون قد أطلت وأن أستمع إلى آرائكم القيمة لبلورة هذا الموضوع الذى أظنه موضوعاً هاماً ، والسلام عليكم ورحمة الله بركاته .
أ . د . محمود حمدى زقزوق :
الشكر الجزيل للأخ الأستاذ الدكتور جمال عطية على هذا الغرض الطيب لهذا الموضوع الحيوى الذى أشرت إلى أنه له أبعاد كثيرة . فقد اتضح من خلال العرض أن أبعاد كثيرة . فقد اتضح من خلال العرض أن أبعاد هذا الموضوع متعددة فردية واجتماعية ،ولها آثار سياسية واقتصادية ودولية إلى آخره ،وهى قضية المسلمين الأولى والأخيرة .
لقد استطاع الأخ الأستاذ الدكتور جمال عطية أن يضع لمسات أو معالم طريق فى هذه النقاط المحددة التى ذكرها والتى ستدور المناقشات حولها ،ولاشك أن المناقشات ستثرى هذا الموضوع . وكما نعلم جميعاً فإن هذه ليست محاضرة بالمعنى التقليدى وإنما هو حلقة نقاش تدور حولها الآراء ،حتى يمكن أن نخرج من حصيلة هذا النقاش بوجهات نظر محددة نستطيع أن نستفيد منها فى هذه القضية الحيوية .
ونبدأ بفتح النقاش ،بحديث فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الغزالى ليعقب على ما عرض الأستاذ الدكتور جمال عطية فليتفضل مشكوراً .
الشيخ محمد الغزالى :
بسم الله الرحمن الرحيم .. أعتقد أن الآفاق التى تطرق إليها الدكتور جمال تستغرق مساحات زمنية عريضة حتى يمكن أن نتحدث فيها لأنه تناول جميع القضايا الإسلامية تقريباً ،ولا أكتمكم أننى أول ما سمعت تعبير عرض معاصر للإسلام ورد فى خاطرى سؤال : هل هناك عرض غابر وعرض معاصر ،إن الإسلام واحد وعرضه لا يتغير . ولكن بعد ما سمعت أدركت المراد . بل قبل أن يختم د . جمال حديثه كان عندى تفكير يجعلنى أدرك أن الإسلام لا بد من أن يعرض عرضاً مناسباً لعصرنا هذا . وقر فى نفسى من قديم أن الإسلام أو أن القرآن الكريم يضارع الكون ،الكون كله . وقد نشأ هذا المعنى فى نفسى من عدة آيات أقسم الله فيها على عظمة القرآن وعظمة الكون (فَلا أقسِمُ بمَوِاقِع النٌجٌوم وَإنُه لقَسَمُ لو تَعلمُونَ عَظِيُم إنٌهُ لَقٌرآنُ كَريٍم فى ِكتاٍب مَكُنونٍ )و (فَلَا أقسِمُ بِمَا تُبصِرُون وَمَا لَا تُبصِرونَ إِنُه لَقَول َرسُوٍل َكرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوِل شَاعر) (ولَا أقُسِمُ بِالخُنُس الجَوارِ الكُنٌسِ وَاللُيلِ إذَا عَسعَسَ وَالصُبحِ إذَا تنُفسَ إنٌهُ لَقوَلُ رَسٌولِ كِريمٍ ذِى قوٌةٍ عِندَ ذِى العَرشِ مَكِين ) .
ومعنى هذا أن الله يقسم بعظمة الكون المحسوس على عظمة الكون المعنوى الذى تمثل فى كتابه العزيز . والكون المحسوس الذى نعيش فيه كانت معرفته محدودة فى الأزمنة الأولى ،أما الآن فإن الكون المحسوس الذى نعيش فيه قد اتسعت آفاقه واتسعت دراساته ،ولابد فى الوقت نفسه إذا أردنا أن نقدم القرآن المضارع له أن تتسع نظرتنا فيه وأن نتعرف على أبعاده دون مساس بالحقيقة اللغوية ،ودون خروج على المعنى الذى لابد من إدراكه . القرآن تحدث عن الإنسان ،بل لا أظن أن العهد القديم أو العهد الجديد تحدث أحداهما عن الإنسان وهو أخطر عنصر فى الكون كما تحدث القرآن الكريم .
إن شخصاً مثل العقاد يقول أن التفكير فريضة إسلامية ؛لأنه وجد أن الكتاب فعلاً يوحى بالفكر ويبعث على التأمل ويصل إلى الإيمان عن طريق المعرفة وعن طريق تحريك العقل . فإذا كنت فى هذا العصر سأعرض الإسلام عرضاً جديداً ،فليكن هذا العرض مناسباً لاتساع الدراسات الإسلامية فى عصرنا . إن هناك علم للنفس وعلم للاجتماع وعلم للأخلاق وعلم للتاريخ وعلم للجمال وعلم للتغذية والعلوم كثيرة جداً ،ولا يجب أن نعرض الإسلام عرضاً ضيقاً لأن الإنسان فقط – وهو عنصر الكون – أخذ علوم إنسانية كثيرة ثم اتسعت المعارف عن الكون نفسه فى الكيمياء والفيزياء والأحياء والجولوجيا والفلك وما إلى ذلك . فكوننا نقف فى فهمنا للقرآن الكريم فى حدود الفهم الضيق الذى انحصر فيه الكثير من المفسرين ،فهذا لا يجوز ..ولا أظن أن فى القرآن شئ من هذا .
إننى عندما أفكر أحياناً فى عصر نزول القرآن الكريم أجد أن هذا العصر وهو عصر انطلاق العقل وعصر البحث الكونى ،والإسلام قائم على هذا . ربما كانت هذه المعانى فى العصور الأولى محدودة أو كانت بدعة خرج الإسلام بها على الناس ،ولكن الآن أصبحت هذه بعد تقدم العقل الإنسانى شيئاً مألوفاً .
إذن على المتدينين أو على المسلمين أو على من يقدمون الدين أن يقدموه على أساس أن الكون حق والوعى غطاءه وأن الفطرة الإنسانية هى الإسلام فالإنسان والوحى شئ واحد فى الحقيقة ،لكن يحدث الخطأ من سوء عرضنا للوحى أو من فهم بعض الناس للإنسان . والتدين الحقيقى يجب أن يعرض أيضاً على أنه لا توجد أديان إنما هو دين واحد هو الإسلام دين طبيعى . الله خلق الكون ورزق الناس ،فمن حق الله أن يعرف ومن حقه أن يشكر . بديهياً الكائنات كلها تخضع لله (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السموات والأرض طوعاً وكرها وإليه يرجون ) يجب أن يكون الدين هو الخضوع لله . موسى وعيسى هم أساتذة فى المدرسة التى يعتبر محمد ناظراً لها أو كبير المدرسين فيها فالجميع يعلمون لمبدأ واحد وينتهون إلى غاية واحدة ، ولايمكن اعتبار موسى يهودياً بمعنى أنه كان يدعو لدين اسمه اليهودية ،أو عيسى نصرانيا يدعون لدين اسمه النصرانية . بل إن كليهما مسلم وكليهما لو وجد فى أيام محمد ما كان إلا تابعاً له مؤيداً له أو وزير مشاركاً له ويجب أن يعرض الإسلام على هذا النحو فى عصرنا حتى نعرف الحقيقة الكاملة .
فاختلاف الأديان شئ لابد منه فى فهم عالمية الإسلام . الإسلام دين للنفس ودين للمجتمع ودين للدولة وأنا بالإسلام أكون فى الكون لا خارجاً عنه ؛ولكن الذين دعوا إلى الإسلام فى الحقيقة أصحاب عقول محدودة ووددت لو أغلب الدعاة اشتغل إسكافياً أو خلاقاً أو أى مهنة أخرى بعيدة عن الدعوة الإسلامية حتى لا يوجعون قلوبنا . فهناك أناس تكلموا فى الإسلام ولا يصلحون إلا ليكونوا ((إسكافية)). وقد قلت : إنه يوم أن يشتغل بالفتوى جزار فإنه يبحث عن ضحية . قلت هذا وهو صحيح . ويوم أن يفسر قوله تعالى :
(قاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) ويقول إن الآية منسوخة ،فإنه يكون قاطع طريق . إننا نختار لبعض الوظائف الصغيرة أو المحدودة أناس لهم وجاهة ولهم عقول ،بينما لا نختار لمهمة الدعوة بهذا الشكل .
كما لا يجب أن يعرض الإسلام من بعض أجزائه فقط .. فالإسلام ((دكان كبير))من يريد ((سكرا))يأخذ ومن يريد ((فلفلا))يأخذ ولكن لا يجب أن يصبح لدينا حزب للسكر وحزب للفلفل فلا يمكن قبول هذا الآن . بعض الناس أراد أن يتصور الإسلام على أنه النقاب للمرأة وعى أنه تحريم الغناء ،وهذه صورة جزئية لا تساوى شيئاً ،يريدون أن يطلقوها على حقيقة عامة فى الوقت الذى نسوا قارئ القرآن الكريم بيقين ،وهى أن هذا القرآن كون من المعانى تناول كل شئ وأصبح الإنسان فيه يرى نفسه ويرى كونه ،ومن خلالها يعبد ربه ولا يجب عزل القرآن عن الكون أو عزل القرآن عن النفس البشرية أو الفطرة .
إننى أرى – وقد أكون مخطئاً – أن الأوربيين أقرب إلى الإسلام منا والسبب أنهم أقرب إلى الفطرة منا . نحن قوم مولعون بالتعقيد وبالتكليف ،ولدينا حتى فى تقاليد الأفراح والأحزان الكثير من صور التكليف ،فبدلاً من أن نقول ماذا نصنع لكى نريح الناس ،نقول ماذا سيقول عنا الناس . وما فى القرآن غير ذلك تماماً ؛لقد جاءت فى القرآن صور مطلقة أمكن للزمن أن يفسرها . افترض أن الإسلام أتى لنا بآيتين فقط عن الشورى مع حديث القرآن العام عن المجتمع الإنسانى دولياً ومحلياً ،أن أمنع الاستبداد السياسى ،وأمنع أى شخص من الأدعاء بأنه صاحب عقل لا نظير له والناس كلها ليس لها عقول ،وأمنع ما استقر فى العالم الإسلامى من أن تاريخ ال((1400))سنة مقسم على أربع أسر وهى الأموية والعباسية والفاطمية والعثمانية .
محمد برئ من هذا كله أكاذيب مختلفة منطباع البشر الرديئة أضافوها إلى الإسلام ،والإسلام برئ منها . ومن هنا تصورت أن الأوربيون ربما يكونوا أقرب منا إلى الفطرة الإسلامية ؛لأننا معقدون ولأننا نظرنا إلى الإسلام من خلال منظار أسود داكن . على كل حال لقت قلت كلاماً عاماً ،وكنت لا أريد أن أتحدث .. أشكركم ووفقكم الله .
د . عبد الصبور مرزوق :
بسم الله الرحمن الرحيم .. إننى أشعر بنعمة التوفيق إلا لا حدود لها أن شيخنا وصديقنا الجليل الشيخ الغزالى يلقى هذه العبارة الخطيرة ((إن هذا العصر الذى نحن فيه هو أولى العصور بنزول القرآن لأن هذا العصر نبهت معطياته العملية وما حدث فيه من ثورة للعلوم أيضاً وأهمية الإشارات العملية التى وردت فى القرآن الكريم منذ 14 قرناً ،إلى ضرورة الاهتمام أولاً بفقه الله فى الكون لتكون مقدمة لصحة أو لحسن فهم آيات الله فى القرآن .
سيدنا جبريل علر رسول الله – صلى اله عليه وسلم – فى حراء وقال له اقرأ كررها مرتين وكان الأمر الأول والأسبق هو الأمر بالقراءة فى كتاب الكون وليس الأمر بالقراءة فى مصحف (اقرأ باسم ربك الذى خلق خلق الإنسان من علق). ثم الأمر الثانى بالقراءة فى الكلمة المستورة أى عن ما هو غيب ،ما نستطيع أن تفهمه فى الكون . فنحن نعلمك إياه ونغنيك عن البحث فيه . إذن نحن كما قال شيخنا وكما تفضل الأخ الجليل الدكتور جمال فى عرضه مطالبون أولاً أن نتعامل مع الواقع ،مع هذا الكون الذى نحن فيه حتى نستطيع أن نحسن عرض الإسلام للناس . إن الناس يريدون الإسلام الذى يحل لهم مشاكلهم ويكون له رأى فى القضايا التى يعيشونها وبالطبع أنا لا أحاول أن أعيد ما ذكره الأستاذ الدكتور جمال عطية ،لكننى أتساءل وكنت أرجو أن يقف الدكتور جمال أمام هذه النقطة . فكل ما أشار إليه هو من المسلمات التى لا تحتاج إلى أن تناقش حتى لو تصدى لها أعدائها بالنقد أو التشويه فهى حقائق مقضى فى أمرها لصالح الإسلام . لكن من الذين يعرضون هذا على الناس أو من الذين يستطيعون أن يتولوا هذا العرض المعاصر . لقد أشار شيخنا الغزالى إلى أن ثلاثة أرباع الدعاة غير مؤهلين لها رغم أن هؤلاء هم الجنود أو فريق العمل الذين سنعمل من خلالهم . وعندما نأتى إلى واقع المسلمين فى كل نواحيه نجد أنه واقع مهترئ وردئ ولا صلة له بالإسلام . وعندما نأتى لشرائح الحركة الإسلامية أو لتيارات الفكر الإسلامى نجد فيها كثير جداً من التضارب أو ما يشبه التناقض أو معاكسة الخطوط إلى حد التصادم ،فكيف يمكن إذن أن يُعرض الإسلام هذا العرض الرائع وتعرض كل مبادئه وتوجيهاته ؟ ومن الذى يستطيع أن يملك هذا العرض .. من هم ؟ وما هى القوة الضاربة أو القوة التى ستقدم هذا الإسلام للناس بهذا الصفاء وبهذا النقاء وبهذه القوة .
إننى أرى أنه من واجبنا فى هذا الملتقى ومن واجبات المعهد العالمى للفكر الإسلامى أن نحاول الوصول ،أن يكون لدينا على الأقل فى البداية نوع من التنسيق أو التقريب بين مجموعات عمل تستطيع فى النهاية أن تقدم هذا الفكر برؤية شبه متقاربة أو شبه مجمع عليها حتى تحسن عرضه أو تقديمه إلى الناس .
الأمر الذى لم يقف أمامه الدكتور جمال طويلاً هو أوضاعنا السياسية داخل ديار العروبة والإسلام . فبدلاً من أن نعرض الإسلام للناس فى الخارج ،فإنه أولى بنا أن نناقش المعوقات القاتلة الموجودة فى بلاد العرب والمسلمين والتى تحسب على الإسلام ،ويتصور الناس فى الخارج أن هذا هو الإسلام بينما الإسلام حقيقة برئ من العيوب والمعوقات الخطيرة الموجودة فى دياره . ربما نتمكن من عرض الإسلام فى هذه الصورة الجميلة التى عرضها الدكتور جمال عطية ويتقبل الآخرون منا ذلك ،ولكن فى ظل هذا المناخ الردئ العاجز المشحون بالتخلف وبالفرقة ،الذى نعيشه فى هذه الأيام بالذات ،لابد من وضع تصور أو وضع استراتيجية أو وضع خطة ما للتقريب بين المسلمين داخل ديار الإسلام وأعنى بالمسلمين داخل ديار الإسلام وأعنى بالمسلمين الشرائح المتصدية للحركة الإسلامية . وبعد ذلك يكون من الميسور أو من الممكن أن يتقبل الناس منا ما نحب أن نحدثهم عنه .
لقد عرض الدكتور جمال عطية لكل القضايا العالمية التى يمكن أو يجب أن تعرض لأن الناس ينتظرون فيها حلاً إسلامياً ،ولكنه لم يعرض بنفس القدر لقضايانا الداخلية مثل قضايا العدل الاجتماعى وقضايا الشورى والاستبداد السياسى وقضايا الدور الغائب لعلماء الأمة والذى أثبتت الأحداث الأخيرة أنه لم يكن على المستوى المطلوب إطلاقاً ،ولم يملك الحياد الذى ينصف الإسلام ،بل سار فى ركاب الآخرين ومايزال يسير ، ودفع الإسلام – بالذات – فى هذه المحنة أكبر فاتورة خاسرة عند حساب الأرباح والخسائر . لاأريد أن أكون متشائماً . بل إنه من كثرة ما رأينا من السلبيات المحزنة أتمنى لو استطعنا أن نبدأ بتصحيح الأوضاع داخل ديارنا . ولا يمنع هذا من التقدم للخارج ،ولكن من المهم أن نعنى أولاً بتصحيح الأوضاع فى ديارنا .
لقد قال الدكتور جمال عطية أن شمس الإسلام قد تسطع من الغرب ففى ظل الظروف التعسة التى يعيشها مجتمعنا العربى والإسلام المتخلف الأمى الفقير الذى بينه وبين العصر الذى نعيش فيه مئات السنين من الحضارة ،أقول فى هذا العصر قد أحلم بأن تشرق شمس الله من الغرب وأحلم بأن يكون تركيز الأداء الإسلامى والعمل الإسلامى منصباً على المسلمين فى الخارج .
لو استطعنا أن نجعل أمريكا تسلم أو ألمانيا أو أى بلد من البلاد المتقدمة أو المتحضرة التى قال شيخنا الغزالى أنها أقرب إلى الفطرة الإسلامية لكنا قد بذلنا جهداً أكثر جدوى مما نبذله الآن . شكراً والسلام عليكم .
د .أحمد فؤاد باشا :
بسم الله الرحمن الرحيم .. كما تفضل الإخوة الذين تحدثوا قبلى من أساتذتى الأجلاء فإن الموضوع – بالفعل – متشعب ومتعدد الجوانب . وإذا كان الأستاذ الدكتور جمال عطية قد أعطى نماذج لبعض القضايا المعاصرة فى كل فرع من فروع النشاط الإنسانى ،فأنا أتصور أن على المتخصصين أن يتولوا حصر هذه القضايا المعاصرة فى كل علم من العلوم .
لأنهم أدرى من غيرهم بمعرفة الجوانب الفنية الدقيقة فى مجال تخصصهم ،وعرض هذه القضايا المعاصرة ومشاركة الآخرين فى وضع رؤية إسلامية مقبولة ومعقولة بالنسبة لظروف العصر ومتطلباته . وإذا كنا نتكلم عن أننا مطالبون بأن نتعامل مع الواقع ففى رأيى أن هناك فجوة كبيرة بين جهود التنظير فى مجال الدعوة الإسلامية وبين التطبيق الفعلى . فالدعة محاصرون بحيث إنه ليس بإمكانهم أن يؤدوا الرسالة المنوطة بهم ، أما لضيق السبل المهيئة أمامهم ،وإما لضيق السبل المهيئة أمامهم ،وإما لعدم الإعداد الكافى لهم .
لأن داعية العصر الحاضر – فى رأيى – يجب أن يكون ملماً بأمور كثيرة ،وفى مقدمتها الحد الأدنى من الثقافة العلمية المعاصرة السليمة ؛لأن يخاطب مجتمعاً أصبح مفتوحاً على مجتمعات الغرب ،وإن كان مجتمعاً أمياً فى أغلبه ،إلا أنه يسمع من أجهزة الإعلام المختلفة عن قضايا كثيرة وخطيرة أحرزها العلم فى الدول المتقدمة .
لكن للأسف نواجه والحال كما نرى بأن أجهزة الإعلام مفتوحة وتعطى مساحات كبيرة لغير المؤهلين للدعوة لقد قال أستاذنا الفاضل الدكتور عبد الصبور مرزوق أننا إلى جانب اهتمامنا بالمسلمين الناطقين بالعربية فى الدعوة يجب أن نهتم أيضاً بغير الناطقين منهم باللغة العربية ،عند عرض الإسلام لهم ،وهذا جزء مهم نفتقده ويكاد يكون غائباً فى نشاط الدعوة الإسلامية . وفى هذه وعلى سبيل المثال فإن الجريدة الأسبوعية التى تصدرها الأهرام بالإنجليزية ،تنشر مقالاً أسبوعياً عن الإسلام ،وفى أحد المقالات تحدث الكاتب عن أداء العمرة ،وللأسف عرض الموضوع بصورة تسيئ إلى الإسلام والسيرة الإسلامية . فقد ذكر أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولد ومات فى مكة . واستخدام كلمةEscaped للدلالة على الهجرة . وبالطبع فإن الهجرة كانت أبعد ما يكون عن هذا الوصف . وعلى هذا النحو هناك أمور كثيرة تسيئ إلى الدعوة الإسلامية بل وتهدم ما انجزه الآخرون فى سبيل الدعوة الإسلامية . وعندما طلبت من الصفحة الدينية فى الأهرام أن تصحح هذه المغالطات قال أن لا علاقة لنا بما يحدث المغالطات قال أن لا علاقة لنا بما يحدث فى الأهرام الإنجليزى ومن العيب أن ننقد الأهرام فى الأهرام . لذلك نشرت رداً فى جريدة الأزهر فى شهر ذى الحجة عن هذا الموضوع لأنه لم يكن من الممكن السكوت على شئ من هذا القبيل .
وإأذا كان المثال الذى طرحته يمس الجانب الإعلامى فهناك أيضاً الدراسات الأكاديمية فى جامعاتنا . حيث تتسلل من الأقسام المختلفة دراسات تغفل الدور الإسلامى تماماً . وقد تسلل من أقسام تنتسب إلى الإسلام مثل أقسام الفلسفة .
وقد عثرت – صدفة – على رسالة نوقشت قريباً حول الفلك ومشكلاته المنهجية تقع فى أكثر من 500 صفحة ،منها مائة صفحة عن تاريخ علم الفلك رغم أن علم الفلك يحتل مساحة كبيرة فى حضارتنا .
والرسالة كل مراجعها لا تتعدى 20 مرجعاً من مراجع الدرجة الثالثة والرابعة وحصل بها الباحث على درجة الدكتوراه وأصبح صورة مكررة من أستاذه ،وعبئاً على العلم ؛ حيث يبث الأفكار العلمانية بين تلاميذه واستقطاب الكثيرين منهم .
وعندما نتحدث عن دور الإسلام الحضارى لا بد من الإشارة إلى أن العليم وأجهزة التعليم و نظم التعليم بعيدة كل البعد عن الدعوة الإسلامية . فالتربية الإسلامية تدرس كمقررات هامشية . وأبسط الأمثلة أن أساتذة الفيزياء – وأنا منهم – لازلنا نكرر أخطاء من سبقونا ونقول أن المادة لا تنفى ولا تستحدث . ولا زال البعض مصراً على أن ندرس هذه المقولة لأبنائنا . وقد جاءنى ابنى يسألنى هل أكتب هذا فى الامتحان ؟ قلت له : اكتبها كما هى واردة فى الكتاب وإلا لن تأخذ عليها الدرجة .
وهذا مثال لحال التمزق التى نعيشها بين ما نقتنع به وبين الواقع المؤلم الذى فرض علينا أن نتعامل معه . وهذه الصورة السريعة تعكس الفجوة بين حركة التنظير وبين حركة التطبيق ،والعزلة المفروضة على الدعاة فى مواجهة السيل الذى يملأ الساحة من غير المؤهلين .
هناك قضايا علمية معاصرة أعتقد أن الإسلام هو الدين الوحيد المهيأ فى هذا العصر لتقديم حلول وإجابات شافية لها .
فهم يتكلمون حالياً عن الذكاء الاصطناعى ويطرحون مصطلحات مثيرة وجذابة ،ويتكلمون عن احتمال التوصل إلى جهاز قادر على التفكير ورد الفعل … الخ .
ما موقف الإسلام من هذه الرؤية ؟ وكيف نعد أبنائنا لتقبل مثل هذه الأفكار ؟
وفى الهندسة الوراثية يتحدثون عن الاستنساخ وقد نجحوا فى استنساخ نبات من خلية نباتية وليس من جذره ، ويحاولون أن يفعلوا نفس الشئ بالنسبة للحيوان .
فكيف نعد العقلية الإسلامية لتقبل مخترعات العلم ؟ وإلى مدى أى مدى نسير معهم فى هذا الاتجاه ؟ وإذا كنا مطالبين فى بند من البنود باستخدام القوة فأى أنواع القوة مباحة لنا وأى الأنواع غير مباحة وأى أنواع المعاهد نفتحها لأبنائها ليمارسوا هذا البحث ؟
هناك أيضاً أنواع كثيرة من الكيماويات وأنواع كثيرة من الأجهزة المدمرة ..
ما موقف الإسلام من كل هذا ؟ ففى هذا العصر ومعطياته يروج البعض لفكرة أن الفضاء هو الموطن الطبيعى للبشر وليس الأرض . ويتنافسون فى السباق للوصول إلى الكواكب المختلفة ونحو ننظر ولا نتكلم . ما موقفنا وما رأى الدين الإسلامى فى هذا وهى الرؤية المتكاملة التى يجب أن نوفرها لأجيالنا وللأجيال القادمة لكى نكون على وعى تام بمكانتنا الحقيقية وعلاقتنا بهذا الكون وعلاقتنا بخالق الكون سبحانه وتعالى .
إن علينا الكثير لكى نتدبر فقه العلم فى الإسلام برؤية معاصرة ،عسى أن يكون هذا سبيلاً للتعايش مع ظروف العصر وشكراً .
د . على جمعة :
بسم الله الرحمن الرحيم .. الواقع أننى عندما استمعت لحديث د . جمال عطية تذكرت أننى سمعت هذا الكلام من قبل .
فعدت بذاكرتى فإذا بى سمعت منه عشر سنوات أو أكثر من خلال مجلة المسلم المعاصر ،فكأنه هو هو . لذلك أرجو من الدكتور جمال عطية عند التعقيب أن يبين لنا خبرته مع هذه الموضوعات من خلال مجلة المسلم المعاصر وإلى أين وصلنا فيها .
إننى أعتقد أن القضية المحورية التى تحدث عنها الدكتور جمال عطية توصيل الإسلام من مداخل مختلفة
إلى البشر وأن هذه المداخل هى مداخل معاصرة . وأنا أرى أن الداعية إذا تقمصنا شخصيته لتوصيل هذه الأشياء للناس فإنه يحتاج إلى الأحكام الشرعية ،لأن مفهوم الإسلام فى ذهنى هو مجموعة من الأحكام الشرعية افعل ولا تفعل . والحكم الشرعى متعلق بفعل المكلف . فالله سبحانه وتعالى يأمرنا بأن نفعل ويأمرنا بألا نفعل فى مساحات مختلفة من الحرام الواجب إلى آخره . فما هو الحكم الفقهى لهذه القضايا التى أثيرت ، ينبغى علينا أن تكون تحت أيدينا أبحاث على جميع المستويات عن هذه القضايا فتوجه المجامع الفقهية بدلاً من أن تعالج قضية الهلال وقضية الصلاة وقضية الوضوء لتعالج مثل هذه الأشياء وتبدى فيها الحكم الفقهى الصحيح حتى يكون تحت يدى الداعية من ناحية ،وحتى يكون هناك توحد بين الدعاة حول هذه القضية ، خاصة أن هذه الأمور قد تحتاج لمتابعة فقهية مستمرة نظراً للتغير المستمر الذى يطرأ عليها . فنزع السلاح قد يكون لمصلحة المسلمين فى وقت ما وقد يكون ضاراً للمسلمين فى وقت آخر ،ولذلك لابد من ضوابط تكون تحت يد الداعية يستطيع بها أن يتكلم فى المحافل الدولية ويحدد بها متى يقول نعم نحن موافقون على نزع السلاح ،ومتى يقول لا . وكذلك الأمر فى مسألة البيئة وتقدر أضرارها .
فالحقيقة أن ذهن الداعية أصبح مشوشاً .. بحيث إنه لا يتطيع أن يقف ويقول نعم نؤيد نزع السلاح أو لا نؤيده وكذلك الأمر فى قضية تلوث البيئة .. فعلى سبيل المثال هل نقول السيارة حرام لأنها تحدث عادماً يلوث البيئة أم نقول إن هذه مسؤولية صاحب السيارة الذى لم يصلح مدخنة السيارة . وأعتقد أنه من المفيد إثارة مثل هذه القضايا فى البحوث الجامعية وحبذا لو كان لدينا رسالة علمية عن حكم الشرعية فيها حتى الشرعية فيها يتخذ منها الداعية مرجعاً له . كما يمكن إثارة هذه القضايا من خلال المستويات المختلفة للخطاب . إذا نستطيع أن نثيرها على صفحات المجلات التى تخاطب الجمهور مثل ((منبر إلإسلام))وغيرها . فبدلاً من أن تتحدث هذه المجلات عن دروس الهجرة فى كل عام ،يمكن أن تتحدث عن هذه القضايا وتعطى فيها أحكاماً وآراء ووجهات نظر مختلفة وناضجة . هذا بالإضافة إلى إثارتها فى مراكز الدعوة والبحوث فى الخارج .. إلى آخر هذه المستويات المختلفة التى يمكن أن نفجر من خلالها هذه القضايا على مستويات واسعة عامة وخاصة ، علمية ودعوية وجماهيرية ،حتى إذا ما طالبنا الداعية بأن يتحدث فيها وجد عنده مادة من الأحكام الشرعية التى توضح هذه الأمور . إذا أن بعض هذه القضايا قد لا يفقهها الداعية ولا نستطيع أن نكلفه بدراستها دراسة دقيقة متأنية لأنه ليس هناك وقت لملاحقة كل هذه الأمور وشكراً .
د . محمد عبد الهادى أبو ريدة :
بسم الله الرحمن الرحيم ..
لقد استمعت إلى كل ما قاله الأستاذ الدكتور جمال عطية ودونت نقاط لنفسى على أساس أننا نتحدث الآن ن تخاطر ملاحظات يحتاج الإنسان إلى مدة أطول لكى يفكر فيها كلها .
وأعتقد أن الموضوعات التى أشار إليها الدكتور جمال عطية مطروحة للكتابة وللتنفيذ على أساس المبدأ الأساسى الذى نتحدث عنه فى أول الأمر وهو البساطة فى العرض مع مراعاة الوقائع الملموسة التى يعيش فيها الإنسان المعاصر . والواقع أنى أثناء حديثه كنت أشعر بالحاجة التى تعيين وتحديث المخاطب ،أى من الناس سنخاطب ونعرض الإسلام عليهم . إذا كان المقصود عرض الإسلام على المسلمين فى داخل بلادهم بواسطة العلماء ،فإنى أشعر – على مستوى مساجد القاهرة على الأقل – أن الإمام أصبح على دراسة أو بعبارة أدق على درجة كبيرة من الوعى وإدراك الأوضاع التى يعيشها الإنسان المسلم ،بل إن بعضهم يقرأ فى العلم إلى درجة أن أحدهم كان يفسر الطواف حول الكعبة فى الحج على أنه سنة كونية عامة ،على أساس أن كل شئ يطوف أو يجول .
وإن كان البعض يعتبر هذا شئ بعيد عن الواقع .. إلا أن الله وضع مبدأ عام وهو أنك (لا ترى فى خلق الرحمن من تفاوت )وهذا يحتاج إلى تفسير على نطاق جزئى ،على أساس أنه ليس هناك تنافر وإنما هناك انسجام وقوانين كونية عامة . فحتى المجرات الضخمة تدور حول نفسها ،والمجرة التى نحن فيها (المجرة اللبنية أو التى يسمونها درب اللبانة ) تدور حول نفسها . والعالم كله فى حالة دوران فهناك ما يدور فى 24 ساعة ،وما يدور فى 284 سنة مثل ((أورانسوس))فى دورانه حول الشمس .
أعود فأقول إن خطيب المسجد مؤهل جداً بطريقته وبأسلوبه وبلغته السليمة القوية وإلمامه بالمشكلات حتى إنه أحياناً يتناول المشكلات اليومية للناس ،وهذا واقع أراه بنفسى . ورغم هذا فإن الحاجة لا تزال ماسة إلى الشخص المؤهل لخطاب طائفتين من الناس ،طائفة الجاحدين أو الذين لا يريدون الدين ويقولون صراحة إنهم علمانيون . وقد قرأت مقالاً قريباً للدكتور أحمد حجازى عبد الناصر يشرح فيه ويدافع عن رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ وقد وجدت أن هذا الدفاع غير كاف وغير منطقى ،ولا أعرف حقيقة نية الكاتب من الأستاذ نجيب محفوظ . فقد كنت أنا ونجيب محفوظ زملاء دفعة واحدة فى الدراسة وتخرجنا معاً . ومن الكتب الحديثة التى قرأتها مؤخراً دراسة عن اتجاهات الأدب الحديث فى الغرب لفنيس كرود ،فالقلم يقتل الأديب والمفكر والإيمان . وقد تحدث الكتاب عن طائفة من المفكرين والأدباء منهم علماء بالدين أو يريدون أن يكونوا علماء بالدين رغم أنهم ليسوا متخصصين فيه . وفى الحقيقة أن الدين الإسلامى ليس سهلاً لكل واحد أن يتكلم فيه ويعتبر نفسه مفتياً . ويقول الكاتب لقد وجدت أنه لابد من الفصل الصالح بين الدين والدولة ،لماذا نفصل الدين عن الدولة .. هل من أجل رواية خيالية – أنا لا أريد أن أفسر كثيراً – لأننى حزين لما وصلت إليه أوضاع مصر الثقافية والعلمية والجماعية إلى درجة تفوق كل تصور . لقد اعتبر الذين كتبوا عن نجيب محفوظ أن هذه الرواية بالذات ((أولاد حارتنا))رمز لإعلان انتهاء الدين حتى إن قرار الأكاديمية الالسويدية به عبارات قرأتها بالغة الإنجليزية عن أدب نجيب محفوظ تؤكد ذلك .
فى مشكلة الشباب فأنا والله مشغول جداً فى أعمال علمية وفى الوقت نفسه شاهدت بعض احتفالات الشباب فو وسائل الإعلام ،ورأيت شباب مصرى مراهق يلتفون حول مغنى واحد وفى حالة من الضوضاء الشديدة – حتى تخيلت أننا نعيش فى عالم غير العالم وسألت نفسى : إن التوجيه السليم ليس فى الصحافة أو فى الإذاعة أو فى التيلفزيون فقط ؟ أين التوجيه الكافى للشباب أو للإنسان المسلم ؟ ففيما عدا البدايات البسيطة التى يتعلمها فى الدين فى المدرسة ولا تقدم له بطريقة يستطيع فن يهضمها . ولكن يُختار له أحياناً آيات من أصعب ما يكون بدلاً من الآيات التى أشار إليها مولانا الإمام الغزالى وهى الخاصية بالأشياء الكونية والأخلاقية والاجتماعية والإنسانية ولها أهمية كبيرة فى التكوين الأساسى . ولكن بعد ذلك نأتى للشباب بالضجة التى تعيشها المجتمعات الحديثة كلها ونتركهم فى غفلة من حقائق الإيمان الكبرى ،ونشغلهم إما بالتسلية وإما بالكسب من أجل الحياة المعاصرة . المهم أننى أتمنى أن أرى الأشياء التى نتحدث فيها وقد نفذت وأقصد بها كل الموضعات التى طرحها د . جمال عطية مثل التكافل الاجتماعى … الخ .
إن ما يشغلنى حالياً وبصراحة هو القرآن الكريم . حيث أبحث فيه منذ أربع سنوات ولا أخفى عليكم أنى قد كتبت لمؤتمر القمة الإسلامى المقبل شيئاً عن القرآن الكريم ومضمونه . وهم بالطبع سيعرضوا ما كتبته بالطريقة التى تناسب المؤتمر المقبل . ومع هذا مازلت مشغولاً بالقرآن . خاصة الترجمات الأخيرة التى ظهرت . وأظن أنكم سمعتم فى التيلفزيون أو الإذاعة عن كتاب مستر ((جاك دارك))وهذا رجل أعرفه شخصياً معرفة جيدة جداً ورأيته أكثر من مرة ،ورأيته فى الشتاء الماضى عندما زار القاهرة وألقى محاضرة فى المعهد الفرنسى ولكن لم أتمكن من حضورها ،وعرفت ممن حضروها أنه ناقش الآية الكريمة ((لكل أجل كتاب))وطرح سؤال : لماذا لكل أجل كتاب . وكان بالطبع يقصد ما يقصده أى كاتب غربى وهو يكتب عن القرآن . لكننى مندهش كيف يصدر هذا الكلام عن أصول تعتبر نفسها منتمية إلى عالم شديد العقلانية يتعمق فى البحث ،ويحتاط فى الحكم بحيث لا يصدر حكماً إلا بعد أن يُدرس . وقد أحضرت الكتاب الأصلى لجاك دارك وأدرسه حالياً ؛ لأننى لازلت مندهشاً وأقول كيف يصدر هذا الكلام عن مفكر غربى وكيف يتخيل هكذا تخيلات غير حقيقية . المهم أننى لازلت أدرس هذا بالاشتراك مع بعض أبنائى وأرجو إن شاء الله أن أعلق على ترجمته وترجمتين أخريتين إحداهما : الترجمة القديمة التى قدمها برواجان للقرآت الكريم ،والترجمة الحديثة التى قدمها شخص اسمه رينيه . فهم يريدون أن يقدموا القرآن بطريقتهم وبدون مقدمات .
على كل حال نرجو من الله أن يوفقنا وأنا بإذن الله عاكف هلى هذا العمل حافظاً للقرآن وسأرى الترجمات وأكتب عنها بالعربية وإن شاء الله يكتب عنها آخرون بالإنجليزية والفرنسية إن شاء الله ،وشكراً .
أ . عبد الحليم محمد أحمد :
بسم الله الرحمن الرحيم .. أعتقد أن النقاط التى استمعت إليها كفيلة بتحقيق خطوة ونقلة كبيرة جداً فى مجال الدعوة الإسلامية . ونها أن وسائل الدعوة تتنوع بتنوع الدعوة نفسها وبتنوع المدعوين .
ولكنة فهمت أن المقصود بالمدعوين غير المسلمين أو العالم الخارجى . ونحن نعلم أن معظم الوسائل تؤدى فعلاً دوراً جيداَ جداً بالنسبة للعالم الخارجى . ولكن كما ذكر الشيخ الغزالى والدكتور عبد الصبور مرزوق هناك معوقات كثيرة أمام الدعوة لغير المسلمين . مثل واقع العالم الإسلامى الذى لازال محل كلام نظرى . كما أن كل رسالة موجهة للدعوة تتعرض لتشويش كبير جداً .
إن إقامة مجتمع مسلم جيد وصحيح يحتاج إلى وقت طويل ،فلا أقل من أن تتجه تجمعات إسلامية سواء فى الغرب أو فى منطقة العالم الإسلامى إلى إيجاد نوع من التجمع المحدود فى قرية صغيرة أو عمارة أو مركز إسلامى فى منطقة ما يحاول إيجاد تطبيق جيد لكل القيم الإسلامية التى ذكرت حتى يعتمد الدعاة دائماً على حقيقة الإسلام إذا كان الكلام موجهاً أو الدعوة موجهة للمسلمين فأعتقد أنه مبحث كبير جداً .
لقد استوقفنى من حديث الأخ الدكتور إشارته إلى إمكانية تصدى حزب الخضر لعلاج مشكلة تلوث البيئة وخطر لى أن لدينا قبل تلوث البيئة وبعدها ((تلوث العقول)). فإذا كان حزب الخضر يمكن أن يتعرض لعلاج تلوث البيئة كأنه فرع من كثير من المشكلات العقلية . أما نحن وإذا كان التوجيه لدعوة المسلمين فنحن محتاجون لحزب آخر يطلق عليه ((حزب البيض))لمحاولة علاج مشكلة تلوث العقول ، وشكراً .
أ . سعيد حسن :
دواعى السرور أن يتاح لى النقاش مع من هم فى منزلة أساتذتى وأساتذة جيلى .
الفكرة الأساسية التى كانت فى ذهنى وأنا أستمع إلى أساتذتى الكرام هى : عندما نتحدث عن عرض الإسلام المعاصر وعندما نقول إنه لابد فى عرض الإسلام المعاصر أن يكون عالمياً فإن السؤال الذى يطرح
نفسه هو : لماذا يكون عالمياً ؟ ولمن الدعوة ولمن عرض الإسلام ؟
ففى تصورى أن أساتذتى متغقون على أن عملية عرض الإسلام فى هذه الظروف سواء فى النطاق المحلى أو فى النطاق العالمى ليس دراسة فى غرفة مغلقة لمجموعة من العلماء والمفكرين .. إنما هى عملية معقدة لها ظروفها المركبة . ولعل الأستاذ الكريم قد أشار لها عندما قال أننا بحاجة إلى حزب لمحاربة تلوث العقول . فهناك عملية تسميم تمارس بعدوانية شديدة على النطاق العالمى والنطاق المحلى أو وقد تعرض لها الكثيرون
ولعل أحد الأمثلة ولعله ليس أهمها ما كتبه ((إدوارد سعيد))فى كتابه ((تغطية الإسلام)).
وما كتبه آخرون أيضاً . ففى تصورى عند الحديث عن عرض معاصر للإسلام ،يجب أن يتم التعرض لاستراتيجية الدعوة ،التى تحدد المقصود بالمخاطبة والمقصود بالعرض .
وهذه قضية أساسية ،والتى تحدد أيضاً الأهداف المطلوبة محلياً على نطاق ديار المسلمين الذين نشير إليهم بالعرب ،وفى نطاق ديار المسلمين غير العرب ،وفى نطاق العالم كله . وبغض النظر عن المستهدف وأغراض هذه الدعوة فمما لا شك فيه أن هناك نوع من التكامل فى مستهدفات الدعوة محلياً أو عالمياً . وحديثى عن ذلك ليس دعوة لغض النظر عن ضرورة التصدى للدعوة على النظام العالمى ككل وإنما هو دعوة لتحديد مستهدفات علمية الدعوة نظرياً ومستدهدفاتها علمياً حتى يصبح الحديث عن ذلك قادراً على أن يحقق الهدف . أكتفى بذلك ،وشكراً .
عبد الوهاب المسيرى :
إننى سعيد للغاية بحضورى هذا الملتقى الإسلامى بالقاهرة على أمل أن نحاول وضع تصور لقضية فى غاية الأهمية وهى : الدعوة فى هذا العصر . فالدعوة مسألة ثابتة وتمثل جزءاً من الفريضة الإسلامية وبالتالى فهى ليست زمنية .. لكى تطبيقها الآن فى هذا العصر بكل مقاييسه وقيمه ومشاكله هى القضية الأساسية وأعتقد أن الدكتور جمال وفق كثيراً فى عرض بانوراما شاملة للغاية تغطى إن لم يكن كل فعلى الأقل معظم الاحتمالات بحيث يكون معروفاً لدينا المجلات التى نتحرك فيها .
القضية الكبرى التى نواجهها ليس فى مجالات الدعوة فحسب وإنما فى كل المجالات الإسلامية وسنكتشف أيضاً مسألة ذات طابع حضارى عام بالنسبة للحضارة العربية الإسلامية ،بمعنى أنها مشكلة يواجهها الماركسيون ،ويواجهها الليبراليون ،ويواجهها الجميع .. وهى البؤرة فى هذه البانوراما : هى نقطة الانطلاق
هناك مصطلح أكثر الإشارة إليه ،نقتله عن أحد العلماء الغربيين بقول :(إمبريالية التقدم ) بمعنى أن هناك مقولات تحليلية أساسية ونماذج أساسية يمكن أن تكون الإمبريالية منصرفة لهذه المقولات ..
وسأضرب مثلاً عن إمبريالية التقدم . فكلنا نؤمن بضرورة التقدم وأن المفروض والمقصود من وجهة نظرى أن يفتح باب الاجتهاد بالنسبة لهذه المقولة ذاتها ،وأزعم أن جوهر هذه الحضارة الغربية العلمانية هو تحويل التقدم إلى مطلق بحيث نتحاور حول كيفية الوصول إلى التقدم على الطريقة الماركسية أو الطريقة الإمبريالية أو الطريقة الإسلامية ،لكن المطلق العلمانى تحدد مسبقاً فقد أكسب المعركة ولكنى قد خسرت الحرب منذ البداية وأعتقد أن نفس الشئ ينصرف إلى كلمة ((العصر))فلا يوجد عصر حديث وإنما توجد حضارة غريبة حديثة وإنما توجد حضارة غربية حديثة علمانية منتصرة ،وبالتالى لا يجب أن نتحدث عن أن نطلق كلمة العصر على عوانها بهذا الشكل . ومن هنا أقول إننا نفتقد إلى التحكم فى المقولات ،بمعنى إننا لا نعيش فى عصر موزمبيقى ولا فى العصر الصينى ولا العصر الهندى ولا حتى فى العصر اليابانى لأن الحضارة اليابانية بعد أن حققت شيئاً من الخصوصية ،فإن ما يأتينا الآن من معلومات يدل على أنها فى حالة تراجع لأن الخصوصية ،فإن ما يأتينا الآن من معلومات يدل على أنها فى حالة تراجع لأن الخصوصية اليابانية أخذت فى التآكل لأننى أزعم أن الخصوصية رغم أنها جوهر المشروع العلمانى .. فإن العلمانية المادية لابد وأن تقضى على الخصوصية فى نهاية الأمر . وفى الواقع أن عدد مجلة ((التايم))الحالى يتعامل مع هذه المشكلة الفلسفية التى ظهرت بشكل آخر فى فرنسا عندما بدأوا الاحتجاج على الخصوصية الإسلامية . وأن عدد هذه المجلة يطرح لأول مرة – وأعتقد أن هذا تنازل من جانب علم الاجتماع الغربى – أن أمريكا لم تصهر الهويات كما يقولون ،أى أنها ليست متعددة حضارياً لكنها قد ((فبركت))هوية جديدة ،وأنا أزعم أن هذا هو الأقرب إلى الصحة . فما حدث هو فبركة علمانية وعلى الجميع أن ينصاع إليها ويلتزم بها . كما أن الحديث عن التسامح العلمانى هو كذب وأفتراء ،بمعنى أن لا أقبلك كمسيحى ولا تقبلنى كمسلم وإنما كلانا يلتقى على مستوى الهوية العلمانية ،بعد أن أبغض هويتى الإسلامية ويبغض الآخر هويته المسيحية ،وكلانا يصبح إنساناً علمانياً جديداً .
سأطرح تصوراً آخر وهو أن المشكلة ليست مشكلة الدعوة فى العصر ولكن قد تكون المشكلة أن تطرح بشكل آخر :
كيف نستخرج من الإسلام ما يسمح بمحاكاة العصر ؟ .. وأن تكون هذه نقطة الانطلاق لأن تركيب الإسلام مع العصر تعنى أن أعقل الإسلام ،وأن أرشد الإسلام وأن أجمل الإسلام بحيث يكون مقبولاً للآخرين – وإن فعلت هذا فقد خسرت المعركة نهائياً .. لأن الواضح حقيقة أن هذا العصر قد حُدِدِ فى الغرب وأن العلمانيين العرب قد قبلوا هذا التحديد الغربى الذى تحدد فى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ؛لأن بعد هذا التاريخ بدأت تظهر الكوارث المعرفية والأخلاقية الكبرى فى الغرب ،لكن النموذج المعرفى العلمانى فى العالم العربى دون أن يدرسوا أو يتعرفوا على إشكاليات وأزمة هذا العقل الغربى ذاته .
وبالتالى نجد مثلاً مقالات الدكتور ((لويس عوض))عن الثورة الفرنسية كانت حسب اعتقادى فضيحة علمية أيام كان لايزال يتحدث عن الحرية والأخاء والمساواة و … و …الخ . مع أن كل الدراسات الحديثة – وعندى الآن ما لا يقل عن مائتى مرجع فى هذا الموضوع – تتحدث عن حركات الإبادة داخل الثورة الفرنسية بعد عام واحد من الثورة أى قبل ظهور ((روسبيير)).. فالحديث يدور عن ((روسبيير))باعتباره ظاهرة حتمية داخل الثورة العلمانية ،وهكذا فإن باب الاجتهاد مفتوح للغرب لكن العلمانيين العرب نقلوا علم المعرفة العلمانى ،ومع الأسف تقبل الإسلاميون هذا التعريف وبالتالى سأسمح لنفسى بفتح باب الاجتهاد .
أنا أعتقد – على سبيل المثال – أن العصر الحديث ليس عصر العقل بالعكس هو عصر غير العقل أو عصر انهيار اليقين العلمى ،وبالتالى عصر انهيار اليقين العلمانى . هذا العصر لم يظهر من تحت عباءة ((جون ديور))ولكن جاء من تحت عباءة ((نيتشه)) الذى أعلن أنه لا يوجد يقين معرفى وبالتالى لا يمكن أن تكون هناك أخلاق ،وتلك هى الكارثة .. أى أن تساقط المنظومة المعرفية نتج عنها تساقط المنظومة المعرفية نتج الأخلاقية ،وقد ترجم نيتشه هذا فى مقولة واحد هى (لا يوجد إطلاق معرفى ولا إطلاق أخلاقى ) . وقد نتج عن هذا شئ طريف وهو إعلان ((نيتشه))موت الإله .
وفى الحقيقة أن إعلانه موت الإله هو فى الواقع إعلان سقوط الكل أى أنه لم تعد هناك كليات ،وما لم يكن هناك كليات يسقط الإنسان لأن الإنسان – ككيان – مفكر ،وجوهر تفكيره هو استخلاص الكليات من الجزيئات حتى يصل إلى مطلقات ما .
لقد كان جوهر التجربة العلمانية أن العقل الإنسانى يتعامل مع المادة ومن خلال تعامله مع المادة سيصل إلى قوانين الطبيعة ويستخلص من قوانين الطبيعة المطلقة أخلاقيات مطلقة .. فجاء ((نيتشه))وأعلن أن هذا كذب وافتراء واستحالة وتغنى بهذا .. والفكر العلمانى الحديث نجم عن ((نيتشه))وليس عن((جون ستيوارت ميل))أو ((جون لوك))أو العقلية الغربية وهذه هى المشكلة الكبرى ،وهى أن هذا العقل قد أدى إلى دراسة المادة من خلال الدراسات المستفيضة أسقط كل المطلقات وأصبح أمام العدم المادى بالكامل . وفى اعتقادى أن هذا هو جوهر الإلحاد الحقيقى .. فالإنسان لا ينكر وجود إله ،وإنما ينكر وجود الإنسان أيضاً لأن الإنسان إلى ما هو دونها وتستمر حركة الرد إلى أن يصل إلى حركة الرد إلى أن يصل إلى حركة المادة الملتقاة بما فى ذلك العقل ذاته وهذه مسألة معروفة فى تاريخ الفلسفة الغربية .
فنفس الحركات العقلانية أدت إلى اللاعقلانية . لقد كان القرن الثامن عشر هو قرن ((جون لوك))ولكنه أيضاً كان قرن ((جون لوك))و ((بيرجلى))أى أن الموضوعية المطلقة أدت إلى الذاتية المطلقة ،والإصرار على المادة أدى إلى الحسية .. والمشكلة الكبرى لدينا أننا لسنا مدركون ولا نتعامل كمسلمين مع هذا العصر بمنظور ناقد .
وإنما نقف أمامه بمقولاتنا التحليلية .
وفى مسألة الحوار مع الديانات الأخرى ،أعتقد أن معلوماتنا عنها لازالت طفيفة ،وأزعم بعد دراسة ربع قرن عن اليهودية أنه لاشئ على الإطلاق يسمى ((اليهودية))!! نعم توجد عقائد يهودية مختلفة ،ولكن اليهودية التى نتحاور معها ليست من العهد القديم ولا نتاج ((التلمود))لأن التلمود لم يقرأه أحد ولا يتنسى لأحد قراءته لأنه سبعة عشر جزءاً ومتناقض .
حتى إن فلاسفة اليهود أنفسهم لم يطلعوا عليه . ((فمارتن فربر))الذى يعد أهم فلاسفة اليهود لم يطلع على التلمود إلا فى عيد ميلاد الستين !! أما اليهودية الحديثة فقد نجم معظمها عن ((القبالة الهوريانية))وهى حركة صوفية . وبالتالى فعند الحوار معهم لا نجد حواراً معيناً ،لأن لديهم مجموعة سيناريوهات متناقضة .. فهى تركيب جيولوجى ،أى أنها ليست كل متكامل أى أنها دين تفكيكه إلى عناصر متناقضة . وأزعم أن المسيحية نفس الشئ . فالمسيحية قد تفككت أيضاً وبالتالى فإن مسألة الحوار مستحيلة لأنه لا يمكن أن نتحاور إلا إنسان لديه معتقدات محددة ثابتة يلتزم بها . والمرة الوحيدة التى دخلت فيها مناقشة فى الأديان الثلاثة كنت فى الأمم المتحدة أثناء مناقشة قرار الصهيونية كحركة عنصرية ،وُدعى الشيخ رؤوف شلبى للحديث عن الموضوع فاعتذر فطلبت أن أذهب . وكانت نقطة البدء هى إدراكى للأزمة المعرفية والأخلاقية فى الحضارة العلمانية أى أنه لا توجد مطلقات . فطلبت أن نحدد كمسلمين ومسيحين ويهود مطلقات وأول مطلق – أؤمن به كمسلم وأشترك فيه مع المسيحين واليهود أن الإله واحد متجاوز للطبيعة والتاريخ ،وانطلاقاً من هذا كله فإن الأخلاق تكتسب إطلاقها لأنه إذا كان الإله مطلق والإنسان ،فإن الأخلاقيات تكون مطلقة أى لا مجال للنسبية فيها .
وبعد أن اتفقنا على هذا بدأت فى محاكمة إسرائيل من العهد القديم نفسه (لا تقتل .. لا تزنى .. ولا .. و.. الخ) وأعتقد أنى يومها قد كسبت المعركة لأنى أدخلتهم – ليس محاولة منى لتحسين الإسلام أو تحبيه إليهم – عن طريق تعريف مبدئى حاد لجوهر أى إيمان دينى .
ولا يمكن الحديث عن إيمان دينى دون الحديث عن مطلق ،ودون الحديث عن غيب ولذلك أنا أعتقد أنه لو لعبنا لعبة العقل خسرنا المعركة .. فلابد أن ندرك أن هناك غيباً إلى جانب العقل وأن العقل عاجز . قد يدرك كيف تعمل الغسالة الكهربائية ولكنه لا يمكن أن يدرك كيف تعمل الغسالة الإنسانية فما بالك بإدارة المجتمع وما بالك بكل ظواهر هذا المجتمع .
ومن هنا يمكن تجنيد العلم الحديث لأن العلم الحديث كما قال الأستاذ / محمد سيد أحمد وهو أحسن من يرصد أزمة الحضارة العلمانية .
لقد كان فى الماضى .. كلما اتسعت المعرفة كلما تآكلت بقعة المجهول ،أما الآن فكلما تتسع بقعة المعرفة ، تتسع بالتالى بقعة المجهول عشر مرات .. أى أن إمبريالية العلم القديم ومحاولته السيطرة على الواقع سيطرة كاملة أصبحة وهماً .. وأى وهم . وأعتقد أنه من خلال هذا الحوار الذى نحدد فيه مطلقات – وكلمة ((مطلقات))أساسية فى أى حوار مع الذات أو من الآخر،يمكن أن نكسب لأن الإسلام لم يتفكك بعد ،وهو الدين الوحيد فى العالم الآن . ومن معرفتى بالأديان أقول إن آسيا لم تخرج أى أديان وإنما أخرجت نظماً معرقية فاليهودية تآكلت كدين ،وبعد ضرب الحبشة انتهت أى بقايا للكنائس الحقيقية ،أى الكنيسة التى تدور حول مطلق دينى .. أما الإسلام فلم يكن فى تاريخه فقط تركيباً جيولوجياً بسبب وجود سلطة مركزية دائمة تحدد ما هو الحلال وما هو الحرام وما هو جوهر الإيمان . وانطلاقاً من ذلك أستطيع الدخول فى حوار مع العالم بشرط أن أجاوره فى أرضيتى ؛لأن ما الفائدة إن حاورت الحضارة العلمانية فى أرضيتها لأنهم سيكسبوا فوراً . فعلى سبيل المثال ،عند الحديث عن حقوق المرأة ،فإنه أعطى المرأة حقوقها أكثر منى بألف مرة فالمرة فى الغرب أصبحت إنساناً مطلق الحرية والطفل والرجل والجميع ،ونقطة انطلاقى أنا هى الذرية الناجمة عن هذه الحرية .. ماذا حدث لهذا المجتمع الذى حول الحرية الفردية إلى مطلق ؟ لأن هذا هو جوهر الحيلة لأنه عندما يحاورنى يحاورنى على أساس أن الحرية الفردية مطلق .
وفى قضية التلوث .. لو حاورناهم فى إطار علمانى فإنهم فى الواقع أقل ،لأنهم سيضعون ماكينة تنظيف الدنيا لكنى أربط قضية التلوث بقضية العلمانية أيضاً .. فالإنسان العلمانى لا يمكن أن يشبع بطبيعته لأنه لابد وأن يستهلك ،لأن الخلاص فى النظام العلمانى من خلال السلع ومن خلال السعادة فى الدنيا فلابد وأن يدمر الكون فثقب الأوزون مثلاً هو نتاج المنظومة المعرفية الأخلاقية التى ظهرت فى عصر النهضة وقل نفس الشئ بالنسبة للمخدرات . وقد طورت أنا مصطلح اسمه ((الجرائم العلمانية الصغرى))وأقول إن العلمانية طرحت فكرة الدولة كبديل للأسرة وكبديل للضمير .. هناك جرائم تتم على مستوى صغير لا يمكن للدولة أن تتدخل فيها ،ومن هذه الجرائم المخدرات .
وما لم يكن هناك عملية الضبط الاجتماعى تتطلب جماعة متكافئة متراحمة ،والتراحم لابد أن يستلزم المطلق أى لا يمكن التراحم لابد أن يستلزم المطلق أى لا يمكن التراحم فى أطار علمانى . وإنما فى الإطار العلمانى لابد من التقاتل والتنافس لأن النموذج العلمانى بطبيعته نموذج مادى أى نموذج ذرى .
نأخذ مثلاً مشكلة الأسرة النووية . ففى الواقع أنها لم تصبح مشكلة أسرة نووية ومن الضرورى أن نرصد باستمرار ما يحدث هناك . فهى لم تعد أسرة ممتدة ونووية وإنما أصبحت أسرة فقط . بل لم يعد فى الغرب أسرة فقط . بل لم يعد فى الغرب أسرة بعد أن انقرضت مسألة الزواج وحل محلها ما يسمى بالتعايش وحتى الزواج الذى يتم الآن إنما يتم فى إطار تعاقدى هو أقرب إلى التعايش منه إلى الأسرة الحقيقية . بمعنى
أنه فى النموذج المادى الذرى هو نموذج ترشيد كل شئ ،بدأ يتم ترشيد العلاقات الإنسانية والتحكيم العقلى فيها بحيث لا يكون الشخص مجنوناً ويتورط فى علاقة على مدى الحياة !! فالعلاقة تظل تعاقدية يومية وجوهر التعايش أن يقوم الإنسان صباحاً ليعيد تقييم من يعيش معه والآخر يفعل نفس الشئ ويعيد تقييم من يعيش معه ويقرر استمرار العلاقة 24 ساعة أخرى .. إنها علاقة رشيدة تماماً خاضعة لحسابات المكسب والخسارة .
ومن الأشياء الأخرى المطروحة الآن كمطلقات كبرى ،حقوق الإنسان وحق تقرير المصير . ونحن كمسلمين لابد وأن تكون لنا رؤية أخرى فيهما . فحق تقرير المصير ليس بمطلق وحق الإنسان ليس بمطلق ،وإنما المطلقات نحددها نحن .
فالإنسان يختلف عن الطبيعة ويختلف عن الحيوان ،ومن يقترب من هذه الحالة الإنسانية يجد أن الجوهر هو المساواة .
وعلينا أن نحدد هذا الجوهر .
إننا يجب ألا ننسى أن التجربة العلمانية الكبرى فى الغرب لم تحدد فقط هدف التقدم ،فهى قد تحدثت عن التقدم ووضعت مقاييسه وحددت إطاره ،ولكنها لم تتحدث عن الهدف أو الغاية . وبالتالى يصبح هدف كمسلم أن أفعل ذلك . ولى ملاحظة صغيرة ،وهى أننى ليست متفقهاً فى علوم الدين ولم أقرأ كتب الفقه . لكن ما أعرفه عنها يسمح لى بالقول بأنه حتى الفتاوى الصغيرة التى نسخر منها ،لم نعاملها حتى الآن بالاحترام الكافى . بمعنى أنه رغم معرفتنا بالمجتمع التقليدى ولغته المخصوصة والمختلفة عن لغتنا ،فنحن نعامل هذه الفتاوى باستخفاف شديد مع أننى أعتقد أن كثيراً من هذه الفتاوى – عند التعمق فيها – تحوى أشياء فى منتهى العمق بلغتها هى . وأضرب مثلاً على ذلك : لقد كان عندى خادم فى السعودية كنت أعطى له راتبه فيقول (ما تخلى يا بيه) . من منظور تعقلى أعتبر هذا تضييع لوقتى لأنه يعلم أنى سأدفع له .. ولكنى فجأة اكتشفت جوهر المجتمع التقليدى وهو أن المعاملات الاقتصادية الثانوية لابد وأن تُخبأ داخل خطاب إنسانى بمعنى أنه من الضرورى أن أنشئ معه علاقات إنسانية حتى يقبل أن يأخذ منى مالاً . نفس الأمر فى تعليم الجنس للناس . ففى المجتمع العلمانى يعطون للتلميذ كتاباً فى الجنس . أما فى المجتمعات التقليدية فهنالك مؤسسات كبيرة تعمل على توصيل المعلومة للأطفال والكبار بطريقة لا تفقدهم البراءة . لذلك أعتقد أن كثيراً من كتب الفقه تحتاج لهذا الاحترام حتى تفك شفرتها وحتى نكتشف ما فيها من فكر فلسفى أحياناً يكون عميقاً وأحياناً تكون بعض الفتاوى عبارة عن تمرينات رياضية مثل ((هل الطين المحتوى على الدود يفطر الصائم ))وما أعرفه أن هذا عبارة عن تمرين رياضى مثله من يقول : ((اشتريت منزلاً بجنيهين ثم بعد مائتين عام أتى من يريد شرائه بجنيهين .. الخ )). فهذه عبارة عن تمرين رياضى منطقى أكثر منه فتوى حقيقية ،وشكراً .
د . صلاح عبد المتعال :
بسم الله الرحمن الرحيم .. سأنزل من المطلق إلى النسبى وإلى الواقع . والذى يهمنى فى مجال عرض الإسلام عرض معاصر أن يتم بأسلوب أو منهج معاصر أو ملائم ؛لأن فى العالم الإسلامى قوى تحاول تقديم الإسلام فى صورة تطبيقات جامدة وبعيدة عن جوانب الحياة خاصة الجانبين السياسى والاقتصادى . وأذكر أن مساعد وزير الداخلية حضر ندوة فى نقابة الأطباء وكان يتحدث عن الجماعات الدينية والدعوة فى الإطار الإسلامى فقال : لو أن شخصاً أقام مصلى فى ميدان التحرير وظل يصلى ويركع ويسجد ويعبد الله . فلن يتعرض له أحد فى شئ ،ولكن موضوع السياسة فقط لا شأن لكم به . وحين أشار إلى السياسة تحولت المسألة إلى الخط الأحمر . وأنا أعتقد أن العرض المعاصر تم منذ حركة الإخوان المسلمين حيث كان عرضاً عملياً أكثر منه عرض لفظى وشمل كل القضايا حتى قضايا التحرر الوطنى ،حيث رفعوا قضية الجهاد كشعار وتطبيق فى مواجهة تحديات الاستعمار الإنجليزى والصهيونية واليهودية فى فلسطين ،وكان العرض عملياً حيث ذهبت فرق من المجاهدين والفدائيين إلى هذه المناطق .
إننا نجد فى الجانب السياسى للعرض المعاصر للإسلام تحديات كثيرة ،فالمقولات العصرية كالديمقراطية تضع لك سقفاً أو خطاً أحمر لا يجب أن تتجاوزه . ويتضح هذا فى تجارب مصر والأردن .. فالأدردن دخل لعبة الديمقراطية ولكن بقيت وزارات لا يجوز للإسلاميين أن يتولوها ومنها وزارة التربية . وفى مصر نلحظ بوضوح عملية تفصيل القوانين فى مجلس الشعب والشورى ،وتقسيم الدوائر الانتخابية لمنع وغجهاض العمل الإسلامى العام . وفى تجربة الجزائر نجد أن القوى الخارجية تعمل من جانبها لإجهاد الحركة الإسلامية ، فإيطاليا على سبيل المثال تقدم (مليار و 200 ألف دولار) لتصحيح الأوضاع فى الجزائر ،وبالطبع ليس هذا لوجه الديمقراطية ولوجه الإصلاح ولكن خشية أن يدخل الإسلاميون التجربة ويكتسحوا المجالس النيابية .
وفى الجانب الاقتصادى ،تجد تحديات عملية كثيرة . فلك أن تستثمر كما تريد ولكن عندما تتكلم عن الربا المصرفى وربا البنوك تقوم قائمة الدنيا . وهنا عليك إما أن تدخل فى نظام هامشى كنظام التعاونيات أو النظام الاشتراكى وهذه أنظمة ،يعلمون جيداً أنها لا تقوى على مواجهة النظم الرأسمالية .
وإذا وصلنا إلى الجانب الاجتماعى والتربوى نجد أنه فى بلاد الغرب وأمريكا يمكن أن يقيم الفرد مؤسسة اجتماعية خيرية ويكون مشكوراً ويدعم من قبل الدولة لكن هذا لا يجوز فى العالم الثالث أو فى العالم الإسلامى ،وخاصة فى مصر .
فقانون الجمعيات لسنة 1964 يعطى الدولة الحق فى حل أى جمعية تأخذ أى شعار سواء كان إسلامياً أو غير إسلامى مادام ضد إرادة الدولة . ليس الأمر كذلك فحسب بل إنهم بدأوا الآن يتدخلون فى عمل هذه الجمعيات ويفتشون عليها ويفرضون عليها نوع من الحجر ومن التهديد مثل ماذا تقصدون بالقصة كذا ؟ ماذا بين السطور ؟ ماذا تطلبون بالضبط ؟
وصل الأمر إلى هذا الحد حتى فى مجال إنشاء المدارس الخاصة التى تريد دعم برامجها بالبرامج الإسلامية وحتى فى مجال البحث العلمى الإنسانى الذى يعد محوراً أساسياً فى البحث العلمى تم حصار برامجه البحثية لدرجة صدور قرار بإلغاء وحدة البحوث الدينية والعقائد خشية حدوث فتنة طائفية . وهذا نوع من الخبل مع أن البلد يحتاج إلى مزيد من البحوث فى هذا المجال . ولذلك نجد أن يجب أن تواجه هذه الممارسات بتحد من الإسلاميين ،بمعنى أن يكون لدينا نوع من الحيل إزاء سياسيات الدول الجامدة والمتعثرة فى البحث العلمى فلابد أن يكون هناك نوع من المؤسسات والتمويل وإعداد قوى بشرية واعية . إننا نجد لدى القوميين والعروبيين والمركزين نوع من التكامل والتعاون فى عملية النشر وفى مناهضة التيار الإسلامى .
لقد أشار الدكتور جمال عطية إلى قضايا هامة جداً فى مجال فى مجال العلوم الاجتماعية ومن أخطر هذه القضايا قضية وقت الفراغ .
وبالطبع فإنه لا سلطان لأحد على وقت الإنسان ،ولكننا نجد أن الإعلام الغربى يحاول إجهاض الوقت ، وبالتالى فإن الأجهزة الإعلامية الإسلامية التابعة للغرب تردد ما يريد وتحاول أن تلبس الحياة الإسلامية والحياة المصرية لباس الحياة الغربية . ونحن نعلم أن وقت الفراغ هو وعاء الإبداع الحضارى فى جميع العصور . وفيما يتعلق بالأسرة التقليدية والأسرة الممتدة سنجد أن الأسرة النووية الصغيرة قد يقال إنها قد تحولت لديهم إلى أسرة معدلة يمكن توظيف قيمها فى عمليات التنمية . فى حين أنها فى العالم الإسلامى تعد من معوقات عملية التنمية ،لأسباب تتعلق بالقرابة والوساطة . لذلك أرى من الضرورى أن نعيد النظر إلى مفهوم ومفاهيم الأسرة التقليدية والأسرة الممتدة والأسرة الصغيرة . وفى مجال الجريمة والانحراف فى علم الاجتماع نجد أنه من واجب المسلمين أن يكشفوا سقوط القانون الوضعى وخطورته فى التجريم والعقوبة .
فهناك دائرة مفرغة فالمؤتمرات التى تعالج هذه القضايا كثيرة ومتزايدة ،ومنها المؤتمرات العالمية والإقليمية ولكنهما بدون جدوى . ومن غريب الأمر أن القانون المصرى يقصر العقوبة فى جرائم الزنا والقمار على صاحب الدار أو صاحبة الدار فقط ،أما الفاعلون الأصليون فهم شهود شهود فقط . أى أنه لا يجرم ارتكاب هذه الجرائم .
أنتقل للنقطة الأخيرة وأتساءل ما هو التحدى المطلوب منا أن نواجهه ؟ وكيف يمكن تقديم الإسلام كمنظومة وكبديل حضارى يعيد صياغة نوعية الحياة التى بدأت تدور حول رفاهية الإنسان والرخاء .. بديل لحضارة الرجل الأبيض الذى يريد نقلها إلى الألوان الأخرى من الأجناس البشرية باعتباره هوالسيد وهم أتباعه ، وما يترتب على ذلك من فرض لنوعية هذه الحياة المادية من استنزاف لموارد الأمة الإسلامية وقصرها على القطاع الاستهلاكى فى عملية الإنتاج . ما هو المطلوب إن من دعاه الحركة الإسلامية أو التيار الإسلامى . إننى أعتقد أن المطلوب أولاً هو الفهم الصحيح النقى للدين أو الفهم المعاصر له أو فهم الواقع بكل ما فيه .
إن الدعاة يحتاجون إلى مساعدة فكرية أو معمل فكرى أو مطبخ فكرى يمكن أن يهيئ لهم المعلومات لتصحيح المفاهيم الدينية من ناحية وتوضيح الواقع المعاصر من جميع أطرافه من ناحية أخرى . فهذا المعمل أو هذا المطبخ يجب أن يقدم لهم الوجبات أو الجرعات الملائمة . بدلاً من النحليق فى آفاق فكرية تقوم بها الصفوة من المفكرين ولا تنزل إلى مستوى البسطاء من الناس . إن هذا الأمر يحتاج إلى تنظيم وتمويل مادى وبشرى بالباحثين المتنوعة تخصصاتهم .
د . محمد عمارة :
بسم الله الرحمن الرحيم .. بداية أحيى وأثنى على كل المفاهيم التى وردت فى حديث د . عبد الوهاب المسيرى وفى اعتقادى أن ليس هناك خلاف كبير مع د . جمال عطية حول العرض المعاصر للإسلام ؛لأن هناك مفهومات لعبارة عرض الإسلام المعاصر .. مفهوم تطويع وتقنيات وعلوم العصر لتوصيل الإسلام وعرضه فإذا كان علماء الكلام فى العصور القديمة كانوا يستفيدون من مستوى العلم فى عصرهم فى الاستدلال على وجود الله سبحانه وتعالى وفى كثير من القضايا الكلامية ،فإن التطور العلمى الذى حدث فى العصر بما فيه مفهوم العصر أى مفهوم الحضارة الغربية يجب أن يتم بالاستفادة به . والمفهوم الثانى : تطويع الإسلام لعلوم الحضارة الغربية ولتقنيات العصر ،وهو أسلوب مرفوض ولا يرضاه أحد . فإذا كان المفهوم الثانى مفهوم مرفوض فلا أعتقد أن هناك خلافات بين ما طرحه الدكتور عبد الوهاب وبين ما عرضه الدكتور جمال . والنقاط التى يجب أن نشير إليها فى عجالة النقطة الأولى أننا إزاء الإسلام نواجه تحدى له جناحان : جناح يختزل الإسلام ويكاد يلغيه ،وإما أنه يقول أنه مجرد علاقة روحية بين الإنسان وخالقه تقف عند الشعائر والعبادات ،أو أنه ينفى عنه تماماً أنه مصدر المعرفة الحقيقية . وهناك جناح آخر لدى فئات من الإسلاميين وهم يعتبرون أن الدين باعتباره وضع إلهى هو المصدر الوحيد للمعرفة والحقيقة . وفى اعتقادى أن الإسلام كدين – وهذا موجود فى كثير من الكتابات الإسلامية – وكوضع إلهى هو هداية من الله سبحانه وتعالى للإنسان بين هدايات أخرى خلقها الله وسخرها للإنسان . فهناك الحواس مصدر للهداية والمعرفة وهناك العقل والوجدان وهناك الدين . والله سبحانه وتعالى يتحدث فى القرآن عن الحكمة فى نزول القرآن . صحيح أن بعض الناس يفسرون الحكمة بأنها السنة ،ولكن الحديث النبوى يعرف الحكمة بأنها الإصابة فى غير النبوة ، وهناك الحديث الآخر ((الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها))لأنها موجودة فى مصادر أخرى غير المصدر الدينى . إذن الدين هو هداية بين هدايات أخرى وعلى العقل المسلم أن يوازن بين هذه الهدايات فلا يقف موقف من يعزل الإسلام عن مصادر المعرفة ولا موقف الذى يجعل الإسلام المصدر الوحيد للمعرفة لأن كلا الموقفين غير دقيق .
النقطة الثانية .. إننى أحسست أن فى كثير من الكلام والعروض التى قدمت ضرورة التركيز على الواقع وضرورة التركيز على الكون وعلوم الكون وأنا أقول إن هذا بالنسبة للبيئة الإسلامية يعد رد فعل للتخلف فى دراسة الواقع ودراسة علوم الكون ،ولكن هنا أيضاً محظور لايجب أن نقع فيه ،ووقعت فيه الحضارة الغربية وهو أن يكون الواقع والكون هو المصدر الأساسى أو الوحيد للمعرفة . وأقول إن التوازن ضرورى فى النظرة الإسلامية ،وأن الإسلام نسق متكامل وشامل بمعنى أنه يعتبر أن كلاً من عالم الغيب والعالم الكونى مصدر من مصادر المعرفة ،ويقف عند السنن الكونية ويقف عن السنن الاجتماعية بل ويقف عند السنن الجارية ويقف أيضاً باحترام عند السنن الخارقة . إذن النظرة الإسلامية هى النظرة المتكاملة فيما يتعلق بمصادر المعرفة وليست النظرة التى تركز فقط على الكون وعلى العلوم الكونية .
إننى أميل إلى الحديث عن عرض الإسلام فى مواجهة تحديات العصر أكثر من العرض العصرى للإسلام لأننا كأمة إسلامية نواجه تحديات ،منها تحديات ذاتية موروثة وهو مظاهر التخلف عن عصور التراجع للحضارة الإسلامية ،والذى جاءت الغزوة الغربية بما فيها من فكر استلاب حضارى لتحافظ عليه ،لتبقى الثغرات التى يدخل فيها الغرور وهذا التحدى الغربى . فنحن نواجه تخلفنا الموروث ونواجه التحدى الغربى على مختلف المستويات المادية والفكرية . وأنا أتحفظ حول بعض النتائج وليس حول المقدمة فى تصوير العالمعلى أنه أصبح قرية صغيرة ،هذا صحيح لكن علينا أن ندرك تماماً المكان الذى وُضعنا فيه ،وهناك إصرار على أن نظل موضوعين فيه فى هذه القرية الصغيرة وحيث لا يُسمح لنا بأن نكون قوة فاعلة فى هذه القرية الصغيرة . وهناك إصرار على أن نظل نحن المجنى عليها فى هذه القرية الصغيرة . وأنا أقول إن هذه الإشارة هامة لأن القضية ليست البحث عن نقاط الاشتراك بيننا وبين الآخر . بل إنه فى مرحلة الاستضعاف تكون المهمة الكبرى هى البحث عن نقاط التميز ولو كنا فى موقع القوة لكانت كل الحوات بالنسبة لنا مفيدة وكل العلاقات بالنسبة لنا مفيدة وغزالة الحدود والحواجز بالنسبة لنا مفيدة وإزالة الحدود والحواجز بالنسبة لنا مفيدة أيضاً ،وهذا ما مارسته الحضارة الإسلامية فى عصر قوتها عندما كان هناك انفتاح لا حدود له على الحضارة والثقافات الأخرى . وأنا أقول إننا نحتاج إلى نموذج (ابن عربى)– وقد أشرت إليه سابقاً – الذى جعل قلبه وفؤاده مسرحاً لكل العقائد والديانات فى العصر الذى كان موجوداً به وهو عصر الغزوات الصليبية والتتارية .
لقد كانت منظومة ((ابن عربى))أو مفهومه يعنى فتح الأبواب أمام الأقوياء ليكتسحوا الضعفاء فى ذلك العصر بينما كان شعار (ابن تيمية) هو ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم )). ففى مرحلة الاستضعاف ومرحلة الهجوم على الحضارة الإسلامية يجب أن نبحث عن نقاط التمايز ولذلك فأنا أحياناً – وأنا ناقد لكل الإسلاميين الذين يقفوا عن الشكليات والمظاهر أقول إنهم أقفال وأقفال إسلامية ونحن فى عصور الاجتياح فى حاجة لمزيد من الأقفال فى حاجة إلى أحجار توضع على طريق البلدوزارات التى تستحقنا ولكن بشروط أن نوظفها على أنها فى مواجهة هذا التحدى وليس فى مواجهتنا نحن الذين نحاول أن نجدد ونصوغ منظومة إسلامية . ولذلك أيضاً أقول إن مشكلاتنا غير مشكلات الآخرين حتى فى القرية الصغيرة . فمثلاً الاغتراب فى الغرب هو ترف المجتمع الذى به الوفرة المادية أما الأغتراب عندى فيعنى اقتلاع الفلسطينى من أرضه . فالمشكلات مختلفة حتى فى القرية الصغيرة التى وضعنا فيها بالفعل . ولذلك فإن ثورة الشباب لدينا لها منطلقات ولها أهداف مغايرة تماماً لما هو عليه الحال بالغرب . وهناك أشارة وردت فى بعض المدخلات حول إمكانية ورود التغير من المسلمين الموجودين فى الغرب وأنا أقول إن الله سبحانه وتعالى فى التغيير سنن ،وأن هذه السنن هى التى اقتضت أن تكون البعثة فى أم القرى وهذا ما جعل الهجرة من البداوة للمدن ؛لأن الهجرة تعنى تحضر وانتقال من البداوة للمدن . وأنا أقول إن صراعنا التاريخى والحضارى مع القوى الأخرى تتارية وصليبية وغربية حديثة إشارة وصدق على أن المركز له دور فى كل مراحل التغيير والمواجهات . وأنا أعتقد أن الكلمات التى تقول إنه لا يوجد مشروع عربى بدون قيادة مصرية ولا يوجد مشروع إسلامى دون قيادة عربية ،أعتقد أن هذا ثمرة وحصيلة لخبرة الصراعات التاريخية التى دارت ولعمليات التغيير التى دارت .
((فصلا الدين))لو ظل فى الموصل لما فعل شيئاً . فللمكان المركز دور فى فلسفة التغيير وفى إمكانيات التغيير
لقد ورد كلاع عن الإرهاب . وأنا بودى ونحن نحاور الآخرين أن نوضح أن مصطلحاتنا سرقت منا وسرقت مضامين المصطلحات فالإرهاب بالمصطلح القرآنى ليس هو العنف الذى يتحدثون عنه اليوم ،إنما هو تخويف لتجنب القتل (ترهبون به عدو الله) فهو مجرد تخويف كى لا تقع فى القتال فالإرهاب يختلف عن العنف الذى يعرف به الآن .
وعن الحوار مع الآخرين أقول يجب ألا يكون الحوار بيننا وبينهم مزايدة نقول فيها إن لدينا ما عندكم وأكثر ولدينا ما عندكم قبل أربعة عشر قرناً من الزمان ؛لأن ما لدينا يخالف مالديهم فى الحقيقة . وفى هذا أثنى على ما قله د . عبد الوهاب فى مفاهيم الحرية ومفاهيم حقوق الإنسان وكثير من المفاهيم . فالقضية ليست أن أقول إن لدينا ما لدى الغرب ؛لأن ما لدينا من مفاهيم يخالف المفاهيم الغربية . لذلك فالمطلوب أن نعرض الإسلام فى مواجهة تحديات العصر وأعتقد أن هذا ليس مخالفاً لما طرحه الدكتور جمال عطية . وشكراً .
د . حسن رجب :
بسم الله الرحمن الرحيم .. والصلاة والسلام على رسول الله . أشكر الأخ جمال عطية الذى قدم لنا هذه القضية التى أرى أنها قضية متجددة ،ويجب أن تبقى متجددة بمعنى أن قضية الدعوة ومضمونها وأساليبها والقائمين بها هى قضية تختلف من وقت لآخر ويجب أن نعيد النظر فيها وأن نستحدث أشياء أخرى ونعدل فيما تصنع وبالتالى هى قضية يجب أن تكون مطروحة على الدوام ،وما نقوله اليوم هو فاتحة وأرجو أن يكون فاتحة صغيرة يعقبها جلسات أخرى ؛لأن قضيتنا الأساسية هى قضية الدعوة وقضية الإسلام .. لكن طبعاً الوقت تأخر . ولى على هذا الحوار ملاحظتان صغيرتان الأول : مقولة ((القرية العالمية ))التى طرحها (مارشال ماكلوهان) فالحقيقة أن العالم أصبح قرية عالمية من الناحية التنولوجية فقط ،وليس من الناحية الفكرية . فالغلبة التكنولوجية والوسائل المتقدمة إعلامياً استطاعت بالفعل أن تصل إلى أطراف الأرض ولكنها لم تستطع أن تصل إلى أطراف الأرض ولكنها لم تستطع أن تصل إلى البشر ،ولهذا لا يجب أن نعطى هذا الأمر أكثر مما يستحقه خاصة أن هناك ردة تكنولوجية الآن وهذه قضية علمية مطروحة فالاتصال الجماهيرى ينكمش والناس ترفض – فى كثير من أنحاء الأرض حتى فى العالم الغربى المتقدم – التكنولوجيا المتقدمة الشاملة أو>><<Big – brotherأى ((الأخ الأكبر))الذى يملك كل شئ والهيمنة الكاملة لمن يملك هذه الوسائل ويستطيع أن ينشر أفكاره ومفاهيمه فى كل لحظة ،وفى كل مكان ،فهذه الأمور أصبحت مرفوضة حتى فى بلادها من طوائف كثيرة ولايجب أن نعطى ذلك ثقلاً كبيراً . ويجب أن ندرس كل وسائل التكنولوجيا المتقدمة فى الإعلام الذى لم يعد يسير فقط بالوسائل العامة المعروفة ،بل وبالكمبيوتر وبأساليب كثيرة متطورة نستطيع أن نستفيد منها لكن لا يجوز أن نعطيها حجماً أكبر من حجمها ولا ثقلاً أعظم من ثقلها . وهذه نقطة فى الوسائل أرجو أن تكون فى يوم من الأيام مجال مناقشة . فالوسائل قضية نختلف حولها وكذلك أساليب العرض التى تطورت كثيراً فبعد أن كان أسلوب الاعتذار الدفاعى سائداً لفترة طويلة من الزمان ظهرت أساليب التحدى والهجوم .. الخ .
إننى أعتقد أن فى الإسلام أشياء كثيرة يمكن أن تقدم ويجب أن تقدم إلى الناس .
وبالطبع فإن مستويات الثقافة والحضارة والعلم سواء فى بلادنا أو فى بلاد أخرى فى الغرب
القضية الحقيقية التى أطرحها هى هل يمكن أن نفصل القضايا النظرية الفكرية عن الفعل ؟ بمعنى أن نتحدث عن حقوق الإنسان فى الإسلام ونترك التصدى لحقوق الإنسان Humman Rights لمنظمة العفو الدولية وهى منظمة غير إسلامية بينما نحن أولى بذلك ؟ وهذه قضايا أرجو أن تكون مطروحة فى المستقبل . فليس من المفيد أن نتحدث عن منظمة الإسلام فى قضايا محددة دون أن يكون لدينا نشاط من أى نوع ؟ ومن هذا أننا لا صوت لنا عندما يتعرض الناس للعسف والقهر والتعذيب فى بلادنا وغير بلادنا ،ولانرى جهود إسلامية تتحدث عن نظم الإسلام وقواعد الإسلام دور الإسلام ومشاركة المسلمين . وبالطبع هناك حساسيات تمنعنا فى كثير من الأحيان من الحديث فى قضايا مثل زكاة الركاز والمشاركة والتعاون ؛لأنها تغضب بعض الدول وقد صودرت أشياء صغيرة وصحف أكثر من مرة فى السعودية وفى دول أخرى إسلامية لأنها تعرضت لهذه القضايا . وهذه قضية يجب أن تطرح لكى نحدد وندرك متى وأين وكيف وإلى أى مدى يمكن أن نتحدث فى البلاد الإسلامية فمشكلتنا فى الواقع ليست مع الغير فقط ولكنها فى أنفسنا أيضاً وشكراً .
د . محمود حمدى زقزوق :
بسم الله الرحمن الرحيم .. فيما يتعلق بالأهداف لابد أن يكون أمام الداعية أهداف خمسة ومحددة ،وأن تكون لديه وسائل مرنة حتى يستطيع أن يقوم بعمله خير قيام . فأهدافنا فى الدعوة الإسلامية هى أهداف من الممكن أن نقول إنها داخلية وخارجية . أهداف داخلية : لتحصين الجبهة الداخلية وتحصين المؤمنين وتثبيت إيمان المؤمن فالدعوة موجهة للمسلمين .
وفى الجبهة الخارجية : الدفاع عن الدعوة الإسلامية ضد التيارات الأخرى كما أشار إلى ذلك الأخ د . محمد عمارة .
والمشكلة فى الواقع الإسلامى تنخفض الدعوة الإسلامية وتعلو تبعاً للحالة التى عليها الأمة الإسلامية فإذا كانت الأمة فى حالة متخلفة فالدعوة الإسلامية لن تجد صدى ولن تجد آذاناً لأن القرآن الكريم يقول :
(ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إننى من المسلمين ) إذن ((إننى من المسلمين))تأتى بعد الدعوة إلى الله والعمل الصالح ،ولكن نحن عندنا انفصام تام بين النظرية والتطبيق ،نتحدث كثيراً عن الإسلام ولكننا لا نعيش الإسلام . وهذه مشكلة المسلمين فالحديث عن الإسلام كثير جداً ،لكن أن نعيش الإسلام ونحيا فى قيم الإسلام فهذا شئ آخر . ومن هنا عندما أقدم الإسلام إلى الغرب ،فالإسلام مرتبط بواقع الأمة الأسلامية ،ولذلك دائماً تثار المقارنة ويقال إن الأمة الإسلامية متخلفة ؛لأنها تدين بالإسلام والغرب متقدم لأنه يدين بالمسيحية ،وهذه مقولة ينشرها كثير من المستشرقين حتى يومنا هذا . وهى مقولة مغلوطة تماما .
فيما يتعلق بالنقطة التى أثيرت كثيراً وهى هل تسطع شمس الإسلام مرة أخرى من الغرب أم من مكان آخر . ففى الواقع أن هناك فرصة ذهبية للإسلام فى الغرب ولكن المسلمين فى الغرب يفسدون هذه الفرصة ؛لأنهم يقدمون نماذج سيئة للإسلام ،وبالتالى ينفرون منه وأذكر للدلالة على ذلك مثالاً بسيطاً لما يحدث فى أوروبا فقد حدث أن كان طالباً مسيحى فى جامعة كولونيا بألمانيا يدرس الإسلام فى قسم الدراسات الإسلامية ومعه مصحف يقرأ فيه فدخل عليه مسلم ألمانى – وهم هناك كالسعوديين جلباب أبيض ولحية طويلة وهذا هو شعار الإسلام – فنزع منه المصحف بطريقة عنيفة وقال له : أنت كافر .. لا يصح أن تمس هذا القرآن .
وهذا نموذج من النماذج الموجودة فى الغرب ليس فقط من جانب المسلمين الشرقيين بل حتى المسلمين الأوربيين ،أصبح العفن الذى فى عقول المسلمين يتسرب إلى عقول هؤلاء الناس . وهناك ظاهرة إسلامية موجودة فى الغرب يمكن استغلالها إلى أبعد مدى لأن الإنسان إذا فكر قبل الحرب العالمية الثانية كان الوجود الإسلامى فى الغرب محدود اًجداً والمساجد الموجودة بالعواصم الأوروبية محدودة . أما اليوم فهناك المئات من المساجد فى الغرب وفى كثير من البلاد وحتى فى القرى ،وبسبب ما تتمتع به هذه البلاد من الحرية الفكرية تتاح الفرص للناس ليتحدثوا كما يحلوا لهم .
والقضية أن هناك انفصام بين أجهزة الدعوة الإسلامية ،حيث نجد أن الداعية الإسلامى يخرج من الأزهر مركز الاعتدال ،لكن هناك داعية يخرج من السعودية وهو أينما يحل يسبب الخلاف والانشقاق فهو يذهب لغرب أفريقيا يدعو الناس فيقسم الناس إلى قبورين وغير قبورين بعد أن كانوا وحدة واحدة . وهناك أيضاً عدم فهم الداعية للتيارات المعاصرة ،فلابد أن يكون لديه أفق واسع وفهم لما يدور حوله .
فى العام الماضى ذهب أحد الزملاء من كلية أصول الدين إلى سويسرا وزار المركز الإسلامى هناك فوجد داعية يرتدى جلباباً أبيض أيضاً وملتح . فسأل الداعية الزميل :
ماذا تدرس بالأزهر ؟ فأجابه : أدرس عقيدة وفلسفة . فرد عليه : يا شيخ ما تعرف أن الفلسفة حرام وكفر ..!! فرد عليه : أنا مندهش فقط من شئ واحد هو كيف أتيت أنت إلى هنا بهذه العقلية ..؟!
هذه نماذج تنفر الناس من الإسلام ،لذلك لابد من الاهتمام بتكوين الداعية من ناحية والاهتمام أيضاً بالتنسيق بين أجهزة الدعوة الإسلامية فى شتى مشارق الأرض ومغاربها ؛لأن التنسيق بين أجهزة الدعوة الإسلامية مفقود حتى فى البلد . ففى مصر نجد أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى واد والأزهر فى واد آخر وهكذا .. وكل جهة تعمل لنفسها وهذا التوزع والتمزق الموجود فى أجهزة الدعوة الإسلامية موجود فى الأمة الأسلامية . إذن كيف نقدم الإسلام لغيرنا ؛لأننا مع الغير كما قال الأخ الدكتور جمال .. فى مواجهة .. ولكى نستطيع أن ننتصر فى هذه المواجهة لابد أن نقدم النموذج الطيب والمثل الطيب حتى يتحقق
قول الله تعالى 🙁ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً ) فالدعوة مرتبطة بالعمل الصالح ولذلك لا يجوز أن يكون هناك انفصام بين النظرية والتطبيق فى عرض الإسلام وشكراً .
تعقيب د . جمال عطية على الحوار :
بسم الله الرحمن الرحيم .. أشكركم جميعاً على ما أبديتم من ملاحظات مفيدة وسيكون لها إن شاء الله أثر فى تطوير وتعميق هذه الفكرة وفقط أريد أن أوضح ثلاثة أمور أشعر أنها كانت غير واضحة حتى تكتمل الصورة .
وأقول : إنه يجب إلا ننسى المصدر الحقيقى وراء هذه المواجهات التى تمثل السلطة فى مختلف بلادنا . فالمعركة معركة عالمية وبعد انهيار المعسكر الشرقى أصبحت مركزة فى قوة أو جبهة واحدة ،ولذلك اخترت هذا المنطق أما باقى السمات والخصائص فستأتى ضمن المنظومة ،ولكن من هذا المنطلق العالمى .
الأمر الثانى : الذى أريد أن أوضحه هو من المخاطبون بهذا العرض أو هذه الدعوة الإسلامية .
لقد قصد أن يكون المخاطبون هم مثقفو الغرب وليت الحكومات الغربية أو الأفراد العاديين فى الغرب . فالمقصود الفئة المثقفة التى تملك وسائل الفكر والإعلام وغير ذلك . فعلى مستوى هؤلاء المثقفين يكون توجيه الخطاب ،ومنهم تتنقل القضية إلى المحافل الدولية سواء كانت مؤتمرات حكومية أو مؤتمرات علمية أو غير ذلك من المحافل المتخصصة التى تثار فيها مختلف هذه المشاكل . وإذا وجدت المادة فسيكون أمام مندوبى المسلمين فى مختلف هذه المحافل الدولية مادة يتحدثون بها ويعبرون عن وجهة نظر الإسلام
حتى لو لم يكونوا مقتنعين بالإسلام فى سلوكهم ،فهم سيشعرون أنهم بذلك لهم رأى ولهم هوية تعبر عنها هذه الآراء .إذا حددنا ((المخاطبون))على هذا النحو يصبح أثر هذا على المسلمين فى تصورى إيجابياً . إذا مازال عندنا عقدة ((الخواجة))أى حينما يتحدث أحد الغربيين كلاماً جيداً نسارع إلى ترجمته وإلى الاستدلال به على وجهة نظرنا ويجد قبولاً عاماً . فلا أثر لاهتمامنا بمخاطبة الغرب على إهمالنا للمخاطبين المحلين . بل إن الانعكسات والصدى ستأتى بسرعة .
أخيراً إذا تحدد المخاطبون على هذا النحو ،وتحددت الرسالة على هذا النحو بقى أن نختار الرسول الذى يناسب هذه الرسالة وهؤلاء المخاطبين . وهنا تأتى عملية إعداد الدعاة على المستوى المناسب لهذه الدعوة الكبيرة ولهؤلاء المخاطبين المثقفين .
والواقع أن إعداد دعة للغرب – حالياً غير واردة بالمرة لأنها تؤدى إلى نتيجة عكسية .
إذا يؤثر بعضهم تأثيراً سيئاً كما أشار أحد الأخوة . وهناك أمثلة عديدة فى كل البلاد التى زرناها ووجدنا فيها دعاة لا يتقنون لغة البلاد التى يعملون فيها ولا يعرفون عقليتهم ولا مشاكلهم ولا أى شئ ،وإنما يكررون أشياء حفظوها وليس لها قبول بالمرة لدى هؤلاء . هذه فقط الأمور الثلاثة التى أدرت أن أوضح بها وجهة نظرى .
أكرر شكرى لكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
د . محمود حمدى زقزوق :
الشكر الجزيل للأخ الأستاذ الدكتور جمال عطية على محاضرته القيمة وشكراً جزيلاً لكم جميعاً وإلى اللقاء إن شاء الله فى أمسية قادمة . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .