إن أي دراسة للموسيقىٰ والقضايا المرتبطة بها في المجتمع المسلم, تعتبر ذات أهمية مزدوجة, فكلما أن عليها أن تساهم بمجموعة من الأفكار والمعلومات التي يجد فيها الدارسون ـــ سواء في مجال علم الموسيقىٰ البشرية أو في مجال الدراسات الإِسلامية ـــ ضالتهم, عليها أيضاً أن تتحدث إلىٰ أفراد المجتمع المسلم أينما وجدوا بلغة يفهمونها. ولذا كان لزماً علينا أن نتحاشىٰ عدداً من المشكلات التي شكلت حجر عثرة في طريق الدراسات السابقة, وذلك من أجل تحقيق هذين الغرضين. ويمكن تقسيم هذه المشكلات المنهجية إلىٰ ثلاث فئات :
(1) المشكلات التي تختص بالمصادر.
(2) والتي تختص بنقاط الإِلتقات بين الأنشطة الموسيقية وغير الموسيقية.
(3) والتي تختص بالمصطلحات.
ويندرج تحت كل فئة منها تقسيمان فرعيان.
أولاً : المصادر: إن أول سؤال يجب أن نعرض له لكي لا نسيء فهم موقف الإِسلام من الموسيقيين هو : من هم أولئك الذين يمكن أن نعتبرهم متحدثين عن دين الإِسلام ؟ أو ما هي المصادر التي يمكن أن نأخذ منها عن الإِسلام ـــ الدين ؟ وكلنا علىٰ علم بالزخم الهائل من الآراء سواء ما قيل منها وما كتب حول الموسيقىٰ والتي جاءت إلينا من مناطق عدة, وعبر فترات مختلفة من التاريخ الإِسلامي, وغالباً ما كانت هذه الآراء متناقضة. فهل يمكننا اعتبار هذه المصادر كلها علىٰ نفس الدرجة من الثقة في حديثها عن رأي الإِسلام بهذا الخصوص ؟ أو ان تكتفي بتمحيص رأي فرد واحد حول هذا الموضوع ؟ أو نلجأ إلىٰ تحقيق أكبر قدر ممكن من هذه المواد التي يُجمع المسلمون أنفسهم علىٰ إعتبارها مرجعاً في هذه الأمور, لكي نضمن صدق ما نتوصل إليه من معلومات ؟ وإذا ما وقع إختياراً علىٰ تلك السبيل الإخيرة بإعتبارها شاملة لمصادر عدة, ولأنها في وقت ذاته قاصرة علىٰ تلك التي حازت درجة كبيرة من القبول ـــ مما يعطيها دون غيرها سمة الأمانة المنطقية والثقافية والفكرية ـــ فإن يجب علينا أن نقر بأن كلمات الله الواردة في القرآن الكريم أو كلام النبي محمد (صّلى الله عليــه وسلم) كما ورد في الحديث(1) الصحيح يشكلان الحدود التي يلزم ألاّ يتخطاها أي بحث يتناول رأي الإِسلام ذاته في هذه القضايا.
ولكن مادة القرآن ومادة الحديث لا تعطيان إجابة تفصيلية لسؤالنا المبدئي. فرغم أن صدق القرآن ودلالته أمر لا يرقىٰ إليه الشك سواء عند المسلمين,(2) فإن هناك مجموعات عديدة من الأحاديث سوف نلجأ إليها للتوثيق وهي ليست كلها علىٰ نفس المستوىٰ من القزة ليأخذ بها المسلمون أو يعتمدها الدارسون. وحتىٰ إذا ما قصرنا أنفسنا علىٰ ترك الأحاديث التي وردت في البخاري(3) ومسلم(4) بإعتبارها أكثر هذه المجموعات قبولاً, فإننا نجد بعضاً من هذه الأحاديث تحوز مقام السبق عن غيرها في عقول المسلمين علىٰ أساس ارتباطها بحدث ذائع الصيت من أحداث السيرة النبوية جاء فيه للرسول (صّلى الله عليــه وسلم) حكم قطعي حول هذا الأمر. وهو ما يسمىٰ بالحديث الحُكْمي.
وهناك أحاديث ترقىٰ في مستواها إلىٰ درجة أعلىٰ من درجة الحديث الحكمي وهي الأحاديث التي رُويت في الصحيحين ـــ البخاري ومسلم ـــ بطريق التوتر والمسماة بالأحاديث المتواترة, والتي ثبتت بالتوتر بين السلف منذ زمن الرسول عليه الصلاة والسلام إلىٰ وقت تدوينها. ولذا فإن إستخدام أي حديث للتوثيق أو اعتباره مرجعاً دون التحقق من ضمانات الصحة هذه يعتبر مزلقاً وقع فيه باحثون عدة من المسلمين وغير المسلمين. ولا يجب أن يكون ذلك عائقاً لنا في المستقبل.
وإذا ما لجأ إلىٰ القرآن الكريم إلىٰ الأحاديث الموثوق بصحتها والتي تم تخريجها بدقة, باعتبارها المصدر الوحيد الذي نستند إليه في بيان رأي الدين الإِسلامي حول الأمور المتعلقة بالموسيقىٰ, فما هي المصادر الأخرىٰ التي يمكن أن نقُرها وتستطيع أن تحدثنا عن هذا الموضوع عند المسلمين عبر التاريخ ؟ هنا مرة أخرىٰ يجب أن نمحص هذه المصادر بدقة لكي نستقي معلوماتنا فقط من تلك المصادر التي حازت الموافقة الإِجتماعية من المجتمع المسلم ذاته. وتشمل هذه المصادر أئمة المدارس الأربعة في الشرعية الإِسلامية وهم أبو حنيفة (المتوفى سنة 767), مالك بن أنس (المتوفى سنة 795 أو 796), الشافعي (المتوفى سنة 820), أحمد بن حنبل (المتوفى سنة 855) باعتبارهم الأئمة الكبار في تراث الفقه, كما تشتمل أئمة الحركات الدينية والفلسفية ـــ كأبي حامد الغزالي وابن تيميه ـــ والذين يعتبرهم جمع كبير من أفراد المجتمع المسلم مرجعاً في هذه الأمور. حيث أن استخلاص النتائج من كتابات شخصيات لا تتمتع بمثل هذا الإِحترام الواسع أو بناء علىٰ ممارسات ظهرت بين جماعات متطرفة محدودة في العالم المسلم سوف يوقع أي دراسة في خطأ احصائي وأمبريقي, ومن ثم رفضها أيضاً من جانب المسلمين أنفسهم بإعتبارها دون مستوىٰ الثقة.
ثانياً : نقاط الإِلتقاء بين الأنشطة الموسيقية وغير الموسيقية, ويتناول التقسيمات الفرعيان داخل هذه الفئة مشكلة من المشكلات المنهجية وهي إلصاق سمات الأنشطة غير الموسيقية بلأنشطة الموسيقية ـــ وأول هذين التقسيمين يشمل الزيف القائل بأن إدانة تلك الممارسات المنكرة لذاتها والتي إرتيطت أحياناً بالموسيقىٰ تمدت بالضرورة لتشمل إدانة للموسيقىٰ ذاتها. والحقيقة هي أن هذه المصادر الشرعية التي تتحدث عن دين الإِسلام والتي أشرنا إليها سابقاً ـــ إلىٰ جانب تلك المصادر التي يمكن إعتبارها بصدق ممثلة للمسلمين ـــ كانت حريصة باستمرار علىٰ إدانة هذه الأنشطة المصاحبة دون اللجوء إلىٰ الإِدانة الكاملة التي تشمل الموسيقىٰ ذاتها. وثانيهما أننا يجب أن ندرك أن هناك كثيراً من الناقدين المتسرعين ـــ سواء من بين المسلمين أو غير المسلمين ـــغاب عن ناظريهم الأسباب الارتباطية التي أدتإلىٰ إنكار ـــ ليس له ما يبرره ـــ للأنشطة الموسيقية, اكتفوا بعرض كتابات السابقين بمعزل عن السياق الأصلي الذي وردت فيه هذه الكتابات فشوهوا بذلك القصد الأساسي للمصدر وهو محل ثقة.
ثالثاً : المصطلحات. وننقل إلىٰ التقسيمين داخل الفئة الثالثة من المشكلات التي يجب أن نحذرها في دراستنا للموسيقىٰ والموسيقيين في المجتمع المسلم, وهما التقسيمان المرتبطان بالمصطلحات, أولهما مسألة «الحرم» التي تستخدم علىٰ نطاق واسع في التراث الدائر حول هذا الموضوع. فيجب أن ندرك أن هذا المصطلح يستخدم بمعناه الفني الشرعي للدلالة فقط علىٰ الفعل أو النشاط الذي حرّمه القرآن أو الحديث الصحيح تحريماً صريحاً, أو ذلك الفعل أو النشاط بالذات الذي يوجب توقيع الحدّ. وهو مالا ينطبق علىٰ أي جزء من العالم المسلم في أي عصر من العصور. ولذا يجب علينا أن نستبعد تماماً مصطلح «الحرم» بمعناه الشرعي من مجال مناقشتنا هذه ونضع في إعتبارنا أننا نناقش ـــ في مجمل الأمر ـــ أحكاماً أخلاقية ولا نناقش أحكاماً شرعية. حيث أن المفكرين الكبار في الشريعة الإِسلامية قد عرضوا للحد من الأنشطة الموسيقية وترشيدها ولم يعرضو لتحريمها دون الإِشارة لارتباطها بمنكر معين أو بإرتباط العلة بهذا المنكر. ولذا فإن المصطلح الأفضل في هذا الأمر هو «المكروه» في مقابل «الحلال», حيث أن مصطلح «الحرام» قد اتسعت دائرته في الاستعمال العامي ليشمل معاني كثيرة مثل «الشفقة», «الخجل»«المفوض»«المحزن» ..الخ. ولذا يجب ألا يستخدم للدلالة علىٰ المعنىٰ الفني الشرعي الذي أشرنا إليه سلفا. وعلىٰ القاريء أن يضع في اعتباره هذا التمايز في المعنىٰ عند استعراض الكتابات الإِسلامية حول الموسيقىٰ.
والمشكلة الثانية في فئة المصطلحات تتعلق بالسؤال : ما هو هذا الأمر الذي نعتبره «موسيقىٰ» وما هو الذي لا نعتبره «موسيقىٰ» في الثقافة الإِسلامية ؟.
1) الموسيقىٰ :
يعني مصطلح «الموسيقىٰ» عند علماء الموسيقىٰ ذلك الفن أو العلم الذي يجمع الأصوات البشرية أو الأصوات الآلية ـــ أو كليهما ـــ وما يصدر عنها من نعم لكي تكوّن تشكيلة متنوعة من التعبيرات الجميلة أو المشبعة للعاطفة تنبع من نظام عقائدي كامن في أساس ثقافة معينة. وتمتد مظلة هذا التعريف عادة لتشمل كل أنواع هذه التعبيرات الجمالية السماعية بغض النظر عن وظيفتها أو سياق أدائها. ويأتي المصطلح العربي المرادف لهذا المفهوم مقارناً للمصطلح الغربي ـــ سواء في كتابات علماء الموسيقىٰ البشرية أو الدارسين للحضارة الإِسلامية وأحياناً عند المسلمين أنفسهم ـــ المتخصصين منهم والعامة. وقد انتقل مصطلح «الموسيقىٰ» من اللغة اليونانية إلىٰ اللغة العربية علىٰ يد المسلمين الذين عاشوا من القرن الثامن حتىٰ القرن العاشر. ويرتبط بهذا المصطلح العديد من المضامين عبر التاريخ الإِسلامي(5) ولكن أفراد المجتمع المسلم لم يعتبروه مرادفاً للمعنىٰ السابق الإِشارة إليه إلا حينما استخدموه بمعناه الواسع الذي يفسح المجال لتأويلات مختلفة. بينما لجأوا إليه في أغلب الأحيان للدلالة علىٰ نماذج معينة من الأنماط الحياتية الدنيوية كما تظهر في ثقافتهم(6). وليس هناك مصطلح غربي آخر يمكن التعرف عليه باعتباره مرادفاً لمصطلح «الموسيقىٰ» كما يرد بمعناه الجامع في اللغة الانجليزية. فعلىٰ سبيل المثال نجد أن لفظ «الغناء» لا يشمل كل أشكال الموسيقىٰ التي تعتمد علىٰ الآلة فقط ولكنه قد استخدم أحياناً للدلالة علىٰ كل «الموسيقىٰ الدنيوية» سواء قام بأدائها المطربون أو العازفون علىٰ الآلات أو كليهما معاً. ولذا فإنه بمعناه هذا قد استبعد كل الأنماط الدينية. بينما يدل «السماع» علىٰ الموسيقىٰ الآلية أو الصوتية التي ترد في حلقات الذكر عند الصوفية أو إخوان الصفا ولكنه غالبا لا يشمل نمط الموسيقىٰ الذي يظهر في مقامات أخرىٰ دينية كانت أو دنيوية. «والتطريب» ـــ كما يعني لغوياً إدخال البهجة والمتعة بإستخدام الصوت, ويرمز إلىٰ إلقاء قطعة شعرية بمصاحبة عزف موسيقى ـــ قد استخدم أحياناً بلا تحديد كمرادف لـ «الموسيقىٰ», ولكنه أيضاً لا يشمل كل أنماط الفنون الصوتية المنغمة في العالم الإِسلامي, حيث أن ما يحمله من مضامين وما يرتبط به من متعة حسية جعلته غير مناسب من الوجهة الإِسلامية ـــ لإطلاقه علىٰ أغلب الأنماط الدينية. وهناك مصطلح آخر استخدموه في بعض الأحيان مرادفاً لمصطلح الموسيقىٰ وهو مصطلح «اللهو» وهذا المصطلح يشمل في الواقع فئة أوسع فيجمع كل أنماط التسلية. ولكنها عندما نستخدمه بمعناه الموسيقىٰ الدذيوية.
وهكذا فإن البحث عن مصطلح يحوز قبولاً ثقافياً ويشمل كل ضروب الآراء في الموسيقىٰ في الثقافة الإِسلامية يعتبر أمراً عقيماً. ولكنا لا نقصد بذلك الإِشارة إلىٰ نقص في الثقافة الإِسلامية التي قامت بدور هام في تاريخ كل المناطق في العالم الإِسلامي, وإنما علىٰ العكس من ذلك فإننا نعرض نتائج هذا البحث لكي نبين سمة فريدة إختصت بها هذه الثقافة في فهمها للفن الموسيقي ـــ ذلك الفهم الذي قام بدور أساسي في تحديد سمات هذا الفن. ويتضح من هذا الفهم أن الأنماط التي اعتبرها الغرب تندرج تحت مظلة الموسيقىٰ لم تكن كذلك في المجتمع المسلم. بل إن الثقافة الإِسلامية في حقيقة الأمر قد أمدتنا بتسلسل هرمي لدرجات التعبير في فن الصوت أو ما يمكن أن يطلق عليه «هندسة الصوت», وهذا التسلسل رغم أنه لا يتسم بالوضوح والصراحة إلا أنه قوي الدلالة في مضمونه. ويعطينا هذا التسلسل القدرة علىٰ الفصل بين الأنماط التي تتمتع بالتحبيذ والتقدير في فئة, والأنماط والمناسبات غير المستحبة في فئة أخرىٰ بإعتبارها محل جدل أو استهجان. وقد كتب إبن تيميه ( 1966 : 11 : 318) يقسمها بين محرم ومكروه وواجب ومستحب.
ويزخر تراث الكتابة في الثقافة الإِسلامية بالكثير حول شرعية الموسيقىٰ أو عدم شرعيتها. وانقسم الكتاب علىٰ مر القرون التي سلفت بين مؤيد ومعارض حول فوائد الموسيقىٰومضارها سواء منهم من كتب في المجالات الدينية أو الأمور التشريعية أو حتىٰ الموضوعات الدنيوية ومال بعضهم نحو أنماط معينة بينما اتحه آخرون إلىٰ انماط مخالفة. ومن المؤكد أن هذه المحاولات لم تتطرق كل نوع من أنواع هندسة الصوت, ولكن المتصفح للكتابات الإِسلامية لن يجد صعوبة في تبين نوع من الإِدراك للأثر الذي يمكن أن تتركه الموسيقى علىٰ أفراده بل وعلىٰ القيام بالوجبات الدينية (إبن تيمية 1966 : 11 : 306) ولم يخل العصور الإِسلامية أو إقليم من أقاليم العالم الإِسلامي من أفراد يكرسون وقتهم في سبيل مجالات متنوعة من التعبير الموسيقي أو يمارسونها فعلاً. ولكن الإِسلام والمسلمين وضعوا قيوداًعلىٰ ممارسة أنماط معينة من الفن الموسيقي بينما أيدوا واستنبطوا أنماطً أخرىٰ. ووصلت هذه التفرقة حداً جعلهم لا ينظرون إلىٰ الكثير من الأنماط المستحسنة لديهم بإعتبارها موسيقىٰ خشية اختلاطها أو ارتباطها الممنوعة في فن التنغيم الصوتي.
وتأتي التلاوة الموجودة للقرآن الكريم علىٰ قمة التسلسل الهرمي للتعبيرات الموسيقية أو أنماط هندسة الصوت ـــ حائزة علىٰ أعلىٰ درجات الأهمية والقبول. وعلىٰ مر القرون لاقىٰ هذا التغني المنفرد المرتجل بالصوت القبول التام والتأييد المنقطع النظير ـــ فعلىٰ مدىٰ أربعة عشر قرناً ظلت قراءة القرآن تؤدي مع بعض التنوع في للأسلوب تبعاً للفرد أو الإِقليم ـــ دون أن تتخطىٰ هذه النماذج حدود الطريقة التي خضعت للرقابة الصارمة من قبل المسلمين ذوي الشأن وذلك بعد أن ظهر الإِسلام. كما ألفوا العديد من الكتب تنكر وتستنكر أي تحوير في السمات الأصلية للترتيل القرآني وتحول دون تمثّل أي سمات تدخل عليه من المحتوىٰ الموسيقي الوطني للأجناس المتنوهة التي تتشكل منها الأمة الإِسلامية (انظر 1958, Talib, السعيد 1974 : 344 ـــ 348, Faruqi, 1974 : – 281). كما أن وجود احساس داخلي بالقيمة الجمالية الدينية متسماً بالرهافة والتصميم ـــ وقف حائلاً دون إقحام أى من التغيرات في طريقة أداء هذا الترتيل ومحتواه. تلك التغيرات التي قد تقلل من اتساقه مع المتطلبات الدينية والجمالية التي تحدد تطوره. ولم يحدث أن اعتبر المسلمون هذا الترتيل ضرباً من ضروب الموسيقىٰ رغم تطابقه مع كل مواصفات التعريف التي أشرنا إليها سابقاً. ودون أن ينكر أي منهم أن ترتيل القرآن يعتبر أسمىٰ مَثَلٍ في «هندسة الصوت» وهو المصطلح الذي استخدمناه الآن للدلالة علىٰ كل فئات الفن الصوتي المنغّم.
وهناك أيضاً أنماط أخرىٰ من فن الصوت لم يرتّب المسلمون فيها كأنماط شرعية من أنماط «هندسة الصوت» التي ظهرت في الثقافة الإِسلامية, ومن ذلك لم ينظروا إليها بإعتبارها «موسيقىٰ» فعلىٰ سبيل المثال يقترب الأذان من الترتيل القرآني ـــ وإن كان دونه ـــ علىٰ ذلك التسلسل الهرمي ـــ ذلك الأذان الذي يُتغنىٰ به خمس مرات يوميا من فوق مئذنة كل مسجد ويشترك مع التلاوة القرآنية في الكثير من السمات في الإِداء. وتأتي أمثلة أخرىٰ تتري من أنماط هندسة الصوت التي لم يرتب المسلمون فيها كأنماط شرعية. فنجد تهليل الحجيج وما يتغنون به من مديح لله سبحانه وتعالىٰ أو النبي محمد (صّلى الله عليــه وسلم) أو بعض الأشخاص الذين يُعتبرون قدوة في الدين ـــ علىٰ مر التاريخ الإِسلامي وسواء أطلقوا عليه تحميداً أو نعتاً أو مديحاً فكلها نماذج متنوعة للأناشيد التي يتغنون بها علىٰ نطاق واسع. بل أن التغني بالشعر حول موضوعلت سامية يقع داخل نطاق هذا الفئة المقبولة التي لا يعتبرونها موسيقىٰ, وقد ظلت أفضل نماذج هذا الشعر المتغنىٰ به قريبة في محتواها وأدائها من نموذج التلاوة القرآنية كما ظهرت في ثقافتها فلم تتعرض لشيء يذكر من الكتب داخل هذه الثقافة بل حظيت بما أكسبها شرعية من فهم وتأييد ـــ بل وتقدير ـــ من غالبية أفراد المجتمع علىٰ مر القرون. ولم تتعرض مرغوبيتها للتساؤل إلا فيما نذر.
وتندرج ثلاث مستويات أخرىٰ بين أشكال التعبير الموسيقي التي تعتبر حلالاً, أي تلك التي تتغير النظرة تجاه شرعيتها, وأولها تشمل ضروب الموسيقىٰ العائلية وموسيقىٰ الحفلات مثل أهازيج النوم للأطفال وأغاني النساء وموسيقىٰ الأعراس والاحتفالات الدينية والعالية. وتجمع اللقاؤات والاحتفالات العائلية بين بعض الأنماط الدينية التي تأتي علىٰ أعلىٰ درجات التسلسل الهرمي وبين الموسيقىٰ الدنيوية التي تماثل المستويات الأدنىٰ علىٰ هذا التسلسل. وكلما التزمت هذه الموسيقىٰ بالمثل للأخلاقية والجمالية للمجتمع زادت درجة تقبلها كنموذج لهذه الفئة من التعبير الموسيقي, ويطلق علىٰ المستوىٰ الثاني منها في هذا التسلسل الهرمي «الموسيقىٰ المهنية» وتشمل أغاني القوافل (مثل الحداء والرجز والركبان) وترانيم الرعاة وأناشيد العمل. وتجمع آخر هذه المستويات ـــ التي تشملها الفئة المجازة ـــ «الطبل خانه» أو موسيقىٰ الحرب الجماعية التي تستخدم لتحميس الجنود في المعركة كما تستخدم في الاحتفالات الشعبية(7).
وتعتبر هذه المستويات الثلاث الأخيرة ذات طابع دنيوي في أساسها وتجمع داخل دائرة الحلال في تقسيمنا الهرمي مع أخرىٰ تأتي دونها كنموذج من الموسيقىٰ مقابل الفئات الأخرىٰ التي تأتي علىٰ قمة هذا التسلسل بإعتبارها ليست من الموسيقىٰ, ومع ذلك فلم تتعرض لأستنكار الدين أو الناس. ورغم أن المسلمين لم يعتبروا هذه الأنماط المتدرجة علىٰ المستوىٰ المتدني من مجموعة الحلال علىٰ نفس المستوىٰ من التقدير مثل التجويد القرآني إلا أنهم يتفقون علىٰ أنها نعبيرات فنية صوتية تدخل ضمن دائرة الحلال. ونجد الدليل علىٰ ذلك في تراث الحديث وفي كتابات أئمه المدارس الفقهية الأربعة وعلماء المسلمين المعروفين (8).
ويمكن لكل أشكال التعبير الموسيقي الأخرىٰ التي ظهرت في العالم الإِسلامي أن تجد لها مكاناً داخل التسلسل الهرمي لهندسة الصوت (شكل 1) ولكن يحدها «فاصل غير مرئي» يفصل بينها وبين تلك الأنماط التي سبق تعدادها. وقد لجأت إلىٰ تسمية هذا الفاصل «بالفاصل غير مرئي» لأننا نجد أحياناً من بين الأفراد أو الجماعات أو حتىٰ المجتمعات داخل العالم الإِسلامي من يلتزم به ومن يتجاهله ومن يتخطاه. وهذا الفاصل يفصل بين تلك الأشكال الموسيقية التي تعتبر تعبيرات جمالية تدخل في حيز الحلال وبين تلك الأشكال الموسيقية التي دار حولها الشك أو أنها مصدر خطر أو ربما تكون مرفوضة.
وعلىٰ قمة هذه المجموعة التي تشكل القسم الثاني في هذا التسلسل الهرمي تأتي الأنماط الإِرتجالية التي تعتمد علىٰ العزف الحر علىٰ الآلات أو الأصوات المنغمة. مثل الليالي و الآفاز والتقاسم والاستحسان نسبة كبيرة من الأفراد رغم أنها لم تلاق قبولاً عاماً بنفس الدرجة التي حازتها الأنماط التي تقع في القسم الأعلىٰ لهذا الفاصل. وتلي هذه الأنماط الإِرتجالية الأغاني الموزونة الجادة مثل الموشّحات والأدوار وبعض أشكال التصانيف ولو إستمتعت بها نسبة معقولة من أفراد المجتمع تقل قليلاً عن سابقتها واعتبروها غير مؤدية إلىٰ المفسد. وتأتي الموسيقىٰ المرتبطة بأصول جاهلية أو غير إسلامية علىٰ مستوىٰ دون ذلك وتشمل أنماط الموسيقىٰ التي لم يقرها جمهور العلماء لإِرتباطها بتراث الجاهلية أو الوثنية وما يحول من أفكار وممارسات. وقد أظهر المجتمع الإِسلامي ـــ في العادة ـــ تسامحاً كبيراً تجاه ما يجده من موسيقىٰ لدىٰ الأفراد الذين يدخلوا في الإِسلام بينما يركز دعاته من العلماء علىٰ تعميق أثر الإِسلام في حياة هؤلاء الأفراد وامتداده ليشمل كل مظاهر الحياة لديهم. ولذا فإ ن نماذج من هذه الفئات الثلاثة من الموسيقىٰ والتي إختلفت حولها الآراء كانت بلاشك شائعة بين كثير من المسلمين في أجزاء كثيرة من العالم الإِسلامي. وهذه النماذج تتباين في محتواها وطريقة أدائها بدرجة كبيرة ومن ثم يراها البعض حلالاً بينما يعتبرها البعض الآخر من الأمور المباحة, وتنظر إليها فئة ثالثة بإعتبارها في نطاق المكروه. ولكنها ـــ في مل الأحوال ـــ لم يصاحبها الإِحساس بالبراءة الكاملة الذي صاحب ممارسة تلك الأنماط التي تقع في القسم الأعلىٰ من ذلك الفاصل غير المرئي.
وفي الدرك الأسفل من هذا التسلسل الهرمي تأتي الموسيقىٰ المثيرة للشهوات التي يرتبط أداؤها بالممارسات المنكرة والتي يُعتقد باستثارتها الأفعال المحرمة مثل شرب المسكرات والفسق والفجور … وغيرها. ويُفضل هذا القسم عما يعلوه في التقسيم الهرمي بخط أسود مصمت حيث أن المسلمين أجمعوا علىٰ رفضها.
وهكذا نجد أن هناك تسلسلاً هرمياً للفن الموسيقي أو «هندسة الصوت» يتضح فيما بيناه سابقاً علىٰ إحدىٰ عشر فئة أو مستوىٰ للتعبير الموسيقي ويتدرج تحت ثلاث مستويات يأتي علىٰ قمتها المستوىٰ الذي يضم كل أنماط الفن الموسيقي التي رفضت الثقافة الإِسلامية أن تضعها تحت مصطلح الموسيقىٰ خشية أن توضع علىٰ قدم المساواة مع تلك الأنماط الأقل استحساناً بين المسلمين أو تتـثر بها, كما يضم ثلاث فئات من الموسيقىٰ أقرها النبي (صّلي الله عليــه وسلم) والمسلمون عامة, وفي أسفل هذه المستوايات نجد ذلك المستوىٰ الذي يضم أشكال الموسيقىٰ التي أجمع المسلمون علىٰ وضعها خارج دائرة القبول لإِرتباتها بالممارسات المنكرة وعدم اتساقها مع المعايير الأخلاقية والجمالية في الإِسلام. أما الفئة الثالثة فيضمها ذلك المستوىٰ الذي يقع في منتصف التسلسل الهرمي ويشمل أنماط الموسيقىٰ المختلفة التي كانت موضع جدل علىٰ مر القرون بين المؤيدين للموسيقىٰ والمعارضين لها في الثقافة الإِسلامية. ولم يثر جدل إلا حول هذه الأنماط التي تضمها هذه الفئة الثالثة. فلم تقم معارضة ضد تجويد القرآن والتغني به فقد أمرنا الله سبحانه في كتابه الكريم بمثل هذا الآداء (القرآن , 73 : 3) كما أن الآذان وتهليل الحجيج وابتهالات المديح وإنشاد الأشعار وموسيقىٰ الاحتفالات والمناسبات العائلية والموسيقىٰ المهنية وأيضاً الموسيقىٰ الحماسية والنحاسية التي تعزفها الفرق العسكرية .. كلها أقرتها حوادث في حياة الرسول محمد (صّلى الله عليــه وسلم) وحياة خلفائه فلم نجد جهداً يذكر في إثبات قبولها واستخدامها. كما لم يقم جدل حول رفض الدرك الأسفل من التسلسل الهرمي الذي يحوي ذلك المستوىٰ من الموسيقىٰ المثيرة للشهوات والتي إرتبطت بالفجور وإهمال الواجبات الدينية والإِجتماعية فقد إجتمع علىٰ رفضها المؤيدون الأنماط الأخرىٰ وكذلك المحافظون الذين أنكروا تلك الأنماط. ولذا فإن الفئات التي شملها المستوىٰ المتوسط من التسلسل الهرمي لهندسة الصوت هي التي لم ينلها الحسم رفضاً أو قبولاً فشكلت مجالاً للجدل.
ويتبدىٰ لنا من هذا التسلسل الهرمي الضمني لفن الصوت والذي قمت بتجسيده هنا أن هناك عدداً من المظاهر المتداخلة قد ساهمت في تحديده. أول هذه المظاهر هو مدىٰ التوافق أو الاختلاف بين كل نمط منها وبين النموذج الأصلي للتجويد القرآني فكلما زاد مقدار ما يستقيه ـــ من هذا التجويد القرآني ـــ اي نمط من أنماط التعبير الموسيقي لبناء أساسه الديني أو الشعري أو الموسيقي, زادت درجة قبوله وشرعيته. وكلما زادت مقدار بعده عن هذا النموذج, زادت درجة تعرضه للتقويم من جانب الإِحساس الداخلي الجمالي في المجتمع الواعي أو تضمينه في مستوىٰ أدنىٰ من القبول والتقدير. وتبياناً لذلك نجد أن الأذان وتهليل الحجيج وابتهالات المديح وكذلك الإِنشاذ الشعري, لها نفس السمات الموسيقية التي نجدها في التجويد القرآني. كما أن الكثير من موسيقىٰ الاحتفالات والمناسبات العائلية, والموسيقىٰ المهنية, تحكمها سمات مشابهة. بينما نجد الموسيقىٰ العسكرية المتضمنة في هذا المستوىٰ ليست لها هذه السمات وهنا تأخذ الوظيفة المرتبطة بالنمط الموسيثي الأسبقية علىٰ الشكل الذي يكون عليه في تحديد مكانته. وكذالك نجد أيضاً أن العزف المنفرد علىٰ الآلات والأداءات المنفردة التي يأتي ترتيبها علىٰ الجانب الأدنىٰ من الفاصل غير المرئي (الذي سلقت الإِشارة إليه) قد ظهر فيها تماثلاً واضحاً مع التجويد القرآني وغيلره من أنماط هندسة الصوت الواردة علىٰ المستوىٰ الأعلىٰ والتي لم يختلف علىٰ قبولها أحد ولذا فقد حظيت بقدر عال من التقبل. كما نجد أن الأغاني المنغّمة التي تأتي علىٰ مستوىٰ الأدنىٰ التالي لا تتسق اتساقاً كاملاً مع السمات الخاصة بالأنماط الموسيقية علىٰ المستوىٰ الأعلىٰ ولكنها رغم ذلك تتفق مع سمات القراءة الأصلية في التجويد القرآني (أنظرal- faruqi, 1975) وهكذا نجد أن أي تدني في المستوىٰ علىٰ السّلم الهرمي يكشف مزيداً من الإِنحراف عن التطابق مع النموذج الأسمىٰ. وهذا يساعدنا علىٰ تفهم انخفاض درجة القبول والتقدير. لتلك الأنماط التي تأتي علىٰ المستويات الأدنىٰ.
أما ثاني هذه المظاهر التي تحدد موقع النمط الموسيقي علىٰ هذا التسلسل الهرمي فيبدو في درجة توافقه مع المطالب الجمالية للثقافة. وكما بينت في مقام سلبق ( أنظر (alFaruqi, 1974: ChI, 1975, 1978) فإنه من الممكن تحديد سمات عامة سواء في الشكل أو المحتوىٰ تجمع بين أنماط الفن الإِسلامي في أي صورة من صوره, وتكتمل هذه السمات في القرآن الذي يشكل في صيغتيه المكتوبة والمقروءة أعلىٰ نموذج وأسمىٰ معيار للإِنتاج الجمالي في الثقافة الإِسلامية(9) كما يبين لنا هذا التسلسل الهرمي أهمية هذه السمات الجمالية في بيان حكم الثقافة علىٰ أنماط الفن الموسيقي أو ما نسميه نحن هندسة الصوت. فكلما إنحدرنا إلىٰ مستوىٰ أدنىٰ ضعفت درجة الاتساق مع هذه السمات في الشكل والمحتوىٰ سواء من الناحية الموسيقية أو من الناحية الشعرية. حتىٰ بالنسبة لذلك النمط الموسيقي الذي يأتي في الدرك الأسفل من هذا التسلسل الهرمي فإن المرء قد يجد فيه أنماطاً معينة تجمع بينه وبين المعايير الجمالية العامة داخل الثقافة ولكنها بالطبع ستكون في أوهن صورها. كما أن مانشهده في هذا النمط من تراخٍ في التمسك بمعايير الثقافة يفتح المجال لقدر كبير من الإِستعارة من التراث الموسيقي الأجنبي. ونجد مثالاً واضحاًعلىٰ هذا التحلل من المعايير الثقافية فيما تقدمه النوادي الليلية في أي من البلاد الإِفريقية أو الأسيوية أو بلدان الشرق الأوسط حيث يظهر فيها أشكال متنوعة من التأثيرات الموسيقية الداخيلية.
والمظهر الثالث يقوم أيضاً علىٰ أساس ترتيب هذه الأنماط طبقاً للحساب الإِحصائي للقبول التقديربين أفراد المجتمع, فتلك الأنماط الواقعية في أعلىٰ التسلسل الهرمي, والتي وُسمت بأنها أنماط لا تتبع «الموسيقىٰ» قد تمتعت بقبول عام, كما حظيت باحترام بين الشعوب المسلمة. أما بالنسبة للمستويات الثلاثة التالية لها والتي لم تتخط الفاصل غير المرئي فقد لاقت هي الأخرىٰ القبول ولكن بين غالبية المسلمين وكما إنتقلنا من مستوىٰ إلىٰ مستوىٰ أذني منه قل عدد الأفراد الذين يرون بأن تورطهم مع هذا المستوىٰ لا يسبب لهم حرجاً البتة. وعلىٰ أدنىٰ مستوىٰ من التسلسل نجد قلة قليلة هي التي يمكن أن تعطي موافقتها للموسيقىٰ المثيرة للشهوات فيما يجُمع الكل علىٰ أن ممارستها أو الاستمتاع بها يعتبر إلىٰ خد ما موضعاً للشبهات.
أما المظهر الرابع الذي يقوم بتحديد المواقع داخل هذا التسلسل الهرمي ويتضح من خلال الترتيب فيه فيرتبط بالمظهر الثالث ويواكبه. ويتعلق هذا المظهر بما يعتبره المجتمع المسلم خضوع الموسيقىٰ للمتطلبات الأخلاقية للإِسلام. فبينما نجد الفقرات الواقعية علىٰ المستويات العليا قادره علىٰ توجيه عقول السامعين واهتمامهم بالخالق والتكاليف الإِلهية والمقاصد الأخلاقية في الحياة, نجد أن الفقرات التي تقع علىٰ كل مستوىٰ في سبيل التدني تثير إحساساً بتناقص قدرتها علىٰ إحداث مثل هذا الأثر المرغوب. وتقع الموسيقىٰ المثيرة للشهوات علىٰ الدرك الأسفل بإعتبارها مرتبطة دوماً بتعاطي المخدرات وتناول المسكرات وممارسة العُهّر والفجور والإِنحلال ولذا كان نصيبها الرفض التام لتأثيرها المفسد علىٰ الفرد والمجتمع. وقد أكدت كثير من الكتابات أهمية هذا العامل الأخلاقي في تكوين إتجاهات العالم المسلم نحو الموسيقىٰ, (أنظر الشافعي 1906 جزء 6 : 214 ـــ 215، الفتاوي الهندية 1892 : جزء: 5/351 ).
ومن الاعتبارات البديهية أن هناك أنماطاً معينة أو تقاليد خاصة في بعض أجزاء العالم الإِسلامي تعتبر نماذج إستثنائية يتبدىٰ فيها عدم الاتساق مع التسلسل الهرمي الذي أوردناه هنا أو عدم الامتثال لهذه المظاهر الأربعة التي اعتبرناها ذات أثر فعّال في تحديد هذا التصنيف أو في تحديد مكانة الموسيقيين. ففي عالم شاسع يجتمع فيه نسيج معقد من الأجناس المتنوعة مثل العالم الإِسلامي, قد يكون من الصعب ـــ إن لم يكن من المستحيل ـــ تقديم تقسيم هرمي للتعبير الموسيقي يصدق علىٰ الجميع. وهذا لا ينفي الفائدة من إيجاد مثل هذا التصنيف الذي قد يساعدنا علىٰ أن نُفكر بطريقة تتناسب مع الواقع العريض الذي نعيشه, الأمر الذي قَصَّرَت فيه كثير من الدراسات السابقة بسبب التشويش الذي حاق بهذا المجال.
2) الموسيقيون :
إذا ما عبرنا التقسيم الهرمي الممتد من الأنماط الشرعية إلىٰ الأنماط المنكرة وانتقلنا إلىٰ مناقشة القائمين بالآداء في هندسة الصوت بدلاً من فن الصوت ذاته فإننا سنجد أن الموسيقيين في العالم المسلم يخضعون لترتيب تسلسلي مماثل يمتد بين المقبول المباح والمنكر المرفوض فأولئك الذين يقيمون بقراءة القرآن أو يرفعون الأذان أو يؤدون الأشكال الأخرىٰ للفن الصوتي المنغّم والتي تقع علىٰ مستويات التقسيم الهرمي فيما فوق «الفاصل غير المرئي» ـــ أولئك تمتعوا بالتقبل التام في المجتمع. كما أن المتقنين منهم قد حظوا بالتفريط والتقدير لمقدرتهم و «فنّهم». ولم ترسم الثقافة الإِسلامية خطاً فاصلاً يَحصُر هؤلاء الموسيقيين الذين يؤدون هذه الأشكال المقبولة من فن الصوت باعتبارهم فئة خاصة وإنما اعتبرت كل فرد من أفراد المجتمع مؤدياً لهذه الأنماط وإن لم يكن محترفاً. فكل مسلم يعتبر قارئاً متمكناً للقرآن. ولأنه من الواجب علىٰ المرء أن يجتهد في تجويد القرآن فإن كافة المسلمين يبذلون جهدهم في قراءة القرآن مع تنوع التنغيم واختلاف في الوقفات. وقد جاء علىٰ لسان أحد خريجي الأزهر (10) قوله بأن لغة القرآن تفرض التغني علىٰ القاريء بل أنه أصرَّ علىٰ أننا لا يمكن أن نقرأه مثلما نقرأ أي نص آخر. صحيح أن بعض القراء حباهم الله بصوت حسن ويتقنون القراءة أكثر من غيرهم ولكن أي فرد من أفراد المجتمع له أن يشارك في هذا العمل الذي يحظىٰ بالتقدير التام والإِعجاب العام (11). كما أن أي مسلم من الذين يقيمون الصلاة ربما أملت عليه الظروف يوماً ما أن يرفع الأذان للصلاة ليس بالطبع من فوق مئذنة مسجد وإنما في الصلوات التي تتم في مواقف خاصة يجتمع فيها للصلاة فردين أو أكثر ويلزم فيه الإِعلان عن قيامها. فلا تصح صلاة الجماعة دون أن يُرفع الصوت بالإِقامة. وفي حالة القيام بالصلاه الفردية فإن المصليّ يردد الأذان فيما بينه وبين نفسه إن لم يسمعه يُرفع من فوق مئذنة المسجد. كما أن تهليل الحجيج وتكبيرهم يقع في وسع كل مسلم ولا يقتصر علىٰ فئة خاصة من فئات المجتمع يمكن أن نعتبرها فئة «الموسيقيين». أما بالنسبة للأسكال الأخرىٰ لهندسة الصوت والتي لا نعتبرها من أنماط «الموسيقىٰ» مثل التغني بالمديح وإنشاد الشعر وموسيقىٰ المهنية والمعزوفات العسكرية فإن أداءها لا يشمل كافة الأفراد في المجتمع الإِسلامي ولكننا رغم ذلك نجد كثيراً من المسلمين يشاركون في أدائها في مناسبات مختلفة دون أن نحكم عليهم بالفسوق.
كما أننا إذا نظرنا إلىٰ تلك الأنماط التي تقع في دائرة الخلاف في نطاق التقسيم الهرمي لمستويات الموسيقىٰ والتي تقع بين الحاجز غير المرئي والحاجز المصمت فيه وجدنا أن الهواة الذين يمارسون هذه الأنماط من الموسيقىٰ لا يتعرضون للنبذ أو النقد الإِجتماعي, بينما نجد محترفي أداء هذه الأنماط وأولئك الذين يرتبطون بتلك الموسيقىٰ المثيرة للشهوات التي تقع في الدرك الأسفل من التقسيم, جميعاً يتعرضون بلاشك للريبة والازدراء. ولم تنشأ هذه النظرة بسبب الممارسة الفعلية للأداء الموسيقي وإنما بسبب المتعلقات الأخلاقية المرتبطة بالسعي وراء المنفعة التجارية في هذه المهنة, وسوف نتطرف إلىٰ هذا الموضوع في الصفحات التالية عندما نتعرض لعامل السياق أو مقام الأداء كمحدد لمكانة الموسيقيين. ويجب ألا نغفل نقطة هامة وهي أن أولئك الذين يستمعون لأي نمط من أنماط الموسيقىٰ قد حظوا بنفس الدرجة من المعاملة التي يتلقاها الذي يقوم بالأداء ذكراً كان أو أنثىٰ. فلم يكن هناك سوىٰ تميز بسيط من الناحية الإِجتماعية والشرعية بين النظرة إلىٰ الموسيقيين الذين يقومون بلأداء الفعلي وبين النظرة إلىٰ الذين يستمعون إلىٰ ادائه أو يشجعون هذا الأداء. فكل من تورط مع نمط خاطيء من أنماط هندسة الصوت سواء كان الخطأ في الممارسة أو في المناسبة قد استشعر الحرج ويعرض للحجْر, وهو ما لم يحدث لأولئك الذين يتعاملون مع الأنماط التي تحيزها ثقافتهم.
وتختلف المواقف تجاه الموسيقيين ـــ مثلما تختلف تحاه الموسيقىٰ ذاتها ـــ طبقاً لعدد من الإِعتبارات المحيطة بكل منهم. وأولها أن هذه المواقف تختلف طبقاً لمحتوىٰ الأداء فلن يتعرض موسيِقيُّ لأي حرج إذا ما استقىٰ محتوىٰ أدائه من تلك الأنماط التي تتمتع بالقبول العام داخل المجتمع لتأثرها العميق بالتجويد القرآني وإتساقها مع المطالب الأخلاقية والجمالية في المجتمع المسلم فلم يختلف موقف من جاره الذي لا يمارس مثل هذا النمط من الموسيقىٰ.
وثاني هذه الإِعتبارات التي تحدد طبيعة المواقف تجاه الموسيقي قبولاً أو رفضاً. هو السّياق أو المقام الذي يتم فيه الأداء, وهناك عوامل ثلاثة تحدد هذا السياق أوردها المفكر الإِسلامي والعالم الديني أبو حامد الغزالي (المتوفي سنة 1111) في سجع لطيف الممارسة وزمانها وإخوان المنادمة فيها. ( الغزالي ـــ بدون تاريخ : ج :2 : 301, 1902: 1 ــــ 2) (12).
وحين أورد الغزالي زمان الأداء الموسيقي بإعتباره عنصراً هاماً لتحديد شرعية الموسيقىٰ والموسيقيين, إقراراً أو إنكاراً, فإنه قد عرض لأمر ذي شقين, الشق الأول يعتبر أهمية الزمان علىٰ أساس أنه إذا ما إعترض الأداء أو الاستمتاع بالنمط الموسيقي زماناً مخصصاً لتحقيق هدف ديني أسمىٰ (مثل الصلاة أو رعاية الأسرة.. ) فهو من الأمور المفسدة التي يجب إجتنابها, (المرجع السابق), والشق الثاني يكمن في إستناد هذا التبرير علىٰ الإِجماع بين المسلمين علىٰ أن الحياة ليست عبثاً ولا يجب أن نخصص سوىٰ وقت قصير للمتعة الزائفة ولذا فإن الغزالي يرىٰ أن الفرد ـــ سواء كان مؤدياً لنمط موسيقىٰ أو مستمعاً له ـــ إذا ما أعطي جل وقته للإِستمتاع بالموسيقىٰ إنقلب الأمر من لهو بريء إلىٰ زيغ جريء, ( الغزالي ـــ بدون تاريخ ـــ ج 2 : 283, 301, 1901 : 240 ـــ 241, 251 ). وشدد الكتاب الآخرون تشديداً مماثلاً علىٰ أهمية الممارسة المحدودة.
وهناك عامل آخر يرتبط بموضوع «الزمان» الذي يقوم بدور واضح في تحديد مكانة الموسيقيين في العالم الإِسلامي, وهذا العامل هو درجة تورطهم في إحتراف هذا العمل. فبينما تعرض المحترفون له لصنوف الريبة والازدراء في المجتمع الإِسلامي, نَعِم الذين يؤدونه بلا احتراف بالتسامح والقبول بل وبالإِعجاب لمقدرتهم في ذلك (13) وقد دفع هذا الموقف من الاحتراف للموسيقىٰ الأفراد إلىٰ عدم تكريس حياتهم لها أو إمتهان ممارستها فأصبحت قاصرة علىٰ الفئات المتطرفة في المجتمع أما أولئك الموسيقيون الذين حققوا ما أرادوا وتقدموا الصفوف واعتبروا أنفسهم في منأىٰ من القيود العادية أو الحدود الطبيعية التي إرتآها البناء الإِجتماعي, أولئك الأفراد الذين ينتمون إلىٰ مراكز دونية فليس لديهم ما يفقدون إذا ما وصموا بالإِحتراف. كما أن أولئك الذين مارسوا هذا العمل عم هواية ودون إحتراف قد تهيأت لهم فرصة اكتساب الإِحتراف الذي يرتبط بما يحترفونه أو ما يؤدونه من مهن أخرىٰ إلىٰ جانب إجتنابهم الإِستغراق في هذه الأنشطة الشهوانية أو الإِؤتباط الكامل بها وهي الأنشطة التي أدانها ـــ ويدينها ـــ المجتمع.9
ويأتي اعتبار «المكان» للدلالة علىٰ إقتناع المسلمين الصريح بأن الحكم علىٰ الموسيقيين بالصلاح أو الطلاح يعتمد علىٰ سياق الممارسة أو المقام الذي تم فيه الأداء,
Roychoudhury , 1975 : 80, الغزالي (بدون تاريخ) : ج 2 : 281 ـــ 283 , 1901: 235 ـــ 241 فكلما بينت سابقاً (al-Faruqi, 1981 b ) نجد أن هناك تداخلاً غريباً بين المقامات التي يتم فيها الأداء بالنسبة للأنماط المختلفة للموسيقىٰ في العالم الإِسلامي. فلا يقتصر سماعنا للقرآن ـــ مثلا ـــ عليه وهو يتلىٰ في المساجد أثناء الصلاة وإنما نسمعه في الاجتماعات العامة وفي الاحتفالات التي تقام أثناء العطلات, وفي برنامج المدرسة وأيضاً في الإِحتفالات الخاصة. كما أن الأذان يردّد في كل وقت من أوقات الصلاة حيثما تجمع المسلمون لإِقامتها. وليس مجرد «نداء» إختص به محترفون من فوق مئذنة المسجد, والتغني بالمديح وقصائد الإِنشاذ بموضوعاتها السامية يمكن أن يُكوّنا جانباً من اجتماع ديني مثل حلقات الذكر عند الصوفيين أو مصدراً لمتعة جمالية أو سمو روحي ضمن مناسبات أخرىٰ دنيوية. وتقوم أنماط الأداء المرتجلة من الغناء أو العزف مقام حلقة الوصل بين السياق الديني والسياق الدنيوي في الثقافة الإِسلامية. وكما تظهر في حلقات الذكر وفي برامج الإِذاعة والتلفاز نجدها في الحفلات العامة واللقاءات الإِجتماعية الخاصة وفي المناسبات العائلية. وهي ذانها قد تكون أحياناً عنصراً هاماً من مكونات البرامج الموسيقية داخل الملاهي الليلية. وإذا ما وضعنا في إعتبارنا هذه الدرجة العالية من اتحاد الأنماط المختلفة في سياق الأداء يتضح لنا أن الموسيقىٰ ذاتها ليست العنصر الأوحد الذي يجب أن نضعه في الإِعتبار عند تقويمنا لدرجة القبول التي يمكن نمنحها لمهنة الموسيقىٰ, حيث تتساوىٰ درجة الأهمية المعطاة لمقبولية المكان الذي يحدث فيه الأداء الموسيقي مع الدرجة المعطاة للمناسبة التي إرتبطت به في تكوين حكمنا علىٰ من يقوم بهذا الأداء أو من يستمع إليه.
ثم يأتي العامل الأخير الذي أشار إليه الغزالي في تصنيفه المسموع للعوامل المحددة لإصدار الحكم بالقبول أو الإِنكار لنمط الأداء الموسيقي وهذا العامل هو «الإِخوان» أو الرفاق في الأداء أو الاستماع, فإذا ما تسبب هذا الأداء ـــ أو الاستماع ـــ في وضع الفرد في صحبة الأخيار والكرم فلا غبار عليه ولا ضرر منه ولكنه إن تسبب في وضعه في صحبة تلهيه عن الواجبات الدينية أو المسؤليات الإِجتماعية أو ينتج عنه انتقاص من وضعه الأدبي فقد وقع هذا العمل في دائرة المحظور بغض النظر عن ماهية الأداء الموسيقي في ذلك المقام.
ولقد استخدم المجتمع المسلم هذه العوامل الثلاثية ـــ الزمان والمكان والإِخوان ـــ كمعايير يحدد بواسطتها القبول أو الرفض للنشاط كله بما في ذلك الناتج عنه والقائم به والمستمع إليه. ويرجع إستخدام هذه العوامل الثلاثية إلىٰ أثرها الهام في تحقيق مطالب الحياة الدينية والأخلاقية أو في عدم تحقيقها. وواقع الأمر هو أن هذه العوامل التي تتصل بوظيفة الموسيقىٰ وسياق أدائها قد قامت بدور أكثر أهمية ـــ في الثقافة الإِسلامية ـــ في تحديد القبول أو الرفض لأي أداء موسيقي أكثر من خصائص هذا الأداء ذاته فنجد بعض الكتّاب يستنكرون نمطاً من أنماط الموسيقىٰ في سياق ما أو تحت ظروف معينة بينما يجيزونه في موقف مغاير فعلىٰ سبيل المثال نجد علماء الفقه الأول يعتبرون أن ضرب الدف حلال إذا ما قامت به النساء قي حفل للزواج أو في حفل للمرح. ولكنهم أنكروا إستتخدامه بين الرجال أو في مقامات أخرىٰ إرتبطت بالشذوذ الجنسي, (النووي 1884 : ج : 3 : 401, ابن تيميه 1966 : ج2 : 301, ابن عابدين 1882 : ج4 : 530, الغزالي 1901 : 211, 237, الغزالي بدون تاريخ, ج 2, 271, 282, الفتاوىٰ الهندية 1892, ج 5 : 352, Robson, 1938 : 3). ودق الطبول أو الدفوف يعتبر أمراً مشروعاً في الموسيقىٰ العسكرية أو كحداء لمسيرة الجنود ولكنه ذاته أمر مرفوض في مقامات أخرىٰ.
وتقف هذه الأهمية المعطاة للمقام الذي تم فيه الأداء مع خصائص العمل الفني ذاته من وراء الأحكام المتنوعة بخصوص الموسيقىٰ والتي وردت في تراث الحديث. ففيما ورد عن الرسول محمد (صّلى الله عليــه وسلم) من قول وفعل ـــ وثبتت صحته بعد البحث والتمحيص الدقيق ـــ قد أيّد بالدليل القاطع وجهة النظر المؤيدة والمعارضة للتعبير الموسيقي, ( الغزالي ـــ بدون تاريخ ـــ ج 2 : 274, 277 ـــ 278, 284 وماتلاها, الغزالي : 1901 : 217, 224 ـــ 227, 224 ومــا تلاهـــا, (Roychoudhury,1957 : 66 – 70) وما من إنسان عاقل علىٰ علم بهذا التراث ويتسم بالأمانة يلجأ إلىٰ الاستدلال بهذه الأحاديث التي تؤيد وجهة نظر ويُغفل تلك الأحاديث الأخرىٰ التي قد تعارضها. وقد تسبب التناقض الظاهري بين الأحاديث قدراً لا يستهان به من الصعوبات للباحثين المسلمين وغير المسلمين ناهيك عما أثاره من بلبلة عند الأمة الإِسلامية غبْر القرون (شلتوت 1960 : 355).
فلا يستطيع المسلم بالطبع بأي حال من الأحوال أن يتجاهل تراث الحديث وهو أهم مصادر الشرعية بعد القرآن. حتىٰ غير المسلم لا يمكنه أن يغفل عن إعطاء الحديث قدره من الأهمية. فمن يدرس هذه الثقافة سيلحظ ماله من تأثير عميق واسع المدىٰ, وليس عند المسلمين بإعتبارهم أفراداً فحسب, بل في كافة سلوكياتهم وأفكارهم وأيضاً مؤسساتهم. ونحن في محاولة تحديد الأسباب الكامنة وراء قبول بعض أنماط التعبير الموسيقي ورفض البعض الآخر ـــ سنجد أن تراث الحديث يمدنا بالتفسير الذي يخدم المسلم وغير المسلم علىٰ حد سواء. ذلك التفسير الذي تتخطىٰ أهميته مجرد إلقاء الضوء علىٰ مسألة الموسيقىٰ التي نحن بصددها.
ولا يعنينا في هذا المقام أن نوضح للمسلم أن نسيج هذه الأحاديث يمثّل أحداثاً واقعية في حياو الرسول (صّلى الله عليــه وسلم) أو نبين لغير المسلم أنها أحكام أجمع عليها تفكير المسلمين في القرون الأولىٰ من العصر الإِسلامي فأسقطوها علىٰ حياة الرسول (صّلى الله عليــه وسلم) ليعطوها الصدق والاستمرارية الأبدية. وكل ما أتانا من معلومات حول الظروف التي جرت فيها هذه الحكايات والأقوال قد تعرض للتمحيص الدقيق والتنقية الفاحصة ونقلها السلف للخلف مصونة من كل تحريف. ورغم ذلك نجد أنه من الصعب علينا أحياناً أن نعرف التفاصيل الدقيقة لمقام هذه الأحكام وتلك الحوادث المرتبطة بالموسيقىٰ. وإذا ما أخذنا في إعتبارنا أهمية السياق الموسيقي في المجتمع الإِسلامي فإنه منالمعقول تماماً أن يكون الرسول (صّلى الله عليــه وسلم) قد أصدر حكمه علىٰ حدة وهو ما فعله خلفاؤه المسلمون .. ومن ثم فإننا لا يمكننا تقويم أي عمل موسيقي إلا باعتباره كلاّ مركبا من كافة خصائص الإِنتاج الفني وكل المظار المتعلقة بأدائه, ومن خلال هذا الإِعتبار بكلية العمل الموسيقي يسهل علينا فهم الأسباب الكامنة وراء التنوع الكبير في آرائه (صّلى الله عليــه وسلم) تجاه حوادث محددة من أنماط هندسة الصوت. وأي تأويل آخر لن يكون إسلامياً في واقع الأمر. وهذا بالتحديد ما تكشفه أفعال الرسول (صّلى الله عليــه وسلم) وأقواله وهو ما فعله المسلمون وقالوه تأسيا به علىٰ مدىٰ أربعة عشر قرناً.
ولقد كان الرأي الذي حمله المسلمون عبر القرون تجاه الفن الموسيقي والذي كوّنوه عن دراسة عميقة ةتميز بالتعقيد ـــ وربما بإثارة الحيرة ـــ نتيجة طبيعية وربما حتمية لإِستخدام هذه الأحاديث المتناقضة (في ظاهرها). وهو يُظهر نموذجاً آخر للتأكيد الإِسلامي ـــ ديناً وحضارة ـــ علىٰ إخضاع كل الممارسات الحياتية اللأفكار العقدية الأساسية في الدين, كما يفسّر لنا تلك التناقضات الظاهرية بين ما قاله بعض الفقهاء وما جاء إلينا من معلومات عن إقتران أسماء مؤسسي المذاهب الفقهية الأربعة ببعض أنماط من الموسيقىٰ. ويجب ألا تؤخذ هذه التناقضات الظاهرية بإعتبارها دليلاً علىٰ استخدامهم أدلة غير صادقة أو علىٰ عدم إخلاصهم با بإعتبارها دليلاً علىٰ إصرارهم علىٰ إخضاع كل نوع من أنواع الموسيقىٰ أو أنشطتها للحكم الصحيح.
الفقه الإِسلامي :
بعد أن استعرضنا التنظيم الهرمي لأنماط هندسية الصوت المختلفة ـــ سواء ما اندرج منها تحت مصطلح الموسيقىٰ أو مالم ينطلق عليه هذا المصطلح ـــ نأتي الآن إلىٰ القواعد المتعلقة بالمشتغلين بالموسيقىٰ في الحضارة الإِسلامية. ومن الواضح أننا لا نجد أي محددات فقهية تجاه أولئك الذين يؤدون تلك الأنماط غير الموسيقية التي تأتي علىٰ قمة التنظيم الهرمي لهندسة الصوت أو تجاه مل يمارسونه من فن, بل نجدهم في الحقيقة مناط التشجيع المستمر ـــ سواء من قبل ما يصدر من قواعد تشريعية أو من قبل المجتمع ـــ الذي يدفعهم إلىٰ اتقان هذا «الفن الموسيقي» ورعاية براعمه ـــ فقد ورد في القرآن والحديث وجاء في المذاهب الفقهية الأربعة أن قاريء القرآن والمؤذن عليهما أن يتطهرا قبل أن يقوما بالقراءة أو الأذان وليس مؤديان لمثل هذه الأعمال بل نجدهما يشاركان في المجتمع ولا يقع عليهما إلا ما يقع علىٰ باقي أفراد الأمة.
حتىٰ أولئك الأفراد الذين يمارسون الأشكال الأخرىٰ من فن الصوت والتي تقع في المنطقة المحظورة في التنظيم الهرمي فهؤلاء لا نجد تجاههم تحريماً مطلقاً أو نجد حداً (15) يؤدي انتهاكه إلىٰ توقيع عقوبة ما . وينطبق ذلك علىٰ من يؤدي الموسيقىٰ ومن يستمع إليها. فلا نجد دليلاً في القرآن أو في الحديث أو في أي من كتب التراث المحققة بياناً بتوقع عقوبة بدنية أو إيداع في السجن أو إلزام بغرامة مالية علىٰ من يتورط في الممارسات الموسيقية. بل إننا لا نجد دليلاً علىٰ وجوب تغريرهم (16) وهي عقوبة شائعة في التشريع الإِسلامي. ومن ثم فليس هناك دليل وارد عن تحريم شرعي للممارسات الموسيقية حتىٰ ولو كانت هذه الممارسات في المنطقة التي أنكرها المنكرون أو حتىٰ في المنطقة التي لم يتفقوا حول قبولها أو رفضها. ولكنا رغم ذلك نجد بعض التعاليم التي يمكن أن تضع الشخص الذي يمارس الموسيقىٰ في دائرة التحديد وإن كانت هذه الدائرة لا تشمل عقوبات مبينة. ويجب ألا يغيب عن ذهننا أن هذه الإجراءات التحديدية تسري فقط علىٰ أولئك الذين يشتغلون برعايته والإِتجار بجهد الآخرين فيه. وتقع هذه الإِجراءات التحديدية في أربع فئات نراها فيما يلي :
1) قبول شهادته أو رفضها.
2) ضمان أجره علىٰ ما يؤديه.
3) القينات أو الإِماء المغنيات.
4) المعازف أو الأدوات الموسيقية.
1) قبول شهادته أو رفضها :
وأول هذه الإِجراءات التحديدية وأكثرها وضوحاً بالنسبة لما يتخذ تجاه الشخص الذي يحترف الموسيقىٰ ويرتزق منها دون سواها ويؤدي تلك الأنماط التي تقع تحت «الحاجز الغير مرئي» في التقسيم الهرمي لفن الصوت, وذلك الإِجراء الذي يختص بقبول شهادته أو رفضها. فقد رأىٰ أئمة المذاهب الفقهية الأربعة لأهل السنة أن الشخص الذي يحترف النياجة أو الغناء لا تقبل شهادته في أي قضية شرعية أمام المحاكم (17). ولكن يجب ألا يغيب عن ذهننا أنهم ـــ أي أئمة هذه المذاهب ـــ قد وضعوا حداً فاصلاً بين أولئك الأشخاص الذين يمارسون الموسيقىٰ في الظروف المسموحة والتي أشرنا إليها آنفاً, وبين أولئك الذين يمارسونها في مواقف ينكرها الشرع والعرف. فبينما لا نجد أي اعتراض علىٰ صحة الشهادة لأفراد الفئة الأولىٰ, نجد أفراد الفئة الثانية ـــ الذين يحترفونها كمهنة يرتزقون منها ـــ لا تقبل شهادتهم. فقد ورد أن أولئك الذين تقع شهادتهم في هذا المجال هم الذين تقع شهادتهم في دائرة الإِنكار, ( الشافعي 1906 ـــ جزء 6 ـــ 214 ـــ 215), ومن ثم فإن من يمارس الموسيقىٰ كهواية تكون شهادته مقبولة, بينما من يمارسها كمهنة ـــ بكل ارتباطاتها السلبية من الناحية الأخلاقية أو الناحية الإِجتماعية ـــ فإنه يكون موضع شك. لأن إختياره لمثل هذه المهنة يمثّل عدم اهتمامه بمركزه الإِجتماعي أو بالحفاظ علىٰ ذاته, وتلك دلالة علىٰ أن لديه من الخصائص ما يدفعه إلىٰ توريط نفسه في ممارسات أخرىٰ يرفضها المجتمع والدين (الشافعي 1906 ـــ جزء 6 ـــ 215) وبنفس المقياس فإن يكفل موسيقياً أو يستأجره لا ترفض شهادته ولا تُعتبر شخصه موضع شك إلا إذا جعل من هذا الأداء عملاً تجارياً أو حدثاً عاماً.
2) الأجور:
أما التحديد الشرعي الثاني علىٰ أولئك الذين يؤدون أنماطاً من موسيقىٰ هندسة الصوت فيختص بضمان أجرهم علىٰ ما يقومون به. فحيث أن جمهور الفقهاء يرون أن إحترافهم لهذا الاداء يعتبر أمراً غير مقبول فإن الشرع لم يمنحهم حق التقاضي للحصول علىٰ أجورهم عنه. كما أفتىٰ بعض الفقهاء بأن الأجور التي تعطي نظير النياحة في المآتم أو الغناء تعتبر أمراً غير شرعي. فقد ورد في «الهداية» أنه ليس من الشرع في شئ أن نخصص أجراً سواء للنائحة المحترفة أو المغنية, (499,638 Hamilton, 1975: ) فإذا ما ارتأىٰ من استأجرهما أن يؤتيهما أجرهما فلا بأس من أن يأخذاه ولكنهما لا يستطيعان مقاضته إذا ما رفض أن يفي بوعده ولم يعطهما أجرهما أو أنقص منه بقدرٍ يريا فيه إجحافاً بهما.
وهناك أمر شرعي آخر يرتبط بالأجور يجب أن نذكره. فقد ورد أن هذه القاعدة تنطبق أيضاً علىٰ من يرتل القرآن أو يعلمه فليس له الحق في تقاضي الأجر ـــ مَثَلُه في ذلك مثل الذي يؤدي الأنواع الأخرى من التعبيرات الموسيقية. ولكن إنكاره أجره لا يعود إلىٰ أن طبيعة العمل الذي يقوم به غير مقبولة وإنما لأنه من غير لائق أن يتقاضىٰ الإنسان أجراً علىٰ عمل يعتبر واجباً شرعياً عليه, (الهداية/:449 Hamilton, 1975) ولذا فإن المقرئين ومعلمي الكتاتيب لجأوا إلىٰ تقاضي الأجور العينية حتىٰ يخففوا من أثر هذه القوانين. وهذا التحايل علىٰ تلك القوانين أمر معروف ويمارس علىٰ نطاق واسع, وقد وقفت المراجع الإِجتماعية والدينية عند حد توجيه بعض مظاهر الإِحتقلر له. كما أن بعض الفقهاء قد تغاضوا عنه تصريحاً بإعتباره أحد وسائل رعاية الشعائر الدينية وبإعتباره من ضروريات الثقافة (مرجع سابق).
3) القينات :
والنوع الثالث من التحديدات الشرعية يختص بممارسة الموسيقىٰ أو الاستمتاع بها عن طريق القينات وهن الإماء اللائي لديهن موهبة موسيقية وتدربن علىٰ العزف والغناء في مرحلة ما قبل الإِسلام والفترة الأولىٰ من انتشاره. وفي هذا المقام لا أجد الدليل الذي يتميز بنفس الدرجة من الوضوح. فلم أتمكن من تحقيق ما ورد من دعاوىٰ في المصادر الثانوية وإرجاعها إلىٰ المصادر الأولىٰ. فعلىٰ سبيل المثال نجد رويشوذي Roychoudhury يستند إلىٰ ترجمة ماكدونالد Macdonald لكتاب الغزالي «إحياء علوم الدين» حين أورد رأي مالك في أن الرجل إذا ما اشترى جارية واكتشف أنها مغنية محترفة فعليه أن يعيدها إلىٰ مولاها الأصلي( الغزالي 1901 : 201 Roychoudhury 1957: 78:) ولكن النص العربي الذي جاء في كتابات الغزالي لا يصل إلىٰ مثل هذا التحديد حيث نجد النص يقول «كان له ردُّها» ( الغزالي بدون تاريخ : جزء 2 : 269) ومن هنا كانت الترجمة التي أوردها ماكدونالد والتي اشتق منها رويشودري معلوماته ترجمه مضللة. وفي الحقيقة فأن مالك بن أنس في كتابه الموطأ قد أعطىٰ أهمية كبيرة لإِيجاد حل للمشكلة التي تنشأ عند إكتشاف عيب في من يُشترىٰ من الإِمام بعد الشراء وأصر علىٰ وجوب إيجاد هذا الحل بدلا من لجوء المشتري إلىٰ إرجاعها لمالكها الأصلي. ولعل إصراره علىٰ أهمية هذا الأمر يلقي بالشك حول إحتمال وجود مثل هذا التحديد في كتابات مالك, (مالك, 1971: 422). وبللإِضافة إلىٰ ذلك فإن القضية برمتها قد تكون بعيدة الصلة عن موضوع الموسيقىٰ والموسيقيين. فبدلاً من إعتبارها دليلاً يستند إليه معارضو الموسيقى يمكن إعتبارها أمراً يختص بوجوب العرض السليم للبضاعة المراد بيعها.
ويورد رويشوذي , Roychoudhury) 1957: 79 فقرة أخرىٰ تحتاج إلىٰ التوضيح. فعندما لجأ إلىٰ الاقتباس من مؤلف الغزالي «إحياء علوم الدين» أساء تأويل الأصل بل وأساء تفسير الترجمة الدقيقة التي أوردها ماكدونالد, (الغزالي : بدون تاريخ: جزء 2 ص 269, 1901 : ص 201). وهذا النص المقتبص أخذه الغزالي أبي الطبيب الطبري فقيه الشافعية في القرن العاشر الميلادي واعتبره دليلاً علىٰ أن الشافعي قد حرّم الاستماع إلىٰ المغنيات. ولكن ما أورده رويشوذري جاء فيه أن «الرجل قد يستمع إلىٰ إمرأة شرطية أن تكون في دائرة محارمه من ذوي القربىٰ» بينما نجد باقي الفقرة المقتبسة تناقض ذلك الجزء الذي أسيء تأويله وذلك لأنها تعود في دقة إلىٰ الأصل. ومما يزيد من التشويش في هذا الأمر أننا نجد المصادر الشافعية الأخرىٰ تورد صراحة أن رفض شهادة أولئك الذين يستمعون إلىٰ القينات لا ينطبق إلا علىٰ أولئك الذين يحققون ربحاً تجارياً من وراء مثل هذا الأمر(18).
4) استخدام المعازف :
إذا ما وضعنا قي إعتبارنا الأهمية المعطاة للتغني الصوتي دون مصاحبة عزف آلي علىٰ أساس أنه أكثر أنماط التعبير الموسيقي الإِسلامي نقبلاً وإنتشاراً فلا عجب أن آلات العزف وموسيقاها تقل في درجة تقديرها بين المسلمين عن درجة التقدير التي يعطونها للغناء الصوتي أو الموسيقىٰ الصوتية, فلم يسمحوا أبداً للمعازف أن يكون لها دور في شعائر الصلاة سواء بمفردها أو بمصاحبة الترتيل. ولعل تمايزها عن نموذج القراءة الأصلية ـــ سواء في مظاهر الأسلوب الموسيقي أو في مقام الأداء ـــ هو الذي حبسها عن القيام بدور رئيسي في أداء مثل هذه الأنماط غير الموسيقية التي تأتي علىٰ قمة التسلسل الهرمي لهندسة الصوت رغم أنها تحوز قبول المسلمين العام حين تستخدم في الفرق الحربية وفي المناسبات الدنيوية الأخرىٰ. ومع ذلك فإننا نجد هنا ـــ مثلما أشرنا ـــ أن مقام الأداء والعوامل المرتبطة به هي المبدأ المحدد لقبول هذا الأداء أو إنكاره. وقد بيّن الغزالي أن بعض المعازف ذات الأصوات الجميلة لا يجب أن نحرّمها مثلما لا يجب أن نحرّم صوت البلبل, ولكنه إستثنىٰ من حُكمه هذا تلك المعازف التي إرتبط عزفها بالخمر أو الشذوذ الجنسي وغيرها من الأمور المحرّمة (الغزالي. بون تاريخ : جزء 2 271 ـــ 272, 1901: 210 ـــ 215).
وتأتي حيثية فقهية ـــ مناقضة لإستخدام المعازف ـ وهي الحكم أن سارق الأداة الموسيقية لا تقطع يده حيث أنها أداة آثمة (القيرواني في مؤلفه «باكورة السعد» وقد وردت ترجمتها في (92 Russell, 1906:) وطبقا لما ورد في تقرير روبسون Robson, 1938: 3)) فقد أفتىٰ النووي وهو فقيه شافعي في القرن الثالث عشر أن تحطيم المعازف أمر مشروع ولم يحمّل الفاعل أية مسئولية. يبنما نجد نقيض ذلك في مؤلف رويشوذري فقد اقتبس المؤلف من «الهدية» أنه إذا ما كسر امرؤ عوداً أو ناباً أو صنجة تخص مسلماً وقعت عليهمسئولية هذا العمل لأن بيع هذه السلعة أمر مشروع Roychoudhury, 1957 : 79)) ورغم أننا لم نحقق هذا الأمر في مصدره الأصلي إلا أنه من الأمور الثابتة أن بعض المعازف قد اعتبرت مناسبة في مقام آخر. ومن ثم فإن الآراء تعتبر متضاربة حول شرعية المعازف وحول الرأي القانوني تجاهها.
رأي معاصر :
وقد جاء أحداث الآراء الإِسلامية الموثوق بها حول موضوع الموسيقىٰ والموسيقيين في الشرعية الإِسلامية علىٰ لسان سيخ الأزهر الراحل محمود شلتوت الذي كان مديراً لجامعة الأزهر والتي تعتبر أشهر المؤسسات الدينية الأكاديمية في العالم الإِسلامي المعاصر وأعلاها مكانة. وقد اضطلع الشيخ شلتوت بمهمة الإِفتاء وأصدر رأياً حديثاً حول الأمور المعقدة التي يثيرها وضع الموسيقىٰ. ويُعتبر رأيه مؤشراً للإتجاه السائد نحو الموسيقىٰ في الثقافة الإِسلامية بغض النظر عن الآراء التي تقع علىٰ طرفي محور القبول /الرفض.
وقد كتب الشيخ شلتوت فتواه رداً علىٰ خطاب بعث به أحد السائلين عن موضوع هذه المقالة ذاته. ونشرت مع مجموعة عن الفتاوي الخاصة به حول مسائل اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية مختلفة. حيث بدأ بالأسف لعدم التواصل إلىٰ رأي قاطع حول هذه المسألة خلال القرون السابقة, ثم استطر فأفتىٰ بالرأي الغالب والذي يشير إلىٰ القبول المشروط للموسيقىٰ وقد أسس فتواه علىٰ أربعة نقاط :
أولها أنه يرىٰ أن الإِستماع إلىٰ الموسيقىٰ أو عزغها يشبه تذوق الطعام الشهيّ أو تحسس الأقمشة الناعمة أو إستنشاق الروائح العطرة أو رؤية المناظر الجميلة أو تحقيق معرفة المجهول وكلها من أشكال السعادة الفطرية التي حبا الله بها الإِنسان. وهي تبعث السكينة في النفس المضطربة ةالاسترخاء للفرد المنهك والترويح العقلي والبدني بعد الإِرهاق وتجديد طاقة الفرد الممارس لها.(19) وبيَّن شلتوت كيف أن الله قد خلق هذه الغرائز في البشر من أجل غرض سامي ولذا فإنه من المستحيل عليهم أن يؤدوا عملهم في هذه الدنيا دون مساعده هذه الغرائز والمتع التي تعينهم علىٰ الوصول إلىٰ أهدافهم. ويستنتج من ذلك أنه من غير الممكن أن تقف الشريعة ضد هذه الغرائز والمتع وإنما لجأت إلىٰ تنظيم تلك الغرائز وتحديد مجالات استخدامها حتىٰ تعمل سوياً بطريقة بناءَة من أجل تحقيق المقاصد الأخلاقية العليا.
وثانيهما : أن الشرعية ـــ مثلها مثل القرآن الذي قامت عليه ـــ تحقق الوسطية المذهبية ومن ثم فهي تعارض التطرف فتقف ضد عدم استخدام الموسيقىٰ كما تقف ضد المغالاة في إستخدامها.
وقد عاد في الثالثة إلىٰ آراء من سبقوه من الفقهاء الذين أدلوا بآرائهم حول «السماع» فأورد بإختصار أنهم أجازوا الموسيقىٰ طالما كان مقام عزفها جائزاً كتلازمها مع الحرب والحج وإحتفالات الزفاف والعيدين وعقّب بالرجوع إلىٰ مؤلف للشيخ عبدالغني النابلسي. (1641 ـــ 1731) فقيه المذهب الحنفي في القرن السابع عشر حيث أورد المؤلف رأياً يقول فيه أن أي تحريم للموسيقىٰ ورد في تراث الحديث قد ورد معه الخمر والقينات والفسوق والفجور. ومن هنا يرىٰ كلاهما ـــ شلتوت والنابلسي ـــ أن التحريم قد بُني علىٰ مقام الأداء ومتعلقاته وليس موجها للموسيقىٰ ذاتها. فقد ورد أن الرسول (صّلى الله عليــه وسلم) وكثيراً من السلف ذوي المكانة في التاريخ الإِسلامي قد استمعوا إلىٰ الموسيقىٰ وحضروا لقاءات من العزف البريء. ويخلص شلتوت من هذا إلىٰ ما خلص إليه سابقوه من أن التحريم لم يبن علىٰ إنكار الموسيقىٰ ذاتها وإنما علىٰ استخدامها في ظروف آثمة أو مرتبطة بالمفاسد.
أما النقطة الربعة والأخيرة التي أوردها شلتوت في فتواه حول الموسيقىٰ فقد أورد فيها حكماً قرآنياً عاماً استخدمه من سبقوه ممن أجازوا الموسيقىٰ (الغزالي بدون تاريخ جزء 2, 272, 1901: 214 ـــ 215). فحذر من الواقع في تحريم مالم يحرم الله. لأن التقول علىٰ الله يعتبر إفتراءّ وكذباً تكفلت ببيانه ألآيات 32, 33 من سورة الأعراف (20)
خاتمة :
ماهي الآثار العامة المترتبة علىٰ الترتيب الهرمي للأنماط الموسيقية والناشئة عن هذه المحاورة حول الموسيقىٰ ـــ والتي يمكن أن تؤثر في الفن الإِسلامي والمجتمع الإِسلامي ؟ إنني علىٰ قناعة تامة بأن هذه المداولات والحركات الثقافية لم تكن لتقضي علىٰ الفن الصوتي في العالم الإِسلامي أو أن ذلك كان هدفها. وإذا كانت أولىٰ اهتمامات آية الله خميني أو أمثاله في القرون الأولىٰ ترتبط بالآثار الأخلاقية والخلفية لتوجيهاتهم فيما يخص الموسيقىٰ فإن الآثار التي نتجت كانت أكثر شمولاً وأكثر عمقاً, ويتضح ذلك فيما يلي :
1) إن وضع أنماط التعبير الموسيقي في تقسيم هرمي ضمني ـــ يأتي علىٰ قمته الترتيل القرآني باعتباره المعيار والنموذج القياسي ـــ قد أدىٰ إلىٰ وحدة ملحوظة في خصائص المحتوىٰ والشكل التي يمكن أن نجدها في أنماط الأداء الموسيقي السائدة في البلاد التي تشكل قلب العالم الإِسلامي. كما ظهرت آثار مماثلة لا يمكن تجاهلها في المناطق التي تبعد عن هذه البلاد.
2) إن هذا التقسيم الهرمي وتلك الأهمية الدينية للأنماط المفترضة من الإِهتمامات الموسيقية قد أدي دوراً أساسياً في تصنيف كل مظاهر الحياة الموسيقية طبقاً لمحددات تقررها الأهداف الخلقية والدينية. وهكذا أصبح التعبير الموسيقي لبنة أخرىٰ في ما يعتبره المسلم نمطاً إسلامياً شاملاً للحياة لا يقتصر علىٰ الأمور الدينية التوقيفية من صلاة وحج وإنما يمتد ليشمل كذلك كل مظهر من مظاهر الوجود لكل مسلم.
3) كما يضمن هذا لبتقسيم الهرمي أن هذا الجانب من جوانب الثقافة ـــ وهو فن النغم الصوتي ـــ قد شملته عملية أسلمية الثقافة, ومما عزز وحدة الأسلوب داخل الثقافة تلك الوحدة التي تعتبر السمة المميزة لأي حضارة تستحق هذه التسمية.
4) إن مثل هذا التحكم في التعبير الموسيقي وتوجيه الإِهتمام به وإسهاماته إلىٰ الترتيل القرآني له مآثر توحيدية هائلة لثقافة اغطي منطقة جغرافية شاسعة تجمع بين جنباتها تشكيلة عِرْقية قد لا تباريها في التنوع أي ثقافة معروفة كما أن تلك «الخطة» ـــ التي يبدو وأنها تحققت عن تخطيط تتضاءل فيه القصدية إلىٰ درجة تثير العجب ـــ قد أفرز خطوة فعالة للواحدة الكامله دون اللجوء إلىٰ العنف لتدمير التراث الموسيقي للداخلين في الإِسلام. فهذا التراث يمكن أن يستمر علىٰ المستويات الدنيا من التقسيم الهرمي لهندسة الصوت إن لم يكن قد حقق المداومة علىٰ توجيه الإِنتباه نحو الترتيل القرآني وأنماط التعبير الموسيقي التي يمكن أن تساهم في دفع عملية الأسلمة.
ولا ريب أن هذه الآثار لها ثمنها, ولكن دعونا نتساءل عما إذا كانت النتائج تعادل الثمن. إننا جميعاً نتفق أن المسلمين فقط هم ذوو الاختصاص في الاجابة علىٰ هذا التساؤل.
التنظيم الهرمي لأنماط هندسة الصوت
(مكانة الموسيقى في العالم الإِسلامي)
الترتيل القرآني (القراءة) تلآذان (للصلاة) |
|
التهليل (في الحج) |
|
تواشيح المدح والنعت والتحميد |
|
الانشاد الشعري (موضوعات محمودة) |
|
موسيقى المناسيات السرية والأعياد (مثل أهازيج النوم, أغاني الزفاف .. ) |
|
الموسيقى المهنية (صداء القافلة, أغاني الرعاة, أغاني العمل) |
|
موسيقى الفرق العسكرية (طبل خانة) |
|
|
|
الارتجالات الصوتية والآلاتية (تقاسيم, ليالي, قصيدة, آفاز .. الخ) |
|
الأغاني الجدية الموزونة (موشح, دور, تصنيف, بطايجي, الخ) وموسيقى الآلات مثل بشرف, دعيرة, سماعي, دولاب .. الخ |
|
الموسيقي التي تعود إلى أصول ما قبل الإِسلام أو غير إسلامية |
|
|
|
الموسيقى المثيرة للشهوات |
الحواشي
(1) جمعها «أحاديث» وتعني الأقوال و الأفعال المنسوبة إلىٰ النبي محمد ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ والتي تم تحقيقها بعناية فائقة وحفظت تماماً علىٰ أيدي المحدّثين ( علماء الحديث ) والمسلمين.
(2) «نحن نعتبر القرآن كلام محمد بكل تأكيد مثلما يعتبره أتباع محمد كلام الله»
( Muir 1923 : xxviii)
(3) محمد بن اسماعيل البخاري (810 ـــ 870).
(4) مسلم بن الحجاج (المتوفي عام 875).
(5) أنظر المادة المعنونة «موسيقا» أو «موسيقى» في مرجع الفاروقي 1981 أ. Al Faruqi, 1981 a ‘musiqa ‘musiqi’.
(6) يعلق مارك سلوبن علىٰ التعريف المحدود للكلمة المستخدمة في شمال أفغانستان ـــ وهي أقليم آخر من الأقاليم الإِسلامية ـــ للتعبير عن الموسيقىٰ وهي كلمة «ساز» فكتب يقول «إن هذا التعريف المحدود للموسيقىٰ يستبعد أغلب التعبيرات «البريئة» .. ويميل إلىٰ التركيز علىٰ المجال الذي تقوم فيه الموسيقىٰ بدور غاية في الخطورة.. » (Slobin 1976 : 26)
(7) انظر مرجع Farmer, 1913 – 1934 المعنون «طبل خانة» صفحات 232 ـــ 237. ‘Toblkhana
(8) في «كتاب الأم» الذي كتبه الشافعي (المتوفي 820) مؤسس أحد المذاهب الأربعة الفقهية السنية في الإِسلام ـــ حاء أن النبي محمد ــ صّلى الله عليــه وسلم) قد استمع إلىٰ غناء الحداء وشجعه وكذلك إلىٰ إنشاذ الشعر. (الشافعي 1906, جزء 6, ص 215). وقد بنىٰ تأكيده في هذا علىٰ تراث الحديث. أنظر ( Roychoudhury, 1957 : 66- 70 ؛ الغزالي 1901 ـــ 1902) ؛ (Roboson, 1938 حول تعقيدات المواد الواردة عن الموسيقىٰ والغناء والسماع في تراث الحديث.
(9) أنظر مؤلف إ. ر. الفاروقي : 1976 ص 95 وما بعدها لمناقشة الدور الجمالي للقرآن في الثقافة الإِسلامية. ويصف المؤلف القرآن بأنه «أول عمل فني في الإِسلام».
(10) الأزهر مؤسسة تعليمية إسلامية في القاهرة بمصر ويعود تاريخه إلىٰ القرن العاشر, وكان له أثر فعال كمدرسة تدريبية علىٰ كل المستويات للدارسين من كل أجزاء العالم الإِسلامي.
(11) في علم 1976 أجرت الكتابة دراسة مسحية بين مسلمي أمريكا الشمالية و أشارت النتائج إلىٰ وجود معدل عال من الإِهتمام في هذا الشكل من أشكال فن الصوت المنغّم بين المهاجرين والداخلين في الإِسلام من مواليد أمريكا. وكانت «القراءة» أكثر الأنشطة الجمالية إنتشاراً بين الراشدين من كافة الثقافات الإِقليمية والعِرقية, كما حظيت بالنسبة الغالبة من الإِختبار كنشاط يتمنىٰ كل فرد أن يتعلمه. وقد قامت بهذه الدراسة برعاية مؤسسة علماء الإِجتماع المسلمين.
(12) نجد هذا الدليل في معرض الدفاع عن «السماع» في كتابات ماجد الدين الغزالي شقيق العلامة أبو حامد الغزالي( (Robson, 1938 : 72.74, ويعتقد أنه يعود في الأصل إلىٰ كتابات الجنيد (المتوفي عام 910).
(13) Hamilton, 1965 : 361 ؛ الشافعي, 1906 : جزء 6, 214 ـــ 215, Roychoudhury 1957 : 78-79 حيث الدليل علىٰ هذه الحقيقة التاريخية.
(14) انظر Slobin, 1976 : 29-53 Nettl, 1975: Sakata, 1976 حيث تجد معلومات حول الرفض للموسيقيين في البيئات المسلمة لإِعتبارهم محترفين.
(15) أنظر تعريفا لهذا المصطلح وتفسيراً له في كتاب «الهداية» وهو من الكتب الهامة الجامعة للفقه الإِسلامي (المذهب الحنفي) وقد أعدّ هذا الكتاب في القرن الثاني عشر علىٰ ابن أبي بكر المرغيناني وترجمه إلىٰ الإنجليزية شارلز هاملتون Charles Hamilton في القرن الثامن عشر (Hamilton, 1975 : 175 – 176)
(16) يمارس التعزيز في الفقه الإِسلامي عند حدوث جريمة لم يتحدد فيها حدٌّ شرعي وتهدف إلىٰ إيجاد علاج لمشكلة بسيطة بدلاً من توقيع عقوبة .. وقد تشمل مجرد تقديم اللوم في بعض الأحيان أو إلىٰ بعض الأفراد ويمكن أن يقيمها قاضي أو أي فرد في المجتمع بينما لا يقوم بتوقيع الحدود إلا القاضي ( «الهدية» Hamilton) 1975 :203.
(17) يمكن أن نجد الدليل علىٰ ذلك في المذهب الحفي (Hamilton, 1975: 361- 362) وفي الحواشي في كتاب «الفتاوىٰ الهندية» (طبعة 1892 : جزء 5, 269)’ وفي كتاب ابن عابدين (1882 : جزء 4, 530)’ وفي كتاب علاء الدين أفندي (1966 : جزء 7, 153).
أما بالنسبة للفقه الشافعي يمكن الرجوع في هذا الأمر إلىٰ كتاب الشافعي (1906, جزء 6, 214 ـــ 215)’ وكتاب النووي (1884 : جزء 3, 400).وبالنسبة الفقه المالكي أنظرمالك بن أنس (1905 : جزء 5 , 135), وبالنسبة للفقه الحنبلي, انظر كتاب ابن قيم الجوزية (1972 : 245 ــ 146). لبن قيم (1292 ـــ 1350) كان تلميذاً لابن تيميه المصلح الحنبلي استلهمت مبادئها منه الحركة الوهابية التي قامت في القرن الثامن عشر في شبه الجزيرة العربية.
(18) « إذا لم يجمع الآخرين لكي يستمع إليهم (أي إلىٰ القينات أو المغنين) فإني أتمنىٰ ألا يقوم بذلك ولكن شهادته لا يمكن إنكارها .. وكذلك الرجل الذي يزور بيوت الغناء أو يزوره أولئك الذين يغنون فإذا كانت تلك هي عادته التي ألفها وأعلنها وإذا كان المجتمع يعرف ذلك ويشهد به فإن ذلك يعادل السفه الذي يفسد شهادته ولكنه إذا ما كان يقوم بذلك بين حين وآخر فأن شهادته لا ترفض ولكن هذا الأمر ليس بالحرام البيّن. (الشافعي, 1906 : جزء 5, 215).
(19) انظر أيضاً الغزالي 1901 : 208 ـــ 209 حيث تجد بياناً مشابهاً.
(20) (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصّل الآيات لقوم يعلمون * قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإِثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا علىٰ الله مالا تعلمون) (الأعراف 32, 33).
المراجع المبنية داناه هي الممثلة للمذاهب الأربعة التي تم الرجوع إليها في ما ورد بهذا البحث. ولم نتطرف إلىٰ المذهب الجعفري للشيعة في هذا البحث لسوء الحظ. ولي أمل كبير في أن أقوم بإستعراض ما كتب عن الموسيقىٰ في هذا المذهب مستقبلاً. كما أن التواريخ الواردة في هذه القائمة هي تواريخ النشر وليست تواريخ التأليف أو حياة المؤلفين.
المذهب الحنيفي
علاء الدين أفندي (1966)
الفتاوىٰ الهندية (1892)
الغزالي (بدون تاريخ ؛ 1901 ـــ 1902)
ابن عابدين (1882)
المرغيناني في (1975 Hamilton)
المذهب الشافعي
النووي (1884)
Robson, 1938
الشافعي 1906
شلتوت 1960
المذهب المالكي
ملك بن أنس 1905, 1971
القيرواني : في Russell, 1906
المذهب الحنبلي
ابن قيم الجوزية (1972)
ابن تيمية (1966)
قام الدكتور علاء الدين خاروفا قاضي المذهب الحنفي والدكتور مارك سلوبن والدكتور إسماعيل الفاروقي .. قاموا بقراءة المسودات الأولىٰ لهذه الورقة وساهموا في إعطائها صورة أفضل. وإني أكن لهم الإِمتنان الخالص لما أسدوه إلي من نصائح واقتراحات وأفكار ولا يتحملون أية مسئولية تجاه أي نقائص بها. |
مراحع البحث
المراجع العربية :
ـــ محمد علاء الدين أفندي (1966) رد المختار. القاهرة: محمد محمود الحلبي.
ـــ أبو حامد محمد ابن محمد الغزالي (بدون تاريخ) إحياء علوم الدين. القاهرة : مطبعة الاستقامة, المجلد الثاني.
ـــ محمد أمين عابدين (1882) حاشية رد المختار علىٰ الدر المختار. القاهرة : بولاق.
ـــ بن قيم الجوزية : (1972) إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان, مختصر أعده عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين. الرياض: دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر.
ـــ تقي الدين أبو العباس أحمد بنعبد الحليم بن عبدالسلام بن تينيه (1966) «كتاب السماع والرقص». مجمع الرسائل الكبرىٰ. القاهرة : مطبعة محمد علي صبيح مجلد (2), 295 ـــ 330.
ـــ ملك بن أنس الأصبحي ـــ (1905) المدونّة الكبرىٰ. القاهرة : مطبعة السعادة.
ـــ (1971) الموطّأ. تونس : مطبعة النووي (1884) مناهج الطالبين.
ـــ لبيب السعيد (1967) الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم أو المصحف المرتل القاهرة : دار الكتاب العربي للطباعة والنشر.
ـــ أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي (1906) كتاب الأم برواية الربيعي بن سليمان. القاهرة بولاق.
ـــ محمود شلتوت (1960) الفتاوىٰ القاهرة: دار الشروق ؛ 355 ـــ 359.
ـــ الفتاوىٰ الهندية أو الفتاوىٰ الأمجيرية مع حاشية الفتاوىٰ البزّازيه ـــ للشيخ محمد بن محمد بن شهاب بن البزاز الكرداري. بيروت : دار المعرفة ( الطبعة الأولىٰ بمطبعة بولاق).
المراجع الأجنبية :
-Farmer, Henry G. (1938) «Tabl Khana». Encyclopédie de I’Islam, Supplementary Volume, 232 – 237.
– Al Faruqi, Ismail R. (1973) Islam and Art, «Studia Islamica 37 : 80- 109.
-Faruqi, Lois. Ibsen (1974) The nature of the Musical Art of Islamic Culture :A Theoretical and Empirical Study of Arabian Music «Unpublished Ph.D dissertation, Syracuse University.»…………
«Muwashshah» A Vocal From in Islamic Cultue, « Ethnomusicology, 19 (1) : 1 – 29.
…………. (1978) «Ornamentation Music : A Study of Interre latedness in the Arts, «The World of Music, 22 (1) : 17 – 32.
…………… (1981 a) «An Annotated Glossary of Arabic Musical Terms. West port, Connecticut : Greenwood Press ……………….(1981 b) The Status of music in Muslim Nations : Evidence from the Arab Word», Asian music 12 (1) : 56 – 84.
-Hamilton, Charles, [translated] (1975) the Hedaya or Guide : A Commentary on the Mussulman Laws, trans. From the Persian text of Ali Ibn Abi Bakr Al Marghinani. Lahore : Premier Book House, pub. From 1870 edition.
-Muir, sir William (1923) the Life of mohammad. Edinburagh : John Grant.
-al Nawawi, Muhyi al Din Abu Zakariyyah Yahya Ibn Sharaf. Minhaj al Talibin, French Trans. By L.W.C Van Den Benge. Batavia : Imprimerie du Government.
-Nettl, Bruno (1975) «The Role of Music in Culture : Iran, A Recently Developed Nation». Contemporary Music and Music Cultures. Englewood Cliffs, New Jersey : Prentice – Hall, Inc., 71 – 100.
-Robson,James (1938) Tracts on Listening to Music. London : The Royal Asiatic Society.
-Roychoudhury, M. L. (r. d.) Music in Islam, reprined from Journal of the Royal Asiatic Society, Letters Caleutta : H. Bhattacharya.
-Russell, Alexander David, [Translated] (1906) First Steps muslim Jurisprudence (excerpts from Ibn Abu Zayd al Qayrawani’s Bakurah al Sa’d). Landon : Luzac and Co.
-Sakata, Lorraine (1976) «The Consept of Musician in Three Persian – Speaking Areas of Afghanistan, Asian Music & (1) : 1 – 28.
-Slobin, Mark (1976) Music in the Culture of Northern Afghanistan, Viking, Fund Publications in An – hropology No. 54. Tucson Arizona Press.
-Talbi, N. (1958) « La Dira’a bi – 1 – Alhan» Arabic 5 : 183 – 190.
-al Ghazali, Abn Hamid Muhammad ibn Muhammad (1901, 1902) Ihya Ulum al Din, Section tr.by Duncan B. Macdonald as «Emotional Religion in Islam as Affected by Music and Singing», Journal of the Royal Asiatic Society, Part 1, 195 – 252, Part II, 705 – 748, Part III, 1 – 28.