أبحاث

منع الحمل وحكمه في الإسلام

العدد 42

إن هناك طرقاً عديدة لمنع الحمل مارسها الإنسان منذ القدم.. وقد أستحدثت وسائل جديدة في القرن العشرين واتسع نطاق إستخدام هذه الوسائل حتى أصبح عدد اللواتي يستخدمن وسائل منع الحمل يعد بالملايين بل بمئات الملايين .. ومع هذا فإن  الحمل قد يحدث رغم إستخدام وسائل منع الحمل إذا أراد الله ذلك
مصدقاً لقوله تعالي : (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقوله له كن فيكون ) ولقوله صلى الله عليه وسلم(( إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء )) أخرجه مسلم . وطرق منع الحمل كثيرة نوجزها فيما يلي :

(أ) طرق تمنع وصول الحيوانات المنوية إلى عنق الرحم :

1- الجماع بدون إيلاج .

2- العزل Coitus Interruptus.

3- إستعمال الرفال (Condom) وهو يغطي الإحليل.

4- إستعمال الحواجز والقلنسوه (القبعة الهولندية ) Diphragams and Caps .

5- إستعمال المراهم واللبوس (Suppiditeries) والدوش المهبلي .

(ب) تنظيم الجماع : بحيث يقع في أول الدورة وآخرها ويتجنب وسطها الذي تخرج فيه البويضة من المبيض .. والذي عادة في اليوم الرابع عشر قبل بدء الحيض من الدورة التالية .

(ج) طرق تمنع المبيض من إفراز البويضعالية.م هذه الطرق هي حبوب منع الحمل التي ظهرن عام 1956 والتي تستعملها حاليا أكثر من مائة مليون إمرأة في العالم (1).

( د ) أستعمال أداة داخل الرحم (اللوالب) D.لا.1: ويعتقد أن اللوالب يعمل بواسطة منع علوق البويضة الملقحة في جدار الرحم .

ويقال أن العرب في الصحراء هم الذين ابتكروا هذه الطريقة حيث كانوا يدخلوا الأحجار الصغيرة في رحم الناقة عندما يريدون السفر الطويل ويخشون عليها من أن تحبل ..ويقدر عدد النساء اللأتي يستخدمن هذه الطريقة بخمسين مليون إمراة في العالم نصفهن في الولايات المتحدة الأمريكية (2).

(ھ ) الرضاعة : تعتبر الرضاعة من الوسائل الفسيوليجية لمنع الحمل .. وهي طريقة موغلة في القدم .. وقد وجد أن إفراز البرولاكتين Prolactin من الغدة النخامية Pitfond  وخاصة إذا كانت المرأة تعاني من نقص في التغذية يؤدي إلى منع إفراز البويضة ..وهذه الطريقة قد هيأها الله تعالي للمرأة في الأزمنة الغابرة والحاضرة لمنع الحمل أثناء الرضاعة بصورة فسيوليجية .. إلا أن هذه الطريقة نسبت الفشل فيها عالية . ولذا فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن وطء المرضع وسماه وطء الغيلة وأنه يدثم فيارس فيدعثره . وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده قوله صلى الله عليه وسلم (( لا تقتلوا أولادكم سراً فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره من فوق فرسه )) (3).

ثم أباح رسول الله صلى الله عليه وسلموطء المرضع عندما رأى أنه لا يضر أمتين آنداك هما الفرس والروم وكانوا يفعلونه – عن أسامة بن زيد أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلمفقال : إني أعزل عن إمراتي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تفعل ذلك ؟ فقال الرجل أشفق علي ولدها فقال الرسول : لو كان ذلك ضاراً لضر فارس والروم )) أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده (4). وقد أزال العلماء التعارض الظاهر بين الحديثين ومن أحسن ما كتب ما قاله ابن القيم في زاد المعاد ثم  في مفتاح دار السعادة (5). فقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلمأن وطء المرضع يضعف المولود حتى أنه ذلك الضعف قد يدركه وهو على فرسه فيدعثره فأرشدهم إلى تركه ولم ينه عنه نهياً قاطعاً . ولما رأى أن الإمساك من وطء النساء مدة الرضاع ولاسيما من الشباب وأرباب الشهوة التي لا يكسرها إلا مواقعة نسائهم يؤدي إلى مفسدة أعظم .. رأى صلى الله عليه وسلمأن دفع المفسدة الأعظم أهم من دفع المفسدة الأصغر .. وقد رأى أن الغيل ( وطء المرضع ) لا يضر أمتين قويتين هما فارس والروم فعندئذ أرشد مواقعة المرضع .

( و ) التعقيم : ويتم تعقيم الرجل بقطع الحبل المنوي في الجهتين .. وقد انتشرت هذه الطريقة في الهند خاصة عندما أمرت و قسراً أنديرا غاندي وأدي ذلك إلى اضطرابات كثيرة وسقوط حكمها آنذاك.

أما تعقيم المرأة فقد يتم بإزالة الرحم أو المبايض وذلك عند إصابة هذه الأعضاء بمرض خطير.. أو نزف شديد .. أو ورم حميد أو خبيث .

كما يتم عادة بربط وقطع قناتي الرحم Tuball Iigation .

ومن المعلوم أن ربط الحبل المنوي من الجهتين وقطعه لا يؤدي إلى العقم مباشرة ولابد من مرور ثلاثة أشهر على الأقل قبل التأكد من أن الرجل أصبح عقيماً.. ومع هذا فإن هناك نسبة لا يستهان بها بقيت لهم قوة الإخصاب رغم قطع الحبل المنوي من الجهتين حتى بعد مرور فترة طويلة الزمن.

وكذلك فأن هناك نساء عديدات حملهن رغم ربط الأنابيب ( قناتي الرحم )وقطعها وهذا مصداق لقوله تعالى ] إنما أمره أذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون [ ولقوله صلى الله عليه وسلم(( إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء )) أخرجه مسلم.

( د) الإجهاض : قد يعتبر بعضهم الإجهاض أحد وسائل منع الحمل .. وهناك 25 مليون حالة إجهاض جنائي Induced Orciminal Abortion في العالم سنوياً.. ورغم أن هذه أبشع الوسائل لمنع الحمل فأنها للأسف لا تزال واسعة الانتشار.

وتختلف وسائل منع الحمل في درجة نجاحها فبعضها ذات نسبة نجاح عال مثل حبوب منع الحمل وربط الأنابيب واللولب وبعضها ذات نسبة فشل كبيرة تصل إلى 30بالمئة مثل العزل والرضاعة .

سياسة منع الحمل في البلاد الإسلامية (عربية وأعجمية )

بما أن الإسلام شجع على التناسل والنكاح ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(( تزوجوا الودود فإني مكاثر بكم الأمم )).. والأحاديث والآيات الحاثة على الزواج والتناسل كثيرة جداً فإن سياسة منع الحمل أو ما يسمي تنظيم الحمل والذي تقوم به كثير من الدول الإسلامية (عربية وأعجمية ) هو سياسة خاطئة تضاد مقاصد الشريعة من كثرة التناسل والزواج والحث عليهما.

والأغرب من ذلك أن تقوم بعض الدول (المسلمة ) بإكراه النساء على وسائل منع الحمل دون مراعاة لأدنى نصيب من إنسانية الإنسان وكرامته..ففي بعض البلاد العربية التي تبذل كل جهدها في نشر وسائل منع الحمل بكافة الطرق يقوم الطبيب بإدخال اللولب D.U.I إلى رحم المرأة عند قيامه بفحصها دون علمها ولا رغبتها ولا موافقتها !! وذلك تنفيذا لأوامر الدولة !! وهو أمر يجافي أبسط المبادئ الإنسانية.

كما أن هذه الدول تستدين مئات الملايين من الدولارات لتنفيذ سياسة منع الحمل .. وتوجه إعلامها لنشر هذه الوسائل والدعوة إليها.. والسخرية من الحمل وكثرة النسل.

وإذا علمنا أن إسرائيل تشجع سكانها على التناسل.. وبدرجة مثيرة للتقزز عندما وقف ينجبن سواء كان ذلك بطريق شرعي أو غير شرعي، إذا علمنا ذلك أن أدركنا أن أعداء الإسلام يعملون دائبين على منع الحمل بين المسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

وفي البلاد الاشتراكية (الشيوعية) تقوم الدولة بتشجيع الحمل إلا بين الفئات الإسلامية..للأطفال.ففي الإتحاد السوفيتي مثلاً انزعج المسئولون إنزعاجا شديداً عندما رأوا أن المسلمين في أسيا الوسطي (جمهوريات أوزبكستان، طادجكيستان ، قزقستان قرغيزيا وتركمنستان) وفي جمهورية أذربيجان وبقية مناطق القوقاس يتكاثرون بنسبة تبلغ ضعف ما عليه الروس والأوكران .. وهم يعملون بكافة الوسائل لنشر منع الحمل بين المسلمين وزيادة الحمل بين الروس والأوكران وبقية المجموعات غير المسلمة .

وتقدم الدولة في الغرب وفي الإتحاد السوفيتي كافة المعنويات لنساء الحوامل والمرضعات وتخفف الضرائب عن الأسر التي تعول أطفالاً عديدين.. وكلما زاد عدد الأطفال كلما خففت الضرائب وزادت المعونة من الدولة على هيئة غذاء مجاني للأطفال ..بينما تقوم الدولة هناك بفرض ضرائب مرهقة على غير المتزوجين وعلى الأسر بغير أطفال.. وأشد هذه الدول الغربية انزعاجاً من قلة النسل هي الدول الألمانية حيث انخفض أطفال الأسرة الواحدة في المعدل إلي 1,6 ومعني ذلك ببساطة أن سكان ألمانيا (من الألمان ) سينخفضون تدريجياً.. ويواجهون مشكلة الإنقراض إذا استمر إنخفاض التناسل على ما هو عليه..

ولا شك أن إرتفاع عدد السكان في أوربا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وأوائل العشرين هو الذي مكن لهذه الدول أن تبسط سيطرتها ونفوذها على مناطق العالم . وإذا علمنا أن كثرة النسل وزيادته في بريطانيا قد أدت أن يستوطن البريطانيون أستراليا ونيوزيلنده وكندا والولايات المتحدة وبالتالي يفرضوا سيطرتهم ولغتهم وثقافتهم على تلك البلاد الشاسعة .

ونظرة إلي الوراء توضح لنا سكان بريطانيا.. ففي عام1400م كان عدد سكانها لا يتجاوزون مليونين فقط وفي عام 1500م بلغوا ثلاثة ملايين وفي عام 1600م بلغوا خمسة ملايين وفي عام 1700م بلغوا سبعة ملايين وفي عام 1800م عشرة ملايين ثم حدثت الطفرة التي جعلت بريطانية الامبراطوية التي لا تغيب عنها الشمس في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ففي عام 1847م بلغ عدد السكان 20 مليون وفي عام 1882م قفزوا إلى ثلاثين مليونا وفي أوائل القرن العشرين (1911) كانوا قد قفزوا إلي رقم40 مليونا .. وفي عام 1951 وفي إلي 50 مليونا (5) وفي عام 1978 كان عدد السكان قد تجاوز 56 مليونا..(6).

وإذا قارنا الجزيرة البريطانية بالجزيرة العربية من حيث المساحة والسكان فإننا سنذهل للفارق الكبير بينهما فبينما نجد سكان المملكة العربية السعودية لا يتجاوزون ثمانية ملايين بما فيهم الأجانب نجد سكان بريطانيا قد تجاوزوا 56 مليونا.. وبينما نرى مساحة المملكة العربية السعودية تبلغ 000, 240, 2كيلو متراً مربعاً نجد أن مساحة المملكة المتحدة (إنجلترا وويلز وأسكوتلنده وشمال إيرلنده ) تبلغ 104,244 كيلومتراً مربعاً..

وتذكر دائرة المعارف البريطانية (7) أن سكان المملكة العربية حسب إحصاء عام 1974 كانوا 642,012, 7 ( بما فيهم الأجانب الذي قدروا بأكثر من ثلاثة ملايين ) أما الكثافة السكانية فتبلغ في المملكة 3,1 لكل متر مربع ( وإذا أخذنا الرقم بالنسبة للسعوديين فهو أقل من شخصين لكل متر مربع).

وبالمقارنة فإن الكثافة السكانية في المملكة المتحدة حسبما ذكرته دائرة المعارف البريطانية (8) 3, 229 في كل كيلو متر مربع .

أما عدد المواليد في المملكة فكانوا ( في الفترة 1970-1975 ) 49,5 لكل ألف من السكان.  أما عدد الوفيات فكانوا 20,2 لكل ألف من السكان أي أن الزيادة هي  29,3 لكل ألف نسمة من السكان .

وسجل معدل الأعمار في المملكة المتحدة ﺑ 44 عاماً للذكور و46 عاماً للإناث ( دائرة بالمعارف البريطانية ) (9) .

وبالمقارنة فإن معدل الأعمار في المملكة المتحدة هو 70 عاماً للذكور و 76 عاماً للإناث .

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وكندا (أمريكا الشمالية ) فقد كان عدد سكانها عام 1750 م مليون نسمة فقط. وبعد قرن واحد ( أي عام 1850) بلغوا 26 مليون نسمة.. وبعد قرن آخر بلغ عدد سكان الولايات المتحدة الامريكية (بدون كندا ) أكثر من 166 مليوناً.. وهذا ما أعطي الولايات المتحدة الزخم السكاني وحولها من مستعمرة لبريطانيا في القرن التاسع عشر إلى أعظم دول الأرض قاطبة في القرن العشرين.. وقد إرتفع السكان إرتفاعاً حثياً في الفترة لا يزال إرتفاعاً معدل السكان عالياً فقد زاد السكان عام 1972 إلى 209 مليون نسمة (10).. وفي عام 1980 بلغ عدد السكان أكثر من 230 مليوناً وبالمقارنة فإن كندا التي تبلغ مساحتها 139,976,9 كيلو متراً مربعاً فإن سكانها حسب إحصاء 1971 كانوا أقل من 22 مليوناً (11) .

وهذا ما جعل الولايات المتحدة التي تقل مساحتها عن مساحة كندا دولة عظمي بينما نرى كندا دولة الدرجة الثالثة.

ويقدر عدد سكان العالم العربي عام 1976 ﺑ 156 مليوناً (12) بينما بلغ سكان العالم 4045 مليوناً في نفس العام. وبما أن مساحة العالم العربي تشكل 10/1 مساحة اليابسة من الكرة الأرضية فإن سكان العالم العربي ينبغي أن يكونوا أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة..

وبما أن الموارد النفطية والمعدنية والزراعية في البلاد العربية كبيرة جداً فإن تقرير الجامعة العربية تؤكد أن البلاد العربية تستطيع أن تضاعف عدد سكانها دون أن تجد أي صعوبة في إطعامهم وإسكانهم وإيجاد العمل المناسب لهم إذا استغلت الطاقات العظيمة الموجودة حالياً وإذا نظمت الأمور تنظيماً دقيقاً نسبياً على التعاون والتكامل بين كافة الأقطار العربية (13). وقد جاء في برنامج تأمين الأمن الغذائي الذي أصدرته المنظمة العربية للتنمية الزراعية بالجامعة العربية أغسطس 1980 ما يلي:-

1- إن حجم الموارد الطبيعية سواء كانت الأرضية أو المائية يعد كافياً للوفاء بإحتياجات الأمة العربية في المستقبل القريب والبعيد .

2- إن آفاق التنمية الزراعية واسعة وإمكانيتها متاحة بلا حدود فيمكن زيادة الموارد المائية السطحية من 139 مليار متر مكعب إلى 202 مليار متر مكعب وذلك بتحكم فقط في فواقد الأنهار الحالية وتنفيذ مشروعات التخزين السنوي والمستمر . وكذلك نستطيع أن نضاعف مياهنا الجوفية المستغلة من 12 مليار إلى 25 مليار متر مكعب سنوياً.. وعلى ذلك يمكن مضاعفة المساحة المرورية سنوياً إذ مكن زيادتها من نحو 12,5مليون هكتار إلى6 ,21 مليون هكتار عام 2000 الأمر الذي يشير إلى أن هناك إمكانيات هائلة لتنمية إنتاج الغذاء خاصة إذا أستغلت هذه الموارد على الوجه الصحيح .

3- إن مساحة الأرض الصالحة للزراعة في الوطن العربي تبلغ 236 مليون هكتار لا يُستغل منها حالياً سوى 46 مليون هكتار. ويعتمد منها على الأمطار 80% من هذه الأرضي المطرية بحيث لا يتعدى 50% وهو معدل ضئيل للغاية .

ويستعرض ذلك البحث الضخم المكون من 8 مجلدات كيفية الإستفادة من الإمكانيات الزراعية الهائلة المتاحة وغير المستغلة حالياً كما يورد إحصائيات دقيقة عن الموارد المائية الممكنة في الدول العربية من مصادرها المختلفة والتي تبلغ 238 مليار متر مكعب والذي لا يُستغل منها حالياً سوى 156 مليار وبطرق بدائية تسبب عدم الإستفادة حتى من هذه الكمية المستخدمة كما يتحدث الباحثون بعمق عن مصادر الثروات الحيوانية وكيف يمكن مضاعفتها عدة مرات وكذلك الثروات السمكية والدواجن وغيرها .

وخلاصة البحث أن البلاد العربية نستطيع أن تعتمد على نفسها في إطعام سكانها حتى لو تضاعفوا إذا إستخدمت الموارد المتاحة بطرق فنية جيدة وبتعاون وثيق بين مختلف الدول العربية .

ويكفي أن تعلم أن السودان وحدها إذا إستغلت إمكانيتها الزراعية والحيوانية تستطيع أن تطعم العالم العربي بأكمله.. وهي تحتاج إلى أموال وإلى وفرة سكانية يمكن أن تأتيها من مصر التي تعاني من زيادة نسبية في السكان. ولهذا فقد آسمت الدوائر المطلعة السودان (( سلة الخبز )) للعالم العربي .

إذن نخلص من هذا إلى أن سياسة منع الحمل تسير عليها الدول العربية والإسلامية الأخرى هي سياسة خاطئة علمياً ودينياً وديموجرافياً .

منع الحمل على مستوي الأفراد

إذا قررنا أن سياسة منع الحمل على مستوي الدول سياسة خاطئة فإننا نعتقد أن موضوع منع الحمل على المستوى الفردي يختلف تمام الإختلاف عن موضوع سياسة منع الحمل على مستوى الدولة.

يقرر الإسلام أهمية الحمل والتناسل وما يكون فيهما من أجر للوالدين وخاصة الأم ويعتبر الإسلام مشقة الجهاد.. ولها في ذلك مثل أجر المجاهد.

ومع هذا فإن وسائل منع الحمل يمكن أن تمارس بشرط:

1- أن لا تكون وسائل دائمة أي تؤدي إلى العقم مثل قطع الأنابيب وربطها وقطع الحبل المنوي وربطه أو استئصال الرحم ما لم يكن هناك سبب طبي قوي جداً لذلك الإجراء .

2- أن لا يعقب إستخدام وسائل منع الحمل خطر وضرر على صحة المرأة التي تستخدمها.. فمثلاً لا ينصح باستخدام حبوب منع الحمل في الحالات التالية :

1-  أمراض القلب وضغط الدم .

2- أمراض الكلى .

3- أمراض الكبد .

4- إمرأة بلغت سن الخامسة والثلاثين فما فوقها .

5- البول السكري .

6- إمرأة أصيبت بنوع من أنواع السرطان وخاصة سرطان الثدي وعولجت منه .

7- إمرأة أصيبت بجلطة أو تخثر في الدم .

8- الأمراض النفسية مثل الكآبة والقلق والشيزوفرانيا .

9- تزداد أضرار حبوب منع الحمل مع التدخين إذ أن كلاهما يؤثر على شرايين القلب والدماغ والأطراف وكلاهما يزيد من إحتمال الإصابة بالجلطات.

وتعتبر الوسائل الفسيوليجية هي أسلم الوسائل لمنع الحمل وهي العزل أي القذف خارج الرحم.. وتنظيم الجماع بحيث يتجنب فترة نزول البويضة.. والرضاعة. أما الوسائل الميكانيكية فهي قليلة الضرر مثل الرفال Condon  والحواجز والقبعة وهذه الوسائل جميعها نسبة الفشل فيها عالية إذ تتراوح ما بين 10 بالمئة إلى 30بالمئة . وترتفع نسبة النجاح في إستعمال اللولب ولكن محاذير اللولب كثيرة وهي:

1- إن طريقة عمل اللولب وهو منع العلوق يعتبر نوعاً من الإجهاض المبكر جداً.. ويحرمه الإمام مالك والظاهرية  ( ابن حزم ).

2- النزف المتكرر .

3- آلام شديدة عند بعض النساء في الظهر وأسفل البطن .

4- التهابات ميكروبية في الجهاز التناسلي .

5- إنثقاب الرحم وهو أمر نادر الحدوث ولكنه خطير .

6- إنغراز اللولب في جدار الرحم .

7- قد يطرد الرحم اللولب دون أن تشعر المرأة فتحمل.

8- تزداد نسبة الحمل خارج الرحم مع وجود اللولب .

9- حدوث الحمل رغم وجود اللولب (بنسبة 6% ).

المسوغات لتنظيم النسل

1- الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل والولادة إذا أخبر بذلك طبيب ثقة.

2- الخشية في وقوع حرج دنيوي قد يفضي إلى حرج في دينه في فيرتكب المحظور من أجل الأولاد.

3- الخشية على الأولاد أن تسوء صحتهم أو تضطرب تربيتهم .

4-  الخشية على الرضيع من حمل جديد .

وقد أورد الأمام الغزالي في إحياء علوم الدين (14) النيات الباعثة على العزل وقال هي خمس :

الأولى : الإماء.. لأن حمل الأمَة (الجارية ) يمنع التصرف فيها حيث تصبح أم ولد .                                                                                                 

الثاني : إستبقاء جمال المرأة وإستبقاء حياتها خوفاً من خطر الطلق .. وتكرر الحمل والولادة وهذا ليس منهي عنه .

الثالث : الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والإحتزاز من الحاجة ودخول مداخل السوء.. وهذا غير منهي عنه فإن قلة الحراج معين على الدين .

الرابع : الخوف من الأولاد الإناث .

الخامس : أن تمتنع المرأة لتعززها ومبالغتها في النظافة والتحرز من الطلق والنفاس والرضاع وكان ذلك عادة الخوارج .

وهاتان النيتان (الرابع والخامس) نيتان فاسدتان ولا يجوز العزل من أجلهما .

الأحاديث الواردة في العزل :

1- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا نعزل على عهد رسول الله والقرآن ينزل.. أخرجه البخاري ومسلم وزاد مسلم فبلغ ذلك رسول الله فلم ينهنا.

2- عن أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه : غزونا مع الرسول الله صلى الله عليه وسلمغزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا الغربة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ذلك ورسول الله بين أظهرنا لا نسأله فسألنا رسول الله فقال: (( لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون )). أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه والدرامي وأحمد .

3- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أن رجلاً أتى رسول صلى الله عليه وسلمفقال إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا (وفي رواية سانيتنا وهي بمعناه ) وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال : إعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قُدَّر لها. فلبث الرجل ثم أتاه فقال إن الجارية قد حبلت فقال : قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قُدَّر لها )) رواه مسلم وابن ماجه وأحمد والدرامي .

4-  عن جابر بن عبد الله قال : قولنا يا رسول الله كنا نعزل فزعمت اليهود أنه المؤودة الصغرى فقال كذبت اليهود . إن الله إذا أراد خلقه لم يمنعه وفي رواية (( إن أراد الله خلقه لم تستطع رده )) أخرجه الترمذي وأحمد وابو داود .

5- عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلمنهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها رواه أحمد في مسنده .

6- قال رجل في مجلس عمر رضي الله عنه العزل كالوأد . فقال الإمام علي وكان حاضراً المجلس لا تكون مؤودة حتى تمر عليها التارات (وفي لفظ الأطوار) السبع : حتى تكون سلالة من طين ثم تكون نطفة ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم عظاماً ثم تُكسى لحماً ثم تكون خلقاً آخر. فقال عمر رضي الله عنه : صدقت أطال الله بقاءك. ( ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم ).

 

وقد أباح أصحاب المذاهب الأربعة العزل عن الأمة برضاها وبدون رضاها كما أباحوا العزل عن الزوجة الحرة برضاها لأن لها حقاً في الوالد. ولكن جاء في مذهب الأحناف : (( إن خاف فساد الولد لسوء الزمان فله أن يعزل بغير رضاها. وكذلك إذا كانت الزوجة سيئة الخلق ويريد فراقها مخافة أن تحبل )) (15) وأما المالكية والحنابلة فقالوا لا يجوز له أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها لأن لها حقاً في الولد (16). وقال ابن قدامه : ظاهر كلام أحمد وجوب الاستئذان من الزوجة ويحتمل أن يكون مستحباً لأن حقها في الوطء دون الإنزال .

وأما الشافعية فأباحوا العزل عن الزوجة على قوانين أحداهما أنه يجب إذنها والقول الآخر انه لا يجب إذنها لأن لها حقاً في الوطء فقط )) (17) .

وأما الظاهرية فقال ابن حازم ( ابو محمد ): ((لا يحل العزل عن حرة ولا أمَة ))(18).

ومما تقدم يتضح أن المذاهب الأربعة على إباحة العزل على ما ذكرنا من نيابه الباعثة له كما ذكرها الإمام الغزالي في الإحياء مع إشتراط موافقة الزوجة ورضاها عند أغلب الفقهاء لأن لها حقاً في الولد ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلمنهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها )) رواه أحمد.

فلا مسوغ إذن لمنع هذه الرخصة والتشدد فيها كما فعل بعض العلماء المحدثين مثل الإمام أبو على المودودي في كتابه حركة تحديد النسل والباحثة أم كلثوم يحيى مصطفي الخطيب في رسالتها التي نالت بها الماجستير من كلية الشريعة جامعة الأزهر (( قضية تحديد النسل في الشريعة الإسلامية )). حيث حددوها فقط بوجود سبب طبي قوي وحيث رفضوا البواعث الأخرى التي ذكرها العلماء وأقروها .

الهوامش

)1( Hexagon Vol 4, No.5 1976.

)2( Times May 26, 1980.

(3) أخرجه أحمد في مسنده 6/453 ، 458 وابو داود في كتاب الطب باب الفيل 4/13 ، وابن ماجه في السنن كتاب النكاح باب جواز الغيله ومسنده أحمد 1/648 .

(4) صحيح مسلم كتاب النكاح باب جواز الغيله ومسنده أحمد 5/203 .

(3)  زاد المعاد 4/18 ومفتاح دار السعادة 2/270 .

(5)Hawkins and Elders: Human Fertility Control P 466 Buttey worths- London, 1979.

)6) من كتاب (( التحكم في الخصوبة الإنسانية )) Hawkins, Elders : Human Fertility Control pp. Butterworths – London – 1979.

(7) الميكروبيديا المجلد 8/920 طبعة 1982 .

(8) الميكروبيديا المجلد 10/266 طبعة 1982 .

(9) المجلد 8/920 .

(10) الميكروبيديا المجلد 10/ 270 .

(11) الميكروبيديا المجلد 2/ 496 .

(12) كتاب أحوال السكان في العالم العربي للدكتور عزت النصر.

( 13) برنامج الأمن الغذائي – جامعة الدول العربية المنظمة العربية للتنمية الزراعية . اغسطس1980 .

(14) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي : إحياء علوم الدين مجلد 2/ كتاب النكاح ص 51-53 طبعة دار المعرفة بيروت .

(15) حاشية ابن عابدين 2/521 .

(16) المنتقي شرح الموطأ للباجي 4/128 وكتاب قضية تحديد النسل لأم كلثوم يحيى مصطفى الخطيب .. والحلال والحرام في الإسلام للشيخ يوسف القرضاوي والمغني لابن قدامة .

(17) المجموع شرح المهذب للنوي 15/577 .

(18) المحلي لأبن حزم 10/ 87 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر