مصطفى محمود منجود، الفتنة الكبرى والعلاقة بين القوى السياسية في صدر الإسلام، رسالة ماجستير مقدمة لقسم العلوم السياسية: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، إشراف: د. حورية توفيق مجاهد، سنة 1404 ه. سنة 1984 م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف.
إذا كانت قضية العودة إلى التراث – بأبعادها الثلاث: الفكر، والنظم، والممارسة – هي إحدى القضايا المطروحة في الساحة الإسلامية المعاصرة، فإن محاولة طرح هذه القضية دون الاسترشاد بالعصر الذي شهد تفاعلاً، وانقطاعًا في التفاعل أحيانًا، بين هذه الأبعاد هي محاولة عقيمة. ومن هذا المنطلق – كأحد عدة منطلقات – تأتي هذه الدراسة عن الفتنة الكبرى لتكشف عن المحاور التي يمكن أن تأخذها العلاقة بين الأبعاد الثلاثة في الخبرة السياسية سواء في حالة قوة التفاعل كما في عصر النبوة وحتى نهاية عصر علي، وهذه الدراسة وإن كان مقصدها التوقف عند الفتنة الكبرى، فهي تركز من خلال ذلك على التغيرات التي طرأت على العلاقة بين القوى السياسية التي أثرت وتأثرت بأحداثها (وكلمة قوى هنا تشمل القوى الحاكمة والقوى المحكومة).
وسنعرض للرسالة هنا من خلال افتراضاتها الأساسية كما يلي:
(الافتراض الأول): [إن مفهوم الفتنة يعد من أكثر المفاهيم الإسلامية التي تتمتع بثراء في دلالاتها اللغوية والأصولية والسياسية نظرًا لتعدد معانيه وأن كثيرًا من هذه المعاني قد وجدت سبيلها في الحياة السياسية خلال العصر الذي وقعت فيه أحداث الفتنة الكبرى، الأمر الذي يترتب عليه وجود التوافق إلى حد كبير بين دلالات المفهوم على المستوى الفكري ودلالاته على المستوى الحركي].
– وقد قدم الباحث فصلاً تمهيديًا لطرح هذه القضية بدلالاتها الثلاث، حيث أوضح ستة (6) أبعاد مشتركة للفتنة في المنظور اللغوي والأصولي هي: المُبتلى (وهو الله سبحانه).
– المُبتلى (وهو الإنسان مناط التكليف).
– أدوات الابتلاء (وهي تتقيد بمشيئة المُبتلى).
– حكمة الابتلاء (مدخل فهمها هو فهم حكمة التكليف) – التعامل مع الابتلاء (أي الاستجابة) عاقبة التعامل وآثاره (وهي المحصلة النهائية بعد وقوع الابتلاء).
– أما جوهر الفتنة في بعدها السياسي، فهو اختبار لأساس الالتزام السياسي بين الحاكم والمحكوم وحيث نتيجة التعامل معه هي التي تحدد تمسك المجتمع السياسي بمثالية الدين وقيمه أو الخروج عليها بما قد يتضمنه ذلك من خلخلة كيان المجتمع سياسيًا واجتماعيًا وعقائديًا في النهاية، فالفتنة إذا حلت بطرفي العلاقة السياسية لن تخلف إلا المزيد من عدم الاستقرار والاضطراب.
(الافتراض الثاني): [أن الفتنة الكبرى لم تكن وليدة عصر الخليفة الثالث، وإنما كانت نتاج ثلاث تطورات سياسية متعاقبة في صدر الإسلام أولها اتخذت فيه شكل المقدمات في بداية نظام الخلافة وثانيها اتخذت فيه شكل الإطاحة بنظام الخلافة في تجربة الخليفة الرابع].
– وقد جاءت الفصول الثلاث الأولى لتعبر عن هذه التطورات الثلاث المتعاقبة حيث الأول متعلق بمقدمات الفتنة والثاني باستمرارية الفتنة والثالث بإسقاط الخلافة وحيث كل فصل مقسم لمباحث ثلاث.
بالنسبة لـ (الفصل الأول) يتعرض (المبحث الأول) لنشأة النظام السياسي الذي هو دولة الخلافة و (المبحث) الثاني) لأركان هذا النظام السياسي وهي: 1– القيادة أو الخليفة. 2- المثالية السياسية أو عقيدة التعامل: وهي ذلك الإطار الفكري الذي يضم مجموعة من المبادئ التي من نسيجها يتكون إطار القيم السياسية الإسلامية. 3- الإطار النظمي الذي تتفاعل من خلاله القيادة مع مثالية التعامل لدفع حركة الوجود السياسي، أي الجوانب السياسية والاقتصادية والإدارية والعسكرية وغيرها وحيث العلاقة بين التصور الإسلامي والواقع الاجتماعي تفترض التفاعل التام بينهما. وقد تميز الإطار النظمي قبل عثمان بعدة خصائص مثل: بساطة التكوين والأداء – الشمول في التعامل – استمرارية بعض النظم وتعديل بعضها وإلغاء البعض الثالث وابتداع رابع حسب التطور الاجتماعي.
– الانفتاح الحضاري (المبحث الثالث) يتعرض لطبيعة التعامل مع مقدمات الفتنة والتي ارتبطت بثلاث تطورات هامة في الحياة السياسية: الأول خاص بسعي الجماعة نحو تحقيق تماسكها الداخلي، والثاني خاص بسعي الجماعة نحو تحقيق الفيضان الخارجي والثالث خاص بمحاولة إيقاف مسيرة الإيناع الإسلامي من خلال التعدي على الخليفة الثاني كمحاولة للجثوم على صدر الجسد الإسلامي – من عناصر غريبة عن المجتمع الإسلامي – بعد أن حال دون هذه المرحلة استمرارية الشرعية، والفاعلية أي الالتزام، في العلاقة السياسية بين الحاكم والمحكومين والتي كانت أقوى ما يكون.
بالنسبة لـ (الفصل الثاني) حيث استمرارية الفتنة (فالمبحث الأول) يتعرض لنشأة النظام السياسي وهنا نجد مغزى تصور عمر لاختيار الخليفة من بعده وأهمية دور عبد الرحمن بن عوف وأهمية التقييم الحقيقي لدوره الذي سيظل مشوهًا إلى حد كبير ما دام يعتمد على افتراضات بعيدة تمامًا عن الظرف التاريخي الذي اضطلع فيه هذا الصحابي بدوره في اختيار عثمان (وعلى الباحث المعاصر بالتالي أن يدرس هذا التصور في ظروفه وملابساته التاريخية) – فهذا هو المنهج الصحيح – وليس له أن يدخل في افتراضات غير منطقية ليقيس بها عصرًا يبعد عن عصره بقرون لأن ذلك يؤدي لتشويه التحليل ومغالطات في النتائج و (المبحث الثاني) يتعرض لأركان النظام حيث يتعرض لخصائص عثمان القيادية وهل صحيح أنه كقائد غلبت عليه صفات الضعف والتعصب لأمويته؟ ويقرر أن محاولة تقييم قيادة عثمان من منظور الضعف أو اللين، دون تمحيص ووعي بأبعاد عصره وطبيعة شخصيته ودون قياس ذلك بمقياس الأصول المنزلة ستظل محاولة عقيمة إلى حد كبير.
أما عن أبعاد التعامل داخليًا فقد تميز بتزايد النفوذ الأموي في الحكم وكانت الخطورة هنا في اقتران العطاء المالي المتزايد لبني أمية بالنفوذ السياسي، كذلك تأخر أصحاب السابقة في المجتمع السياسي وتوسطت بطانة السوء بين الخليفة ورعاياه وظهرت الدعاوى القبلية والعصبية وتضاءلت هيبة الخليفة، أما خارجيًا – فقد استمرت سياسة الفتح والتوسع، أما الانتكاسة فكانت عندما بدأت الدولة الإسلامية تفقد السمة الحركية لوظيفتها العقيدية في أواخر خلافة عثمان، وأما الإطار النظمي فقد ساهمت بعض التغيرات فيه على استمرار الفتنة، فلم يعد يتسم بالشمول وتغطيته للواقع الاجتماعي المتجدد وحدث تغير في أنظمة سابقة أثرت على جانب من الرعية وعلى الصحابة، كذلك فقد غلب الاجتهاد الشخصي على الأشكال المؤسسية وهو ما أدى لفقدان الإطار النظمي لجانب كبير من الاستقرار بعد خلافة عثمان وهو ما انعكس على حرمان نظام الخلافة من بعض الأشكال المؤسسية.
(والمبحث الثالث) يتعرض لإسقاط الخليفة الثالث والذي كان نتيجة بعض التحولات السلبية التي طرأت على الممارسة السياسية، الأمر الذي نتج عنه ظهر إرهاصات الاضطراب التي بدأت سلمية غير دموية حتى إذا ما أخفق أسلوب التعامل معها تحولت إلى صورتها الدموية البشعة، فالفترة الأولى بمثابة مقدمة للثانية وتقييم الثانية يجب أن يتم من خلال دراسة أسباب الاستقرار ومؤشرات الاضطراب في الأولى وأسباب عدم تحوله لعنف دموي. وهكذا، فإن مقتل عثمان لا يعدو أن يكون النتيجة الطبيعية لاختلال العلاقة بين قوى ثلاث لمواقفها المتباينة من رفع الحصار عن رفع الحصار عن المسلمين داخل العاصمة، هذه القوى هي: الخليفة، وأهل العاصمة وبالذات كبار الصحابة، وعناصر الفتنة. ورغم اتفاق القوتين الأولى والثانية على شرعية السلطة إلا أن ذلك لم يحل دون ضرب استمراريتها، لا لأن هاتين القوتين لم تمتلكا إرادة الدفاع عن الشرعية، وإنما لأن الخليفة اكتفى بالدفاع السلبي، وهكذا فإن أحد مفاتيح ما حدث في عصر عثمان أنه واجه أقوامًا كانوا على استعداد لانتهاك مبادئ المثالية الإسلامية في وقت تمسك هو فيه بتلك المبادئ للنهاية. بالنسبة لـ (الفصل الثالث) كان إسقاط الخلافة، فإذا كان التطور السياسي الإسلامي قد شهد نوعًا من إرادة التحدي للتعامل مع الحركة السياسية المقبلة عقب كل تصدع أو مصرع للخليفة، فقد كان من المفترض أن تستمر إرادة التحدي خلافة بعد مقتل عثمان لكن شيئًا من ذلك لم تكتب له التتمة نظرًا لاختلاف وجهات نظر المسلمين في مسألة مقتله وكيفية التصرف مع القتلة وهو ما انعكس على:
1- (نشأة النظام السياسي) حيث تصدع التماسك الداخلي وظهر الاختلاف على القيادة البديلة، وفي هذا المناخ جاء اختيار الخليفة الرابع علي، لا ليكون أولى علامات إعادة التماسك الداخلي – مثل التجارب السابقة – وإنما ليطعن بعض المسلمين في بيعته ويحجم البعض الآخر لتزداد حدة الخلاف والفرقة في عصره.
2- (أركان النظام السياسي) فخصائص قيادة علي تنأى به عن الإفراط والتفريط وأبعاد التعامل السياسي في عصره كشفت عن طبيعة الأحداث المضطربة التي عانى منها المجتمع الإسلامي. وأخطر الأبعاد داخليًا كانت تضاؤل مكانة المدينة كعاصمة وبدء النزاع على السلطة والحوار الدموي في التعامل واختلال العلاقة بين أطراف الدولة وتزايد خطر العناصر غير العربية وخارجيًا استمرت عملية إيقاف حركة الفتح. وحدث تعديل في الإطار النظمي خاصة النظم التي أثارت الثائرة على عثمان ورغم ذلك فالنفوس لم تعتمد على إجراءات على التقشفية والتي تساير عصر عمر ذلك أن عصر عثمان عودها على الترف واللين والثراء وبخصوص الإطار النظمي تبرز أيضًا قضية المؤسسية التي تؤخذ على النظام الإسلامي وأهمية دراسة هذا الإطار وفقًا لواقع المسلمين ويجب بالتالي التجرد من إسقاطات العصر الحالي أو غيره.
وإذا كان هذا التطور قد انتهى لإسقاط الخليفة الرابع فقد كان هذا نتيجة اختلال العلاقة بين قوى ثلاث هي: الخليفة – معاوية وأهل الشام – الخوارج، وذلك لصالح القوة الثانية، ذلك أن الرعية تغيرت وقل وازعها الديني، بينما ظل هو – أي على – على مثالية الخلفاء، فكان لزامًا أن يحدث خلل في العلاقة بينهما، وقد كان علي هو ضحية هذا الخلل.
(الافتراض الثالث) [أن احتفاظ الفتنة بخصائص وأبعاد متميزة وجديدة في كل تطور من تطوراتها الثلاثة لا يمنع من القول بأنه كانت لها خصائص وأبعاد عامة ظلت راسخة منذ ظهور مقدماتها في المجتمع الإسلامية وحتى إطاحتها بنظام الخلافة].
– وأهم هذه الخصائص كما أثبتها الباحث:
1- أن وجود الصحابة وأبنائهم، كان قاسمًا مشتركًا في أحداث الفتنة وإن تباينت أدوارهم ومواقفهم من تلك الأحداث.
2- أن الأبعاد الداخلية للفتنة الكبرى كانت هي الغالبة، أي كانت المتغيرات المستقلة، وأن الأبعاد الخارجية كانت المتغيرات التابعة رغم تبادل التأثير والتأثر بين علاقة الأبعاد.
3- أن عدم اتفاق المسلمين على أسلوب محدد لاختيار القيادة السياسية كان عاملاً أساسيًا من عوامل اختلافهم وفرقتهم في جميع التطورات وإن اختلفت درجات ذلك.
4- لا يمكن التغاضي عن الأثر السلبي الذي تركته نقائص الإطار النظمي لتجارب الخلافة في أحداث الفتنة وخاصة في مجالات: استيعاب بعض التغيرات الاجتماعية، وتنظيم العلاقة بين العاصمة والأطراف، وتوفير ضمانات الحماية الذاتية للقيادة الحاكمة.
5- لم يؤثر عن أي من القيادات السياسية التي راحت ضحية للفتنة اللجوء إلى أساليب غير شرعية أو استثنائية لتأمين مركزها في السلطة أو في محاولتها لإخراج المجتمع من أتون الفتنة.
6- أن تصاعد موجات العنف الداخلي كان على حساب إيقاع كفاحية الدعوة وفيضانها خارجيًا.
7- لا يمكن غض الطرف عن الدور التخريبي في جميع تطورات الفتنة سواء أكانت وراءه العناصر العربية أو العناصر غير العربية.
8- أن محاولة غير المسلمين في استغلال التصدع الداخلي في أي عصر من عصور الخلافة كان مآلها الإخفاق، نتيجة المبادرة الحاسمة التي واجهتها من القيادة السياسية.
(الافتراض الرابع) [أن الالتزام المتبادل الذي ظلل العلاقة بين القوة الحاكمة والقوة المحكومة في المجتمع الإسلامي، لم تقدر له الاستمرارية بعد تجربة الخليفة الثاني، وأن اختلال العلاقة بين القوتين كان على حساب بقاء القوة الحاكمة في السلطة سواء في عصر عثمان أو عصر علي] وقد برز هذا بوضوح في الفصلين الثاني والثالث.
(الافتراض الخامس) [أن هناك علاقة طردية بين الفاعلية الداخلية والفاعلية الخارجية في عصر الخلافة وأن تحقيق التماسك الداخلي حتى السنوات الأولى من عصر الخليفة الثالث كانت له آثاره الإيجابية في التعامل الخارجي، وأن فقدان هذا التماسك أو تصدع البنيان الداخلي حتى نهاية عصر الخليفة الرابع، كانت له آثاره السلبية في التعامل الخارجي].
(الافتراض السادس) [أن الفتنة الكبرى كانت لها آثار سياسية في مجالات مختلفة] وقد عالج الباحث هذا الافتراض في الفصل الرابع والأخير.
فلأن حركة التطور السياسي الإسلامي هي سلسلة من الحلقات التي تتأبى دائمًا – وحتى في اللحظات الحرجة والقائمة – على الانقطاع أو الانفصال عن بعضها تأثيرًا وتأثرًا، ولأن الفتنة لم تكن مجرد حادث عابر تعرض له المجتمع الإسلامي بقدر ما كان اختبارًا شاقًا وقاسيًا في الحفاظ على المثالية التي جاءت رسالة الإسلام لتجسدها منذ البعثة المحمدية، ولأن تطور الحركة الإسلامية بعد إسقاط الخلافة أثبت أن الفتنة كان لها من الآثار في شتى مناحي الحياة السياسية – ما عانى منه سلف المسلمين في القرن الأول ويعاني منه خلفهم بعدهم بقرون طويلة – لكل ذلك، ما كانت الفتنة لتمر دون أن تترك بصماتها على مناحي الحياة الإسلامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأدبية وغيرها وهكذا، فإذا كانت الفتنة انعكاسًا للعلاقة بين ثلاث مستويات هي: الفكر السياسي – النظام السياسي – الممارسة السياسية، فإن المتابعة التاريخية لعصر ما بعد الخليفة الرابع مباشرة تثبت أن الفتنة تركت بالمقابل آثارها السياسية على نفس المستويات الثلاث:-
– (فعلى مستوى الفكر السياسي) انقسم المجتمع الإسلامي – فضلاً عن القوة الحاكمة – إلى فرق متعددة، وهكذا تحولت فُرقة «الموقف» التي دبت في صفوفه منذ خلافة عثمان، إلى فرقة «مبادئ» التي أصبحت فرعًا هامًا لا يمكن إغفاله في دراسة الفكر السياسي الإسلامي خاصة، والفكر الإسلامي عامة.
– (على مستوى النظام السياسي) ظلت طبيعة الخلافة هي الحاكمة بعد خلافة علي في مدة القصيرة التي تولى ابنه الحسن السلطة، لكنه بتنازله عنها بدأت إرهاصات نظام جديد عرف في الأصول الإسلامية والتجربة الإسلامية بنظام الملك، وهو نظام بدأ معاوية أول تطوراته، وخلاله استطاعا أن يمكن لنفسه ولسلطانه تمكينًا قويًا، وقد اقتضاه ذلك أن يمد طرفه نحو حضارات الآخرين يستلهم منها ما يوافق إدارة ملكه، وقد قطع في هذا الصدد شوطًا كبيرًا.
– (على مستوى الممارسة السياسية) تحولت من أوج فعاليتها – في عصر الخلافة – بفعل الالتزام المتبادل بين الحاكم والمحكوم، إلى بداية الانتكاسة في نهاية هذا العصر وبداية الملك، فمستلزمات الملك لم تفرض على معاوية الانفتاح الحضاري فحسب، بل فرضت عليه أيضًا أن يمسك السلطة بيد قوية في تعامله داخليًا وخارجيًا.
وفي (الخاتمة) يؤكد الباحث على القدر الكبير الذي نالته هذه الافتراضات من المصداقية وليخرج من ذلك بطرح عدة قضايا هامة لا تزال تجد منابعها في الخبرة الإسلامية المعاصرة:
(1) (قضية قراءة الرواية التاريخية) بلغة معاصرة ابتداءً بتحديد المصادر وانتهاء بمقارنة مفاهيم الرواية ودلالاتها بمثيلاتها في الفقه المعاصر.
(2) (قضية كتابة التاريخ الإسلامي) من حيث ماهيته، ومن سيكتبه، وبأية منهاجية، وكيف ومن أين البداية وكيف النهاية، وما هو هدف وفلسفة الكتابة ذاتها؟
(3) (المفاهيم الإسلامية) وحتى تكون مقدمة نحو إسلامية العلوم السياسية.
(4) (التجديد) والبحث عن البديل المناسب لكيفية النظر إلى أحوالنا وقيمنا وتراثنا الإسلامي في تعاملنا في مع هذه التجربة المعاصرة.
(5) الفُرقة وانقسام الصف الإسلامي.
(6) الاستخدام الإسلامي للعنف (في تطبيق الحدود الشرعية – ضرب التمرد الداخلي – نشر الدعوة – نشر الدعوة – تصفية مواقف الاختلاف).
(7) (المنهاجية) وأهم الخطوات المنهاجية لدراسة الخبرة الإسلامية على مستوى الممارسة هي:
(ا) ضرورة ضبط الرواية التاريخية، ونقدها داخليًا وخارجيًا.
(ب) رفض الازدواجية في تحليل المفاهيم المركبة، والتسليم بتكاملها وتفاعلها مثل مفاهيم: الفكر والحركة والدنيا والآخرة، الدين والدولة، الدين والسياسة، العقل والنقل وغيرها.
(ج) دراسة الروايات ومفاهيمها في سياقها الزمني، أو بعبارة أخرى، تجرد الباحث بقدر الإمكان من إسقاطات عصره في دراسة هذه الروايات.
(د) الربط بين الدلالات اللغوية والأصولية والسياسية للمفاهيم.
(ه) الابتعاد عن متاهات الانسياق وراء الفكر الدفاعي في عرض الأحداث وتجنب الدخول في المعارك الفكرية القائمة على الرد، والرد المقابل.
(و) عدم الخلط بين فهم الإسلام كعقيدة وشريعة، وبين فهمه كتطبيق حاول المسلمون نقله إلى واقعهم الاجتماعي، حتى لا ينسب خطأ المسلمين في التطبيق للإسلام نفسه، وهو منه براء.
(ز) النظرة الموضوعية إلى ممارسات الأشخاص، سواء أكانوا من الصحابة أو من تابعين أو غيرهم، دون الانتقال من انتقاد المواقف إلى تجريح أو طعن أصحابها «فسباب المسلم فسوق وقتاله كفر كما ورد في الحديث.
* * *
(*) تقع الرسالة في حوالي الخمسمائة والخمسين صفحة (505).