جاء سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، ووصول آيات الله إلى الحكم، في فبراير 1979م، مفاجأة للغرب، وللأمريكيين على وجه التحديد, وقد وقعت المفاجأة صاعقة، رغم الوجود الغربي الطويل في إيران، ورغم الوجود الأمريكي المكثف فيها والمدعوم بأجهزة الاستخبارات المركزية الأسطورية السمعة، في المرحلة غير القصيرة من حكم الشاهنشاهات.
وقد كشفت ردود الفعل الغربية، والأمريكية منها على وجه التحديد، عن قصور الفهم الغربي عن ادراك الأبعاد الحقيقية لديناميكيات التغير الاجتماعى في المنطقة ولدور التأثيرات الإسلامية فيها على وجه الخصوص. وفي اطار تعقب أسباب وابعاد الماساة التي طالت الوجود الغربي / الأمريكي في المنطقة، كان الالتفات عنيفاً إلى الظاهرة الإسلامية ، وكان التركيز عليها حادًا. ونشط في الغرب الحديث عن الإسلام المسلح أو الإسلام المقاتل أو إسلام العنف (Militant Islam)، أي الترجمات نشاء(1) . وبدأ المصطلح يحتل مكانة بارزة في أدبيات الغرب الموجهة لدراسة وفهم التغيرات التي تجرى في المنطقة العربية / الإسلامية. غير أن تداول المصطلح قد رافقه الكثير من اللبس وسوء الفهم، مما يكشف عن قصور واختلال الإدراك الغربي لدور الظاهرة الإسلامية في التأثير على مجريات الأمور في المنطقة. ففي كتاب عنوانه ‹إسلام العنف› صدر مبكرًا عقب نجاح الثورة الإيرانية ، لمؤلفه ‹جودفري جانس › نقرأ النص التالي (2)، على سبيل المثال: «ولا مناص من اعتبار «إسلام العنف» متمثلا في أنماط بينة الاختلاف من القادة المسلمين، مع تمييز ثلاثة أنواع من بينها على الأقل فهناك ابتداء محترفو السياسة، العلمانيون في الأساس، والمتغربون غير الإسلاميين، والذين يسخرون الحيوية الباقية من قوة الإسلام لتحقيق أهدافهم السياسية ، وهؤلاء يمكن تسميتهم «الاستغلاليون» . (Exploiters)
ويتكون النوع الثاني من رجال الدين الذين يمكن إعادة تصنيفهم إلى مجموعتين. فهناك رجال الدين المؤسسين من العلماء والشيوخ وآيات الله النشطين سياسياً، مثلما هناك النوع الأخر من رجال الطرق الذين لا يزال لهم نفوذ سياسي في بعض الأقطار بسبب غيبياتهم الصوفية التي تبقى لهم تأثيرات على الجماهير . والقسم الأول من هذا النوع هم المقلدون (السلفيون- Reiterators ) الذين يرون الكفاية في العودة إلى القرآن للأخذ عنه ولتنفيذ تعاليمه حرفيا. أما النوع الثالث الأشد خطورة لإسلام العنف فيتمثل في هؤلاء الرجال الذين هم ليسوا محترفي سياسة وليسوا رجال دين، ولكنهم يتوجهون سياسيا من أجل تنفيذ مثالياتهم الإسلامية في الحياة العامة، وهؤلاء هم المجددون (Rethinkers) الذين يبغون الوصول إلى تحقيق هدفهم الصعب ألا وهو اعادة التفكير في الإسلام على أسس عصرية» .
ووفقا لفهم «جانسن» فإنه ينسب إلى النوع الأول لكل من محمد علي جناح مؤسس دولة باكستان، وأيوب خان وضياء الحق (قادة انقلابات عسكرية)، وكذلك محمد علي بوتو رئيس باكستان الأسبق, ثم الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات. أما النوعية الثانية، وعلى وجه التحديد رجال الدين المؤسس خضم حركة نهضة العلماء في أندونيسيا، وجماعة علماء الإسلام وكذلك جماعة علماء الباكستان في باكستان، ثم شيوخ الأزهر بمصر، ورابطة علماء المغرب بمراكش، وأخيرًا العلماء في أقطار مثل السعودية التي تعلن أنها دولة إسلامية. وتضم هذه النوعية أيضا آيات الله في إيران، رغم خصوصية لهؤلاء يذيه ج .هـ جانسن إليها. أما النوعية الثالثة، أي المجددون، فينسب إليهم الاخوان المسلمين في مصر، وحزب التحرير الإسلامي في الأردن, والجماعة الإسلامية التي أسسها المورودي في باكستان، وحزب ماشوعي في أندونيسيا، وجماعة علال الفاسي في المغرب، وحركة تحرير إيران برياسة مهدي بازرجان وكذلك مجاهدي خلق في إيران، ومع بعض التحفظ ليبيا. تحت قيادة العقيد القذافي .
ومظاهر القصور والخلط والتشوش التي تعتور هذا التصنيف المتقدم، من الأمور البينة أمام القارئ العربى / المسلم . وما كنا نستهدف من تقديمه غير بيان نوعية من بضاعة الغرب الإعلامية والفكرية التي يتم ترويجها بقصد إذكاء أوار الحديث عما أسموه «إسلام العنف»، والذي يتسع لديهم ليشمل الشئ وضده، وليضم كل ما هو إسلامي الجوهر، إسلامي الواجهة، إسلامي التسمية، أو حتى إسلامي الإدعاء!
وفي ديسمبر 1979م يقع الغزو السوفيتي لأفغانستان، فإذا إسلام العنف في الدعاية الغربية يتسع ليشمل المقاومة الأفغانية لهذا الغزو بكافة أجنحتها الدينية، والمدنية، والقبلية، والإقطاعية، وحتى اليسارية، بغير تمييز …. ورغم اتهام غربي صفيق لكل ما هو إسلامى بالعدوانية والعنف، كما يوضح «جانسن» فإن غزلا مفضوحا للمقاومة الأفغانية، التي وصفت بالإسلامية قد مورس في صورة فجة للغاية، ولأغراض سياسية إقليمية وكونية بحتة .
وفي أكتوبر 1981م يسقط الرئيس السادات صريعا برصاص بعض شباب الحركات الإسلامية المحظورة في مصر، فإذا بالحديث عن إسلام العنف ينشط في الغرب أكثر من ذي قبل بسبب العلاقات «الخاصة جدًّا» التي كانت تربط السادات بهذا الغرب. وإذا لنا نحن أهل الدار (في مصر وفي العالم العربي) يزداد التفاتنا إلى ظاهرة العنف لدى الجماعات الإسلامية فنكاد نجعلها حديث كل ناد .
وقد توزعنا نحن العرب, والمصريون منا خاصة، فرقاً، ونحن نتناول ما أسمى «ظاهرة العنف» لدى الجماعات الإسلامية. وقد بدا واضحاً تأثير بعض هذه الفرق بالمعطيات الإعلامية الغربية (الوافدة من أي من الكتلتين)، بينما كانت بقية الفرق تؤثر أن نتناول القضية في غير إطارها الموضوعي الشامل إما لعدم إدراك أهمية ذلك، وإما تحسباً لمقتضيات الأمن العام، وإما حفاظاً على الأمان الشخصي.
كل يغنَّي ….. !!
ابتداءً، ننحي أجهزة الأمن، وأجهزة الإعلام الحكومي، جانباً. فقد أثبتت التجارب المتعاقبة أن الفئة الأولى لا تملك القدرة، بينما الفئة الثانية تفتقد القدرة، مثلما تعوزها أمانة التناول، حتى يمكن أخذ تشخيصاتها لسلوك وديناميات الجماعات الإسلامية في الاعتبار .
بعد ذلك, يمكن تمييز اتجاهات ثلاثة رئيسية محلية تناولت عنف الجماعات الإسلامية بالتحليل وإبداء الرأي. الاتجاه الأول يتبنى المفهوم الغربي / الأمريكي، مع قدر من المخالفة والتطوير لإسلام العنف (Militant Islam). والاتجاه الثاني يأخذ من قضية العنف سبيلاً لإدانة الحركة الإسلامية وتصفية الحساب معها. أما الاتجاه الثالث فينطلق من تخوف على الحركة الإسلامية، ومن تعاطف مخلص معها، فيحاول التمييز بين العنف كظاهرة شاذة عارضة وبين الحركة الإسلامية كتوجه مبدئي رشيد .
وقد تبلور الاتجاه الأول في الجامعات الأمريكية في المنطقة وفي معاهد أبحاث الشرق الأوسط التابعة لها وقد اعتمد هذا الاتجاه مصطلح إسلام العنف الرائج في الغرب (أو جماعات العنف المسلمة)، مع تحديد أدق للمقصود من هذه المصطلحات، ربما بسبب دفع الجامعات الأمريكية لوجوه وعقليات عربية / مسلمة، تعرف موقع خطاها بيننا، لتولي مسئولية أبحاثها في هذا الخصوص، وهو منحى يحسن رصده وتتبعه في سلوك هذه الجامعات في المرحلة الراهنة. وفي محاولة لإخضاع أعضاء بعض الجماعات الإسلامية التي تورطت في صدامات مع السلطة في السنوات الأخيرة لمعايير كمية، وجعلهم موضوع بحث اجتماعى، أمكن الوصول إلى نتائج قد تبدو مبهرة تتعلق بالأصول الاجتماعية لهؤلاء، وكذلك مستوى ونوعية تعليمهم، ثم تحديد مواقعهم بالنسبة للتيارات الإسلامية الأخرى القديمة أو المحدثة … إلخ (3). غير أن هذا التناول الجرئ أو الموضعي (Micro) للظاهرة، مع اعتبارها أدخل في باب الانحرافات الاجتماعية، ثم الجرى وراء ما يتميز به أعضاء هذه الجماعات من سمات أو ملامح شذوذ ، عن نظرائهم الآخرين في المجتمع (وهو الأمر الذي لم يثبت)، يوحي بتأثير مسبق بالموقف الغربي المدين للظاهرة، مثلما يجرد مثل هذه المحاولات من امكانيات الوصول للعمق الحقيقي للظاهرة موضوع الفحص. ذلك لأن ظاهرة الجماعات الإسلامية إنما تكشف عن حاجات سياسية، شمولية، يحاول أصحابها استيفائها، في إطار مجتمعى يقبل بالفكرة، ولا يعادي أصحابها، وإن كان يدين البعض أو الكثير من سلوكياتهم . أما الاتجاه الثاني أي اتخاذ العنف مدخلا لإدانة الجماعات الإسلامية, فقد تبناه بعض الماركسيين الحرفيين (الكلاسيكيين). ومن المعروف أن حساسية سياسية شديدة قد أورثها هؤلاء تجاه حركة الإخوان المسلمين، التي يزعم البعض أن هذه الجماعات الإسلامية الجديدة قد خرجت جميعها من تحت معطفها، والتي يرى فيها آخرون منافساً عنيدًا، ومركز استقطاب جماهيريا فعالاً، وعائقاً ضخماً في طريق نمو الأخرين. وبالتالي فإنه في إطار مصالحة محتملة ومستحبة مع النظام فإن إدانة العنف، وإدانة الجماعات الإسلامية، يحقق صيد عدة عصافير بحجر واحد. وبالطبع فإن هؤلاء قد فضلوا العنف كفعل تأتيه أو أتته هذه الجماعات، عن بقية الظواهر والممارسات التي تؤدى إليه، مثلما وظنوا قناعتهم المسبقة برفض اعتماد أية مقولة تعطي هذه الجماعات حق التواجد العملي، شرعياً كان أو غير شرعي، على الساحة السياسية(4)
ولعله من الطريف أن كثيرين من هؤلاء قد اسعدتهم للغاية النتائج التي أدت إليها ممارسة العنف، إلا أنهم لم يتورعوا عن إطلاق أعلى الأصوات لإدانة هذا العنف، الذي هو مصدر سعادتهم الأول!
أما الاتجاه الثالث فقد ضم العاطفين على الحركة الإسلامية بمعناها الشامل الواسع. وهؤلاء قد أفزعهم بالفعل ما جرى من عنف, مثلما استثار تخوفهم على الحركة الإسلامية، وعلى التوجه الإسلامي. ومن هنا فقد خرجوا إما ناصحين لشباب هذه الجماعات، وأما مهدئين للسلطات، وإما محاولين الفصل بين الممارسات العنيفة وبين ما يتصورونه الممارسات الإسلامية الصحيحة (5)
غير أن حرص هؤلاء وتخوفهم برغم ولائهم وإخلاصهم، وبرغم ما قدموه من أفكار جيدة ومقترحات مفيدة، وبرغم ما حققه بعضهم من نجاحات جزئية، قد أديا بهم إلى تناول ظاهرة العنف في غير إطارها الصحيح، وعلى غير المستوى الذي يجب تناولها عليه. والإطار الصحيح الذي نقصده يعنى ديمقراطية الحياة السياسية في مجتمعاتنا العربية / الإسلامية. أما المستوى الذي يجب العمل عليه فهو مستوى القبول الشرعي بحق الجماعات والتيارات الإسلامية في الممارسة السياسية الحرة المستقلة داخل هذا الإطار الديموقراطي.
لقد أحسن بعضهم إذ قر ما جرى بقوله: إن العنف يولد العنف. وقد أصاب كثيرون إذ أشاروا بإصبع الاتهام العنيف إلى غياب الديموقراطية كسبب رئيسي وراء كل العنف الذي جرى. وإذا كان بعضهم قد رأى في انتهاج الديمقراطية وسيلة لمعادلة ما يتصوره انحراف الشباب تحت دعاوى دينية، ولموازنة الثقل الذي تملكه الجماعات الدينية بثقل مكافئ تقدمه الجماعات السياسية المدنية، فإن هذه ليست الديمقراطية الصحيحة التي يجب أن تقوم، لأنها ديمقراطية تجزئية نفعية (براجماتية) موجهة بوهم إمكانية ضبط التيارات الإسلامية بقوى سياسية جماهيرية، بعد أن ثبت فشل إمكان الضبط لهذه التيارات بأجهزة السلطة. ولكن الديمقراطية الصحيحة الكاملة يجب أن تتسع للقبول بحق البديل السياسي الإسلامي ليكون أحد الخيارات المطروحة في الساحة، ثم القبول بحق التيارات الإسلامية في حمل هذا البديل (أو البدائل) إلى الناس، تدعوا إليه، وتدافع عنه، وتطلب الأغلبية الديمقراطية المؤيدة له.
عن البدائل الإسلامية
لا يختلف إثنان حول كون الإسلام مكوناً رئيسيا، إن لم يكن هو المكون الرئيسي للثقافة السائدة في المنطقة العربية بل وفي كافة دول المنطقة الأوسع المسماة بالإسلامية.
وما لم يكن في الأمر مرض أو هوى، فإن أحدًا لا يقول بأن الإسلام دين تعبد فقط. بل هو دين تعبد ودين حياة أيضاً، أو هو دين ودولة كما يقولون. وسياسة الأمة وتدبير أمورها من صلب هذا الدين.
والجميع يرون بعيونهم، حتى ولو أنكر البعض بألسنتهم، أن الإسلام لا يزال يحتفظ برصيد ضخم من حيويته. وتبدو تلك الحيوية في الأفكار والتصورات المطروحة في بلاد الإسلام، وتتمثل في التشكيلات والتنظيمات الفاعلة في أراضى المسلمين، بغض النظر عن توفر المشروعية القانونية لها أو غيابها، مثلما تتجسد في المشاركات الفعلية للقوى والتيارات المسلمة إسلامية في إحداث التغيرات الضرورية في المجتمعات المسلمة، ومرة ثانية بغض النظرعن تجاوزات كثيرة تصاحب هذه المشاركات.
غير أن الواقع القانوني في مجتمعات المسلمين المعاصرة, والذي ينظم ويحكم كيفيات المشاركة أو الممارسة السياسية في هذه المجتمعات، يكاد يسقط هذه الحقائق من الاعتبار إسقاطاً تاماً. فالتشريعات القانونية المعمول بها في أغلب، إن لم يكن كل، الدول المسماة بالإسلامية تصادر مصادرة مطلقة حق تكوين الجماعات السياسية والأحزاب من منطلقات دينية. ويتم تبرير هذا الخطر بدعاوى متعددة، مثل الحفاظ على السلام الاجتماعي، والحرص على وحدة الأمة، وتحصين الدولة ضد مخاطر الطائفية.
وهذا الخطر القانوني، الذي يتحدى معطيات الواقع وحقائقه المجتمعية، قد يتهافت منطلقه الداخل تماماً لو أننا وضعناه في مواجهة نمطين من الممارسات السياسية، المباحة قانوناً، أولهما خارجي وثانيهما داخلي.
فالمجتمعات الأوروبية، رغم تهميش دور الدين فيها منذ زمان بعيد، ورغم أنها تدين رسمياً بالمسيحية فالمجتمعات الاوربية ، رغم تهميش دور الدين فيها منذ زمان بعيد ، ورغم انها تدين رسمياً بالمسيحية التي يمكن أن تدع ما لقصير لقيصر، لا تزال تقبل بفكرة وجود أحزاب مسيحية ديمقراطية أو أحزاب مسيحية إشتراكية، تستوي في ذلك أوربا الغربية وأوربا الشرقية (في ألمانيا الشرقية حزب اشتراكي مسيحي يأتلف مع الحزب الشيوعي الحاكم). وهذه التسميات الحزبية ليست عبثية بالطبع، بل إن لها دلالات فكرية أيديولوجية، وسياسية عملية، ومجتمعية تاريخية، لم يغفلها التأريخ للتطورات السياسية وللنمو الديمقراطي في المجتمعات الأوربية المعاصرة.
وفي مجتمعاتنا العربية، فإن جميع الدول التي قبلت بمبدأ التعدد الحزبي، قد أعطت موافقات تشريعية للقوى والتيارات الماركسية لتكوين أحزابها الشيوعية المستقلة أو للعمل ضمن أئتلافات أو تجمعات سياسية قانوناً، في حين أن هذه الدول لا تزال تحجب مثل هذه الموافقات عن القوى والتيارات الإسلامية، وحتى في تلك الدول التي يقوم نظام الحكم فيها على أساس التنظيم الواحد فإن التشدد والتدقيق مع التيارات الإسلامية قد يقابلها عادة مرونة وتساهل نسبيان في التعامل مع الماركسين. ولأنني أؤمن بحق التنظيم الشرعي لكافة القوى الاجتماعية ولكافة التيارات الفكرية، وكذلك بحق الممارسة الحرة المستقلة لكل منها، ولأنني لا أتغافل عن الدور الوطني للماركسيين المصريين (والعرب) بوجه عام، فإن إيضاحا للمقارنة السابقة يحسن إثباته. فالقصد الرئيسي من إجراء هذه المقارنة ليس التحريض على مصادرة الحقوق التي اكتسبها (أو على وجه الدقة فرضها) الماركسيون، ولكن كشف حالة الفصام (الشيزوفرينيا) لدى أنظمة الحكم العربية التي تتملق فكر الإسلام وتحاصر أنصاره، بينما هي تهاجم الفكر الماركسي و تغض الطرف عن أتباعه. أيضاً فإن الإفادة بضرورة ومنطقية توسعة دائرة الممارسة الديمقراطية، وليس تضييقها، هو مقصد آخر لهذه المقارنة.
ولما كان جوهر العملية الديمقراطية أن كل قوة سياسية تقدم نفسها بديلاً للقوى الأخرى العاملة في الساحة، كما أنها تقدم تصورها بديلاً لقصورات الآخريين، فإن الحركات والتيارات الإسلامية، إذ يثبت حقها في العمل السياسي وفي التواجد التنظيمي، هي القوى التي تقدم البديل الإسلامي، أو على وجه الدقة البدائل الإسلامية، لكل الأطروحات الأخرى المتداولة.
والبديل الذي نسميه إسلامياً، ماهو إلا مجموعة التصورات، الشاملة أو الجزئية، التي يتقدم بها حاملوها زاعمين أنها تحل مشكلات الناس (العباد)، وأنها قادرة على تطوير أنماط المعاش ونماذج السلوك، ومثل هذه التصورات تؤسس على فهم هؤلاء للإسلام، وهي بالتالي تعكس إدراكهم الذاتي لمعطياته، كما أن فعاليتها تتوقف على عمق وعيهم بحقيقة المشكلات المجتمعية.
ومادام الفهم الذاتي للإسلام أحد المتغيرات التي تتشكل على أساس منها القصورات المقترحة، وما دام تعدد الأفهام وتفاوتها يقع بصفة دائمة، فإن احتمال طرح بدائل متنوعة ومتفاوتة تستعي جميعها من فيض الدين، ويزعم كل منها لنفسه صفة الإسلامية، يصبح وارداً، بل ويكون وروده حتمياً.
ومن تحصيل الحاصل أن نضيف أنه مع تبدل الأزمنة، وتغير الأمكنة، فإن المتغيرات التي تحكم عملية تخليق المفاهيم وبلورة التصورات تزداد كثرة، وبالتالي يصبح تعدد البدائل أوسع مدى، بل وتصبح مصادرة البدائل القديمة أو غير الملائمة لصالح بدائل جديدة ملائمة واجبة شرعاً وعقلاً.
والبديل الإسلامي لا يشترط أن يتم التقدم به في مجتمع غير إسلامي أو إلى جماهير غير مسلمة بل أن تقديمه أوجب في مجتمعات الإسلام وإلى معاشر المسلمين. وما دام أحد لا يأتيه خير من السماء بعد انتقال خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، فإن أحداً لا يستطيع أن يزعم أن لديه صكا يمنحه «الإسلامية» صفة محتكرة له دون الآخرين. ويصبح صراع البدائل (ولا نقول تحاورها فقط) في مجتمعات المسلمين صراعاً بين فهم للإسلام وافهام أخرى للإسلام مختلفة، وليس صراعًا بين إسلام وإسلام, أو بين إسلام ولا إسلام كما قد يعبر بعض المتعصبين الذين يزين الجهل لهم أن يقولوا ما لا يفقهون.
والبدائل الإسلامية تكاد تكون مطروحة ومتداولة بصفة دائمة منذ اختلف المسلمون حول أمور الحكم، ومسائل السلطة، وقضايا الولاية على أموال المسلمين، في عهد الخليفة الثالث ذي النورين عثمان بن عفان رضى الله عنه وأرضاه. وهو الخلاف الذي انتهى بتسور ثوار من المسلمين عليه داره ليقتلوه. ومع انكسار الإمام علي بن أبي طالب الخليفة الرابع كرم الله وجهه أمام معاوية وبني أمية الذين أحالوها إلى ملك عضوض كان طرح البدائل الإسلامية يزداد حدة، وقد يأخذ صورًا عنيفة، بعضها خارجي وبعضها الآخر شيعي … إلخ. ورغم تحفظات شديدة، بل وإدانات قاسية، لممارسات كثيرة وقعت من كثيرين، ورغم ادعاءات مايسمى بالفرقة الناجية, فإن إجماعاً حول خروج بعض الفرق من الإسلام وبقاء بعضها الآخر لم يتحقق، وبالتالي فقد ظلت البدائل المطروحة للسياسات الرسمية «إسلامية» مثلما ظلت المجتمعات التي تطرح فيها هذه البدائل مجتمعات (إسلامية).
ولولا أن التاريخ المسجل والشائع لمنطقتنا منذ أشرقت عليها شمس الإسلام هو تاريخ الخلافة الرسمية ولو أن تاريخ المعارضة لقى من التسجيل والشيوع مثلما لقى التاريخ الرسمي، ولكننا أدركنا اتصال واستمرارية طرح البدائل الإسلامية على امتداد تاريخنا الإسلامي، ولكُنَا تبينَا أنماط الاحتكاك أو التفاعل أو الصراع بين هذه البدائل، ولكُنًا الآن أقدر على فهم ميكانيكيات التغير الاجتماعي/السياسي في المجتمعات الإسلامية.
وقد يكون مفيدًا هاهنا أن نذكر أن حركة «الإخوان المسلمين» قد تأسست في مصر عام 1928م في أعقاب الإجهاز الكامل على ثورة 1919 عقب حادث مقتل السردار في عام 1924م، واشتداد أزمة الحكم، وتعثر القضية الوطنية، وانتهاء عهود الحكومات الائتلافية، وبداية الدخول في عهود الحكومات العملية أو حكومات الأقليات، مما قد يرجح أن الظروف العامة كانت تقتضي طرح « بديل إسلامي» عوضاً عن البدائل الأخرى المجهضة أو العاجزة (6).
وإذا كان الإسلام لا يزال يحتفظ بحيويته كدين سياسي، كما أنه لايزال المكون الرئيسي لثقافتنا السائدة الحاضرة، فإن استمرارية طرح البديل أو البدائل الإسلامية تظل واردة وتظل أحقيتها قائمة، مثلما تظل قوى وجماعات وتيارات كثيرة قادرة على التقدم بهذه البدائل ومستعدة لتحمل تبعات الدعوة إليها ومسؤليات الدفاع عنها. ويكون من غير المنطقي، بل وقد يكون ضد طبائع الأشياء، أن يحال بين هذه القوى والجماعات والتيارات وبين إقرار حقها الدستورى في الممارسة السياسية على أساس استقلالية التنظيم وحرية العمل …
وإذ يستقر هذا الحق لهؤلاء، فإن الدخول إلى ميدان الممارسة الشرعية هو الخطوة التالية. وها هنا تنهض الخبرة السلبية بممارسات من تعصب، ومن عنف، ومن تعجل الاصطدام بالآخرين، محذرة من مشقات الطريق، مخوفة من مخاطر التجربة … وها هنا أيضاً قد يحسن الحديث عن قواعد جديدة للممارسة السياسية يجب أن تلتزم بها هذه القوى والجماعات والتيارات التي تخلع على نفسها صفة «الإسلامية».
ضوابط سياسية حضارية
في إطار المشروعية القانونية، يجب على كافة التنظيمات المشاركة أن تلتزم بالقواعد السياسية التي يلتقي حولها الإجماع الوطني ويعتمدها ضوابط للممارسة أو يقيم بها حدودًا للمنطقة أو المناطق الحرام التي لا يجوز التسلل إليها. وهذه القواعد عادةً ما تكون نبت الظروف السائدة في المجتمع أو وليدة خبراته التاريخية المتراكمة، داخلية كانت أو خارجية. وبدون التزام الحد الأدنى هذا فإن العملية الديمقراطية تكون معرضة دائماً لاحتمالات الهجوم من الخلف، أو نسف القواعد أو التفجير من الداخل، وكلها توجهات خطيرة ومدمرة. والقوى والجماعات والتيارات الإسلامية تأتي في مقدمة المدعوين للالتزام بهذه الضوابط السياسية الحضارية، بوصفها قوى ذات فاعلية واضحة في صياغة حياة المجتمع والتأثير فيها من جهة، ثم لكونها تعودت أن تمارس فعالياتها وأنشطتها خارج هذا الإطار المجتمعي المتفق عليه من جهة ثانية.
ويتصدر هذه الضوابط بالطبع خطر التنظيمات العسكرية أو شبه العسكرية، واستبعاد العنف، ونبذ العمل السري، والحرص على تجنب إثارة النزعات الطائفية، حيث أن كل هذه الأنماط للسلوك السياسي غير الرشيد ليس هناك مبرر لاعتمادها ما دامت المشروعية القانونية للمشاركة السياسية قائمة، وما دامت استقلالية التنظيم محترمة، وما بقيت حرية الحركة مكفولة.
ويستلزم الأمر أيضًا تعود فضيلة التوجه إلى الجماهير لتكون حكمًا بين التيارات المختلفة المتنافسة وبين البدائل المتصارعة المطروحة. وبقدر اتقان العمل السياسي وبقدر وفائه بحاجات العباد (مسلمين وغير مسلمين) يكون تجاوبهم مع أصحاب العمل، ويكون توفر الأغلبية التي تدفع بهؤلاء إلى مواقع الولاية (السلطة) وتمنحهم فرصة تحويل تصوراتهم النظرية إلى إجراءات عملية تتحقق عن طريقها برامجهم ومستهدفاتهم.
والقبول بتعدد التصورات لحل المشكلات المجتمعية (مشكلات المعاش)، والرقي بالسلوكيات إلى مستويات القدرة على التعامل المتحضر مع الآخرين المخالفين، كلها أيضًا شروط أساسية واجبة الاحترام.
فبدون قبول بمبدأ التعدد تسقط العملية الديمقراطية من أساسها. والتعدد قد يكون خارجياً وقد يكون داخلياً. والتعدد الخارجي يحدثه وجود قوى وتيارات وتنظيمات لا ترفع واجهات أو مسميات دينية، بينما التعدد الداخلي ينشأ عن وجود قوى وجماعات وتيارات ترتضي لنفسها صفة «الإسلامية» ولكنها تخالف الآخرين الذين يتعلقون بذات الصفة. مع التأكيد بأنه حتى المخالفة في الدين، وهي غير واردة عادةً، ليست سبباً يمكن قبوله، لاعقلاً ولا شرعاً ولا حضارة، للمصادرة على ظاهرة التعدد الخارجي. مثلما أن التعدد الخارجي يجب أن لا يحول بين حكومة مسماة «إسلامية» وبين أعمال تصوراتها واجتهاداتها وسياساتها التي قبلتها الجماهير وكفلتها على أساس منها لتولي المسئولية. ويظل حق التنفيذ والممارسة بالسلطة هذا قائماً طالما بقيت الأغلبية خلف هذه الحكومة.
والتعصب الذي تبديه التيارات الدينية في الحكم على مسائل السياسة ومشكلاتها وقضاياها ينشأ أساساً عن أعمال قاعدة «الحلال والحرام» في مثل هذه الشئون. ولما كانت جوانب النشاط السياسي وصوره جميعها ليست من الأمور التعبدية النقلية، ولا تقع في دائرة التحريم الديني النصي، ولكنها على العكس من ذلك أمور اجتهادية يتحول فهمها مع تحولات الزمان والمكان والمصلحة المرسلة, فإن أعمال قاعدة «الصواب والخطأ» يكون هو الأصح وهو الأصلح، ويكون فوق كل ذلك هو الوسيلة الفعالة لإغلاق باب التكفير السلاح الذي عانينا الكثير من جهالاته ومن حماقاته في السنوات الأخيرة.
والآن يمكن أن ينهض اعتراض مفاده أن تحول الجماعات الإسلامية إلى اعتماد هذا المنهج المسيس المتحضر في التصرف والسلوك يظل نوعاً من التمني الحالم، ما لم يثبت أن الخبرات السلبية التي راكمتها ممارساتهم نشأت عن غيبة الإطار الديمقراطي للعمل السياسي في مجتمعات المسلمين، وليس عن تشوهات داخلية، سلوكية وفكرية، أورثتها هذه الجماعات. وفيما يلى ترد محاولة اجتهادية لتفسير أسباب العنف ودوافعه الحقيقية لدى هذه الجماعات.
تعقب جذور العنف
منذ نشأت جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928م وهي صاحبة اليد العليا في ضبط إيقاع الحركة الإسلامية، ليس في مصر وحدها، ولكن في العالم كله، بطريق مباشر أو غير مباشر. فهى الحركة الأم، وهي النموذج الأول والأكبر، وهي القوة الأساسية الفاعلة، وهي التي خرج ويخرج من جوفها، بالصواب وبالخطأ، الأكثرية من الجماعات المسماة بالإسلامية.
ومنذ تكوين جماعة الإخوان المسلمين فإنها والجماعات الإسلامية (اللاحقة) قد دخلوا في دورات صراع أربعة ضد السلطات الرسمية، تم فيها جميعها تبادل العنف. وهذه الدورات الصراعية هي: دورة الأربعينات (1948م)، ودورة الخمسينات( 1954م)، ودورة الستينات (1965م) ودورة السبعينات الممتدة المتقطعة التي بدأت عام 1972م تقريباً، لتمر بحادث الفنية العسكرية (1974م)، ثم حادث مقتل الشيخ الذهبي (1977م)، قبل أن تبلغ ذروتها الدرامية باغتيال أنور السادات في أكتوبر (1981 م) .
وقد حاول البعض أن يبحث عن أسباب اجتماعية / اقتصادية، أو نفسية / خلقية، يبرر بها عنف الجماعات الإسلامية، إلا أن البحث الإحصائي التحليلي الذي أجراه فريق الجامعة الأمريكية بالقاهرة والسابق الإشارة إليه قد أثبت غياب أية تمايزات ذات دلالة تتعلق بالأصول الاجتماعية أو بمستوى التعليم أو بالتكوين الفردي لأعضاء هذه الجماعات يجعل تأثرهم بالأزمة المجتمعية الشاملة التي تحيط بالمجتمع المصرى مغايرًا لتأثير سائر الكتلة النشيطة من الشباب المصرى بكافة توجهاته السياسية يمينية كانت أو يسارية.
وقد زعم آخرون أن آثار الاعتقال والتعذيب في الستينات، هي السبب الرئيسي وراء العنف الذي بدر في السبعينات. ولكن هذا السبب وإن كان قد لعب دورًا في اشغال دورة الصراع السبعينية، إلا أن سعة وتنوع السلطة مقصود العضوية وتجددها في هذه الجماعات يد حصن هذا الزعم، إضافة إلى أنه لا يمكن سحبه إلى دورات الصراع السابقة، خاصة دورتي الأربعينيات والخمسينيات وإلى درجة كبيرة أيضاً دورة الستينيات.
وذهب فريق ثالث إلى أن كتابات الأستاذ أبي الأعلى المودودي عن الحاكمية، وعن الجاهلية الجديدة …إلخ، وتأثر الشباب بها، هي المسئولة عما جرى. ورغم الإقرار بالآثارالسلبية التي أفرزها التعامل الصبياني مع هذه الكتابات، إلا أن العنف قد مورس من الجماعات الإسلامية في الأربعينيات والخمسينيات، وكذلك في الستينيات الأولى, قبل ظهور أو انتشار أغلب هذه الكتابات، بل وفي وجود قيادات حكيمة و مسالمة، ولا تحمل أقوالها ولا مؤلفاتها الكثيرة المنشورة شبهة ترجيح للعنف, مثل الإمام حسن البنا, والمرشد العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين الأستاذ حسن الهضيبي.
أما إذا بحثنا عن السمات المشتركة لسلوكيات الجماعات الإسلامية ولأنماط علاقاتها بالسلطة خلال دورات الصراع الأربعة السابق ذكرها فإننا قد نصل إلى الآتي:
1. لم يكن للجماعات الإسلامية في أية مرحلة من هذه المراحل شرعية قانونية (دستورية) تسمح لها بممارسة العمل السياسي، حتى ولو كانت السلطة قد أعطتها الحق القانوني لممارسة أنشطة الدعوة الدينية وخدماتها التقليدية.
بل إنه في السبعينيات كانت هذه الأنشطة الدينية تمارس بغير سند من القانون ويكون من السلطة مقصود .
2. فيما عدا دورة الصراع الستينية، حيث كانت جماعة الإخوان محظورة والسلطة في وضع قوي يجعلها في غير حاجة إليها فإن استغلالاً للجماعات الإسلامية من قبل السلطة لضبط وارهاب الاتجاهات السياسية المخالفة للسلطة والمقلقة لها، كان يسبق دائماً اصطدام هذه الجماعات بالسلطة (7) .
3. قد يكون الخوف على الحركة الناشئة التي لا تملك الشرعية القانونية، والرغبة في تقويتها تنظيمياً وجماهيرياً هوالمحرض للجماعات الإسلامية على انتهاج طريق العمل الممالئ للسلطة مع الإنكار القولي للرغبة في ممارسة العمل السياسي في البدايات. إلا أن تحرك هذه الجماعات في وسط جماهيري متعاطف (ولكنه غير ملتزم تنظيمياً)، وكذلك نجاحها في تحجيم القوى السياسية الأخرى بما يؤدي إلى خلو نسبي للساحة أمامها، سرعان ما يعطيانها وهم القدرة على مواجهة السلطة فيحدثا الاصطدام, ويقع تبادل العنف، خاصة إذا استبد الخوف بالسلطة نتيجة خلطها هي الأخرى بين تعاطف الجماهير المسلمة الضخمة مع هذه الجماعات وبين الالتزام التنظيمي (غير الواقع) لهذه الجماهير تجاه تحركاتها وسلوكياتها، إضافة إلى أنه في غياب الضمانة الدستورية القانونية لحق التواجد السياسي, فإن الدفاع عن هذا الوجود بالقوة يصبح هو الممكن المتاح حين يحدث الاصطدام.
والمحصلة النهائية يمكن ايجازها في أنه مع غياب الحق الشرعي (الدستوري والقانوني) في الوجود والعمل فإن تأرجح الجماعات الإسلامية بين مهادنه (ولربما معاونة) السلطة وبين الاصطدام بها يكون واردًا. كما أنه في غياب هذا الحق يصبح الالتزام بالقواعد السياسية أثناء ممارسة العمل السياسي غير ممكن، كما يصبح الدفاع عن الذات بالعنف هو الإمكانية الوحيدة حين الاصطدام. يضاف إلى هذا أن توحدًا في موقف هذه الجماعات معادياً للسلطة قد يتبلور رغم تناقضاتها التي قد تكون عدائية والتي لا يمكن أن تسمح لمثل هذا التوحد أن يقوم في ظل ظروف ديمقراطية مغايرة. ومع غياب السماحة الديمقراطية في العمل الاجتماعي/ السياسي ككل، تغيب فرص الاحتكاك الفكري المتحضر، وتقل فرص التنوير، وتكثر الأنشطة الحفافيشية سواء بدوافع دينية أو فلسفية أو أيديولوجية. ويصبح المخرج الوحيد الممكن من أزمات العنف الدورية هو: البدء بالديموقراطية للجميع، والممارسة بالديمقراطية ومن الجميع، والانتهاء إلى تحقيق المستهدفات بالديمقراطية من أجل الجميع.
الهوامـــــــــــــــــــش
( 1 ) ترجم هذا الكتاب إلى العربية بعنوان « الإسلام المناضل » .. التحرير .
(2) G.H.Jansen; Militant, Islam, Harper & Raw, New York؛1979, P.134.
(3) Saad Eddin Ibrahim, Anatomy of Egypt’s Militant Islamic Groups; Int.
J. Middle East Studies ; No. 12; 1980 ; pp 423 – 453.
( 4 ) يمكن استشفاف ذلك من التحقيقات والتغطيات المسهبة التي أجرتها مجلة المصور القاهرية بشأن العنف وبشأن الجماعات الإسلامية منذ اغتيال الرئيس السادات .
( 5 ) لعل أصدق وأخلص وأوضح ما قيل في هذا العدد، ما قدمته مجلة العربي في عدد يناير 1982م، بأقلام تحية نخبة من رجال الفكر المصريين الذين يضربون بجذورهم الفكرية في أعماق الحركة الإسلامية, والذين لم تكن ولاءاتهم الفكرية أو العملية للتوجه الإسلامي موضع شك في يوم من الأيام .
( 6 ) قد يزكى هذا الترجيح ما نسب إلى الأشخاص الستة الذين التقوا بالإمام حسن البنا في الإسماعيلية وبدأ بهم تكوين الجماعة إذ قالوا له : « لقد سئمنا حياة الذل والقيود هذه، وعجيب أن نرى العرب والمسلمين ليست لهم منزلة ولا كرامة، فهم ليسوا أكثر من اجراء تابعين للأجانب …. وأننا لنشعر بعجزنا عن فهم الطريق إلى العمل كما تفهمه أنت، ولا نعرف الطريق إلى خدمة الوطن والدين والأمة كما تعرفه أنت … » انظر ريتشارد ب . ميتشيل، الإخوان المسلمون، ترجمة عبد السلام رضوان، مكتبة مدبولي، القاهر، الجزء الأول ، الطبعة الأولى ص – 31 .
( 7 ) في حوار أجرته مجلة المصور القاهرية، عدد 22 يناير 1982م ن ذكر الأستاذ عمر التلمساني (الأب الروحي الحالي للإخوان المسلمين) إن السلطات المصرية في عهد السادات قد منحت زعيم إحدى الجماعات الإسلامية 150 فدانًا في مديرية التحرير، ومقرًا في حى السيدة زينب بالقاهرة، لتساعده وجماعته على ممارسة نشاطهم، قبل أن تعود وتعتقله في سبتمبر 1981م .