أبحاث

الإعلام الديني والتربية

العدد 32

 

  • تحديد الموضوع

إذا كان موضوع هذه الندوة (ماذا يردي التربويون من الإعلاميين) وكان علينا أن نتقيد به مدارا لبحوثها , فأود- لكي يتوازن عرض الموضوع- أن نراه إرادة متبادلة بين التربويين والإعلاميين, وأن يكون من مفهوم العنوان: أن يقول الإعلاميون : ماذا يردون هم أيضا من التربويين ثم ماذا يريد المجتمع منهم جميعاً؟

فمجالات العلم التربوي والإعلامي متداخلة, وإن تميزت التربية بالتكوين والتفاعل المباشر بين المسئولين عن العمليات التربوية, وبين الأجيال التي يرعونها, وكلما قل عدد الطلاب بالنسبة إلى المربين كلما كان هذا أفضل, في إعطاء فرص أكبر للطالب الواحد, ليفيد من أستاذه.

ومن المعروف أن من أهم مقاييس العلمية التربوية العلاقة النسبية بين عدد المدرسين والطلاب.

وإذا كانت وسائل التربية في تطور مستمر, فسيظل للتلقي والتوجيه المباشرين أثرهما, وبخاصة في مجالات لا يمكن – في حدود معرفتنا الحاضرة- إلا أن تكون أكثر اعتماداً على هذه الطريقة( مثال ذلك: تجويد القرآن – الخط – الإلقاء والخطابة  – المهارات الحركية في التربية البدنية ,الخ )

من أجل ذلك سيحاول هذا البحث أن يبين آفاقا مما يتعاون فيه التربويون والإعلاميون وخاصة بعد أن دخلت وسائل الإعلام في الوسائل التربوية. وأصبح لرجال التربية مواقفهم من تقييم وسائل الإعلام ومواردها.

  • مجالات الإعلام الديني

ويتناول هذا البحث:

  • الوسائل التقليدية كالواعظ والخطب في المساجد, باعتبارها تخطب جمهوراً عريضا غير محدد ولا مختار من قبل. ويختلف هذا الوعظ العام عن التدريس وحلقات العلم التي يتولاها أساتذة مستقرون, ولنا تقاليدها الأصيلة في تراثنا الإسلامي ومصطلحاتها في تلقي العلوم والإجازة في نقله.
  • الوسائل المستحدثة كالإذاعة والتلفزة, وما بهما من مواد إعلامية كالأحاديث والندوات والتمثيليات.
  • المادة الإعلامية في المؤتمرات الإسلامية, وبخاصة ذات الطابع الإعلامي.
  • المادة الدينية التي ترد في برامج غير مخصصة للدين في أجهزة الإعلام.

وأمامنا خطتان للدراسة:

الأولى: المسح العلمي الشامل للمواد الإعلامية والتربوية التي تؤثر في التكوين الديني – بمفهومه الواسع – ثم حصر هذه المواد وتصنيفها وتحليلها وفق خطة موضوعة, وبمقاييس ارتضاها القائمون بالبحث. وتحتاج هذه الخطة إلى فريق عمل متفرغ: أمامه الوقت وعنده إمكانات العمل العلمية والعملية, والجهاز الإداري القادر على التقييم, وتحديد المشكلات, وعقد جلسات العمل المشتركة بين التربويين والإعلاميين ليرعاها كل في مجال أنشطته.

الثانية: إن نتناول أخطاء شائعة, نود إصلاحها, وجوانب إيجابية نود تأكيدها, وآفاقا جديدة نود أن يتجه التجويد إليها.

وهذه الأخطاء تجمعت من مشاهدات وممارسات في أكثر من قطر إسلامي. ودراستها هي (الممكن) في حدود الوقت والقدرة

و(الممكن) خطوة في سبيل الوصول إلى (المأمول).

  • الأساس العلمي لتصوير التاريخ والحياة الإسلامية

الإعداد العلمي:

الملاحظة في الأفلام الغربية – بعامة- أن يكون لكل منهما مستشار علمي – أو أكثر- في المجالات التخصصية:

  • تصوير واختيار مشاهد البيئة الطبيعية.
  • الملابس وأدوات الحياة اليومية : المنزلية والمهنية والتقنية.
  • العمارة: السكنية, الدينية, الحكومية, الحربية من قالع وحصون.
  • الأسلحة: السيوف, الدروع, الرماح, المجانيق …
  • المادة العليمة المصورة للعصر .. ألخ.

وبهذا يأتي تصوير الفيلم لعصره وموضوعه دقيقا. واذكر – كمثال – أنه في إعداد أوبرا (عايدة) للموسيقي الإيطالي (فردي) , وهي التي مثلت أول مرة في افتتاح قناة السويس في عهد إسماعيل, أن قام مدير المتحف المصري وقتئذ بتصميم ورسم الملابس بنفسه, حتى تأتي مطابقة تاريخيا للعصر الذي تناولته الأوبرا. وقد شاهدت هذه الأصول في مكتبة الأوبرا في القاهرة قبل احتراقها.

وللأسف فغن الأفلام عندنا, كثيرا ما تتجاهل هذه القواعد, ويأتي تصوير البيئات الطبيعية والبشرية مختلفا عن الواقع التاريخي.

ثم هو يختلف من فيلم إلى آخر, مما يوقع المشاهد في حيرة : أيهما الصحيح؟ وقد تكون كلها خطأ.

ولك أن تقارن بين الأفلام التي تناولت فجر الإسلام وأبطاله, وما بينهما من تباين يعرض أصولا تاريخية ليست مجال اختلاف – إلا قليلا – كأوصاف الحرم المكي, ومسجد المدينة في عهد المصطفى. وقد جاءت تفاصيل هذا في كتب السيرة وتاريخي مكة والمدينة.

ويرتبط بهذا أيضاً إعداد المادة العلمية للفيلم, فقد يغلب الجانب الخيالي الواقع. وفرق – فنيا – بين الواقع والواقعية.

الواقع: هو تسجيل دقيق لما حدث, وهو المتبع في الأفلام التسجيلية.

الواقعية : تشمل نوعا من التصرف في الواقع, بحيث تكون الصورة المعروضة ممكنة الوقوع, دون أن يصطدم هذا مع الحقيقة التاريخية أو يشوه الواقع.

كذلك قد يتعمد الفيلم إغفال جوانب معينة وإبراز أخرى وهو يعرض أجزاء مختارة من الواقع.

والنموذج الذي أذكره: حذف كل ما يتعلق باليهود من فيل (الرسالة) وإبراز الجزء الخاص بالمسيحية, مع أن دور اليهود في مجتمع المدنية واضح في القرآن والسنة المطهرة وكتب السيرة والتاريخ: بدءا من يهود بني قينقاع إلى بني النضير إلى بني قريظة , إلى يهود خيبر ووادي القرى وفدك وتيماء, حتى إبعادهم إلى إذرعات الشام في عهد عمر بن الخطاب.

وكذلك لم يرد دور المنافقين في المدينة – فيما أذكر – وكان هناك تضخيم لدور حمزة أبن عبد المطلب كأنه قائد معركة بدر, وكان هذا – في حوار مع المسئولين عن الفيلم – لتجنب أي إبراز لشخصية المصطفى عليه الصلاة والسلام[i].

  • أخلاقيات الأفلام

الحياة الدينية:

ودون لجوء إلى الطريقة المباشرة – بالكلمة – في التوجه الأخلاقي, يلجأ المخرج إلى (الحدث) يصوره, ويبرز فيه مواقف, أو يطعمه بعبارات مختارة.

وفي أكثر من سلسلة من سلاسل التلفزيون الأجنبية كنت ألاحظ أبراز لأساليب الحياة المسيحية, وكأنها تأتي عرضا في الفيلم, أو مرتبطة بحياة بطل من أبطالها.

أحيانا ينتهي الموقف بعبارة من الإنجيل, كأنها تلخيص له أو كأن الموقف كان تفسيرا لها.

يأتي الموقف – أو الرواية – وفي ختامها هذه العبارة, فتكون آخر ما يرسب في ذهن المستمع أو المشاهد.

وأحيانا يلجأ المخرج إلي إبراز دور رجل الدين الإيجابي وبخاصة في الحياة التقليدية: قرية صغيرة, أو بين مهاجرين إلى منطقة جديدة. وأحيانا في حياة المدنية: رجل الدين في المستشفى أو دوره في العلاج النفسي.

ويبدو الدور (الإيجابي) لرجل الدين في صياغة حياة المجتمع, والدفاع عن الضعيف ونصرة المظلوم , ويصوره الفيلم إنساناً طبيعياً عادياً قوي الجسم عاملا, قادرا على الابتسام وإسعاد الصغير باللعب معه وفهم مشكلات, والكبير بمصاحبته ونصحه[ii].

أما أفلامنا العربية فلا يأتي التصوير – في إطاره العام – بهذا العمق ولا الدقة.

قد تصور بعض أفلامنا رجل الدين كأنه يعيش في غيبوبة عن والوجود وعليه وقار مصطنع في الملبس والحديث والتصرف.

وقد يلجأ المخرج إلى التشبه بأفلام الغرب, فيأتي الإغراق في الملذات واللجوء إلى شرب الخمر أو السجائر دفعا للقلق أو تعبيراً عن الرفض. وفي هذا توجيه سيء للشباب حبذا ول حل محله تماسك أمام أحداث الحياة وصعود بالألم إلى التغلب عليه بالصبر والفك الواضح.

وقد حدث تطور في تصوير البطل الذي يجمع بين الدين والقيادة والسماحة , والقدرة على إسعاد الصغير وإقناع الكبير. والنموذج الذي أذكره شخصية عمر المختار كما مثلها أنتوني كوين[iii].

ويأتي التوسع في عرض أفلام العنف, وما هو أشد إيذاء من العنف – كالجنس – والإلحاح على الشباب بسلاسل متتابعة منها. وتترك هذه الموجات أثرها السيئ على توجيه الشباب.

وأذكر مثالين أحدهما من العالم الجديد: المنبع الأول لهذه الموجات, والثاني رأيته بنفسي.

أما الأول فقد كثرت في حي معين في إحدى المدن الأمريكية حوادث إصابات الأطفال بجروح وكسور في مؤخرة الرأس. وحولت حالات متتابعة إلى المستشفى القريب, واسترعى هذا نظر الجهاز الطبي فيها, وأجرى بحثا عاجلا لمعرفة السبب: فظهر أن فيلما معينا شاهده الأطفال وتأثروا به, وبه نشهد شاب قوي الجسم تعود أن ينتصر على زملائه بأن يطرح أحدهم أرضا, ثم يضرب مؤخرة رأسه في حافة رصيف الطريق.

المشهد الثاني: تكرر في أكثر من فيلم حينما يهاجم أحد الشباب زميلا له في مشرب أو مقهى فيمسك بيده زجاجة فارغة ويضرب قاعدتها فتنكسر تاركة ورائها أطرافا مسننة كل منها كأنه خنجر, ويهاجم بها خصمه في رقبته أو وجهه.

كانوا جميعاً من الطلبة يلعبون الكرة في فناء قريب أراه من نافذة مسكني, واختلفوا: فإذا بشاب منهم – هو أقواهم – قد تقمصته روح التمثيل, فرفع كتفيه وأحنى رأيه قليلا إلى الأمام وباعد بين مرفقيه, وأمسك بزجاجة وكسرها على سور قريب, ولكن الكسر لم يكن فنياً, فإذا هي تنكر في يده واندفع الدم منها. وأندفع الشاب يصرخ في عنف طالبا النجدة وسارع زملاؤه إلى ربط يده وحمله في سرعة إلى أقرب مستوصف طبي, وتحول مشهد التمثيل إلى حقيقة دامية.

وبهذا يسري تقليد السيئ من حياة الغرب إلى شبابنا, دون كبير عناية بالتقدم العلمي والتقني عند القوم, وهو الأساس العريض الذي يتنافسون فيه, وهو – عمليا – ميدان التفوق وإثبات الذات. ولننظر – كمثال – إلى الصراع الكبير بين اليابان والصناعة الغربية في أوروبا والعالم الجديد.

الحياة العملية:

وأذكر حديثا مع مسئول مثقف كبير من الشرق الأقصى , وهو يعقب على التنافس التقني والعلمي بين اليابان وغرب أوروبا والولايات المتحدة:

لقد كان على اليابان أن لا تكتفي بموقف التقليد للإنتاج الأوروبي. ولكن كان عليها أن تبتكر لذاتها – تقنية خاصة – تستطيع أن تدرك الغرب وتتجاوزه . ولهذا ابتكرت وسائلها وأساليبها. وبعض هذا تسجله أفلام. وإن كان الأهم هو الروح الدافعة إلى الحياة والإنتاج والممارسة الذاتية والتفوق عند القوم.

  • الرباط بين العقيدة والحياة:

نموذج من اليابان

بين العقيدة والتقدم:

والذي لا شك فيه : هو هذا التفوق الكبير الذي استطاعت اليابان أن تحققه في المستوى العلمي والتقني, وأن تتفوق فيه على الغرب الذي احتكر القيادة الصناعية منذ الثورة الصناعية.

والنقطة الأصيلة التي أود التركيز عليها هي: ربط القوم هناك بين العقيدة وبين التقدم, ولكن قوم استطاعوا التقدم في مجال من مجالات الحياة, من قاعدة عقائدية, يستندون إليها ويؤمنون بها, ويستمدون منها العون على هذا التقدم.

وهذه العقائد لها أعماقها الغائرة في الحياة, الضاربة في أرض الوقائع, الصاعدة إلى آفاق الغد.

في انطلاقة الإسلام الأولي في عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام كان هناك الارتباط الوثيق بين العقيدة والحياة وتراه في موجات التقدم لكسب أرض جديدة أو فتح آفاق جديدة في عهد بني أمية والنهضة العلمية في العصر العباسي, والحضارة الأندلسية, ومجد الإسلام في الهند.

ومع ضعف هذا الرباط تراجع كل من الفكر في الذهن, والإسلام من الحياة. ولنا عودة إلى هذا الأمر عند عرض بعض المقترحات العلمية.

ولكن أود الآن أعطي جوانب من النموذج الياباني لأهميته في عالمنا المعاصر:

يعتمد الفكر البوذي أساساً على التربية الذاتية على جهد الفرد في تكوين ذاته. وكل مهمة السيد أو الأستاذ التوجيه المحدود الكلمات, العميق التأثير.

وحياة رهبانهم فيها بساطة وتطهر وتعاون, تفضيل العمل على الوعظ الكثير والحديث. ويشاركهم الأستاذ كل مسئوليات الحياة اليومية دون أن يفضلهم بطعام أو شراب أو فراش وثير. كل ما يميزه – بموازينهم – قدرته وتقواه.[iv]

الاستنارة:

وهدف البوذي من التأمل أن يصل إلى حالة (الاستنارة)[v]. ويسمونها هناك ساتوري (SATURI) والمقصود بالاستنارة الوصول إلى المعرفة, والنفوذ من الحاضر إلى مستقبل أفضل وفهم أوسع. ووراء الاستنارة, أخرى أوسع (كأنها تتابع الحال والمقام إذا أخذنا إصلاح المتصوفة أو الدرجة المستوى إذا أخذنا إصلاحاً علميا).

والنظرة إلى أنفسهم أول الأمر أنهم كانوا دون الغرب . والهدف أن يتفوقوا. ولا بد من (استنارة) يصعدون بها من مستوى الواقع. وهذا الجهاد نهج يلتقي فيه الفكر الديني عندهم , بالجهد العلمي والتقني. وكأن المجتمع كله في حالة تأمل عميق يستهدف سلسة من الاستنارات المتوالية.

الموقف من الطبيعة:

ساعد على هذا عندهم نظرتهم إلى الطبيعة . فهي عندهم نظرة صداقة[vi], تختلف عن النظرة الغربية المدمرة. نظرتهم قريبة جداً – إن لم تكن­ – مشابهة للنظرة الإسلامية.

(والله أنبتكم من الأرض نباتا) {نوح : 17}. (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى){طه : 55} .

الغرب يتحدث عن تحدي الطبيعة. الانتصار على الطبيعة. ولا يختلف الأمر في هذا عن علاقتهم بغيرهم من الشعوب أو عن العلاقة بغيرهم من الشعوب أو عن العلاقة بين شركة وشركة. هذه العقلية الباطشة, التي لا تعرف إلا النصر والهزيمة. والتي حلت مشاكلها بالقهر مع الهنود الحمر, ومع زنوج الجنوب, وبالتوسع نحو الغرب وإنشاء الشركات الضخمة, كأنها كائنات عالمية عملاقة, لا بد لها من أجهزة جبارة لتستمر في الصراع, وتستولي على المواد الأولية والأسواق, نفس العقلية التي طوعت لهم إنشاء إسرائيل, والانتصار لباطلها على حقنا. كلها فروع تنتج من أصل واحد, هو قيام الحياة على الصراع وانتصار الأقوى, والتحدي حتى للأرض الأم وللجبال.

الحياة اليومية والصناعية :

وأعود إلى نموذج اليابان, لنرى أسلوبهم في هذا التقدم : المحافظة على بساطة الحياة المنزلية بقدر الإمكان, قيام الرئيس والمرءوس بالتعاون. البحث الدائم عن (الاستنارة) في كل هذه الأمور, ليكون الغد دائما جديداً . ويقتضي هذا عناية دائمة بالإبداع الذاتي.

وأذكر لهذا الإبداع نموذجاً من أسلوب العمل اليومي في المصنع:

ففي الصناعات الالكترونية, يدرسون – طبياً – كل فرع ويحددون مدى قدرة الفرد على التركيز السليم فيه. ثم تحدد فترة راحة بعد مدة العمل المركز. في هذه الفترة يقوم الجميع عن طريق أجهزة والتلفزة بالتمرينات رياضية عامة أولا, ثم خاصة لأجزاء الجسم التي أرهقها العمل : عضلات اليدين . والوجه. العين. فقرات الظهر الخ.. وبتوجيه والتلفزة يقوم العاملون وهو في أماكنهم بهذه التمارين. وكذلك يتحدد لهم ما يتناولون من لبن أو عصير فاكهة الخ.. حتى يكون العمل والراحة والتغذية والإنتاج على أعلى درجة من الكفاءة.

ولك أن تقول ذلك عن مجالات العمل الأخرى, والاتصالات العالمية, التي يعرفون بها حاجات الأسواق, ويفتحون لإنتاجهم آفاقا جديدة.

إن أعظم تهديدا يلقاه الآن الغرب يأتي من تقنية اليابان وجاراتها. وتقنيتها في الاستفادة من كل ما حولها , والإضافة المبدعة إليه, والإفادة إلى أكبر قدر ممكن من الخصوصية الحضارية عندهم , وللبوذية اليابانية فيها نصيب كبير. ولها عندهم صورة مختلفة عما في الصين والتبت وبورما سريلانكا.

ولو كان للإعلام عندنا أن يبرز هذه النماذج, دون الاقتصار أو التركيز على النموذج الغربي وما يختاره منه – وكثير منه أفلام عنف وإغراق في المادة وصراع عنيف حولها – لو كان للإعلام أن يعطي صورة متوازنة للعالم حولنا, مع توضيح مناهج الحياة المتعددة – وما ذكرناه, مع توضيح الياباني مجرد مثال – لاستطاع أن يساهم مساهمة أكبر في ترسيخ قيم هي دين وفطرة في الوقت نفسه.

(فأقم وجهك للدين حنيفا, فطر الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله, ذلك الدين القيم , ولكن أكثر الناس لا يعلمون) {الروم :30}.

والفطرة هي قانونين الحياة وبها تزكو وتتقدم. وأقصد منها هنا – تحديدا – الجد والتوازن والإبداع والسعادة به, والتعاون عليه, ليكون عطاء الفرد والجماعة أوفر من استهلاكه, وبهذا تتحقق في الحياة قيمة مضافة (لو أخذنا اصطلاحا اقتصاديا).

وقبل أن أدع النموذج الياباني أذكر تعقيبا من نظرة الغرب إلى خطورة التقدم العلمي والتقني الوافد من الشرق الأقصى نشرته (النيويورك تيمز) عن مراسلها في طوكيو[vii].

لقد ازدادت حدة التنافس فيما بين الدول المتقدمة. فالصلب المستورد من كوريا الجنوبية يستخدم في مباني كاليفورنيا. التلفاز المصنع في تايوان يجد أسواقا في أوروبا. وجرارات الهند تباع في الشرق الأوسط, والصين تبرز كيان صناعيا في سرعة درامية. والعناية الآن تتجه إلى معرفة المدى التي تستطيع فيها هذه الصناعات الناشئة أن تهز قواعد الصناعات في الدول المتقدمة كاليابان والولايات المتحدة.

وهنا يشير المراسل إلى أن اليابان ذاتها تلقى المنافسة الشديدة من جاراتها, كما أن الشرق الأقصى في مجموعة أصبح منافسا آخذا في الخطورة للدول المتقدمة.

وأذكر تعقيبا لمراسل (الهيرالد تربيون) عن نظرة العامل الياباني إلى الآلة في المصنع, وعنايته بها:

ولها نظائر من تراثنا القديم واليدوي , في الرابطة الحميمة بين الفارس وفرسه والراكب وناقته, والمحارب وسلاحه . والعربي وأرضه وداره.

وقد تراجع هذا أمام تدفق الحياة المعاصرة وعلينا أن نحاول الجمع بين تلك العلاقات الحميمة والجيل الجديد : صيانة ورعاية ومحبة لما أفاء الله عليه من خير.

  • التاريخ الإسلامي:

بين المثالية والقرآنية

وأقصد بالمثالية العرض المناقبي للإسلام الذي يركز على إيجابياته, متصورا أن في هذا رفعا لشأن الإسلام, ويصور المجتمعات الإسلامية – في عصور ازدهارها – كأنها استطاعت أن تحل جميع مشكلاتها , بحيث أصبحت كأنها المدينة الفاضلة على هذه الأرض.

وأقصد بالقرآنية – أو النهج القرآني – الالتزام في عرض التاريخ بالخطوط الرئيسية التي عالج بها القرآن مشكلات ما عرض من مجتمعات أبرزها مجتمع المدينة في العهد النبوي.

ولقد صور القرآن الكريم جوانب من هذا المجتمع في قطاعات تاريخية متعاقبة:

  • ففي صورة البقرة أوائل حياة المدينة وما فيها من قوى الإيمان واكفر والنفاق.
  • وصورة العام الثاني للهجرة : في سورة الأنفال (غزوة بدر).
  • والعام الثالث في سورة آل عمران (غزوة أحد).
  • والعام الرابع في سورة الحشر ( غزوة بني النضير).
  • والعام الخامس في سورة الأحزاب (غزوة الخندق وبين قريظة).
  • والعام السادس إلى الثامن في سورة الفتح: صلح الحديبية وما بعده إلى فتح مكة.
  • والعام التاسع في سورة براءة : وفيها حدثت غزوة تبوك.

هذا إلى قضايا تنظيم المجتمع داخليا بإحكام العقيدة والعبادات ونظام الأسرة والأخلاق, وخارجيا بأحكام الجهاد والقانون الدولي.

وسبق هذا , ما نزل من القرآن بمكة , وفي عرض وتحليل لمجتمعات أنسية قبل الرسالة المحمدية , مع التركيز على العقيدة والترابط بين المؤمنين وصبرها على ما يلقون في سبيل الله.

ولو وقفنا عند سورة براءة – كنموذج لهذه المنهج – لرأينا كيف ذكر الله فيها شرائح مجتمع المدينة ومشكلات علاقاتها, سواء كان هذا في أثناء الحياة اليومية فيها أو في أثناء المغزى.

وبين القرآن الكريم التفاعل والصراع بين هذه القوى. وذكر من صنوف النفاق وأساليبه, ما بين للمؤمن عقبات الطريق , وأساليب مقابلة هذا العقبات.

حالو المنافقون طعن الرسول عليه الصلاة والسلام في نفسه كقائد, وكرب أسرة, وحاولوا طعن أهله, وعلاقة الرسول بأصحابه, وعلاقات الصحابة بعضهم ببعض.

فأساليب النفاق كانت تهاجم الكيان الإسلامي:

رأسيا: في العلاقة بين القيادة والقاعدة.

أفقيا: في العلاقة بين المؤمنين.

من زوايا متعددة : في العلاقة بين المؤمنين والعقيدة ذاتها, او بين المؤمنين والمسئوليات التي يحملونها في الحرب والسلم.

وحين تقرأ سورة براءة تحس المسئوليات الكبيرة التي حملها الرسول صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا به ونصروه, من أول أمر الدعوة حتى انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى.

وإذا كانت سورة براءة هي آخر تصويرا شاملا, نزل به الوحي للحياة في المدينة, وكان هذا في العام التاسع للهجرة , فلا مجال إذن للمنهج الانتخابي في عرض هذا التاريخ الذي يركز على جانب الإيمان في المجتمع, دون إبراز ما لقيه الإيمان من الكفر والنفاق. وكانت هذه القوى : إما ظاهرة أو كامنة في نفوس أهل المدينة وما حولها.

(وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ , وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )[التوبة : 101 – 102] .

وإذا كان ثمة انتخاب في العرض, فليكن في مكونات القطاعات في المجتمع أو أنشطتها, دون إسقاط لبعض هذه القطاعات. بمعنى ألا نصور مجتمع المدينة, دون تصوير ما لقيه الإيمان من الكفر والنفاق. كذلك ما كان بعد وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام. وما كان من حروب الردة 0وقد ارتدت العرب , إما عامة وإما خاصة في كل قبيلة وخيم النفاق واشرأبت اليهود والنصارى , وأصبح المسلمون كالغنم في الليلة الشاتية)[viii].

هذا هو التصوير القرآني, وتوضحه السنة المطهرة ومصادر التاريخ الإسلامي الأساسية.

  • كيف يقابل المسلمون المشكلات

وتستطيع إذا أحسنت وسائل الإعلام فهم التاريخ الإسلامي أن تسلك سبيلا أفضل إلى عرضه . ولنذكر أمثلة لذلك:

في دراسة السيرة النبوية:

  • هناك عبارة موجزة ترد في كتب السيرة بعد الحصار الاقتصادي الذي فرضه الكفر على الإيمان في شعب بني هاشم ما بين العام السبع والعاشر للبعثة النبوية. تقول (وخرج الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الطائف)[ix].

إعلاميا: يمكن تصوير الطريق من مكة إلى الطائف, مع إبراز فرق الارتفاع بين مكة والطائف, ودرجة الانحدار طول المسافة التي قطعها الرسول (صلى الله عليه وسلم) ودون لجوء إلى إظهار أي شخصية, يكفي أن تنتقل آله التصوير على طول الطريق ووعورته , تنتقل العدسة بين الطريق والجبال المحيطة به. هذا عن الجهد البدني والنفيس الذي لقيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذه المرحلة.

  • نموذج ثان من الهجرة النبوية : يمكن في إبرازها إعلاميا بيان المسافة وفرق الارتفاع أيضا بين بطن مكة وغار ثور. يصحب هذا بيان لاختيار الغار في الجنوب الشرقي من مكة, بينما هف الهجرة إلى الشمال . ويستطيع قاصده أن يسلكه مباشرة أو يتجه غربا إلى قرب الساحل ثم يتجه بعد هذا شمالا. وقد سلك الرسول وصاحبة طريق الساحل شطر الطريق, ثم دخل القطاع الجبلي وهو أشد عورة من الطريق الساحلي. وأنها لم تكن مجرد خروج من مكان إلى مكان و وإنما كانت تخطيطا علميا مدروسا يبذل فيه كل من ساهم في الهجرة أقصى ما يستطيع من جهد مع الجهد تأتي رعاية الله (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا في الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة :40]

في حروب الردة:

  • نموذج ثالث من حروب الردة: فهي لم تكن مجرد خروج أحد عشر جيشا من المدينة لتغطي الجزيرة العربية, ولكنها كانت عملا عسكريا منظما توجهت به ثلاثة جيوش إلى قلب الجزيرة العربية, وثلاثة إلى الخليج واثنان إلى اليمين , أحدهما ساحلي والثاني داخلي, وثنان إلى الشمال إحداهما أدني من الآخر مسافة , والحادي عشر نحو الجنوب الشرقي (بني سليم).

بهذا يبدوا كيف حمل المسلمون بعد رحيل المصطفى مسئولية الإسلام لجمع شمل الجزيرة العربية. ولشرح هذا نستعين بالخريطة والكلمة والأسهم المتحركة, مع بيان طبيعة المناطق التي دارت فيها المعارك . وتعاون الجيش في إنجاز مهماتها[x].

كل هذه تصورها أفلام تسجيلية, وتساعد أبنائنا على فهم التاريخ وتركيز إيجابياته : من الإيمان والعلم التخطيط والتنفيذ.

ولقد ذكرت هذه الأمثلة لما فيها من عنصر الحركة التي يسهل تصويرها بعد إدراك أبعادها.

أما تصوير الحياة الاجتماعية فيحتاج إلى جهد أكثر , وأعداد أوسع, لتنوع آفاق هذه الحياة.

  • الجمال والفن في الحضارة الإسلامية

الجمال:

جاء الجمال في القرآن وصفا للكون: أرضه ومائه ونجومه, ونباته وحيوانه وإنسانه ونجومه, ونباته وحيوانه وإنسانه ووصفا للخلق الطيب.

ودعانا الله إلى التأمل في الجمال حولنا في أكثر من آية من القرآن الكريم:

  • عن النبات :

(وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ) [ق :10]

(انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ) [الأنعام :99]

  • عن الحيوان :

(وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) [النحل :6]

  • عن الإنسان :

(لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين :4]

  • وعن الخلق الطيب :

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ) [يوسف :18]

  • وعن الخلق كله :

(الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ) [السجدة :7]

ونستطيع الرجوع – كأمثلة – إلى أوائل سورة (ق) و(الملك)

من أحسان الخلق يقودنا القرآن إلى العبرة وإلى توكيد الإيمان.

الفـن:

ومن الجمال أنتقل إلى الفن : وأقصر الحديث على ما اصطلحنا على قبوله من فنون الحضارة الإسلامية: العمارة أولا , والفنون الصغيرة.

وأي قطعة من الفن الإسلامي – ن الصين شرقا إلى المغرب – وغم تباين البيئات الطبيعية والمسار التاريخي, نستطيع أن نردها إلى أصولها الإسلامية.

فمن الوجهة الفنية الخالصة : هذا فن له خصائصه . هل نقول: له لغته وأساليبه في التعبير عن العقيدة؟

وهناك تجاه حديث إلى العناية بقراءة الفن الإسلامي كلغة وتعبير. وأقرب الأمثلة إلى ذهني الآن كتاب الدكتور تيتوس بركادرت عن (فن الإسلام)[xi], بالإضافة إلى بحوث شتى للدكتور حسن فتحي, وبخاصة محاضراته عن العمارة الإسلامية في كلية الهندسة بجامعة الأزهر.

لقد حاول المعمار المسلم أن يستجيب بأساليبه لإيحاء العقيدة , ولظروف البيئة , فجاء في إبداعه وحدة العقيدة وتنوع التعبير.

أذكر هذا لانتقل منه إلى أن هذا الجانب الجمالي في الكون ودراسة التعبير في الفن الإسلامي لا تلقي عناية في مدارسنا ولا في أجهزة إعلامنا, ونحتاج إلى تقريب هذه الجوانب من الجيل الجديد, بحيث تكون النظرة الدينية متوازنة, دون تركيز فقط على جوانب الثواب والعقاب, والترغيب والترهيب, ولكن تجمع معها حب الله (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًا لِّلَّهِ) والإحساس الجمالي بالكون والحياة.

مقارنـة :

ومرة أخرى أعود إلى النموذج الياباني, في حبه للكون وجماله, الجبال, النبات, الحيوان, ولهذا لا نجد عنده النظرة التخريبية إلى الكون : التحطيم والتدمير. ويبدون هذا في فنونه : زراعة الحدائق, تنسيق الزهور , الرسم, الخط. بساطة القاعة التي يتناولون فيها الشاي بتأمل وهدوء. حتى الحرب عندهم , ونظام الساموراي , ويرتكز على أسس فنية وعقائدية.

وفي الإسلام :

إذا كان هذا – في بعض جوانبه – أمره إنسانيا وطبيعيا, فلنحاول ونحن بسبيل تأصيله , أن نجمع بين الآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في جمال الكون, وادعية المصطفى عليه الصلاة والسلام. لتكون من مادة الأحاديث الدينية, والأفلام.

أمثلــــة:

  • في العمارة الإسلامية , نرى عنصر النور أساسيا فيها. وفي هذا تختلف عن العمارة المسيحية, حيث يغلب في الكنيسة عنصر الظلمة والانقطاع عن من حولها.

ولقد بدأ هذا التناقض في أشد صورة إيلاما في مسجد قرطبة الجامع: كان منفتحا على ما حوله وفي جانبه الغربي – المواجه للقبلة – حدائق البرتقال, وأعمدة المسجد رشيقة مرتفعة. ومن النوافذ يتدفق الضوء. كأن المسجد موجة من النور, تتلاقى مع نور القرآن الكريم: يتلوه الإمام في صلاته ويفسره العلماء ويتعلمه المصلون.

وعندما انحسر الإسلام عن قرطبة واستولى المسيحيون على المسجد حولوا جزءا منه إلى كنيسة تبلغ مساحته نحو 15% ولاختلاف الطبيعيتين أغلقوا نوافذ المسجد, والكثير من فتحاته, بحيث أصبح المسجد مساحة من الظلمة, يحتاج زائوه إلى نور صناعي في النهار.

ما العلاقة بين النور والهدى والقرآن؟

  • اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ (النور : 35)
  • الرسول نور : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ْ وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (الأحزاب :45 – 46)
  • والإسلام نور : وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الشورى :52)
  • أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (الإسراء :78)
  • أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ْ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (الفرقان :45 – 46)

تأكيد عنصر النور في العمارة والحياة , لا مجرد ضوء ولكن بمفهوم الهداية.

حتى المساجد التي بنيت في أقطار يشتد فيا البرد حاول المعمار المسلم أن يؤكد عنصر الضوء بالنوافذ الطويلة الملونة لتتسع المساحة ويصبح النور جمالا وزخرفاً.

  • وتستطيع أن تتبع العناصر المعمارية لبيان الترابط يبنها وبين العقيدة :

الأطباق النجمية في جوانب المنابر, ودقة النظام الهندسي وجماله وتشابكه, بحيث تستريح العين إلى رؤيته, هي تنتقل فيه من جزء إلى جزء من نظام ووضوح, وبروز للمكونات الصغيرة والكبيرة التي ترمز إلى هندسة يتوازن فيها الجزء مع الكل , والصغير مع الكبير , والفرد مع المجتمع والوحدة مع التنوع.

كل هذه العناصر من الألفة بين المسلم والفن الإسلام وهو فن غير مسبوق في عناصره.

ليس زخرفة (كما زخرفت اليهود والنصارى كنائسها) فتلك تعتمد على الشخوص أساسا, ومشاهد حياة أنبيائهم وقديسيهم, هي مشاهد فيها تصوير البشر والملائكة وآفاق السماء والقصص الديني, بينما الزخرفة الإسلامية تعتمد على الخط والهندسة والتجريد, وهي أسلوب غير مسبوق في التعبير الفني.

ولك أن تنظر إلى زخارف الرخام في أرضية صحن المسجد : لكل قطعة منها شخصيتها: مثلث. مربع. مستطيل. معين. سداسي. ويتكامل كل منه مع أشكال مجاورة, بحيث تكون جميعها تناسقا يتكرر, أو يتكامل مع تناسق أكبر. فأنت لو أخذت قطعة صغيرة أو مجموعة من القطع المتجاورة أو مجموعة أكبر لأحسست التناسق والتكامل بينها. ويختلف الأمر عن جزء من لوحة تعتمد على تصوير الحيوان أو الإنسان : إذ تحس أن الجزء المختار من اللوحة الكبيرة ناقص أو مبتور.

حاول بعض مفسري الفن الإسلامي أن يربط بين هذا وبين عناية الإسلام بالفرد ومكونات المجتمع : من الأسرة الصغيرة إلى الأسرة الكبيرة, إلى مجتمع القرية إلى مجتمع المدينة في نمو ممتد. وهذا النمو الممتد في الفن الإسلامي يجمع بين الحدود والانطلاق كما ترى في خطوط الزخارف المحيطة بالمسجد. ففيها وحدات تتكرر, لها جانبان واضحان , ولها امتداد يمكن أن يطول كما تشاء, كأنه نهر تدفق الجيران.

في هذا الأسلوب تلتقي الحدود بالانطلاق, والمحدود بالمطلق. وتتمثل صورة من دورة الحياة, التي نراها في دورة النبات أو الحيوان أو الإنسان.

هذه بعض النماذج التي يمكن أن يعني بها الإعلام من قضايا الفن الإسلامي. قصدت أن تكون من العمارة الإسلامية. من المساجد بالذات. ولها نظائر في مساجدنا الكبرى , بدءا من البيت الحرام في مكة إلى مسجد المدينة إلى المسجد الأقسى ومسجد الصخرة المشرفة.

وهذا الربط بين الفن ووصفة وتفسيره, وما جاء من اجتهادات في ربطه بالعقيدة وانطلاقه منها وتعبيره عنها , يعطي شبابنا مفاتيح جديدة لأبواب حضارتهم الإسلامية ويزيدهم فيها حباً.

ولو ربطنا بين هذا وبين حب الكون وتقدير ما فيه من جمال وعبرة لكنا في هذا تقربهم من ركائز دينهم. وصدق الله العظيم : (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِى الأَلْبَابِ ْ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران :191]

وصفوة القول في هذا الأمر : أن هذه النظرة تجمع بين الإحساس بالجمال والجلال في خلق الله, وتزيد شبابنا فهما لأبعاد حضارتهم ومنطلقاتها وحبا لما حولهم من عطايا الله وهو حب نود أن يكون عونا على المحافظة على مكونات البيئة الطبيعية والبشرية وتنميتها بالمشاركة الإيجابية والإبداع, دون الاقتصار على الرفض السلبي والنقد كما هو قائم دون التعاون في بناء ما نود أن يكون.

تطبيقـــــات:

وتطبيقات ذلك كثيرة في حياتنا اليومية, ويمكن أن تتناول أجهزة الإعلام هذه الجوانب فيما يعرض من أفلام:

  • بدءا من محافظة الطالب على أدواته الدراسية , وتقدير ما فيها نعمل واستفادة غيره منها بعد أن يفرغ منها. وقد يكون هذا (الآخر) في وطنه قد يكون في وطن إسلامي لا يملك القدرة على أن يوفر احتياجات تلاميذه جميعا أو معظمهم من أدوات دراسية.
  • وقد يتعاون التربويون مع الإعلاميين في ابتكار الوسائل التي يتحقق بها ذلك : في حملات إعلانية . في إضافة صحفية إهداء أول الكتاب يحررها الطالب في آخر العام, وقد حافظ – ما استطاع – على كتبه ليفيد منها أخ له من قطر آخر.
  • في مساهمة الطلبة في إعداد الكتب للإهداء والتصدير من قطرهم إلى القطر الآخر. عشرات الوسائل يمكن أن يتناولها المختصون لغرس هذه الروح التعاونية النابعة من حب العير, وهو من أجمل الأخلاق. وصدق الله العظيم: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة :2] .
  • كذلك المحافظة على : نظافة الحدائق العامة. معاملة الحيوان في حديقة الحيوان. نظافة الطرقات . ومن قبل هذا : نظافة المساكن. نظافة الجسم . المحافظة على أدوات المعامل في المدرسة ومبانيها ومرافقها الخ …
  • وقد نحتاج في هذا إلى ما فوق الإعلام : من الترغيب والترهيب, والعقوبة على الخروج عن هذه (الفطرة) ولكن الأمر في هذا الحديث أمر إعلام. وهناك نماذج كثيرة من الدول في أوربا وأمريكا والشرق الأقصى (اليابان – سنغافورة ) نرى فيها المحافظة على القانون وصرامة تطبيقه في ذات الوقت, بحيث أصبحت سنغافورة من أنظف مدن جنوب شرق آسيا وأكثرها دقة في نظام مواصلاتها الداخلية وموانيها العالمية.
  • الحوار الديني في أجهزة الإعلام

وأود أن تتسع دائرة الندوات في الإعلام لتضم الشباب مع تعدد اتجاهاتهم, والمختصين في مجالات أنشطته ليقولوا ويسمعنوا , ويؤمنوا على أنفسهم قيل القول على أنفسهم قبل القول ومعه وبعده.

وأود أن نتعود أدب الحوار وحريته.

في كثير من الأحيان نختار ما نحدث فيه أبناءنا عن الإسلام بناء على آرائنا نحن. ونلقي عليهم من القول ما نراه صواباً , أو ما نظن أنهم بحاجة إليه, دون أن نكلف أنفسنا أن نسمع منهم : ماذا يريدون منا؟

وإذا كان مدار هذا اللقاء : ماذا يريد التربويون من الإعلاميين؟ أفلا يكون من العدل أن نوسع دائرته لتشمل:

(ماذا يريد الشباب – في المجال الديني – من الإعلاميين والتربويين)

إن خطبة الجمعة – وهي الخطبة المنتظمة في طول تاريخنا وامتداد أقطارنا الإسلامية  – ما حاولنا أن ندرس – علميا – انعكاساتها على قطاعات الشباب, لنجعل منها نافذة نطل منها – معا – على ركائز الإسلام ومشكلاته ومستقبله.

إن الحوار يمثل جانبا غير صغير من كتاب الله :

  • حوار مع المشركين ومع أهل الكتاب من يهود ونصارى.
  • حوار مع النافقين وقطاعاتهم.
  • حوار مع المؤمنين في قضايا تبدأ من حديث النفس إلى نظام الأسرة إلى نظام المجتمع الكبير والإنساني.

الحوار اتصال. والإعلام اتصال . والثلاثة تهدف إلى المحافظة على أصالتنا , والتفتح الواعي على مستقبل أفضل وجعل أمانة الحاضر بكفاءة أعلى.

لو عودنا شبابنا على أدب الحوار, وأعطيناهم فرصة عرض آرائهم وصبرنا على ذلك, وأوكد (وصبرنا على ذلك ) لأفدنا الجيل الجديد خيرا كثيراً.

وبعض انفجارات الشباب الدينية , لو وجدت الحوار , ولم نعطها فرصة الانزواء والتستر والعمل في الظلام , لاستطعنا أن ننزع منها فتيل التفجر[xii].

وقد لا يكون الأمر يسيرا . ولكنه تجربة واجبة.

وفي الحوار سيعرفون الفرق بين المأمول والممكن , ودرجات الإمكان.

سنسمع منهم بعض ما يحتاج إلى إصلاح, وما هو ممكن الإصلاح وأن تكون عندنا القدرة على النقد الذاتي , وقبول النقد من جيل جديد وهو بعض الحاضر وكل المستقبل.

هل نستطيع – بأسلوب منظم – أن نجعل خطبة الجمعة إجابة عن بعض تساؤلات الشباب ؟ وأن نجمع أسئلتهم بطريقة منظمة :

  • لقاء مباشر مع الأئمة : صندوق اقتراحات في السجد. اتصال بالهاتف مع مسئول العلاقات العامة بالوزارة المختصة. اتصال عن طريق المدرسة أو الجامعة.

وكذلك الأمر في ندوات الإذاعة والتلفزة.

ونماذج الحوار كثيرة في الغرب بين الشباب والأجهزة الدينية والمسئولين عن القطاع الديني والإعلام, ويمكن الاستئناس بها في هذا الأمر في تدرج تقتضيه جده التجربة في هذه الدورة من حياتنا.

  • الدين واللغة

والصلة وثيقة بين الإسلام واللغة والعربية.

وأئمتنا يعتبرون إجادة اللغة شرطا أساسيا لفهم القرآن الكريم.

والضعف في اللغة العربية له آثار سيئة عدة على الفكر الإسلامي:

  • قد يؤدي إلى انصراف عن الفهم وضعف في إدراك معاني القرآن الكريم
  • وقد يؤدي إلى سوء فهم وسوء تأويل.
  • وينعكس على هذا مواقف سيئة قد تصل على حد الصدام بين قطاعات من الشباب: بعضهم ببعض أو بينهم وبين الحاكم.

وتستطيع أجهزة الإعلام أن تقوم بدور إيجابي في هذا متعاونة مع أجهزة التربية.

  • أولاً: بان يكون المذيعون على تمكن من اللغة يحترمونها دراسة وأداء.
  • ثانياً: أن تزداد البرامج التي تحبب اللغة العربية إلى الشباب ولها نظائر من حياتنا الإعلامية 0كمثال :لغنتا الجميلة ).
  • ثالثاً: قراءة النصوص الأدبية والدينية في برنامج يسهم فيه أفضل المتحدثين, فيقدمون للشباب ألوانا من الإلقاء الجميل تفتح لهم آفاقا جديدة من اللغة وحبها.
  • رابعاً: العناية بالدراسة البيانية للقرآن الكريم والحديث الشريف.
  • خامساً: أن يعني المتحدثون في الندوات وبرامج الإذاعة والتلفزة باللغة العربية , حتى تصبح الإجادة عادة.
  • سادساً: توثيق الصلة بين الشباب والمراجع الدينية الأصيلة وكيفية الإفادة منها مع عرض مبسط لأصول التشريع والفقه.
  • سابعاً: عرض ناقد للجديد من الإنتاج في الفكر العربي والديني.
  • عن المؤتمرات الإسلامية في المنظور العالمي

وللمؤتمرات – عادة – صبغة رسمية أو عليمة متخصصة .

وحديثي الآن عن المؤتمرات المرتبطة بالإسلام فكرا وتنفيذا.

والكلمة – في عالمنا المعاصر – لا بد لها من رصيد قوة يحميها, ويعطيها وزنها في إي لقاء. تستوي في هذا اللقاءات الاقتصادية والسياسية والعسكرية .

وأذكر كمثال في ربيع  عام 1969 دعت ماليزيا إلى عقد مؤتمر إسلامي عالمي , وكان هذا قبل إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي . وشمل جدول الأعمال موضوعات ذات صبغة إسلامية عامة كقضية القدس والأرض السليبة – وكان هذا بعد هزيمة يونيو (حزيران) 1967 – كما شمل موضوعات تتعلق بالعبادات كتوحيد يوم الصوم وعلاقة الفريضة بطول اليوم في الأقطار النائية – كشمال السويد والنرويج – وموضوعات طبية كزرع الأعضاء بين أفراد من ديانات شتى.

واختلف العلماء في موضوع تحديد بدء شهر الصوم, وفي غيره من الموضوعات المناظرة, بينما اتفقوا على إعلان الجهاد المقدس.

وجمع رئيس وزراء الدولة الداعية , ورؤساء الوفود في جلسة خاصة وكان من قوله:

  • أحس أحيانا أنكم تفكرون بعقلية السماء الصافية في الصحراء حيث تستطيعون رؤية الهلال – حتى بالعين المجردة – ونحن هنا في منطقة استوائية كثيرة الغيوم والمطر. وإخوانكم في اندونيسيا يعيشون في آلاف الجزر. ومسلمو سريلانكا (سيلان) أقلية في بلادهم. وتسألهم حكومتهم من أول العام عن موعد الصوم والأعياد لينظموا لهم عطلتهم, وليقوم أخوانهم بعملهم . ظروفنا غير ظروفكم. وظروف العالم الآن غير ما كانت عليه من حيث التنظيم الطويل والتوقيت . وحركة الشمس والقمر والنجوم ثابتة . ولم يبق غلا أن تتفقوا على مطلع واحد وأن نأخذ بالحساب الفلكي وهو لا يخطئ مع تحديد المطلع, وليكون يوم الصوم الواحد والعيد والواحد رمزا عمليا لوحدة المسلمين ننقل منه إلى مظاهر أخرى للوحدة.

ومع هذا لا زلنا مختلفين , في أمر فلكي ثابت في عالم تقاربت فيه المسافات وسهل الاتصال وتقدم العلم.

ثم عندما جاء موضوع القدس أعلنتم الجهاد المقدس.

وسؤالي البسيط :

  • هل أنتم قادة حرب حتى تعنوا الجهاد المقدس؟ إن هذا الإعلان يتخذه رؤساء الدول بعد دراسة شاملة ودقيقة لكل إمكاناتها , حتى يكون للكلمة وزن عملي في دنيا السياسة والحرب , دون أن تكون تقال خالية من رصيد قوة وراءها.

أرجو أن يعني رجال الدين بشؤون تخصصوا فيها وأن يعني رجال الدولة بشئون هي من صميم مسئولياتهم.

وأنتهي هذا المؤتمر وغيره كثير, وأعلنت القرارات وتعددت تفسيرات الجهاد المقدس: هل هي الحرب أم أن الحرب جزء فيه؟ أهو يشمل كل القوى : بدءا من تكوين الفرد, إلى الدفع الشامل إلى ميدان حرب؟

وأصبح غاية اللقاء – في كثير من هذه المؤتمرات – إصدار قرارات تظل حبيسة أوراق , ليست قادرة دائما على أن تزهر وتثمر. وتعودنا القول بلا عمل.

هذا : وأجهزة الرصد في الغرب تتابع هذا كله, وتقيس قوة الدين في المؤتمرات , وقوة الإعلام عن ذلك وأسلوب التعبير بالقرارات لا بالسلاح الفعال في المعارك ولا الإنتاج العلمي والتقني في مراكز البحوث والمصانع.

وفي بعض ما صدر عن (العقلية العربية ) تحامل لا شك فيه[xiii]. ولكنه تحامل ينبغي أن يدرس بدقة, ففيه جانب من الحق , ومن الخير أن نتابع الإعلام المضاد وما يقوله غيرنا عنا, حتى نستطيع تطوير أعلامنا في آفاقه ومن بينها الإعلام الديني.

وأعتقد إننا في حاجة إلى نوع من الموازنة بين حجم الكلمة ووزنها وقوة دفعها فكلما زادت كثافتها واشتدت قوة دفعها كانت أقدر على الوصول إلى الهدف.

والقرآن الكريم يفرق بين الزبد وما ينفع الناس في قوله تعالى: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) [الرعد :17]

والإعلام والتربية إذا أتحبها إلى حساب وزن الكلمة والابتعاد عن زخرف القول والإفراط في التشبيهات والأوصاف, مدحا وذما وإنذارات وتبشيرا, كانا على الطريق في تأصيل قيم الإسلام . ولنرجع – كموج – إلى خطب المصطفى صلى الله عليه وسلم والراشدين من بعده ومناهج  أئمتنا وسلفنا الصالحين في الوجيه والتربية وهي الكلمة الطبية والقول الثابت الذي يرشدنا إليه قول ربنا (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ ) [إبراهيم :27].

وأذكر في مؤتمر علمي في عام 1968, وكنا باحثين في الشئون الإفريقية من أجناس شتى ومعنا أستاذ أمريكي ودار بيننا حوار حول الصراع العربي الإسرائيلي. وكان من قوله :

آن لكم أن تفهمونا نحن الأمريكيين لقد دخلنا هذه القارة الجديدة بالقوة . وانتشرنا فيها بالقوة وحصلنا على استقلالنا من بريطانيا بالقوة . ووجدنا الشمال والجنوب بالقوة وقدينا على الهنود الحمر بالقوة وجلبنا الإفريقيين ليزرعوا لنا الأرض بالقوة آن لكم أن تفهمونا لماذا لم تزدهر كرة لقدم عندنا بينما ازدهرت ألعاب العنف كالملاكمة والمصارعة الحرة والبيسبول. حتى الجريمة عندنا عنيفة ومنظمة.

لقد أقمنا مسرحا كبيرا أسمه الأمم المتحدة, ووضعنا فيه أفضل الخطباء والمتحدثين يأتي إليه من لا يستطيع الحرب ليحصل على تصريح وقرار.. أما الذين يريدون إنجاز أمر فأمامهم ميادين القتال يحاربون فيها وميادين الصناعة والعلم يتفوقون فيها .

أفهمونا أولا .. فنحن لا نحترم إلا القوة وعاملونا بمنطق أقمنا به حياتنا .

القول لا يحتاج إلى تعليق ..

كل الذي أود أن أؤكد : أ، تكون برامجنا – العلمية والدينية والثقافية – داعية إلى مزيد من وإيجابية والعمل والإنتاج . دون أن نبدد طاقاتنا في كلام معاد وتصريحات وقرارات .

(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) [التوبة :105].

وهذا العمل تخطيط ومتابعة وصبر وتطوير محو الأفضل دائما.

  • النماذج التطبيقية

وإذا كانت موضوعات هذه الندوة قد اقتصرت على (الكلمة) وسيلة وحيدة التعبير فلعل لقاءات مقبلة تنقسم إلى جزأين:

الأول : عرض وحوار وهو ما نحن بسبيله.

والثانية :  تجارب عملية قام بها الإعلاميون والتربويون متعاونين لتطبيق ما دعوا إليه.

هذه التجارب تضم:

  • نماذج مما سبق أن قاموا به.
  • ونماذج مما دعوا إليه.

ج- وتجارب من أمم أخرى توضح الاتجاهات التي يرغبون.

وبهذا تخرج الندوة من إطار الكلمة إلى التنفيذ ومن النقد التسلي أو الإيجابي إلى التعاون المثمر البناء

  • خاتمة

وبعد :

فهذه خطوط عامة يحتاج كل منها إلى مزيد من التوضيح.

والمأمول أن نتبع الاقتراح الأول الذي جاء في هذه الورقة من الحصر الشامل والتقييم للمواد الإعلامية والاتفاق على أسس التقييم.

وما لم تكن هذه الأسس محل اتفاق, فستظل المعايير مضطربة بين أيدينا.

نعم : هي معايير قابلة للمراجعة وإعادة النظر ولكن هذا أيضاً يتم باتفاق.

ما المواصفات التي نريدها في التربية والإعلام والشباب؟ وإذا وضحت أمكن السير وهو (المأمول).

أما خطوط هذه الورقة فهي (الممكن) في حدود الوقت المتاح, عرضت فيها قضايا رئيسية, هي محاور الحوار, واقتراحات عملية يمكن أن تكون نقاط بدء. أركز فيها على أمرين : الحوار, والتعاون على القيام بتجارب عملية مشتركة بين الإعلاميين والتربويين تطبيقا لما دعوا إليه واتفقوا عليه.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

[i] وهو الفيلم العربي الذي قام بإخراجه المخرج العربي (مصطفى العقاد) في نسختين عربية وإنجليزية لكل منها مجموعة من الممثلين. ولقد أثار الفيلم حوارا واسعا – وال زال – وأذكره هنا مجرد نموذج للعلاقة بين الدين والإعلام وتطور وسائله والتربية وأساليبها وحاجة هذا الأمر كله إلى مزيد من الحوار بين رجال التربية والإعلام والفن حتى نستطيع أن نفيد إلى أبعد مدى ممكن من الوسائل التقنية الحديثة في عرض الإسلام وتاريخه, مع المحافظة في ذات الوقت على ما تدعوا إليه مصاد التشريع الإسلامي من التزامات في هذا المجال

[ii] من نماذج ذلك من السلاسل الأمريكية: البيت الصغير والمسرح الغربي لشك كونورز: ويصور الحياة في الغرب الأمريكي وامتداد العمران إليه وفيلم (ابنة رايان) ويصور إيجابية وشخصية رجل الدين في حياة أيرلندا: فهذه نماذج من أوروبا وأمريكا.

[iii] وهو الفيلم الثاني العربي الإسلامي الكبير الذي أخرجه مصطفى العقاد بعد فيلم (الرسالة).

[iv] يرجع في عرض البوذية اليابانية إلى : Suzuki , D.T. Zen And Japanese Culture Princeton Univ. Press. 1970

وللأستاذ سوزوكي عدة كتب عن البوذية عرضا وتحليلا ومقارنة تعتمد على دراسة النصوص الأصلية والممارسة.

[v] في مصطلحات البوذية يرجع إلى : Ernest Wood, Aen Dictionary, Peter Owen Limited, London , 1963

وفيه شرح مجمل لأفكار وأنشطة ومصطلحات وقادة الفكر في البوذية.

[vi] سوزوكي (1977) المرجع السابق – الفصل الحادي عشر : ص331- 359 عن : حب الطبيعة.

[vii] Toffler, A :The Third Wave , P. 342. Pan Books And Allens, London, 1980

[viii] تاريخ الطبري : 220:3 ط. المعارف – القاهرة – بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم..

[ix] نفس المرجع 344:2 – يقول الطبري : ولما هلك أبو طالب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له ولقومه.

[x] نفس المرجع : 3: 223-342

[xi] Burxkhardt .T. : Art Of Islam Language And Meaning London 1976

من مطبوعات مهرجان العالم الإسلامي.

[xii] لوزارة الأوقاف بالقاهرة تجربة بعنوان (الدين والحياة) بدأت عام 1378هـ \ 1968م. وهو منهج في الرباط بين الدين والحياة وقد صدرت مجموعتها الأولى عن الوزارة ولها مقدمتان : إحداهما بقلم الدكتور محمد حسن الذهبي وكان وزير الأوقاف وقت إصدارها والثانية مقدمة طويلة بقلم كاتب هذا الطور عندما كان وزيرا للأوقاف وقت بدء التجربة.

وهناك بحث طويل للكاتب عنوانه (التغيير في المجتمع بين الفرد والدولة) ناقش فيه قضايا الانحراف عن الإسلام وبالإسلام في العصر الحديث . أنظر : د. عبد العزيز كامل : مع الرسول والمجتمع . ط. دار الصباح. الكويت – 1981.

[xiii] من نماذج الكتب التي تعرض وتحلل العقلية العربية , كما يراها الغرب ,وفيها تحامل – لا شك فيه – وفيها نقد علينا أن ندرسه ونتعمقه ليعين على إصلاح أخطاء لا سبيل إلى تجاهلها:

  • John Laffin: The Arab Mind A Need For Understanding, Cassell, London, 1975.
  • Rahael Patai: The Arab Mind Charles Schribners  Sone , New York , 1976.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر