بحث مقدم للمؤتمر العالمي الأول عن الطب الإسلامي، الكويت، ربيع الأول 1401هـ – يناير 1981 م.
(1) بعد أن أصبح الطب، بفضل التقدم العلمي، أكثر فعالية وطموحًا في نفس الوقت أكثر قوة وخطورة، فإنه يتعين بيان الحدود التي يجوز فيها شرعًا استخدام الاكتشافات الحديثة للعلوم الطبية والبيولوجية. ومن المفيد ، بل من الضروري، قبل الخوض في بيان حكم الشرع في المتطلبات الحديثة للطب والجراحة، أن نبرز القواعد العامة التي تحكم مزاولة أعمال الطب والجراحة على جسم الإنسان وجثته، فهي تضع بعض القيود على هذه الأعمال حتى لا تخرج عن الهدف الأسمى الذي ابيحت من أجله.
المبحث الأول
القواعد الكلية في المجال الطبي والجراحي
(قواعد الطب الإسلامي)
رأينا أنه من المناسب، في محاولة منا لاستخلاص أكبر فائدة من القواعد الكلية، أن نوزعها بين ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: قواعد التصرف في الحق في سلامة الحياة والجسد:
(1م) من أهم هذه القواعد ما يلي:
أ. حق الله وحق العبد في نفس وجسد هذا الأخير يوكلان ما هو منسوب إليه ثبوتًا واسقاطًا.(1)
ب. لا يجوز لأحد أن يتصرف في حق غيره بلا أذنه.(2)
ت. قتل الإنسان أو قطع من أعضائه لا يحتمل الاباحة بغير حق. (3)
ث. إسقاط الإنسان لحقه، فيما اجتمع فيه الله، مشروط بعدم اسقاط حق الله. (4)
ج. يقدم ما كان فيه حق الله وحده. (5)
ح. حقوق الله مبنية على التسهيل في حين أن حقوق الآدمي مبنية على التشديد في حالة الضرورة. (6)
الطائفة الثانية: قواعد المفاضلة بين المصالح والمفاسد:
(2) يمكن استخلاص هذه القواعد من مصادر الشريعة الإسلامية التي وردت بها نصوص صريحة للترجيح بين المصالح، من هذا قوله تعالى “أتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير” (7) وهو صريح في ترجيح المصلحة الأعلى على المصلحة الأدنى (8) ويمكن لنا أن نستخرج من هذا الأصل القواعد الآتية:
1- ارتكاب أخف الضررين دفعًا لأعظمها:
أ. عند المفاضلة بين المصالح المجتمعة في عمل واجب إن أمكن تحصيل المصالح جميعًا كان بها فإن تعذر ذلك حصلنا الاصلح فالاصلح والأفضل فالأفضل، فالواجب تحصيل أعلى المصلحتين (9)، فإذا تعذر المفاضلة بينهما، للتساوي بينهما فإنه يرخص في الاختيار في التقديم والتأخير بينهما (10).
ب. عند المفاضلة بين المصالح المجتمعة في عمل معين، الواجب درء الجميع فإن تعذر ذلك درأنا الأفسد فالأفسد، فالواجب دفع أعظم المفسدتين (11)، فإن تساوت فيباح التوقف أو التخير (12)
ت. إذا اجتمعت المصالح والمفاسد في عمل معين، فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد جميعًا فعلنا، وإن تعذر التحصيل والدرء معًا، وكانت المفسدة – أعظم من المصلحة أو تساويًا درأنا المفسدة وفوتنا المصلحة لأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع (13) أما إذا كانت المصلحة أعظم من المفسدة التي تقابلها فتقدم المصلحة (14). وتطبيقًا لذلك أبيح التشريح العلمي والمرضي والجنائي. (14).
ث. يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام (15).
2- الضرورات تبيح المحظورات (16):-
ا. يجب أن تكون المصلحة التي تقتضيها الضرورة أعظم من مفسدة المحظور.
ب. تقدر الضرورة بقدرها (17).
ج. الضرر لا يزال يمثله (18).
د. الحاجة تنزل منزلة الضرورة سواء كانت الحاجة عامة أو خاصة (19).
الطائفة الثالثة: قواعد مزاولة العمل الطبي أو الجراحي:
(3) تتعلق هذه القواعد إما بحق الطبيب أو الجراح في ممارسة عمله أو بكيفية مزاولة هذا العمل ومسئوليته عنه.
أولا: حق التطبيب والجراحة:
1- إذا أوجب الشارع شيئًا تضمن ذلك إيجاب ما يتوقف عليه. (20)
2- التطبيب واجب كما أن التداوي واجب. (21)
3- لا تنقلب الرخصة التي أنشأها الشرع للطبيب أو الجراح بممارسة عمله على أجسام الناس إلى حق الا برضاء المريض.
ويستثنى من ذلك حالات الاستعجال والضرورة. (22)
ثانيًا: أصول العلاج:
يراعى في إختيار العلاج ما يأتي من القواعد:-
أ- أهداف العلاج (23):-
1- حفظ الصحة الموجودة.
2- حفظ الصحة المفقودة بقدر الإمكان.
3- إزالة العلة أو تقليلها بقدر الإمكان.
4- تحمل أدنى المفسدتين لإزالة أعظمها.
5- تفويت أحدى المصلحتين لتحصيل أعظمهما.
ب- حدود العلاج:
1- يجب ألا يستهدف الطبيب من عمله مجرد إزالة العلة دون النظر إلى عواقبه فالواجب إزالة العملة على وجه يأمن من حدوث علة أعظم وأصعب منها، فإن لم يأمن ذلك أبقى العلة الأصلية كما هي (24).
2- إذا كانت العلة لا يمكن علاجها امتنع الطبيب علا العلاج (25). ولكن للطبيب الحادق أن يعمل قدرته على التخيل للاستعانة على المرض بكل معين (26)، وله أن يجرب الدواء بما لا يضر أثره، ولكن ليس له أن يجربه بما تخاف عاقبته (27).
ج- طرق العلاج:
1- العلاج بالأسهل فالأسهل، فلا ينتقل من الدواء البسيط المعتاد إلى الدواء المركب إلا إذا فات أثر الأول (28).
2- الجمع بين علاج البدن وعلاج الروح (29)، فقد يكون اعتلال البدن بسبب اعتلال النفس، وقد يكون تقوية النفس أعظم أثرًا في الشفاء من الادوية المعتادة.
3- لكي يكون الطبيب حكيمًا يجب، فضلا عن توافر المهارة لديه، أن يكون لديه القدرة على أن يكسب المريض القوة على تحمل الظالم ومواجهة العلة والصبر على احتمال العجز، وهو الذي يقنع المريض بحكمه المرض مع تحمله ومواساته.
ثالثًا: مسئولية الطبيب أو الجراح:
1- الجواز الشرعي ينافي الضمان، فإذا فعل الطبيب ما يجوز له فلا يسأل عن الضرر الحادث ولو كان سببًا له. (30)
2- لا يتقيد عمل الطبيب بشرط السلامة (31) ولا يطلب منه إلا القيام بالمعتاد من العناية ولا يسأل إلا عن تقصيره فيها. (32)
3- الرضا بالشيء رضا بما يتولد عنه (33)، فلا يسأل الطبيب مدينًا عن الضرر الذي يصيب المريض التي اختار علاجًا معينًا أو رضى به متى كان الطبيب قد راعى أصول مهنة الطب في عمله. (34)
(4) وهكذا فإن الصياغة المرنة للقواعد الكلية السابق بيانها تترك المجال أمام أصحاب الفطرة السليمة ليلتمسوا في أطرها العامة موضعًا عند الحكم على ما هو مستحدث من أعمال الطب والجراحة على ضوء المصالح والمفاسد المترتبة عليها والتي يقتضي تمييزها عن غيرها حكم فريد – وإذا كان الأمر كذلك فلنحاول استخلاص أحكام بعض الأعمال المستحدثة للطب والجراحة.
المبحث الثاني
استقطاع الأعضاء البشرية بغرض الزرع
(5) إذا كان من الجائز شرعًا أن يتدخل الطبيب في جسم المريض تحقيقًا لمصلحة معتبرة عند هذا الأخير، وقد يصل الأمر إلى قطع جزء من جسمه انقاذًا لحياته (35) – فهل يجوز شرعًا للطبيب أن يعمل مبضعة في جسم إنسان حي سليم، أو في جثته تحقيقا لمصلحة علاجية لإنسان آخر مريض ؟ تلك هي حالة استقطاع عضو من جسم إنسان أو جثته (ونسميه المعطي) بغرض زرعه في جسم إنسان آخر مريض (ونسميه المتلقي) يقتضي علاجه القيام بمثل هذا العمل.
لا صعوبة بالنسبة للشق الثاني من هذا العمل، وهو زرع العضو في جسم المريض المتلقي، فهو يدخل في عداد الأعمال الطبية أو الجراحية المباحة بإذن بإذن الشرع وبإذن المريض إذا توافرت شروط الاباحة (36)، ولكن الصعوبة كلها تكمن في الشق الأول من العملية، الا وهو استقطاع العضو من إنسان سليم غير مريض، فكيف يباح شرعا مثل هذا العمل الذي لا تقتضيه ضرورة صحية عند الإنسان المستقطع من جسمه العضو؟ فإن قيل أن ذلك العمل لا يباح إلا في حالة الضرورة فإن مؤدي ذلك أنه يطلب من الطبيب أن يجمع مصالح شخصين في إطار واحد لكي يقيم الموازنة بينهما بإرتكاب أخف الضررين. ولكن السؤال الذي يعرض هنا هو هل مثل هذه الموازنة بين قيم إنسانية متعارضة هو أمر مسموح به في مصادر الشريعة الأصلية، وهل يوجد في الاطارات الفقهية التي يعرفها الفقه التقليدي وسيلة يمكن بها بلورة هذه الموازنة؟
(6) فيما عدا النصوص القرآنية الخاصة بالانتفاع بالبن المرضعات (37) لا يوجد، على حد علمنا، نص صريح ومباشر في القرآن أو السنة يعالج مسألة استقطاع الاعضاء البشرية تعرض زرعها في حالة الضرورة (38). فإذا توجهنا بعد ذلك إلى القواعد الفقهية. لوجدنا أنها تتطلب منا أن نراعي ثلاثة أمور:
الأول ديني يتصل بمدى جواز الانتفاع بأجزاء الآدمي حيا أو ميتا، والثاني فقهي، وأن شئت قل قانوني، يتعلق بالوسيلة الفنية التي يمكن بها تجسيد أو بلورة هذا الانتفاع، أما الأمر الثالث فهو يتعلق بالمفاضلة بين المصالح المتزاحمة. فإذا شرعنا في تطبيق القواعد الفقهية، مع مراعاة الأمور الثلاثة السابقة على الاستخدامات الحديثة للأعضاء البشرية، كما طبقها بعض الفقهاء من قبل على بعض أجزاء الآدمي، لوجدنا أن المجال يتسع لاختلاف الرأي في مدى شرعية استقطاع الأعضاء بغرض الزرع، ويتعين علينا حينئذ الترجيح بين أدلة الاباحة وأدلة التحريم.
المطلب الأول
(الإطار الفقهي للمشكلة)
(التعاقد على أجزاء الآدمي)
(7) لا يحل إنسان الانتفاع بشئ مملوك لإنسان آخر إلا من خلال أحد الإطارات الشرعية التي حدد الفقهاء شروط صحتها، ومن بين هذه الإطارات تأخذ العقود مكان الصدارة.ويشترط لصحة العقد، بصفة عامة، أن يكون محله قابلا للتعاقد شرعا وهو لا يكون كذلك، عند الفقهاء، إلا إذا كان مالا متقوما يجوز الانتفاع به وكان مملوكا للعاقد (39). فإذا وقع العقد على شيء لم يستوف هذه الشروط فلا أثر في نقل الملك أو – الانتفاع (40). وهنا يثور التساؤل عما إذا كان يجوز شرعا التعاقد الذي محله جزء من أجزاء الإنسان؟ لقد تعرض الفقهاء لمثل هذه المسألة بخصوص التعاقد على لبن الآدميات، واختلفوا في مدى جوازه، وكان خلافهم هذا متفرعا على اختلافهم في استيفاء محل التعاقد لشروط صحته. فلنحاول هنا أن نبرز الأمور التي قد تمنع الانتفاع بأجزاء الآدمي من خلال تعرضنا لمدى انطباق أهم شروط محل التعاقد عليها (41). وأحب أن – أنوه هنا إلى أن القيام بهذه المحاولة اقتضى منا التعامل مع التفصيلات كثيرة احتوتها كتب الفقه الإسلامي الأصيلة.
لذلك رأيت من المناسب هنا، مراعاة لحجم البحث، أن اختصرها بقدر الامكان بحيث أخلص إلى الأصول الأساسية التي ترتكز عليها هذه التفصيلات، حتى يمكننا بعد ذلك التساؤل عما إذا كانت مقتضيات هذه الأصول تظل قائمة في حالات الاضطرار إلى الانتفاع بأجزاء الآدمي.
أولا: حكم الانتفاع بأجزاء الآدمي في حالة السعة (الاختيار):-
لا يجوز التصرف في شيء إلا إذا كان مالا كما لا يحل الانتفاع به الا إذا كان طاهرا
1- هل جسم الإنسان من الأموال؟
(8) لا يصح، من الناحية الفقهية، أن يكون الشيء محلا للتعاقد إلا إذا كان مالا – متقوما يجوز الانتفاع به في حالة السعة أي في غير حالات الاصطرار الاستثنائية وللفقهاء تعريفات متعددة للمال المتقوم تدور كلها حول ذلك الشيء الذي لا يحل الانتفاع به وقت السعة ويقع تحت الحيازة ويتموله الناس بأن تكون له قيمة في السوق يضمنها متلفه (42) ونحن إذا طبقنا مقاييس اعتبار الشيء مالا متقوما على جسم الانسان في مجموعة لوجدنا أنها لا تنطبق عليه. لذلك ذهب الفقهاء إلى أن الإنسان، حيا أو ميتا، لا يمكن أن يكون محلا ممكنا ومشروعا للمعاملات” (43).
فالإنسان ليس مالا (44) لا في الشرع ولا في الطبع ولا في العقل، فالشرع يأبى أن يعامل الإنسان، الذي كرمه، معاملة الأموال (45). والشيء لا يعتبر مالا، في الطبع أو في العرف، إلا إذا كانت له قيمة في الأسواق (46)، ومن الواضح أن هذا لا يصدق في حق الإنسان (47) كما أن اعتبار الإنسان مالا يخالف العقل لأن اعتبار الشيء مالا يقتضي أن يكون هذا الشيء خارج الإنسان حين أن جسم الإنسان ليس شيئا خارجا عنه (48).
وإذا كان مبدأ عدم تقوم الإنسان بالمال يصدق في حق الإنسان في مجموعة جسمه وحياته وجثته، فهل يصدق ذلك أيضًا في حق أجزائه بعد انفصالها عن جسده أوثته (49)؟ من المفيد أن نبرز هنا الاتجاه الذي يسود المذهب الحنفي والذي قوامه أن أطراف الإنسان تعتبر من قبيل الأموال بالنسبة لصاحبها (50). ومعنى الأطراف هنا ينسحب، فيما يبدو، على كل عضو أو جزء في جسم الإنسان بصفته المنفردة أي منعزلا عن باقي الأعضاء التي لا يجوز أن يرد التصرف على مجموعها. ولذلك فإنه يجوز للإنسان عن الحنفية أن يتصرف في جزء من جسمه لغاية مشروعة، كأن يضحي بجزء من جسمه لإنقاذ حياته (51) فهو كالمال خلق وقاية للنفس (52).
وهكذا يتضح مما سبق أن جسم الإنسان وجثته لا يعد مالا عند جمهور الفقهاء (53) حين أن الحنفية يعتبرون ما ينفصل من الجسم أو جثته من قبيل الأموال. والسؤال الآن هي يحل شرعًا الانتفاع بالجزء المنفصل؟
2- هل أجزاء الآدمي طاهرة؟
(9) يشترط في محل العقد أن يكون طاهرًا منتفعًا به في الطبع وفي الشرع (54). وإذا كان لا يجوز بيع الشيء الطاهر الذي لا منفعة فيه (55)، فإنه لا يجوز أيضًا أن تكون النجاسات أو بصفة عامة المحرمات محلا للعقود (56). وهنا أيضًا يثور التساؤل عما إذا كانت أجزاء الآدمي طاهرة أن أنها من المحرمات التي لا يحل الانتفاع بها في حالة السعة والاختيار.
بالنسبة للجزء المنفصل من الجسم الحي لم يتفق فقهاء المذاهب على طهارته وجواز الانتفاع به، ولهم في ذلك تفصيلات وأقوال كثيرة تعمدنا الا نعرض منها هنا الا ما يفيدنا في استخلاص الأصول. والراجح في هذه الأقوال أنه على فرض أن الجزء المنفصل يعد طاهرًا فإنه لا يجوز مع ذلك الانتفاع به احترامًا له من الابتذال فالانتفاع به يتعارض مع كرامة الإنسان وحرمته في الشرع (57). والأمر كذلك بالنسبة لأجزاء الجثة التي يتعين دفن ما انفصل منها فهذا ما تقتضيه حرمة الموتى (58).
ولكن إذا كان الأصل الذي يقضي بعدم جواز الانتفاع بأجزاء الآدمي يرجع إلى أنها من المحرمات، فإن هذا الأصل لا يمنع الإنسان الذي انفصلت من جسده أن ينتفع بها كدواء إذا كان لا يوجد شيء آخر يقوم مقامها في التداوي، ذلك أن هناك أصلا آخر يقضي باباحة التداوي بالمحرمات اذا كان لا يوجد في الاشياء المباحة ما يقوم مقامها (59). فإذا تعين الشيء المحرم دواء وحيدًا للمريض فإنه يحل الانتفاع به (60). فالحرمة ساقطة، كما يقول ابن عابدين، عند الاستشفاء (61)، كما أن – مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب المحرمات (62) وهذه قاعدة من القواعد الكلية في المجال الطبي والجراحي. وأذن ففي حالة الضرورة يجوز للإنسان أن ينتفع بجزء من أجزائه للتداوي بشرط أن تكون المصلحة في ذلك أعظم من ترك الجزء في مكانه (63).
ولكن هل يجوز لإنسان أن يتداوى بأجزاء إنسان غيره إذا لم يوجد شيء آخر يقوم مقامها. هذه مسألة تتعلق بمدى جواز الانتفاع بأجزاء الآدمي في حالات الاضطرار سنبحثها فيما بعد، ويكفينا هنا أن نلاحظ أن الرأي الغالب في الفقه يرى حرمة ذلك اما لكرامة الإنسان وأما مخالفة هلاك الإنسان المأخوذة منه الجزء.
(10) إلى هنا نستطيع أن نقول أن المقدمات التي يرتكز عليها الفقه التقليدي تقتضي بأن الجزء المنفصل، وان كان يظل منتفعًا به في طبيعته، خاصة إذا حافظنا على حياة خلاياه، فإنه يمتنع في الشرع نقل الانتفاع به إلى إنسان آخر. لأنه يفترض أن ذلك لا يتم بوسيلة، تتعارض مع كرامة الإنسان، من الوسائل التي يعرفها الفقهاء للتعامل في الأموال. فكأن العقبة من انتفاع إنسان بجزء من جسم إنسان غيره إنما هي عقبة فنية ترتبت على التحليل الفقهي التقليدي الذي لا يعرف إلا الأدوات (العقود) التي يتعامل بها في الأموال (64) ولكن إذا كان الفقه الإسلامي فقها عمليا يحرص على إشباع حاجات الناس المشروعة فيجب ألا تقف صعوبة اختيار وسيلة الانتفاع بأجزاء الآدمي حجر عثرة أمام تحقيق حاجات إنسانية تتفق مع المقاصد العامة للشرع، خاصة إذا كان هذا الانتفاع في ذاته، ومجردًا على وسيلته لا يتعارض مع الكرامة الإنسانية. ولقد تغلب بعض الفقهاء التقليديين على هذه الصعوبة وهو بصدد بحث الانتفاع بلبن الآدميات.
3- التعاقد على لبن الآدميات:
(11) اتفق الفقهاء على أن لبن الآدميات، باعتباره جزءًا منفصلا عن جسم آدمي يمكن الانتفاع به في الشرع لورود آيات بينات في هذا المعنى (65) وفي العرف لأنه مخصص بطبيعته للخروج من جسم المرأة لينتفع به غيرها (66) غير أن الفقهاء اختلفوا، بعد ذلك، في تحديد العقود التي يمكن أن يتعلق محلها بلبن الآدميات ويرجع اختلافهم هذا إلى عدم اتفاقهم على تحديد طبيعة اللبن، وإلى ما إذا كانت اجازة الشرع للانتفاع به هي اجازة مطلقة أم إجازة مقيدة بالضرورة. ونحن إذا نعرض هنا للنتائج التي توصل إليها الفقهاء، في هذه المسائل، إنما نقصد من ناحية التأكيد على أن مسألة الانتفاع بأجزاء الآدمي، فيما لم يرد به نص شرعي، إنما هي مسألة اجتهادية يختلف فيها الرأي بحسب الاعتبارات، وهذه هي الناحية الأخرى التي تتنازع هذه المسألة إضافة إلى مبررات تغليب اعتبار على آخر.
(12) اتفق الفقهاء على أنه يجوز الانتفاع بلبن الآدميات عن طريق وسيلة عقدية تسمى إجازة الظئر ومعناها أن المرأة تستطيع أن تلزم نفسها بإرضاع طفل لا تلتزم شرعًا إرضاعه مقابل أجر (67). ولقد روعي في إجازة هذا العقد أن تنفيذه لا يؤثر في السلامة الجسدية للمرأة لأن لبنها مخصص بطبيعته للخروج من جسدها كما أنه متجدد شأنه في ذلك شأن النشاط العضلي في عقد اجازة الآدمي (عقد العمل) (68) واختلف الفقهاء في تحديد ما ترد عليه إجازة الظئر، فقال البعض أنه يرد على اللبن ذاته (69)، حين ذهب البعض الآخر إلى أن العقد يرد على خدمات المرأة، أي على منافعها وليس على ذات اللبن (70). ولن نقف عند التفصيلات التي أوردها الفقهاء لتكييف العقد الذي يرد على اللبن، هل هو بيع أم إيجار، ولتحديد ما إذا كان من الأموال أم لا، إنما يهمنا أن نبرز هنا نتيجة في منتهى الأهمية الا وهي أن لبن المرأة – باعتباره جزءا من آدمي، وان كان لا يعد، عند الحنفية، محلا ممكنا ومشروعا للعقد أصلا، إلا أنهم أجازوا عقد الرضاعة كاستثناء، استحسان تبررة ضرورة المحافظة على حياة الطفل. فكأن مبدأ عدم جواز التصرف في أجزاء الآدمي، الذي يقوم على فضية كرامة الإنسان، يحتمل الاستثناء إذا وجدت ضرورة تبرره عند آدمي آخر وكأن هذه القضية ليست قضية مطلقة. وهذه الضرورة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار متى كانت المصلحة المترتبة على رعايتها تعلو، في سلم القيم، أي اعتبارات أخرى ولو كانت اعتبارات فقهية تتعلق بأركان العقود. ان الشرع ذاته أذن بالتعاقد على اللبن مرجحًا المصلحة التي تترتب عليه على قضية كرامة الإنسان وأذن فالمسألة التي تستحق النظر هي مسألة الترجيح بين المصالح المتزاحمة في موضوع الانتفاع بلبن الآدميات بصفة خاصة وبأجزاء الآدمي بصفة عامة.
وإذا كانت الضرورة تجعل من القيمة التي يحفظها مبأ كرامة الإنسان قيمة مرجوحة أمام قيمة المصلحة المترتبة على الانتفاع بأجزائه، فهل تبرر الضرورة أيضًا الضرر الذي يمكن أن يعود على الإنسان من استقطاع أجزاء من جسمه لمصلحة شخص آخر؟
ثانيًا: حكم الانتفاع بأجزاء الآدمي في حالات الاضطرار:
(13) حين أباح الشارع الحكيم أكل المحرمات في حالات الاضطرار (71) فإنه يكون بذلك قد أباح العلاج بها، فضرورة الغذاء كضرورة العلاج تبيح المحظورات (72) لأن الهلاك أو التلف الذي يمكن أن يعود على الإنسان من عدم التغذي يمكن أن يصيبه من عدم التداوي (73). والأصل في أجزاء الآدمي حرمتها على بين جنسه (74). وإذا كان الفقهاء لا يتعرضون عادة للانتفاع بأجزاء الآدمي في حالات الاضطرار إلا بصفتها غذاء، فإن تحليلهم الفقهي لأحكام هذه الحالات يسري، بطريق القياس، على استعمال هذه الأجزاء كوسيلة للعلاج. وإذا كانت الضرورة تبيح، في رأي بعض الفقهاء التداوي بالمحرم إذا لم يوجد غيره من المباحات يقوم مقامه، فإن السؤال الذي يعرض هنا هل تبرر حالة الضرورة استقطاع أجزاء من جسم الإنسان أو جثته كوسيلة لعلاج إنسان آخر؟
(14) تذهب غالبية الفقهاء (75) ان الضرورة لا تبرر انتفاع الإنسان بأجزاء آدمي غيره ولو كان ميتًا ويتجسد سبب هذا الحكم عند بعضهم في كرامة بني آدم وخشية الهلاك أو التلف الذي يصيب الإنسان الحي منه، حين يرى البعض الآخر أن هذا السبب تعبدي لا تدرك علته. وأذن فتحريم أجزاء بني آدم تحريم مثقل لا يباح حتى الضرورة (76). وعلى العكس من ذلك، يجيز الشافعية للمضطر أن ينتفع بأجزاء الآدمي المهدر أو – المعصوم الدم وفقًا للتفصيل الآتي:-
فيجوز للمضطر أن يستعمل جسم إنسان مهدور الدم (كالحربي والزاني المحصن) أو جثته في الغذاء (77)، أما بالنسبة للمعصوم فإن كان ميتًا فيجوز للمضطر أن ينتفع بجثته كغذاء ان لم يجد غيره لأن حرمة الحي آكد من حرمة الميت (78) أو لأن المفسدة في فوات حياة إنسان (79). أما إذا كان المعصوم حيًا يجوز للمضطر، عند الشافعية، أن يقطع جزءا من جسمه ليأكله ان لم يجد غيره، لأنه احياء للنفس بإتلاف عضو فجاز وهذا من باب استبقاء الكل بزوال الجزء (82). ومؤدي هذا الحكم الأخير أنه يجوز استقطاع جزء من جسم شخص تحقيقًا لمصلحته هو. كما لو استقطع جزء من جلده لترقيع جرح في جسمه.
ويشترط لاباحة الانتفاع بأجزاء الآدمي الميت، في حالة الضرورة، الا يجد المضطر غيره وان يكون المضطر معصوم الدم لا يكون المضطر ذميا أو معاهدا اذا كانت الميتة المسلم وان يكون الضرر المترتب على عدم الانتفاع اعظم من الضرر المترتب على عدم مراعاة المحظور، أي ان تكون المصلحة في الاستقطاع اعظم من المفسدة التي اقتضت خطره.
(15) وهكذا فإن الضرورة، في اكثر المذاهب توسعا في اباحة الانتفاع باجزاء الآدمي المعصوم، لا تبيح هذا الانتفاع اذا حدث الاستقطاع من جسم انسان حي، والعلة في ذلك تتمثل أما في شرفة وكرامته أو في أن الاستقطاع يفضي إلى الهلاك أو التلف والضرر لا يزال يمثله.
والسؤال الذي يعرض على الفور هو هل ينقلب الحظر إلى إباحة في حالة الضرورة إذا كان الهدف من الاستقطاع لا يتعارض مع الكرامة الإنسانية وكانت المصلحة المترتبة عليه أعظم من ضرره؟ الاجابة على هذا السؤال تضع الحد الحاسم في الترجيح بين أدلة الإباحة وأدلة التحريم.
«المطلب الثاني»
الترجيح بين أدلة الإباحة وأدلة التحريم
(16) رأينا أن كل العقبات التي قد تحول دون الانتفاع بأجزاء آدمي ادى آدمي غيره تتركز حول فكرتين، الأول الكرمة الإنسانية أي حرمة الإنسان وشرفه حيًا وميتًا والثانية الضرر الذي يعود على الإنسان المنقول منه الانتفاع بجزء من أجزائه.
ونحن نعتقد أن المناط في الحكم على هذه العقبات أو في كيفية تذليلها إنما يرجع فيه إلى قاعدة التدرج بين المصالح والمفاسد التي طبقتها بعض الفقهاء في حالة الاضطرار إلى الانتفاع بأجزاء الميت. وهذه القاعدة التي هي صدى لمبدأ عام هو تحصيل أعظم المصلحتين أو درء أعظم المفسدتين، يجب أن ينطبق أيضًا عند التزاحم بين قيم الأحياء ومصالحهم.
ولقد رأينا تطبيقا واضحا لهذا التدرج سمح الشارع بالأخذ بمقتضاه في مجال الانتفاع بلبن الآدميات. وبناء عليه فأنه يلزمنا الآن أن نثبت أنه يجوز شرعًا الانتفاع بأجزاء الآدمي،حيًا أو ميتًا، لعلاج آدمي آخر متى كان هذا الانتفاع نتيجة ضرورية وبالتالي شرعية للتدرج بين المصالح. ولن نقف هنا عند العقبة الفقهية المتمثلة في عدم استيفاء أجزاء الآدمي لشروط محل العقود على الأموال، لأن هذا اقحاما لأمر غير مجاله، فنحن هنل لسنا بصدد الانتفاع بالأموال (83). ولن نستبقي من تحليلات الفقهاء، وفي هذا الصدد، إلا قضية كرامة الإنسان لنرى كيف يمكن تخطي العقبة المبنية على هذه القضية، حين يثبت أن هذا الانتفاع يدخب بالنظر إلى ظروفه الضرورية وهدفه النبيل في إطار الكرامة الإنسانية التي لا تتعلق بإنسان واحد بقدر ما تتعلق بالنوع الإنساني.
وإذن لا يتبقى لنا إلا أن نثبت أن استخدام أجزاء الآدمي، حيا أو ميتًا لعلاج غيره من الناس لا يتعارض في الشرع مع كرامته هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن نبين الشروط التي يترتب على اجتماعها زوال المانع من الانتفاع بها هو مخافة الهلاك أو الضرر.
أولا: اذن الشرع واذن المعطي في إباحة استقطاع الأعضاء البشرية:
(17) تطبيقًا للقواعد التي تحكم حق الله وحق العبد في جسم هذا الأخير في حالات الاضطرار فإن الشرع يأذن بنقل جزء من جسم المعطي إلى جسم المريض المتلقي إذا كانت المصلحة المترتبة على ذلك أعظم من المحافظة على حق الله تعالى في جسم المعطي. ولكن المشكلة تكمن في كيفية تعيين إنسان محدد ليدخل حقه في التكامل الجسدي في ميزان الترجيح بين المصالح.
لا خلاف بين أهل العلم كما يقول القرطبي (84) في وجوب رد مهجة المسلم عند خوف الهلاك أو التلف بالشيء اليسير الذي لا مضرة فيه على صاحبه. وهذا الواجب يقع في ذمة الجماعة فرض كفاية.
فإذا لم يكن هناك إلا شخص واحد بيده إخراج المضطر من حالته كان انقاذه فرض عين على هذا الشخص، ويقع على الجماعة أو على الشخص المعين اثم عدم انقاذ المضطر وعليهم الضمان (85) فالشرع يطلب من الإنسان التضحية ببعض من حقوقه لإنقاذ المضطر إذا كان ذلك لا يعود عليه بضرر أعظم من الضرر العائد على المضطر. ولقد رأى الشرع أن انقاذ نفس واحدة يعد بمثابة أحياء للناس جميعا وقوله تعالى «انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» (86) يفيد ان من يقوم بانقاذ الانسان إنما يحفظ مصلحة اجتماعية. (87)
وتطبيقا لذلك فإنه إذا كان إعطاء إنسان عضوا من أعضائه لإنسان آخر مريض يترتب عليه انقاذه من الهلاك، دون أن يترتب على ذلك هلاك المعطي، فإنه يعد عملا مميزا للتضامن الإنساني (88) ومعبرا عن معاني الرحمة والمودة، ومن ثم منقا مع الكرامة الإنسانية وجديرا في النهاية بإجازة الشرع.
(18) على أن تضحية الإنسان ببعض حقوقه انقاذا للمريض المضطر لا تكون جائزة شرعا اذا أدت إلى هلاك المعطي أو فقدانه لوظيفة تشريحية في جسمه فقوله تعالى «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» (89) يفيد أن للتضحية المأذون بها حدودا يجب أن تتقيد بها. فإذا تقيد استقطاع العضو من الإنسان بهذه القيود التي سنعرض لها فيما بعد، أمكن قبولها في ميزان الضرورة في اختيار أهون الضررين أو ترجيح أعلى المصلحتين بشرط أن يرضى هذا الإنسان بدخول مصلحته في هذا الميزان لأنه لا يمكن إجبار الإنسان، قضاء، على التبرع بأحد أعضائه لإنقاذ انسان واحد ولو كان مثل هذا الانقاذ يقع واجبا، ديانة، في ذمة الأمة جميعا. فهذا الواجب العام لا يقع على إنسان معين، قضاء إلا برضاه.
(19) فإذا قابلنا بين المصالح التي يتضمنها حق كل من المعطي والمتلقي في سلامة الحياة والجسد ووضعناهما في ميزان القيم ووجدنا أن كفة استقطاع عضو من جسم المعطي أو جثته لزرعه في جسم المتلقي ترجح كفة مصلحة المعطي في عدم المساس بجسده لأنه يجنب المتلقي ضرر أعظم من الضرر المترتب على هذا المساس، بحيث تكون المحصلة النهائية للعملية حماية مصلحة اجتماعية جديرة بالحماية، فإن هذه العملية تكون جائزة شرعا. على أن مثل هذه الموازنة تقتضي، لضبط محصلتها النهائية، تقدم العلوم الطبية والجراحية في السيطرة على ظاهرة رفض جسم الإنسان للأعضاء الأجنبية عنه، وإلا ما هي المصلحة في المخاطرة بعمل في سبيل هدف موهوم؟ لذلك فإنه بالنسبة لعمليات زرع الاعضاء التي لم يثبت نجاحها لا يجوز الاستقطاع من الجسم أو الجثة إلا كان مساسا بحرمتها بدون مبرر شرعي.
(20) أما بالنسبة للاستقطاع من الجثة، حيث تتنازع مصالح الأحياء مع مصالح الموتى أو أهلهم، فإن اباحته تستند إلى نفس القواعد التي تبرر شرعية التشريح الاستفادة من أجزاء الجثة في انقاذ حياة إنسان أو صحه (90) – ولقد رأينا قواعد الترجيح بين المصالح والمفاسد تجعل من التشريح أمرا مباحًا لأن مصلحة المحافظة على حياة إنسان – أو صحته أعظم من الناحية الاجتماعية، من افلمفسدة المترتبة على المساس بالجثة (91).
وهكذا فإنه في حالة الضرورة، حيث يتعين استقطاع جزء من الجثة علاجا وحيدا للمريض تعلو مصلحة هذا الأخير على المصلحة التي يحفظها مبدأ حرمة الموتى، ويجوز من ثم استقطاع هذا الجزء من الجثة لزرعه في جسم المريض إذا توافرت عدة شروط حين تصبح المصلحة المترتبة على العملية مصلحة اجتماعية جديرة بالرعاية (92). لذلك أجازوا متأخروا الشافعية استخدام عظام الموتى في جبر عظم الحي المنكسر إذا لم يمكن جبره بغيره (93).
والواقع أن مبدأ حرمة الموتى إنما يقصد به حماية ما تمثله من قيم معنوية لدى الأهل، ويكفي لتأكيد احترام هذه القيم أن يأذن الميت قبل موته بالاستقطاع أو يأذن به الأهل بعد موته.
(21) أما بلنسبة للمريض المتلقي للعضو، فإنه يجوز شرعًا زرع مثل هذا العضو في جسمه رعاية مصلحته في سلامة نفسه وجسمه. فإن قيل أن أعضاء الإنسان من المحرمات لكرامته، قلنا أنه يجوز التداوي بالمحرمات في حالة الضرورة إبقاء للحياة وخفظا للصحة تماما كما يجوز التغذي بالمحرمات في حالات الاضطرار. فالشرع ذاته أجاز ترك الواجب وفعل المحرم لوجود إضطرار مرضي (94) كما أنه رفع عن المريض الحرج أيا كان مصدره (95)، الأمر الذي يسمح بالتداوي بالمحرمات. وإذا كان حكم الاضطرار في الإباحة حكمًا عامًا يسري على جميع المحرمات فإنه يسري أيضًا على الانتفاع بأجزاء الآدمي لأن الحكم الشرعي العام أو المطلق لا يجوز تخصيصه أو تقييده بدون نص مخصص أو مقيد، ولا يوجد نص خاص يمنع التداوي بأجزاء الإنسان، حيا أو ميتا، عند الضرورة. والواقع أننا متى وجدنا في ظروف تتحقق فيها الضرورة وجب أعمال أحد مقوماتها المتمثل في تحصيل أعلى المصلحتنين أو دفع أعظم المفسدتين، فإذا توقف علاج المريض على زرع أحد الاعضاء في جسمه، فلا شك أن مصلحة العافية تعلو على مصلحة اجتناب المحرمات.
(22) واستنادا إلى الاعتبارات المشار إليها فيما سبق صدر العديد من الفتاوى من جهات رسمية من أفراد متخصصين تجيز في مجموعها نقل الأعضاء من أجسام الأحياء (96) أو من الجثث (97) إلى المرضى إذا تعين علاجا ضروريا للمرض. وذلك مقيد برضاء ذوي الشأن وبعدم حصول ضرر فاحش لمن نقل منه العضو. وكل هذه الفتاوى تستند في التحليل الأخير على قواعد الضرورة حين تتزاحم عدة مصالح وحين يترتب على العمل الضروري مصالح تقابلها مفاسد، وهي قواعد تقضي بإباحة هذا العمل إذا كانت المصلحة فيه أعظم من المفسدة المترتبة عليه. على أن مثل هذه القواعد لا يسمح بتطبيقها في مسألة الانتفاع بأجزاء الآدمي إلا إذا توافرت عدة شروط ننتقل الآن لمعالجتها.
ثانيًا : شروط إباحة استقطاع الأعضاء للزرع:
(23) لما كان استقطاع العضو من المعطي لزرعه في جسم المتلقي، وهو عمل مركب، يتعلق بحقوق إضافة إلى حق الله تعالى فإنه يلزم، مراعاة لهذه الحقوق توافر عدة شروط ترجع إلى الرضاء والباعث عليه ومدى التضحية المرضى عنها، وإذا – كان زرع العضو في جسم المتلقي يدخل في عداد الأعمال الطبية والجراحية فإن إباحته تتقيد بذات الشروط التي يتقيد بها هذه الأعمال بصفة عامة ومنها إرضاء المريض. أما بالنسبة للاستقطاع العضو من المعطي فإنه يلزم توافر عدة شروط يرجع بعضها إلى حق الله تعالى وبعضها الآخر إلى حق المعطي. وتتركز هذه الشروط الأخيرة حول رضاء المعطي الذي يجب أن يكون صادرا إرادة حرة (98) وممن هو أهل له بأن يكون بالغا عاقلا وأن يصدر من المعطي وهو على بينة من أمره. ونعتقد أنه لا يحق للأولياء الرضاء بالاستقطاع من جسم القاصر أو من في حكمه، ممن هم تحت ولايتهم، اللهم إذا تعلق الأمر باستقطاع عضو من أحدهم لزرعه في جسم أحد أشقائه أو شقيقًا.
يتبقى بعد ذلك الشروط التي ترجع إلى حق الله تعالى في جسم المعطي والمتلقي وحياتهما والتي يترتب على اجتماعها توافر حالة الضرورة (99). ويمكن تجميع هذه الشروط تحت طائفتين تندرج تحت أحدهما الشروط التي تقتضيها الكرامة الإنسانية في حين تنطوي تحت الطائفة الأخرى الشروط التي تقتضيها الموازنة بين المصالح – المتزاحمة (100).
1- شروط تقتضيها الكرامة الإنسانية:
(24) لا يدخل استقطاع الأعضاء للزرع في جسم مريض في إطار الكرامة الإنسانية إلا إذا استهدف به غاية علاجية مجردة عن الاعتبارات المالية.
أ. الغاية العلاجية لاستقطاع العضو وزرعه:
يشترط لإباحة الاستقطاع من جسم المعطي أن يستهدف رعاية المصلحة الصحية للمريض المتلقي وأن يكون ضروريا لذلك. ولكن هذه المصلحة لا تبرر مثل هذا الاستقطاع إلا إذا تم بقدر ما تقتضيه ضرورة المحافظة على حياة المريض أو قيام جسم بوظائفه الضرورية. لما كانت الضرورة تقر بقدرها وكان الضرر لا يزال يمثله فيجب أن تكون المصلحة المترتبة على استقطاع العضو لزرعه في جسم المريض أعظم من المفسدة المترتبة على ذلك عند المعطي.
ب. امتناع المقابل المالي للاستقطاع:
إذا كانت الضرورة تبرر رعاية المصلحة العلاجية للمريض عن طريق استقطاع العضو وزرعه، الا أن ذلك لا يباح إلا بقدر الضرورة التي أوجبته دون زيادة، بحيث لا يخرج هذا العمل عن إطار الكرامة الإنسانية.
ومما يتعارض مع هذه الكرامة أن يتعلق المعطي رضاه بالاستقطاع من جسمه أو جثته على قبضه الثمن، والا فإن أجزاء الإنسان لا يمكن بيعها أو شرائها (101) والشرع ذاته لم يقم بالتقدير المالي لأعضاء الجسم إلا في حالة الاعتداء عليها، وتقتضينا الدقة أن نقول أن الدية لا تقابل الأعضاء ولكنها عوضا عن الحق الأصلي للمجني عليه وهو القصاص (102).
وإذا كان لا يجوز للمعطي أن يعلق تبرعه على قبضه ثمن العضو المستقطع، فلا مانع شرعا من أن يوضع نظام عام يمكن بمقتضاه مساعدة المعطي ماليا عما يفوته من منافع بسبب الاستقطاع.
2- شروط تقتضيها الموازنة بين المصالح والمفاسد:
(25) لا يقبل دخول مصالح كل من المعطي والمتلقي في ميزان الضرورة إلا في حدود معينة تضمن للعملية نتيجة ترقي بها إلى مستوى المصلحة الاجتماعية:-
أ. قيود تقتضيها مصلحة المعطي:
يجب ألا يترتب على الاستقطاع ضرر فاحش بالمعطي. وبنء عليه لا يجوز مطلقًا استقطاع عضو إذا ترتب عليه موت المعطي كالقلب مثلا. فالشرع، وقد أقام مبدأ التساوي بين بني آدم معصومي الدم (103)، لا يسمح أن يقتل أحدهم لإحياء آخر (104).
وإذا كان يجوز استقطاع الأنسجة أو المواد المتجددة، كالجلد والدم، لأنه لا يحرم المعطي من وظائفها فهي بالفرض متجددة، فإنه لا يجوز استقطاع عضو من الأعضاء المنفردة في الجسم لأنه يحرم المعطي من وظيفته التشريحية، وهنا تظهر أهمية الجثة كمصدر لهذه الأعضاء.
أما بالنسبة للأعضاء المزدوجة، كالكلى .. مثلا، فإنه يشترط لإباحة استقطاع أحداها إضافة إلى تناسب المخاطر التي يتعرض لها المعطي مع المزايا التي تعود على المتلقي، أن يكون العضو المتبقي قاجر على القيام بالوظيفة التشريحية للعضو المستقطع. أما إذا كان استقطاع أحد العضوين يؤثر في هذه الوظيفة، بالرغم من وجود العضو الآخر في جسم المعطي، فلا يباح الاستقطاع (104) والاساس في ذلك أن حماية الشرع للجسم لا تتعلق في أعضائه في ذاتها ولكن باعتبارها محلا للمنافع (105).
وأذن فحين يرضي المعطي باستقطاع أحد أعضائه المزدوجة فإن ذلك مقيد ببقاء منافعه التي قصد الشارع حمايتها.
ويجب اتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لدى المعطي حتى يكون هامش الخطر الذي يتعرض له ضعيفًا جدا. ولا مانع شرعا من فرض التزام في بيت المال بتغطية المخاطر غير المتوقعة التي يتعرض لها المعطي.
ب. قيود تقتضيها مصلحة المتلقي:
يجب أن تكون المصلحة المترتبة على الزرع لدى المتلقي جدية وراجحة وهي تكون جدية إذا ثبت من جانب أن الزرع يعد وسيلة ضرورية لعلاجه (106) ومن جانب آخر أنه منتج للغاية المرجوة على سبيل الظن الغالب (107). وهذا الجانب الأخير يعجل المصلحة راجحة إذا كانت مخاطر الزرع لدى المتلقي أقل من الضرر المترتب على التطور التلقائي للمرض المراد علاجه، كما يجب أن تكون مزايا الزرع أعظم من مخاطره عند المتلقي، وذلك كله تطبيق لقاعدة ترجيح المصلحة إذا كانت أعظم من المفسدة التي تقابلها.
ج. قيود تقتضيها المقارنة بين مصالح المعطي ومصالح المتلقي:
(26) تختلف طبيعة هذه القيود بحسب ما كان الاستقطاع من جسم انسان حي أو من الجثة.
1- القيود العامة:
بعد أن يواجه الطبيب مصلحة كل من المعطي والمتلقي على انفراد فإنه يدخلهما، في اطار واحد هو اطار الضرورة، ليقيم الموازنة بينهما على أساس اجتماعي وليس على أساس شخصي، لأن العمل الضروري لا يباح إلا بمقدار ما يترتب عليه من منفعة اجتماعية وهذا يقتضي أن تكون المصلحة التي يحفظها العمل الضروري أعظم من المفسدة التي دعت إلى حظره شرعا. وتطبيقا لذلك لا يباح الاستقطاع إلا اذا استهدف به علاج مرض أعظم ضررا من الضرر الذي يعود على المعطي من جراء الاستقطاع وبحيث ترقى نتيجة العملية إلى مستوى يجعل منها مصلحة اجتماعية محترمة تبرر التضحية ببعض حقوق المعطي.
ويلاحظ أخيرا، أن نتيجة المقارنة بين المزايا والمخاطر المترتبة على استقطاع الاعضاء لزرعها، يتوقف على مدى تقدم الطب في مسألة السيطرة على ظاهرة رفض جسم المريض للأعضاء الأجنبية عنه، فقبل التوصل إلى حل لهذه الظاهرة تكون المخاطر راجحة أما بعد السيطرة عليها فإن المزايا ترجح على المخاطر. وبقدر التقدم الطبي بارتكاب أخف الضررين: الاستقطاع لإنقاذ المتلقي من الهلاك. ولقد كانت خشية الهلاك الذي يمكن أن يصيب المعطي من الاستقطاع، إضافة إلى الهدف الموهوم في زراعة عضو من جسم يلقطه ويطرده، من بين الأسباب التي كانت يمكن أن تدعو الفقه التقليدي إلى رفض هذا العمل أما وقد قيدت تضحية المعطي بالقيود السابق بيانها وتحول الهدف من موهوم إلى مضمون أو في الأقل مظنون في العصر الحديث مع تقدم الطب والجراحة فيجب أن يتغير الزمان (108) ولأنه حيثما توجد المصلحة فثم شرع الله (109).
2- التحقق من الموت:
(27) يخضع الاستقطاع من الجثة لذات القيوم التي تقتضيها المقارنة بين المصالح السابق عرضها. وان كان يراعى، نظرا إلى ان الاستقطاع لا يخشى منه الهلاك أو الضرر بالنسبة للمعطي فهو بالفرض قد مات (110)، أن ترجيح كفة مصلحة المتلقي لن يواجه صعوبات مثل تلك التي تعرض في حالة الاستقطاع من جسم إنسان حي على أن ترجيح مصلحة المتلقي، باعتباره إنسانا حيا، على المصالح التي تتعلق بالجثة يفترض أن الاستقطاع سيتم من جثة إنسان ثبت موته. واذن لا يجوز الاستقطاع من الجثة قبل التحقق من حدوث الموت.
وأستطيع أن زعيم أنني راجعت معظم الآيات القرآنية إن لم يكن كلها، التي ورد بها ذكر كلمة الموت ومشتقاتها، ولم أجد فيها تعريفا صريحا للموت، وان كان يمكن لنا باجتهادنا الشخصي، استخلاص معنى الموت الحقيقي الذي عناه القرآن الكريم في بعض آياته، وستشير إلى هذا المعنى تلك الآيات عند دراسة الإنعاش الصناعي وبطبيعة الحال لم يتعرض الفقهاء والتقليديون لتعريف الموت من الناحية الطبية، فهذا ليس من اختصاصهم، وإن كانوا حاولوا تعريفه من الناحية التصويرية (111) ومن ناحية علاماته (112) ومن ناحية آثاره في مجال الحقوق والديون (113). وبطبيعة الحال لا يمكن الاعتماد على هذه التعريفات لأنها لا تضع معيارا علميا للموت ينبع من داخل الجسم هذا فضلا عن أن جانبا من الأفكار التي بني عليها بعض الفقهاء استنتجاتهم قد تخطاها التطور العلمي. فهذا ابن حزم (114) يقول (لايختلف اثنان من أهل الشريعة وغيرهم في أنه ليس إلا حي أوميت ولا سبي إلى قسم ثالث..) حيث أن الطب الحديث أثبت وجود طائفة ثالثة بين الأحياء والأموات حيث يكون الإنسان قد مات طبيا يموت مخه مع بقاء بعض أجزاء جسمه حية بمساعدة أجهزة الإنعاش الصناعي التي تكفل استمرار قيام بعض الأعضاء الأساسية للحياة، كالقلب والرئتان، بوظائفها. وهنا يثور التساؤل عن مدى شرعية استقطاع أعضاء من جسم من يوجد في هذه الطائفة الثالثة. تقتضي الاجابة على هذا السؤال معرفة مراحل الموت أو أنواعه ومعيار الموت الحقيقي للإنسان الذي استقر عليه الطب الحديث.
(28) يتنوع الموت إلى ثلاثة أنواع يمثل كل نوع منها مرحلة من مراحل الموت (115) ففي الأحوال العادية يحدث الموت الإكلينيكي، في مرحلة أولى حيث يتوقف القلب والرئتان عن العمل، وفي مرحلة ثانية تموت خلايا المخ بعد بضعة دقائق من توقف دخول الدم المحمل بالاكسجين إلى المخ. وبعد حدوث هاتين المرحلتين تظل خلايا الجسم حية لمدة تختلف من عضو لآخر، وفي نهايتها تموت هذه الخلايا فيحدث ما يسمى بالموت الخلوي وهذه هي المرحلة الثالثة للموت. ويستنتج من هذا انه من الممكن أن يتوقف قلب إنسان على العمل ولكن خلاياه أعني خلايا القلب تظل حية ولذلك فإن الموت هذا الانسان ليس إلا موتا ظاهريا لا يمنع من اعادة القلب إلى عمله الطبيعي عن طريق استخدام أجهزة الانعاش الصناعي. أما إذا مات المخ، بعد لضعة دقائق من توقف القلب والرئتان عن العمل فلا أمل، بحسب قدرة بني آدم وعلمهم، في إعادة الحياة إلى المخ وبالتالي الإنسان في مجموعة. لذلك استقر الطب الحديث على أن موت خلايا المخ الذي يؤدي إلى توقف المراكز العصبية العليا عن عملها وهو معيار موت الإنسان موتا حقيقيًا (116) ورغم حدوث الموت الحقيقي للإنسان فإن خلايا بعض أعضاء جسمه تظل حية لحين تدخل الموت الخلوي، ومن الممكن المحافظة على حياة هذه الأعضاء بتزويدها بالدم المحمل بالأكسجين وغيره من ضروريات الحياة عن طريق أجهزة الإنعاش الصناعي، وبهذا يمكن الاستفادة منها، ليس عند صاحبها فهو قد مات بموت المخ، ولكن عند غيره من الأحياء وهكذا فإنه يكفي للتأكد من موت المعطي التحقق من موت جميع خلايا مخه ومن التوقف التلقائي للوظائف الأساسية للحياة، ولكن يمكن لأجهزة الإنعاش الصناعي أن تكفل بعد ذلك بقاء بعض خلايا جسمه حية. ولذلك فإن الاستقطاع الذي استوفى شروطه الأخرى، من إنسان تعدت حالته مرحلة موت المخ يكون جائزا شرعا، ولا يعد استقطاع القلب منه مثلا قتلا له.
على أن الطبالحديث الذي احرز تقدما ملموسا في مسائل نقل الاعضاء البشرية ومن بينها كفالة حياة خلايا الجسم بعد موت المخ عن طريق أجهزة الانعاش الصناعي آثار مشاكل شرعية على مستوى آخر، تتعلق بالحدود التي يجوز فيها إطالة الحياة عند إنسان على وشك الموت فلنعالج هذه المسألة إذن.
“المبحث الثالث”
الحدود الشرعية للانعاش الصناعي
(29) نعتقد أن الحكم الشرعي للأعمال يرد نص شرعي صريح، يبحث عنه في ضوء الأهداف العامة للشرع، وبصفة خاصة حفظ النفس والعرض والعقل، وقواعده العامة وبصفة خاصة قاعدة تحصيل أعلى المصلحتين ودرء أعظم المفسدتين. ونحن نقدم هنا الانعاش الصناعي كنموذج للأعمال الطبية التي يمكن أن يتأرجح حكمها بين الاباحة والتحريم بحسب ما إذا كان الهدف منها حفظ حياة قائمة أو اطالة موت ثابت. ولقد آثار الانعاش الصناعي مشكلة دينية تتعلق بالقدرة على إعادة الحياة للموتى، فلقد قيل بأن هناك أشخاص ماتو وأعيدت لهم الحياة بوسائل طبية، وهو الأمر الذي يتعارض مع الحقيقة العقائدية التي تقضي بأنه ليس في مقدور البشر إعادة الحياة لمن مات إلا إذا كان ذلك بمعجزة أنزلها الله بسلطان من عنده ولحكمة يراها. وحتى يتبين لنا وجه الحقيقة فيما شاع هكذا على الانعاش الصناعي فإنه يلزم تحديد حالة الانسان الذي تستخدم عنده من حيث الحياة أو الموت.
“المطلب الأول”
الإنعاش الصناعي إطالة للحياة
(30) لا تستغرق المدة بين توقف القلب والرئتان عن العمل (الموت الإكلينيكي) وبين موت المخ أكثر من بضع دقائق قليلة، وفي هذه المدة القصيرة يعد الإنسان من بين الأحياء (117) ويتعين من ثم انقاذه حتى لا تموت خلايا مخه. وإذن فالغرض من استخدام أجهزة الانعاش الصناعي في هذه الحالة هو إطالة حياة المريض. ولا يعد – ذلك من قبيل إعادة الحياة إليه لأنه ما زال حيا في حكم الشرع حتى ولو كانت بعض مقومات حياته قد توقفت عن العمل التلقائي. فمن قربت نفسه من الزهو قد له الحرمة ما للاحياء منها بحيث يستحق من يتسبب في إزالة ما تبقى له من الحياة العقاب (118) مؤدي ذلك أنه إذا نفذ الطبيب التزامه الشرعي أو القانوني أو التعاقدي بتركيب أجهزة الانعاش الصناعي مريض فلا يجوز له، قبل موت مخه، أن يفصل هذه الأجهزة وإلا تسبب في موت المريض موتًا حقيقيًا لارجعه فيه (119) ولا يشفع الطبيب في فعلته هذه وجود أناس آخرين في نفس حالة المريض، في حاجه الى أجهزة الإنعاش الصناعي لأن مبدأ التساوي بين الناس، معصومي الدم، يمنع التضحية بحياة إنسان لإنقاذ حياة آخرى (120)، كما أن الضرر لا يزال يمثله، والدليل على تساوي الناس في نظر الشرع، لا فرق بين حياة أحدهم حياة آخر (121) إنه أوجب جزاء لا يختلف في نوعه أو مقداره (القصاص أو الدية) – باختلاف المعتدى عليه، لأن هذا الجزاء يقوم على ما لكل إنسان من حق في سلامة حياته وبدنه وهو حق يستوفي فيه الناس جميعًا (122)، وفي الحديث النبوي الشريف “المسلمون تتكافأ دماؤهم”
(31) وعلى أن مبدأ المساواه هذا بين حقوق الناس في الحياة وإن كان يمنع الطبيب من حرمان إنسان من الأجهزة التي ركبت فعلا على جسمه ليضعها على جسم إنسان آخر في نفس حالة الإنسان الأول، فإن الطبيب يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه إذا وجد أمامه أكثر من إنسان في النزع الأخير وهو لا يملك إلا جهازا واحدا أو أجهزة بعدد قليل لا يكفيهم، فهذا إذا تساوت المصالح فإن الطبيب مخول، طبقا للقواعد الكلية، بالتخير في التقديم والتأخير بشرط أن يقوم اختياره على معايير موضوعية واعتبارات اجتماعية تتصل بمدى نفع الشخص للمجتمع وبمدى إمكان إنقاذ حياته، وليس على اعتبارات شخصية تعتمد على المال أو النسب أو السلطة ذلك أنه إذا كانت المزايا التي يخولها الحق في الحياة بالنسبة للإنسان لا تختلف من إنسان لآخر، فإنها تختلف مع ذلك في منفعتها للجماعة (123). فالمصالح هنا متساوية على المستوى الاجتمعي والواجب طبقًا للقاعدة الكلية، تحصيل أعلى المصلحتين. ومن المناسب الا يوكل الاختيار المشار إليه إلى فرد واحد بل ينبغي أن يتخذ القرار في فريق طبي.
“المطلب الثاني”
“الإنعاش الصناعي إطالة للموت”
(32) في مراكز الرعاية المركزة، حيث لا تكفي الاعداد المتوفرة، من هذه الأجهزة باحتياجات المرضى، يقف الأطباء “في حيرة بين حالتين: حالة تحتكر الجهاز لا لسبب إلا لتأجيل إلان الموت وحالة في حاجة إلى الجهاز لأنقاذ حياتها ولا تجده” (124) ويهمنا هنا أن نبين من جهة أن الحياة الصناعية التي يحياها المريض، الذي ماتت خلايا مخه ليست أحياء للموتى ومن جهة أخرى أن ايقاف أجهزة الانعاش الصناعي في هذه الحالة، يعد أمراً جائزاً في الشرع والقانون.
أولا: هل الانعاش الصناعي إحياء للموتى؟
(33) سبق أن رأينا أن إعادة القلب والرئتان إلى عملهما، وقبل حدوث موت المخ، لا يعد اعادة الحياة للموتى. كذلك لا يعد من قبيل العودة للحياة بعد الموت استيقاظ الانسان من الغيبوبة العميقة (125) حيث يتوقف المخ عن عمله رغم أن خلاياه ما زالت حية. أما إذا ماتت خلايا المخ فإن صاحبه يفقد كل الصفات التي تتميز بها الحياة الإنسانية الطبيعية ويعد في حكم الموتى طبا وشرعا. وليس في مقدور بشر، بعد ذلك، أن يعيد الحياة الطبيعية إليه. وإذا كانت أجهزة الانعاش الصناعي لا تكفل في هذه الحالة الاخيرة إلا الحياة الصناعية لبعض خلايا الجسم فلا يصح القول بأنها تعيد الحياة إلى الموتى.
ونظرًا إلى أن مثل هذا القول يتعارض مع الأسس التي تقوم عليها الاحكام العقائدية في الشرع فلقد ذهب البعض (126) إلى أن الموت الحقيقي. الذي لا رجعة إلى الحياة من بعده، لا يتحقق بتوقف أجهزة الجسم عن عملها ولكن بموتها وتحللها إلى عناصرها الأولية. وفي اعتقادي أن الموت الحقيقي للانسان يتحقق في وقت يسبق تحلل جسمه الى التراب كما أنه ليس في مقدور بني آدم حتى في هذه الحالة إعادة الحياة للموتى. بيان ذلك أن الموت الحقيقي، بحسب ما إستقر عليه الطب الحديث، يتحقق بموت المخ والتوقف التلقائي لأجهزة الجسم التي تقوم بالوظائف الأساسية للحياة (المراكز العصبية العليا والقلب والرئتان) وهو أمر يسبق بمدة ليست قصيرة تحلل الجسم إلى عناصره الأولى. والقول بأن الموت الحقيقي للإنسان يتجسد في تحلل خلاياه إلى عناصرها الأولى هو قول يخالف الواقع لأنه أمكن حفظ الجثث من التحلل، على مدى – ألوف السنين عن طريق التحنيط مع أن صاحب الجثة قد مات موتًا حقيقيًا. ويمكن أن يستفاد حدوث الموت الحقيقي للإنسان قبل تحلل جسمه إلى عناصره الأولى من قوله تعالى “أبعدكم انكم إذا متم وكنتم ترابًا وعظامًا أنكم مخرجون” (127).
فالعطف الوارد في الآية الكريمة يفيد المغابرة أو على الأقل يفيد أن تحلل الجسم إلى التراب ما هو إلا نتيجة للموت الذي حدث من قبل (128) ويؤيدنا في قولنا أن الموت الحقيقي للإنسان في نظر الشرع إنما يتجسد في موت الجهاز الذي يعتمد عليه عمل المراكز العصبية العليا في التنسيق بين وظائف أجهزة الجسم، أن القرآن الكريم يعبر عن جملة الوجود الجسدي للإنسان بالإشارة إلى هذه المراكز، ونجد هذا في قوله تعالى “إذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم” (129) والمقصود بالظهور في الآية الكريمة العمود الفقري لهيكل الإنسان الذي هو قوام بنية ومركز النخاع الشوكي الذي يتحكم في حياة الإنسان بتوجيه من المخ (130).
(34) فإذا مات الإنسان موتا حقيقيا، بموت خلايا مخه، فإن القول بإعادة الحياة اليه عن طريق الانعاش الصناعي، فضلا عن أنه يخالف الواقع لأنه لا يعيد خلايا المخ إلى الحياة، يخالف الواقع لأنه لا يعيد خلايا المخ إلى الحياة، يخالف الحقيقة العقائدية التي تقضي بأن الاحياء والامانة إنما هي من الأفعال التي لا يشارك أحد فيها الله تعالى (131) “إنا نحن نحي الموتى” (132). ومن المنكرات أن يدعي العبد لنفسه ما هو من اختصاص الله تعالى (133) الذي يستطيع هو وحده أن يبت الإنسان ويعيده للحياة ليس فقط في الآخرة (134) ولكن أيضا في هذه الحياة الدنيا ذاتها (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم) (135). فحقيقة منح الحياة وسلبها واعادتها هي سنة كونية خفية لا يملك الإنسان منها شيئًا (136): “ولا يملكون موتًا ولا حياة ولا نثورا”(137)، إلا ما أذن به الله تعالى (138)، كما أن اعادة الحياة للموتى تعتبر خارقة، كخارقة الحياة الأولى، هي بيد الله وحده إلا ما أذن به الله (139)، كمعجزة تثبت وجوده (140)، فإذا قضي الله، بحكمته، بموت الإنسان، فليس في مقدور أحد أن يؤخر قضاءه.، “ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها” (141). ولن يستطيع أحد من الخلق أن يمنع قضاء الله ويعيد الحياة لمن أماته: “فادرؤا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين” (142).
إذا كان من المستحيل بالنسبة لبني آدم أعادة الحياة لمن ماتت خلايا مخه “إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعملون” (143) فهنا يحق لنا أن نتساءل عن فائدة تركيب أجهزة الانعاش الصناعي على جثته، وبالتالي عن مدى شرعية إيقاف عمل هذه الأجهزة.
ثانيا: هل إيقاف أجهزة الانعاش الصناعي جائز شرعًا؟
(35) إذا كان الشارع قد أباح العمل الطبي والجراحي لأنه يحفظ مصالح راجحة اجتماعيًا تتمثل في المحافظة على الحياة وصيانة الصحة، فإن علة الاباحة نزول متى زالت الحياة التي تتوفر لها صفات الحياة الإنسانية، ويتعين من ثم التوقف في العمل. وهذا الأمر يصدق على العمل الطبي المتمثل في الانعاش الصناعي لإنسان ثبت موت مخه رغم تمتعه بحياة صناعية. وبينما يعتبر علم الطب أن مثل هذا الانسان قد مات فإن الفقه والقانون لا يعتبران انسانا ما قد مات طالما قلبه ينبض، ويلزم لاعتباره ميتا اتخاذ اجراءات معينة كتحرير شهادة الوفاة بعد توقف قلبه عن النبض تلقائيًا. وإذا كان الفقه والقانون يبدو ان هكذا متخلفات عن ركب الامكانيات الحديثة للطب فإنه ذلك يرجع إلى تمسكهما بحماية حقوق الإنسان إلى أبعد مدى في مواجهة هذه الامكانيات التي تخلو، على الرغم من مزاياها التي لا ننكر، من مضار.
إن الصعوبة الشرعية والقانونية تكمن فيما إذا كان الفرد الذي توقف مخه عن العمل بصفة نهائية لموت خلاياه يمكن اعتباره شخصًا مكلفا بالاحكام الشرعية حين يقف الفقه والقانون بجواره لحمايته، أو أنه لا يعدو أن يكون مجموعة من الأعضاء والخلايا المجردة من كل إرادة انسانية والتي لا عمل لها في جسم صاحبها ولا تحظى من ثم بحماية الفقه والقانون. ولعله مما يساعد على تذليل هذه الصعوبة ويؤدي إلى وضوح الرؤية أن نفصل، بالنسبة للميئوس من حياته، بين الحياة العضوية والحياة الإنسانية، وهذه الأخيرة هي التي تجعل الحياة الاولى نافعة للانسان والمجتمع، فإذا انتهت الحياة الانسانية تلقائيا فهل يكون من الجائز في الشرع والقانون إنهاء الحياة العضوية؟
وتتضمن الحدود الشرعية والقانونية للانعاش الصناعي من ناحية الكشف عن حكم ايقافه بالنسبة لمن تجردت حياته عن صفاته الانسانية ومن ناحية أخرى وضع قيود تمنع من حرمان المريض مما تبقى له من حياة إنسانية.
1- حكم إيقاف أجهزة الانعاش الصناعي:
(36) إذا استحال عودة الوظائف الأساسية للحياة تلقائيًا بعد توقفها بسبب توقف عمل المراكز العصبية العليا بعد موت المخ، فهل يتمتع من وصلت حالته إلى هذا المستوى بحياة إنسانية جديرة بالحماية؟
حكم الحياة الإنسانية أي مقوماتها التي تميزها عن غيرها، هو الادراك والشعور والقدرة على الاتصال بالعالم الخارجي والتعامل معه (144). ولا شك أن من مات مخه (145)، لا يستطيع أن يتحكم في تعامله مع العالم الخارجي، ونزول من ثم حياته الانسانية ويصبح في حكم الاموات. ولما كان الانعاش الصناعي لا يعيد للحياة الانسانية مقوماتها، الادراك والشعور والقدرة على الاتصال بالعالم الخارجي، بعد ظان ماتت خلايا المخ للانسان، فلا يعد إيفاق عملها حرمانا له من حياة إنسانية بعد أن فقدها من قبل، والمفروض أن لا يعد فعله هذا أيضًا جريمة قتل في حكم الشرع والقانون لأن هذه الجريمة لا تقع إلا في محل هو حي بحسب تعبير الفقهاء (146).
أو في عبارة أخرى لأن جريمة القتل تفترض وجود حياة إنسانية طبيعية. فإذا ثبت أن الاعتداء وقع على إنسان طبيعية. فإذا فاعله لا يعد قاتلا، ولا يعاقب بعقوبات الاعتداء على الحياة (147) كذلك فإن الطبيب، الذي اقتنع بأنه يتعامل مع جثه، مطالب بألا ينسى، في كفاحه ضد الموت، الاحترام الواجب للموت، فإذا كان الانسان قد فقد علاقاته مع العالم الخارجي فأي قيمة لحياة لم تعد موجودة. ان احترام الموت واحترام حياة الاقارب وحرمه الطب ذاته هي أمور تقضي بالانحناء أمام ما هو قائم فعلا “ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم” (148).
فإذا ترك الطبيب أجهزة الانعاش الصناعي تعمل على جثة المريض، بعد ذلك فإنه لا يفعل أكثر من إطالة الحياة العضوية بطريقة صناعية التي هجرتها الى غير رجعة، الحياة الإنسانية (149)، أو اطالة احتضاره، وهذا ضرب من العبث طالما لا فائدة منه لأحد، يجب أن يتنزه عنه الطب ويتعين من ثم فصل أجهزة الإنعاش لاستخدامها عند الأحياء، فهذا هو ما يقضي به القانون الإنساني الذي يعطي الأولوية لمصالح الأحياء (150). ومن المفترض أن المريض الذي فقد حياته الإنسانية، ما كان ليريد يكون طريقه للموت مضطرباً مليئاً بالعقبات (151). لذلك فمن حق الأسرة أن تطلب إلى الطبيب إيقاف أجهزة الانعاش الصناعي، كما أن من حق الطبيب أن يوقف عملها فهذا ما يمليه عليه واجبه الإنساني. ويجب ألا ننيى أن للطبيب، بصفة خاصة إذا كان يعمل في مرفق عام دوراً اجتماعياً يقوم به إلى جوار دوره في إنقاذ المرضى.
(37) إذا كان لا صوبة في قبول بأن ايقاف أجهزة الانعاش الصناعي يعد قتلاً إذا تم قبل موت مخ المريض وانه على العكس لا يعد قتلا لإذا كان تركيب هذه الأجهزة قد تم بعد موت مخ المريض فحياته هنا كانت غير متحققة، فإن الصعوبة الحقيقية توجد في حالة ما إذا كانت هذه الأجهزة قد علقت على المريض قبل موت مخه، فحياته هنا كانت متحققة، وأوقفت عن العمل بعد ثبوت موت مخه. فالمريض في هذه الحالة وإن كان قد فقد الحياة في رأي الطب إلا انه ما زال يتمتع بها في نظر الفقه والقانون طالما لم تتخذ الاجراءات الرسمية لإعلان وفاته (152).
إن واجب الطبيب في مفهوم الفقه والقانون، يكمن في المحافظة على الحياة أو ما تبقى منها وليس في إطفاء شعلة الحياة التي تظل حدوتها قائمة، في نظريهما، لحين اعلان الوفاة رسمياً فإذا كان الطبيب قد تدخل قبل موت المريض، لإنقاذ كالتزام وقع في ذمته بحكم الشرع أو القانون أو العقد، فلا يجوز له أن يتحلل من التزامه هذا بارادته المنفردة لمجرد اقتناعه بحدوث الموت الذي لا رجعة فيه: فتشبث الفقه والقانون بحماية الحياة الإنسانية ادى بهما إلى عدم التسليم بالموت إلا باتخاذ اجراءات رسمية تلى ثبوت الموت الحقيقي عند الطبيب. وإذا كان لموقف الفقه والقانون هذا آثاره الحميدة في حماية الحياة الإنسانية، حتى في الأحوال التي يشك في وجودها.
فإنه يترتب آثارا انسانية وهي الآلام النفسية لدى الأقارب، وأخرى اقتصادية وهي تعطيل الاجهزة القليلة العدد فيما لا طائل منه، يجب وضع حد لها تنتهي عنده بنهاية الحياة الإنسانية لذلك فإن التوفيق بين حماية حق الإنسان في الحياة وبين حقوق الآخرين بمن فيهم أسرة المريض والمجتمع، يقتضي وضع نظام تراعى في أركانه تغليب مصلحة الأحياء.
2- الضمانات الواجب توافرها في قرار إيقاف الحياة الصناعية:
(38) لا شك في أن هناك مصالح متعددة يمكن أن تتأثر بإيقاف أجهزة الانعاش الصناعي القليلة العدد، فهناك مصلحة المريض المعلقة عليه هذه الأجهزة في المحافظة على حياته أو على ما بقى منها ومصلحة غيره من المرضى الأحياء الذين تقتضي المحافظة على حياتهم تركيب هذه الأجهزة على أجسامهم. ولقد سبق أن رأينا كيفية حل التنازع بين هذه المصالح إذا كان المريض لم يفقد اتصاله بالعالم الخارجي. أما إذا فقد المريض وعيه إلى غير رجعة بموت خلايا مخه فنا تجتمع في عمل واحد وهو ايقاف الانعاش الصناهي، مصالح ومفاسد، مصالح غيره من المرضى الاحياء ومفسدة حرمان المريض من حياة عضوية صناعية مجردة من كل معنى انساني، بالتالي حرمان أهله من الأمل في عودته لحالته الطبيعية، ونحن نعلم أنه إذا تعذر تحصيل المصالح ودرء المفاسد جميعاً فإنه يجب، طبقا للقواعد الكلية، تقديم المصلحة ان كانت أعظم من المفسدة، ولا شك أن مصلحة انقاذ الاحياء أعظم من المفسدة، ولا شك أن مصلحة انقاذ الاحياء أعظم مفسدة حرمان مريض من مجرد حياته العضوية الصناعية، كما ان مصلحة الاحياء في المحافظة على حياتهم الطبيعية أولى من مصلحة مريض في المحافظة على حياته الصناعية.
(39) ونظرا لخطورة مركز القائم على ترجيح كفتي ميزان المقارنة بين المصالح فإننا نقترح هنا نظاما لا يخالف الشرع والقانون ويبعد كل شبهه عن قرار ايقاف اجهزة الانعاش الصناعي عن مريض ثبت طبيا موته طبيعيا وحقيقا بموت خلايا مخه.
ويتلخص هذا النظام في أن الطبيب لا يجوز له ان يقنع برأيه الفردي بعدم امكان عودة المريض للحياة الطبيعية، بل يجب عرض مثل هذا الأمر على فريق طبي متخصص. فإذا ثبت لدى هذا الفريق انه لا أمل في عودة الحياة الطبيعية للمريض، فإنه يستأذن جهة رسمية في إيقاف أجهزة الانعاش الصناعي وهذه الجهة الرسمية لن توافق على تنفيذ قرار إيقاف هذه الأجهزة إلا بعد إتخاذ إجراء لاعلان الوفاة كتحرير محضر أو شهادة وفاة وموافقة الأسرة على هذا الايقاف فإذا أوقف الطبيب أجهزة الانعاش تنفيذا للقرار المصدق عليه المتوفي لشروطه فإن هذا الاجراء يكون سليماً من الناحية الشرعية والقانونية ولا يؤاخذ عليه الطبيب.
كان هذا مجرد اقتراح، قد يكون صائياً وقد لا يكون، استهدفت به التوفيق بين المصالح المتزاحمة في هذا المجال، ورعاية منا لمصالح الأحياء فون إهدار للمصالح التي تتعلق بالمريض المركبة عليه أجهزة الانعاش.
(40) ونود في النهاية أن نقول أن صراع الإنسان ضد الموت يجب ألا ينسيه الحقيقة الأزلية وهي أن هذه الحياة الدنيا إنما هي دار عبور وهي لابد إلى فناء ولا يبقى إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام: “بل تؤثرون الحياة الدنيا، والآخرة خير وأبقى” (153). ولو أدرك الانسان عن عمق واستنارة هذه الحقيقة لأقتنع بأن للعلم وبالتالي الطب، حدوداً يجب ألا يتعداها، ولتبين أن الأولى، عند اليأس من الحياة أن يكون نافعاً للناس حتى في مماته، وأن هذه وسيلة لخلوده في الآخرة – وليعلم من سلك سبيل الطب أن الله سننه في خلقه وفي موتهم: “والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب أن ذلك على الله يسير” (154).
الخاتمة
(41) لقد كان للاكتشافات العلمية في مجال الطب والجراحة وقع القنابل في عالم تسوده المبادئ التقليدية التي ترى أن حرمة النفس والجسم والجثة هي أحد الأركان الأساسية للنظام الشرعي والقانوني السائد. هذه الاكتشافات، التي لو تركت بدون ضابط فإنها ستؤدي إلى تغيير الأعراف والأفكار بل والأخلاق، يجب أن يتسلح الفقهاء لمواجهتها بحكمها الشرعي حتى لا تتعدى حدودها فتصطدم بسنة الله “ولن تجد لسنة الله تبديلا” (155) أن الفقه مطالب بالبحث عن أحكام مستحدثات الطب في الشريعة حتى لا تكون تابعين حتى في هذه الأحكام.
وإذا كان يطلب من الفقه والقانون ان يراعيا الامكانيات الحديثة للطب والبيولوجيا في وضع أحكامها، فإن ذلك مقيد بعدم التعارض مع كليات الشريعة وبقدر ما تحفظه هذه الامكانيات من مصالح جديرة بالرعاية، وإلا فإن للاكتشافات الحديثة للعلوم البيولوجية والطبية استعمالات لا فائدة منها بل أنها قد تكون مضرة. ان قواعد الشريعة على سعتها وترحيبها بكل تقدم علمي لمصلحة البشرية لا يمكن أن ترضخ للامكانيات الحديثة للعلوم، لأن الشرع يحيط بعلمه وبأحكامه كل شيء، حين أن العلم لا يمكن أن يتسع لإدراك عواقب اكتشافاته ” يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من عمله إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض” (156).
وآزاء طرقات العلم، المفيدة منها والضارة، على أبواب الفقه والقانون فإن الفقيه يجد نفسه أمام طريقين متقابلين الأول طريق اليقين طريق الله الخالق العالم بمن خلقه، والثاني طريق العلم والتجارب وهو طريق لا يتسم بالثبات أو باليقين. وليس معنى اختيار الفقيه للطريق الأول أنه يرفض سلوك الطريق الثاني ولكن معناه أنه لا يأخذ من العلم إلا ما يحفظ مصالح راجحة في الشرع، فحيث توجد المصلحة فثم شرع الله إنما يجب على الفقيه، وهو بصدد بيان الحدود الشرعية لمكتسبات العلوم ألا يقيد نفسه باجتهادات فقهية تقليدية صدرت في عصر لم يكن يعي بعد الكنوز التي اكتشفها العقل البشري في العصر الحديث.
فلكل حدث جديد فقه يستند إلى أصول الشريعة ذاتها الواردة في القرآن والسنة، فالأحكام الفقهية، التي هي مجرد اجتهادات وتفسيرات لما اجمل القرآن والسنة يتغير الزمان ولا يبقى ثابتاً إلا أصول الشريعة الواردة في القرآن والسنة. لذلكفإن المعيار الذي استندنا إليه في البحث عن الحكم الشرعي للانجازات مع كليات وأصول الشريعة، بينما وإقتصر دور، الفروع والاجتهادات الفقهية على تحديد الاطار الشرعي الذي يجب أن تبحث فيه المسألة.
(42) ومن المهم أن أبرز هنا أحد الدروس المستفادة من هذا البحث ألا وهو أنه لما كان الحكم الفقهي يجب أن يبنى على معلومات علمية صحيحة، فمن الضروري أن تتضافر جهود علمائنا المتخصصين في العلوم الكونية والشرعية للكشف عن حكم الشرع في دقائق العلم الحديث. وأحب أن أشير أخيراً، أن أهمية البحث عن الحكم الشرعي للانجازات الحديثة للطب لا تقتصر على نطاق العلوم الشرعية، ولكنها تتعدى ذلك إلى مجال علوم القانون الوضعي. ففي كل مرة يثبت فيها حكم الاباحة لعمل من الأعمال الطبية أو الجراحية، إذا استوفى عدة شروط، فإن الطبيب الذي يمارسه إنما يستعمل حقاً له، ولا يجوز بعد ذلك مساءلته عنه.
وتظهر أهمية هذه النتيجة في القوانين الوضعية التي تجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع الوضعي، فيما يعتبر حقاً في الشريعة أن يعتبره التشريع أيضاً حقاً.
الهوامش
(1) القرفي، الفروق، طبعة دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1344 هـ، ص 195.
(2) المادة 96 من مجلة الأحكام العدلية.
(3) الكاساني، بدائع الصنائع، جـ 7، القاهرة، 1910، ص 177.
(4) ابي اسحاق (الشاطبي)، الموافقات في أصول الأحكام، جـ 1، المطبعة السلفية، القاهرة، 1943، ص 224، 262، ابن عبد السلام، قواعد الأحكام، جـ 1، الطبعة الأولى، القاهرة، 1934 ص 183، القرافي جـ 1، ص 140.
(5) ابن عبد السلام ج 1 ص 7، جلال الدين السيوطي، الأشباه والنظائر، القاهرة 1938، ص 81.
(6) النووي، المجموع شرح المهذب جـ 9، إدارة الطباعة المنيرية القاهرة بدون تاريخ، ص 40.
(7) البقرة / 61.
(8) محمد رشيد رضا، تفسير المنار، جـ 1، القاهرة، ص 111.
(9) ابن عبد السلام جـ 1 ص 55، 69، الكاساني جـ 7 ص 257، 297، الزيلعي، تبين الحقائق، جـ 6، الطبعة الأولى، القاهرة، 315 هـ، ص 103.
(10) ابن عبد السلام جـ 1، ص 84.
(11) مجلة الأحكام العدلية م 29، صبحي محمصاني، فلسفة التشريع في الإسلام، بيروت، 1961، ص 271، السيوطي ص 88، ابن عبد السلام ج 1 ص 89.
(12) ابن عبد السلام جـ 1 ص 88.
(13) مجلة الأحكام العدلية م 30، ابن عبد السلام جـ 1 ص 92.
(14) ابن عبد السلام جـ 1 ص 88، 97، من ذلك أن مصلحة انقاذ الحي أعظم من مفسدة انتهاك حرمة الموتى، النووي جـ 9 ص 41.
(14م) ابن عبد السلام جـ 1 ص 97، السيوطي ص 88، ابن قدامة، المغني، جـ 2، طبعة 1367 خـ، ص 407، فتوى لجنة الفتوى بالأزهر رقم 490، مجلة الأزهر نوفمبر 1962، ص 523، فتوى دار الافتاء المصرية سجل مسلسل 454 ص 276، الدجوي، تشريح الميت، مجلة الأزهر، 1355 هـ، العددان 7، 8.
(15) مجلة الأحكام العدلية م 26.
(16) مجلة الأحكام العدلية م 21.
(17) مجلة الأحكام العدلية م 22، السيوطي ص 85.
(18) مجلة الأحكام العدلية م 25، السيوطي ص 87.
(19) مجلة الأحكام العدلية م 32.
(20) فتوى لجنة الفتوى بالأزهر المنشورة بمجلة الأزهر 1962، ص 523.
(21) محمد حسنين مخلوف، فتاوى شرعية وبحوث إسلامية، 109، الطبعة الأولى، القاهرة 1965، ص 360.
(22) عبد العزيز المراغي، مسئولية الأطباء، مجلة الأزهر، المجلد 20، 1368 هـ، ص 416، محمد إبراهيم، مسئولية الأطباء، مجلة الأزهر، المجلد 19، 1367 هـ، ص 49، ابن حزم، المحلي جـ 10، إدارة الطباعة المنيرية القاهرة، 1352 هـ، ص 444.
(23) ابن قيم الجوزية، زاد المعاد، جـ 3، المطبعة المصرية، 1379 هـ، ص 111.
(24) ابن القيم جـ 3 ص 110، قاضيخان، الفتاوى الهندية، جـ 5، القاهرة 1310 هـ، ص 360.
(25) ابن القيم جـ 3 ص 110.
(26) ابن القيم جـ 3 ص 111.
(27) ابن القيم المرجع والمكان السابقان.
(28) ابن القيم جـ 3 ص 110.
(29) ابن القيم جـ 3 ص 110.
(30) مجلة الأحكام العدلية م 91.
(31) الفتاوى الهندية جـ 5 ص 355، المراغي ص 212، حاشية الطهطاوي على الدر المختار، جـ 4، المطبعة العامة، عصر، 1283 هـ، ص 275، ابن قدامة المغني، جـ 20، الطبعة الأولى، 1347 هـ، ص 349، 350.
(32) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، جـ 4، الطبعة الثانية، القاهرة 1309 هـ، ص 25، 27، ابن رشد، بداية المجتهد، جـ 2، المطبعة الجمالية، القاهرة، 1329 هـ، ص 115، الخرشي، شرح مختصر خليل جـ 8، ط 2، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1973، ص 172، الكاساني جـ 7 ص 305.
(33) السيوطي ص 152.
(34) الخرشي المرجع والمكان السابقات، الفتاوى الهندية جـ 6 ص 37 الخفيف المرجع والمكان السابقان، محمد علي النجار، حول مسئولية الأطباء مجلة الأزهر، المجلد 20، 1368 هـ، ص 51، 52، الرملي، نهاية المحتاج، جـ 7، القاهرة، 1304 هـ، ص 25.
(35) الزيلعي جـ 5 ص 190، الكاساني جـ 7 ص 297: أطراف الإنسان خلقت، كالمال وقاية للنفس.
(36) وهي تتعلق بصفة المعالج وإتباع أصول الصنعة. وصدور إذن المريض من هو أهل به.
(37) البقرة، 233، الطلاق/ 6.
(38) وقوله تعالى (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) الحجرات: 12 لا يعالج مباشرة الاتسقطاع للذبح.
(39) انظر في هذه الشروط وغيرها بالنسبة للبيع القرافي جـ 3 ص 208، 239 النووي جـ 9 ص 225، الكاساني جـ 5 ص 141، المغي جـ 6، ط 1، 1347 هـ، ص 134، عبد الرحمن الحريري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة جـ 3، ط 2، القاهرة، 1933، ص 399، السنهوري، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، جـ 3، القاهرة، 1956، ص 103، وما يسري على البيع على الهبة:
والمكان السابقان، الفتاوى الهندية جـ 2 ص 195.
(40) محمد سلام مدكور، الفقه الإسلامي، ط 1، 1954، ص 253.
(41) ولا يقبل الآدمي الملك القرافي جـ 3 ص 236، عبد العزيز البخاري، كشف الأسرار، جـ، القاهرة 1307 هـ، ص 291، 317. بعكس اجزاؤه ابن رشد، بداية المجتهد، جـ 2، ط 1، طبعة المكتب الجديدة ص 105، القرافي جـ 3 ص 240.
(42) الكاساني جـ 7 ص 352، ابن القيم، البحر الرائق، جـ 2، القاهرة، 1334 هـ، ص 227، السيوطي ص 382.
(43) الكاساني جـ 5 ص 140، الفتاوى الهندية جـ 2 ص 295.
(44) المراجع المشار إليها في الهامش السابق وأضف إليها الزيلعي جـ 6 ص 138 الحطاب، مواهب الجليل، جـ 4. القاهرة، 316 – 1317 هـ، ص 263، 264.
(45) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، جـ 9، مطبعة دار الكتب المصرية، 1935، ص 154، الفتاوى الهندية جـ 5 ص 354، السنهوري جـ 3، ص 208.
(46) مجلة الأحكام العدلية م 126، ابن عابدين، رد المختار، جـ 4، القاهرة 1324 هـ، ص3، 150.
(47) السيوطي ص 553، ابن الهمام، فتح القدير، جـ 5، 1310 هـ، ص 186، 189، السرخسي، المبسوط، جـ 11، القاهرة، 1331 هـ ص 78.
(48) السرخسي جـ 5 ص 125، البخاري جـ 1، ص 171، 175، 176.
(49) البخاري جـ 1 ص 169، الكاساني جـ 5 ص 140.
(50) الكاساني جـ 7 ص 202، 236، 243، 299، ابن عابدين جـ 5 ص 377، ابن الهمام جـ 5 ص 263، الفتاوى الهندية جـ 6 ص 32، البخاري جـ 1 ص 297.
(51) الطوري، تكملة البحر الرائق، ج 8 القاهرة، 1388 هـ ص 71.
(52) الكاساني جـ 7 ص 257، 297.
(53) قارن الكاساني جـ 7 ص 297.
(54) الحريري 25 ص 214، النووي جـ 9 ص 225، 226، الكاساني جـ 5. ص 141، 142، 144.
(55) النووي جـ 9 ص 239.
(56) القرطبي جـ6 ص 289، الكاساني، جـ 4 ص 190، الشوكاني، نيل الأوطار جـ 2، ط 2، القاهرة، 1344 هـ، ص 245، الحريري جـ 2 ص 302.
(57) الكاساني جـ 5 ص 142، النووي جـ 5 ص 42، جـ 7 ص 139، سليمان المقديسي تصحيح الفروع، طبعة المنار، 1339 هـ، ص 38، 42، ابن حزم جـ 1، ص 102، الخطاب جـ 1 ص 80، وذهب البعض (المغني جـ 4 ص 260) إلى أنه يمكن العقد على اجزاء الآدمي إذا أمكن الانتفاع بها.
(58) النووي جـ 2 ص 216، جـ 3 ص 139، الشربيني الخطيب، مغني المحتاج، جـ 1 القاهرة 1347 هـ، ص 438، ابن الحزم جـ 2 ص 117، جـ 7 ص 426، الفخر الرازي، التفسير الكبير جـ 2، ط 1، القاهرة، 1308 هـ، ص 89.
(59) ابن القيم، زاد المعاد، 35 ص 114، الكاساني جـ 5 ص 142، مخلوف ص 121، 364.
(60) القرطبي جـ 2 ص 230، النووي جـ 2 ص 562، جـ 3 ص 138.
(61) ردد المختار جـ 1 ص 147 (بشرط التيقن من مكان الشفاء).
(62) ابن عبد السلام جـ 1 ص 90.
(63) النووي جـ 3 ص 139، المغني جـ 7 ط 3، 1367 هـ، ص 812.
(64) ابن الهمام جـ 5 ص 202.
(65) البقرة، 233، الطلاق/ 6.
(66) الكاساني، جـ 4 ص 209.
(67) باب الاجازة: الفتاوى الهندية جـ 4 ص 345، جـ 5 ص 115، المغني والشرح الكبيرج6، 1347 هـ، مجلة الأحكام العدلية م 452، 566، 581.
(68) الكساني جـ 4 ص 173.
(69) السرخسي جـ 5 ص 118، البخاري جـ 1 ص 172 ص 173.
(70) الفتاوى الهندية جـ 5 ص 115، المعنى جـ 6 ص 74، ابن حزم جـ 8 ص 189 القرافي جـ 4 ص 3، السرخسي جـ 4 ص 400.
(71) البقرة 173، المائدة، 3، الأنعام، 129، 145، النحل، 115.
(72) الفخر الرازي جـ 3 ص 93، قارن ابن رشد جـ 2، طبعة المكتبة الجديدة 381.
(73) أبو بكر الجصاص، أحكام القرآن، جـ 1 المطبعة البعية المصرية، 1347 هـ ص 151، السيوطي ص 86، النووي جـ 9 ص 42.
(74) أحمد الصاوي، حاشية على الشرح الصغير، جـ 1، المطبعة الخيرية، القاهرة ص 285، 323، الموسوعة الفقهية جـ 2، طبعة تمهيدية صادرة من وزارة الأوقاف بالكويت ف 3/2 ص 15.
(75) ابن عابدين جـ 1 ص 628، جـ 5 ص 215، الطوري جـ 8 ص 70، ابن الهمام جـ 8 ص 64 الفتاوى الهندية جـ 2، ص 354، ابن حزم جـ 1 ص 124، 133، جـ 7 ص 399.
(76) القرطبي جـ 2 ص 229، عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي جـ 1 القاهرة 1949، ف 204، ص 178.
(77) ابن عبد السلام جـ 1 ص 90.
(78) النووي جـ 9 ص 53، الصاوي جـ 1 ص 323.
(79) ابن عبد السلام جـ 1 ص 89.
(80) النووي جـ 9 ص 45، الموسوعة الفقهية ف 151، ص 92.
(81) سيوطي ص 87.
(82) النووي جـ 9، ص 41 الموسوعة المرجع والمكان السابقان.
(83) مع ملاحظة ما سبق ذكره في مسألة اعتبار أجزاء الآدمي من الأموال عند الحنفية.
(84) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، جـ 2، ص 225.
(85) المراغي ص 691، أحمد فتحي بهنسي، المسئولية الجنائية في الفقه الإسلامي القاهرة، 1971، ص 286.
(86) المائدة/ 32.
(87) تفسير المنار جـ 6 ص 349.
(88) لجنة الفتوى بالأزهر، الفتوى رقم 497 غير منشورة ولكن توجد فتوى مشابهة لها في مسألة نقل قرينة الميت إلى الحي منشورة بمجلة الأزهر المجلد 20 – 1368، ص 744.
(89) البقرة / 195.
(90) فتوى إدارة الافتاء المصرية سجل رقم 88 مسلسل 212 ص 193، النووي جـ 9 ص 301.
(91) البخاري، كشف الأسرار، جـ 4 ص 1507، الرملي جـ 8 ص 22، المغني جـ 11، ص 79.
(92) لجنة الفتوى، مجلة الأزهر، المجلد 20، 1368 هـ، ص 744.
(93) تقرير الشربيني على التحفة لأبن حجر جـ 1 ص 77.
(94) وهذا ما يستفاد من سورة النساء / 43، المائدة/ 6 (التيمم)، البقرة 196، (حلق الرأس في الاجرام) البقرة / 184، 185 (الفطر في رمضان).
(95) الفتح/ 17، المزمل/ 20.
(96) فتوى من الأزهر في المجلة الجنائية القومية، مارس 1978، العدد الأول ص 153، عبد الرحمن النجار بنفس المرجع ص 102، وفي خصوص إباحة نقل الدم صدرت فتوى الأزهر رقم 492 المنشورة بمجلة الأزهر، المجلد 20، 1368 هـ – ص 743.
(97) بالنسبة لاستقطاع العيون: دار الافتاء المصرية في الفتوى الواردة في السجل رقم 88 مسلسل 212 ص 93، والفتوى رقم 673/1966 المسجلة برقم 500/600 مثنوع مخلوف، فتاوى شرعية ص 365، بالنسبة لاستقطاع الجلد: دار الافتاء المصرية في الفتوى رقم 173/150 لسنة 1972 وبالنسبة لاستقطاع القلب أو أي جزء من الجثة: لجنة الفتوى بالأزهر في الفتوى رقم 491 وفتاوى أخرى منشورة بمجلة الأزهر، المجلد 20، 1368 هـ، ص 744، 1962 ص 523، أحمد هريدي اسئلة وأجوبة منشورة بمجلة الشبان المسلمين (مصر) اكتوبر 1969 العدد 153 ص 46.
(98) محمد المدني، أسئلة وأجوبة، منشورة بملحق الجمهورية (القاهرة) 28 أبريل 1966 العدد 19 ص 7.
(99) انظر شروط حالة الضرورة عبد القادر عودة ف 400 ص 557.
(100) ويستفاد من كتابات الفقهاء انه يشترط أن يكون المضطر معصوم الدم كما أنه يشترط بالنسبة للانتفاع بأجزاء الآدمي المسلم، أن يكون المضطر مسلماً.
(101) الحطاب جـ 4 ص 211، ابن الهمام، جـ 5 ص 205، قارن الخميني، تحرير الوسيلة جـ 32، العراق، 1970، ص 635 المسألة 7.
(102) الرملي جـ 7 ص 293 – 295.
(103) ابن عبد السلام جـ 1 ص 90.
(104) ابن عبد السلام جـ 1 ص 90.
(105) السرخسي جـ 5 ص 125، ابن عابدين جـ 5 ص 40: الكاساني، جـ 7 ص 307، 311 الرملي جـ 7 ص 316.
(106) الخميني جـ 6 ص 624 مسألة رقم 3.
(107) هريدي ص 46.
(108) مجلة الأحكام العدلية م 39.
(109) الشاطبي – الموافقات جـ 2 ص 13.
(110) لجنة الفتوى بالأزهر في فتاويها السابق الإشارة إليها.
(111) عبد الله بن مسعود، سعد الدين التفتازاني، التلويح والتوضيح، جـ 3 القاهرة، 9 – 13 هـ، ص 185، الرازي م 20 ص 86، 89، وهو يحدث بخروج الروح: سيد قطب، في ظلال القرآن، المجلد 2 طبعة دار الشروق، 1978 – ص 1145، تفسير الجلالين، طبعة مكتبة الجمهورية العربية ص 114، ص 241 النووي جـ 5 ص 224.
(112) النووي جـ 5 ص 223، الفتاوى الهندية جـ 1 ص 123.
(113) مسعود والتفتازاني جـ 3 ص 185، النووي جـ 1 ص 279، جـ 2 ص 296، جـ 5 ص 178، السرخسي جـ 26، ص 54.
(114) المحلي جـ 10 ص 518.
(115) محمد سليمان، الطب الشرعي، القاهرة، 1959، ص 81 وما بعدها.
(116) ديماربيه (ج)، الطب الشرعي، بروكسل 1967، ص 639، مؤتمر مجلس المنظمات الدولية للعلوم الطبية (13 – 14/6/1968) جنيف منشور بمجلة الصحافة الطبية (فرنسا) 1968 ص 139.
(117) ويطلق على هذه الحالة اسم الاختصار أو النزع أو غمرات الموت (الأنعام/ 93) أو سكرات الموت (ق/19)، سيد قطب المجلد 6 ص 3 ص 3363)، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم جـ 3، طبعة الحلبي بمصر ص 225، أو غشوة الموت (الاحزاب / 19) محمد /20، أو التراقي (القيامة /16).
(118) انظر هذا الحكم في مسألة مشابهة الرملي جـ 7 ص 15، ابن حزم، جـ 1 ص 518، الخطاب 6 ص 244، محمد جمال الدين عواد جناية القتل العمد في الفقه الإسلامي، رسالة من جامعة الأزهر 1974 ص 120.
(119) انظر في حكم القتل تسبباً الرملي جـ 7 ص 10، وهبة الزحيلي، نظرية الضمان، دمشق، 1970، ص 279، 280.
(120) البخاري جـ 4 ص 1507.
(121) القرافي جـ 4 ص 9، ولا فرق بين المسلم والمعاهد المواطن/ الزحيلي ص 302.
(122) الخفيف، الضمان، جـ 1 ص 13، 46، جـ 2 ص 161.
(123) من قوله تعالى “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى” إلى قوله تعالى “إن أكرمكم عند الله اتقاكم”.
(124) عثمان سرور، جريدة الأهرام 29/3/1976 ص 7.
(125) الكهف/ 11، 25 وانظر أيضاً البقرة / 259 حيث أمات الله رجلا مائة عام ثم بعثه.
(126) عبد العزيز اسماعيل، مجلة الأزهر، المجلد السابع، ص 691.
(127) المؤمنون / 35.
(128) في هذا المعنى ايضا ق/ 3، الواقعة/ 47، الصافات / 16.
(129) الأعراف/ 172.
(130) قرب تفسير المنا جـ 9 ص 259.
(131) الرازي جـ 7 ص 45.
(132) يس/ 12، ق/ 43، الروم /19، آل عمران/ 27، الحجر/ 23.
(133) سيد قطب، المجلد 1 ص 297.
(134) الروم/ 7، الشورى/ 9، القيامة/40.
(135) البقرة/ 243. أيضاً البقرة/ 72، 73.
(136) سيد قطب المجلد 1 ص 902، تفسير المنار جـ 3 ص 50.
(137) الفرقان/ 3.
(138) وهذا ما حدث بالنسبة لسيدنا إبراهيم /البقرة/260.
(139) وهذا ما يحدث بالنسبة لسيدنا عيسى : آل عمران / 49، المائدة/ 110.
(140) القرطبي جـ 4، ط2، مصر 1967، ص 2094، الطبري، جامع البيان جـ 3 ط2، مطبعة الحلبي، 1954، ص 277.
(141) المنافقون / 11، وفي هذا المعنى أيضاً الأعراف / 34، الروم/ 61.
(142) آل عمران/ 168.
(143) نوح/ 4.
(144) ابن مسعود والتفتازاني جـ 3 ص 142، 150، الفخر الرازي جـ 2 ص 86 الجصاص جـ 1 ص 642.
(145) نقصد بهذه الحالة موت المخ كلية.
(146) السرخسي جـ 26 ص 87، الزحيلي ص 282.
(147) محمد عواد، الرسالة السابقة ص 119، قارن ابن حزم جـ 11 ص 39.
(148) الحديد/ 22.
(149) الجمعية الطبية العالمية، في اجتماعها الثاني والعشرين الذي عقد في سيدني عام 1968، المجموعة الدولية للتشريعات الصحية 1972 ص 17.
(150) كاربونية 1974، ف 540، 50 ص 223، ريكيه تأملات أخلاقية، الكراسة الطبية (لينيك)، باريس 1962 العدد الأول، ص 70.
(151) روسنر، الاجراءات الاستثنائية لإطالة الحياة، الجورنال الأمريكي للجمعية الطبية 1967 – 202 – 376، ميمتو (ج)، المجلة الدورية للقانون الصحي الاجتماعي 1978 ص 303.
(152) ابن عبد السلام جـ 2 ص 58، الشربيني الخطيب، مغني المحتاج جـ 4 ص 38 المغني جـ 7 ص 5، القرافي جـ 2 ص 31.
(153) الأعلى / 16، 17.
(154) فاطر/ 11.
(155) الفتح/ 3.
(156) البقرة/ 255.