مقدمة
منذ فجر التاريخ وهناك محاولات متفرقة لتفسير بعض جوانب العمل الإداري, فعلي أوراق البردي المصرية القديمة وفي تعاليم كونفوشيوس نجد عبارات وحكما توضح أهمية التخطيط للمستقبل وجدوى تنظيم العمل وضرورة المراقبة بعضها جاء خلال رواية ومنها ما جاء في الحديث عن أنماط الأخلاقيات السليمة التي يجب ان تسود في المجتمع .. كما أشار سقراط في أكثر من موضع لبعض الجوانب المتعلقة بالممارسة الإدارية كالخصائص التي يجب ان يتميز بها الرئيس او القائد الناجح وأهمية اختيار المساعدين كما أوضح أن إدارة الأعمال العامة تحتاج إلى رجال تختلف أخلاقهم عمن يديرون أعمالا خاصة.
أما الاجتهادات التي عبرت عنها أعمال عظيمة مثل بناء الأهرامات أو شق الترع في مصر القديمة او إدارة العمليات الحربية الكبرى في الدولة الرومانية القديمة فقلما نجد لدينا من المخلفات سواء النفوش او الكتابات ما يوضح (( المبادئ)) أو (( النظريات )) التي على أساسها أدير هذا النشاط الضخم, وبالتالي فإننا نجد صعوبة في تقنين الأفكار وفي استخراج نظرية منها.
ومن التجارب الإنسانية التي تتسم بقدر كبير من الوضوح سواء في المنهج النظري الذي بنيت عليه أو في أسلوب الممارسة هو تنظيم الكنيسة الكاثوليكية الرومانية القديمة فلقد استطاع هذا التنظيم ان يعمر طويلا لأنه بني على أسس تنظيمية واضحة وفعالة ومن أهم هذه الأسس تدرج المستويات الإدارية ( الهيرالكية) والتوزيع المتناسق للسلطات وسيادة مبدأ التخصص في ممارسة الأنشطة المختلفة التي تتولاها الكنيسة واستخدام السلطة الاستشارية سواء في شكل هيئات أو لجان هذا بالإضافة إلى نظام اتصالات جيد يربط بين الكنيسة وبين عامة الشعب.
ولعل القواعد والأحكام القرآنية وما يستشف من الأحاديث النبوية المنسقة للعلاقات البشرية والمتصلة بتنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمسلمين كأفراد وجماعات ودولة وما اتصل من هذه الدولة وتوسع على أيدي الصحابة يمثل أرقى النماذج الإدارية التي استندت على مبادئ بالغة الأهمية يظن إنها لم تكشف إلا في العصر الحديث.
ويرى الكاتب ان هناك تقصيرا واضحا في التعرف على نظام الإدارة في الإسلام, ذلك ان معظم الباحثين والمهتمين بقضايا الإدارة والتنظيم – وهو واحد منهم – قد ركن إلى المراجع الغربية لينهل منها وإلى النظريات الأجنبية ليروج لها دون ان يلجأ إلى هذا التراث الخصب من الفكر الإسلامي خصوصا وأن هذا الفكر قد خضع للتطبيق خلال فترة طويلة من الزمن وثبت نجاحه الذي تأكد من خلال انتشار الدين الإسلامي من المحيط الأطلسي حتى الصين.
ورب قائل بأن تفاوت المشكلات لاختلاف العصر قد يفسد القضية أو على الأقل يصيبها ببعض الخلل ولكن هنا يجب التفرقة بين المبادئ الإدارية وبين التكنيك الإداري…. فالمبادئ وهي التي تمتل فروضا سبق اختبارها وتأكد نجاحها بالتطبيق المتواصل توجد هنا وهناك عبر المساحة كما إنها أيضاً توجد هنا وهناك عبر الزمن وبتأكيد من الممكن ان تحدث إضافات مستمرة على حصيلة المبادئ المتوفرة وهذا ما يفرضه منطق التطور والارتقاء ولكن ليس عدلا الادعاء بوجود مبادئ إدارية تم اكتشافها أو التوصل إليها مع بداية حركة الإدارة العلمية في أوائل القرن العشرين على الرغم من شيوعها نظريا في أحكام الدين الإسلامي وتطبيقا من بناء الدولة الإسلامية.
أما التكنيك أو مجموعة الوسائل الفنية التي يمكن بها تطبيق مبدأ معين فقد تختلف, وهي بالتأكيد تتطور من وقت لآخر عاكسة التقدم المستمر في العلوم الأكاديمية والتطبيقية, ومن هنا يمكن القول مثلا أن نظام الإدارة الإسلامي قد وضح مبدأ الرقابة المستمرة على النتائج ولكن استخدام تكنيك وأدوات مثل الميزانيات المتحركة أو بيرت BERT أو مؤشرات التحليل المالي إلى غيرها من الأدوات الحديثة, فنحن لا ندعي السبق إليها لأن هذه الأدوات جاءت كمصلحة طبيعية لتطورات سابقة في علوم الاقتصاد والرياضة وغيرها, وهي أصلا لم تكن موجودة عند ظهور الثورة الصناعية وحركة الإدارة العلمية على سبيل المثال, كما إنها قابلة للتطوير عملا بسنة التطور والارتقاء.
وبديهي ان البحث في أصول وقواعد النظام الإداري الإسلامي عملية واسعة ينبغي ان تتسم بالعمق ولعل أفضل اسلوب لتناولها هو اسلوب الفريق الذي يضم فقهاء الدين وباحثي الإدارة والاقتصاد, فتناول هذه القضايا ينبغي ان يتم بقدر كبير من الحذر والعالم – أيا كان – لم يؤت من العلم إلا قليلا.
ولعل هذه فرصة ملائمة لتوضيح بعض المبادئ الإدارية – التي يعتقد إنها قننت حديثا فقط – التي تمثل ركائز أساسية في نظام الإدارة الإسلامي, ولكن من المهم الإشارة بادئ ذي بدء إلى ان فلسفة الدعوة هي عبادة الله وترك عبادة الأوثان وأن تلك الأحكام جاءت منذ خمسة عشر قرنا ولتنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مجتمع بدوي يتميز بالبساطة والصغر ولذلك فمن المتوقع ان تأتي هذه الأحكام مطابقة لطبيعة الموقف الحضاري العام ومتمشية مع فلسفة الدعوة وأهدافها, ولكن مع تحليلها في ضوء معطيات العصر سوف نكتشف إنها نبع متواصل العطاء يصلح لكل مكان وزمان.
والدراسة التي بين أيدينا هي محاولة متواضعة لتوضيح بعض الأسس الإدارية والتنظيمية التي وضعتها أحكام الدين الإسلامي, ومنها سيتضح السبق الإسلامي في مجال الإدارة – كما هو الحال في مجالات العلوم والفنون الأخرى – وذلك من خلال تقديم مجرد نماذج من أشكال الفكر والتطبيق الإسلامي في عدد من المجالات مثل:
أولا: التخطيط.
ثانيا: التنظيم
ثالثا: الرقابة
رابعا: الأجور والحوافز
خامسا: الاختيار والتعيين والفصل.
سادسا: العلاقات الإنسانية.
أولا: في مجال التخطيط
يعتبر التخطيط من الوظائف الإدارية التي أجمع عليها كتاب الإدارة والتي لا تكتمل العملية الإدارية بدونها. والتخطيط يعني النظر إلى المستقبل ومحاولة استشفافه, وتهيئة الموارد والإمكانيات الكفيلة بتحقيق الأهداف التي تم اختيارها من بين بدائل يجري المفاضلة من بينها. ولذلك يركز الفكر الإداري على عدد من القضايا الحيوية عند مناقشته لوظيفة التخطيط أهمها جمع المعلومات وتحديد الأهداف, ورصد المستلزمات والموارد, واعتبار الظروف غير المتوقعة, كما يجد القارئ أن كتاب التخطيط لا يألون جهدا في توضيح أهمية تجزئة الخطة كعنصر أساسي لنجاح تنفيذها.
وتشير آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة إلى ان الإسلام قد حرص على أن يمارس المسلم مجموعة المهام المرتبطة بهذه الوظيفة التي يطلق عليها علم الإدارة الحديث التخطيط ولكن مع إعطائها الطابع الأخلاقي السامي المستمد من جلال العقيدة.
تحديد الأهداف:
تنص أحكام الدين الإسلامي على ضرورة وحدة هدف المسلمين فالله تعالى يقول (( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا))(1).
ومن المعروف أن تكتيل الجهود الجماعية حول هدف واحد تسعى إلى تحقيقه يمثل أكثر القضايا إلحاحا في الفكر والممارسة الإدارية, وها هو الإسلام يوفر للمسلمين ما يتكتلون حوله ألا وهو حبل الله دين الإسلام, ويدعوهم إلى عدم الفرقة والتناحر إلى التكامل والتكاتف.
ولما كان القتال قد فرض على المسلمين مع المراحل الأولى لتكوين دولتهم وتحول إلى نشاط رئيسي يستوعب مواردهم واهتماماتهم فإننا نجد كثيرا من الآيات التي تتحدث عن القتال ومن هذه الآيات ما يوضح صراحة ما هو الهدف من الحرب على وجه التحديد (( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين))(2) فالهدف في سبيل الله وهو موجه ضد المعتدين وليس الاعتداء على الآخرين.
توفير المستلزمات:
يقول الله سبحانه وتعالى (( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم))(3) ومن الجدير بالإشارة أن القرآن الكريم لا يطلب من المسلمين مجرد الاستعداد وتوفير المتطلبات اللازمة للمعركة وإنما يوضح ما هي الحدود أو المستويات التي ينبغي أن يصل إليها هذا الاستعداد حتى يحقق نتائجه الإيجابية فالاستعدادات ينبغي أن تصل إلى المستوى الذي يمكن من تحقيق انكسار في الحالة المعنوية للخصم ((قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة)) (4) وقال تعالي (( قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر اليك ))(5).
التحوط للظروف غير المتوقعة:
يقول سبحانه وتعالى (( واذا كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم)) (6).
اذ تشير هذه الآية إلى مجموعة من الإجراءات التي ينبغي العمل بها لمواجهة الاحتمالات المختلفة, ويستفاد من هذه الآية الكريمة بالإضافة إلى ذلك الأمور الآتية:
1- مسئولية القائد تجاه مجموعة العاملين معه في توفير احتياطات الأمن والسلامة لهم.
2- الحرص على ضرورة تنفيذ الأحكام العامة والأساسية (الصلاة) وإمكانية تحقيق هذا التنفيذ باستخدام مجموعة منطقية من الإجراءات.
3- المسئولية الفردية اذ ان كل فرد في المجتمع مسئول عن المحافظة على أمن المجتمع وسلامته.
التنفيذ المرحلي للخطة:
يتحدث التخطيط الحديث حول ضرورة تقسيم الخطط الطويلة المدى إلى مراحل زمنية أو ما يسمى بتجزئة الخطة, بحيث تعتبر مخرجات كل مرحلة مدخلات للمرحلة التالية إلى أن يتم الانتهاء من تنفيذ الخطة, ولقد جرى العرف على تسمية المراحل الزمنية التي تتضمنها الخطة بالبرامج.
واستقراء أحداث الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة يشير إلى أن الفكر الإسلامي قد مارس أرقى مبادئ التخطيط حين اعتمد على اسلوب التخطيط المرحلي لتنفيذها. اذ يمكن تلمس المراحل الآتية:
مرحلة المبايعة:
وقد بدأت هذه المرحلة بالاتصال ببعض أهل المدينة خلال موسح الحج وتجميع المعلومات عن ظروف وأحوال أهل المدينة وانتهت هذه المرحلة بالحصول على مبايعة الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم في بيعتي العقبة الأولى والثانية.
مرحلة التعليم:
ولقد بدأت هذه المرحلة بعد الحصول على المبايعة حيث أرسل الرسول صلي الله عليه وسلم من يرشدهم لأمور دينهم الجديد وهو ما يعني الإعداد الفكري (( والأيديولوجي)) للنظام الجديد, ومن المؤكد ان هذه المرحلة كانت على درجة بالغة من الأهمية لأنها من خلال توضيح الرؤية والاقتناع بالأفكار الجديدة سهلت من إمكانية استيعاب (( النظام)) الجديد ولغت الصراعات بين القديم والجديد والتي كان يمكن أن تحدث لولا هذا الإعداد الفكري المسبق, وفي هذه المرحلة أرسل الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم مصعب بن عمير ليتعرف على أحوال أهل المدينة ويلقنهم تعاليم الدين الحنيف ويكون حلقة الوصل بينهم وبين الرسول صلي الله عليه وسلم.
مرحلة الإذن
حيث صدر (( القرار)) من المالك الأعظم لنبيه الكريم صلي الله عليه وسلم بالهجرة, وهنا نجد أن تنفيذ هذا (( القرار )) تم على خطوتين الأولى حينما أصدر رسول الله صلي الله عليه وسلم (( بتفويض)) من الله سبحانه وتعالي أمره للمسلمين ان يبدأوا في الهجرة وأخذوا بالفعل في التنفيذ, والثانية حينما إذن سبحانه وتعالى لرسوله صلي الله عليه وسلم أن يهاجر مع الصديق رضي الله عنه.
رابعا: في مجال الأجور والحوافز
يمكن اعتبار أن قضية العمل والإنتاج القضايا الأساسية التي اهتم بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لتدعيم البناء الاقتصادي للدولة الإسلامية الفتية, ولذلك نجده في مواقف كثيرة يحث المسلمين على العمل منها قوله صلى الله عليه وسلم (( وما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده, وان نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ))(59) ويقول (( طلب الحلال فريضة بعد الفريضة)) وقوله صلى الله عليه وسلم (( لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي إلى الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس)) (60).
وحينما تتعقد عملية الإنتاج ويصبح تشارك الناس في إنتاج الخيرات مطلبا ضروريا من أجل الوفاء بالاحتياجات المتنامية للفرد وللدولة وحينما ينتج عن ذلك بالضرورة اختلاف مواقع الناس في عمليات الإنتاج يصبح تنظيم العلاقة القائمة بين هذه الأطراف أمرا على درجة بالغة من الأهمية. ومن المحقق أنه بمقدار درجة عدالة تنظيم هذه العلاقة بمقدار ما تتفجر طاقات العمل التي بها تبني الأمم والحضارات. واذا كان الإسلام من فهمه لحقيقة الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومتطلبات نموها يسمح بوجود صاحب عمل أيا كان وضعه القانوني ( فرد – شركة – حكومة) يقوم بتقديم فرص العمل للآخرين فانه يمنع منعا باتا أن يتسرب لهذه العلاقة أي نوع من السخرة أو عدم التكافؤ. ولما كانت علاقات الأجر هي أهم العلاقات التي تقوم بين صاحب العمل والعامل فلقد اهتمت أحكام الدين الإسلامي بتنظيمها ووضعها في إطار يسمح بسيادة علاقات التكافؤ والمحبة لا العداوة والكراهية.
وإذا كان هناك من صفة عامة يمكن أن تطلق علي مجموعة الأحكام المتعلقة بالأجور في الدين الإسلامي لكانت بالتأكيد هي صفة العدالة, وهي الصفة الصعبة التي تحاول كل الأنظمة الحديثة تحقيقها ولكنها في العادة تصطدم بمؤشرات أيديولوجية وضغوط اجتماعية اقتصادية تجعل مفهوم العدالة المطلق صعب التحقيق في ظل النظم الوضعية.
ولقد اهتمت أحكام الدين الإسلامي بهذا المبدأ في أكثر من موضع منها مثلا قوله تعالي (( لكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون)) (61) فمعني هذه الآية الكريمة يمكن أن ينسحب ليصبح مبدا عاما يحكم حساب وتقدير الأجر في كل من الدنيا والآخرة وهو يعكس أكثر من نقطة إدارية منها:
- إن الأجور ينبغي أن تتفاوت في درجاتها بما يعكس التفاوت القائم في المسئوليات والإنجازات.
- إن أي عمل ينبغي أن يوفي أجره.
- ليس من الإسلام ظلم وغبن الأجور سواء من ناحية مقدارها أو نظام استحقاقها.
كما يتجسد مفهوم العدل الإسلامي في ذلك المبدأ السامي الذي وضعه الرسول صلي الله عليه وسلم (( أعطوا الأجيرة أجره قبل ان يجف عرقه)) (62) والعدل الإسلامي يتجسد في التوازن القائم بين طرفي العلاقة وهما المؤجر والأجير, فالمؤجر (( صاحب العمل)) ينبغي أن يحصل على إنجازات تبرر ما سوف يدفعه من أجر ولقد عبر الرسول صلي الله عليه وسلم عن هذه الإنجازات بأروع تعبير عندما وصفها (( بالعراق )) فالأجر ينبغي أن يدفع مقابل (( عرق)) وهذا يؤكد حرص الرسول صلي الله عليه سلم على أن الأجر لا ينبغي له أن يحصل إلا عن حلال أي عن طريق جهد مبذول. وهذا يعني أن الإسلام دعوة إلى العمل الجاد والمثابرة وليس إلى الانتهازية أو الكسل أو الإهمال. ومن ناحية ثانية طالما أن الأجير قد قدم (( عرقه)) و وفي ما عليه فان على المؤجر( صاحب العمل ) أن يقدم له فورا ودون أى مماطلة أو تأخير ما أنفق عليه من أجر مقابل ما قدم من عمل. وبذلك راعى الإسلام مصلحة الطرفين وحقق التوازن بينهما في عبارات آية في البساطة والوضوح.
كما يتضح اهتمام الإسلام بتأسيس فكرة العدل بين الناس في علاقاتهم الشخصية والاقتصادية, ومنها بطبيعة الحال علاقة العمل وما يتمخض عنها من علاقات توظيف وأجور يقول تعالى
(( ولا تبخسوا الناس أشياءهم )) (63) فهذا المبدأ العام يمتد ليشمل العلاقة بين صاحب العمل والعامل, فصاحب العمل لا ينبغي له أن يبخس العامل أجره ولا يقلل من قيمة جهده المبذول وفي نفس الوقت العامل ألا يبخس صاحب العمل حقه فلا يهتم بالجودة والإتقان ولا يضيع الوقت عبثا.
ولقد اتخذ الإسلام موقفا حاسما تجاه أي ظلم اجتماعي يقع على كاهل الإجراء وسبق بذلك كل الاتجاهات الاشتراكية الحديثة سواء منها ما هو إصلاحي النزعة أو ثوري التغيير, فلقد ذكر الرسول صلي الله عليه وسلم أن الله تعالى سمى نفسه خصما ضد كل من تسول له أخلاقة أن يأكل الحقوق ومنها حق العامل , وذلك حين يقول الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة… رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل أستأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره. (64)
وتلعب الحوافز دورا هاما في تنشيط الهمم والحث على العمل. ويتجسد اهتمام الإسلام بالعمل وتقدير أهميته حينما يربط بينه وبين أكبر حافز يبتغيه المسلم ألا وهو رضا الله ومغفرته ودخول جنته. فالمسلم يمنح المغفرة اذا ما جد واجتهد , يقول الرسول صلى الله عليه وسلم
(( من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له )) وإذا كان نيل رضاء الله ودخول الجنة هو الحافز الأكبر إلا أن الدين الإسلامي وضع مجموعة من الحوافز المادية والمعنوية التي تتناول قضايا حياتية أو تشغيلية محددة يمكن اعتبراها – في ميدان العمل الإنتاجي – مؤشرات جيدة لأفكار الإسلام في مبدأ الحفز والعقاب , ولكن الإسلام باعتباره دعوة دينية في المقام الأول عمل أيضاً على ربط هذه الحوافز بالفكرة الأخلاقية الدينية ليعطيها نوعا من الدعم والقوة طالما ان حد الله هو الاستراتيجية العامة التي تحكم طبيعة واتجاه حركة البرامج والإجراءات المكملة لها.
يقول سبحانه وتعالى (( وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)) (65). فهنا نلاحظ فكرتين جوهريتين مرتبطتين بمبدأ الحفز:
الأولى: متعلقة بالجهة التي أصدرت هذه الدعوة للعمل, وهي الجهة التي يبتغي كل مسلم رضاءها ولذلك فالدعوة تحمل في طياتها حفزا طبيعيا للعباد أن يعملوا لأنها جاءت من الب الكريم.
الثانية: متعلقة بالجهات التي ستقيم وتراقب هذا العمل, فهي جهات عادلة لن يشعر العباد معها بضياع حق أو الحاق غبن, ولقد ثبت أخيرا أن عدالة تقييم الأداء تعتبر من أهم المحفزات على العمل, ومن ثم اتجهت جهود المفكرين والعلماء نحو البحث حول تحقيق مبدأ العدالة في التقييم.
وتعتبر دعوة الله سبحانه وتعالى (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) (66) دعوة صريحة إلى العمل الطيب من خلال أعمال مبدأ (( الحفز الإيجابي)) و(( الحفز السلبي )) ذلك أن العمل الطيب يعود على صاحبه كما هو شأن العمل السيء, وتمضي آيات القرآن الكريم في تحفيز المسلمين للعمل الطيب وتجنب العمل الخبيث فيقول سبحانه وتعالى
(( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا )) (76) وجزاء الحسنة عشر أمثالها وجزاء السيئة سيئة مثلها وقوله تعالى (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبه, والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )) (68).
وفي الآيات السابقة يتجلى بشكل واضح ما نحاول اليوم تطبيقه في علوم الإدارة الحديثة من أن الحوافز بشكلها السلبي والإيجابي لكي تكون عادلة ومقبولة ينبغي أن نستند إلى نظام موضوعي لتقييم الأداء , ولذلك لأنه اذا طبق أي نظام للحوافز لا يستند على تقييم موضوعي لإنجازات الناس فانه لن يكون إلا ظلما, وستكون الآثار السلبية الناتجة منه أشد بكثير من آثاره الإيجابية. وفي الآيات الكريمة السابقة وغيرها من الآيات التي تنص على الثواب أو العقاب يواكبها إبراز فكرة العدالة والتقييم المستمر لأعمال الإنسان فالله عليم بعباده يعرف ما يبطنون وما يظهرون فأي عمل خير أو سوء يقوم به الإنسان يسجل عليه, ويتحدد الجزاء أما إيجابا أو سلبا حسب نوع العمل كما تقضي القاعدة الإسلامية (( الجزاء من جنس العمل)) وعملية الإحصاء والمتابعة والتي على أساسها تتحدد الدرجات والجزاءات عملية مستمرة منتظمة لا يعطلها ولا يمنعها مانع فعين الله لا تغفل (( ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعلمون)) (69).
صدق اله العظيم
خامسا: في مجال الاختيار والتعيين والفصل
عني الإسلام بضرورة ترشيد عملية الاختيار سواء للقادة أو للعاملين فالرسول صلى الله عليه وسلك كان يدقق في اختيار رسله في المهمات المختلفة من الفقهاء الذين يجيدون الحديث ولديهم القدرة على الإقناع فضلا عن تاريخهم الناصع بالجهاد في سبيل الله.
لم تعرف الإدارة الإسلامية في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم أي نوع من تأثير الضغوط لتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة عند اختيار الرسول للقيادات وحملة الوظائف سواء ما كان منها ضغوطا اجتماعية عائدة إلى وساطة أو تأثير قرابة أو نسب أو صداقة أو عائد لتأثير الثقل الاقتصادي أو لتأثير عراقة الأصل, وإنما كان أساس الاختيار هو الصلاحية والكفاءة لشغل المنصب لخدمة المسلمين بأمانة ونزاهة, ولقد تجسدت هذه المبادئ في قوله عليه السلام (( من ولى أمر المسلمين, فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله))
وهنا يهمنا التركيز على ثلاثة نقاط هامة:
الأولى: إن الرسول عليه السلام يضع هذا المبدأ للمسلمين في كل مكان وزمان ولكل مستوى قيادي يتمتع بالولاية.
الثانية: إن الرسول عليه السلام يقرر جزاء رهيبا لمن يخالف هذا المبدأ ألا وهو جزاء الخيانة وهذا يعكس أهمية هذا المبدأ ومقدار تأثيره على حياة المسلمين.
الثالثة: إن الرسول عليه السلام يطلب من كل قائد من كل مستوى إداري أن يجتهد في البحث ليجد الشخص المناسب وهذا يتطلب عدم التسرع وقدرا من الحذر وعدم قبول الوساطات وضغوط المؤثرات غير الموضوعية.
وبالنسبة لاختيار العاملين نرى القرآن الكريم يحدد أهم الخصائص التي يجب توافرها فيمن ينبغي استئجاره لأداء العمل ألا هو القوة والأمانة, يقول تعالى (( ان خير من استأجرت القوي الأمين)) (70) وبديهي أن مفهوم القوة يمكن أن ينسلخ إلى قوة التحمل العضلي والقوة الذهنية وقوة المعرفة وقوة الإرادة , كذلك لا يمكن لأحد التقليل من أهمية الأمانة كخاصية أساسية من خصائص الموظف العام والتي بسبب افتقارها تقل الإنتاجية وتتطاول الأيادي على الممتلكات بغير حق وتصل المعلومات محرفة وملونة إلى الرؤساء إلى غيرها من أشكال الفساد الإداري التي يعود جانب كبير منها إلى افتقار الأمانة.
ومن المواقف المشهورة في رفض الرسول للوساطات والضغوط الشخصية موقفة من طلب أبي ذر الغفاري حينما قال له (( ألا تستعملني يا رسول الله)) فقال عليه السلام (( يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها)) (71).
فهنا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم على الرغم من مكانة أبي ذر رضي الله عنه المرموقة عند الله ورسوله للدرجة التي عُد فيها من المبشرين العشرة بالجنة يرفض طلبه بشأن الإمارة وعلى الرغم من أن موقف الرسول صلي الله عليه وسلم من عدم التأثر بضغوط الصداقة مع أبي ذر رضي الله عنه بالغ الأهمية في حد ذاته, ويعتبر نموذجا على المسؤولين حذوه – إلا أن من المهم كذلك تأمل الأسباب التي شرحها الرسول صلى الله عليه وسلم في رفض طلب أبي ذر رضي الله عنه.
أولا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم شعر بأن صفات أبي ذر رضي الله عنه لا تتناسب وطبيعة الحاجة التي يطلبها, وهنا نلفت الانتباه إلى ما نروج له اليوم في الإدارة من ضرورة توفر صفات معينة لشغل وظيفة معينة, فبعض الوظائف تستلزم الرحمة وبعضها على العكس يستلزم الشدة وبعضها يستلزم المهارات العضلية وبعضها يتطلب المهارات الذهنية.
ثانيا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يرفض لأنه يحب للمسلمين – ومنهم أبو ذر رضي الله عنه ما يحب لنفسه, وهو لا يريد لنفسه أو للمسلم أن يتحمل وزرا نتيجة أخذ حقوق ليست بمستحقة.
ثالثا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يرفض لأنه يستشعر أن الأمانة فوق الصداقة وأن الوظيفة حق وليست منحة شخصية.
ولعله كذلك من المهم ان نتأمل أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم في إعلان هذه الأسباب دون حرج لأنه لا حرج في الإسلام.
وتمضي أحكام الدين الإسلامي على نحو أكثر تفصيلا فتوضح لنا أنه من المهم إجراء ما يسمى في الوقت الحاضر بمقابلة الموظف للوظيفة, فكل وظيفة لها مسئوليات تقتضي توفر إمكانيات ومتطلبات معينة في شاغلها والإدارة الناجحة هي التي تبدأ أولا في تحديد مواصفات الوظيفة ثم تبحث عن الشخص المناسب للقيام بها, فاذا كانت قدرات الموظف أقل مما تحتاجه الوظيفة انعكس ذلك سلبا على الأداء إن كل هذه المعاني يمكن ان تجدها في قوله تعالى (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها))(72).
وحينما يتأمل الباحث قول مالك بن أنس رضي الله عنه (( لعن رسول الله صلي الله عليه وسلم ثلاثة: رجل أم قوما وهم له كارهون)) (73)… يقف موقف الانبهار, فالموقف يمكن أن ينسحب على أي إمامه وليس فقط إمامة الصلاة, وهذه الكلمات يمكن اعتبارها مبدأ عاما يسبق أرقي ما وصل إليه الفكر الإنساني الحديث فهو اذا كان يدعو صراحة الرؤساء إلى تغيير أسلوبهم وكسب محبة مرؤوسيهم إلا أنه يستدل منه أيضاً على أنه دعوة لتحسين نظام اختيار الرؤساء وبالذات من خلال مشاركة المرؤوسين في اختيار رئيسهم, ولقد ثبت تجريبيا – فيما بعد – ان التنظيمات غير الرسمية وعمليات تقييد الإنتاج إنما ترجع مباشرة لسوء اختيار الرؤساء وبالتالي لأسلوب الإشراف الأوتوقراطي والأنماط العلاقات الإدارية السائدة بين الرئيس والمرؤوسين, ولهذا تنادي كل النظريات الإصلاحية الحديثة بضرورة إشراك المرؤوسين في اختيار الرئيس أو على الأقل إقناعهم به.
واذا كان ثمة حديث عن الاختيار فانه يمكن أن يستكمل بالحديث عن الفصل ونحن نعرف أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد فصل عمار بن ياسر رضي الله عنه وكذلك خالد بن الوليد رضي الله عنه رغم مالهما من سجلات ناصعة في خدمة الإسلام وذلك حينما وجد مصلحة المسلمين والأمة الإسلامية تقضي بذلك ولم يتردد في ذلك رغم مكانتيها الشخصية السامية لديه.
ومن المهم الإشارة إلى أن تحقيق السيرة النبوية يشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغلب الاعتبارات الموضوعية المتعلقة بالكفاءة والقدرة على إنجاز المهام الموكلة على اعتبارات السن عند اختياره للأفراد وتكليفهم بوظائف معينة فنجده مثلا يعين عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه أميرا على ثقيف بعد أن أسلموا وليس هو بأكبرهم سنا وإنما أحرصهم على التفقه في الدين, ولما كان نشر الدين الإسلامي وتعريف المسلمين بأحكامهم يعتبر المهمة الرئيسية للإمارة في ذلك الوقت فلقد كان اختيار عثمان بن ابي العاصي رضي الله عنه متمشيا مع نظام أولويات الاهتمام المطلوب تنفيذها.
كذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ولى أسامة بن زيد رضي الله عنه قيادة جيش المسلمين وهو دون العشرين لاعتبارات قدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفاءة أسامة وقدرته على إدارة المعركة ولقد أثبت أسامة بن زيد رضي الله عنه سلامة اختيار , ولقد استمر أسامة رضي الله عنه في القيادة حينما توفى الرسول صلى الله عليه وسلم وعين الصديق أبو بكر رضي الله عنه خليفة للمسلمين.
ولذلك يمكن القول أن سياسة الرجل المناسب في المكان المناسب قد نالت أهمية بالغة في الإسلام وكان ذلك الاهتمام عائدا إلى التقدير الحقيقي للدور الذي يمكن أن يلعبه الموظف العام في التأثير على الدعوة والاعتراف بمدى الضرر الذي يمكن أن يلحقه لو أساء استخدام السلطة أو عجز عن الوفاء بالمهام المناطة به. كما كان متمشيا في جملته مع المبادئ والأحكام العامة للدين الإسلامي التي لا تعترف لمسلم على مسلم بالفضل إلا بالعمل الصالح وتقوى الله.
وهناك أكثر من حادثة تشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لجأ إلى اسلوب الاختبار للتأكد من صلاحية المرشح وكفاءته قبل إسناد الوظيفة إليه, ومن ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يختار معاذ بن جبل رضي الله عنه سأله كيف تقضي اذا عرض لك قضاء؟ فأجاب معاذ رضي الله عنه أقضي بكتاب الله فسأله فان لم تجد في كتاب الله؟
فأجاب فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فان لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟ فأجاب أجتهد رأي ولا آلو فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: (( الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرض رسول الله)). (74)
ويحرص الدين الإسلامي على وضع (( سياسات)) تحكم عملية الاختيار وتوزيع المناصب , ومن هذه السياسات ما يظهر في الموقف التالي حينما سأل عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه الرسول عليه السلام أن ينو له أمارة فرد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم (( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسال الإمارة فإن أعطيتها عن مساءلة وكلت إليها وان أعطيتها عن غير مساءلة أعنت عليها))(75). في هذا الحديث يمكن أن نستدل على الآتي:
أولا: أن الرسول عليه السلام يرفض الوقوع تحت ضغوط شخصية عند توزيع الوظائف.
ثانيا: أن الرسول عليه السلام يطلب من المسلمين أن يتعففوا ويمتنعوا عن طلب امتيازات أو وظائف لأنفسهم قد يكون غيرهم أحق بها منهم.
ثالثا: أن الرسول عليه السلام يوضح لنا أن هناك فرقا في النتائج المتحصلة من ممارسة الوظيفة في حالة ما اذا كان الحصول عليها عن ضغط وإلحاح وفي هذه الحالة تعتبر مغنما شخصيا وحقا مكتسبا ليس هناك بعد تحقيقه من حاجة إلى بذل جهد وبين أن تكون من تعفف من جانب الموظف واقتناع من جانب الرئيس وفي هذه الحالة تكون الوظيفة في يد أمينة وتمارس مهامها على أسس موضوعية وتخضع للمساءلة والحساب, وبكلمات أخرى فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر مبدأ ان الوظيفة للشخص وليس الشخص للوظيفة وهو المبدأ التنظيمي المعروف حاليا باسم بناء التنظيم حول الوظائف وليس حول الأشخاص.
سادسا: في مجال العلاقات الإنسانية.
على الرغم من أنه كثيرا ما يتردد على مسامعنا (( أن أهمية العلاقات الإنسانية في الإدارة لم تكتشف إلا أثر التجارب التي تمت في مصانع الهاوثورن في الحلقة الثالثة من هذا القرن والتي كانت الأساس لتكوين مدرسة في الإدارة تعرف باسم مدرسة العلاقات الإنسانية )) إلا أنه من الثابت أن التعريف بأهمية العلاقات الإنسانية وطرحها كقضية أساسية تحكم العلاقات بين القائد والمرؤوسين رأسيا وبين المستويات المتشابهة أفقيا منصوص عليه في أحكام القرآن الكريم ومعمول به في التنظيم الإسلامي.
ففي مجال العلاقة التي يجب أن تسود بين القائد ومرؤوسيه نجد أن هناك أكثر من موضع في القرآن الكريم والحديث الشريف يشير إلى أهمية إقامة هذه العلاقات على أسس إنسانية فالله سبحانه وتعالى يقول (( فبما رحمة الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم وأستغفر لهم وشاورهم في الأمر)) (76) بل أن القرآن الكريم يقرر أهمية الصفات الإنسانية في الرسول الذي اختاره واصطفاء ليتولى مهام الدعوة فيقول تعالي (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم )) (77).
فهذا الرسول أولا شخص عادي من بين القوم أنفسهم وليس غريبا عليهم يعيش نفس ظروفهم ومشاكلهم ويشاطرهم أحاسيسهم ثم أنه ثانيا يتسم بالحرص على مصالحهم ثم أنه فوق كل ذلك بهم رؤوف رحيم.
كذلك يرشد القرآن الكريم لأهمية اتباع السلوك الإنساني في الدعوة وهو ما ينسحب ليصبح مبدأ عاما في أسلوب الاتصالات الذي ينغي أن يسود بين كل رئيس ومرؤوسيه في أي موقع من مواقع العمل فيقول (( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)) (78).
ومن المعروف أن اتباع الرئيس للأسلوب الديكتاتوري في العمل وعدم استجابته لمطالب مرؤوسيه وعدم سعيه لتحقيق توقعاتهم يؤدي إلى انهيار العلاقات الإنسانية في المنظمة حيث تبدأ علاقة الكراهية في الحلول محل علاقات التفاهم. يقول أنس رضي الله عنه لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: (( رجل أم قوما وهم كارهون)) وهو مبدأ عام يدعو للحب والتفاهم بين الإمام (الرئيس) وبين المأمومين (المرؤوسين) وحينما تحل الكراهية بين الرئيس والمرؤوسين يصعب العمل وتقل الإنتاجية وتبدأ المنظمة في الانهيار, ولقد قدمت أحكام الدين الإسلامي أسلوبا إداريا راقيا لاستئصال أمراض التعامل الإنساني من شأفتها حينما ركزت الانتباه على ضرورة تحسين نظام الإشراف وسيادة جو طيب من العلاقات الإنسانية بين الرئيس والمرؤوسين وذلك من خلال مجالين رئيسيين للتأثير:
أ- التربية الإسلامية الصحيحة لكل من الرؤساء والمرؤوسين على النحو الذي تكون فيه تعاليم الإسلام مقدسة التطبيق.
ب- ويتبع ذلك حسن اختيار الرؤساء دون أي ضغوط أو وساطات.
ومن دراسة أحكام القرآن الكريم يتضح لنا أيضاً اهتمام الإسلام بتحسين ظروف العمل وتوفير الراحة وعدم إجهاد الناس وتكليفهم بما لا يطيقون فيقول تعالى (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)) 79 ويقول عليه السلام (( فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا))80, وكما يقول ((روحو القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلَت ملَت)) وهو ما يزعم البعض إنها أفكار حديثه جاءت بها مدرسة العلاقات الإنسانية خلال الحلقة الثالثة من هذا القرن.
كما يتجسد مبدأ العلاقات الإنسانية في أبهى صورة في التعامل مع الأعداء (( لا إكراه في الدين)) 81 (( لكم دينكم ولي دين)) 82 وكان علي بن أبي طالب ينصح ولاته قائلا (( إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة ولا رزقا يأكلونه ولا دابة يعملون عليها ولا تضربن أحدا منهم سوطا واحدا في درهم ولا تقمعه على رجله في طلب درهم)).
ويفوق الدين الإسلامي أرقي ما ذهبت إليه أفكار المصلحين والاشتراكيين المحدثين فالمسلمون كالجسد الواحد (( إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) 83, (( ومن كان عنده فضل ظهر (دابة) فليعد به على من لا ظهر له)) 84 وكذلك قوله( صلى الله عليه وسلم) ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))85.
وتتجلى هذه العلاقات الإنسانية في المعاملات اليومية بين المسلمين إذ ينبغي أن تتسم جميعها بالعدل والسماحة والألفة فيقول النبي صلى الله عليه وسلم (( رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى))86 كذلك يقول (( المؤمن مؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)) 87, بل أن سيادة روح التعاون والتكاتف بين المسلمين قد قدرت في أحكام الشريعة الإسلامية قدرا يعلو الاعتكاف للعبادة بعيدا عن مشاكل الناس وهمومهم إذ يقول صلى الله عليه وسلم (( لئن يمشي أحدكم مع أخية في قضاء حاجته أفضل من أن ينعكف في مسجده شهرين )).
ويحفز الإسلام المسلمين على الرحمة بين العباد على أساس إنها تعكس طبيعة علاقة الله بهم فهو رحيم بهم ما داموا رحماء بأنفسهم فالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يقول (( من لا يرحم لا يُرحم)) 88 (( والله في عون المرء ما كان المرء في عون أخيه)) 89 (( ومن كان في حاجه أخيه كان الله في حاجته))90…. (( وان فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة))91.
ونظرا لأهمية سيادة ورح التفاهم والمحبة بين المسلمين نجد أن القرآن الكريم يحث على ضرورة التصدي لأي شروخ في العلاقات داخل المجتمع الإسلامي, ويدعو المسلمين إلى إزالة أسباب التوتر بينهم إذا ما ظهر, يقول سبحانه وتعالى (( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم))92 وهذه الآية تأكيد على ضرورة استمرار العلاقات الأخوية بين المسلمين لإنها خاصية أساسية من خصائص المجتمع الإسلامي الطبيعي الذي لا طبقية ولا تمايز فيه إلا بالتقوى والعمل الحسن.
ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية الكلمة المنطوقة في التأثير على السلوك البشري حينما قال(( الكلمة الطيبة صدقة))93 وقال تعالى (( وقولوا للناس حسنا)) 94 و(( أفضل صدقة صدقة اللسان)) ولعل من الأهمية الإشارة إلى أن انتشار روح المحبة والتآذر بين المسلمين قد استندت إلى عوامل متعددة لعل من أهمها ديمقراطية الإسلام التي وضعت أسس مساواة حقيقية بين كافة المسلمين, فالمسلمون سواسية كأسنان المشط لكل منهم نفس الحقوق والواجبات ولذلك ليس هناك مناخ ملائم لتوالد جراثيم الكراهية والعداء التي تنبت في ظل التمايز وعدم العدالة الاجتماعية بل إن عظمة الإسلام في إلغاء التمايز العراقي والطبقي تظهر من خلال قول سيفان الثوري عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن الفقراء كانوا في مجلسه أمراء))
ولعلنا لا نجد كلمات تعبر عن الديمقراطية في أرقى صورها كما عبرت عنها الديمقراطية الإسلامية في دعوته عليه السلام ((أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أبيض فضل إلا بالتقوى)).
الخلاصة:
لقد كان هدفنا من هذه الدراسة – والله من وراء القصد – مجرد تقديم أمثلة أيضاً حية تثبت:
- أن الفكر الإنساني في مجال الإدارة قد استمد جزاء كبيرا من تكوينه الحالي من الثقافة الإسلامية وأن الدين الإسلامي وما أفرزه من حضارة إسلامية باهرة هي أحد مصادر الإلهام الرئيسية للفكر الإداري الأوربي الحديث. فالإسلام قد وضع الأحكام والقواعد المتصلة بتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين وعمل على تطبيقها ونشرها من خلال دولة بالغة التنظيم واحتكت بها التكوينات الإدارية الأوربية القائمة وأخذت منها وعملت على الاستفادة منها كما هو الحال في مجالات العلوم والفنون الأخرى التي أخذها الغرب من الثقافة الإسلامية وقام بتنميتها وتطويرها ثم الادعاء بحق التأليف والخلق متجاهلا مصادرها ومنابعها الأصلية.
- أن أحكام الدين الإسلامي في مجال تنظيم الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمسلمين والتي منحت المسلمين أزهى حضارة وأقوى دولة لاتزال قابلة وقادرة على حل مشاكل العصر والتصدي لمشكلات التخلف والتنمية التي تعاني منها البلدان الإسلامية ولا يحتاج لأمر أكثر من وقفة مع الذات ومقاومة للغي والشيطان من أجل العمل بإخلاص نحو تطبيق هذه الأحكام.
- أن أحد أسباب تخلفنا بالمفهوم الاقتصادي والاجتماعي يرجع إلى أننا لازلنا في محاولات متعثرة للبحث عن هوية والمشكلة أننا لا نبحث عن هويتنا الحقيقية النابعة من أحكام ديننا الإلهي ولعل هذا أسهل الحلول وإنما نسعى لنصعب الأمر على أنفسنا عن جهالة باستعارة هويات الآخرين والعمل من خلالها فأحيانا تكون الهوية شرقية الطابع بميول ماركسية وأحيانا غربية بميول رأسمالية ولعل هذا يفسر عدم وحدة مصادر التشريع الإداري وعدم وضوح خلفية النظام الإداري المطبق عندنا.
- أن تطبيق قواعد الدين الإسلامي في مجال تنظيم الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لا يتعارض على الإطلاق مع مبدأ الانفتاح على التقنية الحديثة أيا كان مصدرها. فالمهم هو تطويع هذه التقنية وجعلها في خدمة القواعد والأحكام الإسلامية. وليس هناك ما يمنعنا من استخدام الحاسبات الآلية أو الميزانيات التقديرية أو بحوث العمليات أو نظم الحوافز المادية المتقدمة طالما إنها لا تتعارض مع الأحكام والقواعد الإلهية المنظمة للعلاقة بين الإنسان وخالقه وبين الإنسان والمجتمع والباحث على قناعة تامة أننا سنكتشف مع التطبيق أنه لا مجال لهذا التعارض والمهم هو أن نضع أنفسنا على الطريق.
ثانيا: في مجال التنظيم
يثبت البحث في أحكام القرآن الكريم والأحاديث النبوية وفي ممارسات بناء الدولة الإسلامية في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والصحابة (رضي الله عنهم) أن قدراََ كبيرا من
(( المبادئ التنظيمية)) المعمول بها الآن قد وجد مجاله في التطبيق بما يتلاءم مع ظروف ومعطيات العصر, وسنحاول بإيجاز استعراض بعض هذه المبادئ في القرآن الكريم.
مبدأ القيادة:
يهتم الفكر التنظيمي الحديث بضرورة وجود قائد لإدارة العمل وتوجيه وحفز المرؤوسين, ولقد نبه الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم) على أهمية تعيين القائد لكي تنجح المجموعة في تنفيذ المهام المناطة بها وإلا تضاربت الجهود وعجزت عن الوصول إلى الهدف المبتغى. فيقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (( لا يحل لثلاثة يكونوا في فلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم(7))) ويقول أيضاً (( إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم(7)))
ومن المهم الإشارة هنا إلى عظمة الفكر الإسلامي المتعلق بنظام تولية القائد إذ أن الواضح من الأحاديث السابقة سيادة الأسلوب الديمقراطي والتولية بالانتخاب أو الاختيار الجماعي, فهو لا يترك فرصة لشخص أن يتسيد الجماعة أو يمارس نفوذه عليها دون تقبل من جانبها لهذا النفوذ وإنما الأصل أن تحدث الولاية أو الإمارة من خلال إنفاق المجموعة وأن يكون لكل أعضائها فرصة متساوية للاختيار دون تحديد مسبق لمن يكون الرئيس, فإذا اختير رئيس للجماعة فلابد من أن يطاع حتى تسير أمور المجتمعين على نسق واحد يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله, ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني)) ويقول صلى الله عليه وسلم (( اسمعوا وأطيعوا ولو ولي عليكم عبد كان رأسه زبيبة)).
مبدأ استخدام الهيئات الاستشارية:
تميز النظام الحكم الإسلامي في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتطبيقه الواسع لسياسة المشورة في الرأي واستخدامه ما يسمى في الوقت الحاضر بالهيئات الاستشارية المتخصصة ولقد كان ذلك تطبيقا ومصداقا لقوله تعالى (( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون(10))) وكذلك
(( وأمرهم شورى بينهم(11))) وكذلك قوله جل شأنه (( وشاورهم في الأمر(12))) ولقد أخذ التجسيد العملي والرسمي لمبدأ الشورى الإسلامي في تكوين ما يمكن تسميته بمجلس الشورى, ولقد ضم هذا المجلس أربعة عشر نقيبا مناصفة بين المهاجرين والأنصار, يجري اختيارهم من بين أهل الرأي والحكمة وقوة الإيمان والجهاد في سبيل الله, وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يلجأ إلى هذا المجلس طالبا نصحه ورأيه في مختلف القضايا التي تهم المؤمنين والدولة الإسلامية الحديثة.
وقد استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في غزوة بدر فأشار عليه رجل من المسلمين أن ينزل على ماء بدر وكذلك استشارة الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) أصحابه قبل غزوة أحد أيخرج لملاقاة العدو أم يقيم في المدينة وكان رأي بعض أصحابه أن يخرج لملاقاة العدو وخرج نزولا على رأيهم.
مبدأ السلطة والمسئولية:
تتميز السلطة في الإسلام بانها ليست وضعية, بمعنى أن كل السلطات مصدرها الخالق وإليه مردها, وإذا ما كان المبدأ ساريا فمعنى ذلك أن مفهوم السلطة لا يمارس إلا في ضوء أحكام الله وسنة نبيه, وأول ما يتمخض عن هذا المبدأ أن السلطة ليست شخصية, كما إنها لا تعني التسلط بأي حال من الأحوال وإنما هي مجموعة من الحقوق المستمدة من قواعد وأركان الإسلام تمنح للرؤساء يستخدمونها لإنجاز مصالح المسلمين.
وحينما طلب الإسلام من المسلمين إطاعة أولي الأمر منهم كان هذا الطلب أيضاً في حدود وتحت قاعدة أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق… وبذلك جعلت أحكام الدين الإسلامي ممارسة السلطة في حقيقة الأمر قضية سهلة التطبيق إلى حد كبير.
ولما كانت السلطة في الإسلام ليست شخصية وليست تسلطا فإنها تأتي مرادفة للمسؤولية من زاويتين:
الزاوية الأولى: أن السلطة مرادفة للمسئولية من حيث حجم الإنجازات أو التكليفات المطلوب تحقيقها بواسطة السلطة, فحجم السلطة ينبغي أن يكون معادلا لحجم المسئولية وهو المبدأ الإداري الذي يطلق عليه اليوم تعادل السلطة مع المسئولية, فألوا الأمر إنما يزودون من السلطات ما يكفي لإنجاز المسئوليات على عاتقهم والمكلفون بها من قبل الله وخليفة المسلمين ويعني ذلك أن الإسلام لا يمنح السلطات للوجاهة أو للنفوذ وإنما لمقابلة مسئوليات وظيفة محددة… وفي إطار ذلك كان من السهل دائما:
أ- كشف مدى كفاية السلطة في إيجاز الحجم المطلوب من التكليفات أو ما يسمى (( بالأهداف المتوقعة)) وهذا مهم لتحديد مدى مسئولية المكلف بالتنفيذ نحو عدم تحقيق هذه الأهداف فقد يكون السبب راجعا إلى عدم تزويده من جانب المستويات الأعلى بالسلطات الكافية لإنجاز الأهداف المتوقعة.
ب- كشف أوجه النقص في عدم التحديد الدقيق للسلطات والمسئوليات والذي يحدث في بعض الأحوال لسبب أو لآخر, ومن الأمور الجديرة بالذكر أن السبب المباشر لقيام سيدنا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) بوضع أساس للتقويم الهجري هو أن أبا موسى الأشعري (رضى الله عنه) حينما كان واليا على الكوفة جاءه خطاب من عمر (رضى الله عنه) يكلفه ببعض الأعمال وكان الخطاب لا يحمل تاريخا محددا فاختلط الأمر على أبي موسى الأشعري(رضى الله عنه) على النحو الذي يمكن التعبير عنه في الوقت الحاضر(( عدم تحديد البعد الزمني للمسئولية)) وبذلك كانت التكليفات غير محددة تحديدا قاطعا فرد أبو موسى الأشعري (رضى الله عنه) على عمر (( رضى الله عنه)) يستوضحه في الأمر ويسأله أي تاريخ يقصد هل هو تاريخ العام الحالي أم العام المنصرم؟ وحينذاك قرر عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) جمع الصحابة ( رضي الله عنهم) للتدارس بشأن وضع تقويم جديد يسهل إدارة الدولة ومصالح الناس واتفق رأيهم على أخذ السنة الهجرية كبداية للتقويم.
الزاوية الثانية: أن السلطة مرادفة للمسئولية من حيث التبعات التي يتحملها حائز السلطة تجاه الله والمسلمين فالسلطة في الإسلام أمانة في العنق فالحاكم في الدولة الإسلامية يستشعر مسئوليته عن ضياع بعير العراق وهو في المدينة, وعن أمن الراعي بالبصرة على غنمه لا يخشى عليها إلا غضب الله وضراوة الذئب. وهذا المعنى الإنساني للمسئولية تجاه السلطة يجعل عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه) يحمل على ظهره مؤنة أسرة تعاني ثم يصحب إليها زوجته لترعى الأم وهي تلد ويقوم هو يطهو الطعام لها ولأولادها, يفعل عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) هذا ويهتم بتفاصيل حياة المسلمين في دولة امتدت حدودها لتزيد عن الحدود الحالية لأي قطر عربي وفي ظل نظم اتصالات بدائية ووسائل مواصلات أقصى سرعة لها محدودة بسرعة الدابة. ونراه يأخذ نفسه بشدة لا يطلبها من رعيته فلا يرضى أن تأكل أمراته تمرا من مال ادخرته من راتبه ويقوم بإنقاض راتبه بقدر ما أدخرته زوجته على أساس أنه يفيض عن حاجته, وكان عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يبكي حينما يتذكر حجم مسئولياته أمام الله يوم القيامة في إطار سلطاته كخليفة للمسلمين, وكان كتير من المسلمين الصالحين يترددون في قبول الوظائف العامة على ضوء تبعائها أمام الله, ويروى عن الخليفة عمر بن عبد العزيز (رضى الله عنه) أنه كان ينام مسهدا مؤرقا من هول مسئولياته أمام ربه تجاه كل مسلم ودابة وتبتة على أرض الإسلام…وهذا الحس الإنساني الرفيع تجاه المسئوليات المترتبة على ممارسة السلطة لا نجده فكرا وتطبيقا إلا في دين ودولة الإسلام.
ولقد عني الإسلام بموضوع تفويض السلطة على النحو الذي يفي بتنفيذ المسئوليات المناطة بوظيفة معينة فنجد أن الولاة أيام الخلفاء الراشدين كانوا يفوضون في حدود معينة وحينما يحتاج القرار إلى مستوى إداري أعلى فانهم يعودون إلى الخليفة. كما كان الولاء يفوضون صلاحياتهم إلى أمراء الأقاليم, ولكن في كل الأحوال كانت تتم مراجعة مستمرة لأسلوب وطريقة استخدام السلطة المفوضة من جانب مصدر التفويض إلى من فوض إليهم وفي بعض الأحوال كان يتم عزل الوالي لأنه أساء استخدام السلطة وفي أحوال كان ينزل به جزاء مادي أو معنوي يتناسب مع حجم إساءة السلطة المفوضة, ومن الأمثلة الشهيرة في ذلك قيام عمر بن الخطاب رضى الله عنه بتوبيخ عمرو بن العاص رضى الله عنه وإعطائه العصا لمصري فقير ليضرب بها ابن عمرو بن العاص رضى الله عنه وهو يردد كلمته التاريخية المشهورة (( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)). وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل إلى اليمن وقال له (( فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فان أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم)) (13).
وجدير بالانتباه ملاحظة أنه إلى جوار السلطة الرسمية كانت تشيع في الحكومة الإسلامية السلطة المستمدة من المعرفة فأهل الرأي والفقه كانوا دائما يشكلون سلطة المشورة وأبداء الرأي والنصح وفي أوقات أخرى كانوا حينما يشتط الأمر ببعض الولاة أو الرؤساء يتغير أسلوب الممارسة من النصح الهادئ إلى الزجر وفي معظم الأحوال ظلت سلطة أهل العلم والثقة قوية ومرهوبة الجانب ولعل مواقف صحابي مشهور مثل أبي ذر الغفاري (رض)في عهد معاوية (رض) أبلغ دليل على ذلك.
ثالثا: في مجال الرقابة:
توفر مجموعة الأحكام المتصلة بعنصر الرقابة في الإسلام نظاما متكاملا قل أن يوجد شبيه له في نظم الإدارة الحديثة, فتحليل هذه الحكام يشير إلى إنها:
- تتسم بالشمولية
- تتسم بالعدالة المطلقة
- تتسم بالوضوح والبساطة
- تتسم بالتركيز على منع الأخطاء وليس مجرد تصيدها (رقابة وقائية)
- تتسم بتوضيح مسار التصحيح
وسوف نناقش كل خاصية من هذه الخصائص بإيجاز يكفي لإلقاء بعض الضوء على جوانب الإعجاز الإداري الإسلامي في هذا المجال داعين إلى مزيد من التعمق والدراسة في هذا الاتجاه.
– الشمولية:
وتتجسد شمولية أحكام الرقابة الإسلامية في:
أ- الجهات التي تتولي الرقابة
ب- المجالات الخاضعة للرقابة
بالنسبة (( للجهات )) التي تتولى الرقابة فإننا نجد أن المسلم خاضع للرقابة من جانب :
1- الله عز وجل, وهو ما يمكن أن يطلق عليه الرقابة الإلهية وهي تشكل المصدر الرئيسي للرقابة.
2- نفسه, وهو ما يمكن أن نطلق عليه الرقابة الذاتية.
3- المجتمع, وهو ما يمكن أن نطلق عليه الرقابة الاجتماعية أو الشعبية.
4- الإدارة, وهو ما يمكن أن نطلق عليه رقابة السلطة الرسمية.
وليس في تعدد هذه الجهات أي نوع من التضارب أو الازدواجية ذلك إنها مكملة لبعضها في أطار الشمولية العامة للفكر الإسلامي المستقاة من وحدة مصدر التشريع, وسيجد المؤمن الكامل أن من السهل أن يلبي الاحتياجات الرقابية التي يشكلها كل مصدر من هذه المصادر لأنها متسقة مع بعضها. فهو اذا صدق مع الله صدق مع نفسه ومع المجتمع ومع السلطة الرسمية – اذا كانت منفذة لأحكام الشريعة -. والحقيقة أن أحكام الشريعة الإسلامية تكون في مجموعها ما يمكن تسميته في الوقت الحاضر بالنظام System, ومن أهم خصائص النظام هو عدم التضارب بين جزئياته Subsystems خلال حركته المنتظمة وفي هذا المجال يعتبر النظام الإسلامي من أرقى الأنظمة إذ لا مجال لأي تضارب بين الأحكام والقواعد التي تحكم الأنشطة المختلفة, فالمؤمن يقوم بطريقة تلقائية بمراقبة ذاته لتصرفاته وهو يتلقى بطريقة تلقائية وإيجابية رقابة المجتمع ورقابة السلطة الرسمية لأنها كلها تتم في اطار من أحكام الرقابة الإلهية التي هي الأساس والمصدر الرئيسي للرقابة.
وتشكل الرقابة الإلهية المصدر الرئيسي والملهم لمصادر الرقابة الأخرى, فتصرفات المسلم وان خفيت على الأجهزة الرسمية أو على المجتمع لا تخفي على الله, وتسجل الأعمال والتصرفات ليحاسب عليها المؤمن يوم القيامة إما سلباً أو إيجابا ويقول سبحانه وتعالى (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون14)) وقوله تعالى (( يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية15)) وقوله تعالى (( ان الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء16)) وقوله تعالى (( يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء17)) وقوله تعالى (( انه يعلم الجهر وما يخفى 18)) وقوله تعالى (( ويعلم ما تخفون وما تعلنون19)) وقوله تعالى (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله20)) وقوله تعالى (( ربنا انك تعلم ما نخفي وما نعلن21))
وتتجلى الرقابة الذاتية في قوله تعالى (( كل نفس بما كسبت رهينة 22)) وقوله تعالى (( ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون23)) وقوله تعالى (( ليجزي الله كل نفس ما كسبت24)) وقوله تعالى (( يا أيها الذين آمنو اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد 25)) وقوله تعالى (( ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون26)) وفي قول الرسول (صلعم) (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم 27)).
ويهتم الإسلام بتنشيط الرقابة الاجتماعية أو الشعبية من خلال اهتمامه بتماسك المجتمع الإسلامي, فطالما أن المسلم الفرد هو اللبنة الأساسية في بناء هذا المجتمع وأن أي انهيار في بعضها كفيل بانهيار البناء الاجتماعي فان مسئولية المجتمع أن يحافظ على تماسكه من خلال الرقابة على السلوك الفردي مانعا أي عوامل هدم أو انشقاق قد تؤثر في الهيكل الاجتماعي…. ولعل أروع تعبير عن الرقابة الاجتماعية بمفهومها الشامل يمكن أن تلمسه في حديث الرسول (صلعم) (( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته 28)) كما تتجسد هذه المعاني أيضاً في قوله (( فالرجل في بيته راع وهو مسئول عن رعيته29)) وقال عليه الصلاة والسلام (( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى 30)). وقال تعالى (( والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض31)) وقال تعالى (( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض 32)).
وتمتد الرقابة الشعبية لتصل إلى أولي الأمر….. فالرئيس أيا كان موقعه عليه أن يخدم المسلمين وأن يطبق قواعد الشريعة الإسلامية, وعلى المسلمين مراقبته وتقويمه اذا اقتضى الأمر ولقد جسد الخليفة أبو بكر الصديق رضى الله عنه هذا المعنى في كلماته الرائعة التي تشكل أرقى أسس الرقابة الشعبية على السلطة الرسمية حينما يقول(( أيها الناس لقد وليت عليكم ولست بخيركم فالقوي عندكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه والضعيف عندكم قوي عندي حتى آخذ الحق له)). ومن المواقف المشهورة التي تجسد الرقابة الشعبية في أبهي صورها ما كان من شأن عمر بن الخطاب (رض) وهو يخطب في المسلمين طالبا منهم السمع والطاعة فانبري أحد المسلمين معلنا عدم السمع والطاعة حتى يفسر عمر سبب طول ثوبه بينما هو رجل مديد القامة وما خصص له من قماش شأنه كشأن المسلمين لا يكفي لستر قدمية…. لم يغضب عمر ولم يتصورها إهانة وهو خليفة بل أنه من منطلق إحساسه بمسئولياته كخليفة وكرجل تبى بتربية الإسلام يفسر السبب بهدوء معلنا ومستشهدا بابنه عبد الله أنه أخذ نصيبه وأكمل به ثوبه.
أما رقابة السلطة الرسمية فتتمثل في رقابة أولي الأمر في مستوياتهم الإدارية المختلفة على من أوكل إليهم مهمة تنفيذه, وهي رقابة لم يعني بها الإسلام التسلط في أي وقت من الأوقات وإنما هي لخدمة أهداف المجتمع الإسلامي وبنائه على أسس الشريعة الإسلامية.
ونود الإشارة إلى فكرة تعدد المستويات الرقابية الرسمية ارتباطا بالتنظيم الإداري للدولة, فالخليفة يراقب تصرفات الولاة, والولاة يراقبون أمراء الأقاليم وأمراء الأقاليم يراقبون تصرفات المحتسبة… وكثيرا ما كانت تحدث مخالفات في مستوى إداري فيتولى المستوى التالي له التصحيح واذا كان القرار المطلوب يعلو فوق صلاحيات هذا المستوى كان يرفع أمره إلى مستوى أعلى وربما إلى الخليفة, ولقد اهتم الرسول (( صلعم)) بالرقابة على الولاة ومحاسبتهم باعتبارهم نوابا عنه وذلك على الرغم من عنايته الفائقة باختيارهم وذلك حرصا منه على مسئوليته أمام الله والناس وحرصا على سمعة الدين الإسلامي الذي يلعب هؤلاء الولاة دورا كبيرا في تمثليه والتعبير عنه, ويمكن القول أن الرسول (( صلعم)) هو أول من طبق مبدأ من أين لك هذا وأول من وقع عليهم التطبيق كان الولاة وليس عامة الناس, ويتجسد هذا المعنى في قولته الرائعة (( أما بعد فإني استعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي, أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتية هديته؟ )) 33 وكان ذلك وهو يحاسب أحد عمال الزكاة الذي ادعى أن بعض المال يخص الزكاة والبعض الآخر أهدي إليه.
ولقد مورست السلطة في الإدارة الرسمية في ظل نظام اتصالات فعال يقوم على مبدأ
(( الأبواب المفتوحة )) إذ كان يمكن لأي مسلم أن يتوجه إلى الخليفة يشكواه ضد أي مقام من الدولة حتى ولو كان الخليفة نفسه وكثير من الحوادث التاريخية تذكرنا بأن الخليفة نفسه كان خصما لمسلمين عاديين, ولعل هذا المبدأ هو الذي مكن لمصري بسيط أن يقتص من عمرو بن العاص (رض) والي مصر وأن يفسح عمر بن الخطاب ليهودي ليختصم من علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه رغم أن الخصومة كانت ادعاء كاذبا من إليهودي.
ويعتبر محمد بن مسلمة (رض) أول جهاز رقابة إداري رسمي عرفه الإسلام فلقد عينه الخليفة عمر بن الخطاب للتحقق من أعمال الولاة وفحص الشكاوي المقدمة من الرعية تجاههم. هذا فضلا عما كان يقوم به الخليفة عمر (رض) بنفسه من تقضي ومراقبة أحوال المسلمين.
ومن دراسة أحوال الدولة الإسلامية في عهد سيدنا عمر (رض) نلاحظ أنه قد وجه اهتماما كبيرا للرقابة على الولاة بشكل خاص وكان هذا سلوكا طبيعيا متفقا مع المنهج الإسلامي بشكل عام, كما تبرره العوامل الموضوعية المحيطة بالدولة الحديثة في ذلك الوقت وأهم هذه العوامل هو اتساع رقعة الدولة الإسلامية وتعدد القوميات الداخلة في إطارها واختلاف القيم والتراث الاجتماعي والثقافي السائد فيها في الوقت الذي كانت فيه المواصلات صعبة والاتصالات بطيئة على النحو الذي قد يمكن للولاة إساءة استخدام السلطة دون كشف سريع أو دون كشف على الإطلاق, ومن ضمن الإجراءات الرقابية التي عمد إليها الخليفة عمر (رض) الآتي:
- التدقيق في اختيار الولاة من العناصر المعروفة بالزهد والتقوى في الوقت الذي تتمتع فيه بالمقدرة الإدارية, ولا شك أن الاختيار الجيد يمثل عنصرا أساسيا من عناصر الرقابة المانعة أصلا لوقوع الانحرافات.
- إتباع سياسة الباب المفتوح على نحو ما سبق أن ذكرناه.
- عقد اجتماع سنوي دوري للولاة خلال موسم الحج وفي هذا الاجتماع كان يوجه لهم التعليمات والتحذيرات ويروي أن أهم ما كان يهتم به هو تحذيرهم من قبول الهدية.
- كان يأمر الولاة أنهم اذا وصلوا المدينة (حيث محل إقامتهم الدائم) أن يدخلوها نهارا لكي يظهر بوضوح ما في حوزتهم.
- كان يرسل مندوبيه من ذوي الثقة بطريقة سرية للأمطار للتعرف على أحوال الرعية وسلوك الولاة وليقدموا إليه تقاريرهم التي يتولى تحقيقها بنفسه.
البساطة والوضوح:
من الخصائص التي تتداولها كتب الإدارة الحديثة عن النظام الرقابي الجيد أن يكون بسيطا واضحا لمن يقوم على استخدامه, وبتحليل الأحكام الإسلامية في مختلف المجالات نجد أن هذه الصفة كانت لصيقة بها, فمعجزة الإسلام في قرآنه الذي عبر بكلمات منتقاة عن أدق وأعقد العلاقات البشرية, كما تتسحب صفة البساطة والوضوح أيضاً على مجمل أحكام السنة المحمدية.
وتعتبر المعايير الرقابية من أهم العناصر الرقابية التي ينبغي أن تتوفر فيها خاصية البساطة والوضوح, ذلك أن معظم الغموض الذي يحيط بعملية الرقابة غالبا ما يمكن في هذا العنصر, والمعايير هي المستويات التي تتطلع إلى بلوغها والتي على أساسها يمكن الحكم على نتائج الأعمال, والتفرقة بين ما هو مقبول بدرجاته المختلفة وما هو مرفوض بدرجاته المختلفة. فإذا كانت هذه المعايير غامضة وغير مفهومة من جانب المرؤوسين أو غير متفق عليها من جانب الرؤساء أو غير ممكنة التطبيق عمليا فإن هذا يؤدي إلى تشتت وضياع الجهود البشرية سواء على مستوى المنفذين الذين لا يعرفون توجهاتهم الصحيحة عند تنفيذ الأعمال ولا على مستوى المقيمين الذين لا يعرفون كيف يقيمون هذه الجهود بطريقة عادلة موحدة.
ووضوح وبساطة المعايير أساس لتسهيل عملية الرقابة ولعل أبسط دليل على ذلك إنها تمكن من تحول الرقابة من نظام بيروقراطي بطيء الإيقاع تتعدد فيه المستويات الرقابية وتتنازع فيه المستويات وتقل فيه الفاعلية إلى نظام رقابة تلقائي يستطيع أن يباشرها المسئول ذاته على نتائج أعماله.
وفي الإسلام نجد أن المعايير التي تحكم العلاقات وتفرق بين الصالح والطالح معروفة ومحددة تحديدا قاطعا لا لبس فيها, كما إنها معدة لتخاطب البشر بإمكانيتهم الطبيعية التي خلقهم الله بها.
وسنحاول هنا أن نقدم مجرد أمثلة على عدد من المعايير الرقابية التي وضعتها الشريعة الإسلامية السمحاء, يقول صلى الله عليه وسلم (( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم)) فإذا تأملنا هذا الحديث الشريف نلاحظ الآتي:
- أن معيار الإيمان الكامل هو الإحساس بآلام المحتاجين وأولهم الجيران.
- إن شرط العلم بالحاجة ضروري لتطبيق المعيار.
والحديث رغم بساطته المتناهية يحمل بالإضافة إلى المعاني الموضوعية السامية فكرا إداريا نموذجيا ذلك أننا – كمشتغلين بالإدارة والتنظيم – ننصح دائما لكي ينجح نظام الرقابة أن تكون المعايير قابلة للتطبيق وهذا هو الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم يوفر هذا الشرط الموضوعي بأن جعل تطبيق المعيار مرهون بإمكانية التعرف على حاجة الجار.
كذلك من معايير الإيمان قوله صلى الله عليه وسلم (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) (34) وهذه الكلمات البسيطة الدافئة تعكس معيارا بالغ الأهمية في تكوين دولة المسلمين على أساس علاقات صحية خالية من الأثرة والكراهية والحقد, والواقع أن هذا المعيار سهل التطبيق وسهل المراقبة ويستطيع كل مسلم أن يراقب ذاته من خلاله, ولكن ملاحقة الدنيا على حساب الآخرة تعمي البصائر.
ومن معايير البر (( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبين وآتي المال على حبه ذوي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة)) (35) ومن المعايير الواضحة التي يضعها الإسلام لتحديد مواقع المسلمين عند الله قوله تعالى (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير))(36). فليس للمال ولا للعائلة ولا للوظيفة أي دور في تحديد مراكز المسلمين من الله سبحانه وتعالى وإنما هناك معيار أساسي ألا وهو تقوى الله والعمل الصالح.
ومن معايير الانفاق السوي الذي يجسد سلوك المسلم الطبيعي قوله تعالى (( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا)) (37)
ومن معايير فلاح المؤمن قوله تعالى (( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون)) (38).
ومن المعايير البسيطة السهلة التطبيق التي يعجز أي نظام وضعي عن مضاهاتها في بساطتها ودقتها وعدالتها وسهولة الرقابة من خلالها على سلوك الولاة تجاه المال العام قوله صلى الله عليه وسلم (( من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول)) (39) أي خيانة وهو يعني ببساطة متناهية أن أي دخل يحصل عليه الولاه خلال فترة ولايتهم يزيد عن الراتب المقرر لهم وجاء لهم من خلال مجموعة السلطات المستمدة من المنصب فليس له حق فيه لأنه أستمد من استغلال فاسد للسلطة.
وأهم ما يلفت النظر في هذه المعايير بالإضافة إلى بساطتها ووضوحها إنها:
- سهلة التحقيق لا تعجيز فيها فهي لا تحتاج إلى جهد خارق أو استثنائي لبلوغها.
- إنها متناسقة بمعنى أنه لا يوجد تعارض فيما بينها وإنما تعكس وحدة في المنهج.
- إنها متكاملة بمعنى إنها تشكل نظاما تلقائياََ, فالمسلم في محاولته بلوغ معيار الإيمان يصل بطريقة تلقائية إلى معيار البر والفلاح .. وغيرها.
- إنها لمصلحة الإنسان المسلم نفسه قبل أي شيء آخر (( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها, وذلك الفوز العظيم, ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين))(40)
العدالة المطلقة:
من الطبيعي أن تتسم أحكام الرقابة في الإسلام بأقصى درجات العدالة لأنها ليست وضعية أنما هي تطبيق لكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولما كان مصدر الأحكام هو آية العدل – هو الله – فمن الطبيعي أن يطلب ممن استخلفهم على الأرض تطبيق شريعة العدل والآيات التي يدعو فيها الخالق الخلق إلى العدل كثيرة منها قوله تعالى (( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)) (41) وقوله تعالى (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان))(42) وقوله (( يا أيها الذين آمنوا كون قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والإقرابين)) (43).
فالرقابة في الإسلام ليست تسلطا أو تهديدا, وإنما هي نظام موضوعي يقوم على أسس راسخة من العدل الإنساني سواء في مجال المعايير بحيث يمكن بلوغها أو في مجال نتائج التنفيذ بحيث تقيم تقييما عادلا.
لنتأمل مثلا عدالة المعايير التي وضعها عمر بن الخطاب (رضى الله عنه )لمن يستحق من بيت المال ولتحديد منازل المسلمين (( والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد, وما أنا أحق به من أحد, والله مامن المسلمين من أحد إلا وله في هذا المال نصيب, إلا عبدا مملوكا ولكنا على منازلنا من كتاب الله تعالى, وقسمنا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فالرجل وبلاؤه في الإسلام, والرجل وقدمه في الإسلام, والرجل وغناؤه في الإسلام, والرجل وحاجته, والله لئن بقيت لهم ليأتين الراعى بحبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه)).
وفي موقف آخر نجد عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) وهو يراقب أحوال المسلمين ويتفقد شئونهم كخليفة عليهم يرى يهوديا أعوزته الفاقة وأنهكته الشيخوخة فيقول قولته المشهورة التي تعكس أرقى ما وصلت إليه العدالة (( ما أنصفناه, أكلنا شبيبته, وضيعناه في هرمه)).
ويقول عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) وصيته (( أجعل الناس عندك سواء, لا تبال على من وجب الحق, ثم لا تأخذك في الله لومة لائم, وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله)).
ويزخر التراث الإسلامي بمواقف تشير إلى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم )نفسه والخلفاء الراشدين (رضى الله عنهم) كثيرا ما كانوا يراجعون أنفسهم ويصححون أحكامهم لتحقيق اعتبارات العدالة, ومن القصص المشهورة في ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) عدل عن رأيه بأخذ الفدية من أسرى بدر فقد أشار عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قتل أسرى بدر إلا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) رأى أن تؤخذ منهم فدية فننزل القرآن الكريم يؤيد رأى عمر ( رضى الله عنه) فقال صلى الله عليه وسلم (( لو نزل بنا عذاب ما نجا غير عمر))(44).
كما أن الخليفة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) قال قولته المأثورة (( أخطا عمر وأصابت امرأة)) وذلك حينما تعرض إلى غلاء المهور وأراد تحديد المهور بمبلغ معين فقامت أمراة من عرض المسلمين وقالت يا عمر يقول الله تعالى (( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا)) (45).
فقال عمر قولته المشهورة (( أخطا عمر وأصابت امرأة)) .
منع الأخطاء وليس تصيدها (الرقابة المانعة):
الله رؤوف رحيم بعباده, أكثر شفقه عليهم من أنفسهم هداهم إلى الطريق المستقيم وبين لهم معالمه وسهل لهم المضي فيه, مع هذه الحقيقة تتمشى أحكام الشريعة الإسلامية فالإسلام يدعو المسلمين إلى إتباع قواعده حماية لهم ودرئا بهم من الوقوع في مهالك المعصية, وقد عمد الإسلام من أجل ذلك إلى توضيح الحدود توضيحا قاطعا حتى لا يلتبس الأمر على المسلمين وجعلها سهلة التنفيذ لمن أراد. ولذلك يمكن القول أن أحكام الدين الإسلامي قد وفرت كل أسباب الموضوعية التي تمنع المسلم المؤمن من الزلل, وفي الإدارة الحديثة يعتبر من خصائص النظام الجيد للرقابة توفيره للمتطلبات والشروط التي تمنع الانحرافات قبل وقوعها وليس مجرد اكتشافها أو تصيدها. وفي القرآن الكريم كثير من الآيات تدرأ عن المؤمن التهلكة بتبيان حدود الله وتحثه على عدم تجاوزها مثل قوله تعالى (( تلك حدود الله فلا تقربوها)) (46). وقوله تعالى
(( وتلك حدود الله فلا تعتدوها )) (47) وقوله تعالى (( ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه))(48) وكذلك قوله (( ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون)) (49).
بالإضافة إلى ذلك نجد أن هناك آيات كثيرة وأحاديث شريفة متعددة تحث المسلم على التفكير وتمحيص الأمور قبل أن يبادر بالعمل حتى لا يقع في أخطاء هو في غنى عنها مثل قوله جل شأنه (( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها )) (50) وهي دعوة جليلة للإصلاح ومنع الانحرافات قبل وقوعها في قضايا حيوية تتعلق بعلاقات المسلمين الاجتماعية وكذلك قوله تعالى (( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن)) (51).
ويدعو الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الحرص والحذر تحسبا من الدنيا فيقول (( ما عال من اقتصد)) وتحسبا من غضب الله (( من لم يبال من أين أكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النار)).
ويدعو الإسلام إلى الوقاية لمنع الأخطاء التي تحسب على المسلم فيقول تعالى (( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )) (52)
ولعلنا جميعا نحفظ المثل السائر (( الوقاية خير من العلاج)).
وفي بناء الدولة الإسلامية وتنظيم أمورها نجد الرسول (صلى الله عليه وسلم ) والصحابة يولون اهتماما كبيرا بتحقيق الرقابة المانعة سواء من خلال اختيار الولاه الصالحين وتوضيح طبيعة وظائفهم والتعرف بأنفسهم على أحوال الرعية وقبل ذلك كله ينشر أحكام الدين الإسلامي وتربية الناس (ولاة ورعية) على هذه القواعد. والواقع ان التطبيق المتكامل للمنهج الإسلامي وإقامة حدود الله فيه درء تلقائي للمعاصي والانحرافات.
وحينما جاء كتاب والي خراسان إلى عمر بن العزيز (رضى الله عنه) يقول فيه أنه لا يصلح لهذه البلاد إلا السيف سارع عمر (رضى الله عنه) على الفور بعزله وبذلك وقي المسلمين تجاوزات كثيرة كان من الممكن أن تحدث أستشفها – رحمه الله – من نمط تفكير صاحب الرسالة ومنهجه في الحكم.
ومن المعروف في علوم الإدارة الحديثة أن من أهم عوامل توفر الرقابة المانعة هو أن يعرف كل عضو في المنظمة مسئولياته وواجباته بوضوح – وأن يعرف بالنظم والإجراءات المتبعة, وأن يعرف أن هناك تقييما مستمرا لإنجازاته يتحدد على ضوئها الثواب والعقاب, ولقد أهتمت أحكام الدين الإسلامي بمثل هذه القضايا قبل أن يسجلها العلم الحديث بقرون فنجد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة يهتمون بتوعية المسلمين بحدود الله وحقوقهم وواجباتهم وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة (رضى الله عنهم ) يهتمون اهتماما بالغا بتعريف الولاة بمسئولياتهم حتى لا يقعوا في الأخطاء ( رقابة مانعة) فمثلا نجد ان رسول الله (صلى الله علية وسلم) يقول (( ألا من ظلم معاهدا أو أنتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة)) (53) وكان عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يحذر ولاته خلال خطبة الشعبية للمسلمين قائلا (( أيها الناس إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من إبشاركم ولا من أموالكم, إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم, وليقسموا فيئكم بينكم, فمن فعل به غير ذلك فليقم))… كما كان يحذر ولاته تحذيرا شديدا من قبول الهدية وكان – رحمه الله لا يفرق بينها وبين الرشوة.
سرعة التصحيح:
يتسم نظام الرقابة ليس فقط باكتشاف الانحرافات وإنما بالعمل على عدم وقوعها أصلا وفي حالة وقوع البعض فيها – وهذا طبيعي – يصبح من الضروري اكتشافها بسرعة والعمل على تصحيحها. ويتسم الدين الإسلامي بالسماحة ويمنح الفرصة للمسلم لكي يصحح مساره فباب المغفرة مفتوح لا يسد أمام مسلم تائب يقول سبحان وتعالى (( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون)) (54) وفي هذه الآية نلاحظ أنه على الرغم من أن باب التوبة وتصحيح المسار مفتوح أمام كل مسلم إلا أن لله سبحانه وتعالى يحفز المسلمين على سرعة الطلب المغفرة قبل فوات الأوان وهو بذلك يقرر انه تعالى حريص على مصلحة المسلم أكثر من مصلحة المسلم على نفسه.
كذلك يقول عز من قائل (( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)) (55).
وفي قرب الله من عباده دعوة جليلة لهم بسرعة اللجوء إليه والاستمتاع بعطفه وطلب مغفرته واللوذ برحمته التي لا تضيق بأحد من عباده التوابين.
ويقول تعالى (( إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) (56) ويقول تعالى (( إنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم ))(57) ويقول تعالى (( فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه)) (58).
والواقع إن من أروع ما يثير الإعجاب في النفس ويهز المشاعر هي تلك القصص التي تروى عن حكام المسلمين الصالحين في سرعة استجابتهم لنداء العدالة وتصحيح الانحراف بحسم ودون تردد. لنأخذ مثلا عبرة عن قصة عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) حينما شكا إليه أحد المسلمين من أن جبلة بن الأيهم ملك الغساسنة قد لطمه لأنه داس على إزاره أثناء زحمة الحج فطلب عمر (رضى الله عنه) القصاص من جبلة فقال جبلة (( كيف ذاك وأنا ملك وهو سوقه)) فقال إن الإسلام قد جمعكما وسوي بين الملك والسوقه … ومن الملفت أن جبلة قد فر والتحق بالروم. وتصرف مثل هذا طبيعي من رجل لم يدخل الإيمان قلبه. وكان عمر بن عبد العزيز (رضى الله عنه) يراجع أحكام الولاه ويبطل كل ما هو مخالف أو جائر منها بسرعة, منها مثلا أنه رد إلى النصارى كنيسه بدمشق كان وإليها قد صادرها كما أنه عين قاضيا ليحكم بين ابن قتيبة والي سمرقند وبين أهلها الذين اتهموا بأنه أسكن مدينتهم المسلمين على غدر, ولقد حكم القاضي بإخراج المسلمين فخرجوا فورا.
رابعا: في مجال الأجور والحوافز
يمكن اعتبار أن قضية العمل والإنتاج من القضايا الأساسية التي اهتم بها الرسول الكريم
( صلى الله عليه وسلم) لتدعيم البناء الاقتصادي للدولة الإسلامية الفنية. ولذلك نجده في مواقف كثيرة يحث المسلمين على العمل منها قوله ( صلى الله عليه وسلم) (( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده, وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)) (59) ويقول (( طلب الحلال فريضة بعد الفريضة )) وقوله ( صلى الله عليه وسلم) (( لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي إلى الجبل فيحتطب فيبيع فيأكل ويتصدق خير له من أن يسأل الناس )) (60)
وحينما تتعقد عملية الإنتاج ويصبح تشارك الناس في إنتاج الخيرات مطلبا ضروريا من أجل الوفاء بالاحتياجات المتنامية للفرد وللدولة وحينما ينتج عن ذلك بالضرورة اختلاف مواقع الناس في عمليات الإنتاج يصبح تنظيم العلاقة القائمة بين هذه الأطراف أمرا على درجة بالغة من الأهمية. ومن المحقق أنه بمقدار درجة عدالة تنظيم هذه العلاقة بمقدار ما تتفجر طاقات العمل التي بها تبني الأمم والحضارات. وإذا كان الإسلام من فهمه لحقيقة الحياة الاقتصادية والاجتماعية ومتطلبات نموها يسمح بوجود صاحب عمل أيا كان وضعه القانوني ( فرد – شركة – حكومة ) يقوم بتقديم فرص العمل للآخرين فإنه يمنع منعا باتاََ أن يتسرب لهذه العلاقة أي نوع من السخرة أو عدم التكافؤ. ولما كانت علاقات الأجر هي أهم العلاقات التي تقوم بين صاحب العمل والعامل فلقد اهتمت أحكام الدين الإسلامي بتنظيمها ووضعها في إطار يسمح بسيادة علاقات التكافؤ والمحبة لا العداوة والكراهية.
وإذا كان هناك من صفة عامة يمكن أن تطلق على مجموعة الأحكام المتعلقة بالأجور في الدين الإسلامي لكانت بالتأكيد هي صفة العدالة, وهي الصفة الصعبة التي تحاول كل الأنظمة الحديثة تحقيقها ولكنها في العادة تصطدم بمؤشرات أيديولوجية وضغوط اجتماعية واقتصادية تجعل مفهوم العدالة المطلق صعب التحقيق في ظل النظم الوضعية.
ولقد اهتمت أحكام الدين الإسلامي بهذا المبدأ في أكثر من موضع منها مثلا قوله تعالى (( لكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون)) (61) فمعنى هذه الآية الكريمة يمكن أن ينسحب ليصبح مبدأ عاما يحكم حساب وتقدير الأجر في كل من الدنيا والآخرة وهو يعكس أكثر من نقطة إدارية منها:
- إن الأجور ينبغي أن تتفاوت في درجاتها بما يعكس التفاوت القائم في المسئوليات والإنجازات.
- إن أي عمل ينبغي أن يوفى أجره.
- ليس من الإسلام ظلم وغبن الأجور سواء من ناحية مقدارها أو نظام استحقاقها.
كما يتجسد مفهوم العدل الإسلامي في ذلك المبدأ السامي الذي وضعه الرسول (صلى الله عليه وسلم) (( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه)) (62) والعد إلى الإسلامي يتجسد في التوازن القائم بين طرفي العلاقة وهما المؤجر والأجير, فالمؤجر (( صاحب العمل)) ينبغي أن يحصل على إنجازات تبرر ما سوف يدفعه من أجر ولقد عبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن هذه الإنجازات بأروع تعبير عندما وصفها (( بالعراق )) فالأجر ينبغي أن يدفع مقابل (( عرق)) وهذا يؤكد حرص الرسول ( صلى الله عليه وسلم) على أن الأجر لا ينبغي له أن يحصل إلا عن حلال أي عن طريق جهد مبذول. وهذا يعني أن الإسلام دعوة إلى العمل الجاد والمثابرة وليس إلى الانتهازية أو الكسل أو الإهمال. ومن ناحية ثانية طالما أن الأجير قد قدم (( عرقه)) ووفي ما عليه فإن على المؤجر (صاحب العمل) أن يقدم له فورا ودون أي مماطلة أو تأخير ما اتفق عليه من أجر مقابل ما قدم من عمل. وبذلك راعى الإسلام مصلحة الطرفين وحقق التوازن بينهما في عبارات آية البساطة والوضوح.
كما يتضح اهتمام الإسلام بتأسيس فكرة العدل بين الناس في علاقاتهم الشخصية والاقتصادية ومنها بطبيعة الحال علاقة العمل وما يتمخض عنها علاقات توظيف وأجور.
يقول تعالى (( ولا تبخسوا الناس أشياءهم)) (63) فهذا المبدأ العام يمتد ليشمل العلاقة بين صاحب العمل والعامل, فصاحب العمل لا ينبغي له أن يبخس العامل أجره ولا يقلل من قيمة جهده المبذول وفي نفس الوقت على العامل ألا يبخس صاحب العمل حقه فلا يهتم بالجودة والإتقان ولا يضيع الوقت عبثا.
ولقد اتخذ الإسلام موقفا حاسما تجاه أي ظلم اجتماعي يقع على كاهل الإجراء وسبق بذلك كل الاتجاهات الاشتراكية الحديثة سواء منها ما هو إصلاحي النزعة أو ثوري التغيير, فلقد ذكر الرسول (( صلى الله عليه وسلم ان الله تعالى)) سمى نفسه خصما ضد كل من تسول له أخلاقه ان يأكل الحقوق ومنها حق العامل, وذلك حين يقول قال الله : ثلاثة إنا خصمهم يوم القيامة… رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا فأكل ثمنه ورجل أستأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ))(64).
وتلعب الحوافز دورا هاما في تنشيط الهمم والحث على العمل وتقدير أهميته حينما يربط بينه وبين أكبر حافز يبتغيه المسلم إلا وهو رضاء الله ومغفرته ودخوله جنته فالمسلم يمنح المغفرة اذا ماجد وأجتهد, يقول الرسول (( صلى الله عليه وسلم )) من أمسى كالآ من عمل يده أمسى مغفور له)).
واذا كان نيل رضاء الله ودخول الجنة هو الحافز الأكبر الا ان الدين الإسلامي وضع مجموعة من الحوافز المادية والمعنوية التي تتناول قضايا حياته أو تشغيلية محددة يمكن اعتبارها
- في ميدان العمل الإنتاجي – مؤشرات جيدة لأفكار الإسلام في مبدأ الحفز والعقاب, ولكن الإسلام باعتباره دعوة دينية في المقام الأول عمل أيضاً على ربط هذه الحوافز بالفكرة الأخلاقية الدينية ليعطيها نوعا من الدعم والقوة طالما ان حد لله هو الاستراتيجية العامة التي تحكم طبيعة واتجاه حركة البرامج والإجراءات المكملة لها.
يقول سبحانه وتعالى (( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)) (65). فهنا نلاحظ فكرتين جوهريتين مرتبطتين بمبدأ الحفز:
الأول: متعلقة بالجهة التي أصدرت هذه الدعوة للعمل, وهي الجهة التي يبتغي كل مسلم رضاءها ولذلك فالدعوة تحمل في طياتها حفزا طبيعيا للعباد أن يعملوا لأنها جاءت من الرب الكريم.
الثانية: متعلقة بالجهات التي ستقيم وتراقب هذا العمل, فهي جهات عادلة لن يشعر العباد معها بضياع حق أو الحاق غبن, ولقد ثبت أخيرا ان عدالة تقيم الأداء تعتبر من اهم المحفزات على العمل, ومن ثم اتجهت جهود المفكرين والعلماء نحو البحث حول تحقيق مبدأ العدالة في التقييم.
وتعتبر دعوة الله سبحانه وتعالى (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره )). (66) دعوة صريحة إلى العمل الطيب من خلال أعمال مبدأ (( الحفز الإيجابي)) و(( الحفز السلبي )) ذلك ان العمل الطيب يعود على صاحبه كما هو شأن العمل السيء, وتمضي آيات القرآن الكريم في تحفيز المسلمين للعمل الطيب وتجنب العمل الخبيث فيقول سبحانه وتعالى (( إنا لا نضيع اجر من أحسن عملا)) (67) وجزاء الحسنة عشر أمثالها وجزاء السيئة مثلها وقوله تعالى (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم))(68).
وفي الآيات السابقة يتجلى بشكل واضح ما نحاول اليوم تطبيقه في علوم الإدارة الحديثة من أن الحوافز بشكلها السلبي والإيجابي لكي تكون عادلة ومقبولة ينبغي ان تستند إلى نظام موضوعي لتقييم الأداء, وذلك لأنه اذا طبق أي نظام للحوافز لا يستند على تقييم موضوعي لإنجازات الناس فانه لن يكون إلا ظلما, وستكون الآثار السلبية الناتجة منه اشد بكثير من آثاره الإيجابية. وفي الآيات الكريمة السابقة وغيرها من الآيات التي تنص على الثواب او العقاب يواكبها ابرزا فكرة العدالة والتقييم المستمر لأعمال الإنسان فالله عليم بعباده يعرف ما يبطنون وما يظهرون فأي عمل خير أو سوء يقوم به الإنسان يسجل عليه, ويتحدد الجزاء إما إيجابا أو سلبا حسب نوع العمل كما تقضى القاعدة الإسلامية (( الجزاء من جنس العمل )) وعملية الإحصاء والمتابعة والتي على أساسها تتحدد الدرجات والجزاءات عملية مستمرة منتظمة لا يعطلها ولا يمنعها مانع فعين الله لا تغفل (( ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ))(69).
صدق الله العظيم
خامسا: في مجال الاختيار والتعيين والفصل
عنى الإسلام بضرورة ترشيد عملية الاختيار سواء للقادة أو للعاملين فالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان يدقق في اختيار رسلة في المهمات المختلفة من الفقهاء الذين يجيدون الحديث ولديهم القدرة على الإقناع فضلا عن تاريخهم الناصع بالجهاد في سبيل الله.
ولم تعرف الإدارة الإسلامية في عهد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أي نوع من تأثير الضغوط لتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة عند اختيار الرسول للقيادات وحملة الوظائف سواء ما كان منها ضغوطا اجتماعية عائدة إلى وساطة أو تأثير قرابة او نسب او صداقة او عائد لتأثير النقل الاقتصادي أو لتأثير عراقة الأصل, وإنما كان أساس الاختيار هو الصلاحية والكفاءة لشغل المنصب لخدمة المسلمين بأمانة ونزاهة , ولقد تجسدت هذه المبادئ في قولة عليه السلام (( من ولي أمر المسلمين فولى رجلا وهو يجد من هو اصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله)) وهنا يهمنا التركيز على ثلاثة نقاط هامة:
الأولى: ان الرسول عليه السلام يضع هذا المبدأ للمسلمين في كل مكان وزمان ولكل مستوى قيادي يتمتع بالولاية.
الثانية: ان الرسول عليه السلام يقرر جزاءً رهيبا لمن يخالف هذا المبدأ ألا وهو جزاء الخيانة وهذا يعكس أهمية هذا المبدأ ومقدار تأثيره على حياة المسلمين.
الثالثة: ان الرسول عليه السلام يطلب من كل قائد على مستوى إداري ان يجتهد في البحث ليجد الشخص المناسب وهذا يتطلب عدم التسرع وقدرا من الحذر وعدم قبول الوساطات وضغوط المؤثرات غير الموضوعية.
وبالنسبة لاختيار العاملين نرى القرآن الكريم يحدد أهم الخصائص التي يجب توافرها فيمن ينبغي استجاره لأداء العمل ألا وهو القوة والأمانة, يقول الله تعالى : (( ان خير من استأجرت القوي الأمين )). (70) وبديهي ان مفهوم القوة يمكن ان ينسلخ إلى قوة التحمل العضلي والقوة الذهنية وقوة المعرفة وقوة الإدارة, كذلك لا يمكن لاحد التقليل من أهمية الأمانة كخاصية أساسية من خصائص الموظف العام والتي بسبب افتقارها تقل الإنتاجية وتتطاول الأيادي على الممتلكات بغير الحق وتصل المعلومات محرفة وملونة إلى الرؤساء إلى غيرها من أشكال الفساد الإداري التي يعود جانب كبير منها إلى افتقار الأمانة.
ومن المواقف المشهورة في رفض الرسول للوساطة والضغوط الشخصية موفقة من طلب أبي ذر الغفاري حينما قال له (( الا تستعطني يا رسول الله )) فقال عليه السلام (( يا أبا ذر انك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة, الا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها )) (71).
فهنا نجد ان الرسول ( صلى الله عليه وسلم) على الرغم من مكانة أبى ذر (رضى الله عنه ) المرموقة عند الله ورسوله للدرجة التي عد فيها من المبشرين العشرة بالجنة يرفض طلبه بشأن الاستعطاء وعلى الرغم من أن موقف الرسول (صلى الله عليه وسلم ) من عدم التأثير بضغوط الصداقة مع أبي ذر (رضي الله عنه) بالغ الأهمية في حد ذاته, ويعتبر نموذجا على المسئولين حذره – الا ان من المهم كذلك تأمل الأسباب التي شرحها الرسول (صلى الله عليه وسلم ) في رفض طلب أبى ذر ( رضى الله عنه).
أولا: ان الرسول (صلى الله عليه وسلم ) شعر بأن صفات أبى ذر ( رضي الله عنه ) لا تتناسب وطبيعة الحاجة التي يطلبها, وهنا نلفت الانتباه إلى ما نروج له اليوم في الإدارة من ضرورة توفر صفات معينة لشغل وظيفة, فبعض الوظائف تستلزم الرحمة وبعضها على العكس يستلزم الشدة وبعضها يستلزم المهارات الذهنية.
ثانيا: ان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يرفض لأنه يحب للمسلمين – ومنهم أبو ذر ( رضى الله عنه) ما يجب لنفسه, وهو لا يريد لنفسه او للمسلم ان يتحمل وزرا نتيجة اخذ حقوق ليست بمستحقه.
ثالثا: ان الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) يرفض لأنه يستشعر ان الأمانة فوق الصداقة وان الوظيفة حق وليست منحة شخصية.
ولعله كذلك من المهم ان نتأمل اسلوب الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في إعلان هذه الأسباب دون حرج لأنه لا حرج في الإسلام.
وتمضي أحكام الدين الإسلامي على نحو أكثر تفصيلا فتوضح لنا أنه من المهم اجراء ما يسمي في الوقت الحاضر بمقابلة الموظف للوظيفة , فكل وظيفة لها مستويات تقتضي توفر إمكانيات ومتطلبات معينة في شاغلها والإدارة الناجحة هي التي تبدأ أولا في تحديد مواصفات الوظيفة ثم تبحث عن الشخص المناسب للقيام بها, فاذا كانت قدرات الموظف أقل مما تحتاجه الوظيفة انعكس ذلك سلبا على الأداء, ان كل هذه المعاني يمكن أن نجدها في قوله تعالى (( لا يكلف الله نفسا الا وسعها )) (72).
وحينما يتأمل الباحث قول مالك بن أنس (رضى الله عنه) لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) ثلاثة:- رجل أم قوما وهم له كارهون (73)… يقف موقف الانبهار, فالموقف يمكن أن ينسحب على أي إمامة وليس فقط إمامه الصلاة, وهذه الكلمات يمكن اعتبارها مبدأ عاما يسبق أرقى ما وصل إليه الفكر الإنساني الحديث فهو اذا كان يدعو صراحة الرؤساء إلى تغيير أسلوبهم وكسب محبة مرؤوسيهم الا انه يستدل منه أيضاً على انه دعوة لتحسين نظام اختيار الرؤساء وبالذات من خلال مشاركة المرؤوسين في اختيار رئيسهم , ولقد ثبت تجريبيا – فيما بعد – ان التنظيمات غير الرسمية وعمليات تقييد الإنتاج إنما ترجع مباشرة لسوء اختيار الرؤساء وبالتالي لأسلوب الأشراف والاتوقراطي والأنماط العلاقات الإدارية السائدة بين الرئيس والمرؤوسين, ولهذا تنادي كل النظريات الإصلاحية الحديثة بضرورة إشراك المرؤوسين في اختيار الرئيس أو على الأقل إقناعهم به.
واذا كان ثمة حديث عن الاختيار فانه يمكن أن يستكمل بالحديث عن الفصل ونحن نعرف أن عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) قد فصل عمار بن ياسر ( رضى الله عنه ) وكذلك خالد بن الوليد ( رضى الله عنه ) رغم ما لهما من سجلات ناصعة في خدمة الإسلام وذلك حينما وجد أن مصلحة المسلمين والأمة الإسلامية تقضي بذلك ولم يتردد في ذلك رغم مكانتيهما الشخصية السامية لديه.
ومن المهم الإشارة إلى أن تحقيق السيرة النبوية يشير إلى أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) كان يغلب الاعتبارات الموضوعية المتعلقة بالكفاءة والقدرة على إنجاز المهام الموكلة على اعتبارات السن عند اختياره للأفراد وتكليفهم بوظائف معينة فنجده مثلا يعين عثمان بن أبي العاصي ( رضى الله عنه ) أميرا على ثقيف بعد أن أسلموا وليس هو بأكبرهم سنا وإنما أحرصهم على الفقه في الدين, ولما كان نشر الدين الإسلامي وتعريف المسلمين بأحكامهم يعتبر المهمة الرئيسية للإمارة في ذلك الوقت فلقد كان اختيار عثمان بن أبي العاصي ( رضى الله عنه ) متمشيا مع نظام أولويات الاهتمام المطلوب تنفيذها.
كذلك نجد أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قد ولي أسامة بن زيد ( رضى الله عنه ) قيادة جيش المسلمين وهو دون العشرين لاعتبارات قدرها الرسول ( صلى الله عليه وسلم) في كفاءة أسامة وقدرته على إدارة المعركة ولقد أثبت أسامة بن زيد ( رضى الله عنه ) سلامة اختيار الرسول, ولقد استمر أسامة (رضى الله عنه ) في القيادة حينما توفي الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وعين الصديق أبو بكر ( رضى الله عنه ) خليفة للمسلمين.
ولذلك يمكن القول ان سياسة الرجل المناسب في المكان المناسب قد نالت أهمية بالغة في الإسلام وكان ذلك الاهتمام عائدا إلى التقدير الحقيقي للدور الذي يمكن أن يلعبه الموظف العام في التأثير على الدعوة والاعتراف بمدى الضرر الذي يمكن أن يلحقه لو أساء استخدام السلطة أو عجز عن الوفاء بالمهام المناطة به. كما كان متمشيا في جملته مع المبادئ والأحكام العامة للدين الإسلامي التي لا تعترف لمسلم علي مسلم بالفضل إلا بالعمل الصالح وتقوى الله.
وهناك أكثر من حادثة تشير إلى أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) لجأ إلى أسلوب الاختيار للتأكد من صلاحية المرشح وكفاءته قبل إسناد الوظيفة إليه, ومن ذلك أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) قبل ان يختار معاذ بن جبل رضي الله عنه سأله كيف تقضي اذا عرض لك قضاء؟ فأجاب معاذ ( رضى الله عنه) أقضي بكتاب الله فسأله فإن لم تجد في كتاب الله؟
فأجاب فبسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) فسأله فان لم تجد في سنة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ولا في كتاب الله؟ فأجاب أجتهد رأيي ولا آلو فضرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صدره قال: (( الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضى رسول الله ))(74).
ويحرص الدين الإسلامي على وضع (( سياسات )) تحكم عملية الاختيار وتوزيع المناصب, ومن هذه السياسات ما يظهر في الموقف التالي حينما سأل عبد الرحمن بن سمرة (رضى الله عنه) الرسول عليه السلام ان ينوله إمارة فرد عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) (( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإن أعطيتها عن مساءلة أعنت عليها )). في هذا الحديث يمكن أن نستدل على الآتي:
أولا: ان الرسول عليه السلام يرفض الوقوع تحت ضغوط شخصية عند توزيع الوظائف.
ثانيا: ان الرسول عليه السلام يطلب من المسلمين أن يتعففوا ويتنعموا عن طلب امتيازات أو وظائف لأنفسهم قد يكون غيرهم أحق بها منهم.
ثالثا: ان الرسول عليه السلام يوضح لنا أن هناك فروقا في النتائج المتحصلة من ممارسة الوظيفة في حالة ما اذا كان الحصول عليها عن ضغط وإلحاح وفي هذه الحالة تعتبر مغنما شخصيا وحقا مكتسبا ليس هناك بعد تحقيقه من حاجه إلى بذل جهد وبين أن تكون تعفف من جانب الموظف واقتناع من جانب الرئيس وفي هذه الحالة تكون الوظيفة في يد أمينة وتمارس مهامها على أسس موضوعية وتخضع للمساءلة والحساب, وبكلمات أخرى فان الرسول (صلى الله عليه وسلم ) يقرر مبدأ أن الوظيفة للشخص وليس الشخص للوظيفة وهو المبدأ التنظيمي المعروف حاليا باسم بناء التنظيم حول الوظائف وليس حول الأشخاص.
سادسا: في مجال العلاقات الإنسانية
على الرغم من أنه كثيرا ما يتردد على مسامعنا (( أن أهمية العلاقات الإنسانية في الإدارة لم تكشف إلا اثر التجارب التي تمت في مصانع الهاوثورن في الحلقة الثالثة من هذا القرن والتي كانت الأساس لتكوين مدرسة في الإدارة تعرف باسم مدرسة العلاقات الإنسانية, إلا أنه من الثابت أن التعريف بأهمية العلاقات الإنسانية وطرحها كقضية أساسية تحكم العلاقات بين القائد والمرؤوسين رأسيا وبين المستويات المتشابهة أفقيا منصوص عليه في أحكام القرآن الكريم ومعمول به في التنظيم الإسلامي.
ففي مجال العلاقة التي يجب أن تسود بين القائد ومرؤوسيه نجد أن هناك أكثر من موضع في القرآن الكريم والحديث الشريف يشير إلى أهمية إقامة هذه العلاقات على أسس إنسانية فالله سبحانه وتعالى يقول (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)) (76).
بل ان القرآن الكريم يقرر أهمية الصفات الإنسانية في الرسول الذي اختاره واصطفاه ليتولى مهام الدعوة فيقول تعالى (( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم )) (77).
فهذا الرسول أولا شخص عادي من بين القوم أنفسهم وليس غريبا عنهم يعيش نفس ظروفهم ومشاكلهم ويشاطرهم أحاسيسهم ثم انه ثانيا يتسم بالحرص على مصالحهم ثم انه فوق كل ذلك بهم رؤوف رحيم.
كذلك يرشد القرآن الكريم لأهمية اتباع السلوك الإنساني في الدعوة وهو ينسحب ليصبح مبدأ عاما في أسلوب الاتصالات الذي ينبغي أن يسود بين كل رئيس ومرؤوسيه في أي موقع من مواقع العمل (( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)) (78).
ومن المعروف أن اتباع الرئيس للأسلوب الديكتاتوري في العمل وعدم استجابته لمطالب مرؤوسيه وعدم سعيه لتحقيق توقعاتهم يؤدي إلى انهيار العلاقات الإنسانية في المنظمة حيث تبدأ علاقة الكراهية في الحلول محل علاقات التفاهم. يقول أنس ( رضى الله عنه) لعن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) ثلاثة: رجل أم قوما وهم كارهون وهو مبدأ عام يدعو للحب والتفاهم بين الإمام (الرئيس ) وبين المأمومين (المرؤوسين ) وحينما تحل الكراهية بين الرئيس والمرؤوسين يصعب العمل وتقل الإنتاجية وتبدأ المنظمة فب الانهيار, ولقد قدمت أحكام الدين الإسلامي أسلوبا إداريا راقيا لاستئصال أمراض التعامل الإنساني من شأفتها حينما ركزت الانتباه على ضرورة تحسين نظام الإشراف وسيادة جو طيب من العلاقات الإنسانية بين الرئيس والمرؤوسين وذلك من خلال مجالين رئيسيين للتأثير:
أ- التربية الإسلامية الصحيحة لكل من الرؤساء والمرؤوسين على النحو الذي تكون فيه تعاليم الإسلام مقدسة التطبيق.
ب- ويتبع ذلك حسن اختيار الرؤساء دون أي ضغوط أو وساطات.
ومن دراسة أحكام القرآن الكريم يتضح لنا أيضاً اهتمام الإسلام بتحسين ظروف العمل وتوفير الراحة وعدم إجهاد الناس وتكليفهم بما لا يطيقون فيقول تعالى (( لا يكلف الله نفسا الا وسعها )) (79) ويقول عليه السلام (( فإن لجسدك عليك حقا وأن لعينك عليك حقا )) (80), وكما يقول (( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب اذا كلت ملت )) وهو ما يزعم البعض إنها أفكار حديثة جاءت بها مدرسة العلاقات الإنسانية خلال الحلقة الثالثة من هذا القرن.
كما يتجسد مبدأ العلاقات الإنسانية في أبهى صورة في التعامل مع الأعداء ((لا إكراه في الدين))
(81) (( لكم دينكم ولي دين )) (82) وكان علي بن أبي طالب ينصح ولاته قائلا (( اذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة ولا رزقا يأكلونه ولا دابة يعملون عليها ولا تضربن أحدا منهم سوطا واحدا في درهم ولا تقمعه على رجله في طلب درهم )).
ويفوق الدين الإسلامي أرقي ما ذهبت إليه أفكار المصلحين الاجتماعيين والاشتراكيين المحدثين فالمسلمون كالجسد الواحد (( اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى )) (83), (( ومن كان عنده فضل ظهر (دابة ) فليعد به على من لا ظهر له )) (84) وكذلك قوله (صلى الله عليه وسلم) (( لا يومن أحدكم حتى يحب لأخية ما يحب لنفسه )) (85).
وتتجلى هذه العلاقات الإنسانية في المعاملات اليومية بين المسلمين اذ ينبغي أن تتسم جميعها بالعدل والسماحة والألفة فيقول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) (( رحم الله رجلا سمحا اذا باع واذا اشترى)) واذا اقتضى (86) كذلك يقول ((المؤمن مؤلف ولا خير لا يألف ولا يؤلف ))(87), بل ان سيادة روح التعاون والتكاتف بين المسلمين قد قدرت في أحكام الشريعة الإسلامية قدرا يعلو الاعتكاف للعبادة بعيدا عن مشاكل الناس وهمومهم اذ يقول (صلى الله عليه وسلم ) (( لئن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته أفضل من أن يعتكف في مسجدي شهرين)).
ويحفز الإسلام المسلمين على الرحمة بين العباد على أساس إنها تعكس طبيعة علاقة الله بهم فهو رحيم بهم ما داموا رحماء بأنفسهم فالرسول الأعظم ( صلى الله عليه وسلم ) يقول (( من لا يرحم لا يُرحم )) (88) (( والله في عون المرء ما كان في عون أخيه )) (89) (( ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته )) (90)….
(( ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة )) (91).
ونظرا لأهمية سيادة روح التفاهم والمحبة بين المسلمين نجد أن القرآن الكريم يحث على ضرورة التصدي لأي شروخ في العلاقات داخل المجتمع الإسلامي, ويدعو المسلمين إلى إزالة أسباب التوتر بينهم اذا ما ظهر, يقول سبحانه وتعالى (( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم )) (92) وهذه الآية تأكيد على ضرورة استمرار العلاقات الأخوية بين المسلمين لأنها خاصية أساسية من خصائص المجتمع الإسلامي الطبيعي الذي لا طبقية ولا تمايز الا بالتقوى والعمل الحسن.
ولقد بين الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) أهمية الكلمة المنطوقة في التأثير على السلوك البشري حينما قال (( الكلمة الطيبة صدقة )) (93) وأفضل صدقة هي صدقة اللسان وقال تعالى (( وقولوا للناس حسنا)) (94) ولعل من الأهمية الإشارة إلى أن انتشار روح المحبة والتآذر بين المسلمين قد استندت إلى عوامل متعددة لعل من أهمها ديمقراطية الإسلام التي وضعت أسس مساواة حقيقية بين كافة المسلمين, فالمسلمون سواسية كأسنان المشط لكل منهم نفس الحقوق والواجبات ولذلك ليس هناك مناخ ملائم لتوالد جرائم الكراهية والعداء التي تنبت في ظل التمايز وعدم العدالة الاجتماعية بل ان عظمة الإسلام في إلغاء التمايز العرقي والطبقي تظهر من خلال قول سفيان الثوري عن مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) (( ان الفقراء كانوا في مجلسه أمراء)) .
ولعلنا لا نجد كلمات تعبر عن الديمقراطية في أرقى صورها كما عبرت عنها الديمقراطية الإسلامية في دعوة عليه السلام (( أيها الناس ان ربكم واحد وان أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ان أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا أحر على أبيض فضلا إلا بالتقوى)).
الخلاصة
لقد كان هدفنا من هذه الدراسة – والله من وراء القصد – مجرد تقديم أمثلة أيضاً حية تثبيت:
- أن الفكر الإنساني في مجال الإدارة قد استمد جزءا كبيرا من تكوينه الحالي من الثقافة الإسلامية وأن الدين الإسلامي وما أفرزه من حضارة إسلامية باهرة هي أحد مصادر الإلهام الرئيسية للفكر الإداري الأوربي الحديث. فالإسلام قد وضع الأحكام القواعد المتصلة بتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين وعمل على تطبيقها ونشرها من خلال دولة بالغة التنظيم واحتكت بها التكوينات الإدارية الأوربية القائمة وأخذت منها وعملت على الاستفادة منها كما هو الحال في مجالات العلوم والفنون الأخرى التي أخذها الغرب من الثقافة الإسلامية وقام بتنميتها وتطويرها ثم الادعاء بحق التأليف والخلق متجاهلا مصادرها ومتابعها الأصلية.
- أن أحكام الدين الإسلامي في مجال تنظيم الحياة الاقتصادية و السياسية والاجتماعية للمسلمين والتي منحت المسلمين أزهى حضارة وأقوى دولة لا تزال قابلة وقادرة على حل مشاكل العصر والتصدي لمشكلات التخلف والتنمية التي تعاني منها البلدان الإسلامية ولا يحتاج الأمر أكثر من وقفة مع الذات ومقاومة للغي والشيطان من أجل العمل بإخلاص نحو تطبيق هذه الأحكام.
- ان أحد أسباب تخلفنا بالمفهوم الاقتصادي والاجتماعي يرجع إلى أننا لازلنا في محاولات متعثرة للبحث عن هوية والمشكلة أننا لا نبحث عن هويتنا الحقيقية النابعة من أحكام ديننا الإلهي ولعل هذا أسهل الحلول وإنما نسعى لنصعب الأمر على انفسنا عن جهالة باستعارة هويات الآخرين والعمل من خلالها فأحيانا تكون الهوية شرقية الطابع بميول ماركسية وأحيانا غربية بميول رأسمالية ولعل هذا يفسر عدم وحدة مصادر التشريع الإداري وعدم وضوح خلفية النظام الإداري المطبق عندنا.
- ان تطبيق قواعد الدين الإسلامي في مجال تنظيم الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لا يتعارض على الإطلاق مع مبدأ الانفتاح على التقنية الحديثة أيا كان مصدرها. فالمهم هو تطويع هذه التقنية وجعلها في خدمة القواعد والأحكام الإسلامية. وليس هناك ما يمنعنا من استخدام الحاسبات الآلية أو الميزانيات التقديرية أو بحوث العمليات أو نظم الحوافز المادية المتقدمة طالما إنها لا تتعارض مع الأحكام والقواعد الإلهية المنظمة للعلاقة بين الإنسان وخالقه وبين الإنسان والمجتمع والباحث على قناعة تامة أننا سنكتشف مع التطبيق انه لامجال لهذا التعارض والمهم هو ان نضع أنفسنا على الطريق.
الهوامش
- الآية 103 آل عمران
- الآية 190 البقرة.
- الآية 60 الأنفال.
- الآية 95 الكهف.
- الآية 33 النمل.
- الآية 102 النساء.
- حديث رواه احمد في سنده 2/177 عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.
- حديث رواه أبو داوود في كتاب الجهاد عن ابن سعيد الخدري رضي الله عنه.
- حديث رواه البخاري في كتاب الأحكام عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- الآية 7 الأنبياء.
- الآية 38 الشورى.
- الآية 159 آل عمران.
- الحديث رواه البخاري في كتاب الزكاة عن عبدالله بن عباس (رض).
- الاية 105 التوبة.
- الآية 18 الحاقة.
- الآية 5 آل عمران.
- الآية 16 غافر.
- الآية 7 الأعلى.
- الآية 25 النمل.
- الآية 284 البقرة.
- الآية 38 إبراهيم.
- الآية 38 المدثر.
- الآية 161 آل عمران.
- الآية 51 إبراهيم.
- الآية 18 الحشر.
- الآية 129 الأعراف.
- الحديث رواه الترمذي في كتاب القيامة.
- الحديث رواه البخاري في كتاب الجمعة عن ابن عمر (رض).
- الحديث رواه البخاري في كتاب الجمعة عن ابن عمر(رض).
- الحديث رواه البخاري في كتاب الأدب عن النعمان بن بشير (رض)
- الآية 72 الأنفال.
- الآية 71 التوبة.
- الحديث رواه البخاري في كتاب الحيل عن أبي حميد الساعدي (رض).
- الحديث رواه البخاري في كتاب الإيمان عن أنس رضي الله عنه.
- الآية 177 البقرة.
- الآية 13 الحجرات.
- الآية 29 الإسراء.
- الآية 1و الآية 2 المؤمنون.
- الحديث رواه أبو داود في كتاب الإمارة عن بريدة رضي الله عنه.
- الآية 14 النساء
- الآية 58 النساء.
- الآية 90 النحل.
- الآية 135 النساء.
- حديث شريف.
- الآية 20 النساء.
- الآية 187البقرة.
- الآية 229 البقرة.
- الآية 1 الطلاق.
- الآية 267 البقرة.
- الآية 35 النساء.
- الآية 34 النساء.
- الآية 9 الحشر.
- الحديث رواه أبو داود في كتاب الإدارة عن جماعة من أبناء الصحابة, وفي إسناده مجهول.
- الآية 53الزمر.
- الآية 186 البقرة.
- الآية 222 البقرة.
- الآية 54 الأنعام.
- الآية 39 المائدة.
- الحديث رواه البخاري في كتاب البيوع عن المقدام( رضي الله عنه).
- الحديث رواه البخاري في كتاب الزكاة عن أبي هريرة(رضي الله عنه) .
- الآية 19 الأحقاف.
- الحديث رواه ابن ماجه في كتاب الرهون عن عبدالله بن عمر (رضي الله عنه) وأصله في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه).
- الآية 85 الأعراف
- الحديث رواه البخاري في كتاب البيوع عن أبي هريرة (رضى الله عنه).
- الآية 105 التوبة.
- الآية 7و8 الزلزلة.
- الآية 30 الكهف.
- الآية 261 البقرة.
- الآية 132 الأنعام.
- الآية 26 القصص.
- الحديث لمسلم في كتاب الإمارة عن أبي ذر (رضي الله عنه)
- الآية 286البقرة.
- الحديث رواه الترمذي في كتاب الصلاة عن أنس بن مالك (رضي الله عنه).
- الحديث رواه أبو داود في كتاب الاقضية عن أناس من أهل حمص من أصحاب معاذ بن جبل (رضي الله عنه) وأخرجه الترمذي وقال لا نعرفه الا من هذا الوجه وليس اسناده عندي بمتصل.
- الحديث رواه البخاري في كتاب الاحكام عن عبد الرحمن بن سمرة (رضي الله عنه).
- الآية 159 آل عمران.
- الآية 128 التوبة.
- الآية 125 النحل.
- الآية 286 البقرة.
- الحديث رواه البخاري في كتاب الصوم عن عبدالله بن عمرو (رضي الله عنه).
- الآية 256 البقرة.
- الآية 6 الكافرون.
- الحديث رواه البخاري في كتاب الادب عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه).
- الحديث رواه مسلم في كتاب الادب برقم 1728 عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه).
- الحديث رواه البخاري في كتاب الايمان عن أنس (رضي الله عنه)0
- الحديث رواه البخاري في كتاب البيوع عن صابر (رضى الله عنه).
- الحديث رواه أحمد في مسنده 2/400 عن أبي هريرة (رضي الله عنه).
- الحديث رواه البخاري في كتاب الأدب عن أبي هريرة (رضي الله عنه).
- الحديث رواه أحمد في مسنده 2/274 عن أبي هريرة (رضي الله عنه)
- الحديث رواه البخاري في كتاب المظالم عن عبدالله بن عمر (رضي الله عنه).
- الحديث رواه البخاري في كتاب المظالم عن عبدالله بن عمر (رضي الله عنه).
- الآية 10 الحجرات.
- الحديث رواه البخاري في كتاب الجهاد عن (أبي هريرة رضي الله عنه).
- الآية 83 البقرة.