لا يزال أمر المعاملات مع المصارف موضع اهتمام الحريصين عيل تنقية أموالهم من شبهة الربا، وبخاصة بعد أن وجد علي الساحة بنوك إسلامية لها نشاطها وعملياتها المتعددة.
فالقروض، وفتح الاعتماد، وخطابات الضمان، وغيره هذا من نشاطات البنك يحتاج إلي بيان حكم الشريعة الإسلامية فيه. وتكييفه بما يحقق المصلحة في نطاق الالتزام بالحكم الشرعي ـ، وقد وجد من يبرر الفائدة تحت أسماء غير هذا الاسم وبحجج مفتعلة، كان لابد أن تفند ويين وجه الخطأ فيها ثم يطرح الحل الشرعي ليهل من هلك عن بينه ويحيا منحي عن بينه.
التحرير
المطلب الأول
القروض
تقوم المصارف الربوية الحالية بتقديم القروض لطالبيها لقاء الفائدة ويختلف سعر الفائدة صعودا وهبوطا بناء علي اعتبارات عديدة، تتعلق بالمركز المالي للمقترض، والقرض الذي يستخدم فيه القرض، ونوع الضمان المقدم علي القرض، حيث تكون القروض طويلة الأجل بسعر أعلا من ذات الأجل القصير. بالإضافة إلي طبيعية الظروف الاقتصادية السائدة وقت تقديم القرض، في أوقات الرخاء والانتعاش تنزع المصارف إلي رفع سعر الفائدة علي القروض درءا لمخاطر التضخم، وعكس ذلك في أوقات الكساد والركود لمعالجة الانكماش.
وتعتبر القروض من أقل أصول المصارف سيوله، وهي لذلك من أكثرها أرباحا. ومراعاة لاعتبارات السيولة تفضل المصارف من القروض ما قصر أجله، ورغم هذا فكثير ما تتحول القروض قصيرة الأجل إلي قروض ذات أجل طويل ، باستعداد المصرف لتجديدها كلما حان حين استحقاقها ([1]).
الحكم الشرعي علي القروض المصرفية:
ينصرف الحكم الشرعي إلي تحريم القرض المصرفي المتضمن حصول المصرف علي الفائدة لأنها من ضروب الربا المحرم، وذلك بالنظر إلي اعتبارين:
الأول: هو أن المصرف يحصل الفائدة زيادة علي أصل القرض ويكون القرض بذلك قد جر نفعا. وهو إذن حرام والثاني أن المصرف قد استغل وديعة الأفراد بالتصرف فيها بالقرض وغيره بدون أذن وهذا أيضا حرام.
ومع ذلك فان هناك من الاقتصاديين من يبيح تحصيل المصرف للفوائد علي القروض المقدمة منه، ومنح المصرف للفوائد علي الودائع الثابتة. ويستند هذا التعامل الربوى إلي عدة مبررات في رأيهم.
فيري البعض أن الفائدة علي القروض المقدمة محللة مباحة حيث يقصد منها تغطية نفقات تشغيل وإدارة المصرف.
والواقع أن الشرع الإسلامي يجعل النفقة أمرا مشروعا غير داخل في نطاق الربا. ومثلها نفقة نقل القرض، بمناسبة سداده، إلي مكان غير المكان الذي تم فيه الاقراض، فيتحملها طالب النقل، سواء كان الدائن أم المدين ([2]) وأيضا نفقة الرهن، حيث يفتي «الأوزاعي» بأن غلة الرهن لصاحبه ينفق عليه نمها والفضل له، فان لم تكن له غلة، كان المرتهن يستخدمه، فطعامه بخدمته، فان لم يكن يستخدمه فنفقته علي صاحبه ([3])وقد فرع الفقهاء عن ذلك جواز أجره السمسرة، أي الوساطة في الصفقات، وأجرة كتابة الوثائق والخطابات وإمساك الدفاتر والسجلات ([4]) .
والقياس هنا هو في اعتبار عمل المصرف بمثابة وساطة بين المقرضين والمستقرضين، فيكون المصرف بذلك سمسارا ويجوز له الأجر (الذي هو هنا للفائدة) كما يجوز له الأجر (الفائدة) في قياس ثان، بالنظر إلي أعمال كتابة الوثائق وأمساك الدفاتر والملفات والسجلات.
ولا يستطيع الباحث قبول القياسين السابقين بالنظر إلي اختلاف سعر الفائدة بناء علي نوع القرض ومدته والمركز المالي للمقترض والظروف الاقتصادية السائدة فلو كانت الفائدة في مقابل النفقة والمؤونة وأجر الكتابة، لتوحد سعرها في مختلف المجالات وكذلك لأصبحت واجبة الأداء للمصرف مرة واحدة فقط عند عقد القرض وليس كل عام طيلة مدة القرض.
وإذا أريد تصحيح الأوضاع بحسب هذا القياس باعتبار الفائدة نفقة تشغيل وإدارة فان الباحث يقترح أن تجتمع لجنة من رجال الاقتصاد والمصارف والتجارة والإحصاء وغيرهم ممن لهم صلة بالموضوع ويكونون ممن يوثق فيهم دينا وخلقا وعلما، ثم يقدرون المبلغ الملائم لمقابلة خدمات المصرف عند الاقتراض بما يحقق قوله تعالي: «لا تظلمون ولا تظلمون»
وثانيا يري البعض الأخر أن الفائدة الربوية هي ثمن المخاطرة بالقرض لأن الذي يقرض غيره إنما يعرض ماله للعديد من المخاطر.
ويرد الباحث هذا الرأي بأنه إذا ترتبت المخاطر علي الأقراض، وهذا حق فان الذي يضمن أصل القرض ليس هو الربا الذي لا شك أنه سوف يكون بدوره معرضا لمخاطر الضياع مثل اصل القرض تماما أما الضمان الحقيقي للقرض فانه ينبغي أن يتمثل في أن يرتهن الدائن من مدينة شيئا أو يقرضه علي كفالة شيء يضمن له سلامة ماله. ذلك أن الخطر ليس سلعة يساوم في قيمتها عن الشهر أو السنة وإنما هو حالة نفسية يتم تحييدها باجتثاث أسبابها عن طريق إيجاد ما يضمن زوال مبررات الخطر.
وهناك فريق ثالث يري أن الفائدة عل القرض هي بمثابة جزء من ربح المضاربة.
والواقع أن عقد المضاربة أو القراض عقد محلل بمقتضي أحكام الشريعة الإسلامية والسلف من الفقهاء يرون أن المضاربة لا يتحقق كيانها إلا بشرطين أساسيين:
أولهما هو أنه لا يجوز لصاحب المال اشتراط ضمان ماله علي عامل المضاربة عند الخسارة، فيتحملها كلها رب المال.
والثاني هو عدم تحديد ربح رب المال أو عامل المضاربة بمبلغ معين، كخمسه أو خمسين وإنما تتحدد حصة كلا المتعاقدين بنسبة مئوية من الربح علي حسب الأحوال ([5]).
ولاشك أن القرض الربوى بصورته الراهنة لدي المصارف إنما يتعارض مع شرطي المضاربة الشرعيين.
فأولا يري الباحث أن المقترض من المصرف إنما يلزمه ضمان القرض، بصرف النظر عن نتائج استخدامه بين الربح والخسران.
ثانيا يجد الباحث أن الفائدة تتحدد بنسبة من أصل القرض وليس بنسبه من الربح الناشئ عن توظيف القرض
ويترتب علي هذا أن المصارف تستبيح تحصيل الفائدة علي القروض الاستهلاكية بالرغم من عدم تحقق ربح عنها.
ويري فريق رابع أن الفائدة ضريبة تفرض علي المقترضين وتعود حصيلتها إلي الدولة. ويتفق هذا التفسير مع واقع تأميم البنوك، وهو ظاهرة منتشرة في الوقت الحاضر، في كثير من بلدان العالم الرأسمالي والاشتراكي علي السواء.
وهنا يلزم الباحث أن يفرق بهذا الصدد بين القروض الاستهلاكية والقروض الإنتاجية.
أما القروض الاستهلاكية فإنها تقدم لذوي الحاجة. وطالما لم تستطع الدولة سد حاجات هؤلاء عن غير طريق القرض كالإعانات مثلاـ، فلا أقل من إعفاء قروضهم من عبء الفائدة، خاصة إذا ما كان هؤلاء المعوزين ينفقون قروضهم علي سلع استهلاكية، تخضع في الغالبية منها للضرائب غير المباشرة وهو ما يعني، في هذه الحالة الوقوع في براثن الازدواج الضريبي.
أما القروض الإنتاجية فإنها تستخدم في الاستثمار في شتي المجالات الاقتصادية ولا شك في خضوع الاستثمار في هذه المجالات لضريبة الدخل. وهو ما يعني أيضا في هذا النطاق أن اعتبار الفائدة علي القروض الإنتاجية بمثابة ضريبة يؤدي إلي حدوث ظاهرة الازدواج الضريبي.
وهناك فريق خامس يري أن الفائدة علي القروض مكافأة علي الإيثار، ذلك أن من يقرض إنما يؤثر هذا الغير علي نفسه ومن ثم تكون الفائدة الربوية هي المكأفاة التي يقدمها المدين، اعترافا من بجميل الدائن.
ويرفض الباحث هذا التبرير. ذلك أن الإيثار لا يكون إيثارا، ولا يستحق هذا الوصف إذا ما اتخذه البعض أداة للكسب، وإنما الإيثار الحق عمل أخلاقي يأتيه الناس ابتغاء مرضاة الله
ويأخذ فريق سادس الفائدة الربوية علي أنها تعويض عن الضرر الناجم عن القرض، بسبب تعطيل صاحب المال عن استثماره ذا ما اقرضه الآخرين.
والباحث يشك في ترتب أي ضرر عن الإقراض. فالشطر الأعظم من الأموال المتاحة للإقراض إنما يتولد، في المعتاد، عن المدخرات.ولقد أثبت «كينز» أن الادخار دالة للدخل، وليس يتوقف علي معدل الفائدة، كما قال التقليديون, ومن ثم فان أي فرد يدخر المال الذي يفيض عن حاجاته الاستهلاكية بالإضافة إلي طاقته علي تثمير الأموال. فلا ضرر البتة عن إقراض هذا الفائض. إما إذا كان الفرد غير قادر علي الكسب، وكان إقراضه المال هو سبيله الوحيد للرزق، فأمامه عقد المضاربة الإسلامية بشرطية.
ومن الاقتصاديين فريق سابع يري أن الفائدة الربوية هي أجره استعمال القرض، فهي بمثابة كراء عن المال المفترض مثلها تماما مثل كراء البيت والأثاث والمركب.
ومن معاد القول أن يستحضر الباحث التفرقة الواردة في القانون الروماني بين الأموال التي تهلك بمجرد الاستعمال الأول لها، والأموال الصالحة للاستعمال لأكثر من مرة وحيث يرتب الانتفاع بالأولي دفع الثمن بينما يلزم استعمال الثانية أداء الكراء وحيث أن «توماس الاكويني» قد حكم بأن النقود في نطاق الطائفة الأولي من الأموال ذلك إنها تكون لاستهلاك قانوني، فان استعمالها يقتضي الثمن وليس الأجرة ويتمثل هذا الثمن في سداد القرض بمثله دون زيادة أو نقصان.
ولأجرة فضلا عن ذلك تكون للأشياء التي يبذل الإنسان وقته وجهده وماله لتهيئتها وإعدادها للإيجار، مع تعهدها بالإصلاح والصيانة لتمكين المستأجر من الحصول علي منفعتها بالأسلوب المألوف والمتعارف عليه ثم أن الأشياء الخاضعة للإيجار هي أشياء قيمتها بمرور الزمن وبسبب الاستعمال.
والفريق الثامن يري أن الفائدة الربوية هي ثمن الانتظار أي مكافأة يحصلها المقرض لقاء الحرمان الحاضر، أي مقابل تأجيل الاستمتاع الحاضر بالثروة القائمة وبذلك تصبح الفائدة هي مقابل التنازل عن عنصر الزمن.
ويؤيدون حجتهم بقولهم أن الفائدة ضرورية لإلغاء أثر التفضيل الزمني الذي يعود إلي ذات طبيعية الإنسان في إيثاره النعمة الحاضرة علي الرغادة المستقبلة فهو يفضل أن يشعر بالرفاهة اليوم بدلا من أن يستبقيها للغد وذلك لكون الحاجة الحالية حقيقة محسوسة وملموسة، بينما حاجة المستقبل قيمة مقدرة ومتصورة ومن ثم فان مائه جنية اليوم تساوي أكثر منها في الغد كما أن مائه جنية في الغد تساوي أقل منها اليوم وبنفس المعني تكون الفائدة هي «القدر الزائد» الذي يضاف إلي أصل القرض عند السداد ليجعله مساويا في القيمة الحقيقية للقرض حين الإقراض
ويذهب الباحث عكس هذا المذهب فليس من الحق في شئ أن الفطرة الإنسانية تعتقد أن الحاضر أثمن قيمة من المستقبل و إلا فما بال أكثر الناس لا ينفقون كل ما يكسبون اليوم من فورهم بل يؤثرون أن يدخرون نصيبا منه لمستقبلهم؟! بل ولعه لا يوجد شخص واحد بين كل مائه شخص يستغني عن التفكير في مستقبله ويؤثر أن ينفق كل ما بيده من المال علي لذة اليوم ونعيمه دون أن يعد للمستقبل عدته. فالواقع الذي عليه الأغلبية الساحقة من الناس هو أنهم يضيقون علي أنفسهم اليوم ويضغطون احتياجاتهم كي يدخروا جنبا من مواردهم ليكرسوه لإشباع حاجاتهم المقبلة التي يكون تصورها الذهني أكبر وأهم من الأحوال الحاضرة ([6]) ثم ما الذي ينبغي الإنسان من وراء المساعي التي يبذلها في الحاضر أكث من أن يكون مستقبله بأسماء سعيدا كيما يقضي الأيام الباقية من حياته في راحة وهناء وطمأنينة بأوفر مما يلقاه في حياته الحاضرة!.
ثم أن اعتبار الفائدة مقابل الانتظار، أي ثمن الزمن يصطدم بتحفظين.
الأول أنه يلزم لصحة هذا التطور أن يكون ربح توظيف القرض دالة للزمن والحق أنه ليس هناك ما يضمن أن استثمار القرض سوف يتمخض عنه الربح دائما، دون أن يلقي الخسارة، وحتى لو قال الباحث جدلا باستبعاد احتمال الخسارة، فكيف يتأتي للمصرف تحديد ربح القرض مقدما، حتى يقوم بتحديد نصيبه منه في صورة مبلغ ثابت؟ ثم أليس في القول بتوقف الربح علي الزمن يوما بيوم ما يتنافى مع طبيعة الأنشطة الاقتصادية الموسمية؟
والثاني هو أن الزمن ملك لله تعالي ولا يحق للإنسان أن يتقاضى أجرا عن شيء لا يملكه.
وهناك فريق تاسع من الاقتصاديين يرون أو الفائدة حافز الادخار
فالاقتصاديون التقليديون يرون أن نمو الاقتصاد الإنساني في جميع مجالاته إنما يتوقف علي تراكم المدخرات وهذا لا يتحقق الناس لا يرضون هذه السياسة في ضبط النفس دون أن ينالوا عنها مقابلا والفائدة هي الثمن أو المقابل الذي يحفز الناس علي الادخار. ومن ثم فإلغاء الفائدة يعدم الباعث علي الادخار ويتوقف بالتالي المحرك الحقيقي للتقدم الإنساني.
ولقد فضحت تجاريب الحرب الثانية تماما ذلك الزعم الباطل القائل بأن معدل الفائدة المنخفضة يضعف المدخرات، وذلك حسين استطاعت الولايات المتحدة أن تدخر بمعدل فائدة مقداره 1% بأكثر مما أمكنها ادخاره قبل ذلك بمعدل فائدة أعلا([7]).
أن النظرية الاقتصادية الحديثة توضح أن المدخرات لا تتحدد بمعدل الفائدة بل هي، علي العكس من ذلك، تتحدد بمعدل الاستثمار ([8])
ويفضح «كينز» المغالطة التي ينطوي عليها الاعتقاد بأن زيادة المدخرات تؤدي إلي زيادة الاستثمار. فالفرد، بزيادته لمدخراته الشخصية انما يخفض مدخرات الآخرين. ومن ثم فهو لا يزيد منهم ميل المجتمع للادخار. وعكس هذا المنطق هو الصحيح. فعندما يزيد الاستثمار يرتفع الدخل القومي إلي المستوي الذي يرفع المدخرات حيث تتعادل مع مستوي الاستثمار المرتفع الذي أمكن تحقيقه. ومن خلال تقلبات الدخل، تتحقق المساواه بين الأدخار والاستثمار. فالتغيير الذي يطرأ علي الميل للادخار لا قدرة له علي تغيير المدخرات الفعلية المحققة، لأن المعدل الفعلي للادخار يتحدد بمعدل الاستثمار المستهدف ([9])
وفضلا عن هذا فقد أخذ كينز الادخار دالة للدخل، وليس دالة لسعر الفائدة. فما يزيد الأفراد من مدخراتهم لمجرد علمهم بأن سعر الفائدة قد أرتفع، فما يشكل هذا إغراءا يعتد به . فللادخار دوافع أخري غير الفائدة مثل مستوي الدخل ونمط الاستهلاك المعتاد ومدي الحاح الحاجات المستقبلة في مواجهة الحاجات الحاضرة.
وأخيرا فان الأصوات التي نادي بضغط الاستهلاك لصالح المدخرات كطريق للنمو والتقدم الاقتصاديين ما عادت تجد من يعضدها اليوم. فما يتقبل أحد من الاقتصاديين اليوم سياسة ضغط الاستهلاك كسياسة ملائمة للدول المتقدمة اقتصاديا، أو كسياسة كافية الدول الآخذة في النمو.
فبالنسبة للدول المتقدمة يتوقف الرقي والرفاه الاقتصاديين علي إمكانية التصريف الكامل لكل ما يعرض أي إمكانية استيعاب الطلب لكل العرض المتاح كيما تظل دورة الإنتاج والتشغيل تسير بسرعة واتزان ولا يمكن أن يحدث هذا إلا إذا كانت عادة الناس أن ينفقوا ما يتكسبون بسعة نفس، دون إمساك أوضح، و إلا أنساق المجتمع كله إلي أزمات قصور الاستهلاك بما ينجم عنها من تأثيرات وبيلة علي مستوي الرفاة الاقتصادي.
والفريق العاشر من الاقتصاديين يري الفائدة مرشدا –موجها للاستثمار فالفائدة أداة سهلة لتحويل الادخار إلي استثمار، ولترشيد أنماط الاستثمار، بدفع المدخرات إلي أكثر أشكال الاستثمار كفاية إنتاجية.
وللباحث هنا عدة ملاحظات.
فأولا يلاحظ ما سبق أن لاحظه «كينز» من انعدام مرونة سعر الفائدة عند المعدلات الدنيا ([10]) وهو ما يؤدي إلي وقوع أية سياسة توسعية للاستثمار في نطاق «مصيدة السيولة»Liquidity Trape التي تعني انعدام تأثير سعر الفائدة في إحداث التوسع المرغوب فيه للاستثمار.
وهذا يعني أنه في غياب السياسة النقدية بوقوع سعر الفائدة في مصيدة السيولة تصبح السياسة المالية (سياسة الضرائب والإعفاءات) أكثر فاعلية في ترشيد الاستثمار فعن طريق ضريبة الدخل يمكن المفاضلة بين المشروعات بما يحقق أفضل نمط للاستثمار يتمشى مع الأهداف القومية.
وثانيا يلاحظ الباحث أن إحلال نظام المضاربة الإسلامية محل النظام الربوي للإقراض سوف يضمن لصاحب المال الحصول علي عائد يفوق مرات عديدة ما يحصله في صورة فوائد علي اصل ماله وبذلك تكون فعالية نظام المضاربة في جذب المدخرات أقوي. وكذلك فان اكبر المشروعات كفاية يكون أقدرها علي جذب الأموال المضارب بها، وهو ما يؤدي إلي ترشيد الاستثمار.
وأخيرا يلاحظ الباحث أن قيام العلاقة بين أصحاب الأموال والمستثمرين علي أساس التعامل الربوى قد أدي إلي حدوث الصراع بينهما، بدلا من روح التعاون والتناصر وهذا هو سبب حدوث الأزمات الاقتصادية الدورية وتكفي هنا الإشارة إلي أن الصراع الطبقي الذي الاقتصادية الدورية وتكفي هنا الإشارة إلي أن الصراع الطبقي الذي أزكته الفلسفات الاشتراكية المتطرفة بين طبقتي العمال (البروليتاريا) والرأسماليين (البرجوازية) أنما يجد احد أهم أسبابه في شيوع التعامل الربوي في الدول التي يحتدم فيها هذا الصراع وذلك أن النظام الربوي يعد من أهم العوامل المؤدية إلي تركيز الثروات وبالتالي إلي إيجاد التفاوت الواضح بين الطبقات ([11])
المطلب الثاني
فتح الاعتماد
هو اتفاق بين المصرف وعميله يتعهد المصرف بمقتضاه بوضع مبلغ من المال تحت تصرف العميل، خلال مدة معينة ويستفيد العميل من هذا المبلغ بقبضه كله أو بعضه خلال هذه المدة أو بسحب شيكات مصرفية أو بتحرير أوراق تجارية عليه أو بأية طريقة أخري يتفق عليها وفي مقابل ذلك يتعهد العميل برد المبالغ التي سحبها فعلا وما قد يتفق عليه من فوائد ومصروفات
وواضح أن الاعتماد المصرفي أنما يتميز بالمرونة اللازمة لسير العمليات التجارية فضلال عن أنه قليل التكاليف إذا ما قورن بالقرض العادي ([12])
ويتم فتح الاعتماد بضمان أوراق مالية أو بضاعة أو بضمان ضامن أو كفيل معروف لدي المصرف أو بضمان مرتب حكومي بشروط خاصة، أو بضمان تنازل عن عطاء وهو شائع بين المقاولين أو بالاكتفاء بإمضاء العميل أو تعهده بأن يورد في المستقبل كمية من البضاعة وهذا بالنسبة للعملاء المعروفين للمصرف بمركزهم المالي المتين أو بغير ذلك من الضمانات التي يراها المصرف لحفظ أمواله واستردادها دون عناء.
الحكم الشرعي علي عملية فتح الاعتماد:
تلزم التفرقة في هذا الصدد بين وضعين:
1- الوضع بعد فتح الاعتماد، وقبل السحب: حيث يعتبر الفتح مجرد وعد بالقرض.
2- الوضع بعد السحب، وحيث تحتسب، علي المبلغ المسحوب فقط؛ الفوائد الربوية
ويترتب علي ذلك أمران:
أ- إذا تم فتح الاعتماد، ولم يسحب العميل منه أي مبلغ حتى انقضاء المدة المحددة للاعتماد، فلا شيء في ذلك إلا كراهة الاتفاق علي قرض ربوي لم يتحقق.
ب-أما إذا قام العميل بسحب أي مبلغ، فإن الفائدة تسري عليه وهذا هو القرض الربوى المحرم في الإسلام.
المطلب الثالث
الاعتماد المستندية
الاعتماد المستندى هو تعهد كتابي صادر من مصرف، بناء علي مطلب احد عملائه الراغبين في الاستيراد من الخارج، موجه إلي المصدر الأجنبي، يتضمن استعداد المصرف لدفع أو قبول الكمبيالات المسحوبة عليه لصالح المصدر عن تقديمها منه مستوفاة الشروط الواردة بالاعتماد.
أنواع الاعتمادية المستندية ([13]):
1- اعتماد قابل للإلغاء: وهو مجرد أخطار صادر من مصرف لمصدر بأنه سيدفع أو يقبل كمبيالات عند تقديمها مستوفاة لشروط الاعتماد دون أي التزام من جانب المصرف، الذي يكون له الحق في إلغاء أو تعديل شروط الاعتماد في أي وقت يشاء، وبدون أخطار المستفيد وهذا النوع قليل الاستعمال.
2- اعتماد غير قابل للإلغاء، حيث لا يمكن إلغاء الاعتماد أو تعديله إلا بموافقة المستفيد ومن له مصلحة فيه كذلك
3- اعتماد غير قابل للإلغاء ومعزز أي أن المصرف الموجود في بلد المورد يضيف تعهده إلي تعهد المستورد وعائد المصرف من فتح الاعتماد المستندي يتمثل في:
أ- عمولة يختلف مقدارها باختلاف نوع الاعتماد، حيث تكون عمولة الاعتماد القابل للإلغاء أقل من عمولة الاعتماد غير القابل للإلغاء.
ب- مصاريف البريد والبرقيات التي يرسلها المصرف إلي المصدر أو المصرف الذي يتعامل معه.
ج- عمولة أخري إضافية في حالة قيامه بعلميات الصرف، تعوضه ما فاته من اكتساب الفرق بين سعر العملات، إذا كان المصرف المركزي هو المتولي لشئون التصرف في العملات.
الحكم الشرعي علي الاعتماد المستندية:
يمكن للباحث تخريج عملية فتح الاعتماد المستندي في إطار تخريجات ثلاثة، هي علي التوالي:
أولا: عقد وكالة، حيث ينوب المصرف عن عمليه، معطي الأمر في فحص المستندات الخاصة بالصفقة، والتأكد من مطابقتها لشروط الاعتماد، قبل دفع الثمن. وحجة ذلك أن الخطاب الذي يوجهه العميل إلي المصرف بفتح الاعتماد ليس، في جوهره، سوي توكيل بدافع قيمة الاعتماد متي تحققت شروطه.
ومعلوم أن الوكالة عقد مشروع يقره الإسلام. ويجوز أخذ أجر مقابل القيام بأعمال الوكالة نيابة عن الموكل. ومن ثم فمن الجائز احتساب عمولة المصرف عن عملية فتح الاعتماد مقابل أجر التوكيل للمصرف عن فحص المستندات ودفع الثمن وتحويل العملات.
والتخريج الثاني يكيف عملية فتح الاعتماد المستدي علي أنهلا عملية حوالة من حيث أن بائع البضاعة لم يقبل التخلي عنها لمشتر لا يعرفه ولا يطمئن له ولما كانت الذمة المالية للمصرف مما يطمئن إليه كلا الطرفين (البائع والمشتري) فإن الأخير يحيل الأول إلي المصرف لاستيفاء ثمن بضاعته منه، وذلك بعد أن تكون العلاقة بين المصرف والمشتري قد تحددنا قانونا وبقبول البائع هذا التحويل ينتقل الثمن من ذمة المشتري إلي ذمة المصرف.
وغني عن البيان أن الحوالة مشروعة في الإسلام تسهيلات للتعامل، من حيث أنها تنقل الدين من ذمة المحال إليه. فالرسولr يقول: « من أحيل علي مليء فليحتل»وظاهر الحديث يفيد التزام الدائن بقبول اسيفاء حقه ممن أحاله اليه المدين مادامت الحوالة صحيحة وهذا ما اخذ به فقهاء «الظاهرية» وأكثر الحنابلة أما الجمهور فقد صرفوا الأمر الوارد بالنص «فليحتل» عن ظاهرةـ، وقالوا أنه يفيد الندب لا الوجوب ([14])
ولقد اشترط المالكية والشافعية والحنابلة أن يكون المحال إليه مدينا للمحيل وعلي ذلك لايكون رضاه شرطا لتمام الحوالة عندهم لأنه يجب علي المدين أن يؤدي الدين إلي الدائن أو من يحل محله بينما يقول الأحناف بصحة الحوالة ولو لم يكن المحال إليه مدينا للمحيل ويشترطون بذلك رضا المحال إليه لأن الحوالة تحميل له بالتزام لم يكن لازما عليه فما لم يرض به فلا قيمة لعقد الحوالة ما دامت ذمته بريئة من الأصل ([15])
ويحبذ الباحث الأخذ برأي الأحناف حيث أن طبيعة فتح الاعتماد تنفق وما قالوه في الحواله حيث أن المصرف (المحال إليه) رضي بشغل ذمته تجاه المستفيد (المحال له) ولم يكن المصرف في الأصل مدينا لمعطي الأمر(المحيل) ورضا المصرف يتحقق في هذه العملية ومظهره الرئيسي هو فتح الاعتماد.
ومع ذلك فيري الأحناف أن الحوالة المقيدة بالوفاء من الدين الذي للمحيل في ذمة المحال إليه هي الحوالة الحقيقية أما الحوالة المقيدة بالوفاء من عين أخري (كالوديعة مثلا) فإنهم لا يعتبرونها في الواقع حوالة وإنما يعتبرونها توكيلا من المحيل للمحال بقبض دينه مما للمحيل من مال لدي الحال غليه وتوكيلا أيضا للمحال إليه بالأداء ومن هنا فإن إطلاق الحوالة علي عملية فتح الاعتماد المستندي الاعتماد إنما يتم من عين سواء من الوديعة التي تكون لمعطي الأمر لدي المصرف أو ما يدفعه هذا فور الاعتماد أو عند أخطار المستفيد أو لدي تسلم مستندات البضاعة بعد أن يكون المصرف قد سدد قيمة الاعتماد.
وبناء علي هذا المذهب تكون عمولة المصرف عن عملية فتح الاعتماد، بصفتها أجرا عن انتقال الدين والمطالبة به من يعطي الأمر إلي المصرف، معتبرة ربا، وذلك لزيادة أحد الدينين عن الآخر، إذا ما اعتبرنا الحوالة عملية بيع دين بدين.
وخروجا من هذا الحرج، يري الباحث أن مفهوم الحوالة إنما يتسع ليشمل معني البيع ومعني الاستيفاء. وهذا تقدم . وإذا كان حمل الحوالة محمل البيع يوقع المعاملة في دائرة الربا المحرم فان أخذها مأخذ الاستيفاء هو مما يرفع الإثم حيث تكون العمولة معتبرة أجره عن الوكالة في استيفاء واستخلاص الحقوق وبذلك فان إطلاق لفظ الحوالة هنا لا يكون علي إطلاقه أي لا يستخدم بالمعني الكامل.
وعموما فلما كانت الوكالة بأجر جائزة والحوالة كذلك جائزة فان تصرف المصرف في فتح الاعتمادات المستندية وتقاضيه العمولات عنها لهو تصرف جائز ومشروع.
والتخريج الثالث يحمل عملية فتح الاعتماد المستندي محل الضمان، بالنظر إلى أن بائع البضاعة لا يقبل التخلي عنها لمشتر لا يعرفه، دون أن يطمئن سلفا إلى إمكان اقتضائه الثمن فورا. وعلى الأقل، إلى إمكان تحويل حقه الآجل في الثمن إلى نقود في الوقت الذي يحتاج إليها فيه. وكذلك الحال بالنسبة للمشتري، فإنه يشتري بضاعة لم يرها بنفسه، ولم يتسلمها. ومن ثم فهو لا يريد دفع ثمنها قبل أن يستوثق من أن البضاعة المشحونة إليه هي عين البضاعة المطلوبة. كما يريد أن يطمئن إلى أن البضاعة المذكورة قد تم شحنها والتأمين عليها في أحسن الظروف. وأمام كل هذه الاعتبارات من الجانبين يتدخل المصرف بوضع ذمته المالية، المعروفة بيسارها، ضمانا لكلا الطرفين فيما له من حقوق متفرعة عن عقد البيع. حيث يضمن المصرف للبائع حقه في الثمن إذا قدم المستندات المثبتة لمطابقة البضاعة للمواصفات المطلوبة. كما يضمن حق المشتري في استلام المستندات وفحصها. فلولا يسار المصرف وسمعته وقبوله التدخل لضمان حقوق الطرفين، لما تمت الصفقة.
والضمان أو الحمالة أو الكفالة أو الزعامة كلها ألفاظ مترادفة تتضمن ضم إلى ذمة أخرى في المطالبة بدين أو عين أو نفس. والذمة المضمومة هي ذمة الكفيل، وهو الضامن الملتزم بتأدية ما على الأصيل من الحق. والذمة المضموم إليها هي ذمة الأصيل، وهو المطالب في الأصل، ويسمى المكفول عنه أو المكفول. أما صاحب الحق فهو المكفول له وهو الطالب. والحق هو المكفول به.
والضمان من الأمول المقررة شرعا. فإذا قال شخص لآخر: أنا كفيل لك بما على فلان من الدين، صار ضامنا له، وأن لم يعلم مقدار هذا الدين. وكذلك إذا قال له: أنا كفيل بما يثبت لك في ذمة فلان (أو) أنا كفيل بما تقرضه لفلان. حيث تنفذ الكفالة في جميع هذه الصور وما ماثلها.
وكذا إذا قال لمشتر: أنا كفيل بما يدركك في هذا البيع (ويسمى ضمان الدرك) فيكون بذلك ضامنا للثمن عند استحقاق المبيع، وسمي ضمان الدرك لالتزام الدائن بالغرامة (عند إدراك المستحق) من ماله ([16]).
وصورة ضمان الدرك تكاد تتفق وعملية فتح الاعتماد المستندي، حيث أنه في ضمان الدرك يلزم عقد الكفالة الكفيل، فلا يلزم فسخه بدون رضا المكفول له. إلا إذا كانت الكفالة مضافة إلى زمن أو معلقة بشرط، فيجوز له، عندئذ، الرجوع عنها إذا ما كان ععد وله قبل ترتب الدين وشغل ذمة الأصيل به. أما بعد ذلك فلا يجوز([17]). وهذا ما يفعله المصرف في فتح الاعتماد المستندي، سواء أكان الاعتماد قابلا أو غير قابل للإلغاء، حيث يلتزم المصرف أمام المستفيد، في الاعتماد غير القابل للإلغاء، ولا يملك فسخه بدون رضا المكفول له. أما الاعتماد القابل القابل للإلغاء، فإذا أراد المصرف إلغاءه، فقد جرى العرف على أن تبلغ المصارف مراسيلها في بلد المستفيد بإلغاء أو تعديل الاعتماد.على أن كل ما يقع من تصرفات من المراسل قبل وصول إخطار الإلغاء أو التعديل للاعتماد من المصرف تعتبر نافذة في حق المصرف طالما وقعت موافقة لشروط الاعتماد القائم. وكما تقدم فإن هذا النوع من الاعتمادات قليل الاستعمال، لأن المستفيد لا يجد فيه الضمان المصرفي الكافي لدفع قيمة بضائعه، ومن ثم لا يقبله من المُصدّرين إلا نفرا قليلا، وغالبا ما يكون ذلك في تعاملهم مع المستوردين من وكلائهم فقط. ومن ثم يكون وضع المصرف في هذه الاعتمادات مجرد ضامن للتأكيد ليس غير([18])
من هنا يتضح أن فتح الاعتماد المستندي يعكس مظاهر الضمان ومعلوم أن الضمان مشروع في الإسلام. وثابت بالسنة، ومجمع عليه من المصدر الأول ومن فقهاء الأمصار، وذلك بصيرورة الجمهور إلى قوله r «الزعيم غارم» ([19]). ومن ثم يتجه الباحث إلى الحكم بأن فتح الاعتماد المستندي أمر مشروع يتفق مع الأصول الإسلامية في التعامل.
ومع ذلك فهناك حقيقة لا ينبغي لباحث أن يتغافلها. وهي أن الضمان لا يكون إلا تبرعا دون أن يرتب عمولة أو أجرة للضامن أو الكفيل.
والحق أن مسألة تقاضي الأجرة على الضمان قد مرت بمراحل عديدة بين الرفض والتجويز فقد كان المسلمون الأول لا يرون أخذ أجرة على الضمان «لأن الشارع جعل الضمان والجاه والقرض لا تفعل إلا لله تعالى، فأخذ العوض عليها سحت وكسب لا يحل» ([20]). فلما تقدم الزمن بالإسلام، وتغيرت الظروف والأحوال، وامتنع بعض أصحاب الجاه عن الضمان إلا بأجر ظهر في كتب الفقه الكلام عن ثمن الجاه. فقد سئل «القوري» عن ثمن الجاه، فأجاب «إذا كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعب وسفر، وأخذ مثل أجر مثله، فذلك جائز وإلا حرم ([21]).
كذلك فإن الشافعية قد أجازوا الأخذ على الجاه، على خلاف العلماء، حيث ورد عن الشافعي t قوله «وليس من الرشوة بذل مال لمن يتكلم مع السلطان مثلا في جائز، فإن هذا جعالة جائزة ([22])».
ومن هذه النصوص يفهم جواز أخذ الأجر عن الجاه ما دام يترتب على استخدامه نفقه أو مجهود. وهذا حكم فقهي اجتهادي جاء مسايرا لتطور ظروف المجتمع الإسلامي. ومن هنا فلا يرى الباحث بأسًا من تجويز العمولة مقابل الضمان في عملية فتح الاعتماد المستندي.
من كل هذه التخريجات الثلاثة السابقة، يرى الباحث أن فتح الاعتماد المستندي بصورته الراهنة لدى المصارف، وتقاضي العمولة عند ذلك، كلها أمور جائزة.
المطلب الرابع
خطابات الضمان
خطاب الضمان (أو خطاب التعهد) هو تعهد كتابي يوجه المصرف بناء على طلب أحد عملائه إلى دائن هذا العميل، حيث يضمن فيه المصرف تنفيذ عملية الالتزام تجاه دائنه. وفي عبارة موجزة، فإن خطاب الضمان هو خطاب يكفل به المصرف عميله لدى دائنيه([23]).
أنواع خطابات الضمان:
1- خطابات ضمان مؤقتة أو ابتدائية، وهي خاصة بالعطاءات التي تقم للمصالح الحكومية والهيئات الأخرى (وغالبا ما تمثل نسبة 2% من قيمة هذه العطاءات).
2- خطابات ضمان نهائية، وهي خاصة بضمان حسن تنفيذ العقود المبرمة مع المصالح الحكومية والهيئات الأخرى (وغالبا ما تمثل نسبة 10% من هذه العقود).
3- خطابات ضمان عن دفعات مقدمة، وهي التي تصدر عندما يضطر المستفيد إلى دفع مبلغ مقدم لتمكين المتعهد من تمويل العملية التي تعاقد معه بشأنها.
4- خطابات ضمان لسحب بضائع من شركات الملاحة قبل تسلم مستندات الشحن.
5- خطابات ضمان أخرى تطلب لأغراض شتى. وعلى سبيل المثال:
أ- ضمان مصاريف الإعادة إلى البلاد للمسافرين إلى الخارج.
ب-ضمان إعادة السيارات والمجوهرات التي يصحبها المسافرون للخارج.
ج- التأمينات المطلوبة من أعضاء بورصتي العقود والأوراق المالية.
د- التأمينات المطلوبة لتغطية المكالمات التليفونية الزائدة.
غطاء خطابات الضمان ([24]):
تختلف الإجراءات الخاصة بغطاء خطاب الضمان بين مصرف وآخر، كما تختلف في المصرف الواحد بين عميل وآخر فقد يصدر المصرف خطاب الضمان لعميل بغطاء كامل، حيث يشترط المصرف على عملية إيداع مبلغ يكفي للوفاء بكامل مبلغ الضمان، ويتم تجنيت هذا المبلغ في حساب خاص، ولا يختلط بباقي الأموال الخاصة بالعميل. كما يصدر المصرف خطاب الضمان لعميل ثان بغطاء جزئي حيث يقبل المصرف إيداع عملية لنسبة معينة من المبلغ المضمون في حساب خاص بخطاب الضمان، وأخيرا فقد يصدر المصرف خطاب الضمان لعميل ثالث بدون غطاء، حيث يكتفي المصرف بالتأشير على حساب عميله طالب الضمان بقدر التزامه عن إصدار الخطاب.
عائد المصرف من إصدار الضمان ([25]).
تتقاضى المصارف، علاوة على المصاريف التي تتحملها لإصدار خطابات الضمان عمولة تتحدد على النحو التالي.
أ- عمولة خطاب الضمان الابتدائي وتتراوح بين 01% -02% سنويا، تحسب عن كل ثلاثة شهور أو كسورها.
ب-عمولة خطاب الضمان النهائي وتتراوح بين 1% و2% سنويا تحسب عن كل ثلاثة شهور أو كسورها.
ويتقاضى المصرف جنيها واحدا كحد أدنى للعمولة عن خطاب الضمان لمدة ثلاثة أشهر، مهما تضاءلت قيمته. ويجوز للمصرف تخفيض العمولة إلى النصف في حالة ما إا كان الغطاء كاملا. كما يجوز له تحصيل العمولة عن مدة الضمان بكاملها.
الحكم الشرعي على خطابات الضمان:
واضح مما سبق أن المصرف لا يقوم غالبا بإصدار خطاب الضان إلا بعد الاستيلاء أو التحفظ على المبلغ الثابت فيه. إلا أن تكون العلاقة بين المصرف والعميل طالب الضمان فوق منتهى الثقة، فيصدره المصرف دون تحفظ.
ومسلك المصرف من عملية إصدار خطاب الضمان يمكن تخريجه إلى وجهين كالتالي:
التخريج الأول: الوكالة:
حيث يمكن اعتبار المصرف وكيلا أو نائبا عن العميل في تنفيذ الالتزام في مواجهة المستفيد إذا قصر الأصيل، وسبق القول بمشروعية الوكالة بأجر من وجهة النظر الإسلامية.
التخريج الثاني: الضمان:
لأن المصرف لو لم يتدخل بجاهه ويساره والثقة التي يتمتع بها مركزه لإصدار خطابات الضمان لعملائه، لتعطلت بعض مصالحهم المتعلقة بالاشتراك في المناقصات أو المزايدات أو بالقيام بالسفر للخارج … إلخ، وقد سبق للباحث القول بمشروعية الضمان بأجر من وجهة النظر الإسلامية.
وخلاصة هذين التخريجين منطلقا، هي أن يكون خطاب الضمان عقدا جائزا شرعا.
الأعمال المصرفية الاستثمارية
تعتبر الأعمال المصرفية الاستثمارية على درجة كبيرة من الأهمية للجهاز المصرفي، والحيوية للاقتصاد القومي؛ ذل أن الأعمال الاستثمارية تدر على المصارف دخلا مرتفعا إن كانت تتسم بانخفاض درجة السيولة. والاقتصاد القومي يفيد كثيرا من تأسيس المصارف للعديد من المشروعات الاقتصادية، أو اشتراكها في رأسمالها. أو قيام المصارف على إدارة شئون الأوراق المالية في إطار ما يعرف اصطلاحا «بمحفظة الأوراق المالية».
وعلى هذا فإن الأعمال الاستثمارية التي ينهض بما الجهاز المصرفي تنقسم إلى قسمين كبيرين ([26])، هما:
أ- إدارة الأوراق المالية (محفظة الأوراق المالية):
تستثمر المصارف شطرا من مواردها في شراء الأوراق المالية، نظرا لما تدره هذه الأوراق من دخل مرتفع وإن كانت أقل سيولة بمقارنتها بغيرها من أصول المصرف. كما أن قيمتها تتأثر بتقلبات سعر الفائدة الطويل المدى. وتزداد هذا المخاطر في البلدان الآخذة في النمو، حديثة العهد بالتنظيم المصرفي، وتتصف بضيق حجم السوق المالية وقلة نشاطها وبذلك تتعرض الأوراق المالية لحركات مفاجئة عنيفة في أسعارها. ولهذا كثيرا ما تحتفظ المصارف في هذه البلدان بقدر كبير من الأوراق المالية الأجنبية المضمونة.
وتتألف محفظة الأوراق المالية من عنصرين:
الأول سندات الحكومة والبلديات. وهي أوفر العنصرين ثباتا في القيمة في البلاد ذات الإدارة المالية السليمة، وإن قل ما تدره من فائدة عن دخول الأوراق المالية الأخرى. ولا تحتفظ المصارف التجارية في بعض البلدان بغير هذا النوع من الأوراق في محفظة الأوراق المالية([27]).
والثاني هو الأوراق المالية الأخرى، وتشمل السندات غير الحكومية، كسندات البنوك العقارية، وشركات المرافق العامة والشركات الصناعية وشركات الأراضي، وما إلى ذلك. وتدخل الأسهم أيضا في محفظة الأوراق المالية، وإن كانت أقل سيولة من السندات وخاصة الحكومية منها.
ب- الدخول في عمليات المساهمة والاشتراك:
توظف المصارف جزءًا من مواردها عادة في ممارسة عمليات الاشتراك في تأسيس المشروعات الاقتصادية المختلفة والاكتتاب في جزء – أقل أو أكثر – من رأسمالها. ويستهدف المصرف بدخوله في هذه الاشتراكات إنشاء علاقة دائمة مع المشروعات التي يوجه إليها هذه الموارد. هو ما يجعل المصرف يقوم بدور «الشركات القابضة».
ويترتب على عمليات الاشتراك المصرفي هذه في كثير من الحالات، حدوث نقل لملكية الثروات القائمة يتخذ كثيرا من الصور منها ([28]):
– نقل ملكية أوراق مالية قائمة.
– نقل ملكية مشروع أو مؤسسة بالكامل.
– تكوين وحل الشركات القابضة.
الحكم الشرعي على الأعمال المصرفية الاستثمارية:
1- إن إدارة المصارف لعمليات الأوراق المالية عن طريق الاحتفاظ في المحفظة المالية بالسندات حكومية أو أهلية هو أمر محرم شرعا، لأن السند، في جوهره، ليس سوى صك قرض ربوي، يدر فائدة ثابتة. أما الاحتفاظ في المحفظة بالأسهم فإنه أمر محلل شرعا، لأن السهم حصة من رأس المال تتحمل بالربح والخسارة، حسب الأحوال. وهو ما يتفق مع مفهوم المضاربة في الفقه الإسلامي.
2- أن ممارسة المصارف لعمليات المساهمة أو الاشتراك هي من الأعمال المباحة شرعا فلا غبار عليها ما لم تؤدى إلى ظهور الشركات القابضة التي تتمخض عن شيوع الاحتكارات، مما يصطدم بالحكم الشرعي المشهور «المحتكر خاطئ» ([29]). وإن كان قيام المصارف ذاتها على شكل شركات مساهمة، إنما يضعف من شوكة الاحتكار.
)[1] (sayers:op.cit.p.42
([2]) ابن الربيع الشبياني: تيسير الوصول إلي جامع الأصول من حديث الرسول. المطبعة السلفية القاهرة ج1 ص77 وكذلك محمد رشيد رضا: الربا والمعاملات في الإسلام سبق ذكره ص56 نقلا عن الآم للإمام الشافعي، ج7 ص319وشرح البيجرمي علي منهج الطلاب ج2 ص355وحاشية الدسوقي علي الشرح الكبير ج3ص198الطبعة الثالثة . المطبعة الأميرية.
([3]) الجصاص: أحكام القرآن ج1ص532وأيضا محمد الشربيني الخطيب: مغني المحتاج إلي معرفة ألفاظ المنهاج ج2 ص128 وكذلك الصنعاني:سبل السلام ج3ص68.
([4]) مالك ابن أنس: المدونة الكبرى(رواية سحنون)ج11 ص98وحاشية ابن عبابدين ج5 ص44 وشرح العيني علي متن الكنز ج2 ص144
([5]) الفقه علي المذاهب الأربعة ج3 ص43
)[6]( Anwar Iqbal Qureshi: Isiam and The Theory of Interest Ashraf, Lahore. P.52-53
)[7]( Anwar Iqbal Qureshi: op.cit, p. 24
)[8]( Keynes: The General Theory. op. cit, p.62-65
)[9]( Hicks, (J.R): Mr. Keynes and the classics. A Suggested Interpretation. Economica. V. (1937). Reprented in Readiags in the theory or Income Distribution. Philadelphia 946p369
)[10]( Hicks; op.cit, p. 372
([11]) أورد الدكتور «شاخت» الاقتصادي الألماني والمدير السابق لمصرف«الرايخ»في محاضرة له بدمشق عام1953: «أنه بعملية رياضية غير متناهية يتضح أن جميع المال في الأرض صائرا إلي عدد قليل جدا من المرابين ذلك أن الدائن المرابي يربح دائما في كل عملية بينما المدين معرض للربح والخسارة ومن ثم فان المال كله في النهاية لا بد بالحساب الرياضي أن يصير إلي الذي يربح دائما»
سيد قطب: تفسير آيات الربا سبق ذكره ص14-15
)[12]( Sayers: op. cit, p.206-7
([13]) مختصر تفسير بن كثير جـ2 ص389
([14]) محمد سلام مدكور(د.): المدخل للفقه الإسلامي سبق ذكره ص704 -706
([15])محمد سلام مدكور(د.): المدخل للفقه الإسلامي سبق ذكره ص704 -706
([16]) على الخفيف: مرع سبق ذكره. ص221
([17]) المرجع السابق ص223.
([18]) Sayers: Modern Banking op.cit, p. 209.
([19]) ابن رشد الحفيد: بداية المجتهد. سبق ذكره. جـ2، ص295.
([20]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. الطبعة الثالثة. جـ3، ص67.
([21]) محمد بن محمد مخلوف: شجرة النور الذكية في طبقات المالكية، المطبعة السلفية، جـ1، ص261.
([22]) ابن حجر الهيثمي: الزواجر عن اقتراف الكبائر، المطبعة الأزهرية، القاهرة، الطبعة الأولى، جـ2، ص159.
([23]) bheldon: op. cit, p. 165.
([24]) حسن أنور طه حبيب: الكفالة المصرفية (خطابات الضمان). محاضرة بمعهد الدراسات المصرفية بالقاهرة (1968)، ص 10/11.
([25]) عبد الجواد فرج: الضمانات في البنوك، محاضرة بمعهد الدراسات المصرفية بالقاهرة (1965)، ص12/13.
([26]) Holden: op.cit, p. 182 – 187.
([27])Holden: op.cit, p. 182 – 187.
([28])Read: op. cit, p. 445.
([29]) الشوكاني: نيل الأوطار، سبق ذكره، جـ2، ص86.