(5) الطب النبوي والرياضة
قررت كتب الدراسات الطبية، والطب النبوي خاصة، فصولا للرياضة، الرياضة بمفهومها الواسع الشامل، رياضة البدن، ورياضة النفس، ورياضة الحواس.
والواقع أن الرياضة البدنية درجات، فإن ما يصلح للصبية والشباب، يختلف عما يصلح لكبار السن، وما يصلح للأصحاء يختلف عما يصلح للمرضى، وتحتل الحركة مكانا بارزا فيما نسميه اليوم بالعلاج الطبيعي فهمي ضرورية في الحالات التالية:
1 – عقب كسور الأطراف.
2 – الأطراف المصابة بالشلل الطارئ أو الدائم.
3 – مرضى القلب.
4 – مرضى عسر الهضم، واضطرابات الجهاز الهضمي.
5 – ضعف العضلات أو ضمورها.
6 – عقب العمليات الجراحية أو الولادة.
7 – السمنة.
8 – تيبس المفاصل.
9 – قصور الحركة ببعض الأعضاء… الخ، والرياضة في نظر الطب النبوي تساعد على تخليص الجسم من فائض أو زائد الغذاء، لأن الاحتراق الناجم عن الحركة يقضي على المختزن الزائد في الأنسجة من المواد الغذائية، فالأكل مع التراخي والكسل وقلة الحركة يضر بالجسم من المواد الغذائية، فالأكل مع التراخي والكسل وقلة الحركة يضر بالجسم ويؤدي إلى السمنة التي يعقبها مخاطر جمة، وللغذاء مخلفاته وسمومه مثل الدواء تماما ولا خلاص من هذه التراكمات الضارة إلا بالرياضة المناسبة أو الصوم. فالرياضة تكسب الجسم خفة ونشاطا ولياقة، وتقوى العضلات والأربطة، وتحمي من الأمراض البدنية والأمراض النفسية أو على حد تعبير مؤلف الطب النبوي “تؤمن جميع الأمراض المادية، وأكثر الأمراض المزاجية (النفسية) إذا استعملت بالقدر المعتدل منه في استعملت بالقدر المعتدل منه في وقته، وكان باقي التدبير صوابا”، كما يحدد الطب النبوي وقتا للرياضة، فيشترط أن تكون بعد انحدار الغذاء، وكمال الهضم وهو ما يتفق مع النظرات العلمية الحديثة، لأن الرياضة بعد الأكل مباشرة لها مضارها إذ أن الدم يتدفق بنسبة أكبر عقب الأكل مباشرة إلى المعدة، فإذا ما مورست الرياضة في تلك الفترة، زاد العبء على القلب – وخاصة المسنين ومرضى القلب – والمصابين بصور الدورة.. الدموية التاجية – حاق بالقلب أضرار قد تكون بليغة…
وأنواع الرياضة كما وردت في الطب النبوي تتراوح بين المشي وركوب الخيل ورمي النشاب والصراع والمسابقة على الأقدام والسباحة، ورياضة النفوس بالتعليم.. والتأدب والفرح والسرور، والصبر والثبات والإقدام والسماح وفعل الخير، ونحو ذلك مما ترتاض به النفوس ومن أعظم رياضتها الصبر والحب والشجاعة والإحسان، فلا تزال ترتاض بذلك شيئا فشيئا حتى تعير لهذه الصفات هيآت راسخة، وملكات ثابتة… ولا ريب أن الصلاة فيها حفظ للبدن، بالإضافة إلى حفظ صحة الإيمان، وسعادة الدنيا والآخرة، وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة. وفي الصوم الشرعي من أسباب حفظ الصحة، ورياضة البدن والنفس ما لا يدفعه صحيح الفطرة، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الصيام في رمضان إذا روعيت فيها الآداب السلوكية المختلفة، يقي الجسم من سموم الأغذية والأدوية، فكأنه يغسل الأنسجة من أدرانها، فتبدوا في ثوب جديد، والعجيب أن أعضاء الجسم المختلفة لا تتأثر بالصيام لا يفقد سوى 3% أما الكبد (وهو مخزن لمواد غذائية مختلفة ومواد كيماوية وبيولوجية) والطحال والعضلات تفقد ما يتراوح بين 3%، 65% وهي مواد في حكم الزائد الذي به ثقل البدن.
وأما الجهاد وما فيه من الحركات الكلية التي هي من أعظم أسباب القوة، وحفظ الصحة وصلابة القلب والبدن، وزوال الهم والغم والحزن، فأمر يعرفه من له نصيب، وكذلك الحج وفعل المناسك والمسابقة على الخيل بالنضال..
ولقد ألمحنا إلى تفاوت درجات الرياضة، فالمسنون مثلا تناسبهم رياضة المشي، وقد لوحظ أن علاج ضيق شرايين القلب أو انسدادها، وهو من الأمراض القاتلة، لوحظ أن ذلك العلاج يعتمد في المفهوم الحديث على الرياضة المناسبة، تلك التي تساعد على نشوء دورات دموية جانبية لتعويض الشرايين المسدودة أو الضيقة، ومد عضلة القلب بما تحتاجه من دماء كما وجد الأطباء أن الجهد العضلي يريح الجهاز العصبي وكأنه يقوم بعملية تشبه عملية التدليك المريحة، ولذلك نرى أن أمراض العصر تنتشر بين المرفهين والمرفهات الذين يحيلون معظم أعمالهم للخدم، ولا ينتقلون من مكان إلى مكان، إلا بواسطة السيارات، وقد أورثهم هذا الأسلوب من الحياة الكثير من الكسل، والثقل وهموم السمنة، ومضاعفاتها الخطيرة، وارتباك الهضم،… والسقوط في براثين العلل والقلق.
والواقع أن الطب النبوي في مجال الرياضة كما في مجال غيره – يحرص على حماية الأبدان والنفوس، وهو نوع من الكمال، لا زيادة فيه لمستزيد، على الرغم من مرور القرون الطويلة.
والواقع أن الطب الحديث يتجه في هذه السنين الأخيرة إلى اللجوء لأبسط وسائل العلاج والوقاية، وهي تكمن أساسا في أسلوب الحياة السليم، والاهتمام بالحركة والرياضة والنزهات والأسفار، وتنظيم الغذاء أكثر من اعتماده على العقاقير الطبية الصناعية التي أصبحت برغم فائدتها في كثير من الظروف موضع اتهام في جميع أنحاء العالم، لما تخلفه من آثار جانبية ونتائج مشكوك فيها أحيانا، وخاصة بعد أن غلبت عليها الناحية التجارية، ورافقها أخبث أنواع الدعاية… وقد لاحظ أثناء متابعتي لبعض مرضى القلب، أن أطباءهم – وخاصة في انجلترا قد سحبوا كل ما كان يعطي لهم من موسعات للشرايين، ومسيلات للدم منعا للتجلط، وتحولوا في أسلوب العلاج إلى أنواع من الرياضة المتدرجة وقد أتت هذه الأساليب القديمة (المستحدثة بنتائج ممتازة عند الكثيرين منهم.
ولا يكون الأمر متروكا لرغبة المرء، لذلك فقد جمعت الصلاة والصوم والجهاد والسعي لخدمة الناس ومجاملتهم، هذه الأشياء قد جمعت بين ألوان الرياضة الجسدية والنفسية وأصبحت في صحيحها إلزاما للمسلم باعتبارها فرضا (العبادات) على المؤمن، ويحاسب عليه إذا أهمله، وهكذا امتزجت الرياضة الجسدية والنفسية بالشعائر والعبادات، وأصبحت واضحا وواحدا يصبغ حياة المسلم بصبغة ربانية، ويا لها من حكمة إلهية سامية؟؟؟؟
(6) الطب النبوي والعلاج بالمحرمات
ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود:
“إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم” ومن حديث أبي الدرداء قول الرسول صلى الله عليه وسلم، أن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بالمحرم”.
إن أمر التداوي بالمحرم قضية شائكة، فهي ليست قاصرة على عدد قليل من العقاقير الطبية ولو كان الأمر كذلك لهان الأمر، لكن المشكلة أن التداوي… بالمحرمات بالنسبة لكثير من الأمراض النفسية وبعض الأمراض العضوية قد أصبح شائعا لدرجة خطيرة، وتعدى المواد المحرمة إلى سلوك شائن لا يتفق والمبادئ الأخلاقية، ونهج الشريعة الإسلامية ويتضاد مع صالح المجتمع والفرد.
ويمكننا أن نوجز تلك المحرمات في مجموعات أربعة رئيسية:
أولا – المشروبات الكحولية ومشتقاتها، التي تتفق معها في الأثر قلت تلك المشروبات أو كثرت، وازداد أثرها أو تضاءل.
ثانيا – المخدرات: وهي أنواع كثيرة، وتعد مشتقاتها ومنتوجاتها الصناعية.. والطبيعية بالمئات، وهي تستعمل أكثر من المجالات الخاصة بالأمراض النفسية، كذلك بعض الأمراض العضوية كالآلام الأمغاص..
وإدمانها يعتبر كارثة بدنية ونفسية واجتماعية.
ثالثا – التسيب الأخلاقي، والحرية الجنسية، باسم التغلب على عقد الكبت النفسين وعلاج الأزمات والاضطرابات النفسية الناتجة عن القيود الأخلاقية، وهذه نقطة خطيرة لم يتنبه إليها الكثيرون من الباحثين ولم يدرج جوها في قائمة المحرمات العلاجية.
رابعا – وهذه المجموعات الأربعة تشمل بعض أنواع الحشرات والحيوانات وأساليب الدجل الأخرى التي تراها في الشعوذة والخرافات المتنوعة التي تنتشر بين الجهات والطبقات الفقيرة دون استناد إلى دليل علمي أو منطقي مجرب يمكن دراسته وتحليله.
ويمكننا أن نتناول تلك المجموعات الأربعة بشيء من الإيجاز في ضوء الطب النبوي، واستنتاجات علمائه وتعليماتهم.
أولا – المشروبات الكحولية:
لم يعد خافيا على أحد ما للمشروبات الكحولية من أضرار وخيمة، على أجهزة جسم الإنسان وخاصة في حالة الإدمان، إذ إنها تؤثر على الجهاز العصبي المركزي والأعصاب الطرفية، ولها أيضا مفهوم ضار بالجهاز العصبي وخاصة الكبد والمعدة والاثنى عشر، ومن المعروف أن الجهاز العصبي هو المسيطر على كل أجهزة الجسم فمتى أصابه الخلل والاضطراب، أدى ذلك إلى إثارة الانحراف في مختلفة أجهزة الجسم والواقع ان هناك بعض الأمراض التي تزداد سواءا إذا كان المصاب بها يدمن الخمر، مثال ذلك مرض الدرن (السل)، ومرض القلب والمعدة والكبد وغيرها، ولذا نرى الأطباء يوصون المريض بعد تعاطي المشروبات الكحولية وإلا عرض نفسه للخطر، فالخمر إذن لها تأثير على مختلفة أجهزة الجسم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهذه حقائق عملية مؤكدة، تدرس لطلبة الطب في كل أنحاء العالم، لأنها من الأمور المتفق عليها، وعندما نقرأ في تراثنا نرى في صحيح مسلم، عن طارق بن سويد الجعفي انه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فقال: إنه ليس بدواء، ولكنه داء.
وفي السنة “أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يجعل في الدواء، فقال إنها داء، وليست دواء”.
ويذكر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من تداوى بالخمر فلا شفاه الله” وعن أبي هريرة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث”.
ويذكر صاحب الطب النبوي في كتابه تعليقا يقول ليه:
المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا، وأما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث وغيرها وأما العقل فهو أن الله سبحانه وتعالى حرمه لخبثه، فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله (فبظلم من الذين هادوا، حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم) وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه، وتحريمه له حماية لهم، وصيانة عن تناوله، فلا يتناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل، فإنه وإن اثر في إزالتها، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب، بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوي به قد سعي في إزالة طريق، وباتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشارع وأيضا فإن الخمر داء كما نص عليه صاحب الشريعة، فلا يجوز أن يتخذ دواء…
وأيضا فإن في إباحة للتداوي به، ولا سيما إذا كانت النفوس تميل إليه، ذريعة إلى تناوله للشهوة واللذة، ولا سيما إذا عرفت النفوس أنه نافع لها، مزيل لأسقامها، جالب لشقائها فهذا أحب شيء إليها، والشارع سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن، ولا ريب أن بين سد الذريعة إلى تناوله، وفتح الذريعة إلى تناوله،… تناقضا وتعارضا.. أيضا فإن هذه الدواء المحرم من الأدواء، ما يزيد على ما يظن فيه من الشفاء وليفرض الكلام في أم الخبائث، التي ما جعل الله لنا فيه شفاء قطن فإنها شديدة المضرة بالدماغ… الخ.
ومن هنا ترى اتفاق الطب النبوي، ونصوص الأحاديث النبوية الصحيحة تتفق تماما مع الدراسات والحقائق العلمية الحديث، تبقى نقطة هامة أن المشروبات الكحولية أو الكحولة يدخل ضمن المطهرات أو المواد القاتلة للميكروبات، كما يدخل كمادة.. مذيبة لبعض العناصر الدوائية، ويدخل في الروائح العطرية ومن ثم يضعه البعض على البشرة بعد الحلاقة مثلا ممزوجا بالروائح الطبية، أو يطهر به البعض الخدوش،… والبعض الآخر يتعاطى الأدوية التي يدخل فيها الكحول (الذي هو أساس المشروبات المسكرة) وخاصة بعض المقويات والأدوية الفاتحة للشهية.
والواقع أن رأي الفقهاء في مثل هذه الأمور في عصرنا واضح تمام الوضوح، فهم يحرمون مثل تلك الأمور إذا كان لها بدائل تغني عنها، ومن ثم فإن المطهرات الغير كحولية تعد بالمئات بل بالآلاف والمقويات والمشبهات أنواعها عديدة جدا، ولا حاجة إطلاقا لأن تكون “كحولية” بالذات، فالمواد الحامضية، كالليمون مثلا، والمواد الحريفة.. الخ كلها تعتبر مواد مشهية، بل إن جمال اللون والرائحة قد يكون سببا في إثارة الشهية لدي الإنسان… وفي الإمكان قصر استعمال الكحول في بعض الصناعات الأخرى غير الدوائية – كالأصباغ وغيرها، ولا حاجة لأن.. يدخل ضمن العقاقير التي يسمح بتعاطيها، لكن المشكلة أن معظم شركات الأدوية، إن لم يكن كلها – شركات لا تلتزم بأمور الدين، وخاصة في العالم الأوروبي والأمريكي وفي كثير من شعوب آسيا وأفريقيا، ليست شركات الأدوية هي التي تفعل ذلك وخدها بل شركات الإنتاج الغذائي هي الأخرى، تلك التي تدخل بعض المحرمات في الأطعمة التي تعدها للتوزيع كالأطعمة المحفوظة وبعض أنواع الحلوى، وبعض المنتوجات الشحمية التي يضاف إليها شحم الخنزير.. الخ.
والقضية ليست في الكمية، لأن ما أسكر كثيره وقليله حرام، وقد يعتقد البعض أن المواد التي تستطيع أن تمتص من خلال البشرة في ظروف معينة، وبذلك يمكنها أن تصل إلى الدم ولو بنسب ضئثلة فهل من اللائق تجاهل هذا الأمر لأن أثره غير واضح، لأنه لا يؤخذ عن الطرق الطبيعية، وبالكيفية المعروفة؟؟ تلك قضية تحتاج إلى دراسة.. واعية، ورأي حاسم.
ثانيا – المخدارات:
تطلق كلة المخدرات على كثير من المواد الطبيعية والكمياوية التي تؤدي إلى خدر الجسم والعقل، والمواد المخدرات تختلف في آثارها ومضاعفاتها واستجابة الجسم والعقل لها، وكثير من هذه المواد قد يؤدي إلى الإدمان، بحيث لا يستطيع متعاطيه أن يستغني عنه وإلا أصيب بأضرار مختلفة قد تصل إلى الموت، وخاصة عند التوقف المفاجئ لمن اشتد الإدمان لديه، وبعض هذه المواد قد يؤدي إلى السكر أو غياب العقل أو يؤدي إلى لون من التخيل وتصور أمور لا وجود لها، فكأن المتعاطي يعيش في أحلام مزوقة جميلة، فإذا ما انتهى اثر المخدر، شعر المدمن بحالة من الاضطراب وعدم الاستقرار والكآبة والتوتر، ويظل في تدهور وتوتر بل إن أجهزة الجسم تتأثر على اختلاف أنواعها، فالعيون تحتقن وتدمع، والأنف يسيل والبطن تمغص وتسهل وتقيئ، كما في حالة التوقف المفاجئ عند تعاطي الأفيون وهناك بعض المواد المخدرة، كالحشيش مثلا – تعطي للمدمن إحساسا خاطئا بالزمن والمسافة، وكذلك الحالة النفسية، فإذا أكل وهو تحت تأثير المخدر قدرا يسيرا من الطعام، خيل إليه أنه كان شرها لدرجة التخمة، وإذا مشى مسافة تعد بمئات الأمتار، ظن أنه مشى مسافات طويلة تعد بالأميال، ونفس الشيء يحدث بالنسبة للإحساس بفترة “الجماع” إذ يظن بعض الناس أن تعاطي الحشيش يطيل مثل هذه الفترة، مع أن ذلك وهم خالص.
ولقد انتشرت الأدوية المخدرة في كل أنحاء الدنيا انتشارا رهيبا، وتفشت المخدرات بين الشباب وخاصة في أوروبا وأمريكا، فسمعنا عن عقار الهلوسة أو عقار ل. س. د، وتسببت هذه المخدرات في كثير من الانحرافات والكوارث الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، بل زوقت الأوهام والخيالات، ووضعت فلسفات وسلوكا غريبا فيا لحياة وأدت إلى قيام بعض حرائم القتل الجماعية، ودمرت الكثير من الأخلاقيات وحطمت الكثير أيضا من أمن المجتمع وسلامته، والدراسات التي أجريت على المدمنين في مختلفة الدول دراسات متنوعة، لكن الشيء الملف للنظر أن الدارسين عندما حاولوا البحث عن أسباب الوقوع في كارثة الإدمان وجدوا أن هاك عوامل كثيرة مساعدة لها:
(1) الإصابة باضطراب نفسي، أو قلق وتوتر، وغير ذلك من الأعراض النفسية الناجمة عن ظروف خاصة أو عامة، هذا الاضطراب النفسي قد يورث الشخص المريض به استعدادا خاصا لتعاطي المخدرات كوسيلة من وسائل الهروبز
(2) صحبة السوء: محاولة الأصدقاء الالتزام بتصرفات معينة موحدة، فإذا كان بعضهم ممن يدمنون المخدرات، اقتدى بهم الباقون، كإثبات لرجولتهم، وتأكيدا لقدراتهم على عل ما يشاؤون دون خوف من أحد.
(3) الآلام العضوية قد تدفع المريض إلى تعاطي المخدرات في البداية بغرض تقف الآلام، فإذا كانت تلك الآلام متكررة أو مزمنة، كالمغص الكلوي أو المراري أو الصدع… الخ، فإن المريض يضطر لأخذ المخدر مرة أخرى (وخاصة الأفيون أو المورفين) وهكذا تتعدد نوبات الألم وجرعات المخدر، وبالتدريج يصبح المريض في اشد الحاجة إلى تعاطي المخدر بصفة دائمة، وهكذا يصبح مدمنا.
(4) تيارات الرفض بين الشباب في كثير من أنحاء العالم، وسخطهم على الأوضاع القائمة وسياسات القوى الكبرى، ودمار القيم العليا، وسيطرة المادية، والفلسفات الحائرة كل ذلك دفع الشباب إلى البحث عن واحة زائفة ستظلون فيها فقدم لهم الأبالسة وتجار السموم، أصنافا مختلفة من المخدرات، تهدف لتغطية الآلام، ودغدغة الحواس، والهاب الأحلام الجنسية، والتحلل من المسؤولية، والإقدام على تصرفات طائشة غير مسؤولة.
(5) المشاكل الاقتصادية والعاطفية قد تجر إلى كارثة الإدمان على المخدرات.. وتفشي المخدرات ليس قاصرا على الأوساط القادرة اقتصاديا وحدها، بل إنها تنتشر أكثر في الأوساط العمالية والبيئات التي ينتشر فيها الجهل والفقر والمرض، فهي مشكلة عامة في آسيا وإفريقيا أيضا، وليست في أمريكا وأوروبا وحدها… وتحريم المخدرات في الإسلام أمر قديم، وإن سبقه تحريم الخمر، ولا شك أن ظهور الحشيش في أواخر المائة السادسة بعد الهجرة. هو الذي حرك العلماء والفقهاء لإصدار الفتاوى فيها، وهي مجمعة على تحريمه وقد ذكر ابن تيمية في كتابه السياسة الشرعية، وكذلك تلميذه ابن القيم في كتابه “زاد المعاد” وغيرهما من العلماء القدامى والمحدثين، أن الحشيش حرام، وفي كلام سيد الخلق: “كل مسكر خمر، وكل خمر حرام”، وفي حديث أم سلمة: نهى صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومغتر.. “فالمسكر والمغتر حرام، أيام كانت المادة التي استعملت سائلة أو جامدة، مطبوخة أو غير مطبوخة، عن طريق الفم أو الحقن أو غير ذلك من الوسائل المختلفة. والتداوي بالمخدرات، إنما هو تداو بالمحرم، ومن ثم فإن ما ينطبق على الخمر ينطبق عليها، ونستطيع أن نقرأ في أي مرجع فمن المراجع الطبية الآثار التي تتركها المخدرات في جسم الإنسان، والتغيرات الخطيرة التي تقلب النسق البديع لعمل الأجهزة، وتعادل السوائل وإفراز المواد الزائدة، والاتساق النفسي والعصبي، إن العلاج بالمخدرات يكمن أساسا في نقطتين:
أولهما – تسكين الآلام العضوية
ثانيهما تهدئة الاضطرابات والتوترات النفسية
ونلاحظ أنه في كلتا الحالتين ليست المخدرات علاجا بالمعنى العلمي الصحيح لهذا قلنا بالنسبة للنقطة الأولى (تسكين الآلام) ولم نقل شفاؤها، وأيضا في النقطة الثانية لم نقل شفاء الاضطرابات النفسية، إنما قلنا تهدئتها.. فالمخدرات أساسا أدوية ليست لعلاج العلل النفسية أو العضوية، إنما لمجرد تخفيف الأعراض الناجمة عن المرض، لأن العلاج الحقيقي إنما يكمن في علاج السبب الذي صنع الداء وتخفيف الأعراض السبب الذي صنع الداء وتخفيف الأعراض ليس علاجا حاسما للداء، ولكي نزيد الأمر توضحيا إذا كان هناك مريض يشكو من صداع، فليس العلاج الصحيح هو أن يتعاطي قدرا من المخدرات أو المسكنات لأن اثر المخدرات أو المسكن سوف يزول، لأن مفعول المسكن محدودة بفترة زمنية محددة، وإنما العلاج الصحيح هو أن نبحث أولا عن سبب الصداع.. هل هو حمى معينة؟؟
هل هو ارتفاع ضغط الدم؟ هل هو الهم والغم والأرق؟؟ هل هو الامساك أو أمراض العين أو الأسنان أو الجيوب الأنفية أو أورام المخ.. أو.. أو … الخ؟ لا بد من أن نجتث الداء من جذوره، عندئذ تختفي الآلام والأعراض والعلامات.. وقد يكون علاج السبب جراحيا أو دوائيا أو نفسيا، وقد تكون هناك مشكلة من المشاكل الخاصة التي لا يفصح عنها المريض فلا يؤدي إلى التشخيص الصحيح للعلة… والتشخيص هو البداية الصحيحة لخط سير العلاج.
فعلاج الصداع بالأفيون أو المورفين لن يقضي على سبب الداء، وهكذا يعاود المريض الألم ويتكرر أخذ المخدر، حتى يحدث الإدمان، والإدمان مرض من ألعن الأمراض وأخطرها، لأن يتلف الجهاز العصبي، ويؤثر على الكبد والكلي، وكثير من الغدد، ويجعل الجسم يتعود على هذا المخدر، كما يتأثر القلب وتتأثر الشرايين والجهاز الهضمي مما تناولته الكتب الطبية بالتفصيل…. لقد أراد البعض أن يعالج داءه.. بالمخدرات، فأصيب بمرض أخطر وهو الإدمان الذي يسرع بخطى الإنسان إلى القبر، ويسبب الشقاء الأبدي، ويدمر كيان الفرد والمجتمع.. فتحريم المخدرات أمر يتفق وطبائع الأمور والآثار السيئة التي تنجم عنها عضويا ونفسيا، ولا يحد عن تلك الراحة الكاذبة التي يتحصل عليها المريض إذا تعاطى الأدوية المخدرة…
وقد أفنى بعض العلماء باباحة العلاج بالمخدر إذا لم يكن له بديل، وبشرط أن يكون على يدي طبيب مسلم موثوق فيه، وبالقدر الذي يحتاجه المريض فقط، ولقد تنبه الإمام ابن حجر لنقطة هامة في علاج المدمنين، فأوصى بأن يكون علاجهم تدريجيا، حتى تنقص الجرعة التي يتعاطاها المدمن من المخدر تدريجيا، حتى لا يصاب بالوفاة، وفي هذا الأسلوب التدريجي للتخلص من الادمان حفاظ على حياة المدمن.
وفي فتوى الشيخ جاد الحق على جاد الحق يقول:
الإسلام حرم مطعومات ومشروبات صونا لنفس الإنسان وعقله ورفع هذا التحريم في حال الضرورة فقال: “فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه. وقال: “وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه” ولقد استنبط الفقهاء من هذه الآيات ومن أحاديث رسول صلى الله عليه وسلم، في الضرورة قواعد يأخذ بعضها بحجز بعض فقالوا الضرر يزال والضرورات تبيح المحظورات، ومن ثم أجازوا أكل الميتة عند المخمصة، واساغة اللقمة بالخمر، والتلفظ بكلمة الكفر عند الاكراه عليها (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان). وقالوا أيضا أن الضرورة تقدر بقدرها، وما جاز لعذر بطل بزواله والضرر لا يزال بضرر.
وقد اختلف الفقهاء في جواز التداوي بالمحرم، والصحيح من آرائهم هو ما يلتقي مع قول الله في الآيات البينات السالفات، بملاحظة أن إباحة المحرم للضرورة مقصور على القدر الذي يزول به الضرر، وتعود به الصحة، ويتم به العلاج، وللتثبت من توافر هذه الضوابط، اشترط الفقهاء الذي أباحوا التداوي بالمحرم شرطين أحدهما أن يتعين الطبيب بالصدق والأمانة والتدين والآخر ألا يوجد دواء من غير المحرم، ليكون التداوي بالمحرم متعينا، ولا يكون القصد من تناوله التحايل لتعاطي المحرم ولا يتجاوز به قدر الضرورة، وقد أفتى بأنه إذا علم انه يهلك قطعا حل له بل وجب لاضطراره لإبقاء روحه.. كالميتة التي يأكلها المضطر، ويجب عليه التدرج في تقليل الكمية التي يتناولها شيئا فشيئا حتى يزول اعتياده، وهذا – كما تقدم – إذا ثبت بقول الأطباء الثقات دينا ومهنة أن معتاد تعاطي المخدرات يهلك بترك تعاطيها فجأة وكلية…. وترتيبا على هذا فإذا ثبت أن ضررا ماحقا محققا وقوعه بمتعاطي المخدرات سواء أكانت طبيعية أو مخلقة إذا انقطع فجأة عن تعاطيها جاز مداواته، بإشراف طبيب ثقة متدين حتى يتخلص من اعتياده، كما أشار العلامة ابن حجر في فتواه المشار إليها لأن ذلك ضرورة، ولا إثم في الضرورات إذا روعيت شروطها المنوه بها اعمالا لنصوص القرآن الكريم.
هذا وأنه مع التقدير العلمي في كيمياء الدواء لم تعد حاجة ملحة للتداوي بالمواد المخدرة المحرمة شرعا لوجود البديل الكيميائي المباح.
والواقع أن المخدرات كدواء تختلف عن كثير من العقاقير الأخرى، فمثلا المضادات الحيوية تقتل الجراثيم والميكروبات، فيختفي المرض ويشفي المريض، والانزيمات الهاضمة تعوض الجسم عن قلة الأنزيمات التي تفرز في جهازه الهضمي، ولهذا تشفي من عسر الهضم حتى يتخلص الجسم من خلله، والأدوية التي تقتل الطفيليات أو ثعابين البطن أو الفطريات الجلدية وغيرها كل تلك العقاقير تعتبر علاجا.. فهي تختلف عن المخدرات التي تسكن الألم، أو تجلب النوم، أو تزوق الخيالات… والتصورات، وتساعد الإنسان على هروبه… والعلاج بالمخدرات يكون في نطاق ضيق جدا… فمثلا نحن في حاجة ماسة إلى استعمال المخدر لإجراء العمليات الجراحية حتى لا يشعر المريض بمبضع الطبيب وهو يمزق في جلده وأحشائه.. فهذا أمر لا خلاف عليه.
أما أن أتعاطي المخدر الصداع… أو للمغص… أو لمجرد الانسجام…. أو التخلص من أزمة نفسية طارئة، فهذا سلوك غير علمي… بالإضافة إلى أنه سلوك غير ديني..
وجناية العلاج بالمخدرات المصنعة قد تعدت المتعاطي إلى الأجنة في بطون الأمهات فقد لوحظ أن بعض الأطفال الذي يولدون في أمريكا يصرخون ويتشنجون.. ويرفضون الغذاء ويستمورن هكذا لبضعة أيام ونسبة كبيرة منهم يلاقون حتفهم، واتضح بعد الدراسة أن السبب هو أن أمهات هؤلاء الأطفال كن يدمن المخدرات أثناء فترة الحمل، ونتج عن ذلك أن الجنين تعود على المخدرات وهو في بطن أمه، لهذا عندما خرج من بطن الأم بعد الولادة، ولم يعد يصل إليه، أصيب بنوبات الصراخ والبكاء والامتناع عن الطعام والنوم مما يقضي عليه، ولهذا وجد الأطباء أنفسهم مضطربين إلى اعطاء هؤلاء المولودين جرعات متناقصة من المخدر الذي كانت تتعاطاه الأم، ويسحب تدريجيا إلى أن تمر الأزمة التي يمر بها الجنين ويشفى من الإدمان، وهو نفس الأسلوب الذي أشار إليه العلامة ابن حجر في فتواه السابقة..
وهناك علاقة وثيقة بين الإقبال على المخدرات وبين ضعف الوازع الديني أو الإيمان فإن الإرادة القوية والتمسك بالآداب الشرعية، والتوكل على الله والرضى بقضائه، كلها من الأمور التي تحفظ للنفس اتزانها وصمودها، وتعتصم بالصبر، وتتأثر وتبعد عن كل ما من شأنه أن يهوي بذاته، أو يضعف من شخصيته، أو تأخذ بيده إلى مهابط الرذيلة، ومساقط العادات السيئة، أو الهروب إلى جنة الوهم التي تصنعها المخدرات.
من هنا تتجلى حكمة الشارع حينما نهى عن التداوي بالمحرم سواء أكان خمرا… أم مخدرات أم غيرها من الأمور الأخرى التي تتعارض مع القيم النبوية العريقة… والأمر لا يحتاج إلى كبير تأكيد، بعد أن فرضت الدول العقوبات الشديدة على تجار ومتعاطي المخدرات تلك العقوبات التي بلغت الإعدام لكن الأمر الغريب هو التشدد في عقوبة المخدرات والتساهل في عقوبة الخمر في معظم البلدان، مما حدا ببعض المفكرين الظرفاء إلى القول بأن “القانون يحابي الخمر على حساب المخدرات”.
ثالثا – التسيب الأخلاقي:
إن الحرية الجنسية أصبحت سلوكا شائعا في كثير من بلدان العالم المتقدم أو… المتمدين والغريب أن هذا السلوك اعتبر علاجا لكثير من العقد النفسية والاضطرابات العاطفية تجنبا لما يسببه الكبت من أمراض مختلفة – وأصبح القانون يحرس التحلل الجنسي في كثير من الدول، ولقد خرجت بذور هذه الدعوة الخبيثة في فلسفة فرويد ومن الفلسفة الاجتماعية الجانحة مثل الوجودية والماركسية وغيرها، فلم يعد غريبا أن تتصادم تلك الفلسفات والمدارس مع القيم الدينية العريقة، ولقد سار في هذا الركب الضال عدد غير قليل من الأطباء النفسيين وعلماء السلوك الإنساني، ووضعوا القوانين التي تجعل من الإباحية بل ومن الشذوذ الجنسي حقا مكتسبا في بعض البلدان… واختلط هذا الأمر بالإقبال على المسكرات والمخدرات، مما زاد.. الطين بلة…
فهل نجحت الإباحية الجنسية كعلاج؟؟
إن الدراسات التي أجراها الباحثون أخيرا في أكثر الدول تحللا وتقدما أثبتت عكس ذلك تماما وشهد شاهدون من أهلها، فلقد لوحظ الآتي:
أولا: انتشار الانهيارات العصبية، والاضطرابات النفسية في تلك البلاد بنسبة أكثر من البلاد التي تحتمي في ظل التقاليد والقيم الدينية، وبرغم التخلف والفقر كما كثرت حوادث الانتحار مللا وهروبا من الحياة التي تحتمي في ظل التقاليد والقيم الدينية، وبرغم التخلف والفقر كما كثرت حوادث الانتحار مللا وهروبا من الحياة التي أثقلتها الأحزان والآلام والضياع، وانعكس ذلك على أجيال الشباب مما جعل تلك الدول تعتمد اعتمادا أساسيا على الكوادر الفنية العاملة التي تستوردها من الخارج وهكذا جر التحلل الجنسي إلى إضرار بنفوس الشباب وطموحهم ورسالتهم في الحياة.
ثانيا: ازدياد نسبة الإصابة بالأمراض السرية (التناسلية) وخاصة السيلان… والزهري، وما تجره تلك الأمراض من مضاعفات، على الرغم من أن تلك الدول، تمتلك إمكانيات هائلة في وسائل الوقاية والعلاج، فضلا عن أنها تنظم تجارة الرقيق الأبيض وتجعلها تحت الرعاية الطبية الدائمة، وتصدر لمن يمارسون تجارة الجنس التراخيص الطبية.
والإسلام منذ البداية نظم العلاقة بين الرجل والمرأة، وجعلها تمضي في إطار الشرعية والقوانين السليمة، عن فهم وإدراك لحقوق الفرد والمجتمع، كما وضع… العقوبات المناسبة لجريمة الزنا.. إن الزنا في نظر الإسلام جريمة وليس علاجا ولا حرية أو حقا مكتسبا للأفراد، ومن هنا كانت عقوبة الجلد والرجم أو القتل حسب الظروف. هذا وقد تعرض الطب النبوي للجماع ووضع له بعض القواعد المنظمة (إذ لا حياء في الدين) لهذا نرى صاحب الطب النبوي يقول:
“الجماع وضع في الأصل لثلاثة أمور هي مقاصده الأصلية، أحدها حفظ النسل، ودوام النوع الإنساني… والثاني إخراج الماء الذي يضر احتباسه واحتقانه بجملة البدن. والثالث قضاء الوطر، ونيل اللذة، والتمتع بالنعمة… واحتباس المني قد يحدث أمراضا رديئة منها الوسواس والجنون والصرع وغير ذلك.. ومن منافع الزواج غض البصر وكف النفس، والقدرة على العفة عن الحرام، وتحصيل ذلك للمرأة… وعنه صلى الله عليه وسلم “إني أتزوج النساء وآكل اللحم، وأنام واقوم، وأصوم وأفطر، فمن رغب عن سنتي فليس مني”، وقال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء” ومن حديث ابن عباس قال: “لم تر للمتحابين مثل النكاح”. ومما ينبغي تقديمه على الجماع ملاعبته.. المرأة وتقبيلها، ومص لسانها، ويذكر عن جابر بن عبد الله قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواقعة قبل الملاعبة”.. وأنفع الجماع ما حصل بعد الهضم، واعتدل البدن.. ولا ينبغي أن يستدعي شهوة الجماع أمر يتكلفها، ويحمل نفسه عليها… وجماع الحائض حرام طبعا وشرعا… وهكذا نرى أنه لا علاج بمحرم وأن الإسلام وضع الآداب والقواعد المنظمة للعلاقة الجنسية وحث على تهيئة الفرصة لزواج الشباب، وقرر أن الزواج هو الحل السليم لمشاكل الكبت الجنسي والنفسي، وعالج الإسلام هذه القضية بصراحة ووضوح تامين، وألفت فيها كتب كثيرة في التراث، تعرضت.. لتفاصيل العملية الجنسية، والاشتراطات الواجبة حيالها، لهذا فإننا نقول بأن الإباحية الجنسية ليست علاجا للكبت الجنسي والرواسب النفسية التي يخلفها الحرمان، ولم يفت الإسلام هذا، بل حذر بشدة من التبرج وإبراز مفاتن المرأة ونهى عن الاختلاط الضار الذي يثير الشهوة، ويؤدي للسقوط الأخلاقي، ويغري بالفتنة والانحراف، أي أنه القضية من كل جوانبها، ولم يغفل أي عنصر من عناصرها..
رابعا- الشعوذة والخرافات العلاجية:
في كل أمة من الأمم يلجأ البعض – وخاصة الطبقات الجاهلية إلى أساليب غريبة في العلاج، يستخدمون فيها الشعوذة والدجل والخرافات، كأن يسقي المريض مثلا شرابا معينا، ممزوجا بدم حيوان، أو تذبح دجاجات أو خراف ليس فيها علامات أو ذات لون خاص أو بالدخول إلى القبول أو الطواف بالأضرحة أو التمسح بشجرة من الأشجار، أو مبنى من المباني، أو أكل بعض الحشرات أو الحيوانات التي تأكل وتؤكل، وهذه أمور كلها تتنافى مع التجربة ومع الدراسات العملية، ومع الأساليب التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سنن النسائي أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاه عن قتلها، وكان صلى الله عليه وسلم يوصي مرضاه في بعض الأحيان بالذهاب إلى الطبيب الحاذق الماهر كجهة اختصاص، ولم يعرف عنه إلا أنه كان يوصي ببعض الرقى، وهي لا تخرج عن كونها بعض أدعية لله وآيات من القرآن الكريم، انطلاقا من القاعدة الأساسية وهي أن الطبيب يصف الدواء وأن الله هو الشافين فاللجوء إلى الله القوي القادر أمر طبيعي ما دمنا نأخذ الأسباب، ونستفيد من التجربة، ونملأ نفوسنا بالأمل وأخيرا أمرنا بالتداوي، وأكد أن الله ما أنزل داء إلا أنزل له دواء كي نجد في البحث عنه، بتوفيق الله وهديه…
* * *
7 – الطب النبوي والنوم:
ظاهرة النوم من الظواهر المعجزة حقا، لقد استطاع العلماء أن يحددوا مركزا للنوم في المخ وأجرى العديد من الدراسات على هذه الظاهرة كما أجريت تجارب خاصة على الإنسان والحيوان وتبين منها ضرورة النوم لحياة الإنسان وقد لوحظ أن هناك بعض الأمراض التي تسبب الأرق ولا يموت المريض بسببها مباشرة لكن السبب المباشر لانتهاء الحياة هو الأرق كما استطاع العلماء تقسيم النوم إلى مراحل وصفات وبيان كل مرحلة، وأهمية الأحلام للصحة البدنية وللصحة النفسية خاصة..
ومع ذلك فإن النوم ما زال سرا من الأسرار العميقة.
ومن تدبر نوم الرسول صلى الله عليه وسلم وجده أعدل نوم وأنفعه للبدن والأعضاء والقوى لأنه كان ينام أول الليل ويستيقظ أول النصف الثاني ويستاك ويتوضأ ويصلي، فيأخذ البدن والأعضاء والقوى حظها من النوم والراحة وحظها من الرياضة مع وفور الأجر، وهذه غاية صلاح القلب والبدن والدنيا والآخرة، ولم يكن يأخذ من النوم فوق القدر المحتاج إليه، فينام على شقه الأيمن، ذاكرا الله حتى تغلبه عيناه، غير ممتلئ البدن من الطعام والشراب ولا مباشر بجنبه الأرض، ولا متخذ للفرض المرتفعة بل مضطجع من أدم حشوه ليف، وكان يضطجع على الوسادة ويضع يده تحت خده أحيانا:
ولقد مر النبي على رجل نائم بالمسجد منبطع على جهه فضربه برجله وقال:
“قم واقعد فهذه نومة جهنمية” ولقد تعرض الذين كتبوا في الطب النبوي قديما لفائدة النوم على الصورة التي ارتآها رسول الله وقالوا إنها تساعد على الهضم، وتريح القلب وتمكن الأعضاء من الراحة والاسترخاء، ولقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن النوم في الشمس، ومن الأمور البديهية أن الشمس قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض الجو الحار المعروفة وهي:
1 – الانهاك الحراري.
2 – الانهيار الحراري.
3 – ضربة الشمس.
4 – تقلص العضلات المؤلم (الكوامب).
وهي أمراض لها علامات وأعراضها المختلفة ولا يتسع المقام لذكرها.
وفي الصحيحين عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا أتيت مضجعك فتوضأ للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت وجهي (نفسي) إليك، ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، واجعلهن آخر كلامك، فإن مت من ليتلك مت على الفطرة…”.
وفي هذا الجو الروحي المريح يستلقي المؤمن متوضئا مؤمنا وقد أسلم أمره كله لله هذه الكلمات الحلوة التي يتفوه بها المؤمن أفعل من أي منوم وأقوى من أي عقار يجلب النوم فهي تريح القلب والنفس وتؤدي إلى استقرار والهدوء واليقين وتبعد عن النفس هواجسها وأوهامها..
والنوم الجيد كما يقرر الأطباء يساعد على الإسراع من عملية الشفاء، ويقلل من مضاعفات المرض، كما أنه يعيد إلى الجسم حيويته، ويعمل على زيادة الوزن في فترة النقاهة ولا عجب أن أقيمت في أمريكا عيادات خاصة للنوم، يعالج فيها المصابون بالأرق وأغلبهم ممن يعانون من الأمن النفسية.
والواقع أن الطب النبوي لم يترك جانبا من جوانب الصحة العامة، نفسية كانت أو عضوية إلا وتعرض لها وأثبت فيها إعجازه، الذي أكدته الدراسات الحديثة والتجارب التي أجريت على الإنسان والحيوان، فالإنسان الذي يمنع من النوم بالوسائل الصناعية يفقد القدرة على التفكير السليم والتركيز ويصاب بالتوتر وسرعة التهيج وانحراف المزاج، كما يفقد الرغبة في الطعام والشراب، ويتناقص وزنه تدريجيا، وتسوء حالته النفسية لدرجة كبيرة، وقد يصل إلى مرحلة الجنون… ونفس الشيء حدث بالنسبة لحيوانات التجارب.
إن التفات الطب النبوي إلى أهمية النوم يدل على حكمة بالغة، وإلمام شامل بما يحفظ على الإنسان صحته وسعادته وقدراته الجسدية والعقلية والنفسية.
* * *
8 – الطب النبوي وآداب المهنة
إن احترام الإسلام للعلم بشتى فروعه وتقديره للعلماء على مختلفة تخصصاتهم ودعوته للناس إلى التعليم والتحصيل وجعل العلم فريضة، كل هذا قد فتح الآفاق أمام نهضته التعليم والتحصيل وجعل العلم فريضة، كل هذا قد فتح الآفاق أمام نهضته العلمية الرائدة في العصور التي تلت عصر النبوة، وهذه حقيقة ثابتة لا خلاف فيها وقد يكون من الأمور الملفتة للنظر تنظيم مهنة الطب بعد الاعتراف بها ومزاياها ووضع الصفات اللائقة بالطب، ومحاربة السحر والشعوذة والدجل، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد مسئولية الطبيب المعالج إذا أخطأ، وتعرض الفقهاء إلى قضية التضمين والتعويض في حالة العلاج الذي يؤدي إلى وفاة المريض….
وفي مجال اختيار أحذق الأطباء، ذكر مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم: “أن رجلا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم جرح فاحتقن الدم، وأن الرجل دعى رجلين من بني أنمار فنظرا إليه، فزعما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما: أيكم أطب فقالا: أوفى الطب خير يا رسول الله؟ فقال أنزل الدواء الذي أنزل الداء”؟.
ولقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مريض يعوده، فقال أرسلوا إلى طبيب فقال قائل: وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له دواء”. أما فيما يتعلق بالمسؤولية الملقاة على عاتق الطبيب، وإلزامه بالضمان في أحوال معينة، فقد جاءت على لسان رسول الله في بعض الأحاديث وتناول الشرح بالتفصيل وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث عمر ابن شعيب عن أبيه عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من تطبب – ولم يعلم من الطب قبل ذلك – فهو ضامن” من هنا يتضح إيجاب الضمان على الطبيب الجاهل، فإذا تعاطى علم الطب وعلمه، ولم يتقدم به معرفة، فقد هجم بجهله على اتلاف الأنفس وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه فيكون قد غرر بالعليل فيلزمه الضمان لذلك، هذا إجماع من أهل العلم.
ولقد قسم ابن القيم الأطباء في مجال المسئولية أو الضمان إلى خمسة أقسام كالآتي:
1 – أحدها طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها، ولم يتجن يده، فتولد من فعله المأذون من جهة الشارع، ومن جهة من يطبه – تلف العضو أو النفس، أو ذهاب صفة، فهو لا ضمان عليه اتفاقا….
(وهناك خلافات بين الفقهاء في هذه النقطة).
2 – القسم الثاني متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف به فهذا أن علم المجني عليه أنه جاهل ولا علم له وأذن له في طبه لم يضمن، ولا يخالف هذه الصورة ظاهر الحديث.
وإن ظن المريض أنه طيب وأذن له في طبه لأجل معرفته – ضمن الطبيب ما جنت يده وكذلك إن وصف له دواء يستعمله، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه، فتلف به ضمنه…
3 – القسم الثالث طبيب حاذق أذن له، وأعطى الصنعة حقها لكنه أخطأت يده وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة، فهذا يضمن لأنها جناية خطأ، ثم أن كانت الثلث، فما زاد فهو على عاقلته فإن لم يكن عاقلة، فهل تكون الدية في ماله أو في بيت المال؟؟؟؟؟
على قولين هما روايتان عن أحمد، وقيل أن كان الطبيب ذميا ففي ماله، وإن كان مسلما ففيه الروايتان…الخ.
4 – القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته، اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله، فهذا يخرج على روايتن: إحداهما أن دية المريض في بيت المال، والثانية أنها على عاقلة الطبيب، وقد نص عليها الإمام أحمد بن حنبل في خطأ الإمام والحاكم.
5 – القسم الخامس طبيب حاذق أعطي الصنعة حقها فقطع سلعة من رجل أو صبي أو مجنون، بغير إذنه أو إذن وليه، أو ختن صبيا بغير إذن وليه، فتلف فقال بعض أصحابنا يضمن لأن تولد من فعل غير مأذون فيه، وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي والمجنون لم يضمن… الخ.
هذا ويلاحظ أن الطبيب في الحديث السابق يتناول من يطب بوصفه وقوله، وهو الذي يخص باسم الطبائعي وبمروده وهو الكحال، وبمبضعة، (مشرطة)… ومراهمة وهو الجرائحي (الجراح) وبموساه وهو الخاتن، وبريشته وهو الفاصد،.. وبمحاجمه ومشرطه وهو الحجام وبخلعه ووصله ورباطه وهو المجبر، وبمكواته وناره وهو الكواء، وبقربته وهو الحاقن، وسواء كان طبه لحيوان بهيم أو إنسان، فاسم الطبيب يطلق على هؤلاء كلهم.
ويدخل في إطار تلك المسميات التي ذكرناها الطبيب الباطني وطبيب العيون (الرمد) وطبيب العظام والجراحة وأخصائي الطب الطبيعي… الخ.
ولم يكتف الشارع بتحديد المسؤولية القانونية بالنسب للخطأ الذي يقع فيه الطبيب وإنما حدد من هو الطبيب والمريض وولي المريض… ومتى يدفع الضمان، ومن أين يدفع؟؟ ولا أريد أن أستطرد في هذا الجانب الفقهي القانوني لأنه ليس مجالنا الآن، وإنما أردت أن أوضح الصورة المحددة العتيقة لأبعاد مهنة الطب، في إطار مفهوم الطب النبوي الشامل لأنه مهنة دقيقة تتعلق بحياة الإنسان بدنيا ونفسيا وعقليا وليس من المعقول أن تترك هكذا بلا ضوابط أو رابط، ولذلك كان الطب النبوي أسبق إلى الشرائع والآداب التي أحاطت المهنة بمفهوم شامل واضح.. بعيد عن الشطط أو المبالغة أو الإهمال ولم يستطع المشرعون المعاصرون.. أن يضيفوا أمورا جوهرية في هذا المال.
ولكي يكون الطبيب ماهرا أو حاذقا، فقد وضع الدارسون الأقدمون، من أطباء ومؤرخين وفقهاء، تصوراتهم الواقعية المقبولة، مقتدين بالقيم والمبادئ التي جاءت بها الشريعة الغراء، وبتجارب المؤرخين السابقين في الدول التي سبقت الدولة الإسلامية الأولى. ومن هذه الصفات أن يكون الطبيب ملما بأنواع الأمراض حتى إذا ما ووجه بمرض من الأمراض عرف من أي نوع هو، وعلى الطبيب أيضا أن يبحث عن سبب المرض (العلة) ومن الأمور الهامة أن يعرف الطبيب مدى قوى احتمال مريضه، وقدرته على مقاومة المرض، ويقيم وضع مريضه تقييما سليما من كافة النواحي والوجوه، حتى يستطيع أن يمضي في علاجه على هدى وبصيرة، وعلى الطبيب أيضا أن يعرف عمر المريض، وعاداته، لأن لذلك صلة بتشخيص المرض، واختيار العلاج المناسب، والطبيب الحاذق هو من يهتم ببلد المريض وترتبه، وصلة مرضه بفصول السنة، فمن الثابت حديثا انتشار أمراض معينة في بيئات معينة وارتباط أمراض أخرى بحالة الطقس أو فصول السنة، ولا يقف الأمر عند تشخيص المرض – والعثور على الدواء بل أن يكون الطبيب ملما بمضافات الدواء وأخطائه عن وجدت بحيث لا يستعمله إلا تحت اشتراطات خاصة، وبجرعات معقولة، ولوقت محدودة، والطبيب الماهر هو الذي لا يهدف إلى إزالة العلة فحسب بل عليه ألا يتسبب – بعلاجه – في حدوث مرض خطيرة، أو مضاعفات أشد وإلا كان من الأفضل ترك الأمر على ما هو عليه… والطبيب الحاذق عليه أن يعالج بأسهل السبل، فلا ينتقل من العلاج بالغذاء إلى الدواء إلا عند تعذره، ولا ينتقل إلى الدواء المركب، إلا عند تعذر الدواء البسيط فمن سعادة المريض علاجه بالأغذية بدلا من الأدوية وبالأدوية البسيطة بدلا من المركبة… وعليه أيضا أن ينظر في العلة هل يمكن زوالها أم لا؟ فإن علم أنه لا يمكن زوالها هل يمكن تخفيفها أو تقليلها أم لا؟ فإن لم يمكن تقليلها، ورأى غاية الإمكان… إيقافها وقطع زيادتها، قصد بالعلاج ذلك…
وعليه ألا يتعرض للخلط قبل نضجه باستفراغ، بل يقصد انضاجه، فإذا تم نضجه، بادر إلى استفراغه، أي لا يصلح للطبيب الجراح مثلا أن يفتح خراجا قبل اكتماله وتكون الصديد فيه وإلا اضر بالمريض من عدة نواح كما لا بد أن تكون للطبيب خبرة باعتلال القلوب والأرواح – (الأمراض النفسية) وأدويتها، وذلك أصل عظيم في علاج الأبدان، فإن انفعال البدن وطبيعته النفسية، والقلب أمر مشهور، وهذا الطبيب الذي يجمع بين طب النفسي أساسا فإنه يعتبر نصف طبيب حتى ولو كان حاذقا في الأمراض العضوية.
ومن المهارة والحذق في ممارسة مهنة الطب أن يتلطف الطبيب بمريضه، ويرفق به ويكتسب ثقته، وأن يمزج في علاجه بين العلاجات الطبيعية والإلهية، والعلاج بالتخييل ويستعين على المرض بكل معين.
وهناك أركان يدور عليها علاج الطبيب وتدبيره وهي:
– حفظ الصحة الموجودة.
– رد الصحة المفقودة بحسب الإمكان.
– إزالة العلة أو تقليلها بحسب الإمكان.
– احتمال أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما.
– تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمهما.
من الحذق أن الطبيب حيث أمكن التدبير بالأسهل، فلا يعدل إلى الأصعب، ويتدرج من الأضعف إلى الأقوى، إلا إذا خاف فوات الفرصة، ولا يصلح أن يستمر في المعالجة على حال واحدة، فتألفها الطبيعة، ويقل انفعالها بها..
وإذا اجتمعت أمراض، بدأ بالمرض الذي يكون برء الأمراض الأخرى موقوفا عليه أو يبدأ بإزالة السببن وإذا كان هناك حاد ومزمن، فليبدأ بالحاد، دون أن يغفل المزمن وإذا اجتمع المرض والعرض، بدأ بعلاج المرض إلا إذا كان العرض أقوى فيكون تسكين الوجع أولا…
هذا ما ذكر عن صفات الطبيب الماهر لدي الدارسين في مجال الطب النبوي، وتلك هي النصائح التي يجب أن يترسم الطبيب خطاها، فهل بعد ذلك زيادة لمستزيد”.
* * *
(9) الطب النبوي وأمراض الوارثة
علم الوراثة من العلوم الحديثة، وما أنجزا في مجاله يعتبر حيزا ضئيلا إذا ما قيس بما لم يكتشف بعدن ومن الأمور الأولية في هذا العلم الحقائق التي عرفت عند دراسة الخلية وبالذات النواة والنوية، واشتمالها على ما يسميه العلماء الكروموزومات والجينات تلك التي تحمل الصفات الوراثية المختلفة، كلون البشرة والطول والقصر والملامح والقدرات العقلية، والأنوثة والذكورة، وبعض الأمراض المختلفة والوراثية وخاصة أمراض الدم كالهيموفيليا، والبكم والصمم والتخلف العقلي وأحيانا أمراض البول السكري وارتفاع ضغط الدم الأولى والصرع وغيرها من الأمور الكثيرة التي تشمل بعض الأمراض النفسية وثبوت انتقال هذه الأمراض أو بعضها وغيرها، من الآباء إلى الأنبياء أو الأحفاد، ومن خلال الجهاز الوراثي الذي تحمله الخلية، ونفس الشيء يحدث بالنسبة للحيوان والنبات وكما أسلفنا فإن دراسات علم الوراثة ما زال أمامها الكثير من الجهد.
ويظن بعض العلماء المتفائلين أنهم يستطيعون التدخل لتخليص الإنسان من بعض الأمراض أو الاضطرابات التي تنتقل عن طريق الوراثة، وفي بعض بلدان العالم اليوم نجد مكاتب خاصة لفحص الراغبين في الزواج وذلك لاكتشاف الأمراض التي يمكن أن تنتقل للأبناء والأحفاد وخاصة إذا كان الزوجان مصابين معا بواحد من هذه الأمراض مما يجعل تعرض الأبناء للإصابة من هذه الأمراض أكثر احتمالا، ومن ثم تقدم مكاتب فحص الراغبين في الزواج النصائح المفيدة في هذه المضمار.
وإذا ما نظرنا في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدنا أنه صلى الله عليه وسلم يوصي المسلمين في قوله بحديث معناه: “تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الأكفاء لأن العرق – كما يروي عن المصطفى صلى الله عليه وسلم – دساس”.
وبذلك وضع الرسول اللبنات الأساسية لعلم الوراثة، والوقاية من الانزلاق إلى الزواج من “غير الأكفاء” فترى فكرة الكفء هي التي تقترب من الصورة المثالية دينا وأخلاقا.. وجسما ونفسيا وعقلا، ولم يعد أحد في عالم اليوم ينكر ما للوراثة من أثر على الأجيال الجديدة فإذا كان الأب مصابا بمرض السكر، وكذلك من الأبناء تكون معرضة للإصابة بهذا المرض، سواء من مرض البول السكري الظاهر أو الخفي، وإذا كان أحد الوالدين هو المصاب بهذا المرض، فإن النسبة تكون أقل، والأمهات المصابات بمرض الزهري مثلا، يؤثرن على الجنين ميتا، أو مشوها، وقد يموت بعد الولادة بفترة غير طويلة، أو يعيش بعاهة من العاهات كالعمى والصمم والتخلف العقلي… وهكذا نرى حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تعليمنا بأن نختار الزوجة الكفء أو الزوجة المناسبة، ولقد تنبه الأطباء الأقدمون الذين تربوا في أحضان الحضارة الإسلامية إلى هذه الأمور عامة، وخاضوا فيها على الرغم من ضعف إمكانياتهم العملية، وعدم امتلاكهم للأدوات والآلات والوسائل المختلفة التي تكتشفها اليوم، كالمجاهر (الميكروسكوبات) الإلكترونية والمواد الكيمائية المستعملة في صبغ أجزاء الخلية والتجارب المختلفة على النبات والحيوان… والإنسان وأحاديث الرسول في هذا المجال متنوعة، ولكنها تحث في اختيار الأكفاء من الزوجات ونعود فنؤكد أن الطب النبوي لم يترك مجالا من المجالات المتعلقة بالصحة إلا وتعرض لها، وفي إطار الإمكانات العملية، والتجارب التاريخية، والملاحظات التي سجلها العلماء في صدق ونزاهة.
* * *
(10) خاتمة
لا شك أن وضوح التاريخ أمام الطب النبوي كان هو البداية الصحيحة للنهضة الطبية الإسلامية في العصور اللاحقة، ففي مدرسة الطب النبوي تخرج عمالقة الطب الإنساني كالرازي وابن سينا والزهراوي وابن النفيس وغيرهم، وإذا نظرنا إلى تراث هؤلاء الأطباء وجدناهم قد قطعوا مرحلة كبيرة في الطريق فوضعوا الكثير من الأمراض وعلاماتها وأعراضها وتشخيصها وما ينفع في علاجها، كالحصبة والجدري وأمراض الرئة كالسل، وأمراض الجذام والبرص والملاريا وأنواع الصداع المختلفة… وأمراض الجهاز البولي والهضمي والعصبي وغيرها وكذلك وصف لبعض الأمراض النفسية وأساليب العلاج المتطورة فيها، كما أنجز الصيادلة المسلمون قدرا لا بأس به من التقدم في المتطورة فيها، كما أنجز الصيادلة المسلمون قدرا لا بأس به من التقدم في مجال العقاقير الطبية وتحضيرها وحصرها واستخدام الأعشاب المختلفة لاستخلاص الأدوية منها، وكثيرا منها ما زال معمولا به حتى يومنا هذا، فكانت هناك الأدوية المفردة والأدوية المركبة.
ولقد بدأت النهضة الأوروبية الطبية على أساس التراث الطبي الإسلامي، فترجم إلى اللاتينية وغيرها من اللغات الأوروبية المؤلفات العديدة لأطباء المسلمين في المشرق والمغرب وكانت هذه المؤلفات المترجمة تدرس في الجامعات الأوروبية لقرون.. وتحتفظ المتاحف العالمية حتى اليوم بتلك المخطوطات الطبية، وكذلك الآلات.. الطبية الجراحية والآلات التي اخترعها الزهراوي طبيب الأندلس وخاصة “الجفت” الخاص بالولادة المتعسرة، وهذه الآثار برغم العلم المتقدم المعاصر – تعتبر مفخرة من مفاخر العقل الإنساني، وقدرته على التقدم والابتكار..
إن تاريخ العلم الإنساني حلقات متصلة، وقد ساهم العلم الإسلامي في هذا.. المضمار بجهود خلاقة كثيرة كانت هي الأساس المتين الذي قامت عليه النهضة العلمية المعاصرة.. إن الإنسان – في أي زمان وأي أرض – يقف مبهورا أمام تلك المنجزات، ويعجب أشد العجب وهو يرى الإعجاز العلمي الذي تنطق به أحاديث الرسول في الطب النفسي والطب العضوي والطب الوقائي، وتنظيم مهنة الطب وأصول علم الوراثة، وتلك النظرة الشاملة الواعية للإنسان ككائن حي يتاثر بكل ما حوله من بيئة وجو وظروف متباينة وسلوك متنوع وعادات وتقاليد.. إننا في الواقع نمتلك أعظم رصيد لنهضة كبرى لكننا لا نهتم بتراثنا الخالد الاهتمام اللائق به، ومن العجيب أن المؤلفات التي تناولت فلاسفتنا وأطباءنا وعلماءنا، كتبها باحثون أجانب لا ينتمون إلى جنسياتنا، ولا يؤمنون بديننا، ولكنهم لم يستطيعوا سوى أن يحنوا رؤوسهم احتراما لهذا التراث الرائع الذي يشكل فصولا ضخمة في تاريخ الإبداع الإنساني، والتراث العالمي الذي أخذ بيد البشرية إلى التقدم والتطور، لا في نطاق الطب وحده، لكن في نطاق العلوم والمعارف الإنسانية المتنوعة وصدق الله العظيم إذ يقول وقوله الحق:
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)
وبعد،
ما أحوجنا لأن ندرس لأبنائنا في المدارس، بل وفي كليات الطب هذه الأصول العلمية والجهود البارزة في مجال الطب النبوي، حتى تستأنس أجيالنا الجديدة بذلك الكفاح المشرف للرعيل الأول من بناة الدولة الإسلامية، وعلى عاتق وسائل الإعلام الحديثة أيضا في بلادنا – كالتليفزيون والإذاعة بحضاراتنا العريقة، احقاقا للحق، وبعثنا للأمل في قلوب الشباب، وبعثا لحركة إسلامية واسعة… على الأسس الصحيحة السليمة….
* * *
المقترحات والتوصيات
أولا – أن يدرس الطب النبوي في كليات الطب خاصة، والكليات العلمية بصفة عامة.
ثانيا – أن يضمن في كتب تلامذة المدارس بمختلفة المراحل كلون من الثقافة الصحية والثقافة الإسلامية، أيضا (وخاصة في كتب العلوم واللغة العربية، اللغة الإنجليزية).
ثالثا – أن تهتم وسائل الإعلام المختلفة وخاصة التليفزيون والإذاعة والصحافة بهذا الموضوع وغيره من الموضوعات ذات الصبغة العلمية، والوثيقة الصلة بحياة الناس في إطار المفهوم الإسلامي الشامل.
رابعا – أن تطبع مثل هذه البحوث في كتيبات وبأسلوب مبسط وتوزع بالمجان على من يطلبها ويا حبذا لو صدرت منها بعض الطبقات بلغات أجنبية لنشر الدعوة والتوعية بالأسس العامة للحياة الإسلامية وحياة المسلم.