مقدمة
يتلخص الفرق الأساسي بين البنوك الربوية والبنوك الإسلامية أو اللا ربوية في حساب العائد.
فالبنوك الربوية تجمع الأموال وتمول المشروعات مقابل فائدة محددة بينما البنوك اللا ربوية تجمع الأموال وتستثمرها مقابل حصة محددة من ربح غير معروف مقداره.
ورغم أن الفائدة والربح يتفقان في كونهما عائدا لرأس المال، وكل منهما يمثل دخل للفرد أو للمشروع أو للدولة، إلا أن المحاسبين يفرقون بين الفائدة وبين الربح في تعريف كل منهما كما تختلف المعالجة المحاسبية لفائدة عن المعالجة المحاسبية للربح.
تعريف المحاسبة للفائدة أنها عائد المال الذي يقترضه المشروع، وهي محددة القيمة ويتعين سدادها في مواعيد محددة، سواء حقق المشروع أرباحا أو لم يحقق، كما يلتزم المشروع بسداد المال المقترض والذي تدفع عنه الفائدة، بنفس قيمته دون زيادة أو نقصان، وتعتبر الفائدة من ضمن الأعباء التي يتحملها المشروع، ويجب خصمها من الإيراد قبل تحديد ربح المشروع.
أما الربح فإنه عائد لأصحاب المشروع سواء ساهموا في المشروع بجهدهم أو بأموالهم أو الأثنين معا، ولا يمكن تحديد الربح بصورة قاطعة إلا بعد انتهاء أعمال المشروع، ولما كانت المشروعات تستمر عادة لمدى طويلة، ولما كان من غير المقبول أن ينتظر المساهم كل عمر المشروع ليحصل على ربحه، فقد اصطلح على تحديد الربح كل مدة يتفق عليها المساهمون في المشروع، ويوزع الربح على المساهمين إلا عند تحديده، ويتم التوزيع بالنسب التي اتفقوا عليها، ويتغير الربح من مدة لأخرى تبعا لنتيجة النشاط في كل مدة، وبالتالي تتغير قيمة الرباح أصحاب المشروع بتغير قيمة الربح، وتزيد حقوق أصحاب المشروع في رأس المال وفي الأرباح بزيادة قيمة الأموال المستثمرة في المشروع، في حالة الخسارة إلا ما يتبقى منه بعد خصم الخسارة.
مما سبق يتبين الفروق الجوهرية بين الفائدة والربح، تلك الفروق التي جعلت المحاسب يقرر أن الفائدة من تكاليف المشروع، والربح هو العائد على المشروع.
ومن السهل حساب الفائدة فهي معدل معلوم على مبلغ معلوم لمدة معلومة.
أما تحديد الربح فإنه مشكلة محاسبية تواجه البنوك اللا ربوية.
ومن رأي الباحث أنه لا يجب أن تبدأ البنوك اللا ربوية عملها في فراغ.. وإنما يتعين عليها أن تتعايش وتتنافس مع البنوك الأخرى.. بل وتحاول أن تتكلم لغتها وتمضي في الممارسة العملية وفي خوض التجارب بروح وأسلوب العصر.. فقط عليها أن تضع نصب أعينها أن تفرق بين الحرام والحلال.. ما كان كسبه حراما اجتنبته.. وما كان رزقه حلالا أفاضت فيه. وذلك إلى أن يأتلفها المجتمع وتثبت في المدى الطويل قدرتها وتفوقها على ما عداها، بما تحمله من فلسفة ومبادئ اجتماعية وأخلاقية لا تتوافر لدي البنوك الربوية.
(… ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا)
تعريف البنك:
وجد العديد من الكتاب صعوبة كبيرة في التوصل إلى تعريف محدد للبنك، يشير أحد الكتاب إلى التعريفات التي وردت في بعض القوانين الإنجليزية والتي تعرف البنك بأنه “مجموعة أشخاص يشكلون شركة لمزاولة الأعمال التي تقتوم بها البنوك”. ويرى كاتب آخر أن البحث عن تعريف دقيق شامل لا لزوم له ولا فائدة منه، ويكفينا أن ندرس أهم عمليات البنوك دون أن ندعي الإلمام بها جميعا.
ومن ضمن التعريفات التي يوردها كاتب آخر للبنك “أنه عبارة عن منشأة حصلت على تصريح بالقيام بأعمال البنوك”.
وبعد استعراض مجموعة كبيرة من التعارف التي وردت في الكتب والأبحاث المختلفة عن البنوك، ومن واقع الممارسة العملية لأعمالها المختلفة، فإن التعريف التالي قد يكون مفيدا لأغراض هذا البحث.
“وظيفة البنك الأساسية هي تلقي الأموال في صورة ودائع أو حسابات جارية، ثم القيام باستثمار هذه الأموال، ويأتي ربح البنك بصفة أساسية من الفرق بين العائد الذي يدفعه البنك مقابل حصوله على الأموال وبين العائد الذي يقبضه مقابل استثمار هذه الأموال.
وما عدا ذلك من أعمال تقوم بها البنوك فإنها هي خدمات، وجدت البنوك أن قيامها بمثل هذه الخدمات يعزز من صلتها بالمتعاملين معها، وتشجيعهم على استمرار اللجوء إليها والتردد عليها، وغالبا ما تحصل البنوك على ربح إضافي مقابل قيامها بهذه الخدمات.
مما سبق يتضح أن البنك يتعامل أساسا في النقود، أن عليه أن يحافظ دائما على أصوله في أصوله في صورة يمكن تحويلها إلى نقود، بما يحقق التوازن بين آجال استحقاق الأموال المودعة لديه وبين آجال استحقاق الاستثمارات، مع وجوب الاحتفاظ في كل وقت بحد أدنى من النقد السائل لمقابلة المدفوعات إلى عملائه.
وينطبق التعريف السابق على جميع البنوك سواء أكانت ربوية أو كانت لا تتعامل بالربا.
ويوضح الجدول التالي مدى انطباق هذا التعريف على البنك من ناحية كما يوضح الفروق بين البنك الربوي والبنك اللا ربوي من ناحية أخرى:-
البنك الربوي البنك اللا ربوي
يتلقى الأموال نعم نعم
يدفع لها عائد نعم نعم
العائد فائدة نعم لا
العائد ربح لا نعم
يستثمر الأموال نعم نعم
عن طريق المقارضة (مضاربة)
أو المشاركة أو… ممكن نعم
مقابل عائد نعم نعم
العائد فائدة نعم لا
العائد ربح ممكن نعم
وقد نتج الفرق بصفة أساسية نتيجة تحريم الربا تحريما قاطعا بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وبالتالي عدم مشروعية القرض إلا القرض الحسن، بنص الحديث الشريف “كل قرض جر نفعا فهو ربا”.
ويوضح الجدول السابق أنه رغم وجود اختلافات بين البنكين، إلا أن هناك اتفاقا كاملا في الأعمال التي يقوم بها كل منها والاختلاف فقط في الأسلوب.
ولبيان أثر هذه الخلافات على المحاسبة وما تسببه من مشاكل في البنوك اللا ربوية نعرض في الصفحات التالية توضيحا للعمليتين الأساسيتين التي يقوم بهما كل من البنك الربوي والبنك اللا ربوي وهما تلقي الودائع واستثمار هذه الودائع.
الودائع:
تتلقى البنوك الأموال من العملاء بغرض حفظها واستثمارها، وقد تودع هذه الأموال في البنك في صورة حسابات جارية أو في شكل ودائع محددة المدة أو في حسابات صناديق التوفير والادخار.
ويختلف العائد الذي تحصل عليه الودائع باختلاف طبيعة البنك المودعة فيه على النحو التالي:
( أ ) البنوك الربوية:
تحصل الودائع في النبوك الربوية على فائدة، ويختلف سعر الفائدة باختلاف نوع الحساب المحتفظ بالأموال فيه، وكذلك باختلاف مدة حفظ هذه الأموال، وفي جميع الأحوال فإنه يتم الاتفاق بين البنك وبين عملية على سعر محدد للفائدة.
ونتيجة لذلك فإن البنك يستطيع في نهاية كل شهر أن يحدد بدقة كاملة قيمة العائد الذي يدفعه للمودعين.
ويقوم البنك الربوي فعلا في نهاية كل شهر بحساب قيمة الفوائد المستحقة على الأموال المودعة لديه، فإن كانت في شكل حساب جاري حملت الفائدة على الحساب الجاري نفسه، وأن كانت الأموال في صورة وديعة محددة المدة، ولم يحل تاريخ استحقاقها، عليت الفائدة على حساب احتياطي للفوئد المدفوعة لحين حلول تاريخ استحقاق الوديعة فتدفع الوديعة للعميل مع الفائدة المستحقة عليها.. ومن ناحية أخرى فإن مجموع الفوائد المستحقة على البنك لعملائه في نهاية الشهر تقيد على مصروفات البنك وتعتبر ضمن تكاليفه.
نتبين مما سبق أن:
– سعر الفائدة محدد عند التعاقد.
– يتم حساب الفائدة في نهاية كل شهر، وبالتالي فإن التزام البنك تجاه عملائه واضح بصورة قاطعة.
– يلتزم البنك بسداد الفائدة وتعتبر ضمن تكاليفه، سواء حقق البنك أرباحا أو لم يحقق، كما يلتزم برد قيمة الوديعة بالكامل في تاريخ الاستحقاق.
(ب) البنوك اللا ربوية
تتلقى البنوك اللا ربوية الودائع بصوره المختلفة السابق الإشارة إليها في البند السابق (أ).
ويحدد نظام البنك كيفية تحديد العائد الذي يوزع على المودعين، وقد أشارت المادة 56 من النظام الأساسي للبنك إلى أن “لمجلس الإدارة حق إعداد اقتراح بتوزيع الأرباح الصافية للشركة (البنك) على أي صورة يراها محققة لمصلحة المساهمين والعملاء، مع الالتزام بدعم المركز المالي للشركة ودون خروج على نصوص نظام الشركة، ولا يكون قرار مجلس الإدارة نافذا إلا بعد عرضه وإقراره في الجمعية العمومية للمساهمين”.
بعض الكتاب وبعض البنوك الإسلامية الحديثة ترى تطبيق فكرة عقد المقارضة على البنك ولذلك فإنه يجب تحديد نسبة معينة من إجمالي أرباح البنك ينص عليها في قانون النظامي أو في عقوده مع عملاءه لتغطية كافية المصروفات الإدارية والمجهودات والدراسات التي بذلها البنك في سبيل استثمار أمواله وأموال عملائه، وما يفيض من هذه النسبة يعتبر الربح الصافي لمساهميه، أما باقي الأرباح الإجمالية فيعتبر بالكامل من حق العملاء يوزع عليهم بالطريقة التي تحددها إدارة البنك.
وتميز البنوك اللا ربوية بين العائد المدفوع لكل نوع من أنواع الحسابات المودعة فيها الأموال، وفقا لطبيعة الحساب ومدة الإيداع. ويتضح مما سبق:
– أن العائد الذي يحصل عليه المودع غير محدد القيمة، وقد يكون محددا بنسبة من الأرباح.
– أنه لا يمكن التعرف على الأرباح ونصيب كل مودع منها إلا بعد إعداد الحسابات الختامية للبنك واعتماد الأرباح والتوزيعات.
– في حالة عدم تحقيق أرباح فإن المودع لا يحصل على عائد لأمواله. ونتيجة لما سبق تثار بعض الاعتراضات وتظهر بعض المشاكل التي نوضحها فيما يلي:-
1 – صعوبة التوصل إلى أو إيجاد معيار سليم للتفرقة بين نصي كل نوع من أنواع الودائع من الأرباح. فمن المعروف أن أرباح البنك تتحقق نتيجة استثمار أموال المودعين والمدخرين وأموال حملة أسهم البنك، فكيف توزع هذه الأرباح بطريقة عادلة بين أصحاب الأموال؟ ومن ناحية أخرى كيف يتم توزيع الأرباح بين الودائع طويلة الأجل والودائع الأقصر أجلا؟.
2 – في حالة تحقيق البنك لخسارة، هل توزع على المودعين؟ بمعنى آخر هل يلتزم البنك يرد الوديعة كاملة أم تحمل الوديعة بنصيها من الخسارة وترد ناقصة؟.
3 – إذا نص قانون البنك – وهذا أمر واجب – على تكوين احتياطي قانوني أو احتياطيات أخرى وتم توزيع الأرباح في نهاية السنة بين المودعين والمساهمين، فهل يحق لأصحاب الودائع المطالبة بنصيبهم من هذه الاحتياطيات.
4 – في حالة وقوع الوديعة ضمن سنتين ماليتين متتاليتين للبنك، تثار صعوبة في حصول الوديعة على نصيب من أرباح السنتين، مثلا إذا قام ممول بحفظ أمواله في وديعة لدي البنك لمدة سنة مثلا، وبدأت هذه السنة من منتصف السنة للبنك وانتهت في منتصف السنة المالية التالية، فهل تشارك هذه الوديعة في أرباح السنة الثانية، أم تعتبر وديعة لنصف سنة في السنة الأولى ولنصف آخر في السنة الثانية؟.
وفي حالة قيام هذا المودع بسحب وديعته في تاريخ الاستحقاق (منتصف السنة) هل ينتظر حتى نهاية السنة وحتى اعتماد الميزانية والحسابات الختامية للبنك وتوزيع الأرباح للحصول على نصيبه من الربح؟
أرى أنه من السهل الرد على غالبية الاعتراضات أو الاستفسارات الثلاثة الأول كما يلي:
1 – معيار التفرقة عند توزيع الأرباح بين مختلف أنواع الودائع
إن هذا المعيار لم يتوفر بعد لدي البنوك الربوية التي تحدد الفائدة بنسب مختلفة، تختلف باختلاف أنواع الودائع والحسابات أو باختلاف مدد الودائع، وصحيح أن طبيعة كل حساب تفرض اختلاف نسبة الفائدة بينه وبين الحسابات الأخرى، كما أن المدة من العوامل الهامة التي توجب التفرقة في سعر الفائدة، إلا أننا لم نجد في أي من البنوك الربوية من يوضح لنا معيار الذي على أساسه يختلف سعر الفائدة. بل إن البنوك اللا ربوية تتميز عن البنوك الأخرى في أنها تحقق المساواة التامة بين المودعين إذا اتفقت ودائعهم في المدة، المودعين بأسعار فائدة أعلى من المودعين الآخرين رغم الاتفاق التام في قيمة مدة وشروط ودائع كل منهم.
2 – مدى تحمل المودع للخسارة والنقص في قيمة وديعته
في بيان للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية عن ضوابط العمل للبنوك الإسلامية ورد النص التالي:
“وإذا عمل البنك كمضارب فلا يتحمل شيئا من الخسارة ويكفيه ذهاب جهده وعمله دون عائد”.
وفي موقع آخر ورد النص التالي “أنه بالنسبة لما هو وديعة ادخار، فأنها بأحكام الوديعة فيالإسلام يكون البنك أمينا عليها، وهو بذلك ضامن لأصلها، وأما بالنسبة للودائع التي أودعها صاحبها بغرض الاستثمار وأذن البنك بالعمل فيها، فإن الصيغة التي قررها الإسلام في مثل هذه الأحوال أن يكون لكل من الشركاء نصيبه في الغنم أو الغرم.
وجاء في موقع ثالث “ومن الأمثلة على الميراث والحوافز التي تقدم للمدخرين… تخصيص قدر من أرباح البنك أو نسبة من أرباح الاستثمار توزع بين أصحاب الدفاتر (المدخرين) طبقا لقواعد يعلنها في هذا الصدد، كاشتراط كحد أدنى للمدة التي تجيز لمبالغها الحق في المشاركة في الجوائز أو حد أدنى للمبالغ أو عدم الاشتراط إطلاقا.
ومن النصوص السابقة يمكن الخروج بالنتائج الآتية:
– بالنسبة لوديعة الادخار فإن البنك يضمن رد قيمتها بالكامل للمودع، كما أنه للبنك أن يشرك هذه الوديعة في أرباحه.
– بالنسبة لوديعة الاستثمار فإن البنك لا يضمن رد قيمتها بالكامل وإنما تشارك في الخسارة التي تتعرض لها عمليات الاستثمار أو تتحمل الوديعة الخسارة بالكامل.
3 – أحقية المودعين في الاحتياطيات
يعرف الاحتياطي بأنه الأرباح التي لم توزع. وقد سبق توضيح أسلوبي تحديد العائد الذي يوزع على المودعين، وفي حالة تطبيق الأسلوب الأول والذي بموجبه يكون لمجلس إدارة البنك الحق في تحديد النسب التي توزع بها الأرباح وتحديد نسب الاحتياطات، وهو الأسلوب الذي نص عليه في النظام الأساسي لبنك دبي الإسلامي فإنه من المفهوم أن المودع قد ارتضى هذا النص وقبله، عندما تعامل مع البنك وأودع فيه أمواله، وبالتالي فإنه لا يجوز أن يطالب بأكثر مما قرره له مجلس إدارة البنك واعتمدته الجمعية العمومية لمساهميه.
وفي حالة تطبيق الأسلوب الثاني والذي يقضي بتطبيق أحكام عقد المقارضة فإن نصيب المودع في الأرباح يتحدد في عقد الوديعة ويحصل عليه كاملا في نهاية السنة، وبالتالي فإنه لا يجوز له أيضا أن يطالب بأكثر من حقه.
أما المشكلة الرابعة والتي نتجت أساسا عن كون المودع في البنك مشاركا للأرباح، وأن الأرباح لا يتم التعرف إليها إلا في نهاية السنة المالية للبنك، فإنه من الأوفق مناقشة هذه المشكلة في الجزء الخاص بمناقشة مشاكل استثمار أموال البنك وأموال مودعيه وذلك حتى يمكن الربط بين الدخل المحقق من الاستثمار والدخل المستحق للمودعين.
استثمار الأموال
تعتبر عملية استثمار الأموال المودعة لدي البنوك الجانب الآخر المكمل لوظيفة البنك الأساسية، والمحقق لإيراداته.
ويختلف أسلوب الاستثمار والعائد الذي يحصل عليه البنك الربوي عن الأسلوب الذي يتبعه البنك اللا ربوي كنتيجة منطقية لتحريم الربا وفيما يلي توضيح ذلك.
( أ ) البنوك الربوية
إن الغالبية العظمى من استثمارات البنوك الربوية توجه إلى القروض، وتحصل على فائدة مقابل ذلك.
ولما كان القرض عبارة عن مبلغ ثابت محدد القيمة ويلزم المقترض برده في الموعد المتفق عليه، كما يلتزم بسداد الفائدة المتفق عليها أيضا فإنه بذلك يوفر للبنك مجالا سهلا للاستثمار.
وترجع السهولة في أن البنك يستطيع ببساطة أن يحسب العائد المستحق له عن القرض في أي لحظة، كما أن البنك يهتم فقط بملاءة العميل وقدرته على سداد هذا القرض، ولا يهمه ما إذا كان العميل قد حقق نفعا من هذا القرض أو لم يحقق.
ومع ذلك فإن البنوك الربوية تبذل قصارى جهدها في دراسة المراكز المالية لعملائها، وتحليلها ومتابعة تطور نشاطهم وتراقب تصرفاتهم، وذلك بغرض ضمان استرداد الأموال المقترضة لهم.
ويأخذ القرض في غالبية الأحوال إحدى الصور الآتية:
مبلغ ثابت يدفع للعميل أو يوضع تحت تصرفه مقابل تعهده بالرد في تاريخ معين، ويتلزم العميل برد المبلغ بالكامل مع فوائده في التاريخ المحدد لذلك.
– اعتماد قرض يوافق البنك بموجبه على أن يضع تحت تصرف العميل المبلغ المتفق عليه ليطلبه في الوقت الذي يحتاجه، وغالبا ما يأخذ القرض في هذه الحالة شكل الحساب الجاري. ويلتزم العميل برد المبالغ التي سحبها من الاعتماد، مضافا إليها الفائدة المحسوبة عليها بالمعدل المتفق عليه عن مدة الاقتراض.
– خصم قيمة ورقة تجارية تستحق الأداء بعد مدة معينة. وذلك بأن ينقل طالب الخصم إلى البنك الحقوق المترتبة على الورقة التجارية مع ضمانة للوفاء بقيمتها عند حلول أجل استحاقها، ويقدم البنك للعمي قيمة الورقة التجارية مخصوما منها المبلغ المعادل للفائدة المفروض أن يحصل عليها عن المدة من تاريخ الخصم حتى تاريخ استحقاق الورقة التجارية.
وفي الصورة الثلاث السابقة للقرض فإنه يسهل على البنك كما سبق الإشارة حساب الفوائد المستحقة عن هذه القروض في نهاية كل شهر، وبالتالي فإنه يستطيع التعرف على أرباحه والتي تتمثل بصورة أساسية في الفرق بين الفوائد المقبوضة أو المستحقة القبض. وبذلك يستطيع البنك الربوي الاطمئنان على مركزه المالي في فترات قصيرة، ومعرفة مقدار أرباحه عن كل فترة.
(ب) البنوك اللا ربوية
لجأ العديد من الشرح والمفكرين إلى الأسانيد والكتب الفقهية للبحث عن الأساس الذي يمكن أن يقوم عليه عمل البنوك اللا ربوي في استثمار أمواله، واستفرت بعض البحوث عن ظهور كلمة جديدة على قاموس الاستثمار في العصر الحديث، وهي كلمة المضاربة.
وتعرف المضاربة بأنها “إعطاء المال من جانب رب المال لمن يعمل فيه، نظير حصة من الربح المعلوم بالنسبة المقدرة كجزء شائع من الربح”.
ومن شروط المضاربة أه لا يصح قسمة الربح قبل إعادة رأس المال، حتى أنه لو اقتسم الربح ورأس المال في يد المضارب فهلك، فما أخذ رب المال يكون محسوبا من راس المال، ويرجع على المضارب فيما قبضه حتى يتم رأس المال.
والمضاربة قد تكون مطلقة أو مقيدة وفقا لما يحدده رب المال من حيث مكان العمل أو نوع التجارة أو غير ذلك.
وطبقا للتعريف السابق فإن عقد المضاربة صورة من صور عقود الشركات المعروفة، والتي تحكمها وتنظمها القوانين، ومن المعروف أن اشتراك الشركاء في نصيب من الأرباح ومساهمتهم في خسارتها يعتبر من الأركان الأساسية في عقد الشركة، وتحرم القوانين شروط الأسد بكافة أنواعها، “فإذا اشترط على الشريك عدم اشتراكه في الربح أو نص على عدم مساهمة شريك في الخسارة أو استئثاره بأرباح المشروع دون غيره أو أن يحصل على نسبة معينة من الربح سواء حققت الشركة أرباحا أو خسائر، فإن مثل هذه الشروط التي تعرف بشروط الأسد تعتبر باطلة، علاوة على أنها تبطل عقد الشركة أيضا”.
ومن المعروف أن الشركات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: شركات الأموال.
القسم الثاني: شركات الأشخاص.
ومن الأنواع الشائعة لشركات الأموال:
الشركات المساهمة.
شركات التوصية بالأسهم.
شركات ذات المسئولية المحددة.
ومن الأنواع الشائعة لشركات الأشخاص:
شركات التضامن
شركات التوصية البسيطة.
وفي شركات الأشخاص (كما في شركات التوصية بالأسهم) من الجائز أن يكون من بين الشركات من يساهم في الشركة بعمله فقط دون أن يكون مالكا لأي جزء من رأس المال.
ومن رأيي أن بعض أنواع هذه الشركات تمثل المجال الخصب الذي تجد فيه البنوك اللا ربوية غايتها في استثمار أموالها. ومن أهم أنواع الشركات التي تصلح لهذا الغرض الشركات الآتية.
الشركات المساهمة:
تعرف الشركة المساهمة بأنها الشركة التي يقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة قابلة للتداول ويكون المساهم فيها مسئولا عن التزامات الشركة بمقدار حصته في رأس المال.
وقد أدى وجود هذا النوع من الشركات إلى قيام العديد من المشروعات التي كان يعجز الأفراد عن القيام بها وتحمل مسئولياتها.
وتتميز الشركة المساهمة بأن لأسهمها سوقا منظمة تعلن فيها أسعار الأسهم، ويسهل فيها بيع الأسهم وشراؤها.
ويتميز السهم بعدم ثبات قيمته، فتزيد قيمته أو تنقص حسبما تحققه الشركة التي يمثلها من تقدم أو فشل، كما أن سعر السهم يزيد في حالة انخفاض القيمة الشرائية للنقود (بفرض ثبات الأخرى المؤثرة على السعر). وهذه الميزة لا تتوافر للقروض، بل الملاحظ أن قيمة القرض الحقيقة تتناقص بتناقص القيمة الشرائية للنقود.
شركة التوصية البسيطة:
تؤلف شركة التوصية البسيطة بين شريك أو أكثر مسئولين بالتضامن عن جميع التزاماتها في أموالهم الخاصة ويديرون الشركة، وبين شريك أو أكثر موصين يسألون عن التزامهم في حدود الحصة التي يقدمونها للشركة.
ونظرا لقصر مسئولية الشريك الموصى عن ديون الشركة على مقدار حصته وعدم اكتسابه صفة التاجر، فهذا النوع من الشركات على مقدار حصته وعدم اكتسابه صفة التاجر، فهذا النوع من الشركات يعد ملائما لأصحاب الأموال الذين لا يرغبون في تحمل مخاطر التجارة، فيدفعون بأموالهم إلى من يجدونه أهلا للثقة لمشاركته في أعماله التجارية.
وقد ظهر هذا النوع من الشركات في أوروبا في القرن الثاني عشر وتعتبر شركة التوصية البسيطة من التطبيقات العملية لفكرة المضاربة، ويمكن تطبيق أحكامها على عمليات التمويل التي تقوم بها البنوك اللا ربوية وتشارك فيها أصحاب الحرف أو صغار التجار الذين يرغبون في توسيع أعمالهم.
ومن الممكن تطوير عقد شركة التوصية البسيطة، بحيث يلتزم الشريك بعمله بأن يستخدم جزءا من حصته في الأرباح في شراء حصة من رأس مال الشريك الممول (البنك) إلى أن يتم تخارج البنك من المشروع، وبهذا تتوافر للبنك السيولة وإمكانية تمويل مشروعات أخرى.
لا شك أن التجاء البنك اللا ربوي إلى استثمار جزء من الأموال المتاحة لديه في شراء أسهم الشركات الناجحة وجني الربح منها سواء عن طريق بيعها أو تحصيل كوبوناتها يعتبر من أوجه الاستثمار الناجحة. والتي تلجأ إليها البنوك الربوية في كثير من الأحوال. كما أن مشاركة البنك اللا ربوي في تمويل مشروعات التجار والحرفيين عن طريق عقود شركات التوصية البسيطة يعد من أوجه الاستثمار التي تعود بالنفع على البنك وعلى المجتمع.
غير أن أوجه الاستثمار هذه لا يجب أن تستغرق أموال البنك وأموال مودعيه، حيث أنها لا تتوافر لها السيولة الكافية لمقابلة الإيداعات قصيرة الأجل المودعة لدي البنك اللا ربوي من ناحية، ولا تحقق تمويل العديد من احتياجات عملاء البنك من ناحية أخرى.
لا شك أنه يوجد أكثر من وسيلة يمكن أن تلجأ إليها البنوك اللا ربوية في تمويل هذه الاحتياجات ومن هذه الوسائل ما يلي:
البيع الآجل أو بالتقسيط (المرابحة)
من وسائل الاستثمار التي لجأت إليها البنوك اللا ربوية تمويل شراء سلع معمرة سواء لأغراض إنتاجية أو لأغراض استهلاكية، فيقوم البنك بشراء السلعة نقدا وبيع السلعة نفسها للعميل بسعر مؤجل.
وينتفي الربا تماما في هذه العملية حيث أن البنك قام باستبدال النقود بالسلعة وباع السلعة مقابل نقود والفرق بين النقود التي دفعها البنك والنقود التي سيحصل عليها يمثل ربح البنك من عملية الشراء الذي أعقبه البيع.
ورغم ذلك فمن رأيي أن قيام البنك بنفسه بشراء السلع وبيعها فيه خروج عن نطاق أعمال البنوك، ويمكن للبنك اللا ربوي أن يساهم في تكوين وتمويل شركات متخصصة تقوم بمثل هذه العمليات، ويقوم البنك نيابة عن الشركة التجارية مقابل عمولة يحص عليها. وإذا ما اضطر البنك إلى القيام بمثل هذه العمليات فمن الأوفق أن تخصص لها إدارة مستقلة وتفصل حساباتها عن حسابات النشاط المصرفي فصلا تاما.
المشاركة في عمليات محددة
قد يحتاج مشروع قائم إلى قدر من المال يتعذر عليه توفيره من موارده الذاتيةن وذلك لتنفيذ عملية أو أكثر من العمليات التي أسندت إليه، ولا يقتضي الأمر زيادة رأس مال المشروع، حيث أنه لا يضمن استمرار إسناد مثل هذه الأعمال إليه في المستقبل.
من الممكن أن يقوم البنك اللا ربوي بتمويل مثل هذه العملية، فيقدم الأموال للمشروع بشرط المشاركة في الأرباح الناتجة عن تنفيذ العملية، ويتعهد المشروع بإيداع الإيرادات الناتجة عن العملية في حسابه لدي البنك.
وعند إتمام العملية يقدم العميل حسابا عنها للبنك، وبموجب هذا الحساب يتم اقتسام الارباح أو الخسارة الناتجة عن العملية.
ومن أهم الأمور التي يجب مراعاتها عند تحديد نسبة أرباح البنك، عدم المغالاة في تحديد هذه النسبة، فإذا كان البنك يساهم بالأموال، فالمشروع قدم مساهمته بجلبه للعملية وقيامه بتنفيذها بما يتوافر لديه من إمكانيات معنوية ومادية بذل الجهد الكبير في تحقيقها، ويمكن الاسترشاد بحسابات عملية سابقة لنفس العملي، ساهمت معه فيها البنوك الربوية في تمويلها ومقارنة ما حصلت عليه هذه البنوك في السابق مع ما هو من المنتظر الحصول عليه من مشاركة العميل في المستقبل.
المشاركة في تمويل رأس المال العام
قد لا يتوافر النقد السائل لمشروع معين نتيجة لزيادة المخزون من البضاعة لديه، أو لعدم قيام بعض عملاء المشروع بسداد التزاماتهم في المواعيد المحددة، أو للحاجة إلى تمويل الأعمال صيانة وتجديد الآلات، أو غير ذلك من الأسباب التي تطرأ على المشروع وتؤدي إلى حاجته إلى الحصول على أموال لسداد التزاماته واستكمال متطلباته، ويرى المشروع أن حاجته إلى الأموال غير مستمرة. ولا يتطلب زيادة رأس ماله.
يمنك للبنك اللا ربوي أن يقدم الأموال لهذا المشروع عن طريق المشاركة في الأرباح والخسارة وذلك وفقا للأسس الآتية:
– يتم الاتفاق بين البنك والعميل على توزيع الأرباح والخسائر بنسبة حقوق أصحاب رأس مال المشروع (رأس المال + الاحتياطيات + الأرباح المرحلة من سنوات سابقة) إلى الأموال المقدمة من البنك.
– وتعطى حصة أصحاب المشروع في الربح وزنا أكبر باعتبار أن المشروع لا يحقق الربح نتيجة أمواله فقط، وإنما نتيجة توافر عوامل معنوية وأخرى مادية يصعب تقويمها. وأيضا باعتبار أن المشروع ملتزم برد أموال البنك عند توافر السيولة النقدية لديه.
– قد يحصل المشروع على الأموال من البنك على دفعات، وفي هذه الحالة يمكن ترجيح كل من حقوق أصحاب المشروع والأموال المقدمة من البنك للمشروع على أساس الأيام التي استثمرت فيها أموال كل منهم. وأنه لمن الممكن أن يتم التمويل عن طريق حساب جاري ويتم ترجيح الأموال المقدمة للبنك بطريقة النمر المعروفة، وترجيح حقوق المساهمين بضرب قيمتها في عدد أيام المدة التي سيتم اقتسام الربح عنها.
ولتوضيح الأسس السابقة بمثال مبسط يفترض أن حقوق أصحاب المشروع تعادل ضعف الأموال المطلوبة من البنك لتمويل حاجاته، فإنه يمكن الاتفاق على توزيع الأرباح بنسبة 4 : 1.
وفي حالة ما إذا قدمت الأموال من البنك على دفعتين متساويتين الأولى في بداية المدة وظلت في المشروع حتى نهاية المدة، والدفعة الثانية في منتصف المدة وظلت أيضا في المشروع حتى نهاية المدة.
فإن حصة البنك من الأرباح يجب أن ترجح حسب المدة كالآتي:
½ الأموال × المدة كاملة + ½ الأموال × نصف المدة = ¾ وبذلك تصبح نسبة توزيع الأرباح 4 : ¾ .
هذا وقد تتوافر لدي البنوك اللا ربوية طرق أخرى للتمويل قصير الأجل، غير أنه يكفي ما سبق عرضه للرد على الانتقاد الأساسي الذي يوجه للبنوك اللا ربوية بعدم قدرتها على الوفاء بحاجة التمويل قصير الأجل.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أنه من المشاهد عمليا أن القروض العملاء المدينة الجارية، تنقلب في أغلب الأحوال إلى قروض طويلة الأجل، إذ تظل هذه الحسابات دائما مدينة بحد أدنى معين تتجاوزه في فترات محدودة نتيجة تشغيل الحساب دائما مدينة بحد أدنى معين تتجاوزه في فترات محددة نتيجة تشغيل الحساب الجاري ولكنها قد لا تقل عنه أبدا، بل قد يزيد هذا الحد الأدنى، بزيادة قيمة الإئتمان الذي يمنحه البنك الربوي لعملية من سنة إلى أخرى.
مشكلة تحديد الربح في استثمارات البنوك اللا ربوية
من المعتاد أن يبدأ المشروع التجاري عمله بمبلغ معين من النقود، وفي مراحل متتالية ومتداخلة تتحول النقود إلى أصول أخرى، ثم تتشابك أعمال المشروع وتترتب على الأصول التزامات، ولا يمكن التوصل إلى القيمة الصحيحة لأرباح أي مشروع إلا إذا تم تصفية كل حقوقه والتزاماته وتحولت نتيجة التصفية إلى نقود مرة أخرى، وهنا يتمثل الربح في الفرق بين المبلغ النقدي الذي بدأ به المشروع أعماله وبين المبلغ النقدي الذي انتهت إليه عملية التصفية.
وكان تحديد الربح بهذه الطريقة من الأمور المألوفة في العصور السابقة أيام تجميع الأموال لتجهيز القافلة البرية أو الرحلة البحرية، ويعد نهاية الرحلة تقسيم الأموال على المساهمين الذين ساهموا في تمويلها، ويتعرف كل مساهم على أرباحه عند حصوله على نصيبه من الأرباح.
ومن الصعب إتباع هذا الأسلوب في تحديد ربح المشروعات في العصر الحديث، حيث أن المشروعات قد استقرت بدرجة أن لا أحد يفكر في تصفيتها، وبالتالي أصبح من الأمور المقبولة أن تحدد مدة معينة (في العادة سنة) يتم في نهايتها التعرف على ما حققه المشروع من أرباح خلال هذه المدة.
وتحتاج عملية تحديد الربح إلى الاتفاق على تقدير قيمة أصول والتزامات المشروع في نهاية كل مدة بطريقة مقبولة.
وتعد عملية تحديد المشروع وتقدير أصوله والتزامات خلال استمرار المشروع في تأدية نشاطه لب علم المحاسبة، والمشكلة التي واجهت المحاسبين وما زالت تواجههم عند إعداد قوائم الأرباح لكل مدة في حياة المشروع.
ونظرا لما لهذه المشكلة من أهمية وللاعتماد على الحكم الشخصي في تقدير قيم الأصول والالتزامات فقد اهتم المحاسبون بوضع المبادئ والقواعد والسياسات التي يجب التزامها عند تحديد ربح المشروع . وقد أصبحت هذه المبادئ والقواعد واجبة التطبيق، بل وصيغت في عديد من الدول في قوانين أصدرتها الجهات المسئولة فيها، وأوجبت على المحاسبين اتباعها.
والمشكلة التي تواجه البنوك اللا ربوية هي أن المدة التي اصطلح عليها المعنيون بالمشروعات لتحديد الأرباح هي السنة، وبالتالي فإنه يصعب على هذه البنوك التعرف على أرباحها في فترات دورية أقل من السنة، وبالتالي يصعب عليها تحديد الأرباح المستحقة لمودعي الأموال في أوقات متقاربة خلال السنة.
لقد صار لدي المشروعات من وسائل مسك الدفاتر العديد من الآلات الحاسبة الكهربائية والالكترونية، كما أنها أصبحت تعني بتوفير الأنظمة المحاسبية التي تتيح لها سرعة الحصول البيانات، وأصبحت حاجة الغدارة الواعية في المشروع إلى البيانات المتتالية والسريعة من الحاجات الملحة لاتخاذ القرارات السليمة، وأصبح من الواجب الآن على الجهاز المحاسبي للمشروع أن يزود الإدارة بتقارير يومية وأسبوعية وشهرية عن نشاط المشروع وأعماله.
وأن اعتياد المشروعات تحديد أرباحها سنويا إنما هو في الواقع تطبيق لاتفاق الشركاء في المشروع على تحديد الأرباح وتوزيعها كل سنة، فإذا ما اتفق الشركاء على تحديد الأرباح كل شهر أو كل ثلاثة أشهر فإن المحاسب قادر على تلبية هذا الطلب.
على أنه لا يجب أن يفهم من ذلك القول، أن تحديد الأرباح في فترات دورية أمر مقبول أو متيسر في جميع الأحوال، فبعض المشروعات تتميز أعمالها بالموسمية، أي تتحقق أرباحها في شهور معينة نتيجة لأنها تتعامل في محاصيل زراعية موسمية أو لان الطلب على منتجاتها يزداد في فصول معينة من السنة، فإن بعض الفترات قد تكون نتائجها أرباحا والبعض الآخر خسارة وفي مثل هذه المشروعات فإنه قد يكون من الأوفق الانتظار حتى تتم دورة الشراء والبيع لمقياس الأرباح.
كما أن بعض المشروعات تقوم بتنفيذ أعمال تحتاج إلى مدى طويلة لاستكمالها، وقد تحتاج إلى فترة طويلة للتمهيد والإعداد، وأي حساب يعد خلال هذه الفترة لن يعطي الصورة الحقيقية لما حققه المشروع من أرابح أو خسارة، وفي هذه المشروعات قد يتطلب تحديد الأرباح الانتظار حتى يقطع المشروع مرحلة متقدمة في تنفيذ الأعمال.
فإذا أخذنا في الاعتبار الاستثناءات القلية السابقة، فإنه من الممكن أن يقوم البنك اللا ربوي بتمويل العديد من المشروعات التجارية بأي صورة من صور التمويل السابق الإشارة إليها، على أن يتضمن عقد التمويل ضرورة توفير التنظيم المحاسبي والإداري الذي يكفل للمشروع إمكانية تحديد أرباحه كل ثلاثة أشهر وتقديم تقرير بها إلى البنك.
ولا يعتبر اشتراط توافر التنظيم المحاسبي والإداري في المشروعات التي يمولها البنك اللا ربوي بدعة في عالم المصارف، فالمشاهد أن البنوك الربوية تصر على أن يتوافر لدي عملائها النظام المحاسبي الذي يكفل تزويد البنك ببيانات سليمة دورية، كما تهتم بضرورة قيام العملاء بتكليف مراقب حسابات مستقل عن المشروع بتدقيق هذه البيانات وتقديم تقرير عنها في نهاية كل سنة.
ورغم أن البنوك الربوية لا تشارك في أرباح العميل. فإنها تقوم بدراسة البيانات المالية المقدمة لها من العملاء وتعني بتحليلها واستخلاص النتائج منها، وذلك للاطمئنان على سلامة أموال البنك التي تمثل دينا في ذمة المشروع.
التوزيع الدوري للأرباح
لا خلاف في أن البنك اللا ربوي يتشابه مع البنوك الأخرى من حيث قيامه بتلقي ودائع العملاء واستثمار هذه الودائع في تمويل المشروعات.
فيمكن للبنك اللاربوي أن يحتفظ بأموال عملائه في صورة حساب جاري أو وديعة محددة، أو في دفتر توفير (حساب ادخار).
وليمكن للبنك أن يستثمر هذه الأموال في تمويل العملاء عن طريق حسابات جارية “تمويل رأس المال العامل”، أو عن طريق مشاركات في تمويل عمليات محددة أو في المشاركة في شركات توصية بسيطة مع حق الشريك المتضامن في شراء حصة البنك (الشريك الموصي) في رأس المال.
وفي حالات التمويل السابقة فإنه يجب الاتفاق مع العملاء على اقتسام الأرباح كل ثلاثة أشهر، وتتحدد الأرباح الربع سنوية خلال السنة المالية بواسطة الجهاز المحاسبي للعميل، ويلتزم العميل بتقديم حسابات معتمدة من مراقب حسابات معترف به ومستقل عن العميل في نهاية كل سنة مالية.
كذلك يمكن للبنك اللا ربوي أن يستثمر ودائع العملاء المخصصة لمشروعات معينة في هذه المشروعات، ويمكن أن يشارك البنك أيضا في هذه المشروعات بجزء من رأس ماله.
كما يستطيع البنك أن يستثمر جزءا آخر من رأس ماله في المشاركة في الشركات المساهمة سواء عن طريق الاكتتاب فيها أو شراء أسهمها من الأسواق الخاصة لذلك.
ويوضح “الكشف التالي مصادر أموال البنك وأوجه استثمار هذه الأموال مع بيان الفترات التي يمكن في نهايتها تحديد وتوزيع الإيرادات على الأموال.
بيان مصادر الأموال وأوجه الاستثمار وتواريخ تحديد وتوزيع الإيرادات
أوجه الاستثمار
نوع الحساب تاريخ تحديد الإيراد تاريخ التوزيع
نقدية في الخزينة ولدي البنوك ومجلس
النقد (البنك المركزي)
استثمارات قصيرة الأجل:
حسابات جارية “تمويل رأس المال العامل” ربع سنوي ربع سنوي
تمويل عمليات تجارية محددة ربع سنوي ربع سنوي
مشاركة في شركات توصية بسيطة ربع سنوي ربع سنوي
استثمارات طويلة الأجل:
تمويل رأسمالي لمشروعات تابعة سنوي سنوي
استثمارات في اسهم شركات مساهمة سنوي سنوي
تمويل عمليات محددة عقارية وصناعية سنوي سنوي
مصادر الأموال
نوع الحساب تاريخ تحديد الإيراد تاريخ التوزيع
حسابات جارية – –
حسابات إخطار ربع سنوي ربع سنوي
الودائع:
ودائع استثمار مشروعات محددة سنوي سنوي
ودائع استثمار بدون تحديد:
ثلاثة أشهر ربع سنوي ربع سنوي
ستة أشهر بع سنوي استحقاق الوديعة
سنة ربع سنوي استحقاق الوديعة
حسابات ادخار (دفاتر توفير) ربع سنوي ربع سنوي
رأس المال والاحتياطيات والأرباح المحتجزة ربع سنوي سنوي
يتضح من الكشف السابق أن هناك أموالا مستثمرة تدر أرباحا كل ربع سنة، وهناك أموال أخرى تحقق أرباحها كل سنة، وفي نفس الوقت فإن الجانب الآخر يتضمن موارد أموال يمكن أن تشارك في الأرباح الربع سنوية، كما أن هناك موارد أموال من حقها الحصول على أرباح في نهاية السنة.
وأنه عن طريق رسم وتنفيذ سياسة مالية سليمة يمكن للبنك أن ينظم استثماراته لأموال مودعية وفقا للشروط التي تم الاتفاق معهم عليها، وبالتالي فإن البنك يمكنه أن يعد حسابا للإيرادات والمصروفات (حساب الأرباح والخسائر) كل ربع سنة، ويمكن من واقع هذا الحساب إجراء توزيع للربح كل ربع سنة أيضا.
ومن الإيرادات التي حصل عليها البنك نتيجة الاستثمارات في أعمال قصيرة الأجل يمكن تنظيم توزيع الأرباح على المودعين في حسابات قصيرة الأجل، على أن يخصم من هذه الإيرادات قبل إجراء التوزيع نسبة معينة لتعويض ومكافأة البنك عن ما ساهم به من مال وعمل في الحصول على هذه الأرباح.
ويمكن الاتفاق مع العملاء المودعين أيضا على أن تحجز نسبة من الأرباح الربع السنوية لتكوين احتياطي موازنة أرباح المودعين، حيث تيم تنظيم طريقة التصرف في هذا الاحتياطي لصالح مجموع المودعين في فترات تالية قد نقل الأرباح فيها عن الفترات السابقة لأسباب مؤقتة.
أما الأرباح السنوية الناتجة عن استثمار أموال مودعين في مشروعات محددة، فإنها توزع على المودعين بعد خصم حصة البنك مرة واحة في نهاية كل سنة، حيث من المفروض أن هذه الودائع والاستثمارات ذات طابع تمويلي طويل الأجل.
ومما سبق يتضح أن الإيداعات قصيرة الأجل تقوم بتمويل الاستثمارات قصيرة الأجل، ويتم تحديد أرباح المشروعات التي حصلت على الودائع قصيرة الاجل كل ربع سنة، يحتفظ البنك بنصيبه في الأرباح الربع سنوية إلى نهاية العام لتوزيعها على مساهميه مع الأراباح الأخرى.
وبالمثل في الودائع المخصصة لمشروعات معينة، فإن البنك يعطي المودعين نصيبهم في الأرباح في نهاية كل سنة ويضم نصيبه في هذه الأرباح إلى الأرباح الأخرى التي حققها لتوزيعها على مساهميه أيضا.
وتطبيقا لذلك فإن حساب الأرباح والخسائر للبنك اللا ربوي يجب ان يتضمن في جانبه الدائن إجمالي الإيرادات التي حصل عليها سواء من الاستثمارات قصيرة الأجل أو طويلة الأجل أو الاستثمارات في أسهم شركات مساهمة، بالإضافة إلى الإيرادات الناتجة عن تشغيل أموال البنك في شراء وبيع النقود والمعادن الثمينة والأسهم، وكذلك إيرادات الخدمات المصرفية، وتقابل هذه الإيرادات في الجانب المدين لحساب الأرباح والخسائر بنصيب المودعين ف أرباح الاستثمارات، باعتبارها تكلفة بالنسبة للبنك وجب عليه دفعها للحصول على الودائع التي استخدمها في جني أرباح الاستثمارات، بالإضافة إلى المصروفات الإدارية والعمومية واستهلاكات أصوله الثابتة وأي مخصصات أخرى لمقابلة أي التزامات مستقبلية أو خسائر غير محددة القيمة، والفرق بين إجمالي الإيرادات وبين الجانب المدين من حساب الأرباح والخسائر أي الإجمالي تكاليف الاستثمارات (أرباح المودعين) والمصروفات يمثل أرباح البنك القابلة للتوزيع على مساهميه.
ملخص البحث
يحصل البنك على الأموال ليعيد استثمارها، ويتحدد ربح البنك الأساسي في الفرق بين العائد الذي يدفعه وبين العائد الذي يقبضه. ويجب على البنك الاحتفاظ بأموال مودعيه في الاستثمارات يسهل تحويلها إلى نقود.
ويقتصر الخلاف بين البنوك الربوية والبنوك اللا ربوية على نوع العائد الذي تحصل عليه الأموال المودعة والذي تدره الأموال المستثمرة.
وكما يقوم البنك الربوي بتمويل العديد من المشروعات بقروض قصيرة الأجل، فإن البنك اللا ربوي أيضا يمكنه تمويل المشروعات عن طريق مشاركات قصيرة الأجل، ويتم تحديد الربح في فترات قصيرة تتحدد بربع سنة.
ويمكن أن تتخذ مشاركة البنك اللا ربوي لعملائه صورة الحساب الجاري المدين، وتوزع الأرباح بين البنك وبين المشروع الذي يموله بالنسب المتفق عليها كل فترة، على أن ترجح الأموال المشاركة للمشروع بعدد الأيام وفقا لطريقة النمر المتبعة في حساب الفائدة.
وتوزع الأرباح على الودائع بنسب حسب طبيعة ومدة كل وديعة. فتحصل حسابات التوفير على أقل نسبة، حيث أن البنك ضامن لرد أموال المودع في صندوق التوفير كاملة. ويمكن أن يسري هذا الحكم على حسابات الأخطار وعلى الودائع التي لا يفوض أصحابها البنك في استثمارها.
وتحصل الودائع لمدة ثلاثة اشهر على نسبة أقل من الأرباح التي تحصل عليها الودائع لمدد أطول، وذلك بسبب أن البنك يلتزم بتوفير قدر معين من المال السائل، ويبعده عن دائرة الاستثمار، وذلك لمقابلة احتمال رد الوديعة عند حلول تاريخ استحقاقها. وكلما قصر أجل الودائع كلما زادت قيمة الأموال السائلة المجنبة.
ويمكن أن يتضمن الاتفاق مع المودعين “ودائع استثمار بدون تحديد” على أن يحجز البنك من حصته في الأرباح المحققة خلال الفترة لتكوين احتياطي المقابلة توزيع أرباح على المودعين في الفترات التي قد تتعرض فيها بعض المشروعات لخسارة.
ويعتبر توزيع هذا الاحتياطي بمثابة تبرع من البنك إلى المودعين في الفترة التي سيتم فيها توزيع الاحتياطي، كما يوفر هذا الاحتياطي ضمانا إضافيا لمودعي البنك وتزداد قوة هذا الضمان في المدى الطويل مع ازدهار أعمال البنك.
وتطبيقا لما سبق فإن أرباح البنك القابلة للتوزيع على مساهميه تتمثل في الفرق بين ما حققته استثمارات الأموال من أرباح وبين الأرباح الموزعة على المودعين، بالإضافة إلى الإيرادات الأخرى التي يحققها البنك نتيجة استثمار رأس ماله والخدمات المصرفية التي يقوم بها.