نمو الإسلام = التغيير الاجتماعي:
لقد أنعم الله علينا نحن الذين نعيش في الوقت الحالي في أمريكا الشمالية بأن أتاح لنا المشاركة في أكثر أنواع التغيير الاجتماعي أهمية، وإثارة؛ فإن التغيير من المجتمع القائم على أساس النظم المدنسة من صنع الإنسان إلى المجتمع الإسلامي القائم على أساس مشيئة الله يوازي قمة التغيير الاجتماعي.
والمجتمعات التي اختار فيها الناس الأخذ بأساليب تتعارض مع الأمثلة التي تركها لنا أنبياء الله، إذا وضعت موضع المقارنة مع المجتمعات الإسلامية تبدو مثل الظلام إلى النور؛ وكما أن الظلام لا يستطع البقاء مع النور جنباً إلى جنب، فإن نور الإسلام يمحو الظلام الذي تبثه تلك المجتمعات الإنسانية المدنسة. وعلى مدى التاريخ، فإن المجتمعات التي يضع أعضاؤها إرادتهم الجماعية فوق إرادة الله تعتبر مجتمعات تعارض نمو الإسلام.
ويقول الله: “يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم” [القرآن 49: 1]
لقد أنذر الله المسلمين أن يتوقعوا وجود مقاومة للإسلام. ولقد كشف لهم أن الأشياء التي تملأ قلوب المؤمنين بالدهشة والبهجة هي ذات الأشياء التي تثير الغضب الشديد لدى المشركين.
يقول الله عن نمو الإسلام: “كزرع أخرج شطأه فأزره فاستغلظ على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار” [القرآن 48: 29]
وقد كشف لنا الله سبحانه في نفس هذه الآية عن الأربع مراحل الخاصة بالتغيير الاجتماعي والتي تتتابع إثر ظهور الإسلام، ولكن مجال هذه المناقشة لن يسمح لنا بالتعمق في بيان هذه المراحل الأربعة. وبدلاً من ذلك فإنني سوف أذكر تلك المراحل مع التعليق المختصر على كل مرحلة.
المراحل الأربعة:
نظراً لأن نشأة المجتمع الإسلامي توازي قمة التغيير الاجتماعي، فإن الله قد كشف لنا عن الأربع مراحل في الآية السابقة وفي الآية التاسعة والعشرين من سورة الفتح:
أ) يقارن الله سبحانه وتعالى المرحلة الأولى بغرس بذرة. ولقد تحدث الأخ كلايد- أحمد وينترز عن تلك المرحلة بالنسبة لكل من شمال وجنوب أمريكا.
ب) وأما المرحلة الثانية للنمو فتقارن بفسيلة النبات الذي ينبت من البذرة التي تم غرسها، وفي هذه المرحلة من التغيير الاجتماعي، لا يتم اكتشاف القوة الحقيقية للإسلام بواسطة المشركين، لأن ما يظهر من الإسلام، (الفسائل) يبدو ضعيفاً وغير قادر على الصمود حتى في مواجهة نسمة ضئيلة (المقاومة).
ولكن الشيء الذي لا يستطيع المشرك الذي يتسم بافتقاره للبصيرة أن يكتشفه هو أن هذه الفسيلة الهزيلة تكمن بها قوة عظيمة. وتحتاج بالضرورة إلى قدر هائل من القوة حتى تشق طريقها من خلال التربة السميكة، إلى سطح الأرض، الحمد لله.
ج) والمرحلة الثالثة للنمو التي تم الكشف عنها في تلك الآية هي المرحلة التي يصبح فيها ذلك النبت النامي شيئاً سميكاً (التأسيس). ونستطيع أن نقارن تلك المرحلة بمرحلة التغيير الاجتماعي. التي تظهر فيها المؤسسات الإسلامية.
د) وأما المرحلة الرابعة فهي عندما يحوز الشيء الناتئ من البذرة على قوة كافية تمكنه من الوقوف على ساقه. ويحدث ذلك عندما يكون المجتمع الإسلامي قد تطور إلى المدى الذي تحوز فيه الخمسة أعمدة في الإسلام على قوة تكفي لمؤازرة الأمة.
ونحن نجد أن الإسلام في أمريكا الشمالية لا يزال في المرحلة الأولى من النمو، بمعنى أن بذور الإسلام لا تزال في مرحلة الغرس، ولكنه في بعض الحالات المنفردة، توجد بعض “الفسائل” التي تشق طريقها من خلال التربة.
مصدران للمقاومة:
نظراً لأن الله قد حذرنا من وجود مقاومة للإسلام من قبل المشركين، فإن من واجب المسلمين أن يحللوا الأوجه المختلفة لتلك المقاومة حتى يعدوا الدواء الفعال. وفي هذا العرض سوف نحلل المصدرين التاليين للمقاومة:
1) استغلال حاجة الإنسان للانتماء. 2) التنظيمات “الدنيوية” والتنظيمات الدينية التي يكون الإنسان محورها والتي ينتمي إليها الكثير من الأمريكيين. ويكمن أساس الأنواع المختلفة لمعارضة الإسلام بأمريكا الشمالية في حقيقة أن الكثير من النماذج الاجتماعية والنظريات في المجتمعات الإنسانية المدنسة تتناقض مع مشيئة الله. وقد عبر الله عن تلك العلاقة التناقضية بين المجتمع القائم على أساس الإسلام وبين المجتمع الإنساني المدنس بقوله:
….فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار [القرآن 48: 29]
استغلال الحاجة إلى الإنتماء:
المصدر الأول لمقاومة ظهور مجتمع إسلامي في أمريكا الشمالية والذي سنناقشه يأتي نتيجة لاستغلال حاجة الإنسان للانتماء على مدى سنوات؛ ويقال إنه يتم استغلال تلك الحاجة عندما يحث الناس على الاعتقاد في قدرة التنظيمات التي يكون الإنسان محوراً لها والإيمان باستطاعتها في القيام بإنجازات أكثر من التنظيمات التي تقوم على أساس مشيئة الله؛ وفي المجتمعات الإسلامية المدنسة يعتمد الإنسان بشدة على غيره من بني الإنسان الذين يعتبرون “خبراء” ويتم تشجيع أعضاء هذه المجتمعات على الانتماء إلى تنظيمات تقع تحت سيطرة هؤلاء الذين يسمون “بالخبراء” والذين يدعون أنهم يستطيعون الايفاء بحاجة الإنسان للانتماء. وكنتيجة لهذا النوع من الشرك، فإن الاعتماد على الله الذي وجد في الإنسان منذ أن خلق يتحول ببطء إلى نوع من الاعتماد على البشر، والآلات، والمؤسسات.
وفي تلك الحالة، نجد أن المقاومة الفعلية للإسلام تنبع من هؤلاء الناس ومؤسساتهم (المقاومة المؤكدة) حيث لا يرغبون أبداً في رؤية المجتمع وقد تحرر من التبعية الإصطناعية للشرك. إن الخضوع التام، أي خضوع النفس بصفة تامة لمشيئة الله (أي للإسلام) يحرر الإنسان من التوجه الخاطئ بحاجته في التوكل إلى من يسمون “بالخبراء” أو أي شيء آخر. ولذلك، فإن الإسلام يستطيع أن يزيل سيطرة هؤلاء الناس على أعضاء التنظيمات التي يكون الإنسان محوراً لها.
وفي الآيات التالية، يكشف لنا الله عن درجة الحرية والقوة التي يمكن اشتقاقها من الاعتماد التام، وفي حالة كون ذلك الاعتماد التام على الله سبحانه وتعالى:
“واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلاً” [73: 8]
“رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً” [73: 9]
“قل الله أعبد مخلصاً له ديني” [39: 14]
“إلا الذي فطرني فإنه سيهدين” [43: 27]
والمشكلة الرئيسية المتعلقة بالاعتماد الشديد على “الخبراء” هي أن البشر ليس لديهم إلا معرفة محدودة. مثلاً، الخبراء في التخطيط المديني والتخطيط الاجتماعي، يدركون أن الإنسان لديه احتياجات، ولكن هؤلاء الخبراء ليست لديهم المعرفة التي تمكنهم من إعداد البرامج التي تستطيع الإيفاء بحاجات الإنسان. بل إن واحدة من المشاكل الرئيسية التي تواجه أعضاء المجتمعات الذين اختاروا التطور بأساليب تتعارض مع الأمثلة التي تركها لنا أنبياء الله، هي أنه لا يزال هناك استغلال لحاجاتهم بدلاً من الإيفاء بها. ولقد كانت الحاجة التي تم استغلالها في أمريكا الشمالية هي الحاجة إلى الانتماء.
أما مدى إضفاء القيمة على الانتماء في المجتمع الأمريكي في الوقت الحاضر فتظهر في الدرجة التي أقام فيها المجتمع الأمريكي مؤسساته بغرض تكييف واستغلال تلك الحاجة الإنسانية الأساسية، وتوجد الكثير من التنظيمات التي يستطيع المواطن الأمريكي أن ينتمي إليها طوال حياته.
ففي فترة الصبا يستطيع الأمريكي الانتماء، إلى الجرموز وفيما بعد إلى الكشافة؛ ويستطيع الشاب في الجامعة الانتماء إلى الأخوة اليونانية، وفي مجال العمل يستطيع الإنتماء إلى اتحادات العمال والتنظيمات المهنية، وإلا فإنه سوف يواجه ضغطاً اجتماعياً من زملائه. أما الشخص في أواسط العمر في المجتمع الأمريكي، فإن أمامه مجموعة من الأندية والتنظيمات التي يستطيع هو أو هي الانتماء إليها، مثل نادى ELKS أو النادي الريفي المحلي. أما بالنسبة للأمريكيين من كبار السن، فإننا نجد أن ما يساهم إلى حد كبير في شعورهم بالعزلة هو نقص التنظيمات المتاحة لهم، بعد مضي تلك السنوات البعيدة من “الانتماء” والاندماج في نشاطات المجتمع.
ويوجد الكثير من الأمريكيين الذين ينتمون إلى عديد من الأندية أو التنظيمات في وقت واحد، ويؤدي ذلك إلى انقسام أو توزيع ولاءاتهم. وعلى عكس ذلك، فإن “عدم الانتماء” يؤدي إلى تعرض الشخص للخزي الاجتماعي، “فعدم الانتماء” يوازي اعتبار الشخص “دخيلاً” أو حتى عدواً لمصلحة المجتمع. وهو قد يعني افتقاراً إلى التكييف من قبل ذلك الشخص أو تعبيراً عن اتجاه غير صحي تجاه “الروح الأمريكية”. وسوف يكون الاستنتاج في تلك الحالة هو أن مثل ذلك الشخص يعاني من مشكلة نفسية.
وتوجد أهمية عظيمة ترتبط بالانتماء للولاءات المعينة المقر بها. فإن الانتماء إلى عقائد معينة يعد شرطاً أساسياً لكون الشخص أمريكياً. وبالنسبة لبعض الأمريكيين، فإن ما يحثهم على الانتماء إلى الكنيسة هو نوع من الشعور بالواجب أو الوطنية، ولكن الوطنية هي واجب/ الحب تجاه الوطن وليس تجاه الله، ودائماً ما يضفي على الانتماء إلى الكنيسة نفس الأهمية النفسية الروحية، والنفسية الاجتماعية التي تضفي على الانتماء إلى النادي الريفي المحلي أو على كون الشخص متطوعاً في هيئة الإطفاء، فإن ذلك يمثل “النمط الأمريكي للسلوك”. والصورة التي يمكننا أن ندركها هي صورة يقبل فيها الدين باعتباره جزءاً طبيعياً من أسلوب الحياة الأمريكي.
وأما فشل الشخص في أن يعرف نفسه، إما باعتباره بروتستانتياً أو كاثوليكياً فإن ذلك يؤدي بكيفية ما إلى اعتبار ذلك الشخص غير أمريكي، ويعني ذلك أن الشخص الذي يعلن أنه بوذي أو مسلم سوف يعد كشخص أجنبي: فالشخص الذي يعلن ولاءه للإسلام قد يعتبر “أجنبياً” حتى إذا كان مواطناً أمريكياً بالمولد. وأحياناً قد يعني عدم انتماء الشخص إلى جماعات أو ولاءات معينة، أن ذلك الشخص “ليس بأمريكي”. وتلك هي الحالة بالنسبة لهؤلاء الذين يعلنون أنهم يعتنقون مذهباً مخالفاً أو حتى يعتنقون “الفلسفة الإنسانية”. ففي الستينات، نجد أن هؤلاء الأمريكيين الذين كانوا يعارضون حرب فيتنام بسبب معتقداتهم “الإنسانية” كانوا يعتبرون غير أمريكيين. إن اعتبار الشخص أمريكياً في الوقت الحاضر يستوجب انتماءً دينياً معيناً، باعتبار أن الشخص يجب أن يكون إما بروتستانتياً، أو كاثوليكياً، أو يهودياً إلى حد ما وإلى درجة لم يسبق لها مثيل في تاريخ أمريكا. إن الطريق الوحيد لاعتبار الشخص أمريكياً هو أن يكون إما بروتستانتياً، أو كاثوليكياً، أو يهودياً. ومن الهام أن نلاحظ في هذه النقطة أن اليهود يحوزون على مركز الند في أمريكا. فهم ليسوا بمثابة جماعة قائمة بذاتها أو جماعة دخيلة على المجتمع، ولكنهم يعتبرون الند بمقتضى الفكر السائد… إن اليهود، والبروتستانتيين، والكاثوليك يكونون ما أطلق عليه، ويل هربرج “قدر الانصهار الثالوثي” في أمريكا.
المنظور التاريخي:
يجب أن نكرس بعض الوقت للنظر في بعض الجذور التاريخية لذلك الاتجاه الغربي المعين عن العالم من أجل أن ندرك على الحقيقة أهمية فكرة “الإنتماء” في المفهوم الاجتماعي- السيكولوجي الأمريكي.
لقد قام اليونانيون باتخاذ تلك العادة المميزة التي بمقتضاها يبحثون عن أكثر النقاط ارتفاعاً في المنطقة التي يعيشون بها، ويعلنون أن جميع الأراضي التي يمكنهم رؤيتها من ذلك المرتفع المختار بعناية تنتمي لهم ولقد كان ذلك يعني أن مجموعة من الناس تأتي إلى تلك المنطقة فيما بعد كانت تعتبر “أجنبية” أو “كماً مهملاً” ومن ثم تعتبر مصدر تهديد. ولقد نقل اليونانيون تلك العقلية معهم، إلى الأراضي التي قاموا بغزوها، وكان ذلك يعني أن السكان الأصليين بمقتضى رفض قبولهم في المجتمع اليوناني كانوا يعدون بمثابة “تهديد أجنبي”، حتى إذا كانوا يعيشون داخل حدودهم الخاصة بهم. ولقد تخللت تلك الصورة العقلية المعينة جميع فترات الحكم الغربي الذي عرف باسم الصليبيين، والإمبريالية، والإستعمار بل وحتى الإستعمار المحدث.
ولا نزال نستطيع ملاحظة هذه العقلية في الوقت الحالي في أمريكا عندما يشكو أعضاء جماعة من سوء المعاملة من المسئولين المحليين؛ إذ نجد أن استجابة الساسة تتمثل في إقرارهم أن الأهالي ليسوا هم في الحقيقة الذين يثيرون الإضطراب. فهم يدعون أن من أثار المتاعب هم “المهاجرون الخارجيون”. الذين جاءوا إلى الحي “وأثاروا” مشاعر عدم الرضا بين الناس.
إن ذلك المنظور التاريخي يجب أن يعاون المسلمين في إدراكهم وجود ذلك التأييد الاجتماعي- النفسي لمقاومة التغيير الاجتماعي المتجه تجاه الإسلام في أمريكا. وإذا ذكرنا الأمر بطريقة مبسطة، فإن الشخص في الوقت الحاضر يجب أن يكون إما بروتستانياً، أو كاثوليكياً، أو يهودياً، من أجل أن يعد “أمريكياً” وإنه إذا كان مسلماً، أو هندوسياً، أو بوذياً فإنه سوف يعتبر أجنبياً وكماً مهملاً، ومن ثم سوف يعتبر مصدر تهديد. إن المسلمين، بعد أن حازوا على ذلك الإدراك، يستطيعون البدء في توقع بعض ردود الفعل من جانب الأمريكيين ذوي السلطة، الذين يتمثلون في العلماء الاجتماعيين الأمريكيين، والساسة، ورجال الدين تجاه النماذج الإسلامية للتغيير الاجتماعي، المتمثلة في القرآن والحديث.
ونحن نتوقع تلك المقاومة لأننا لا “ننتمي” إلى قدر “الانصهار الثالوثي”. ولقد أنذرنا الله بأنه لا يجب أبداً أن نناضل من أجل أن نصبح جماعة داخل الجماعات الأخرى، أو حتى من أجل أن نصبح بمثابة أعضاء متساويين، عندما قال:
“يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء من بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين” [القرآن 5: 54].
ولسوء الحظ، فإن الكثير من إخواننا قد فشلوا في تنفيذ أوامر الله في أثناء محاولتهم مواجهة المقاومة التي يقابلون بها عند ذهابهم إلى أمريكا. فقد كانوا يحاولون الحصول على المساواة. كيف؟ بوضعهم ثقافتهم الغربية فوق إسلامهم. ولقد حاولوا الحصول على وضع من ينتمي لجماعة قائمة بذاتها. كيف؟ بوضعهم جنسيتهم فوق الإسلام في محاولة منهم للسير مع “الاتجاه السائد”، طبقاً لاعتقادهم الخاطئ بأن الجماعات العرقية الأخرى قد اتبعت ذلك الأسلوب. وقد فسر الله لنا بوضوح خطأ تلك الأفعال عندما قال:
“يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم” [القرآن 49: 1].
وما نستطيع أن نقوله هو أنه بالنسبة لتلك الحالات المعينة يجب أن نقدم نماذج التغيير الاجتماعي الخاصة بنا –أي القرآن والحديث- إلى إخواننا الذين يشعرون “بحاجتهم إلى الانتماء” لبعض أوجه المدنية الأمريكية بدلاً من جماعة الإسلام.
التنظيمات الدينية التي تتركز حول الإنسان:
السبب الرئيسي الذي يجعلنا نقول بوجود استغلال تلك الحاجة إلى الإنتماء، في المجتمع الأمريكي هو أن الله وحده هو الذي يستطيع الإيفاء بحاجات الإنسان، والتنظيمات التي تتركز حول الإنسان تستغل تلك الحاجة البشرية للانتماء عندما تتدعي أن تنظيماتها المعينة هي “الطريق” إلى السعادة والرخاء.
وسوف نركز الجزء الثاني من هذه المناقشة على التنظيمات المدنية التي تتركز حول الإنسان والتي ينتمي إليها الكثير من الأمريكيين (أنظر في الجدول أ)… إن الانتماء، إلى ولاءات معينة يحوز على قيمة كبيرة وهو يعد جزءاً من التعريف الشامل لكون الشخص “أمريكياً” والتنظيمات الدينية التي تتركز حول الإنسان تتشابه عن قرب مع “التنظيمات الدنيوية” في المجتمع الأمريكي بالرغم من ادعاء الفصل بين الكنيسة والدولة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن كلاً من نوعي تلك التنظيمات يتركز حول الإنسان. ولقد وصف ويل هربرج بشكل ملائم، القوى المحركة للتنظيمات الدينية التي تتركز حول الإنسان، عندما قال:
إن الرخاء، والنجاح، والتقدم في العمل تعد الغايات الواضحة التي من المقرر أن الدين، أو الاتجاه الديني المتمثل في “الإيمان” يعد مفيداً بالنسبة لها. وفي المعتاد فإنه ليس ثمة انتقاد لتلك الغايات في حد ذاتها من قبل الولاءات النهائية المتعلقة بالإيمان الله، ولكنه بالنسبة لهذا النوع من الدين نجد أن الإنسان ليس هو الذي يكرس لخدمة الله، ولكن الله هو الذي يكرس لخدمة الإنسان، وأغراضه… سواء كانت تلك الأغراض تتمثل في الرخاء الاقتصادي، أو حرية المشروعات، أو الإصلاح الاجتماعي، أو الديمقراطية، أو السعادة، أو الأمن أو “الطمأنينة”.
ومرة أخرى، فإن المقاومة تظهر عندما يدرك الناس الذين يعدون محوراً لتلك التنظيمات “الدينية” أو الدنيوية أنهم قد يفقدون النفوذ والسلطة التي يحوزون عليها بمقتضى مراكزهم. ومن بين التنظيمات العديدة المتركزة حول الإنسان في هذه الدولة، نستطيع أن نتوقع أقصى المقاومة للنمو الإسلامي من قبل تلك التنظيمات للأسباب التالية:
1) نجد أن الكنيسة المسيحية، على مدى التاريخ، كانت دائماً في المقدمة لمقاومة الإسلام ونموه.
2) يوجد عدد كبير من الأمريكيين الذين ينتمون إلى العقائد الدينية والتنظيمات التي ينشدون من خلالها بعض الإسهام في إثبات هويتهم باعتبارهم أمريكيين.
3) إن تلك التنظيمات تزود أعضاء هذا المجتمع بالتبريرات “الروحية” والتسويفات العقلية، التي يحتاجون إليها بمقتضى اختيارهم الانتماء للتنظيمات التي تتركز حول الإنسان بدلاً من تلك التي تتركز حول الله.
إن الهدف من تحليل هذين العاملين لمقاومة الإسلام هو توضيح فهم المسلمين بالنسبة لدرجة الظلام السائد في أمريكا. وقبل أن نستطيع حتى مفاتحة المشركين بالنسبة للإسلام، يجب أن ندرك أولاً موقفهم الحقيقي، ونظراً لأن أمريكا الشمالية ومؤسساتها ومنظماتها تتخذ من الإنسان محوراً لها، وأن أساس المجتمع الإسلامي هو الشهادة “لا إله إلا الله”، فإن المقاومة التي يجب أن نتوقعها سوف تقوم على أساس الحقائق البديهية التالية:
1) إن منطقنا هو اللامنطقية بالنسبة للمشركين.
2) وإن قوتنا هي ضعفهم.
3) ومصدر أمتنا هو مصدر خوفهم.
4) وما يثير عجبنا وبهجتنا هو ما يؤدي إلى غضبهم الشديد [القرآن 48: 29].
مواجهة المقاومة:
قد زود الله برحمته الواسعة المسلمين بالوسائل التي تمكنهم من مواجهة هذين النوعين من المقاومة. فالكيفية التي نتمكن بها من مواجهة الظلام المتمثل في شكل المقاومة، هي النور المتمثل في المعرفة. فلننظر فيما كشف لنا الله عنه من أجل معاونة المسلمين بالنسبة لتلك المشكلة المعينة.
أولاً: المشكلة ليست هي أن الإنسان في حاجة إلى الانتماء، ولكنها تتمثل في أنه قد تم استغلال تلك الحاجة بتوجيهها وجهة خاطئة بعيدة عن الله. فالحاجة للانتماء تعد طبيعية لأن الله أخبرنا أنه قد خلق البشر بتلك الكيفية: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا” [القرآن 49: 13]
وهذه الآية توضح لنا أن الإنسان يجب أن ينتمي لجماعة (الأمة أو القبيلة) لو أنه أراد إخضاع مشيئته لمشيئة الله.
ثانياً: قد أوضح الله لنا حاجتنا إلى الانتماء لمولى واحد فقط بدلاً من الانتماء في وقت واحد إلى العديد من الأندية والتنظيمات التي تتركز حول الإنسان. ويمكننا فهم تلك التعليمات بأفضل صورة عندما ننظر في الآية التالية: “ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون” [القرآن 39: 29]
ثالثاً: إن الله سبحانه قد كشف لنا عن الرفقة الحسنة التي يحتاج الناس إلى الانتماء إليها، عندما قال: “ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً” [القرآن 4: 69]
“إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا…. ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون” [القرآن 5: 54]
فقد أوفى الله بحاجات جميع الخلق. وبالنسبة لحاجة الإنسان للانتماء فإن الله قد أقام جماعات معينة إحداها هي الرفقة الحسنة التي تتكون مما يأتي:
1) جميع من يطيعون الله ورسوله.
2) النبي المعلم.
3) محبو الحقيقة المخلصون.
4) الشهداء الذين يدلون بالشهادة.
5) الصالحون الذين يفعلون الخير.
6) هؤلاء الذين يقيمون الصلاة بانتظام.
7) هؤلاء الذين يتصدقون على الفقراء.
8) هؤلاء الذين يركعون لله خشوعاً له.
رابعاً: قد أخبرنا الله أن من الممكن الإيفاء بالحاجة إلى الانتماء في إطار العائلة الإنسانية عندما قال: “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء” [القرآن 4: 1]
“يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا” [القرآن 49: 13]
وتعلمنا هاتان الآيتان أنه لا توجد في الحقيقة أشياء مثل جماعات قائمة بذاتها، أو جماعات دخيلة، أو جماعات متساوية. فإن تلك الأشياء تعد من ابتداع الإنسان، ومن تصميمه وصنعه من أجل خدمة أغراض التنظيمات التي تتركز حول الإنسان. لقد أوضح الله أننا بمقتضى مولدنا ننتمي إلى الجنس البشري. وإن الإنسان هو الذي قام بتقسيم المجتمع إلى طبقات اجتماعية وإلى أجناس داخل المجتمعات.
خامساً: إن الله قد كشف لنا أن المؤمنين ينتمون إلى أخوة واحدة، وأن التقوى هي التي تدعم الروابط النفسية- الاجتماعية- الروحية، بين أعضاء تلك الأخوة عندما قال: “إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون” [القرآن 49: 10]
إن واحداً من الأسباب التي تجعلنا في حاجة إلى الانتماء للجماعات هو أنها تزودنا بنوع من الشعور بالأمن. ودائماً ما ينشد الإنسان الجماعات حتى توفر له الحماية. فمثلاً في المجتمع الرأسمالي، ينشد الناس اتحادات التسليف، وشركات الاستثمار، أو شركات التأمين حتى يحموا أنفسهم ضد الدمار المالي. ولكن المسلمين يعرفون أن جميع ما يحتاجه الإنسان لحمايته هو إخضاع مشيئته لمشيئة الله، ونحن نعرف أن الله هو الكافين فقد قال سبحانه: “يا أيها النبي حسبك الله ومن أتبعك من المؤمنين” [8: 64]
“ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون” [القرآن 9: 59]
والأمن الذي ينشده الإنسان من انتمائه إلى التنظيمات التي تتركز حول الإنسان يكون دائماً أمناً ضد فقدان شيء في حياته. وبمقتضى ذلك فإن الإنسان يصبح أكثر ارتباطاً بالحياة عن الآخرة ومن ثم فإنه يفقد إدراكه بالتوازن والعدل. وطبقاً لذلك، سوف تتشوه القيم الحقيقية، وسوف يفضل الحصول على “الأمن” ضد فقدان الأشياء المادية، في هذه الحياة المؤقتة بدلاً من الحصول على الأمن في الآخرة الخالدة.
والشيء السادس: الذي أوحى به الله للإنسان ليضيء له الطريق يتعلق بالأمن الحقيقي الذي يجب على الإنسان أن ينشده في حياته. وفي الآيتين التاليتين يكشف لنا الله أن الإسلام يزود الإنسان بالملاذ الوحيد الآمن. وفي حين أن هؤلاء المحيطين بنا قد “اختطفوا بعيداً” بواسطة الشيطان وأتباعه، فإن الله قد وعد المسلمين بالأمن، ذلك الأمن الذين يخدعون أنفسهم باعتقادهم أنهم يستطيعون الحصول عليه من بني الإنسان الآخرين:
“وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نكن لهم حرماً آمناً يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون” [28: 57]
“أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون” [29: 67]
وفي حين أن الناس قد يضللونا أو يساهمون في عدم أمننا، فإن الله يزودنا بأقصى الأمن ضد أي معاناة تنتج عن فقدان أي شيء لدينا، طبقاً لما يلي:
1) إن جميع ما يقع تحت تصرفنا في الحياة يعد في الحقيقة وديعة أودعها الله لدينا. ومن ثم فإنه من المستحيل لنا أن نفقد أي شيء نظراً لأنه ليس ثمة شيء ينتمي إلينا.
“يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون” [8: 27].
2) أعمالنا فقط هي التي تسير أمامنا. ويعني ذلك أن الشيء الوحيد الذي سنأخذه معنا إلى الآخرة بعد موتنا هو أعمالنا. ويؤكد لنا الله أنه لن يضيع أبداً أجر أي عمل نقوم به.
“وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير” [2: 110]
“كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية” [69: 24]
ونجد أن الله بمقتضى عدالته، لم يخلق تلك الحاجة للانتماء في الإنسان فحسب، ولكن الله أيضاً قد بين لنا الوسيلة الوحيدة للإيفاء بتلك الحاجة. فالتنظيمات التي تتركز حول الإنسان لا تفيدنا بشيء سوى أنها تستغل حاجتنا للانتماء، لأنه ليس ثمة إنسان أو منظمة يمتلك المعرفة المتطلبة للإيفاء بحاجات غيره من بني البشر، وإذا اعتقدنا عكس ذلك فإننا نكون من المشركين. وفيما يلي سوف نقدم الوسائل التي تؤدي للإيفاء بحاجة الإنسان للانتماء:
1) الجماعات والتنظيمات التي تتركز حول الإنسان، لأن الإنسان لا يستطيع إلا أن يكون له مولى واحد لو أنه أراد أن يعيش في سلام على الإطلاق.
2) الرفقة الحسنة كما وصفها الله في القرآن.
3) العائلة البشرية التي يكون الأساس الوحيد لتقسيمها إلى طبقات هو مشيئة الله وليس التحامل والتحيز الإنساني.
4) الأخوة الوحيدة التي وصفها الله في القرآن والتي تكون رابطتها الوحيدة هي التقوى.
5) الملاذ الآمن حينما لا يخشى الإنسان فقدان أي شيء دنيوي لعلمه أنه ليس ثمة شيء يفقد مع الله أبداً.
ونظراً لأن الله قد كشف للإنسان عن الأشياء البديلة للتنظيمات المتركزة حول الإنسان بغرض الإيفاء بحاجته للانتماء، فقد تركت للإنسان مسئولية الاختيار. وبالنسبة لمواجهة المقاومة النابعة من التنظيمات الدينية المتركزة حول الإنسان، فيجب أن نكون على استعداد لإقامة مؤسسات إسلامية بديلة. والحل الوحيد لهذه المشكلة هو تأسيس دعامة الإسلام التي تتمثل في الشهادة “لا إله إلا الله” إن إصرار المشركين على تفضيل الأشياء الدنيوية عن التقرب إلى الله في الآخرة، إلى جانب خشيتهم فقدان الأشياء المادية أكثر من خشيتهم فقدان حب الله لن يمر بغير عقاب من الله:
“قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين” [9: 24]
إن موقفنا يجب أن يكون متماثلاً مع موقف النبي محمد عندما ووجه بالمقاومة الشديدة. فقد أوحى الله إلى النبي:
“قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين” [سورة الكافرون: 109].
وسوف تكون ثمة مقاومة متزايدة لانتشار الإسلام في أمريكا، إلى أن يحين الوقت عندما نقول عن الإسلام “فاستوى على سوقه” [48: 29]. لقد أوصى الله للمسلمين بالكثير من الآيات التي تعلمنا كيفية مواجهة تلك المقاومة:
1) لقد كشف لنا الله أننا لا يجب أن نخشى المشركين:
“وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون” [6: 81]
“الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون” [6: 82]
2) ولقد كشف لنا الله أنه سوف تكون لنا أعمالنا وسوف تكون للمشركين أعمالهم، ويجب أن يرتقب كل منا ثمرات أعماله:
“ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب” [11: 93] (انظر أيضاً في: 6: 135، 11: 121- 122)
3) ولقد كشف لنا الله الموقف المناسب الذي يجب أن نتخذه تجاه المقاومة النابعة من الغطرسة التي تنبع بدورها من الجهل:
“وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً” [25: 63]
4) ولقد كشف لنا الله عن الحاجة إلى الصبر بين المؤمنين. ولكنه لا يجب الخلط بين ذلك الصبر وبين السلبية. فإن الصبر يعني الجهاد المثابر في سبيل إقرار الحقيقة، الذي يعد جهاداً في سبيل الله. وإنه ينتظر منا أن نكون صابرين لأننا نحوز على المعرفة، تلك المعرفة بعدل الله وبأنه هو أفضل من يقرر جميع المسائل بين المؤمنين والمشركين:
“قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم” [34: 26] فليمنحنا الله القوة لإنجاز ما أمرنا به.