لا يشعر المسلم المعاصر بالتشوش، في مجال من مجالات السعي الإنساني مثلما يشعر به في مجال العلوم السياسية، ونجابه بذلك التشوش على كل من المستوى الفكري ومستوى الممارسين لذلك (الفن) أو (العلم) السياسي- أي السياسيين، ولكننا لن
نعني بالسياسيين في هذه المقالة، بالرغم من أننا قد نشير إليهم وإلى أنظمتهم السياسية. ويكون الحد الأقصى للتشوش على المستوى السياسيين –والعالم السياسي المسلم في العصر الحديث يجابه بصعوبة هائلة مؤداها أنه يكون عالماً سياسياً- ولعله يحوز على دكتوراه في العلوم السياسية- ومركزاً تدريسياً في الجامعة، بل ولديه بعض المؤلفات. وبالرغم من ذلك، فإنه (العالم السياسي المسلم) يجب أن يسأل نفسه سؤالاً بسيطاً: هو هل يختلف بأية كيفية عن العلماء السياسيين غير المسلمين الحائزين على نفس الدرجات العلمية، والمراكز الجامعية، ولديهم عدد من المؤلفات؟ والإجابة الصريحة على ذلك السؤال هي “لا” وهي أيضاً الإجابة الصحيحة.
إن التضليل يكمن في عبارة “العالم السياسي المسلم”، وفي الحقيقة، فإن الناحية الإسلامية في العالم السياسي تكون مستقلة عن دراسته الأكاديمية، حتى أننا نستطيع القول أنه يوجد شخصان داخل الشخص الواحد: أحدهما مسلم والآخر عالم سياسي، والمسلم طبقاً للإسلام هو (المؤمن) العادي، ولكن علومه السياسية تعتبر غير إسلامية، وكل من المسلم “المخلص” والعالم السياسي الغير مسلم يعيشان جنباً إلى جنب داخل فرد واحد، ويسببان الكثير من التشوش، ويصبح ذلك التشوش في صورة أسوأ عندما يبتدئ ذلك “العالم السياسي المسلم” المنفصم في تناول “النظرية السياسية للإسلام” والدولة الإسلامية.
جذور العلوم السياسية:
إن أساتذة العلوم السياسية –أي من يمثلون الحكمة- لم يكن لهم وجود منذ حوالي خمسين عاماً مضت. ولقد ظهر أولهم في هذا القرن. وعندما نطرح السؤال، ما هو موضوع العلوم السياسية، فإن الإجابة المباشرة هي: أنه يتمثل في أفكار أفلاطون، وأرسطو، وأوغسطن، وأكويناس، ومكيافيلي، ودانتي، وهوبز، ولوك، وروسو، وبنثام، وماركس، وجون ستيوارت مل، ثم يوجد لدينا بعد ذلك وصف للدول العظمى الحديثة –مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا العظمى، وفرنسا، وألمانيا، والإتحاد السوفيتي، وبعض الدول الأخرى. وأخيراً، يوجد لدينا الأدب المعاصر الزاخر الذي يتناول المفاهيم التحليلية.
وإذا قمنا بتطبيق نظرة دقيقة بالنسبة لما سبق، فسوف نواجه بعدد من الأسئلة. مثلاً: إذا كان “أب العلوم السياسية” (أفلاطون) قد ألف الجمهورية، منذ 2400 عام تقريباً، فأين كان الطفل في ذلك الوقت؟ ويجيء الجواب بصفة جزئية في أن الطفل قد ظل في الكنيسة لمئات من السنوات ثم تطور بعد ذلك ليمر من خلال حركة الإصلاح الديني وعصر النهضة، ثم كان عليه بعد ذلك أن يخرج سالماً بعد أن يمر بدراسة القانون والتاريخ والفلسفة قبل أن يتم الاعتراف به كفرع من الدراسة قائم بذاته، بالرغم من أن أخيه التوأم، العلاقات الدولية، لا يزال يجد بعض الصعوبة في أن يظهر إلى الوجود. لكن ذلك الجواب لا يزال غير مرض تماماً، ولا نزال نتساءل لماذا عملت كل من الكنيسة وأفرع القانون والتاريخ والفلسفة على أن تحتجز الطفل لتلك الفترة الطويلة ثم تخرجه على حين غرة طفلاً سليماً اكتمل نموه في مدة خمسين عاماً، (وتلك لا تعتبر فترة طويلة على الإطلاق إذا ما قورنت بفترة 2400 عاماً)، وتحول إلى شخص بالغ نشيط لديه ميل قوي للإنتاج؟ لماذا حدث ذلك في القرن العشرين بطريقة مفاجئة تقريباً؟ لماذا لم يحدث في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر؟ أو لماذا لم يستطع الانتظار إلى القرن الحادي والعشرين؟ لماذا في القرن العشرين؟ ولماذا في ذلك الوقت بالذات؟
إن الإجابة على ذلك السؤال هي المفتاح لحل عدد كبير من المسائل الغامضة ولعل أحد الإجابات المحتملة هي أنه في ذلك الوقت كانت توجد أشد الحاجة إلى العلوم السياسية، ومن ثم فإنها حققت ذلك النجاح العظيم، والتوسع العظيم، وحازت على الاعتراف بها، وتوفير الرعاية العظيمة، والتأييد لها. ولكن من ذا الذي كان في حاجة إليها، ولماذا؟
إن أ. ج. ب تايلور –المؤرخ الإنجليزي المعروف- كتب حديثاً:
“لقد احتاجت أوروبا لوقت طويل قبل أن تبتدئ المسيرة، وإن زعامتها [على المدنيات الغير عربية] قد ابتدأت فقط في القرن السادس عشر [بفقد المسلمين لإسبانيا]، ولكن إنتصارها تحقق فقط في القرن العشرين”. ولقد كان تايلور يستعرض كتاب ج م روبرتس “تاريخ هتشنسون للعالم”، ولقد أصبح تايلور متحمساً للغاية في مدحه لروبرتس: “إن ذلك يعد بمثابة مؤلف تاريخي لا نظير له في الوقت الحاضر. فهو يشمل جميع العصور وجميع القارات. وهو يشمل تجارب الإناس العاديين ويستعرض وفقاً للتسلسل الزمني أفعال الأشخاص الذين في السلطة. وإنه ليتصف بدقة منقطعة النظير في ذكره للحقائق ولا يمكن الذين في السلطة. وإنه ليتصف بدقة منقطعة النظير في ذكره للحقائق ولا يمكن مضاهاته في أحكامه”. ويستمر تايلور في مدح روبرتس لأنه قد أقام “التوازن العادل بين المدنيات المختلفة” في صفحاته الألف والمائة. ثم أفشى تايلور بعد ذلك السر “…أنه (روبرتس) لا يستطيع أن يقاوم تكريس الكثير من الاهتمام إلى المدنية الغربية التي لديه أفضل المعرفة بها والتي ينتمي هو ذاته إليها، وأن نحو نصف كتابه يتناول بالذكر القرون الحديثة عندما حازت أوروبا على السطوة”. وتايلور لا يشعر بالأسف لذلك التحيز ولكنه يضيف: “إن القارئ سوف يرحب بذلك التأكيد….” لماذا يثق تايلور تماماً من أن القارئ سوف يرحب بذلك التأكيد على المدنية الغربية؟ من الواضح أن تايلور يعرف أن ذلك لا يعد بمثابة مؤلف تاريخي صحيح، ولكنه يمثل الرأي الغربي، بالنسبة للتاريخ، ومن ثم قد كان ذلك هو سبب حيازته على الشعبية. وذلك في الحقيقة هو السبب الذي من أجله أطلق عليه اسم “تاريخ عصرنا”.
وهكذا، فإن تايلور قد أقر –بطريقة ضمنية- أن كل مدنية تكون رأيها الخاص بالنسبة لتاريخ العالم والمدنيات الأخرى، ولذلك فإننا لا نستطيع أن ننسب أي موضوعية إلى أحكامه، هذا إذا تجاوزنا عن عدم استطاعتنا نسبة الموضوعية إلى آرائه في هذا الشأن.
فلنستمر في مجاراة تايلور في رأيه بالنسبة للتاريخ، ونقبل –بفرض استمرار المناقشة- أن زعامة أوروبا قد ابتدأت في القرن السادس عشر. ولكن تايلور غفل عن إخبارنا فيمن كانت تكمن الزعامة حتى مجيء القرن السادس عشر، إننا نحن المسلمين نعرف الإجابة، ولكن المؤرخين الغربيين، قد أخفوا تلك الحقيقة بحذر عن قرائهم. لقد ظلت المدنية الإسلامية حائزة على السيطرة لأكثر من 1000 عام. على حين أن المدنية الغربية –كما اعترف تايلور- لم تنتصر في الحقيقة حتى مجيء القرن العشرين.
وحين تم تحقيق النصر للغرب أخيراً واستبعاد المسلمين من تلك المرحلة التاريخية، ظهرت حاجة الغرب إلى نوعين من المفكرين وهما: المؤرخون الذين يقصرون الإسلام والمسلمين على قليل من الفقرات والحواشي في الكتب، والعلماء السياسيون الذين يقومون بتبرير تلك السطوة التي تم تحقيقها. وفي إطار ذلك المخطط لتزييف التاريخ وتكوين الرأي الدنيوي للإنسان وتطوره السياسي استمرت مدنية الغرب المنتصرة حديثاً في استثمار موارد إنسانية ومادية هائلة. وقد كان البند الثالث لتلك الإستراتيجية ذاتها يتمثل في التقليد الجديد لظهور المستشرقين من العلماء، وكان الهدف الرئيسي من ذلك هو التسلل إلى بقايا الكيان الإسلامي وإصابته في الصميم. ولقد شارك المبشرون المسيحيون أيضاً في ذلك المخطط وحصلوا على مكافآت سخية.
ونستطيع الآن أن نرى بوضوح جذور العلوم السياسية (الغربية)، على أن تلك الجذور لم يسمح لها بالانتشار وفقاً لمشيئتها. مثلاً فإنها لم يسمح لها باقتباس أي شيء من الإمام الغزالي، أو ابن تيمية، أو حتى ابن خلدون. وبدلاً من ذلك، فقد تم توفير الرعاية الحذرة لجذور العلوم السياسية الحديثة حتى يتم تفادي أي اتصال مع المسلمين أو مع الإسلام، ويتم تحقيق التوجه المباشر إلى اليونانيين القدماء، والكنيسة في العصور الوسطى، ثم التوجه إلى أوروبا في عهد الإقطاع، ثم في عهد القومية الأوروبية. ومن ثم، فإن فلاسفة الغرب السياسيين حتى وقتنا الحاضر لا يزالون في جدل حول مسائل مثل “طبيعة الإنسان” وهم يحاولون شرح السلوك السياسي في إطار المذهب المسيحي للخطيئة الأصلية”. ويجب أن نضع في أذهاننا تلك الجذور التي تم الإقرار بها عن طريق التضليل، فالعلوم السياسية الغربية مثلها مثل التاريخ الغربي، والفلسفة، والفنون، قد تم استنباطها جميعاً لخدمة أهداف المدنية الغربية.
اختلاف أساسي:
إن التحليل السابق لخلفية العلوم السياسية الحديثة يؤدي إلى طرح السؤال: إذا كانت كل مدنية تحتاج إلى علوم سياسية خاصة بها، فكيف استطاعت المدنية الإسلامية التي استمرت لأكثر من ألف عام أن تحافظ على ذلك الاستمرار دون أن تكون لها علوم سياسية خاصة بها؟
والإجابة على هذا السؤال بسيطة، ولكنها في نفس الوقت تتسم بالتعقيد. فإنه بالنسبة للمسلمين عامة، وبالنسبة للمثقفين والمفكرين والمسلمين، لم تكن السلطة السياسية والسطوة شيئاً جديداً ومفاجئاً يحتاج إلى التبرير، فبالنسبة لهم، وبالنسبة لرجال الدولة المسلمين ورجال الإدارة، كانت السلطة السياسية بمثابة جوهر الإسلام، فهم لم يستطيعوا تصور الإسلام أو تصور أنفسهم خارج نطاق النظام السياسي، فقد كانت الحياة السياسية بالنسبة لهم شيئاً طبيعياً كالحياة ذاتها، وهم سلموا بذلك مثلما كانوا يسلمون بوجود أشعة الشمس، والمطر، والهواء والأرض. فكانوا مثل الأسماك التي لم تكن في حاجة لأن تتوقف وتتساءل لماذا يعد الماء ضرورياً. وحقيقة، فإن سنة النبي تطلبت إقامة نظام سياسي لم يكن من الممكن فهم الإسلام ذاته أو تطبيقه بدونه. ولم تكن هناك حاجة إلى تبرير النظريات أو شرحها.
ولم يبال المسلمون كثيراً بأن منصب الخليفة قد أصبح وراثياً وأصبح في جوهره متماثلاً مع نظام الملكية، طالما بقيت السلطة السياسية والبنيان السياسي الذي يضمن التوسع وتوفير الحماية للإمبراطورية الإسلامية، وكان الحاكم يطلق على نفسه لقب الخليفة، وبالرغم من أنه لم يعد ذلك الحاكم الذي يسقط مصلحته الذاتية من الاعتبار، كان يحوز على الاعتراف والطاعة مثله مثل أمير المؤمنين، إن ذلك يغاير تماماً فكرة الفصل بين الكنيسة والدولة التي سادت تاريخ الفكر والتطور السياسي الغربي، ولقد نظم المسيحيون الأولون أنفسهم كنظام رهباني وليس كوحدات سياسية، أو عسكرية، أو مدنية، ذلك إذا استطعنا القول أنه كان لديهم أي نظام على الاطلاق. ولقد أطاع المسيحيون السلطة الرومانية في جميع الأمور، ثم حدثت المواجهة أخيراً بين الكنيسة والدولة في إطار المنازعات بين الأمور الدنيوية والدينية، ومن الناحية الأخرى، فإن الإسلام قد ابتدأ بتحدي السلطة السائدة، بتكوين نظم مدنية، وعسكرية، وإدارية. وقد تم في حياة النبي محو جميع المعارضة، وتوطيد السيادة للنظام الجديد للإسلام بشكل لا يقبل التحدي. وكما يقول إقبال:
“إن الشئون الروحية والدنيوية في الإسلام لا تعتبر ميدانين منفصلين، وإن طبيعة أي فعل، مهما كانت دنيوية في مضمونها، يتم تقريرها وفقاً للاتجاه الذهني للشخص الذي يقوم بذلك الفعل، أو الخلفية الذهنية الخفية للفعل هي التي تقرر طبيعته في نهاية الأمر. فالفعل يعد دنيوياً أو أرضياً إذا تم أداؤه بأسلوب منفصل عن التعقيد اللانهائي للحياة الذي يكمن فيما وراء ذلك الفعل، ويعد روحياً إذا كان قد استلهم ذلك التعقيد. وفي الإسلام توجد حقيقة واحدة وليست حقيقتان طبقاً لوجهتي نظر كل من الكنيسة والدولة. وليس صحيحاً أن نقول أن الكنيسة والدولة وجهان أو مظهران لنفس الشيء.
إن الإسلام يعتبر حقيقة منفردة غير قابلة للتحليل، تصاغ بطريقة أو أخرى طبقاً لوجهات نظرنا. وإن لتلك النقطة أبعاداً كثيرة سوف يقودنا توضيحها التام إلى مناقشات فلسفية عميقة، ومن الكافي أن نقول أن ذلك الخطأ الذي يرجع إلى الأزمان القديمة قد نتج عن تشعب وحدة الإنسان إلى حقيقتين متمايزتين ومنفصلتين، وهما بكيفية ما لديهما نقطة اتصال، ولكنهما في جوهرهما تتعارضان كل مع الأخرى، ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن المادة تعد بمثابة روح عند وضعها في منظور الزمان- المكان. إن الكيان المسمى بالإنسان يعتبر جسداً عندما ننظر إليه عند قيامه بالعمل في إطار ما نطلق عليه العالم الخارجي، ويعتبر عقلاً أو روحاً عندما ننظر إليه عند قيامه بالعمل في إطار الهدف والمثل الأعلى النهائي لذلك العمل. إن جوهر (التحديد)؛ باعتباره فكرة فعالة، هو المساواة والتكافل والحرية، وإن الدولة، من وجهة النظر الإسلامية تعتبر سعياً لتحويل تلك المبادئ والمثل العليا إلى قوى عاملة في إطار الزمان والمكان، وتعد أملاً لتحقيق تلك المثل العليا في تنظيم إنساني محدد”.
إن كلا من المناقشة السابقة ونقاش إقبال يظهران بوضوح أن فكرة الدولة في الإسلام تختلف بصفة أساسية عن فكرة الدولة القومية الحديثة. وإن كلاً من هذين النوعين يختلف عن الآخر، وليس لديهما أي شيء مشترك فيما بينهما، ففي حين أن الإسلام ينشئ الدولة كأداة لتحقيق الهدف الإلهي، فإن الدولة القومية تظهر في الوجود لسبب مغاير تماماً –أي لاستبعاد الله والاستعاضة عنه (بالمصلحة- القومية). التي يقررها العقل الإنساني- فلننظر فيما قاله أحد العلماء السياسيين الغربيين إن و. ت. جونز قد أيد بودين في أن فكرة السيادة لم تكن معروفة لليونانيين أو المفكرين في العصور الوسطى، ويستمر في القول:
“إن السبب في ذلك هو ظهور أحوال معينة، في بداية أوائل الفترة الحديثة جعلت من الضروري ظهور مخطط نظري جديد. ويقوم ذلك المخطط الذي تم تكوينه على أساس فكرة السيادة، ونظراً لأن نفس الأحوال تسود في الوقت الحاضر، فإن فكرة السيادة لا تزال تحوز على الأهمية الأولى، وإن تلك الأحوال بالطبع هي الخروج من النظام السياسي الإقطاعي للدول القومية الإقليمية، وقد كان من الضروري أن يظهر للوجود ذلك النوع من التنظيم السياسي، أي أن العالم الحديث لم يكن ليتطور بمثل ذلك الأسلوب –المتمثل في الحضارة الصناعية والرأسمالية- لو لم يتم ظهور الدولة القومية الإقليمية، التي تعد أداة لذلك التطور، وتعد في نفس الوقت كنتيجة له… إنهم [ميكافيلي، وبودين، وهوبز] يرون ببساطة، ولكن بوضوح تام، أن الحاكم الأعلى ذا القوة المطلقة –أي السيد- يعد شرطاً لا يمكن الاستغناء عنه في النظام الجديد”.
الموقف الحالي:
لقد أوضحنا الآن بعضاً من المجالات التي صنفناها تحت المفاهيم المختلفة التي تسبب الكثير من التشوش في الفكر السياسي للمسلمين المعاصرين، يستوي في ذلك العلماء السياسيون ذاتهم، والسياسيون، وأيضاً العلماء التقليديون؛ الذين يحاولون تحليل وتعليل الرذائل السياسية في الأمة.
إن ذلك التشوش يجابه أحياناً العلوم السياسية الغربية ذاتها، فحتى الآن لا يوجد أي إجماع بين العلماء بالنسبة لمعنى (السياسة). وبالرغم من أن كلمة (السياسة) politics، قد نشأت عن الكلمة اليونانية Polis) فإنها قد اكتسبت الكثير من المعاني الجديدة، فنجد تعريفات مختلفة للسياسة في كل من “السياسة صراع على القوة” (مورجنثاو)، و “دراسة الأثر والمؤثر” (لأسويل)، و “التوزيع الديكتاتوري للقيم” (إيستون). ولقد استقر برنارد كريك على التعليق البالي القائل بأن “السياسة هي السياسة”، ولقد اقتبس كريك من إسحاق دي إسرائيلي أن السياسة هي “فن حكم الجنس البشري عن طريق الخداع”. والانطباع السائد في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الغرب، هو أن السياسة والسياسيين “لعبة دنيئة”، وأن بعض السياسيين حين يحصلون على مركز كبير، يذهبون إلى مدى وضع أنفسهم “فوق السياسة”. ولقد حاول آخرون “إنقاذ البلاد من السياسيين”. ودائماً ما يقدم النصح إلى رجال الدولة “بألا يدخلوا السياسة في المصلحة القومية”. إن ذلك لا يدهشنا كثيراً في الموقف الذي يكون فيه أسمى نوع من التنظيم السياسي –أي الدولة القومية ذاتها- لا يعترف بقيم أخلاقية، فيما عدا القيم الدنيوية، ومثل تلك القيم لا تكون ثابتة، أو ذات صفة عالمية، فهي تختلف من دولة لأخرى، وكثيراً ما تختلف في الدولة الواحدة باختلاف المواقف وفقاً لما تقضي به (المصلحة القومية) المتضمنة في كل موقف، ولذلك فإنه ليس مما يدهشنا أن تعتبر العلاقات الدولية بين الدول صراعاً على القوة، عن طريق القوة، في سبيل الحصول على قوة أكبر.
لقد قيل ما يكفي لتوضيح الحقيقة الأساسية بالنسبة للموقف الحالي في المناطق المسلمة السائدة في العالم في الوقت الحاضر، والأمر لبسيط. فالعالم الإسلامي الآن ينقسم إلى أمم، وكل أمة لديها دولتها القومية الخاصة بها. (فيما عدا فلسطين وإريتريا وكشمير التي ترزح كل منها تحت وطأة الإحتلال الأجنبي أو الحكم الاستعماري). والدول القومية المسلمة لا تختلف عن جميع الدول القومية الأخرى، فيوجد القليل من الناس –لو كان يوجد أي على الإطلاق- الذين يعترفون بالقيم الأخلاقية، إلا إذا تمت صياغتها في إطار شعارات. وبعض الدول مثل باكستان تضع علماً ملائماً وتطلق على نفسها (الجمهورية الإسلامية)، ولكن الحقيقة هي أن جميع الدول القومية تعد نتاجاً للمدنية الغربية وفترة السيطرة الإستعمارية، وتتماثل أغراض وأساليب وأنماط سلوك تلك الدول جميعها سواء كانت تقع في أوروبا (القارة الأم)، أو أفريقيا، أو آسيا أو أمريكا، وينطبق القياس بالنسبة للدول مثلما ينطبق على حالة العالم السياسي المسلم، حينما يعتبر كشخص مسلم ولكن علومه السياسية (غير مسلمة)، فبنفس الأسلوب تماماً تعد البلدان مسلمة ولكن بنيانها السياسي –أي الدولة القومية- ليس بإسلامي. إن القومية هي النقيض المغاير تماماً للإسلام. ولذلك يجب أن نواجه الموقف ونقر الحقيقة التي لا نستطيع إنكارها: أنه لا يوجد اليوم تمثيل للإسلام من الناحية السياسية، وحقيقة فإن ذلك الطور من التاريخ الذي يقسم السكان المسلمين إلى دول قومية، هو استمرار لفترة الاستعمار الأوروبي، ولكن بدلاً من الحكم الأوروبي المباشر، فإن المؤسسات الغربية هي التي تسود الحكم الآن في البلدان المسلمة من خلال مواطنين مسلمين من نخبة القوم ممن يشاركون الأوروبيين في رأيهم الدنيوي الوثني عن العالم. وحينئذ نستطيع –حقيقة- أن نقول أننا جميعاً نعتبر كأوروبيين، وإننا لا زلنا نرزح تحت نوع من الاستعمار الغربي، وحقيقة فإن اقتصاد (الدول القومية)، المسلمة جميعها يعد (اقتصاداً رأسمالياً ومندمجاً في الإقتصاد الرأسمالي العالمي، والتجارة الخارجية، والمعونة، وعلم المالية وشركات التأمين تمثل الترجمات الحديثة لشركة الهند الشرقية فيما سبق. وعندما ننظر إلى إدعاء أ. ج. ب تايلور القائل بأن انتصار المدنية الغربية تحقق فقط في القرن العشرين، فإنه يجب أن ننظر إليه في إطار تعميم الدولة القومية والثقافة الرأسمالية، إننا الآن نعتبر بمثابة أسرى (مستقلين) للمدنية الغربية.
تجاه علوم سياسية جديدة:
إن العلماء السياسييين المسلمين يجب عليهم أن يتحدثوا الآن باعتبارهم مجموعة من الأسرى، كما يجب أن يقوموا بتعريف شكل ونموذج السجن الذي يعيشون به، ويجب أيضاً أن يضعوا رسماً مفصلاً لذلك السجن. وتوجد لذلك السجن ثلاثة أبعاد: اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، وترتبط تلك الأبعاد معاً عن طريق أروقة فكرية يكون فيها العلماء السياسيون ذاتهم القادة الممثلين كما أنهم في نفس الوقت يكونون بمثابة الضحايا. وبهدف التخطيط والتدبير لإيجاد منفذ للخروج من تلك الأغلال المطوقة تماماً، بالرغم من كونها (مفتوحة)، فإننا نستطيع أن نتصرف إلى حين مثل الأسرى النموذجيين ونختلط بمعذبينا بطريقة لا تثير شكوكهم. ومن الممكن إلى حد ما أن نحوز على ثقة (الحواس). بل ومن الممكن أنهم قد يتعاونون معنا طالما أننا لا نشكل تهديداً لمراكزهم وأدوارهم القيادية على المدى القصير.
لقد وضعنا أنفسنا في ذلك الموقف الذي يشبه الكابوس من خلال جهودنا المتراكمة على مدى مئات من السنين، التي تمثلت في استخفافنا بالأمور وإلغائنا لأمجاد أسلافنا، ولذلك فإننا لا نستطيع في قفزة واحدة أن نخرج من ذلك الشرك الذي وقعنا فيه على مدى التاريخ، إن أقصى ما نستطيع أن نفعله هو أن نضع –أو نبتدئ في وضع- برنامج حكيم يستطيع الجيل القادم من خلاله أن يجد منفذاً للهروب. لقد وقعنا في الشرك الحالي بمقتضى إهمالنا، ولن نستطيع الخروج منه إلا عن طريق وضع التصميمات، إن المجموعة الأولى من المشاكل التي تواجه أي فريق من مهندسي التصميم تتمثل في مشاكل ذات صلة بالمفاهيم، وإنه فقط بعد أن تتم إزالة تلك المشاكل يستطيع من يقومون بوضع النموذج وأن يستمروا في إقامة التجارب، ونأمل أن يؤدي النجاح إلى ازدياد الثقة وازدياد الموارد الإنسانية والمادية بما يمكننا من شن الهجوم النهائي على القوى الطاغية للتاريخ. ولكن المرحلة الأولى تعد بصفة كبيرة –لو لم تكن بصفة تامة- مرحلة لإزالة العوائق المتعلقة بالمفاهيم وتكوين أساليب جديدة للرؤية بالنسبة لتلك المفاهيم، وتبني المشروع برمته وانتقاله إلى المراحل التالية يتوقف بصفة كبيرة على مدى الإتقان في تحقيق المهام الأولية.
ومن الواضح أننا نستطيع أن نطلق على المرحلة الأولى مرحلة (تثقيف) ولكنها المرحلة التي يجب أن يساهم فيها جميع المعلمين أياً كان مجالهم، أما بالنسبة للعالم السياسي، فإن لديه دوراً بارزاً ليقوم به. إن المؤرخ المسلم ليس في حاجة إلى تدوين التاريخ بأسلوب دعائي، وهو أيضاً ليس في حاجة لأن يضع النظريات بهدف إظهار عمق تفكيره وجدارته لنيل الاحترام، فإن الإسلام يضفي الشرعية على العلم، وخاصة العلم الذي يكون موجهاً إلى غاية معينة تهدف إلى تحقيق أشياء حميدة.
إن الأهداف التي يضعها العالم السياسي المسلم نصب عينيه لا تتمثل في الكتابة عن الموضوعات الحديثة الشائعة مثل (النظرية السياسية للإسلام) و (الدولة الإسلامية). فإنه قد تم بالفعل الكتابة في تلك الموضوعات عندما كانت هناك حاجة إليها. والأهداف التي سيتم تحديدها يجب أن تكون نابعة ومشتقة من الموقف الحالي. ونحن باعتبارنا علماء سياسيين نعلم أن “الدولة- القومية” تعد غريبة على الثقافة السياسية الإسلامية، وتعد شيئاً مستورداً من أوروبا. كما نعلم أيضاً أن الجيل الحالي من الدول –القومية المسلمة لم يقدم وليس من المحتمل أن يقدم الحل لأي من المشاكل التي تواجه الأمة الآن. إنه يجب أن نعد طلبتنا وأجيالنا القادمة للوقت الذي سوف تنتهي فيه الدولة القومية ونعد المخطط لتلك الفترة، ويجب علينا أيضاً أن نعد المناخ الفكري بأسلوب يجعله يتطلع إلى الزمن الذي سوف تندثر فيه الدولة- القومية، وسوف يكون اندثارها اختيارياً بالنسبة للبعض وإجبارياً لبعض آخرين، ولكن الخطر يكمن في احتمال انهيار المؤسسات الحالية –بالرغم من مساوئها- قبل أن نكون نحن وشعوبنا على استعداد لتقديم شكل بديل من التنظيم السياسي للاستعاضة عنها، ولا نستطيع أن نتوقع من السياسيين أن يخططوا بهدف الاستعاضة عن أنفسهم وأنظمتهم بشيء بديل، أما بالنسبة للعالم السياسي المسلم، فهو ليس أمامه اختيار آخر.
إن الحركات السياسية الحديثة التي قامت بين المسلمين بهدف “إحياء الطرق والعادات السابقة”، قد فشلت في تحقيق أهدافها. ونحن في حاجة إلى تطبيق عدد من الدراسات النزيهة في محاولة لاستكشاف سبب فشل حركات مثل الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية ويوجد عدد من الأسباب أو مجموعة من الأسباب المحتملة التي يجب أن نفحصها، وتلك الأسباب بالطبع يجب أن تتضمن أشياء مثل بنيان تلك الحركات، والأدوار القيادية بها و (أساليبها)، وغير ذلك من العوامل (الإنسانية)، ولكنه يجب وضع التأكيد الأعظم على الجذور الأساسية لتلك الحركات، و (تقييمها) للموقف الذي حاولت معالجته، والسياسات التي اتبعتها، مثلاً، فإننا نود معرفة ما إذا كانت وجهة نظر الحزب السياسي بالنسبة للتغيير مقبولة؟ هل كان يوجد أي مبرر من ناحية المفهوم أو على أساس الملاءمة والنفعية لأن تقفز الجماعة إلى الاستنتاج أن الإنتخابات من الممكن أن تؤدي إلى النتيجة المطلوبة؟ ما هو وضع النفعية عندما تكون الآراء التي لدينا متعارضة مع قيم وتقاليد الإسلام، هل من الممكن لحركة إسلامية أن تعتنق وسائل غير إسلامية ثم تأمل أن تتوصل إلى الإسلام؟ ما هي (التسويات) الممكنة والمرغوب فيها، إذا وجدت “أي، بالنسبة للوضع (الديمقراطي)”؟ هل يبرر قبول الأسلوب (الديمقراطي) في إطار قومي- رأسمالي؟ وإن المجموعة الأخرى من الأسئلة التي يجب أن نطرحها تتعلق بالمصادر الاجتماعية للحركات الإسلامية الحديثة وملاءمتها. هل كانت تلك الحركات تنتمي إلى (الطبقة المتوسطة)؟ هل كانت تمثل، أو بدت أنها تمثل، المصالح المحلية الثابتة في مجتمعاتها؟ هل نسبت نفسها إلى الطبقات الفقيرة الضعيفة في المجتمع؟ هل أدى الاحتياج للموارد المالية إلى دفع الحركات الإسلامية في أيدي أو في نطاق نفوذ هؤلاء الذين رغبوا في الإبقاء على الوضع الاقتصادي/ الاجتماعي الراهن تحت شعار الإسلام؟ هل بدا أن الحركات الإسلامية تساند الرأسماليين في أفكارهم بالنسبة للتغيير؟ ما هي العبر التي تستطيع الحركات الإسلامية المقبلة الإفادة منها ومن أخطائها الماضية والحديثة والحاضرة؟. أما المجموعة الأخرى من الأسئلة فهي تتعلق (بدرجة كفاءة) العمال المسلمين وطبيعة ومدى التزامهم، وأسلوب حياتهم.
ما بعد الدول- القومية المسلمة:
إن معلمي العلوم السياسية المسلمين تواجههم مهمة صعبة للغاية: أولاً، أنهم يجب أن يبوحوا لطلبتهم ولعامة الناس بحقيقة الدولة القومية وبنيانها ومهامها. كما يجب أن يضعوا مجموعة من المؤلفات التي تثبت أنه ليس باستطاعة الدولة القومية حل أي من المشاكل التي تواجه الأمة الآن، والتاريخ المعاصر يزخر بالحقائق في هذا الشأن. إنه يجب حث دارسي العلوم السياسية المسلمين، بل في الحقيقة معظم الدارسين، على إدراك، أنه يجب أن يتطلعوا ويعدوا أنفسهم إلى الوقت الذي سوف تختفي فيه الدولة القومية باعتبارها شكلاً من أشكال التنظيمات السياسية.
ولكن اندثار الدولة القومية، مهما كان مرغوباً فيه، لا يجب السماح له بأن يترك فراغاً أو أن يؤدي إلى الإضطراب والفوضى، بالرغم من أنه لن يكون من الممكن تفادي بعض الإخلال المؤقت بالتوازن في أثناء التحول والتغيير الأساسي. إن معلم العلوم السياسية يجب أن يصوغ عقول طلبته المسلمين في الاتجاه المؤيد للتغيير. وإن العالم السياسي الذي يعمل بين طلبته ومعهم يجب أيضاً أن تكون استراتيجية شاملة للتغيير، وأن يقدم أيضاً نماذج لعملية التغيير. ويجب أن يشرب المناخ الفكري بتوقعات التغيير حتى يقابل مجيء التغيير ذاته بالترحيب والمساندة من المسلمين في كل مكان.
ولكنه قبل أن يتم التوصل لتلك المرحلة، فإنه يجب على الفلاسفة المسلمين السياسيين (والاقتصاديين والاجتماعيين) أن يقوموا بصياغة صورة للمستقبل تجعل الحاضر غير محتمل. كما يجب أن يتم تكوين مجموعة جديدة من الأنظمة الاجتماعية- الإقتصادية والسياسية الخاصة بالإسلام. ويجب أن تكون تلك النماذج مقنعة بطريقة منطقية وجذابة للغاية حتى تجعل الجيل الجديد من المسلمين بأجمعه يناضل من أجل تحقيقها.
ويعني ذلك أن العالم السياسي المسلم يجب أن يغرس في نفسه وفي طلبته الصفات البدنية والعقلية والروحية المتطلبة في الطور التاريخي التالي. وإذا ما اندثرت الدولة القومية يجب أن يندثر معها الأسلوب الحالي للقيادة ومصدرها الاجتماعي، ومهامها الحالية. ولعلنا قد نضطر إلى تقديم مفهوم جديد تماماً أو مفهوم إسلامي للقيادة، ولعل كلمة القيادة لا تنطبق على العاملين النشطين في نظام اجتماعي إسلامي، فإن جميع الأعضاء في النظام الجديد قد يشاركون بشكل طبيعي وعادي في تطوير الصالح العام حتى يصبح (دور) و (مهمة) القيادة شيئاً مشرباً وراسخاً على جميع المستويات في جميع أنحاء المجتمع.
إننا بالطبع لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل، ولكنه سوف يكون من التهاون أن لا نخطط له، وأيضاً يجب أن نكون واعين وواقعيين بالنسبة للأمد الزمني المتطلب، مثلاً، سوف يكون من المفيد أن نقسم المستقبل إلى ثلاثة مراحل: المدى القصير (وهو الخمس سنوات القادمة) والمدى المتوسط (وهو العشرون سنة القادمة)، والمدى الطويل (من عشرين إلى ثلاثين سنة فأكثر).
إن مسيرة التاريخ تتضمن أن ما سوف يحدث في المدى القصير من المرجح أن يكون بالفعل قد خرج عن نطاق سيطرتنا وتخطيطنا، وإن أقصى ما يمكن فعله يقتصر على بعض المناورات من السلطات العليا والحاكمة، ويستطيع القليل من الأكاديميين أن يأملوا في أن يؤثروا على الأحداث ومسارها على المدى القصير.
وبالنسبة للمدى المتوسط، فإن الوضع ليس بأفضل بكثير، بالرغم من أنه يتحسن عندما نتجه إلى الجزء الأخير من تلك المرحلة، وبالرغم من أن (الأحداث) لا تزال في استطاعتها ممارسة قوة دافعة قوية نابعة من ذاتها، فإنه يكون في الإمكان التأثير على (رد فعلنا) بالنسبة لتلك الأحداث. مثلاً، قد نستطيع أن نطلع أنظمتنا الاجتماعية والإقتصادية والسياسية على مجموعة أوسع من الأشياء البديلة بالنسبة لتقرير أنماط سلوكها، وإن ذلك سوف يؤدي إلى تحسين كفاءة تلك الأنظمة إلى حد كبير، وقد يؤدي أيضاً إلى تحسين الإنتاج لكل وحدة من الموارد بشكل مثير، ولكنه سوف يكون من الممكن لنا على مدى (20- 30 عام) أن نخطط لفترة من النشاطات المكثفة لتحقيق الأهداف الرئيسية المتوسطة، وتلك الأهداف سوف تكون من النوع الذي نطلق عليه (متطلبات أساسية) لتحقيق النصرة النهائية للحركة الإسلامية على جميع القوى الداخلية والخارجية. ولكن مجرد السؤال حول الشكل الذي يجب أن يتخذه ذلك النصر يعد في حد ذاته تحد ما للعلماء الاجتماعيين في الوقت الحاضر.
ولكن الشيء الذي يعلو عن الشك ولا يقبل الجدل هو أن الأعمال العظيمة النابعة من الإرادة والمنبثقة عن تخطيط طويل الأمد هي فقط التي تستطيع أن تنقل الأمة إلى الطور التالي من التاريخ لما بعد الدولة القومية المسلمة.