1- المقدمة
يعد الطعام واحداً من الضروريات ويعتبر أيضاً مصدراً للمتعة، ولكنه من الممكن أن يؤدي إلى مشاكل لو لم يتم تنظيمه بشكل ملائم. وهكذا، فإننا نجد أن الإفراط في الطعام يعتبر مشكلة تثير بعض القلق في مجتمعات
الغرب الغنية في يومنا هذا، خاصة بسبب احتمال وجود علاقة بين الاضطرابات القلبية والإفراط في الطعام.
ونظراً لأن السمنة تعد مشكلة حديثة نسبياً فإن المقارنة بين عادات تناول الطعام في الوقت الحاضر وبينها في الماضي تبدو وثيقة الصلة بالموضوع، وإن التأكيد على ضبط الشهية في الديانات المختلفة يحتم علينا استكشاف التنظيمات الإسلامية المتعلقة بتناول الطعام، نظراً لأن الإسلام هو آخر الديانات.
2- السمنة والإفراط في الطعام
تنتج السمنة عن اختلال التوازن بين الزاد السعري واحتياجات الجسم من الطاقة. وهكذا، فإن معظم حالات السمنة تنتج عن الإفراط في المقدار المأخوذ من الطعام، بالرغم من أنه ليس جميع الأشخاص المصابين بالسمنة يستهلكون كميات كبيرة من الطعام. ومع ذلك فلن تشمل هذه الدراسة حالات السمنة الناتجة عن أسباب أخرى عدا الإفراط في الطعام.
وفي الولايات المتحدة تعد نسبة السمنة الناتجة عن الإفراط في الطعام والشراب مشكلة رئيسية من مشاكل الصحة العامة في يومنا هذا.
وبالرغم من أنه لا توجد احصائيات في الوقت الحالي بالنسبة للانتشار العام للسمنة في المجموع السكاني، فإن المعلومات المتوفرة لدينا تشير إلى ارتفاع نسبة انتشار السمنة بين الأشخاص من جميع الأعمار، وخاصة بين الرجال. إن الأفراد الذين يصابون بالسمنة وهم أطفال يكونون معرضين لمواجهة صعوبة في التخلص من الوزن وفي الإبقاء على أي فقدان في الوزن وعموماً، يميل الرجال إلى ازدياد الوزن بين سن 25 و 40. وغالباً ما تزداد السمنة في الخمسينات. وتميل النساء إلى الازدياد في الوزن بعد اكتمال النمو، وبعد الزواج، وفي خلال الحمل، وبعد سن اليأس.
إن الإفراط في الطعام ليس ببدعة من بدع العصر الحديث. لقد كان الإنسان دائماً يغري على الإفراط في الطعام وعلى الإفراط في الاستجابة لرغباته، ومع ذلك فإن الإفراط في الطعام في معظم النظم الدينية كان يماثل بالشهوة، والتبذير وأحياناً بالإثم أو الهمجية. وفي الوقت الحاضر، أدى التقدم العلمي والتكنولوجي إلى توفير الكثير جداً من وسائل الرفاهية مما جعل الناس أقل نشاطاً، وقد أدى ذلك إلى ازدياد احتمالات السمنة نتيجة لازدياد استهلاك طعام أكثر مما يتطلبه استهلاك الطاقة للفرد ويساهم ذلك الوضع أيضاً في ميل الرجال لازدياد الوزن في سن الثلاثينيات والأربعينيات نظراً لأنهم يصبحون أقل نشاطاً عما كانوا عليه في سن أصغر، وتلك ظاهرة كثيراً ما تلاحظ بين الرياضيين بعد الاعتزال.
3- أسباب الإفراط في الطعام
3-1 الجهل. لقد كان علم التغذية متجاهلاً تقريباً تماماً من جانب المجتمع الطبي، وعلاوة على ذلك، فإنه لا يوجد وعي عام بالنسبة لدور الغذائيات في تنظيم التغذية للأشخاص وفقاً لنظام (لرجيم) معين. وهكذا، فإن من الشائع أن ينقاد الأشخاص المفرطون في الوزن إلى اغراء استعمال المنتجات المعلن عنها تجارياً لإنقاص وزنهم بدلاً من استشارة عالم بالغذائيات. ونظراً لأن معظم تلك المنتجات والوسائل الآلية للإنقاص غير ذات جدوى، بل إن البعض منها يصل إلى حد الخطورة فإن معظم الناس يتخلون عنها بعد تجربتها لفترة، ويعودون إلى أسلوبهم القديم للإفراط في الطعام. وتعد نظم التغذية المختلة التوازن التي يسرف الفرد فيها في تناول أطعمة ذات قيمة حرارية مرتفعة من أكثر أسباب السمنة شيوعاً. وأيضاً توجد أنواع معينة من الطعام تزيد الشهية وتحث على الإفراط في الطعام، بينما تؤدي أنواع أخرى إلى إشباع الجوع وتعطي شعوراً بالرضا. وتساعد تلك الأنواع الأخيرة من الطعام على الحفاظ على صحة الجسم دون وجود مشكلة للسمنة.
3-2 الفقر: يميل الناس الأصحاء نسبياً في المجتمعات الفقيرة إلى ازدياد الوزن نظراً لأن الأطعمة التي تؤدي إلى السمنة تكون هي أرخص الأطعمة وأكثرها إشباعاً. والفقراء دائماً ما يكونون مهددين بالجوع. وهكذا فحين تتاح لهم الفرصة لتناول أكبر قدر ممكن من الطعام فهم يحاولون ألا يضيعوها. وتكون تلك الحالة بصفة خاصة في حالة الافتقار إلى الإيمان القوي بالله، وانعدام الثقة بالآخرين، وكون المجتمع غير تعاوني.
3-3 تناول الطعام للمتعة: يقوم الإنسان الحديث في المجتمع الصناعي بالعمل بكد بالغ معظم اليوم حتى يكسب قوته، وبعد العمل على مدى ساعات فإنه يتطلع إلى شيء لتخفيف التوتر، والاجهاد والتعب المرتبط بعمله. وهو يحصل على متعته الرئيسية، أو غالباً الوحيدة، من الطعام والشراب. إن تناول وجبة دسمة، وإشباع حاجاته الجسدية، والحصول على نوم هانئ يجعله يجتاز باقي اليوم والمساء بأقل جهد. وبعد استعادته لقوته، فإنه يستطيع أن يواصل اليوم التالي، عاملاً بكد حتى يحصل على نقود أكثر ليقوم بشراء طعام أكثر. بصرف النظر عن ذلك الروتين اليومي، فإن لديه هدفين. هدف قصير الأمد وهو الحصول على أجازة لبضعة أيام يستطيع فيها أن يبتعد عن الحياة الروتينية ويسافر إلى أماكن بعيدة، ويتناول نفس الطعام أيضاً ويذهب إلى عدد أكبر من المطاعم. أما الهدف الآخر طويل الأمد فهو تأمين حياة ملائمة عند التقاعد يستطيع أن يتمتع فيها بوجبة جيدة في مقعد مريح. وباختصار، فإنه غالباً “يعيش ليأكل” و لا “يأكل ليعيش”. إن ذلك النمط من السلوك قد كان هو النمط النموذجي لجميع المجتمعات التي تميل إلى المادية طوال التاريخ.
3-4 مشاريع التنمية للطعام: إن جميع وسائل الإعلام في الولايات المتحدة يتم تمويلها بواسطة الإعلانات التجارية، ودائماً ما يكون التوجه إلى رغبات الناس وإثارة شهواتهم هو أسهل الطرق وأكثرها مباشرة لاجتذاب المستهلكين. ويأخذ الطعام نصيباً كبيراً من المساحة الإعلانية نظراً لكونه ضرورية يومية. إن المطاعم، والأشخاص وهم يأكلون باستمتاع شديد، والصورة الفاتحة للشهية للأطعمة المختلفة هي بعض المناظر التي يقابلها الشخص العادي يومياً على شاشة التليفزيون وفي الصحف والمجلات.
3-5 تناول الطعام التعويضي: لقد تمت إقامة سلسلة من الدراسات على مجموعة من الأشخاص المصابين بالسمنة (3، ص 102). وقد كانت واحدة من تلك المجموعات مكونة من 12 شخصاً متكيفين تماماً مع سمنتهم وراضين عنها. وقد اعترفوا جميعاً أن حياتهم كان من الواضح أنها تفتقر إلى شيء ما. وقد كانت الأمثلة النموذجية لمشاكلهم هي: زوجة الطيار التي كان عليها أن تتحمل الافتراق المتكرر عن زوجها، والمرأة المتزوجة التي لم تكن على وفاق مع زوجها والتي كان أطفالها المراهقون يبتعدون عنها، والمرأتان اللتان كانتا بلا أطفال واللتان اتخذتا الإفراط في الطعام الذي استحوذت عليهما فكرته كتعويض عن عدم قدرتهم على إنجاب الأطفال، والثلاث جدات اللاتي يعانين من الوحدة واللاتي كان أمامهن الكثير من وقت الفراغ. ويوجد كثير من الناس يتجهون إلى الإفراط في الطعام بدلاً من مواجهة مشاكلهم أو التحول إلى أشخاص مكتئبين أو مصابين بأعصابهم، كما يوجد الذين يحاولون التغلب على الاجتهادات الثانوية للحياة اليومية عن طريق الإفراط في الطعام، والتدخين، وشرب الكحوليات، وأخذ المخدرات أو قضم أظافرهم.
وقد وجد الباحثون في بعض الدراسات أن بعض البالغين يفرطون في الطعام لأنهم يريدون أن يحصلوا على أجسام كبيرة ليعوضوا شعوراً بالنقص، ويكون لديهم اهتمام راسخ بأن يحتفظوا ببدانتهم (3، ص 100). وترجع تلك الظاهرة إلى بقايا الحضارة اليونانية في المدنية المعاصرة. وتحت تأثير ذلك الميراث الدنيوي نفسه، فإن النساء في بعض المجتمعات يفرطن في الطعام في محاولة للحصول على المقاييس في أجزاء معينة من الجسم. ويحثهم على ذلك نموذج الأنثى البالغة الكمال الجميلة التي كانت هي الموضوع السائد عند النحاتين والرسامين في المجتمعات الوثنية القديمة. ونظراً لأن الدافع لتجميل الجسم في الكثير من المواقف يكون نتيجة لمشاعر بالنقص. ولأنه ليس من الممكن تغيير حجم أحد أجزاء الجسم عن طريق الإفراط في الطعام بدون التأثير على باقي الجسم، فإن النتيجة النهائية تكون هي الإفراط الشديد في الطعام والإصابة بالسمنة. وإننا دائماً ما نلاحظ أن الرغبة في الحصول على جسم ضخم أو أجزاء ضخمة في الجسم تكمن في الأشخاص ذوي الذكاء المنخفض نسبياً. وقد ورد ذكر مثل هؤلاء الأشخاص في القرآن.
“وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة” (المنافقون 63: 4)
3-6 تناول الطعام تحت ضغط: لقد تمت دراسة مجموعة مكونة من عشرة نساء غير سعيدات ومصابات بالسمنة. وقد كان معظمهن يواجه عوامل ضغط رئيسية وواضحة أو كن يعانين من أمراض موهنة للعزيمة (3، ص 101). وفي بعض الحالات كان يتبع الصدمة العاطفية الشديدة هجوم مفاجئ للسمنة، ولقد كان لدينا مثل لامرأة ذات 23 ربيعاً ولديها طفلان. وقد أصيب الطفل الأصغر، وسنه 15 شهر، بشلل الأطفال الذي تسلط على رجله اليمنى وأدى إلى بعض الشلل. وقد ازداد وزن الأم بمعدل 15% منذ إدخال ابنها إلى المستشفى. (3، ص 103).
إن معظم الناس الذين يفرطون في الطعام تحت ضغط لا يكون هدفهم هو متعة الاسترخاء الناتج عن تناول الطعام، وذلك باستثناء الحالات البسيطة للاجتهادات العاطفية –وهم يفعلون ذلك بصفة أكثر كعقاب بدني ذاتي. وفي بعض الحالات يفرط الناس في تناول الطعام ليحولوا التوترات العاطفية والعقلية إلى أعراض بدنية، مثل آلام المعدة والقرحة والأعراض الأخرى المتصلة بتحميل النظام الهضمي ما هو فوق طاقته. إن تلك الآلات البدنية قابلة للشفاء وتستطيع إعفاء العقل من كثير من الضغوط العقلية التي لا يمكن علاجها، ومن الناحية البيولوجية، فإن ذلك في الواقع يعد تحويلاً لمركز النشاط من المخ إلى المعدة.
وفيما مضى، كان الناس كثيراً ما يضربون عن الطعام عند مواجهتهم لصدمة عاطفية في محاولة لإنهاء حياتهم. ويظهر ذلك في كثير من القصائد الشعرية القديمة والخرافات ولا يزال يظهر من وقت لآخر بين المحبين من صغار السن في المجتمع الشرقي.
وفي العصور الوسطى كان الوجه الشاحب وفقدان الشهية يعتبران من أعراض الفشل في الحب، وقد كان الأطباء، مثل ابن سينا، يستخدمون كلمة “أسقام” (مرض) كمرادف لكلمة غرام (وهو الشكل المبالغ فيه من الحب الرومانسي).
وفي المجتمعات المفتوحة في يومنا هذا تؤدي الصدمة العاطفية إلى رد فعل عكسي، وهو الإفراط في الطعام ومن ثم التحول إلى السمنة. ويعد ذلك رد فعل طبيعي لشخص فقد رفيقه الاهتمام به/ بها، ينشأ كهجوم مضاد لمعاقبة الرفيق لفقده/ أو فقدها الاهتمام. ومبدئياً، يهتم الإنسان بمظهره ليرضي رفيقه، ومن ثم فإن تناول الطعام والتحول إلى السمنة هو نوع من الإهمال يشير إلى عدم الرضاء أو يكون رد فعل لعدم رضاء الشخص الآخر. وينطبق ذلك بصفة خاصة على السيدات المتزوجات، فالفشل المتواصل في العلاقات مع الجنس الآخر قد يؤدي إلى الإفراط المستمر في الطعام. ونظراً لأن الإفراط في الطعام من المفترض أنه شيء قابل للتحكم وأن السمنة ليست بالضرورة حالة دائمة فإنه مما يكون أكثر ملائمة وأقل إيلاماً أن يلوم الإنسان نفسه على ذلك المظهر البدني القابل للعلاج بدلاً من إرجاعه ذلك إلى خلل ذاتي آخر خطير. إن ذلك هو رد فعل شائع خاصة فيما بين المسنين الغير متزوجين.
إن شرح القرآن للأشياء التي سوف يعانيها الآثمون في جهنم يعد أكثر البراهين إذهالاً بالنسبة لانقياد الناس للإفراط في الطعام عندما يواجهون ضغطاً أو قلقاً أو يأساً. وقد وضعت أولاً. انجازات المؤمنين الأكثر أهمية، ثم أقيمت المقارنة بما سوف يقابله الآثمون في جهنم.
“إذلك خير أم شجرة الزقوم. إنا جعلناها فتنة للظالمين. إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم. طلعها كأنه رءوس الشياطين. فإنهم لأكلون منها فمالئون منها البطون” (الصافات/ 37: 62- 63).
“لآكلون من شجرة من زقوم. فمالئون منها البطون. فشاربون عليه من الحميم. فشاربون شرب الهيم” (الواقعة/ 56: 52- 55).
3-7 الإفراط في الطعام الناتج عن القلق: إن القلق أيضاً يؤدي إلى الإفراط في الطعام. إن الكافر الذي يعاني من صراع بين منطقية الحقيقة وبين تعلقه بخرافاته وأفكاره المشوهة يكون في حالة قلق قصوى، وحتى الكافر الذي يكون جاهلاً بالحقيقة يخضع للقلق المصاحب للخوف من الموت، والشك فيما سوف يلاقيه بعده، والشعور بالخواء والضياع في الحياة التي تفتقر إلى معنى:
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة محلبة فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حلابها ثم أخرى فشرب حتى شرب حلاب سبع شياه ثم أنه أصبح فأسلم فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فشرب حلابها ثم أمر بأخرى فلم يستتمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “المؤمن يشرب في معي واحد والكافر يشرب في سبعة أمعاء” (مسلم)
4- ضبط تناول الطعام
4-1 الاكتئاب المتسبب عن الرجيم من بين 100 شخص من المصابين بالسمنة الذين زاروا عيادة التغذية بمستشفى نيويورك فإن 72 منهم كانوا قد قاموا بعمل الرجيم قبل ذلك وكان 34% منهم يشكون من أعراض ضعف، وعصبية، وحدة في الطبع وتعب نتيجة للرجيم (3، ص 105) ومن بين 25 حالة من حالات السمنة الشديدة، كان 9 منهم مصابين باضطرابات عاطفية متسببة عن الرجيم وكان هناك 20 معتادين على تناول الطعام خلال الليل وكانوا يعانون من الأرق. ويوجد خطر حقيقي في الاستمرار في محاولات الرجيم الصارم بدون إدراك الحاجات المعينة لكل حالة وخلفية كل فرد. ومع ذلك فإنه من المعتقد في الممارسة العامة أنه ليس من المحتمل أن يتسبب الرجيم في الاكتئاب لو لم يكن هناك تاريخ سابق من المرض النفسي (3، ص 105)
4-2 تأثيرات بيئة وظروف تناول الطعام: في تجربة لدراسة تأثيرات ظروف تناول الطعام على الأفراد، تم وضع شخصين أحدهما بدين والآخر عادي لفترات تتراوح من أسبوع إلى شهور عديدة على رجيم رتيب يتكون من سائل غير حريف لا يثير الشهية. وقد كانت ظروف تناول الطعام خالية من أي زخارف اجتماعية أو عائلية وكان تناول الطعام يرجع كلية لتقدير الفرد. وقد تمت ملاحظة اختلاف مثير بين سلوك تناول الطعام للشخصين عند البدء الحقيقي للتجارب.
وفي الواقع فإنه قد بدا أن كل شيء كان يؤثر بشكل رئيسي على سلوك تناول الطعام بالنسبة للبدين، ولم يكن هناك أي تأثير تقريباً على لاشخص العادي. لقد أوحت تلك التجربة بأن سلوك تناول الطعام للشخص البدين ليس له صلة تقريباً بحالته الداخلية، في حين أنه بالنسبة لكل من الشخصين يبتدي بضبط تناول الطعام وينتهي بمؤثرات خارجية.
وفي دراسة أخرى وضع شخص تحت المراقبة الخارجية وسمح له بالتجول ماراً بمحل للفطائر الحلوة كان الطعام معروضاً به، ودخل ذلك الشخص إلى المحل واشترى بعض الفطائر بالرغم من أنه كان قد أكل بالفعل وقد تكرر نفس الفعل عند كشك لشطائر اللحم البقري كان يستطيع أن يشم ويرى الطعام به، ولم يستطع ذلك الشخص مقاومة الاغراء. بالرغم من أنه كان قد تناول وجبة كبيرة فقط قبل التجربة (4، ص 753).
إن العوامل الخارجية مثل الشم والنظر، والتذوق ورد فعل الأشخاص الآخرين تجاه الطعام يكون لها أثر على سلوك تناول الطعام. ومع ذلك فإن الحالة الداخلية للأشخاص العاديين يكون لها أثر على سلوكهم مثلها مثل العوامل الخارجية، خاصة في حالة عدم وجود جوع فسيولوجي.
4-3 تأثيرات التذوق ونوع الطعام: لدراسة تأثير التذوق كحافز خارجي على تناول الطعام، أقيمت تجربة على ثلاث مجموعات من الناس ذوي الوزن الناقص، والعادي والبدين.
وبإبعاد جميع المؤثرات الخارجية فيما عد التذوق، عرض على هؤلاء الأشخاص نوعان من جيلاتي الفانيليا وكان أحد النوعين لذيذاً وغالي الثمن وكان الآخر مزيجاً حريفاً من الفانيليا الرخيصة. وعندما عرض الجيلاتي ذو النوع الجيد، كان معدل الاستهلاك مرتفعاً بالنسبة للبدناء، ومعتدلاً للعاديين ومنخفضاً لناقصي الوزن. وقد انعكس المعدل بين البدناء وناقصي الوزن عندما عرض الجيلاتي ذو النوع الردئ، وقد أكل الأشخاص العاديون أقل مما كان متوقعاً. ويؤدي ذلك إلى الافتراض أن الحوافز الغير غريزية المؤثرة على التذوق، والعوامل الخارجية بصفة عامة يكون لها تأثير مختلف على سلوك تناول الطعام. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه وجد أن قوة المؤثرات الخارجية مقابل المؤثرات الداخلية على سلوك تناول الطعام تتصل بشكل مباشر بدرجة انحراف الوزن الشخصي عن القاعدة.
5- التنظيمات الإسلامية
5-1 الاعتدال والمشاركة: لقد وضع دين الإسلام منذ أربعة عشرة قرناً على أساس التنظيمات الغذائية معيناً أيضاً الحدود التي يستطيع فيها الإنسان اشباع حاجاته الجسدية دون أن يعرض حياته أو صحته العقلية للخطر. وباختلافه عن النظم التي هي من صنع الإنسان والخرافات، فإن دين الإسلام الذي أوحى بطريقة إلهية (بواسطة رسل الله إبراهيم، وموسى، وعيسى وفي شكله النهائي بواسطة محمد) قد حث الناس على التماس طيبات الحياة الآخرة وطيبات الدنيا بشكل متوازن. وقد علم الإنسان أن يتمتع بمسرات الحياة الدنيا، بما في ذلك الطعام، بطريقة معتدلة، فلا يصبح عبداً لرغباته ولا يضل عن طريق هدفه الروحي النهائي.
إن تناول الطعام للحفاظ على الحياة، وللحصول على الصحة واللياقة البدنية ليستطيع الإنسان القيام بواجب طاعة الله ونشر رسالته هو واحد من وصايا الإسلام.
ولم يسمح النبي محمد عليه السلام للمسلمين أن يصوموا بشكل يكون من الممكن أن يعرض حياتهم للخطر أو يؤدي إلى الضعف والمرض، بالرغم من أن الصيام يعد عملاً من أعمال العبادة.
إن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أن رسول الله قد قال: “بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل فلا تفعل فإن لجسدك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً فصم وافطر وصل ونم –صم من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صوم الدهر. قال عطاء فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا صام من صام الأبد” (البخاري ومسلم).
لقد كان ذلك هو الأمر بالنسبة للصوم التطوعي. ويسمح للمسلمين أيضاً بأن يفطروا في رمضان الذي يعد الصيام فيه إجبارياً عندما يكون هناك خطر على صحتهم. وقد شجع النبي المسلمين على استعمال ذلك التصريح كأسلوب لإرضاء الله.
قال أنس كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أكثرنا ظلا صاحب الكساء فمنا من يتقي الشمس بيده فسقط الصوام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ذهب المفطرون اليوم بالأجر” (البخاري ومسلم).
ومن الناحية الأخرى، ينصح المسلم بأن يتجنب التطرف، وبأن يتبع أسلوباً معتدلاً في جميع أموره، بما في ذلك عادات تناوله للطعام، ويجب عليه تجنب الإفراط في الطعام وهكذا يقول القرآن: “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” (الأعراف 7: 31)
“كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه” (طه 207: 81)
وقد اعتاد النبي عليه السلام أيضاً أن ينصح المسلمين باجتناب الإفراط في تناول الطعام ولقد كان هو ذاته يعد أفضل مثل على الالتزام.
ويشجع الإسلام المسلمين على التمتع بالحياة في نطاق حدود معينة. وقد كانت تلك الحدود تؤخذ من الشريعة التي كانت مبنية على أساس القاعدة الذهبية، وهي “لا تؤذ أو تكن سبباً للأذى” سواء بالنسبة للشخص ذاته أو للآخرين. ويحث الإسلام الأفراد أيضاً على أن يقنعوا بالقليل وأن يجتنبوا الجشع، ومن ثم فهو يخلد للشعور بالقناعة التي تؤدي إلى السعادة وقد أكد النبي عليه السلام في كثير من المناسبات سعادة المشاركة التي هي عكس الإفراط في التمتع بطيبات الحياة. وهكذا، قال جابر بن عبد الله أنه قد سمع النبي يقول: “طعام الواحد يكفي الإثنين، وطعام الإثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية” (مسلم).
وكثيراً ما تحدث بتوسع عن واجب المسلم لكبح الشراهة خاصة في تناول الطعام. ويبدو هذا واضحاً في موقف معين رواه ابن عمر عندما منع النبي أي شخص من تناول تمرتين معاً دون أن يلتمس الإذن من رفاقه. (البخاري ومسلم).
5-2 تناول الطعام سوياً: إن تناول الطعام سوياً يؤدي إلى خلق الانسجام والتفاهم بين الناس، والعائلة السعيدة النموذجية هي التي يتناول جميع أفرادها الوجبات اليومية في نفس الوقت وعلى نفس المائدة، وتعتبر علامة الزواج السعيد في الولايات المتحدة هي أن يخرج الزوج والزوجة كثيراً لتناول الغذاء سوياً. وإن تناول العديد من الوجبات سوياً هو أسلوب الشباب المقبلين على الزواج حتى يتعارفوا كل على الآخر ليعرفوا بعضهم البعض ويقووا علاقتهم. وتعتبر قدرة الفتاة على تقديم طعام شهي للرجل علامة مباشرة على قدرتها على إسعاده.
إن الناس دائماً يشعرون براحة أكثر عندما يتناولون الطعام في مجموعة. فإن عقولهم تكون أقل استغراقاً في أعمالهم اليومية ويكونون أقل انشغالاً بمشاكلهم. وهكذا يكون الناس أكثر قدرة على الاتصال ببعضهم. وإنه يتم حتى الاتفاق على صفقات الأعمال بطريقة أنجح عندما يكون ذلك في خلال تناول العشاء أو الغداء أكثر مما لو تم ذلك داخل المكاتب. وحتى الشكوك والريب يكون من الممكن تبديدها عن طريق تناول الأشخاص للطعام سوياً، حتى إذا لم يطرقوا الحديث الصريح لإزالة تلك الشكوك.
وقد لفت النبي عليه السلام انتباه المسلمين إلى أهمية تناول الطعام سوياً. وقد روى عمر بن الخطاب أن رسول الله قد قال: “اجتمعوا على طعامكم يبارك لكم فيه” (ابن ماجه).
ولكن ذلك لا يعني تناول الطعام في المآدب والحفلات.
ولقد أشرنا في القسم 3 إلى أن الإفراط في الطعام، سواء أكان كطريقة للتعويض أو كان بسبب التوتر العاطفي، كان ينطبق غالباً على الأشخاص الذين يأكلون بمفردهم. وبالإضافة إلى الشقاء المتسبب عن كون الإنسان وحيداً وسط مجتمع مزدحم، فإن الأشخاص الذين يأكلون بمفردهم غالباً لا يكون باستطاعتهم أن يجلسوا لتناول طعامهم بعقل صاف كما يفعل الآخرون. وهكذا، فإن سلوكهم البدني يتأثر كثيراً بحالتهم النفسية. وبالإضافة إلى ذلك: فإن من الصعب الحصول على الإشباع من الطعام في حالة شرود العقل في الأفكار. ويبدو أن الجهاز العصبي يعجز عن القيام بعمله بطريقة سوية في تلك المواقف، مثلما في حالة الأمراض البدنية وفي جميع المواقف الشاذة الأخرى.
حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثني وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: “لعلكم تفترقون؟” قالوا: نعم. قال: “فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه” (سنن أبي داود).
6- نظام غذاء النبي
إن الدراسة الدقيقة لعادات تناول الطعام في الأوقات المبكرة للإسلام تظهر وجود علاقة بين نوع الطعام المستهلك والمقدرة على ضبط تناول الطعام ويعد النبي عليه السلام أفضل مثل للقدرة على التحكم في الرغبات. ومن هذا نستطيع أن نلقي نظرة أكثر دقة على نوع الأطعمة التي كان يحبها ويوصي بها:
“لقد قالت عائشة أن رسول الله كان يحب الحلوى والعسل” (البخاري).
قالت عائشة عن النبي أنه قال “لا يجوع أهل البيت عندهم التمر” وكرر ذلك ثلاث مرات ليؤكده ثم قال “يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله” (مسلم).
عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن في عجوة العالية شفاء أو أنها ترياق أول البكرة” (مسلم).
وروى ابن عباس عن رسول الله أنه قال: روت عائشة أن النبي كان يأكل البطيخ بالرطب فيقول: “يكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا” (الترمذي، حسن غريب: حديث شريف).
وإن السلاميين ابنى يوصي قد رويا أنه عند مجيء رسول الله لزيارتهما فإنهما قدما إليه الزبد والتمر، لأنه كان يحب الزبد والتمر (أبو داود).
وقال ابن عباس أن الطعام الذي كان يفضله رسول الله كان هو الثريد المصنوع من الخبز والثريد المصنوع من الحيس. (أبو داود).
وروى ابن عباس عن رسول الله أنه قال: “من أطعمه الله الطعام فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا ًمنه، ومن سقاه الله لبناً فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه” وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ليس شيء يجزى مكان الطعام والشراب غير اللبن” (الترمذي وأبو داود)
وروى أبو أسيد الأنصاري عن رسول الله أنه قال: “كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة” (الترمذي، وابن ماجه ودارمي).
روى أبو هريرة عن رسول الله أنه قال: “ومن لعق العسل ثلاث غدوات كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء” (ابن ماجه).
وفي عام 1952 قامت مجموعة من طلبة الجامعة في الإسكندرية، مصر، من ذوي الأوزان المختلفة باتباع رجيم مكون من اللبن والبلح فقط، تحت الإشراف الطبي. ولم تكن هناك أية تقييدات عدا نوع الطعام. وفي خلال اتباع ذلك الرجيم، كان هؤلاء الطلبة يقيمون بمعسكر يتطلب الجهد البدني. وقد استطاع هؤلاء الذين كان لديهم مشاكل الازدياد في الوزن الناتج عن الإفراط في الطعام أن يكبحوا شهيتهم حتى تصل إلى الحد الطبيعي دون فقدان متعة للطعام.
وتدريجياً أصبح الشعور بالجوع أقل حدوثاً عنه في أول الأمر. وبعد التجربة استطاع 60% من هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من مشاكل ازدياد الوزن أن يعودوا إلى نظام الغذاء المعتاد دون العودة إلى عادات الإفراط في الطعام. وقد شعر الأشخاص ذوو الوزن الناقص والوزن العادي بازدياد في الشهية، ولكنه لم يحدث أي ازدياد في الوزن (قد يكون ازدياد الشهية ناتجاً عن الجهد البدني).
وعلاوة على ذلك، فإنه لم يتم تسجيل أي حالات من الدوار الذي كان يزامل محاولات الرجيم السابقة من بعض الأشخاص البدناء. وقد كان ذلك يرجع للحقيقة: أن نسبة السكر في الدم ظلت على معدلها الطبيعي بسبب تناول البلح بالرغم من أن كمية الطعام المأخوذة بصفة عامة قد أصبحت أقل.
7- ملاحظات نهائية
يزداد احتمال الزيادة في الوزن بالنسبة للرجال والنساء في خلال فترات معينة من حياتهم أكثر من غيرها. وهذا بصرف النظر عن البالغين ممن كانوا مصابين بالسمنة في طفولتهم. إن طبيعة الحياة الحديثة تجعل كل فرد عرضة للإصابة بالسمن . ويؤدي عنصر الافتقار إلى الإيمان إلى أن يكون الجيل الجديد أكثر تعرضاً للإصابة بالسمنة عن الأجيال القديمة. لقد حاولت معظم الديانات فرض كابح قوي على الرغبة في تناول الطعام ومن الناحية الأخرى فإن الإسلام قد اختار أسلوباً معتدلاً لتنظيم تناول الطعام.
إن الإفراط في الطعام غالباً ما يكون نتيجة لتفوق الرغبة في تناول الطعام على قوة الإرادة. ولكن الإفراط في الطعام في كثير من الحالات يكون رد فعل لعوامل نفسية. وهكذا، فإنه ليس من الضروري أن يتم التوصل إلى التحكم الملائم في الوزن عن طريق كبح الشهية أو فرض رجيم صارم. ففي الكثير من الحالات يكون التغير الجذري في الحالة العقلية والروحية للشخص البدين هو الحل الوحيد الذي لن تنتج عنه تأثيرات جانبية أو نكسات.