صياغة إسلامية لدالة المصلحة الاجتماعية (3) (نصوص مختارة تتعلق بموقف الإسلام من الاستهلاك)
العدد 17
النصوص المختارة التالية وعددها يتجاوز السبعين مؤلفة من آيات كريمة وأحاديث شريفة وأقوال للفقهاء.
وقد اقتصرنا في الأحاديث على ما بلغ في رأي المرجع الذي نعزو إليه مرتبة الصحيح أو الحسن.
وأهم المراجع التي استند إليها بعد القرآن الكريم:
1- صحيح مسلم: طبعة استانبول (1332هـ) وحين العزو إلى صحيح مسلم اعتمدنا على حواشي تلك الطبعة في شرح بعض الألفاظ والمعاني.
2- الأدب المفرد: للإمام البخاري.
3- الكلم الطيب: للإمام ابن تيمية –تحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني مع تخريجه لأحاديثه.
4- الجامع الصغير: للإمام السيوطي.
5- فيض القدير شرح الجامع الصغير: للإمام المناوي: وقد اعتمدنا رأيه (في غالب الأحيان) لتحديد درجة أحاديث الجامع الصغير التي أوردناها كما اعتمدنا شرحه لمعانيها.
6- المفردات في غريب القرآن: للراغب الأصفهاني.
7- الأدب النبوي: للأستاذ محمد عبد العزيز الخولي رحمه الله وقد استندنا إليه في فهم بعض الأحاديث من صحيحي البخاري ومسلم.
ملاحظة عن الترتيب:
وزعت النصوص مرقمة على عشر زمر تنسجم تقريباً مع تسلسل مناقشتنا لموضوع الاستهلاك. ولا شك أن أكثر النصوص تمتد دلالتها إلى عدة زمر في وقت واحد وهذه الزمر هي:
1- لا تناقض بين الدنيا والآخرة وإباحة الطيبات (النصوص 1.1- 1.3).
2- ابتغاء الآخرة هو الأساس (النصوص 2.1- 2.2).
3- أوامر الله هي هداية لتحقيق مصلحة الإنسان وليست قيوداً نضحي بمصلحة الإنسان لتحقيقها (النصوص 3.1- 3.8).
4- الاستهلاك والسعي لأجله منه ما هو فرض أو مباح أو حرام (النصوص 4.1- 4.16).
5- أولويات الاستهلاك وحدوده (النصوص 5.1- 5.12).
6- الترف (النصوص 6.1- 6.4).
7- حسن النية والشكر هما مناط الثواب على الاستهلاك (النصوص 7.1- 7.9).
8- تكامل الاستهلاك والاستعمال للأشياء مع العقيدة (النصوص 8.1- 8.6).
9- الاستهلاك مع كفران نعمة الله أو تجاهل الآخرة أو رفض مشاركة المحتاجين (النصوص 9.1- 9.8).
10- البخل والزهد المؤذي (النصوص 10.1- 10.10).
1- لا تناقض بين الدنيا والآخرة وإباحة الطيبات:
(1.1) قال تعالى: “فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق. ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب” (البقرة 2/200- 202).
(1.2) وقال تعالى في سورة إبراهيم: “الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره، وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه. وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار” (14-32-34).
(1.3) قال تعالى: “والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون. وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، إن ربكم لرؤوف رحيم. والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون. وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر، ولو شاء لهداكم أجمعين”.
“هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون، ينبت لكم به الزرع والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون. وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون. وما ذرأ لكم في الأرض مختلفاً ألوانه، إن في ذلك لآية لقوم يعقلون”.
“وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله، ولعلكم تشكرون”.
2- ابتغاء الآخرة هو الأساس:
(2.1) قال تعالى: “وما أوتيم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها، وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون؟ أفمن وعدناه وعداً حسناً فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين” (28/60- 61).
(2.2) قال تعالى: “وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين” (28/77).
3- أوامر الله هي هداية لتحقيق مصلحة الإنسان وليست قيوداً نضحي بمصلحة الإنسان لتحقيقها:
(3.1) “طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى” (20/1-2).
(3.2) “يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما” (2/219).
(3.3) “يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون. يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون؟” (5/87-91).
(3.4) قال تعالى: “حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام، ذلكم فسق. اليوم يئس الذين كفروا من دينكم لا تخشوهم واخشون. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً، فمن اضطر غير باغٍ غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم”.
“يسألونك ماذا أحل لهم؟ قل أحل لكم الطيبات” (5/3-4).
(3.5) وقال تعالى: “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعملون. قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون” (7/32-33).
(3.6) وقال جل وعلا: “الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم..” (7- 157).
(3.7) وقال تعالى في سورة محمد: “فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم” (47- 22).
(3.8) وقال في سورة الأنفال: “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم” (8- 24).
4- الاستهلاك والسعي لأجله منه ما هو فرض أو مباح أو حرام:
(4.1) ذكر الفقيه العلامة ابن عابدين في أول باب الحظر والإباحة من كتابه (رد المختار): الأكل والشراب بمقدار ما يدفع الإنسان به الهلاك عن نفسه ويتمكن به من الصلاة قائماً ومن الصوم فرض يثاب عليه.. ولا يجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء العبادة. والعبارات المشابهة كثيرة في كتب الفقه.
(4.2) قال تعالى: “…وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله” (المزمل، 73-20).
(4.3) وفي الحديث “كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته” رواه مسلم 3 ص 78، والمقصود حبس القوت عن الرقيق. ولفظ الجامع الصغير للسيوطي “كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت” أي من يلزمه قوته. والكلام هو في الموسر القادر على نفقة عياله. أما المعسر العاجز عن إطعام مملوكه فيكلف بيعه أو تركه يسعى ويكتسب قوته.
(4.4) وفي حديث أبي الدرداء “أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بتسع.. وأنفق من طولك على أهلك…” الأدب المفرد للبخاري رقم 18. والطول هنا المال.
(4.5) جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد. فقال: “أحي والداك؟” قال: نعم. فقال: “ففيهما فجاهد” متفق عليه، مسلم ج8 ص 3 والمقصود بذل المال وتعب البدن وهما من لوازم الجهاد. (والمفترض أن ذلك في غير حالة الاستنفار العام لكل من يستطيع حمل السلاح).
(4.6) وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه “قلت يا رسول الله أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت الثلث؟ قال: فالثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ما في أيديهم، وإنك مهما أنفقت من نفقة فإنها صدقة حتى اللقمة ترفعها إلى امرأتك..” متفق عليه أي أن لها ثواباً مثل ثواب الصدقة.
(4.7) مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحابه من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله. فقال: “إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان” (رقم 2661 في الجامع الصغير وصححه).. قال المناوي أي خرج يسعى على ما يقيم به أود الصغار أو الأبوين، أو يعف نفسه عن المسألة للناس أو عن أكل الحرام أو عن الوطء الحرام.
(4.8) قال تعالى: “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” (البقرة 2: 185)
العسر: المشقة والعسرة: تعسر وجود المال.
واليسر: السهولة والميسرة واليسار: الغنى “مفردات الراغب الأصفهاني”.
(4.9) من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى” (رقم 1515 في الجامع الصغير. وصححه. قال المناوي: الغنى غنى النفس والاستغناء عن الناس).
(4.10) ومن دعائه صلى الله عليه وسلم “اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم (رقم 1546 في الجامع الصغير) وحسنه. قال المناوي: قلة المال التي يخاف منها قلة الصبر على الإقلال، وتسلط الشيطان بذكر نعم الأغنياء. أو المراد قلة أعمال الخير أو قلة المدد.
(4.11) وقال صلى الله عليه وسلم “لا بأس بالغنى لمن اتقى. والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم”، (رقم 9709 في الجامع الصغير) وصححه المناوي. ورواه البخاري في الأدب المفرد رقم 301. وطيب النفس ابنساطها وانشراحها (المصباح المنير).
(4.12) وفي الحديث “نعم المال الصالح للمرء الصالح” رقم 299 في الأدب المفرد للبخاري.
(4.13) وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له بكل خير. كان في آخر دعائه أن قال: “اللهم أكثر ماله وولده وبارك له” رقم 88 في الأدب المفرد للبخاري.
(4.14) وروى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله “ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس”.
(4.15) وقال الراغب الأصفهاني رحمه الله في شرح لفظ (غنى): الغنى يقال على ضروب: أحدها عدم الحاجات وليس ذلك إلا لله تعالى. والثاني قلة الحاجات وذلك المذكور في قوله عليه السلام الغنى غنى النفس. والثالث: كثرة القنيات.
(4.16) وقال عليه الصلاة والسلام “من سعادة المرء المسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنئ” رقم 457 في الأدب المفرد للبخاري.
5- أولويات الاستهلاك وحدوده:
(5.1) عن جابر قال: اعتق رجل.. عبداً له عن دبر “أي قال أنت حر يوم أموت” فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ألك مال غيره فقال: لا، (فباعه رسول الله بثمانمائة درهم فدفعها للرجل) ثم قال: أبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا يقول فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك (رواه مسلم ج/ 3/ ص 78) وعبارة فهكذا وهكذا في الحديث كناية عن تكثير الصدقة وتنويع جهاتها، قال النووي وفيه إشعار بأن الحقوق إذا تزاحمت يقدم الأوكد فالأوكد.
(5.2) وقال جل شأنه في سورة الحج “والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير، فاذكروا اسم الله عليها صواف، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر، كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون، لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين “22/36- 37).
(5.3) عن أبي ذر رضي الله عنه قال: خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده… فالتفت فرآني فقال من هذا؟ فقلت: أبو ذر جعلني الله فداءك… فمشيت معه ساعة فقال (إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيراً فنفح فيه يمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيراً) رواه مسلم ج3 ص78. فنفح فيه يمينه… أي ضرب يديه فيه بالعطاء.. والمراد بالجهات جميع وجوه البر والخيرات.
(5.4) عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك وأن تمسكه شر لك. ولا تلازم على كفاف وابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من اليد السفلى) رواه مسلم ج3 ص94. قال النووي إن بذلت الفاضل عن حاجتك وحاجة عيالك فهو خير لك لبقاء ثوابه.. ولا تلام على كفاف معناه: إن قدر الحاجة لا لوم على صاحبه.
(5.5) وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (قد أفلح من أسم ورزق كفافاً وقنعه الله بما أتاه) رواه مسلم ج3 ص102. قوله عليه السلام كفافاً أي ما يكف عن الحاجات ويدفع الضرورات، فالكفاف يفتح الكاف من الكف بمعنى المنع لا من الكفاية، وقنعه الله. فلم تطمح نفسه لطلب ما زاد على ذلك.
(5.6) قال تعالى: “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين” (7/ 31).
(5.7) وقال “والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً” (25/ 67).
(5.8) وقال في سورة الإسراء “وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً، إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، وكان الشيطان لربه كفوراً “إلى قوله” ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً” (17/26- 29)
(5.9) وروى البخاري في الأدب المفرد رقم (444) عن عبد الله إن المبذرين هم الذين ينفقون في غير حق، وفي مفردات الراغب الأصفهاني إن المبذر هو المضيع لماله.
(5.10) وقال الراغب الأصفهاني في مفرداته في شرح مادة (سرف) السرف: تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان. وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر.. ويقال تارة اعتباراً بالقدر وتارة اعتباراً بالكيفية. ولهذا قال سفيان: ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف وإن كان قليلاً.
(5.11) وقال تعالى في سورة الحشر: “والذين تبوأوا الدار الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون” 59/ (9)
(5.12) وقال جل وعلا في سورة الإنسان: “ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً. إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً” 76 (8- 9)
6- الترف:
(6.1) قال تعالى في سورة الواقعة: “وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم، إنهم كانوا قبل ذلك مترفين. وكانوا يصرون على الحنث العظيم، وكانوا يقولون إئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون” (56/ 41- 45)
(6.2) وقال جل شأنه في سورة سبأ: “وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون. وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين. قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون” (34/ 34- 37)
(6.3) وفي مفردات الراغب الأصفهاني: الترفه التوسع في النعمة. يقال أترف فلان فهو مترف (بالبناء للمجهول وصيغة المفعول).
والنعمة: الحالة الحسنة. والنعيم: النعمة الكثيرة.
وتنعم: تناول ما فيه النعمة وطيب العيش.
ونعمه تنعيماً: جعله في نعمة أي لين عيش وخصب.
(6.4) وقال تعالى: “فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلاً ممن أنجينا منهم وأتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين” (هود 11/ 116)
7- حسن النية والشكر هما مناط الثواب وعلى الاستهلاك:
(7.1) قال صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” (متفق عليه)
(7.2) وفي الحديث (إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة) رواه مسلم ج3 ص81، يحتسبها أي يطلب بها الثواب من الله، فيثاب عليها كما يثاب على الصدقة. قال ابن مالك: يفهم من قوله: وهو يحتسبها أن من غفل عن نية القربة (التقرب إلى الله) لا تكون نفقته صدقة.
(7.3) وفي الحديث أيضاً “إن للطاعم الشاكر من الأجر مثلما للصائم الصابر” رقم 2386 في الجامع الصغير وصححه.
(7.4) وقال تعالى في سورة البقرة: “يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون” (2: 172)
(7.5) ويقول الفقهاء إن النية تحول العادة إلى عبادة (انظر “مفهوم العبادة وآفاقها في الإسلام” للأستاذ مصطفى الزرقاء)
(7.6) وقال صلى الله عليه وسلم “إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً فهو بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً يخبط في ماله بغير علم ولا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فوزرهما سواء”. رواه أحمد والترمذي واللفظ له وقال حسن صحيح (في الترغيب والترهيب الحديث رقم 20).
(7.7) عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك”. رواه مسلم ج3 ص 78. قوله في رقبة أي في إعتاقها وإنما كان أعظمها أجراً الذي أنفقه على عياله قيل لأنه فرض وقيل لأنه صدقة وصلة رحم وفي حديث مشابه في اللفظ والمعنى، يعلق أحد رواته أبو قلابه بقوله: “وأي رجل أعظم أجراً ينفق على عيال صغار يعفهم أو ينفعهم الله به ويغنيهم”.
(7.8) وعنه صلى الله عليه وسلم: “ما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة وما أطعمت نفسك فهو لك صدقة” رقم 7824 في الجامع الصغير عن أحمد وحسنه.
(7.9) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: “يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا في التراب” رقم 9990 في الجامع الصغير. وصححه المناوي وفسره: أي في نفقته في البنيان الذي لم يقصد به وجه الله وقد زاد عما يحتاجه لنفسه وعياله على الوجه اللائق، فإنه ليس فيه أجر بل ربما كان عليه وزر.
8- تكامل الاستهلاك والاستعمال للأشياء مع العقيدة:
(8.1) قال تعالى: “والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون. لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين. وإنا إلى ربنا لمنقلبون” (43/ 12- 14)
(8.2) وقال في سورة الكهف في قصة الرجلين “ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله” (18: 39)
(8.3) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها” (رواه مسلم)
(8.4) وقال أيضاً “إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله، فإن نسى أن يذكر الله تعالى في أوله، فليقل: بسم الله أوله وآخره” قال الترمذي وغيره حسن. وورد برقم 187 في الكلم الطيب وحسنه الألباني.
(8.5) وعن أبي هريرة رضي الله عنه: كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان” (رواه مسلم)
9- الاستهلاك مع كفران نعمة الله أو تجاهل الآخرة أو رفض مشاركة المحتاجين:
(9.1) قال تعالى: “فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب” (البقرة 2: 200- 202 وقد أوردناه آنفاً برقم 1.1)
(9.2) وقال في سورة الإسراء “من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً. ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً” (187- 19)
(9.3) وقال في سورة هود “وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضله، وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير” (11- 3).
(9.4) وقال في سورة الفرقان “قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوماً بوراً” (25: 18)
(9.5) وقال في سورة محمد “إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار، والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم” (47: 12)
(9.6) وقال في سورة يس: “وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه” (36: 47)
(9.7) وقال في سورة البلد: “…. يقول أهلكت مالاً لبداً. أيحسب أن لم يره أحد”… إلى قوله “فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة. فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة” (90/ 6-16)
(9.8) وقال تبارك وتعالى في سورة الماعون: “أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين..” إلى آخر السورة (107/ 1-7)
10- البخل والزهد المؤذي:
(10.1) قال تعالى: “ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك…” الإسراء. وقد سبق إيرادها بكاملها مع قوله تعالى: “والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً”.
(10.2) وقال جل وعلا في سورة الطلاق: “لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها. سيجعل الله بعد عسرٍ يسراً” (65- 7)
(10.3) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره…” (متفق عليه).
(10.4) وقال عليه السلام “وأي داء أدوأ من البخل” (رقم 9612 في الجامع الصغير وصححه”
(10.5) وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: “اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات”. وانظر شرحاً ممتازاً له في الأدب النبوي للخولي ص 251- 254.
(10.6) وقال تعالى في سورة المائدة: “يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون” (5/ 87- 88 وقد أوردناها آنفاً برقم 3.3).
(10.7) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هلك المتنطعون، قالها ثلاثاً”. رواه مسلم. والمتنطعون هم المتعمقون المتشددون في غير موضع التشديد.
(10.8) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى”. رقم 2509 في الجامع الصغير نقلاً عن مسند أحمد. والمنبت: المبالغ في العبادة المهمل للضروريات إلى حد يؤدي إلى الانقطاع كالذي يجهد راحلته في السفر حتى تموت.
(10.9) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان”. رواه مسلم. مشروح شرحاً ممتازاً في الأدب النبوي للخولي ص247- 251
(10.10) قال سلمان: “….إن لربك عليك حقاً وإن لنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً فاعط كل ذي حق حقه”.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صدق سلمان”. (رواه البخاري)