إن القرآن بالنسبة للمسلمين يمثل أوج مسيرة طويلة من الوحي الإلهي لهداية الإنسانية. ونستطيع أن نقول أنه يشير إلى افتتاح فصل جديد في تاريخ الإنسان. ويشهد القرآن على المركز السامي للإنسان في
سلسلة درجات الخليقة..حقاً، “ولقد كرمنا بني آدم” هذا هو ما أعلنه القرآن. وإن القرآن علاوة على ذلك قد وصف الإنسان كحامل لأمانة عظيمة (33- 72) ومتلق لقوى عظيمة (45- 13، 16- 14، 14- 32، 33).وفي حين أنه في الديانات السابقة الموحى بها لا يتميز الفرد عن القبيلة بطريقة واضحة، فإن القرآن يحمل رسالة مباشرة إلى الفرد ووعداً بتقرير مصيره. وهو يوضح أنه من الآن فصاعداً لن يأتي أي نبي ومعه معجزات حاضرة ليثبت صدق رسالته، ولن يبقى أيضاً مثل موسى كرفيق دائم ومرشد لمجتمعه. فعند إتمام رسالة محمد، سوف تنشد الإنسانية تحقيق مصيرها بجهودها الخاصة في ضوء الشريعة الموحى بها والحكمة المتضمنة في القرآن وسنة النبي محمد. إن الجهود التي تقام على أساس علاقته صحيحة بين الإنسان والله طبقاً للوعد الإلهي الذي تكرر ذكره في القرآن سوف تجلب سعادة عظيمة ورضى لا في الحياة الدنيا فحسب ولكن في الحياة الآخرة أيضاً.
وفي القرآن يتم التوفيق بين المذهب اليهودي الفقهي للغاية وبين التسامح الذي كثيراً ما أكد عليه المسيح، وينشأ عن ذلك تركيب جديد. إن القرآن يعلن بجلاء أن تطبيق القانون أمر صالح بدون شك، ولكن التسامح يحمل أجراً عظيماً للفرد الذي يسامح (42- 40- 43) ويجب أن يكون الأمر كذلك، لأن الروح –خلافاً للجسم الذي ينمو على أساس الأخذ- تنمو بواسطة التنازل عما يرغب فيه العنصر الحيواني داخل الإنسان. إن المجتمع –في عبادة أخرى- هو الحقل لممارسة كل من القانون والأخلاقيات. وطبقاً للقرآن، فإن كل شخص يقبل الإسلام. يلتزم بانفاق حياته وجميع ثروته للإيفاء بعهده مع الله الذي قد وعد بمقتضاه بحياة أعظم سعادة في الآخرة (9- 111). إن المسلم يلتزم بأن يفعل كل ما في وسعه بصرف النظر عن سلوك الآخرين (4- 105) لأن التزاماته فردية بالنسبة له، وتتقدم على حقوقه.. وقد لخصت خطبة النبي الشهيرة –في حجته الأخيرة إلى مكة- أبعاد تلك الالتزامات بصورة متقنة، فقد قال:
“يقول الله: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا”.
وفي مناسبة أخرى عند الطواف بالكعبة، قال النبي وهو ينظر إلى الكعبة “ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك؛ ماله ودمه، وأن نظن به خيراً”.
إن الله في الإسلام هو واضع القانون، وإن القانون الإلهي، المسمى “بالشريعة” هو فوق الحكام والمحكومين. إن الجميع مسئولون على قدم المساواة في محراب الشريعة بالنسبة لأفعالهم وأخطائهم. وإن الأوامر الشرعية فقط –كما قال النبي- هي التي يجب إطاعتها، ولا يجب أن تكون هناك أية طاعة أو تعاون في أي شيء يتضمن عصيان القانون الإلهي (5- 105) إن ممارسة السلطة العامة أمانة، وكل مؤمن ملزم بمقتضى عهده أن يفي بأمانته بإخلاص (4- 58)، ون يساعد الآخرين على عمل ذلك (5- 2)، ولذلك فإن السلطات العامة تعمل في نطاق محدود، في حين أن واجباتها تمتد إلى:
1- إقامة العدل في المجتمع، بواسطة تنفيذ الإلتزامات القانونية الخاصة بمعاونة الضعفاء ومعاقبة المنحرفين عن عمد.
2- القيام بواجبات المجتمع الإجبارية مثل جمع ضريبة التأمين الاجتماعي (الزكاة) وتوزيعها على المحتاجين نتيجة عجز دائم أو مؤقت.
3- القيام بأداء الواجبات التي ليس من الممكن، بطبيعتها، أن يتم أداؤها بواسطة الأفراد، مثل تولي الأشغال العامة والدفاع عن الحدود.
4- معاونة الأفراد على الإيفاء بالتزاماتهم الأخلاقية.
ومع ذلك فإن سلطاتها لا تتضمن:
(أ) أية سلطة لإلغاء القانون الإلهي كلياً أو جزئياً.
(ب) أية سلطة لتغيير الأولويات المحددة بواسطة القانون الإلهي (9- 19) باتخاذ التزامات أخرى وتفضيلها على تلك التي أمر بها الله.
وبعبارة أخرى: فإن أعضاء الهيئة التشريعية في الدول الإسلامية ليس لديهم سلطة مطلقة أو تامة لأن يقوموا بالتشريع كيفما شاءوا، وبالمثل: فإن أعضاء الهيئة التنفيذية ليست لديهم السلطة لأن يتصرفوا كيفما شاءوا. بل يجب أن يحاولوا دائماً أن يتصرفوا في نطاق الحدود التي وضعها القانون الإلهي، ولتحقيق الأهداف التي حددها القانون الإلهي، وأن يكون ذلك أيضاً طبقاً للأولويات التي أقرها القانون ذاته.
وبما أن الطاعة كلها تقوم على أساس الافتراض بأن الأمر غير متعارض مع القانون الإلهي، فإنه ليس من الممكن أن تكون السلطة التنفيذية أو التشريعية هي الحكم النهائي لما هو قانوني وما ليس كذلك. ولذلك فهم لا يستطيعون تحريم المراجعة القضائية لأفعالهم عن طريق استبعادهم المباشر أو الغير مباشر للسلطة القضائية.
وقبل أن نبدأ في بحث تطور الحقوق الإنسانية التي تم ذكرها بوضوح تام في خطبة النبي الواردة في فقرة 2 مما سبق، فإنه يجدر بنا ملاحظة الأوجه الوثيقة الصلة بمبدأ “الشرعية” في الشريعة الإسلامية. إن الدفعة الرئيسية لتعليمات الإسلام تهدف إلى تشكيل إنسان مكتمل أخلاقياً. وقد أعلن النبي محمد “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
ويأمر القرآن بأداء أشياء معينة ويحرم أداء أشياء أخرى. وبالرغم من أن الحساب الأخير سوف يكون في يوم الحساب، فإن بعض الآثام –مع ذلك- تتم معاقبتها في الدنيا طبقاً لنصوص جاءت في القرآن ذاته، كما أن بعضها لا تتم معاقبتها في الدنيا. إن المجتمع ككل، مثله مثل الأفراد، موجه دائماً لأن ينشد التطور في نطاق المبادئ التي وضعها القرآن. ومن الناحية السلبية: فإن المجتمع ككل وكذلك كل فرد يحظر عليه انتهاك ما وصفه القرآن بـ “حدود الله” (2- 229). ومن الناحية الإيجابية، فإن الوصية الدائمة إلى المسلمين أن ينشدوا الطرق والوسائل التي تكفل لجميعهم ما نطلق عليه في اللغة الحديثة “حقوق الإنسان”. وفي الواقع، فإن كفالة الحقوق الأساسية في الدول الإسلامية تعتبر الهدف الذي توجه إليه جميع الطاقات الاجتماعية على جميع المستويات. إن التشريع والمراجعة القضائية يعتبران ضمن الوسائل الملائمة لذلك الغرض، لأن المطلوب من جميع الطاقات التشريعية، والتنفيذية والقضائية أن تتجه إلى خلق مجتمع عادل وأخلاقي، والحفاظ عليه. وعلى أساس تلك النظرة، فإن الفارق الوحيد بين الهيئات الحاكمة والفرد العادي هو أن الأولى تحمل عبئاً أكبر من المسئوليات، وهي أيضاً تعمل تحت قيود دستورية محددة. ولا تستطيع إلا أن تقوم بالعمل لدعم أهداف وواجبات المجتمع. وفي تلك المسيرة، يظهر عدد كبير من الحقوق لصالح الفرد، وليس من الممكن إيقاف أو إلغاء تلك الحقوق، لأنه ليست هناك غاية أسمى تخضع لها.
وطبقاً للقرآن فإن “الخلافة في الأرض” أو السلطة السياسية في اللغة الحديثة تعد هبة المجتمع بأكمله (24- 55، 5- 20، 22- 41) ولا يستطيع أي شخص أن يدعي حقاً استثنائياً لممارستها (3- 79). ولقد طلب من النبي الذي كان هو ذاته المتلقي المباشر للوحي أن يستشير أفراد المجتمع عند تقرير الأمور. وهو قدوة ملزمة للمجتمع بأكمله لأن الله قال: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة” (33- 21) وحتى من نواحي أخرى، فإن المجتمع الإسلامي الصحيح يوصف بأنه مجتمع يتم اتخاذ القرارات فيه بطريق المشاورات (42- 38).
إن الكلمة التي استخدمها القرآن هي “الشورى”، وفي الترجمة فإن كلمة “Consultation” لا تفي تماماً بالمعنى الكامل. وفي الأصل، فإن كلمة “الشورى” كانت تطلق على عملية جذب العسل من الخلية. وكان استعمالها الثانوي يتعلق بعملية المناقشة المتبادلة والمشاورات إلى أن يتم الاتفاق بالإجماع العام على أسلوب للسلوك. وإن عوامل مثل إرادة الأغلبية أو المشاورات الغير ملزمة لم تتدخل فيما كان يشار إليه في الأصل بكلمة “الشورى”. وعلاوة على ذلك، فإن السلطة تعطي إلى المجتمع لإقامة “العدل”، أي لإقامة مجتمع عادل وأخلاقي يستطيع أن يعيش وينجح فيه الأشخاص العادلون المتحلون بالأخلاق.
وبعد أن ذكرنا هذه المقدمة نستطيع أن نصوغ بعضاً من الحقوق الأساسية المتضمنة في القرآن:
1- الحق في حماية الحياة:
طبقاً للقرآن، فإن حياة الإنسان مقدسة ومن بين الآيات العديدة التي تؤكد حرمة انتهاك حياة الإنسان –إلا لسبب عادل- نستطيع أن نورد ما يلي:
(1) “ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق” (17- 33).
(2) “أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً” (5- 32).
2- الحق في العدل:
إن أول واجب للنبي كان هو إقامة العدل، ولا يزال هو واجب أفراد المجتمع، وهيئاته الحاكمة. وإن السلطات الحاكمة ليست مسئولة فقط عن إقامة العدل للجميع، بل تعطي كل فرد في الحق في الاحتجاج على الظلم. ونستطيع أن نورد في هذا الخصوص الآيات التالية من بين آيات أخرى:
(1) “فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم”. (42- 14).
(2) “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون” (5- 8).
(3) “إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون”. (5- 44).
(4) “وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون” (5- 45).
(5) “وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون” (5- 47).
(6) “وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم” (42- 40- 42).
3- الحق في المساواة:
يعترف القرآن بمقياس واحد فقط للتفضيل فيما بين الإنسان وأخيه الإنسان وهو ما يرجع إلى السلوك الأكثر تقوى. ولا يعتد بأي تمييز قائم على أساس النسب، والعلاقات القبلية واللون والأرض. وتعد الآيات التالية ميثاقاً عظيماً في هذا الشأن:
(1) “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله خبير عليم”. (49- 13).
(2) “ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون” (46- 19).
4- واجب إطاعة ما هو شرعي والحق في عصيان ما هو غير شرعي:
إن المعنى الواضح لفكرة حكم الشريعة هو أن يكون الشخص مسئولاً فقط عن إطاعة ما هو شرعي والابتعاد عما هو غير شرعي وعصيانه، بل وتصحيحه إذا استطاع. وقد تضمنت الآية التالية أكثر التعبيرات شمولاً: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان” (5-2).
وقد روي عن النبي أيضاً أنه أعلن مراراً: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
5- حق المشاركة في الحياة العامة:
إن إقامة السلطة في هذه الدنيا –طبقاً للقرآن- تعد نعمة من عند الله لمصلحة المجتمع بأكمله الذي يدرك أعضاؤها دائماً واجباتهم والتزاماتهم، وإن سمة ذلك المجتمع هي أن شئون الناس تتم تسويتها من خلال المشاورات المتبادلة.
وإن أكثر الآيات صراحة حول تلك النقطة هي:
(1) “والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم” (42- 38).
(2) “وشاورهم في الأمر” (3- 159).
6- الحق في الحرية:
إن الدساتير الحديثة تقسم الحرية إلى أقسام مختلفة مثل حرية التعبير، وحرية الحركة…الخ. والقرآن لا يشير إلى ذلك فحسب، ولكنه من بين توجيهات أخرى قد وضع تصريحاً شاملاً: أنه ليس لأي شخص في السلطة -حتى النبي- الحق في استعباد شخص آخر بأي أسلوب. يقول الله:
“ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون” (3- 79) إن جوهر العبودية ذاته هو: أن العبد ليس له ملاذ ضد سيده، بل هو تابع تماماً لمشيئة سيده. إنه إنكار لكرامة الإنسان –وفقاً للقرآن- أن يكون الشخص بلا ملاذ أو وسيلة لحمايته ضد الأشخاص الموجودين بالسلطة. وفي الواقع يتعرض القرآن للاحتمال الواضح لنشوء نزاع بين السلطات العامة والأفراد. ومثل تلك المنازعات يتطلب حلها الرجوع إلى القرآن والنبي.
يقول الله:
“يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول” (4- 59).
ويوضح القرآن في أماكن عديدة من الكتاب أن القرآن ذاته هو المقياس النهائي.
وقد أمر الله النبي أن يعلن:
“أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً” (6- 144).
7- الحق في حرية العقيدة:
يصبح الإنسان –طبقاً للقرآن- مستحقاً للإجلال الروحي عندما يختار الطريق القويم بإرادته. وليس من الممكن إرغام أي شخص على أن يصبح شخصاً تقياً:
ونستطيع أن نذكر الآيات التالية في هذا الشأن:
(1) “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم” (2- 256).
(2) “فذكر إنما أنت مذكر” (88- 21).
(3) “لست عليهم بمسيطر” (88- 22).
(4) “نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد” (50- 45).
(5) “قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل” (10- 108).
8- الحق في حرية التعبير:
إن المؤمن يدين بالتزام قول الحقيقة بدون خوف أو رغبة في إظهار المحاباة.
ومن بين آيات أخرى، فإن الآية التالية تعد تصريحاً شاملاً في هذا الشأن: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولوا على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً”. (4- 135).
وقد روي أن النبي قال:
“أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر” (11).
9- الحق في الحماية ضد الاضطهاد بسبب الاختلاف في الدين:
إن الحق في الحماية ضد الاضطهاد الناتج عن الاختلافات في العقيدة أو الرأي يعد نتيجة طبيعية للحق في حرية العقيدة. ولقد ذكر ذلك بوضوح، لأن الكثير من الآثام قام بارتكابها متعصبون حسنو النية ولكنهم مغالون في الحماس.
1- “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون” (6- 108).
2- “ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون” (5- 48).
10- الحق في حماية الشرف والسمعة الحسنة:
طبقاً لما جاء في القرآن فإن حماية سمعة وشرف أفراد المجتمع أمر له أسبقية كبيرة من بين القيم الاجتماعية التي يجب أن يعمل كل فرد على حمايتها وخاصة الهيئات الحاكمة. وأن الله يحذر المجتمع بشدة من الافتراء في الحديث والكذب والادعاءات المتهورة ونشر الإشاعات.
يقول الله:
1- “لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يحاورونك فيها إلا قليلاً. ملعونين أين ما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً” (33- 60- 61).
2- “يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون” (49- 11).
3- “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم” (49- 12).
4- “إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم” (24 -23).
11- الحق في الحياة الخاصة:
إن الحياة الخاصة –طبقاً للقرآن- هي حق كل فرد. إنها ضرورة لاكتمال الشخصية. ونستطيع أن ننظر في الآيات التالية في هذا الشأن:
1- “يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون. فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم” (24- 27- 28).
2- “يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم” (29- 12).
3- “يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إنه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق” (33- 53).
12- الحقوق الاقتصادية:
إن من واجب كل مسلم أن يكسب قوته بالطرق المشروعة وأن يساهم أيضاً في الصالح العام آخذاً في اعتباره احتياجات هؤلاء الذين يعانون من عجز دائم أو مؤقت، وهم لذلك لا يستطيعون المساهمة في التأمين الاجتماعي الذي يتحقق بواسطة نظام (الزكاة). ومما يرتبط مع ذلك الالتزام ويعد نتيجة طبيعية له أن المؤمنين يجب أن تكون لديهم فرصة في العمل والكدح ليحصلوا على الغذاء والأشياء الأخرى الطيبة في الحياة (41- 10) وليحصلوا على أجر كامل وعادل في مقابل جهدهم. ونستطيع أن نتذكر الآيات التالية من بين آيات أخرى عديدة في هذا الشأن:
1- “وفي أموالهم حق للسائل والمحروم” (51- 19).
2- “ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً” (76- 80).
3- “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعملون” (2- 188).
4- “ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون” (46- 19).
5- “ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون” (39- 70).
6- “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعملون” (7- 32).
7- “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى” (53- 39).
وفيما يتعلق بالسلطات العامة، فإن عملها كوكيل عن الجماعة لا يلزمها بأي شيء أكثر من رعاية حاجات الضعفاء الذين يعانون عجزاً دائماً، أو عجزاً مؤقتاً، حتى يتم إزالة ذلك العجز، والتدخل عندما يقوم أي شخص باستغلال شخص آخر بشكل غير ملائم. إن تلك المبادئ من الزاوية الدستورية تحد من قوى السلطات العامة. فهي لا تسمح للسلطات العامة بالسلطة أو بالحق في وضع أو تغيير المعايير الأساسية للمجتمع أو أولوياته. وحيث أن الشريعة هي مصدر السلطات وهي أيضاً المقياس الذي بمقتضاه يتم الحكم بالنسبة لصحة ممارستها فإن السلطات العامة تعد مجرد آلات لوضعها موضع التنفيذ وفرضها.
13- الحق في الملكية:
يوجد في القرآن الكريم من الآيات التي تضع قواعد السلوك الخاص بجانب استخدام ثروة الأفراد والإنفاق منها مثلاً، دفع الزكاة (وهي المساهمة الإلزامية في التأمين الاجتماعي)، والصدقة (وهي غير إجبارية ولكل منها موصى بها) وتقديم كفاءة معينة. وأيضاً يشجع الناس على كسب قوتهم بالوسائل المشروعة وإنفاق أموالهم طبقاً لإرشادات الله.
يقول الله:
1- “فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون” (62- 10).
2- “يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين” (7- 31).
3- “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون” (7-31-32).
4-“وفي أموالهم حق للسائل والمحروم” (51- 19).
وقد أوضح الله سبحانه –في هذا الشأن- أن التزامات المؤمنين هي أيضاً واجبات الهيئات الحكومية. وهو يقول:
“الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر” (22- 41).
وفي حين يدعي المؤمنون وهيئاتهم الحاكمة إلى استخدام أموالهم التي اكتسبوها بوسائل شرعية طبقاً للأولويات التي حددها الله، فإن الذين يكتنزون الأموال ينتظرهم عقاب شديد.
يقول الله:
“ويل لكل همزة لمزة، الذي جمع مالاً وعدده يحسب أن ماله أخلده، كلا لينبذن في الحطمة” (104-2-5).
ويصف القرآن (قارون) بأنه كان يجسد الثراء البغيض (28-76-83) ولقد كانت آثام قارون هي:
1- التكبر والاستعراض للثروة المفعم بالغرور.
2- رفضه استخدام ثروته طبقاً للقواعد الإلهية.
3- إدعاؤه بأن لديه حق مطلق في اكتناز ما قد اكتسبه أي أن يستخدمه أو لا يستخدمه طبقاً لمشيئته.
وباختصار، فإن معالجة القرآن لمسألة الملكية الخاصة من الممكن تلخيصها كما يلي:
إنه من الممكن حيازة الملكية، وإنه من الملزم بالنسبة للمؤمنين أن يعملوا بكد وأن يكونوا ثروة، ويحصلوا على ثمرات عملهم. ولكن واجب كسب القوت يحمل التزاماً أبعد من ذلك وهو كسب القوت بالوسائل الشرعية والأخلاقية. وإن إنفاق جزء من الأموال –المكتسبة بوسائل غير شرعية وآثمة- في سبيل الله لن تمحو جميع آثامهم. ومما له أهمية متساوية أنه لا يجب أن يكتنز الناس ما قد اكتسبوه بطرق مشروعة، ولكن يجب أن ينفقوه بحرية في النواحي التي أقرها الله. وسوف يكون من اختصاص الهيئات الحاكمة للمؤمنين تنظيم الإنفاق الذي كان المثل الأول عليه هو بيت المال الذي أنشأه النبي محمد. وفي الأحوال المعتادة تستطيع الدولة أن تخفف العبء عن الفرد تاركة إياه ليقوم بأداء التزاماته عن طواعية واختيار ومع ذلك: فإنه في حالة وجود طارئ قومي، كحرب أو ما يماثلها فإن الأمر يكون أن يتحمل كل فرد عبئاً أكبر بكثير مما يتحمله في الأحوال المعتادة.
14- الحق في المكافأة والأجر الملائم:
إن المنزلة التي منحها الله لأبناء آدم، وقانون الجزاء العادل الذي أقره للإنسانية بأجمعها، يتطلب أن يحصل الإنسان في كل من هذه الحياة والحياة الأخرى على جزاء عادل عن كل ما يقوم به، ويجب معاملته بالعدل حتى عند التعرض للمخاطر. يقول الله:
1- “ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون” (46- 19).
2- “ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون” (39- 70).
ولذلك فإن السلطات الحاكمة ليس لديها الحق في أخذ شيء من أي شخص بدون أجر وإعطائه لمن تشاء بدون اعتبار للحاجات والسلوك.
1- القرآن: يحتوي القرآن بالنسبة للمسلمين على كلمة الله كما أوحاها إلى النبي محمد وسوف نذكر رقم السورة ثم رقم الآية.
2- إن سنة النبي محمد تعني الإرشاد الذي قدمه من خلال أفعاله، وقراراته ونصحه أو موافقته. وإن السجلات التي تحتوي على ما ذكرناه تسمى (الحديث)، وتعرف أشهر الأعمال التي تحتوي على ذلك السجل بالكتب الستة التي تسمى باسم المؤلف (1) البخاري، (2) مسلم، (3) أبو داود، (4) الترمذي، (5) النسائي، (6) مالك. وطبقاً للبعض فإنه كان يجب وضع سنن ابن ماجه بدلاً من “الموطأ” لمالك.
3- البخاري: سنن- فصل المناسك.
4- الكعبة: هي اسم المسجد المقدس في مكة، الذي بناها إبراهيم، والذي يتوجه إليه كل مسلم في صلواته. ويطوف المسلمون بالكعبة في خلال أدائهم للحج.
5- ابن ماجه: سنن- الحديث (3932).
6- الشريعة: تعني القانون الديني في الإسلام.
7- إن (الزكاة) هي الضريبة التي أمر بها القرآن وأوضح النبي أنه يجب أن يدفعها كل مسلم يدخر أو ينتج ما هو فوق الحد الأدنى.
إن الطبقات المحددة التي تستحق الزكاة هم المحرومون وهؤلاء الذين لا يستطيعون مواجهة مسئولياتهم بسبب عجز دائم أو مؤقت ويمكن إنفاق جزء من الزكاة كتكاليف جباية.
8- مالك: (الموطأ)- طبعة عبد الباقي- فصل 47.
9- ابن فارس: (مقاييس اللغة): الجزء 3، صفحة 226.
10- البخاري: كتاب الأحكام.
مسلم: كتاب الأمراء.
11- التبريزي: مشكاة المصابيح- الجزء 2، صفحة 325 الذي يستشهد بأبي داود، الترمذي، أحمد، النسائي وابن ماجه.
12- إن بيت المال كان هو الخزينة التي أسسها النبي محمد. وفيما مضى كان المسجد يستعمل لذلك الغرض، ثم أقيمت فيما بعد مباني منفصلة كخزائن رسمية.